-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 24 - الخميس 10/4/2025

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


اقتباس

الفصل الرابع والعشرون


تم النشر الخميس

10/4/2025

أزمير ١٩٢٢.. 

لا تعلم ما الذي يجري!.. لمَ تحولت كل تهليل النصر وصيحاته الفرحة من حناجر أبناء جلدتها إلى صرخات اللحظة!.. صرخات عالية وتوسلات بالرحمة، وركض من هنا وهناك، طالعتها في ذعر من خلف باب كوخ الخالة يلديز منبئا أن الأمر قد تحول إلى كارثة.. فتحت باب الكوخ في بطء شديد تتطلع نحو الدرب لتشهق في صدمة جراء ما تطالعه الآن.. ألسنة من نيران ترتفع من جانب الحي اليوناني والأرمني.. وكأن أبواب الجحيم قد فُتحت.. وهبوب بعض الريح يساعد على انتشار ألسنة اللهب من موضع لآخر بسرعة رهيبة.. وها هي النيران تقترب من بنايات الحي الذي تسكن.. 

تعالت الصرخات أكثر.. وركض أهل الأحياء المتضررة، حاملي أطفالهم وما باستطاعتهم من متاع في محاولة للهرب من الحرائق التي تلاحقهم.. يا الله.. أزمير تحترق.. والكل يركض فزعا ورغبة في النجاة.. 

الأرمن يُقتلون ويحرقون داخل دورهم.. واليونانيون يهرعون صوب الشاطيء رغبة في الهرب على سطح بعض المراكب والسفن التي تقبع بالميناء.. لكن لا سفن كافية لنقل المستنجدين الأملين في الفرار، والمكدثين على شاطيء البحر.. والسفن الفرنسية والإنجليزية غير راغبة في التدخل، فهي لم تأخذ الأمر لتمد يد العون والمساعدة لهؤلاء المساكين.. فوقفت تشهد المأساة في صمت مخزي.. 

الفوضى أصبحت تعم المدينة، واختلط الحابل بالنابل.. وما عاد عليها من شخص آمن.. كل الأرواح مهددة.. والمبان تطولها النيران، التي لا تفرق ألسنتها الممتدة ما بين بيت قاطنيه أرمن.. وبيت قاطنيه يونانيون..

وصل خبر الحرائق المنتشرة بكل شوارع أزمير لمسامع الجند والضباط بالمعسكر الذي اقتيد له بعد العثور عليه في مقر القيادة، بالقبو حيث كان مختبئا معها.. وعلى الرغم من آلامه التي لم تبرأ، كان عليه أن يتحرك وفورا، المدينة تحترق، وهو غير مطمئن من أن يكون موضع كوخها بعيدا وما طاله الحريق، تسلل من خيمته التي وضعوه بها تحت حراسة واهية، لحين إشعار آخر.. فلم يكن أحد يعلم حتى هذه اللحظة، ما القادم من أحداث قد يغير ميزان القوى، ويغير دفة الأمور.. الوضع كارثي.. ولاحت سحب الدخان بالأفق.. مؤكدة أن الأمر جلل.. حتى تصل هذه الأدخنة القوية لمعسكر اسراهم بأطراف المدينة.. 

كانت آلام جراحه مبرحة، لكنه لن يهنأ حتى يطمئن أنها بخير، تطلع لملابسه العادية التي ارتداها بديلة عن زيه العسكري، كانت مناسبة تماما للتجول دون أن يلفت الأنظار على الرغم من تباطؤ خطواته في بعض الأحيان حين يقرصه الوجع بجرح صدره، عندما يرغب في الحصول على المزيد من الهواء النقي الذي صار عزيز المنال في أجواء المدينة المشبعة بالدخان الخانق.. 

وصل أخيرا بعد معاناة للكوخ الذي كان لحسن الحظ بعيدا إلى حد ما من أن تمتد إليه يد اللهب بضرر.. طرق بابه في عجالة، ليأتيه صوتها من الداخل متوترا مهزوزا: من هناك!..

ليؤكد عليها نيكوس في نبرة مطمئنة: افتحي أنس، إنه أنا!.. 

