-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش اقتباس الفصل 25 - الإثنين 14/4/2025

 


قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


اقتباس

الفصل الخامس والعشرون


تم النشر الإثنين 

14/4/2025


الرسلانية ١٩٢٣..

دخلت عربتها حدود الرسلانية، وسارت بطول ذاك الدرب الترابي الضيق، وتذكرت كيف سارت عربة زفافها بنفس الطريق منذ سنوات خلت، وكأنها تبصرها اللحظة رؤيا العين، وتسمع طبول الفرح التي استقبلها بها سعد بيه.. لحظة!.. هذه بالفعل طبول فرح وعزف المزامير.. ما الذي يجري!.. 

كان الطريق قد بدأ يزدحم بالمارة، وكأنهم على اتفاق للذهاب إلى بيت رسلان، نفس طريقها.. طرقت على داخل العربة من ناحية السائق، الذي تنبه في أدب، لتسأل مستفسرة: هناك أمر يحدث! أسأل أحد المارة.. من فضلك.. 

سأل السائق، ثم عاد إليها مجيبا أنس الوجود: بيقولوا في فرح هناك في بيت الرسلانية!.. 

لم تعقب بحرف، فرح في بيت الرسلانية!.. من يتزوج!.. هل يكون سعد قد فقد الأمل في عودتي.. وفكر في الزواج بآخرى!.. لا.. ليس سعد.. سعد بيه لا يفعل .. أنا أعلم أنه بانتظاري مثلما انتظرت هذه اللحظة لسنوات طويلة ذقت فيها الأمرين من أجل العودة لأحضانه.. كانت الأفكار تتقاذفها حين طرق سائق العربة الفاصل بينهما مجددا، يستأذن قائلا: الطريق زحمة بالناس والركايب يا هانم.. ومفيش أمل كده نوصل.. بس في طريق فرعي ممكن ناخده ونبعد عن الزحمة دي.. ايه رأي سعادتك!.. 

هزت أنس رأسها المكتظ بالخواطر في إيجاب، وحين أدركت أن السائق لا يرها، هتفت مؤكدة: تمام، خد الطريق الفرعي بعيد عن الزحام.. 

اتخذ السائق الطريق الفرعي، لتجد أنس الوجود نفسها أمام أرض البركة، نعم.. إنها هي.. لكن.. ما هذه السراي الرائعة الجمال التي تقف في قلبها شامخة بهذا الشكل المهيب!.. كانت تتطلع نحو السراي وبهاءها بهذه الأنوار المشعلة على أطراف سورها الحديدي المتوسط الارتفاع.. 

توقف السائق عند مدخل السراي، وعلى بوابتها وجد ذاك الرجل الأسمر، سأله عن كيفية الوصول لبيت سعد بيه رسلان.. 

سأل الرجل الأسمر: طالب مين هناك!.. 

طلت أنس الوجود من خلف استار العربة، تتطلع إلى صاحب ذاك الصوت المألوف لاسماعها، لتزيح الستار هاتفة في محبة: أنا من يسأل يا مصباح.. 

انتفض مصباح بموضعه صارخا: الهانم!.. أنس الوجود هانم!.. يا فرحتك يا سعد بيه!.. الفرح هايبجى فرحين!.. 

فتح مصباح باب العربة، وعيناه مغرورقة بالدموع، مطالبا أنس الوجود في تأدب: اتفضلي يا هانم، اتفضلي.. ده بيتك ومطرحك.. 

ترجلت أنس الوجود من العربة في شك متسائلة: بيتي!.. ودار الرسلانية.. من يعيش فيها!.. وفرح من الليلة مصباح!.. 

هتف مصباح وهو يسبق أنس الوجود مهللا: فرح ست توحيد على سي وهدان الحراني.. ما هم رچعوا لبعض.. 

سارت أنس الوجود خطوات وتوقفت متسائلة: رجعوا لبعض!.. هو واضح إن حصل حاجات كتير وأنا غايبة!.. 

أكد مصباح في عجالة: حاچات يامااا يا هانم.. أني لازما اچري ابلغ سعد بيه .. 

أرسل مصباح خادمة كانت تعرفها من قبل سفرها ليسهل لها التعامل معها، والتي بكت في فرحة مطلقة زغرودة مدوية بقلب السراي، حين لاحت طلت أنس الوجود.. 

تمنع فضل قليلا في الذهاب مع الخادمة، مفضلا المكوث مع أمه.. فقد كان قد ركن للنوم في الطريق للنجع، لكن أنس طمأنته ليذهب برفقتها، فحملته الخادمة لحجرته التي أعدها سعد لولده.. بينما أشارت لأنس على الغرفة التي أعدها سعد لنفسه.. ولم تطأها قدماه ولو لمرة واحدة حتى.. 

دفعت الباب في هوادة، لتجد حجرة لا تقل فخامة ورقة عن حجرات القصور التي وطأتها قدماها طوال حياتها.. توقفت في منتصف الحجرة لبرهة قبل أن تقترب من المرآة بأحد الأركان.. وتلك الطاولة التي يركن عليها بعض زجاجات العطر.. والتي تعجبت أنها نفس الأنواع التي تفصلها.. تطلعت لنفسها بالمرآة.. تراها لم تتغير في نظره!. تنهدت في وجد لا تصدق أنها أخيرا ها هنا بقلب دارها.. وأن سعد قد يهل عليها ما بين لحظة وآخرى.. تضاعفت خفقات فؤادها في جنون.. فرفعت كفها لنضعها فوق موضع فؤادها الصاخب، لعله يستكين ويهدأ.. لكن ما أن بدأت خفقاته في التباطؤ، إلا وارتفعت دقات قلبها على بوابات صدرها حد اللاطبيعي حين هتف صوته باسمها: أنس الوجود!.. أنس!.. 

كان يقف مشدوها عند باب الحجرة، بينما استدارت هي تتطلع نحوه في رعشة انتابتها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها.. متسمرة موضعها وعيناها لا تبرح محياه المذهول.. دخل الغرفة مغلقا بابها في عجالة، متقدما نحوها في خطوة متمهلة، أعقبها اندفاع صارخ، مطوقا إياها بجنون، يردد اسمها كالمسوس، يكرره في شوق طاغِ.. فما كان منها إلا البكاء شاهقة، تهمس له على قدر استطاعتها، من بين شهقات نحيبها: هي سعد بيه، هي أنس الوجود التي تعذبت كثيرا في بعادك.. 

أدخلت كفيها بين طيات عباءته حتى ظهره.. تتشبث بجلبابه في لوعة.. وهو لا يزال مكررا اسمها في وجل وهيام.. دافعا عنه العباءة التي تعيقه عن ضمها إليه بل اعتصارها حتى تبيت بين الضلوع.. 

سقط حجابها عن رأسها بعد أن انزاح بفعل ذاك اللقاء الملتهب، ليتطلع سعد لشعرها، هاتفا في نبرة مصدومة، ونظراته تحمل وجعا لا يمكن مداراته، على الرغم من أن شعرها استطال بعض الشيء: ايه اللي چرا لشعرك!..

وضعت أنس الوجود كفا مرتجفة على شعرها القصير، متطلعة نحو سعد في نظرة تحمل فخر الدنيا، مؤكدة في نبرة معتزة: ما كان لشعري أن يكون لغيرك.. أو أن يمسه مخلوق غيرك.. فأنا كلي وجزئي.. مجملي وبعضي.. روحي وقلبي..لرجل أوحد.. هو بعيني كل الرجال.. سعد بيه.. 

تطلع إليها سعد في نظرة تحمل أكثر من مجرد عشق، بل عشق فاق حد الصبابة، هاتفا ونبرة صوته تهتز هياما: ووه يا أنس.. 

جذبها مجددا لأحضانه، مطوقا خصرها بذراعين من حنو، دافنا رأسه ما بين جيدها ونحرها، يحاول أن يكون أكثر تماسكا، لكنه لم يقدر إلا على أن يشهق باكيا.. ما عادت أرجلهما بقادرة على حملهما فتشبث كل منهما بالآخر حتى سقطا أرضا في هوادة، كل منهما يبكي تنازعه مشاعر مختلطة، ولم يفلت الآخر.. 

وأخيرا.. رفعت أنس الوجود رأس سعد من بين أحضانها، تضم وجهه بين كفيها، متطلعة إلى عمق عينيه الدامعة، هامسة في وجد: لا تفلتني بعيد عنك أبدا.. مهما حصل.. فبعيد عنك كان العالم قاس جدا على أنس الوجود.. بعيدا عن حضنك الآمن.. ما كان هناك أمان.. وها أنا أعترف أمام عينيك من جديد.. أنا أحبك كثيرا سعد بيه.. 

لم تكن إجابة سعد كلمات، يرد بها على كلمات أنس الوجود بدوره، بل جذبها لصدره.. مطوقا إياها بذراعي روحه.. يبثها ذاك الأمان الذي لم تجده يوما إلا بين ذراعيه.. التي لن تفارقما ما حيت.. لن تفارقما أبدا.. 

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة