-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 21 - 5 - الجمعة 28/2/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش



الفصل الواحد والعشرون

5

تم النشر الجمعة

28/2/2025

❈-❈-❈

الإسكندرية ١٩٩١.. 

هتف سراج في رزانة: بس أنت مجلتليش يا حاچ!.. 

هتف الحاج صبري الحفناوي من داخل المطبخ، وهو يقلب بعض الحساء في قدر على النار، تاركا سراج يقوم بصنع طبق من السلطة الخضراء على طاولة السفرة بالردهة الخارجية للشقة: خير يا ولدي!.. 

سأل سراج في فضول: هو إحنا ليه عمرنا ما نزلنا الصعيد عند ناسك!.. مع إني اللي سمعته.. 

ارتجفت الملعقة التي يحملها الحاج صبري بكفه، فتركها جانبا، وحاول على قدر استطاعته الحفاظ على ثباته، متسائلا في تعجل مقاطعا سراج: سمعت ايه!. وفين!.. 

تنبه سراج بحسه الأمني، أن ذاك الأمر أزعج والده، فقرر المهادنة: أبدا يا حاچ، يعني هو سؤال خطر على بالي.. جلت أعرف بس.. 

هتف الحاج صبري متسائلا في ريبة: أنت بتخدم فين يا سراچ!.. 

حاول سراج قلب الأمر لمزاح، حتى لا يضطر أن يخبر والده بمكان خدمته الجديد، فقد أخبره أن مكان خدمته بعد النقل مكانا بعيدا عن الصعيد، حتى لا يثير لديه المزيد من القلق الذي لا يعلم له مبررا، هاتفا: ايه يا حاچ، مكنش سؤال ده! بلاه جواب لو ده هيريحك!.. 

تطلع الحاج صبري نحو ولده، الذي يفهمه أكثر من نفسه، متسائلا من جديد: مخبي ايه علي يا سراچ!.. 

أكد سراج في اضطراب: هو ده كله عشان سؤال!.. تعال بس دوج كده السلطة ملحها مظبوط ولا زايد زي كل مرة بعملها!.. 

لم يرد الحاج صبري، ليتنهد سراج وقد علم أنه لن يستطيع أن يستر الأمر عن أبيه أكثر من هذا، فذاك لم يكن طبع العلاقة فيما بينهما، تلك العلاقة التي بنيت على أساس من الثقة والمصداقية، لذا قرر مصارحته، هاتفا في صدق: بص يا حاچ، أني متعودتش اخبي عليك حاچة، بس الصراحة لما چالي خبر نجلي للصعيد، حسيت إن الحكاية دي مش هتيچي على هواك، وإني ما أني هناك هتبجى جاعد على أعصابك، فجلت اخبي عليك عشان بس أبعد عنك أي خوف، وخصوصا لما الدكتور وصى إن مفيش حاجة تزعلك ولا تتعب أعصابك عشان ضغطك يفضل مظبوط.. وميعلاش..

هتف الحاج صبري: يعني أنت اتنجلت الصعيد!.. صح!.. 

هز سراج رأسه تأكيدا، ما دفع الحاج صبري ليسأل في حرص: فين فالصعيد!.. 

أكد سراج: ماسك النجطة فنچع صغير اسمه الرسلانية.. 

همس الحاج صبري في تيه: الرسلانية!.. 

ليستطرد سراج شارحا: ناسها ناس طيبين، وكبير النچع من عيلة.. 

هتف الحاج صبري مقاطعا ولده: من عيلة رسلان، وااااه.. لسه مفيش حاچة اتغيرت.. الزمن بيغير الكل، إلا بلادنا البعيدة دي.. كن الزمن نسيها أو سجطت من حساباته.. 

همس سراج في حذر متخيرا كلماته: أنت تعرفهم يا حاچ! أصل كان باين كده إنهم يعرفوك!.. 

هز الحاج صبري رأسه مؤكدا: أيوه أعرفهم، ومين ميعرفهمش هناك، ونجع الحفناوي بينه وبين الرسلانية مفيش، يعني نعتبر كده چيران، وبينا كتير.. من أيام جدهم عبدالمجيد رسلان، ومن بعده كمان.. 

هتف سراج متسائلا في لهفة: يعني ناس مأصلين على كده! 

هتف الحاج صبري في تعجب: واه، ده هم الأصل ذاته يا ولدي.. 

ابتسم سراج في راحة، ليسأل الحاج صبري في ريبة: ايه في يا سراچ باشا!.. 

هم سراج بالإجابة، إلا أن رائحة حريق ما دفعتهما للهرولة نحو المطبخ، ليتأكد لهما أن طعام العشاء قد أحترق، ما دفع سراج ليقترح في نبرة مازحة: أنا السبب في اللي حصل ده، وهغرم نفسي تمن فرخة مشوية ناكلها مع السلطة اللي اتزنبت بره وأنا بعملها دي.. 

