رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 18 - الخميس 13/2/2025
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
اقتباس
الفصل الثامن عشر
تم النشر الخميس
13/2/2025
الرسلانية ١٩١٩..
عواء الذئاب الذي لم ينقطع في تلك الليلة المعتمة بلا قمر، وتلك السماء الشاحبة، مع ذاك البرد القارس الذي هجم على النجع في هذه الليلة من ليالي شهر طوبة، جعل الجميع بلا استثناء يتستر خلف جدران داره متلحفا بالأغطية الصوفية، ساكنا جانب ركوة النار التي كانت مصدر الدفء الوحيد..
جعل توحيد تنتفض من موضع رقادها، تضع كفها فوق صدرها مستعيذة بالله من ذاك الشيطان الذي بث في نعاسها لعقلها ذاك الحلم المزعج، الذي دفعها لتفز من نومها بهذا الشكل المزعور.. نهضت من فراشها في هوادة، وثقل الحمل يضغط على عظام ظهرها ومفاصل قدميها، فقد كانت بطنها كبيرة على غير عادتها في حمل مختار ولدها، والذي لم تظهر بطنها في حمله إلا حين ناهزت الشهر الخامس، سارت نحو موضع القلة الفخارية تجرعت بعض رشفات من مائها، وعادت لفراشها لتتعجب من عدم وجود وهدان به، فقد كان نائم يجاورها، لقد وقعت عيناها عليه وهي تنهض لتشرب، كان هنا.. تراه أين ذهب!.. عادت تستلقي بفراشها ولكن جافها النعاس وما عادت قادرة على العودة له من جديد، فقد هرب بلا رجعة وقد بدأ فكرها في الانشغال، فما عاد حال وهدان يسر عدوا ولا حبيبا، حتى أخته التي طلبت تدخلها لتوقف شفاعات عن أفعالها التي أخذت من تعقله الكثير، ما استطاعت أن تردعها، حتى بعد أن قدمت عرضها مفضلة الابتعاد عن وهدان والعودة لبيت أخيها تاركة لها الجمل بما حمل، شرط ألا تصيب وهدان بسوء، ما حرك العرض فيها بعض الرحمة حال وهدان الذي اختل صوابه، وطاش عقله..
انتفضت جالسة ما أن دفع وهدان باب الحجرة في شدة، وما أن طالعت محياه، حتى نهضت من موضعها مشفقة على حاله، آه لو تعرف من أين يأتيها كل ليلة بهذا الشكل المنهك، والجسد المغبر من رأسه حتى أخمص القدمين، وكفيه حالتهما عدم، تسلخ جلد باطنهما والثرى أصبح كطبقة ثانية على ظاهرهما.. اقتربت تهمس له وهو يقف في منتصف الغرفة في تيه: تعالى يا وهدان، ايه في! تعال يا حبة الجلب جولي ايه چرالك وغير حالك كده!..
اجلسته على إحدى الأرائك، وضمته لصدرها وهي تبكي في حرقة، وبدأت في تلاوة بعض آيات مما تحفظ من القرآن الكريم: قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس، من شر الوسواس الخناس..
بدأ جسد وهدان في الإرتجاف في قوة كمن اصابته الحمى، كانت توحيد تتوقع أن عليها الزيادة في التلاوة، ربما تنصرف عنه هذه العين الحاسدة، التي أصابت زوجها وقلبت حاله، وكان هو من أمرها على الرغم من انتفاضه: زيدي يا توحيد، ميهمكيش من رچفتي، اقري ودفيني بين درعاتك.. لكن على العكس، كلما زادت توحيد في تلاوتها، زاد وهدان من إرتجافاته التي تحولت لإنتفاضات قوية، حتى أن الانتفاضات تحولت لرعشات قوية، دفعت وهدان ليتزع نفسه من بين ذراعي توحيد، صارخا في قهر، وهو يضم رأسه بين كفيه: بكفاياك، وجف.. حل عني حرام عليك.. اخرچ من راسي.. بكفاياك..
دنت منه توحيد تضع كفها على كتفه مواسية، تسأل في ذعر: هو مين ده يا وهدان! سلامتك يا أبو مختار..
دفع وهدان كفها عن كتفه في شدة لم تكن من طبعه معها، دافعا بها هي شخصيا لتبتعد عنه، صارخا في ضيق: بعدي يا توحيد.. بعدي..
بكت توحيد، بل انفجرت في البكاء بدموع تحمل قهر الدنيا ووجيعته، وهي ترى زوجها وحبيبها على هذه الحالة المزرية، ما دفعها لتنهض مغادرة الحجرة دون أن يحاول وهدان منعها، لتسير في خطى ثابتة لا تعرف الخوف نحو حجرة ضرتها، طرقت بابها الذي سرعان ما انفرج عن محياها، وكأنها كانت بانتظارها، لتسأل وهي تضع كفها بوسطها متخصرة في ميوعة: خير!. ايه اللي چاب ست الناس لحدة باب اوضتي!..
هتفت توحيد وقد تجمدت الدموع بعينيها، هاتفة في نبرة تحمل وجع العالم: خديه يا شفاعات، أني راچعة بيت أخوي وفايتهولك، بس كفاياكي بهدلة فيه، مصعبش عليكي حاله، مش اللي يرضيكي إنه يطلجني!.. والله ما هرچع الدار دي تاني، ولا حتى الدار اللي كان واعدني بها اتبنت من أساسه عشان ارچع عليها، أني مش خارچة من بيت أخوي تاني، وخليه يطلجني بس ترتاحي وتريحيه، وهدان بيموت يا شفاعات..
ما أن نطقت توحيد جملتها الأخيرة، حتى انفجرت في البكاء من جديد وهي تتذكر حال زوجها الذي كان ينتفض بلا حول ولا قوة بين ذراعيها، تطلعت شفاعات نحو توحيد باسمة في تشفي: عارفة إنك روحتي لكذا شيخ وخليتيه يجعد مع وهدان، يمكن يعرف يداويه، بس وهدان دواه عندي، ولو رايدة صح شفاه من حاله، طاطي وحبي على يدي..
اندفعت توحيد ممسكة بكف شفاعات الممدودة قبالتها، وانحنت تقبلها في مذلة، هاتفة بها في قهر: اهااا، أحب على يدك ورچلك كمان، إلا وهدان يا شفاعات، ده برضك أبو عيالك.. وأني مش جاعدة لكم، راچعة بيت أخوي، وهو ليكي وأني مفارجة..
هتفت شفاعات في غل، بعد أن نزعت كفها من بين كفي توحيد التي كانت منكسة الرأس تقبلها في تذلل وقهر باكية: لاه، معدش ينفع، طول ما انتي وعيالك موچودين، أني مش هيهنالي عيش مع وهدان، واستحمديه إني سيبتك بخطري تعيشي لك معاه يومين حلوين، لكن لحد كده، وكفاية عليكي جوي يا بت عبدالمچيد رسلان..
هتفت توحيد في ذعر، وقد أدركت أن شفاعات قد أطلقت كل شياطين حقدها وغلها، وما عاد من أمر قد يبرد نارها إلا إلحاق الضرر بها وباولادها، ما دفع توحيد بشكل لا إرادي أن تضع كفها على بطنها المنتفخ، وقد بدأت في التقهقر بخطوات مترددة نحو باب الحجرة رغبة في الانصراف بعيدا عن محيا شفاعات التي بات مرسوم على ملامحها الشر المطلق، وعيناها نظراتها لا تحمل إلا الكره الدفين..
ما أن أصبحت توحيد خارج غرفة شفاعات حتى أطلقت ساقيها للريح متناسبة وجع ظهرها، وثقل حملها الذي أوشك على القدوم للدنيا، مندفعة نحو حجرتها، التي ما أن فتحتها حتى وجدتها فارغة ووهدان ليس هنا كما تركته، لكن الأهم ولدها مختار، أين ذهب، بحثت عنه هنا وهناك بلا جدوى، ما حثها على الاندفاع صوب الخارج، تركض بشكل جنوني نحو دار أخيها، صارخة بشكل هستيري باسمه، لعله يسمعها ويأتي ليخلص ولدها من ذاك الشر المحدق به..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية