-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 17 - 1 - الثلاثاء 14/1/2025

  

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل السابع عشر

1

تم النشر الثلاثاء

14/1/2025



تَرتَعِدُ أضلاعي في صمتٍ ثقيل،

وصوتُ الصدمةِ يترددُ في أركانِ الروح.

أيُ قلبٍ يحملُ أثقالَ الأمس؟

وأيُ دربٍ يَفرُ من ظلالِ الجُروح؟


أبحثُ عن دفءِ النجاة،

لكنَّ البردَ يَسري في عروقي كالنار،

عينايَ تخشى المرايا،

كأنها تخبرني بأسرار الانهيار.


لا زالت الأرضُ ترتجفُ تحت قدمي،

وكأنها تُشاركني وجعَ ارتجافي.

هل للوقتِ أن يُعيدني؟

أم أنني سرمديًّا في ضيافي؟

❈-❈-❈

صمتٌ يخيم وهدوءٌ يسبق عاصفةً تطيحُ بدقات قلب صاحبها.

رعبٌ وألم الفقد يهدمان أي ثباتٍ بداخل المرء في تلك اللحظات.

أن ترتعد أوصالك خشيةً من لحظةٍ عايشتها من قبل.

لحظات الفراق.

لحظاتٍ لا يريد حتى أن يتذكرها.

أبداً، أبداً.

تميم،

ابنه،

سنده في تلك الحياة،

وقرة عينه.

وقع جالساً على المقعد، غير قادر على الوقوف أكثر من هذا.

لم تعد ساقه قادرة على حمله.

لم يعد قلبه قادراً على التحمل.

ولا هو قادر حتى على الرد.

شاحبٌ بوجهٍ أصفر وملامح مرتعبة.

شاعراً في تلك اللحظة بقلبه على وشك التوقف.

مغمضاً عينيه محاولاً استيعاب ما سمعه للتو.

قبل أن يجد صوته هامساً بهلع وفزع:

"حادثة، حادثة إيه؟

ابني،

ابني تميم، حصله إيه؟

قوليلي ابني حصله إيه؟"

وصمت لعدة ثوانٍ قبل أن يهتف بلوعة:

"هو عايش؟

عايش صح؟

تميم عايش لسه؟

ابني عايش؟"

أتاه الرد هادئاً:لو سمحت اهدي، الحمد لله،

عايش،

وياريت تيجي في أسرع وقت.

وهنا هتعرف كل التفاصيل،

وتفهم وتطمئن من الدكاترة.

بس لو سمحت تيجي بسرعة.

وأغلقت معه بعدما أملته العنوان.

ليمسك منير بيده وهو يقول بقلق: أستاذ تميم حصله إيه؟

هو كويس؟"

هز مدحت رأسه بعدم فهم ورعب.

قبل أن يرفع يده المرتجفة يمسح وجهه المتعرق بشدة،

محاولاً التحكم في أعصابه المرتعشة.

غير قادر أبداً على فعل أي شيء.

قبل أن يقول بتعب وإرهاق:خدني يا منير،

خدني لتميم،

خدني لابني، مش هاطمئن غير لما أشوفه بعيني.

أسرع منير يمسك يده، مساعداً إياه

على الذهاب إلى السيارة.

مرتعب من أن يسقط منه في أي لحظة.

ما زال فراق زوجته الراحلة

هاجساً يطوف في عقله طوال الوقت.

ومدحت لن يتحمل أن يصيب أحد أبنائه أي مكروه،

ولا أي شيء.


❈-❈-❈


أغلقت الهاتف لتسألها زميلتها باستغراب:

"مقولتيش لأهل المريض التفاصيل ليه؟"

أجابتها مؤكدة وهي تتفحص بيانات أحد المرضى:واضح إنه كبير في السن.

الشاب كبير أصلاً. تخيلي، أبوه عنده قد إيه؟

أروح أقوله تعالِ بسرعة,

ابنك لاقوه مطعون وسايح في دمه.

الراجل هيعمل حادثة وهو جاي بسرعة من خوفه ورعبه عليه.

لما يجي إن شاء الله نشرحله الوضع والدكتور يطمنه.

لكن الحقيقة أخاف أقوله يرقد جنب ابنه.

أنا قلتله نص المعلومات.

لما يجي نعرفه الباقي.

أومأت لها الأخرى بهدوء.

قبل أن تلاحظا دخول شابٍ راكضاً من الخارج بوجهٍ أصفر مرتعبٍ يكاد يسقط على وجهه بكل خطوةٍ من شدة توتره،

وهو يسأل بسرعة غير قادر على أخذ أنفاسه:

"تميم مدحت العسلي،

جبوه هنا في حادثة،

بلغوني.

هو فين؟ هو كويس؟

أجابته بهدوء: حضرتك أخوه؟

هز رأسه نافياً قائلاً بسرعة: صاحبه.

بس لو سمحتي، عايز أطمئن عليه.

هو كويس؟

طمِّنيني لو سمحتي.

هزت رأسها قائلة بسرعة: كويس إن في حد جه.

لو سمحت، سيب جزء من الفلوس تحت الحساب

وأتفضل اطلع بسرعة الدور الثالث.

هم محتاجين لسه متبرع بالدم.

وقبل أن تكمل حديثها،

كان يخرج بطاقته البنكية بسرعة.

هزت رأسها بأسف وهي تقول:للأسف، مش متوفر دفع بالفيزا.

لازم كاش."

أخرج محفظة نقوده سريعاً يطالع ما فيها بحيرة، لا يملك هكذا مبلغ نقدي الآن.

قبل أن يسحب منها البطاقة مرة أخرى،

راكضاً للخارج،

باحثاً سريعاً عن أقرب صراف آلي.

لن يترك تميم 

لن يتركه أبدا 


❈-❈-❈


عشر دقائق من البحث المتواصل 

وأخيرا قد حصل على المال.

سحب مبلغاً كبيراً كان خاصاً بتجهيزات زفافه،

ولا يهتم أبداً أبداً.

دلف للمشفي سريعاً مرة أخري 

وهو يندفع نحوها،

يضع المال أمامها قائلاً بسرعة و تأكيد: أي كان المبلغ المطلوب هدفعه.

وده جزء تحت الحساب،

ولو عايزين أكثر هدفع.

بس،

أهم حاجة،

مينقصهوش أي حاجة لو سمحتي.

أومأت له وهي تُتِم الأمور الروتينية

قبل أن تعطيه الموافقة بالدخول.

ليركض بسرعة للداخل،

غير مهتم بشيء في تلك اللحظة

سوى أن يكون صديقه تميم بخير.

هذا هو الأهم.


❈-❈-❈

كانت ما زالت محلها كما هي،

حولها الصغار كالعاده،

صراخ هنا وهناك،

هذا يضرب هذا،

وتلك تجلس على ذاك،

وتميم الصغير يستولي على خصلات من يمر  أمامه،

فيخرجها بين يده بكل بساطة ورقة.

تنهدت بضيق، ها هي جالسة منذ مدة.

انتهت من تجهيز الحقائب،

حقيبتها والصغار،

وأصبح كل شيء جاهزًا للحجز والنزول إلى مصر في اللحظة التالية إن أرادت.

لكن وللآن لا رد من رامي،

ببساطة يتجاهلها،

بل وأيضًا يلعب معها لعبة قذرة ليثير جنونها.

يغلق الهاتف ثم يفتحه،

يتركها تهاتفه مرة، مرتين، عشرة،

ويغلقه ثم يفتحه،

لتظل هي اليوم بأكمله في ذلك الوضع.

كأنها متزوجة من طفل صغير أحمق وغبي،

لا رجل تجاوز الثلاثين، زوج وأب لأربع أطفال،

لا يفهم أبدًا.

تتساءل لوهلة

ماذا إذا هي من كانت تقع في مصيبة كبيرة؟

مرضت هي أو أحد الصغار؟

اقتحم أحد اللصوص منزلها؟

أي شيء،

أي شيء طارئ قد تحتاجه الزوجة من زوجها.

كيف له أن يتجاهل كل تلك المكالمات؟

كيف له أن يكون بقلب متحجر؟

لا يخشى عليها ولا على صغارها؟

كيف أصبح هكذا؟

أو كيف هي سمحت لنفسها أن تظل معه وهو هكذا؟

رامي لا يفهم ماذا يفعل بها،

ماذا يصنع بداخلها كل يوم،

وماذا يثبت لها بكل لحظة.

رامي يضع حجر أساس بداخلها،

لكن حجر أساس لنفورها منه،

يومًا بعد آخر.

يذرع بداخلها مشاعر لم تتخيل يومًا ما أنها ستكنها له.

لم تتصور أن يصل الحال بها أن لا تطيق حتى مجرد الظهور بالمنزل.

لكن يظل هناك سؤال،

تسأله لنفسها كل يوم.

سؤال تتهرب منه،

تتهرب أن تجيبه لنفسها ولها.

هل ما زالت تحب رامي؟

هل بعد كل هذا،

وكل ما مرت وتمر به، ما زالت تحب هذا الشخص؟

وللأسف الشديد، ورغم احتقارها لنفسها بتلك اللحظة،

مضطرة هي للاعتراف

نعم، لم تستطع نزع حبه من قلبها الغبي بعد،

حب يقودها نحو الهلاك،

وهو الهلاك بحد ذاته.


❈-❈-❈

كان حسام يضم الصغيرة شمس النائمة بين أحضانه بذهن شارد.

صراخها وبكائها الحاد في بداية إقلاع الطائرة زاد توتره هو وحور،

حتى ظل يهدهدها، وأخيرًا غفت حينما قرأ لها القرآن.

ابتسم بشرود متذكرًا كانت عادة أمه، رحمها الله، قراءة القرآن لهم جميعًا.

كانت حضنًا دافئًا يضمهم جميعًا.

حل محلها تميم...

تميم...

آه من تميم، ومن ألم تميم.


منذ أن أقلعت الطائرة عائدة إلى مصر وقلبه لا يقدر على التحمل.

يريد أن يصل بأسرع ما يمكن، وإن كان هناك ما هو أسرع من الطائرة لما ترددت أبدًا.

لا يعلم كيف حال تميم الآن، ولا يعلم أين هو حتى.

آخر محادثة مع أبيه كانت قبل صعوده للطائرة،

كانت محادثة كارثية.

أباه مرتعب، خائف، ولا يعرف أين تميم.

حتى أنه أخبره أنه إن حل الصباح ولم يظهر، سيبلغ الشرطة.


إنها المرة الأولى لاختفائه بتلك الطريقة.

لطالما كان تميم يتعامل مع صدمات حياتهم بهدوء، يحتوي الجميع، يضمهم إلى صدره،

مخففًا عنهم.

كان يحتل مكان أمهم منذ غادرت.

كان يقوم بالعديد من الأدوار، أدوار كثيرة ومرهقة لشخص واحد.

كان لهم الكثير، كان حقًا سندًا لهم.


لكن غفل الجميع عن أن هذا السند للجميع،

حتى هو يحتاج إلى سند حينما يريد أن يقع،

حينما يريد أن يُلقي من على عاتقه كل شيء،

أن يظل خالي البال، يفكر بنفسه، بحياته،

وليس بعقله ألف مشكلة يريد لها حلولًا.


كان يريد هو الآخر أن يحب، يتزوج، وينجب.

الكل فعل... إلا تميم.

الكل تابع حياته... إلا أخاه تميم.


خرجت منه تنهيدة ثقيلة وهو يزيد من ضم شمس،

حتى شعر بيد حور تحاوط يده، تضمها لصدرها.

التفت ينظر لها بتشوش،

لتهديه ابتسامة مشجعة وهي تمسح على وجنته قائلة بهدوء:


تميم هيكون كويس، أنا واثقة.

صدقني، ربنا هيحفظه ويحميه.

هو بس يمكن محتاج يكون لوحده، يفكر بهدوء ويفصل عن كل حاجة.

أنا عارفة أنك مش حابب تحكيلي اللي يخصه، وصدقني أنا مش زعلانة أبدًا.

بالعكس، أنا مقدرة أنك عايز تحترم خصوصيته.

بس هو هيكون كويس، وإن شاء الله هيظهر.

أوعي تخاف كده، أنا جنبك.

هنعدي ده سوا، أنا مستحيل أسيبك يا حسام... أبدًا.



قالتها بتأكيد.

رفع يدها يقبلها بحب، قبل أن تريح رأسها على كتفه.

يضمها وشمس إلى قلبه، داعيًا من الله أن يكون حديثها صحيحًا.

لا يريد سوى أن يكون أحبته بخير، وماذا قد يريد غير ذلك؟


وطوال الرحلة، كان لسانه لا يكف عن الدعاء،

دعاء لأخيه وأبيه الثاني، تميم،

سندهم في تلك الحياة.

فليحفظه الله لهم.

الصفحة التالية