قهقه الحاج صبري مطالبا: طب ياللاه يا خفيف، انزل هاتها عشان أني كلاب بطني بتهوهو.. 

نفذ سراج مسرعا، تاركا الحاج صبري ينهي الفوضى التي حدثت من جراء الطعام المحروق، منتظرا ولده لإحضار العشاء، متنهدا وهو يعيد حوارهما بباله من جديد، وقد أيقن أنه كان واهما حين اعتقد أن باب الماضي الذي ظن أنه اغلقه وارتاح، ها هو يفتح مجددا، وان الماضي لا يموت بالتقادم، بل تظل أبوابه مشرعة ما حيينا.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩١.. 

كان من حظها أن تجد سالم يدخل السراي في تلك اللحظة، ما دفعها لتلحق به حتى يصطحبها لمنزله لمقابلة والدته، تلك الزيارة المؤجلة منذ صادفت سراج بالطريق.. 

سارت مع سالم وكل تفكيرها منصب على ما جرى ليلة البارحة، هناك شيء ما يجري.. يتسلل داخلها في سلاسة عجيبة لا هي بقادرة على منعه، ولا تملك رفاهية تركه يرتع داخلها كيفما شاء.. شيء حلو جدا.. ورائع جدا.. قاس جدا.. موجع جدا.. مزيج غريب من مكونات أغرب لا يمكن لها أن تجتمع وتتجانس مطلقا.. لكن ها هي تفعل.. لتكون ذاك الشعور المجهول الذي بدأ ينمو ويبرز برأسه مطلا.. معلنا عن وجوده رغما عنها.. 

تنبهت أن سالم يناديها، ربما للمرة الثانية، هاتفا في نبرة مازحة كعادته: وصلنا يا أستاذة، اللي واخد عجلك! 

ابتسمت في هوادة، وقد طرق الباب لتخرج نجية مرحبة في وهن على غير عادتها المهللة، دخلت وجلست وتركهما سالم عائدا للشيخ محمود، على وعد بالعودة ليصطحب أنس في طريق عودتها للسراي.. 

هتفت أنس متسائلة: اخبارك ايه يا نجية! معلش مقدرتش اجيلك المرة اللي فاتت اسلم عليكي قبل ما أسافر.. 

هتفت نجية وهي تضع إبريق الشاي على الموقد كعادتها: ولا يهمك يا أستاذة.. ربنا يعينك على حالك.. 

تطلعت أنس نحو نجية في تفرس، قبل أن تسأل في اهتمام: إنتي كويسة يا نجية! شكلك مش تمام، زي ما يكون في حاجة مضيقاكي، أو تعباكي!.. 

لم ترد نجية، بل تطلعت نحو براد الشاي في تيه، وما أن أعلن عن غليان مائه، حتى صبت بداخله مسحوق الشاي البني، وتشرع في صب كوب أنس، تناوله إياها.. 

سألت أنس في تعجب: هشرب لوحدي! فين كبايتك!.. 

أكدت نجية في وهن: مليش نفس.. اشربي انتي بالهنا.. 

هتفت أنس معترضة وهي تضع الكوب جانبا: مش هشرب إلا لما تقوليلي مالك! في ايه!.. اخوكي نزل م الجبل ضايقك تاني.. 

جلست نجية على حجارة بالقرب من باب دارها الموارب، متطلعة من فرجته نحو الخارج، وبدأت في الشدو هامسة:

آه ياللي. يا عيني ياللي..

ع اللي اتغرب.. راح ولا جال لي.. 

دنت أنس من نجية وهي تراها على هذه الحالة المقلقة، وجلست جوارها على تلك الصخرة العريضة، هامسة وهي تربت على كتفها، هامسة في تعاطف: مالك يا نجية!..

لم ترد نجية سؤالها، مستطردة في غنائها الأشبه بالنحيب:

راح مع الرچالة.. ولا مع الچمالة.. 

تاه من الدلالة.. ومين يا ناس يجولي!.. 

سال دمع نجية على خديها، وهي تستكمل نحيبها الشادي: 

خد شاله الحرير وطاجيته الكشمير.. 

راح يغيب كتير.. ومين يا ناس يجولي!.. 

هتفت أنس في ذعر حقيقي على حال نجية: في ايه يا نجية انطقي!.. متخضنيش عليكي كده!.. 

أدارت نجية وجهها الباكي نحو أنس، هاتفة في صوت مهزوز النبرة: أني حامل يا أستاذة.. 

لتضع أنس كفها على فمها تحاول أن تكتم صوت شهقة خرجت رغما عنها في صدمة.. 


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة