رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 48 - 1 - الأحد 19/1/2025
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الثامن والأربعون
1
تم النشر يوم الأحد
19/1/2025
توقفت السيارة بها في هذا البلد الغريب، وسط أجواء غامضة لم تستوعبها بعد، وهي تنظر عبر زجاج النافذة طوال الطريق.
"يلا يا بهجة، إنتِ مستنية إيه؟"
كان هذا نداء زوجها الحبيب الذي سبقها بالخروج من السيارة. استدركت كلامه واستجابت، فنزلت من السيارة التي كانت تقلهم. وما إن وضعت قدمها على الأرض حتى غرست في ذلك الشيء الأبيض، فهتفت بدهشة:
"إيه ده؟ يا لهوي! أنا حاسة نفسي جوه فريز التلاجة!"
صدرت ضحكته بمرح وهو يسحبها من يدها ويتحرك بها قائلاً:
"إنتِ لسه شوفتي حاجة يا بهجة؟ أمال أنا ملبسك تقيل ليه؟ ده انتي هتنبهري أكتر جوا."
"أكتر من كده؟!"
تمتمت بها وهي تواصل طريقها معه باتجاه السلم الخشبي. صعدت الدرجات بجانبه حتى توقفا أمام مدخل كوخ خشبي. فتح الباب لتدخل خلفه، فتوقفت مكانها، تدور برأسها في كل الاتجاهات، متأملة المكان بانبهار.
تركها تتأمل حتى صرف السائق الذي وضع الحقائب خلفهما. ثم عاد فجأة ليضمها من خصرها، وطبع عدة قبلات على وجنتها، فصرخت بإجفال:
"ررررررييياض! خضتني!"
ضحك بمشاكسة وهو يقول:
"هو إنتِ لسه شوفتي خضات ولا انفعالات؟ دا أنا هبرجلك الأيام اللي جاية ! بس دلوقتي خلينا نريح الأول عشان أنا تعبااان."
ضحكت بخجل تحاول إخفاءه، ودفعته بقوة بقبضتها على ذراعه. لكنه لم يشعر بها بسبب الملابس الثقيلة التي يرتديها.
"أجل تلميحاتك الوقحة شوية، والله أنا عايزة أتعرف على كل حاجة هنا. البيت ولا الكوخ ده شكله يجنن وغريب عليا، أول مرة أشوفه.!
شاكسها بإبتسامة مراوغة:
"ماشي يا قلبي، هتتعرفي على كل حاجة بس..." توقف قليلاً قبل أن يكمل
"بس إيه الهدوم الكبيرة دي؟"
"الهدوم دي أنت اللي ملبسهالي!"
قالتها بدهشة، لكنه على الفور بدأ يخلع معطفها قائلاً بغيظ:
"آه، طبعاً، برا! إنما هنا مينفعش."
"مينفعش ليه؟"
سألته وهي تتصنع عدم الفهم، لكنه لم يترك لها الفرصة للتلاعب. دفعها بخفة لتصطدم بالجدار خلفها، وألقى المعطف أرضًا. يداه عرفتا طريقهما؛ واحدة أحاطت خصرها، والأخرى رفعت وجهها إليه ليقترب منها متناولاً ثغرها بقبلة عاصفة، ملتهفة،مشتاقة،. طالت حتى تحولت إلى قبلة ناعمة ورقيقة. قبل أن يبتعد قليلاً بأنفاس متقطعة وقال بإجابة مختصرة لسؤالها:
"عشان من هنا ورايح، مفيش أي حواجز تفصلني عنك أبداً، فاهمة يا بهجة؟"
أومأت برأسها مرتين دون أن تستطيع الكلام. فأقترب يعاود الكرة بشوق ولهفة أشد، حتي دني ليرفعها من ركبتيها مغمغمًا بنفاد صبر:
"لا، إحنا كده ملناش غير أوضتنا!"
فصرخت توقفه:
"بس أنا لسه ما اتفرجتش على باقي البيت!"
رد بسرعة وهو يتحرك بها نحو وجهته:
"هتتفرجي بعدين! البيت ده فوق الجبل، أنا وإنتِ وبس، ومفيش حد تالتنا. دا أنا ماصدقت أستفرد بيكي. هي لسه فيها كلام؟"
ضحكت بمرح وهي تجادله:
"طب ناكل الأول، أنا جعانة! رياض... رياااااض!"
❈-❈-❈
استيقظت من نومها صباحًا، تطوف بعينيها داخل أرجاء الغرفة تبحث عن من ترك الفراش باردًا بجوارها. نهضت بحذر، والقلق يزداد في قلبها أن يكون ما زال متأثرًا بحديث الأمس.
كانت على وشك الخروج من الغرفة حين أبصرت خياله داخل الشرفة، يعطيها ظهره وهو يتأمل الخارج. تراجعت عن خطواتها، وغيرت اتجاهها نحوه قائلة:
"إنت صحيت بدري ولا ما نمتش جنبي أصلاً؟"
لفت انتباهه صوتها، فالتفت إليها متكئًا على الحاجز الإسمنتي، يطالعها بصمت للحظات قبل أن يجيب بفتور:
"للأسف، ما نمتش أصلًا، رغم إني حاولت كتير، لكن النوم مهوبش عيني ولو دقيقة، وكأنه اتفق مع تعب جسمي إني ما أدوقش الراحة."
تبدلت ملامحها إلى القلق وهي تستشعر السبب الذي سرق منه الراحة وأغرق قلبه في الحيرة والتساؤلات. اقتربت منه بخطوات مترددة، وسألته بحزن:
"ليه؟ إيه اللي شاغل بالك للدرجة دي؟ معقول يكون شك يا شادي؟"
استنشق دفعة من السيجارة التي لا يلجأ إليها إلا في غمرة التوتر، وكأنها وسيلته الوحيدة للتنفيس عما يعجز عن السيطرة عليه، ثم أجابها دون مواربة:
"مش شك يا صبا، قد ما هو تفكير في الكلام اللي اتقال. يا ترى لو طلق مراته فعلاً... وحاول تاني بجواز في العلن زي ما قال... عدي مش فرصة هينة يا صبا."
نظرت إليه بذهول، وقالت بصوت مرتجف:
"وأنا إيه دخلي إن كانت فرصة ولا مش فرصة؟ إنت بتتكلم في إيه يا شادي؟ أنا مراتك!"
سمعها وأطرق برأسه للحظات قبل أن يرفع عينيه إليها قائلاً:
"عارف إنك مراتي، بس أنا بتكلم عن النفس الضعيفة. أي حد فينا ممكن يضعف قدام الإغراء، وده مش مجرد إغراء. ده تحول كبير لو حصل معاكي، ونقلة كاملة من إنسانة عادية متجوزة من واحد أقل من العادي، أينعم مستور شوية،لكن ميملكش حتي تمن الثروة اللي يملكها عدي عزام الوسيم، الغني اللي معاه سلطة وهيبة. بيملك كل حاجة، وحتى مشكلته الوحيدة مع الجواز والولاد بيعرض إنه يحلها. يعني بيفتح أبواب السعد قدامك،تقريبا هيحولك لأميرة، إنماأنا بقى..."
توقف قليلًا ليزفر تنهيدة مثقلة قبل أن يضيف بألم:
"أنا مين قصاده؟ أنا مين قصاد واحد زيه بيقدملك الدنيا على طبق دهب، وأنا؟ أنا أقل بكتير... فرق السما والأرض. أنا قصاده ولا حاجة، يا صبا."
قاطعته بحزم وهي تضع كفيها على صدره وتهزه بعنف:
"لكن قصاد صبا، إنت كل حاجة! إيه اللي خلاك تفكر فيا بالطريقة دي؟ لو كان بالفلوس أو الشكل، كنت إتجوزت من قبل ما أشوفك حتي، أينعم محدش من اللي اتقدمولي وصل لمكانة عدي عزام ، لكن كانوا ولاد ناس هما كمان وأحسن منه، ومع ذلك، ما قلتش أمين غير ليك. عشان ما جبلتش غيرك،
اللي في صدري ده.
وضربت بقبضتها على موضع قلبها، وقالت بدمعة غلبتها:
"مدقش غير ليك. سبحان اللي بيألف القلوب. أنا قلبي ما حبش غيرك. ولا كنوز العالم تقدر تخلي قلبي يستغنى عنك. فهمت ولا أعيد تاني يا شادي؟"
بصوتٍ حبس في صدره من شدة ما يجتاحه من الداخل، بعدما أثلجت صدره وبلسمت قلبه المسكين بكلماتها، هذه الجميلة الصغيرة التي تعشقه كما يعشقها، وتستغني عن مال العالم ووسامته الشديدة من أجله.
"فاهم يا قلب شادي... فاهم. يا رزق شادي وعوض ربنا ليه."
وجذبها إلى صدره بقوة، يسحقها بضمته، من أين يجد التعبير؟ أي كلمات في العالم قد تسعفه الآن؟ لقد تضخم قلبه بكم من المشاعر لا يوجد في العالم ما يمكن أن يصفها.
طال العناق بينهما، ولم تحاول تنبيهه أو منعه، فهي الأخرى كانت في أمس الحاجة إليه. حتى قطع لحظتهما صوت هاتفه يرن، مما اضطره إلى فك ذراعيه عنها. تناول الهاتف من جيب بنطاله البيتي وأجاب:
"ألو، مين معايا؟... مين؟
ممرضة المركز؟... آه يا فندم، دا رقمي اللي سجلته لتحليل زوجتي صبا مسعود أبو ليلة. هي النتيجة ظهرت؟..."
تجمد في مكانه فجأة وهو يردد بذهول:
"بتقولي إيه؟ إيجابي؟! متأكدة؟!"
صرخ بالكلمات الأخيرة وهو ينتفض، مما أثار فزعها. نظرت إليه بقلق وسألته:
"في إيه يا شادي؟"
التفت إليها بعشق العالم كله في عينيه وهو يردد:
"إنتِ حامل يا صبا... حامل يا قلب شادي!"
❈-❈-❈
داخل الطائرة الخاصة، كان قد اتخذ قراره بالرحيل دون انتظار ساعة أخرى في الوطن. علم بنتائج التحليل قبل أصحابها أنفسهم، بفضل نفوذه الواسع الذي مكّنه من مراقبة الوضع منذ الأمس.