رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 20 - 1 - الجمعة 21/2/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل العشرون
1
تم النشر الجمعة
21/2/2025
بشرى
القاهرة ١٩٢٠..
جاءه المرسال من قصر رستم باشا مؤكدا أن عليه الحضور فورا، لم يكذب سعد خبرا واندفع كما المجنون إلى هناك، متوقعا أن هناك ما قد يبرد نار شوقه لسماع ما يسعده عن أنس الوجود وولده فضل بعد تلك الشهور الطويلة، لكن ما رآه حين اقتربت العربة من القصر، جعل قلبه ينقبض، ما الذي حدث، وماذا يجري ها هنا!..
توقفت العربة وترجل منها سعد في اضطراب، لا يدري ما الذي يدور بالداخل!.. ومن هؤلاء الذين يتوافدون على القصر في كثرة بملابس حداد سوداء مقبضة للنفس!..
دخل سعد مهرولا على قدر استطاعته داخل القصر، وما أن لمحه أحد الخدم والذي على ما يبدو كان مكلفا بانتظاره واصطحابه لداخل المكتب.. تبع سعد الخادم في طاعة، فهو يدرك أنه مأمور ولا حيلة له، وما أن دخل المكتب وهم بالجلوس حتى كان رستم يلحق به، دافعا الباب في حنق، وعلى وجهه علامات الحزن البالغ، ليهتف سعد في لهفة متعجلا: ايه في يا رستم باشا!.
هتف رستم يحاول أن يتمالك أعصابه، مؤكدا في نبرة متحشرجة: والدنا كاظم باشا في ذمة الله سعد بيه..
هتف سعد في صدمة: لا إله إلا الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. حصل ميتا ده!..
هتف رستم مؤكدا: وصلتني الأخبار امبارح بالليل، راح برصاص الغدر لأنه رفض يسلم قصره ليكون مقر للقيادة اليونانية..
صرخ سعد في صدمة: وأنس الوچود وفضل ولدي!.. جرا لهم حاچة! متخبيش علي يا رستم باشا، جول كل اللي تعرفه..
أكد رستم في محاولة لتهدئة سعد الذي هاج حرفيا، وما عاد قادرا على استجماع ثباته: معرفش عنهم حاجة يا سعد بيه، محدش يعرف عنهم أي حاجة، اللي بلغني الأخبار دي قالي إنها حصلت من شهور، وإن محدش كان في القصر إلا الباشا لوحده ساعة ما اقتحمته القوات اليونانية، ولما رفض يخلي القصر.. فتحوا عليه النار.. السفلة.. الأنجاس..
هتف سعد في نبرة متحشرجة الصوت: يعني محدش عارف أنس الوچود وفضل فين!.. عايشين ولا..
هتف رستم مواسيا: اتعشم خير، طالما مفيش أخبار إنهم كانوا فالقصر لحظة الهجوم، يبقى أكيد هما بخير.. وأنا متأكد إن الباشا رحمه الله أمن خروجهم من القصر، أكيد كان خايف عليهم، ما أنس لازم حكت لك إزاي كان الوالد بيحب فضل، مش ممكن يسمح إن أي مكروه يمسه، أنا على يقين من ده..
هز سعد رأسه مدعيا التفهم، ورأسه تدور كالرحايا، وأفكاره مشتتة في عدة افتراضات عن مصير أنس الوجود وولده فضل، ما دفع رستم ليؤكد من جديد، وهو يرى سعد على حاله المبعثرة هذه: اطمن يا سعد بيه، اطمن..
هز سعد رأسه من جديد في حركة أصبحت شبه آلية، رد على حديث لا يقدر على الإجابة عليه وقد تعطلت لغة الكلام، وما عاد من لغة تكفيه ليعبر عن ذاك الحزن الذي يغرقه اللحظة، ما دفعه للرحيل متعجلا..
تاركا رستم يقف بالمكتب وحيدا لبرهة مدركا تمام الإدراك أن سعد ليس في حالته الطبيعية، وأن حالة الاضطراب التي سيطرت عليه أفقدته توازنه ورزانته المعتادة، حتى أنه خرج مسرعا ولم يقدم واجب العزاء في والده الغالي.. وله ألف عذر في ذلك! فما يعانه سعد أصبح يدركه تماما.. ما أن كرمه الله بولده بهجت، محاولا أن يضع نفسه موضع سعد، وأن لا يعرف هل زوجته ألفت وولده بهجت احياء يرزقون في بلاد بها حالة حرب! إن التفكير في ذلك الخاطر يرعبه، فما بال ذاك المسكين الذي يعيش على أمل عودة أحبابه منذ شهور طويلة!..
همس رستم مشفقا: ربنا يلهمك الصبر سعد بيه، الامتحان قاسي، والابتلاء شديد..
❈-❈-❈
أزمير ١٩٢٠..
كانت خطوات ذاك الضابط اليوناني الواثقة، ونبرة صوته القوية الحازمة، هي ما أوقفت ما كان يحدث من هرج، فقد تسمر الضابط المخول بالقبض على نوري مؤديا التحية العسكرية، وكذلك الجنود الذين كانوا يجذبون أنس الوجود الحاضنة لطفلها في شدة دافعين بهما صوب العربة ذاتها التي تحمل نوري، توقفوا جميعا عما كانوا يفعلون مؤدين التحية العسكرية حين ظهر صاحب البدلة الميري الزرقاء التي يضيء صدرها الأوسمة والنياشين، متسائلا في نبرة صارمة: ما الذي يجري! أدرك أنه اعتقالا، لكن هل هكذا تعامل النساء!..
تنحنح الضابط المسؤول عن المهمة، مؤكدا: إنها زوجته، وتعرف الكثير بلا شك سيدي، علينا استجوابها، حتى نصل لبعض الحقائق، أو قد نستخدمها كورقة ضغط حتى يعترف ويقر بما نرغب في معرفته، وعلى ما يبدو، هو لديه الكثير الذي يجب أن يبوح به..
هز القائد اليوناني رأسه متفهما، وسأل في تركية سليمة لا يشوبها شائبة، موجها حديثه لأنس الوجود، التي كانت تمسح عن وجهها دموع الذعر، تضم ولدها لصدرها في محاولة لبث الطمأنينة لنفسه: هل هذا المجرم زوجك!
هزت رأسها نفيا، وصرخ نوري من داخل العربة: اقسم أنها ليست زوجتي، هي مجرد امرأة تقوم على خدمتي ولا علاقة لها بما يخصني، وليس لديها أي فكرة عن أموري..
استشعر القائد الصدق في صياح نوري، ودفاعه عن هذه المرأة، والتي توافق رفضها الصامت، لإعلان نوري عن عدم وجود علاقة تجمعهما، إلا علاقة المخدوم بخادمه، ما دفع القائد اليوناني ليشير لأحد العساكر أمرا، خذها واجلسها بعربتي.. حتى أرى ما يكون في أمرها..
وحاد بناظره نحو الضابط مؤكدا: عليك الانتهاء من التحقيق مع ذاك المجرم سريعا، اريد تقريرا مفصلا عن كل معلومة يدلي بها مهما كانت بسيطة، مفهوم!..
أدى الضابط التحية العسكرية في طاعة صارمة، ليتوجه القائد اليوناني نحو العربة، وقد وجد أنس تجاهد في بسالة محاولة الجندي اليوناني دفعها لداخل العربة، هاتفة في اعتراض: أنا لم أفعل شيئا، ولم اقترف جرما، لما لا تخلو سبيلي وتدعوني وشأني!..
هتف القائد اليوناني مؤكدا في تركية صريحة: إذا لم تصعدى للعربة في هدوء، سأعيدك لضابط التحقيقات لتلحقي بسيدك، أو أي من كان علاقته بك، مفهوم!..
ازعنت أنس الوجود أخيرا، وصعدت العربة في طاعة دون جدال أو معارضة، فالبديل على أي حال مرعب، ولا قبل لها على تحمل تبعاته، فكرت في نوري وما قد يقاس في ذاك السجن الذي سمعت ما يجري به من تعذيب ووحشية لدفع المساجين على الاعتراف بما اقترفوا وما لم يقترفوا كذلك.. فسالت دموعها في اشفاق على ما آلت إليه حاله، وتساءلت في نفسها، هل ستكتب الحياة لهم اللقاء مجددا، أم أن ذاك كان اللقاء الأخير!.. وبكت حالها وطفلها، فهي اللحظة لا تدرك حقا، أين يكون المستقر!..