فتحت الباب بانفراجة بسيطة، متطلعة لذاك الذي يقف منحنيا في ألم، مستندا على إحدى ضلفتي الباب يحاول أن يلتقط أنفاسه، رفع ناظريه إليها.. وتطلعت هي نحوه تستبين حقيقته، فهذه هي المرة الأولى التي تراه دون ذيه العسكري، وها هو اللحظة يقف أمامها في لباس رجل عادي من العامة.. تبدل كليا.. وكأنها تراه بعين جديدة، أو ربما.. يكسب الزي العسكري صاحبه مهابة، قد لا تكون مكون حقيقي في أصل ذاته.. شعرت أنها اطالت النظر.. ما دفعها لتفسح الطريق، مشيرة إليه بالدخول، ليسأل في لهفة: هل أنتِ وولدك بخير!.. 

أجابت بإيماءة من رأسها، فنيكوس كان آخر شخص تعتقد أنها قد تصادف رؤياه والمدينة تحترق بالخارج، وتسألت في تعجب بدورها: كنت أعتقد أنك غادرت المدينة مع من غادروا!. او أن الجنود قد.. 

لم تكمل جملتها، وفهم هو المقصد، فهتف وهو يجلس في وهن: لا، لحسن الحظ، كضابط برتبة كبيرة، بقاءهم على حياتي مصلحة، وأما عن الرحيل.. فسيحدث، لكن تأخر الرحيل هو من حسن حظي، حتى يكون لي الفرصة لتوديعك بما يليق.. ولأجلب لك هذا.. 

أخرج نيكوس من جيب بناطله خاتم ثمين قدمه لها، أمرا في لطف: خدي، ذاك كان إرثا عائليا، كان من المفترض أن يكون لأكبر الذكور سنا بالعائلة، والذي صادف أن يكون أنا، لأهبه للمرأة التي أعشق، حين أقرر الزواج بها.. 

لم تمد أنس الوجود كفها لأخذ الخاتم، متسائلة في دهشة: وما دخلي أنا في شأن عائلي كهذا!.. اعتقد أن عليك منحه لزوجتك المستقبلية.. 

هتف مؤكدا: لم يأت الأمر على ذكر الزواج هذا أولا يا أنس الوجود، قال المرأة التي أعشق.. حتى ولو كنت أعلم أن الوصول إليها محال، والاجتماع بها ضرب من ضروب الجنون.. 

اضطربت أنس الوجود، وجال ناظرها بكل موضع إلا موضع كفه الممدودة تجاها.. متجنبة النظر إليه حتى لا تتلاقى نظراتهما.. ليستطرد نيكوس في نبرة دافئة، وهو يضع كفه الآخرى على موضع جرحه: خذيه يا أنس، هو لكِ، تصرفي فيه كما ترين، حتى تستطيعي العودة لزوجك، فلا تقعدك قلة المال عن تدبير سفرك وولدك في أقرب فرصة.. ومن فضلك، لا تفكري مطلقا في الذهاب لقصر والدك، فأنا أعلم أكثر عما قد ينالك هناك.. إياك والاقتراب حتى.. رجاءً..

ساد الصمت، وظلت أنس الوجود على حالها، وكذلك يد نيكوس الممدودة، حتى تأكد له أنها لن تلين وتمد كفها بالمقابل لتأخذ الخاتم.. ما حثه على تركه جانبا فوق الطاولة المستديرة التي تحتل منتصف الكوخ تماما.. 

نهض متكيئا على نفسه، متطلعا لتلك المرأة التي يعلم أن عشقه لها لن يتكرر، وأن ذاك السر الدفين الذي ظل محتفظا به طي الكتمان طوال الشهور الطويلة الماضية، سيظل سره الأروع على الإطلاق.. 

سار نيكوس نحو الباب، وما أن هم بالخروج، حتى همس في نبرة وجلة: أنس الوجود!.. 

رفعت نظراتها إليه في اضطراب، ليستطرد هو في نفس النبرة: كوني بخير وسعادة دوما، وابلغي زوجك ذاك المحظوظ تحياتي.. والكثير من غبطتي.. والقليل من حسدي، فهو بالتأكيد رجل مميز، حتى يهبه القدر امرأة رائعة مثلك.. وداعا.. يا نقية!.. 

فتح نيكوس الباب وخرج، ولم ينتظر منها وداعا، يكفيه أنه اطمأن على حالها، وأمن خروجها من أزمير.. لتصل لزوجها بسلام.. 

تطلعت أنس الوجود من تلك النافذة الضيقة المطلة على الطريق، وتابعته بناظريها وهو يسير بعرج بسيط لإصابة قدمه، حتى غاب متخفيا بين الأكواخ محاولا تجنب أماكن الحريق الذي صار قريبا، لكنه محجما داخل أحياء بعينها.. لتسيل دمعة حارة على خدها مودعة.. وممتنة.. 

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة