-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 23 - الأثنين 7/4/2025

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش



الفصل الثالث والعشرون


تم النشر الأثنين

7/4/2025

الرسلانية ١٩٢٢.. 

تسلل وهدان لداخل داره في حرص تام، صاعدا الدرج نحو حجرته بالطابق العلوي للدار، والتي اتخذها ملجأ له بعيدا عن شفاعات وأفعالها، تلك الحجرة التي كانت يوما مستقره وتوحيد، والتي شهدت أروع أيام حياته ولحظاته مع حبيبته الغالية، والتي كان وما زال لا يجد فيها إلا الراحة والسكينة التي افتقدهما ما أن أقصى توحيد بعيدا عن عالمه، خشية عليها من أفعال شفاعات ومكائدها، وحماية لولده الوحيد مختار.. 

دخل وهدان الغرفة وهو يحمل ذاك الطشت النحاسي الواسع، وضعه جانبا في هدوء وحذر حتى لا يصدر صوتا يكون دافعا لقدوم شفاعات لاستطلاع ما يفعل، طل برأسه لخارج الحجرة يتأكد أن ما من أحد قد فطن لما يفعل، فأطمأن أن الأمور هادئة ولا أحد من خدم شفاعات قد أدرك قدومه من الأساس، ما حثه ليدخل مغلقا عليه باب الحجرة في حذر شديد.. واضعا الطشت النحاسي في منتصفها تقريبا، خالعا عنه ملابسه بالكامل، مندفعا صوب مكان مستتر بأحد أركان الغرفة، حيث أخرج ضالته، متناولا تلك الزجاجة التي كان الشيخ رضا المحمدي قد دفعها لكفه حين مر عليه بالمقام، أمرا إياه بافراغها على سائر بدنه في مكان طاهر بعيدا عن بيت الخلاء، والقاء الماء الناجم عن غسله بعدها.. داخل غيط مزروع أو أرض براح.. وها هو يفعل.. منفذا تعليماته بالحرف الواحد.. جذب بأسنانه عن فوهة الزجاجة غطائها من الفيلين، ملقيا به جانبا، ووقف في منتصف الطشت النحاسي بقلب واجف، وقد شرع رويدا رويدا في إفراغ محتويات الزجاجة على قمة رأسه لينساب سائلها على سائر بدنه على مهل كما نصحه الشيخ رضا. 

كانت شفاعات في تلك اللحظة تتقلب على فراشها في غفلة عما يدور تحت سقف دارها، كانت غارقة في سبات عميق ولا تدرك ما يجري بعد أن فقدت الرغبة والأمل وتملكها اليأس من إعادة وهدان لسابق عهده، ذاك الزوج المحب، على الرغم من أن كل ما فعلت لم يكن إلا لهذا الدافع من الأساس.. حتى أنها وبعد العديد من المحاولات المستميتة،  التي باءت جميعها بالفشل، ما عادت تحاول.. فقد اكتفت بأن وهدان حتى وهو على هيئته تلك، هو لها وحدها دون شريك ينغص عليها حياتها، وينل منه ما لم يكن يوما لها، لكن ذاك المجهول زارها في منامها زاعقا بها أن تنهض، فما يحدث اللحظة بقادر على تخريب كل ما سعا إليه لسنوات.. 

انتفضت شفاعات تبحث عن ذاك الصوت الذي هزها بهذا الشكل المرعب فلم تجد مخلوقا بالغرفة، إلا أنها قررت النهوض لتفقد ذاك الرجل الذي احتار فيه أمرها.. 

صعدت الدرج في هوادة، وما أن بدأت تقترب من باب حجرة زوجها، إلا وبدأت الرجفة تنتابها، توقفت لبرهة لا تدرك ماذا دهاها، ولم هذه الرجفة التي تشمل سائر جسدها!.. اقتربت من جديد لباب الحجرة لتتوالى الرجفات بشكل متتابع أشبه بصاعقة تملكت أطرافها ما حثها على الوصول مهرولة للحجرة دافعة بابها في شدة وعزم، لتجد زوجها يقف في وسط الغرفة كما ولدته أمه داخل طست نحاسي، يسكب على بدنه محتويات الزجاجة التي يرفعها فوق رأسه والتي لا تعرف على ماذا تحتوي..  ولم يهتز له ساكن أو يطرف له جفن، متجاهلا دخولها العاصف ذاك، وقد زادت ارتجافات جسدها قوة وانتفاضا وهي تزعق في صوت ثعباني لم يكن يوما لها: ايه اللي بتعمله ده يا حزين!.. هات الجزازة اللي ف يدك دي!.. 

فتح وهدان عينيه متطلعا نحو شفاعات في لامبالاة، هامسا في هوادة، أمرا في حزم: اخرچي، وخدي الباب في يدك وغوري، وملكيش صالح باللي بعمله.. 

جزت شفاعات على أسنانها، وقد بدأت تشب على أطراف أصابعها برعونة في محاولة للوصول للزجاجة التي يرفعها وهدان فوق رأسه عاليا، حتى لا تصل لها، وحتى لا تعطي له الفرصة ليكمل ما بدأه بإفراغ سائلها على جسده في هوادة، ما جعله ينفعل دافعا عنه شفاعات في قوة، أمرا من جديد وبصرامة: غوري، وبعدي يدك عني، مش هنولهالك يا شفاعات.. مش هنولك الجزازة ولو فيها موتي.. 

صرخت شفاعات وقد أصبح وضعها خارج عن السيطرة تماما وهي تأمر وهدان في نبرة أشبه بالفحيح: جلت لك ناولني اللي فيدك ده، عاطيهولي و... 

لكن شفاعات توقفت وبدأت في الصراخ في ألم، وقد مستها نقطة من سائل الزجاجة الذي كان ينسدل على بدن وهدان على الرغم من محاولتها إيقافه، مبعدة يدها عن وهدان قسرا، متطلعة في غل واضح يبرق من نظراتها المخيفة  نحو موضع الوجع بكفها.. والذي صار أشبه بأثر حريق مادة كاوية يأكل جلد كفها.. 

تطلعت شفاعات صارخة من جديد نحو وهدان، تسأله في ثورة عارمة: مين اللي عطاك الجزازة دي! جول!.. انطج!.. مين اللي شار عليك بها!.. انطج.. 

تطلع وهدان نحوها في لامبالاة.. غير عابء بثورتها.. وهي تعيد سؤاله لعلها تعلم من أين له الحصول على مثل ذاك السائل الكاوي الذي لم يصبه هو بأذى وهو يغمره كليا، بينما ترك أثر حرق بشع على سطح جلد كفها بهذا الشكل، لكن وهدان لم يجب، بل ظل يتمتم ببعض الكلمات التي أعادها عليه الشيخ رضا حين أعطاه الزجاجة.. حتى حفظها جيدا..  مؤكدا عليه أن يكررها ما أن يوشك سائل الزجاجة على النفاذ، ما دفع شفاعات للدوران حول نفسها كالتائهة منزعجة من وصول همسه ذاك لمسامعها، حتى انتهى بها الأمر لسد آذانها بباطن كفيها صارخة وهي تندفع مغادرة الحجرة في عجالة، تاركة وهدان خلفها وهو يتمتم أدعيته عاملا بنصيحة الشيخ رضا بحذافيرها، حتى انتهى أخيرا.. جالسا في قلب الطشت، وقد شعر أنه وبعد سنوات طوال، بدأ ولو قليلا..  يستعيد وهدان على صورته الأولى.. 

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة