-->

رواية جديدة كيان مستغل لشيماء مجدي- الفصل 5 - 1 - السبت 24/5/2025

 

قراءة رواية كيان مستغل كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية كيان مستغل

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة شيماء مجدي

الفصل الخامس 

1

تم النشر السبت 

24/5/2025


بدا حفل عقد القران أشبه بمسرحية متقنة التنفيذ، زُيفَت الابتسامات، وارتسمت بحرفية أمارات السرور، وذلك فقط حتى تظهر المصاهرة سعيدة أمام الحضور، خاصة المستغربين منهم، من اختيار التوقيت، ففقيدهم لم يتخطَ الشهر على وفاته، ومن المفاجئ أن تقام مثل تلك المناسبات، خاصة خلال الأشهر الأولى بعد الوفاة، ولكن بالبطبع لم تكن "كيان" بحاجة إلى إبداء الأسباب، أو الرد على التساؤلات، فعمها تولى المهمة، وأقنع الجميع بالكذبة المزعومة، في رغبة والدها الراحل بالاطمئنان على ابنته، والتعجيل في الزواج.


صدمة كبرى حلت عليها بعد الانتهاء من الحفل، كانت للحقيقة أشد من سابقتها، عندما علمت بزواجها المحتوم من ابن عمها، وهي انتقالها تلك الليلة كعروس لبيتهم، وهذا ما جعل الخوف يدب في كامل أوصالها، فهي لم تتهيأ لذلك نهائيًا، فقد ذهب ظنها حول وجود فترة خطبة، ستنتهي بتحديد موعد لحفل زفاف، سيليه انتقالها لبيت الزوجية، وبالبطبع الرفض كان حلًا لا يُرجى منه فائدة، قابله عمها بالتصميم، فمن وجهة نظره لا يوجد داعٍ لإقامة حفل آخر طالما تم إشهار عقد القران، ومكانها الصحيح الآن بات في بيت زوجها.


خوفها من تبعات الرفض، خاصة وأن والدتها تأهبت للرد، الذي سينتهي بعراك ملحمي لا تضمن عواقبه، ولن تتحمل أن تكون طرفًا به، يتم التنازع على مصيره، جعلها تقبل مرغمة، وصعدت لإعداد حقائبها، وجمع كافة متعلقاتها، كانت تشعر بالتيه وعدم التصديق، لأخذ حياتها منحدرًا مغايرًا لكافة توقعاتها في طرفة عين، وكأن أحد كوابيسها تجسد على أرض الواقع، فمن كانت تبغض رؤيته طوال السنوات الماضية، وترتاب من ذكر اسمه، ستعيش معه تحت سقفٍ واحدٍ، كزوجة ابن، وليست ابنة أخ، جمعه معه خلافات، وصراعات دائمة.


اضطربت أنفاسها منذ خطت بقدمها داخل الفيلا، وكل ما بها بات ينتفض، بالرغم من هدوء الأجواء إلى الحين، ولكن فكرة مكوثها معهم تجعل أمعائها تتلوى بشعور متعِب، وكأنما تم اختطافها، وليست عروس تُزَف إلى بيتها، وقفت في منتصف الغرفة، الخاصة بمن بات زوجها، بعدما رافقتها العاملة أثناء صعودها، لبقائه مع والده بالأسفل ينشغلان في حديثٍ، لم تهتم للبقاء لمعرفته، تدور بنظرها في كافة الأنحاء، تحاول الشعور بالدفء الذي كان يغمرها بغرفتها، وتعتاد على ألوانها وأثاثها الغريب عنها.


بالرغم من رقي الغرفة، وهدوءها الباعث على الراحة، ولكن بقى الشعور الغالب بداخلها هو الوَحشَة، وكأن تركها لبيتها أشبه بغُربة من الآن تتآكل بروحها، عادت الانتفاضة لجسدها من جديد، حينما وقع على سمعها صوت غلق باب الغرفة، حينها التفت وعلى وجهها بعض الريبة، فوجودها في نفس الغرفة، مع رجل إلى الآن تشعر كأنه غريب، يجعل وجيب قلبها يقرع كالطبول، وبالطبع هو من قام بغلقه، والحين يتقدم نحوها في سيره، ابتلعت وهي ترى نظراته مسددة نحوها ثانيةً، بطريقة تجعلها تشعر بكل صنوف التلبك والارتباك، وهذا ما لاحظه "راغب" بسهولة، فهو جيدًا في قراءة لغة الجسد، خاصة عند النساء، ولكنه عمد إلى التظاهر بالاستغراب وسألها بعدما صار مقابلًا لها لا يفصله عنها سوى بعض السنتيمترات، مستفسرًا:


-اتخضيتي كده ليه؟


حاولت إخفاء توترها الملحوظ، وحثت نفسها على الثبات وهي تجيبه بردٍ منطقي:


-مش متعودة لسه على المكان.


تراءى له ما تحاول مواراته، فهي بالنسبة له ما تزال خامًا، يسهل عليه فهمها، وتكشفها نظراتها، ولهذا استخدم طريقته الخاصة التي تذيب جنس النساء، ودنا منها أكثر وهو يقول برنة صوته المميز:


-لا انتي هتتعودي بسرعة..


مسح بنظراته وجهها بداية من خصلاتها الناعمة حتى شفتيها المفغورة وهو يكمل بإيحاء مقصود:


-وبالذات على أوضتي.


اهتز جسدها برجفة قوية من قربه المتجاوز، ورده الذي يحمل حميمية واضحة، وهذا ما جعلها تستعجب لأمره، فلقد ظنت أنه مثلها، يذعن لرغبة والده في زواجه بها، ولكن طريقته تنفي ذلك، وكأنه راغبًا بها، واستطردت متسائلة:


-انت اتجوزتني ليه؟


فاجأه سؤالها المباغت، ورغم وجود الرد المستهلَك، المتشكل في رغبة والده بذلك، إلا أنه رأى إن الوقت لا يلائم الحديث في تلك الأمور، وعلق بهدوءٍ بنبرة غير راضية:


-ده وقت نتكلم فيه في الموضوع ده؟


وجدت أنه محقًا في عبارته، وليس مضمونها، وردت عليه:


-المفروض كان قبل كده، بس الأمور مشت بسرعة، وانت مقلتليش.


لم يدرِ ما الرد الذي تنتظره، فسبق وعلمت من والده السبب واضحًا، وهذا ما بُني عليه الزواج، لهذا راوغ في رده، حتى يصل لما يدور في رأسها، وقال:


-بس بابا قالك.


قابلت عبارته بتكذيب صريح، قائلةً:


-وانا مش مصدقة.


تفرس بنظراته تعبيراتها، محاولًا سبر أغوارها وهو يسألها:


-امال فاكرة اني متجوزك ليه؟


لم يحتَج لبذل مجهود في قراءة أفكارها، فقد أجابته صراحةً:


-عشان الورث.


شُده من ردها، الذي يوضح استنباطها، أو ربما يقينها من تخطيط والده، ومع ذلك حافظ على ملامحه متراخية وهو ينصت لتتمة حديثها، الذي اتخذ منحدرًا هجوميًا وهي تقول:


-بس عايزه اعرفك إنكم لو فاكرين إن بجوازي منك هتقدروا وقتها تأثروا عليا وتاخدوا مني مليم تبقوا بتحلموا.


ازداد تعجبه من أسلوبها المغاير لما استمع إليه من والده، فعلى حد علمه أنها ساذجة، ضعيفة، يسيطر عليها حزنها، ولا تعبأ بإرثها، وهذا مناقض تمامًا مع ما يراه الحين. جراها في حديثها ورسم الاستغراب في تساؤله:


-إيه اللي حط في دماغك كده؟ ومين جاب سيرة الورث؟ 


تمسكت بظنها بالرغم من تأثيره القوي في اللعب بتفكيرها، وقالت بجمود:


-مش لازم حد يجيب سيرة عشان اعرف.


مط شفتيه بحركة متعجبة، واستمر على نفس المنوال المراوغ وهو يعلق:


-يعني انتي بتحددي من دماغك سبب جوازي منك؟ 


ارتكز ببصره في عينيها الصافيتين، الناظرة له بشيء من الاهتمام، وأكمل:


-ومش مقتنعة بأي سبب تاني؟


حتى لا تدع له المجال أكثر من ذلك للتلاعب بها، خاصة مع تأثيره القوي في جعل موقفها يتزعزع نحوه، سألته باستنكار:


-إيه السبب التاني اللي يخليك توافق تتجوزني وانت عمرك ما شوفتني ولا كان بينا تعامل؟


وما لبثت أن أضافت بعدم اقتناع:


-ومتقوليش بابا وصى بكده، لإن كلنا عارفين المشاكل اللي كانت بين بابا وباباك.


رد عليها بمنطقية:


-مش لازم عشان أخين بينهم مشاكل، يبقوا أعداء.


ثم أضاف بنبرة عمل على جعلها جادة، وصادقة:


-إيه المشكلة إن أخ يوصي أخوه على بنته، ويبقى عايز يتطمن عليها وهي في عصمة راجل قبل مايموت!


حملقت به بنظرة متخبطة، علم منها أنه نجح في جعلها تتذبذب حيال ظنونها، وأطنب عن عمدٍ:


-وبعدين انا مسألتكيش وافقتي ليه على جوازي منك.


تفرس بنظره تعبيراتها وهو يسألها باهتمامٍ:


-ولا انتي مجبورة؟


انتظاره لردها نابعًا من رغبة ملحة داخله لمعرفة وضعه في تلك الزيجة، ففكرة كونه المبادر لا تلقى إعجابه، واغتراره بنفسه –كرجل تتهافت عليه النساء- يرفض أن يكون طرفًا في زواج بالإجبار، والمزعج في الأمر أن الطرف الآخر هو المفروض عليه الوضع، ولهذا ظل مترقبًا الرد، في حين توترت هي، وقد بعث سؤاله التلبك داخلها، فهي لا تستطيع أن تصرح بعدم رغبتها في زواجها منه، حتى لا تصدمه بردها، وتلقى حينها العقاب من عمها، ولا تقدر كذلك على نفي الأمر والتظاهر بشيء ليس له وجود داخلها. صمتها، وتحاشيها النظر له، فسره على أنه خجل، وحياء أنثوي ضاعف من انجذابه لها، فذلك المزيج من البراءة، النعومة، والجمال الفطري، يجعلها مميزة في نظره، تميزًا يجعله يتحرق شوقًا لخوض التجربة معها، كأول رجل يبحر في أعماقها، ويدلها على أماكن شعورية جديدة، بعيدة، وفريدة. دنا منه وهو يعمد إلى إنهاء ذلك النقاش السقيم، وهمس بصوته الرخيم:


-كيان ارمي ورا ضهرك أي تفكير وكلام فاضي ملهوش لازمة دلوقتي، دي مش ليلة نتكلم فيها.


أنفاسه الساخنة التي ارتطمت بوجهها عن ذلك القرب جعلت القشعريرة تسري في أوصالها، وتشتت تركيزها عن الرد أو محاولة الابتعاد، ولكن حينما شعرت بيده امتدت لوجنتها، بلمسة مباغتة، أصيب جسدها بانتفاضة شديدة، كمن مسه صاعق، وبدون وجهة محددة تحركت من أمامه، اتبع هروبها بنظراتٍ راغبة، ولكنه تركها حتى تبدل ثوبها بآخرٍ مناسبٍ لقضاء الليلة، وتتهيأ للقائهما الخاص. 


مرت دقائق قليلة، قد انتهت خلالها من خلع فستانها الأبيض، وارتداء ثوب نوم حريري مكون من قطعتين، عمدت إلى أن يكون غير كاشف، لا يصف جسدها من أسفله، لتحرجها الشديد من ظهور مفاتنها، ومنحناياتها البارزة أمام عينيه المسددة عليها بتركيز. حينما خرجت من غرفة الثياب، وصل إلى سمعها صوت خرير الماء، استنبطت وجوده بالداخل، استغلت بقائه في المرحاض، واغتساله الذي سيستغرق بعض الوقت، وتوجهت نحو الفراش حتى تأخذ من عليه وسادة، وغطاء لتتوجه بهما نحو الأريكة، قبل أن يخرج ويعوق ذلك.


تفاجأ عند خروجه بما تفعله، الذي استنبط منه تهيؤها للنوم منفصلة عنه، كما لفت نظره منامتها الساترة، ما ضاعف من تعجبه، ولكنه تجاهل أمر ما ارتدته، وسألها باستغراب:


-بتعملي إيه؟


اندلعت السخونة في وجهها فور رؤيتها له، وسريعًا ما أبعدت عينيها عنه، فقد اكتفى بعد استحمامه بارتداء بنطال أسود من القماش، وترك جذعه عاريًا، ابتلعت وهي تحاول ضبط نفسها، وأجابته بصوت بدا مهزوزًا:


-هنام.


اقترب منها قبل أن تفترش الأريكة، ممسكًا بذراعها وأخبرها بذهولٍ وهو يديرها إليه:


-مالسرير اهو ايه اللي هينيمك على الكنبة.


من الحرارة الشديدة المنبجسة من وجهها، اصطبغت وجنتيها بحمرة واضحة، وبينما كانت مطرقة رأسها، لاحظت خطوط المياه المنسدلة على جسده، من خصلاته المبللة، شعرت بازياد أنفاسها، فعن كثب يصعب الفرار، أو اختلاق أعذار، ولكنها تمسكت بآخر ذرات صمودها، وردت عليه بجدية زائفة:


-عشان تعرف تاخد راحتك.


دنا منها أكثر وهو يقول ببحة مثيرة يتعمد عن طريقها التأثير عليها:


-وانا هعرف اخد راحتي وانتي نايمة على الكنبة.


رمقته بغير فهم لقصده المبطن، في حين قرأ هو بنظراتها شيئًا من الرهبة، فوضح قصده ببراءة مصطنعة:


-قصدي يعني عشان ابقى مرتاح لازم انتي كمان تبقي مرتاحة.


تظاهرت بالجمود بعد رده، وقالت له وهي تعود إلى ضبط نومتها فوق الأريكة:


-مفيش مشكلة عادي هكون مرتاحة.


رأى أن المماطلة لن تجدي نفعًا، أوقفها ثانيةً بوقوفه حائلًا بينها وبين ما تفعله، وقال صراحةً:


-بس انا مش هبقى مرتاح.


رفعت عينيها له بنظرة متفاجئة من التصاقه بها، وبينما تحاول استيعاب المعنى من عبارته، وضح قصده بقوله اللائم بأغواء:


-في واحدة بتسيب جوزها ليلة جوازهم وتنام على الكنبة!


ارتعدت وارتجفت حينما امتدت يديه محاوطًا خصرها، مع فهمها لما يحاول الوصول إليه، تهدجت أنفاسها بخوف بالغ، الأمر لا يقتصر الحين على الخجل من وجودها في نفس الغرفة مع رجل بات –مجازًا- زوجها، فهي باتت على شفا إتمام زواجٍ، لم تتوقع أن يتعجل فيه، خاصة وأنهما لم يتعرفا بعد على بعضهما البعض بصورة كاملة، حتى أنها ما تزال غير مستوعبة زواجها السريع به، كيف يحاول جرها لذلك بتلك الطريقة المستخفة، والدونية؟ حاولت إزاحة يديه عن جسدها، وتملك منها الضيق، متكلمةً بما يشبه الرفض:


-كده احسن لحد مانتعود على بعض.


عجزت عن فك قيده، بل شدد أكثر على ضمها، غير مكترث برفضها، وهسهس بأنفاسٍ ساخنة:


-هنتعود على بعض كده أسرع.


بعد ذلك لم يدع لها فرصة لإبعاده، واستخدم هيمنته، وطرقه الخاصة في السيطرة عليها، وفي لحظة دمغ شفتيها بقبلة على قدر عمقها، اختنقت أنفاسها، وتسببت في تيبس جسدها في موضعه، فعجزت عن ردعه، وعزفت كذلك عن مبادلته، فكل ما بها كان نافرًا، ومصدومًا. ما يحدث أشبه بعاصفة جسد مُثار بالرغبة، كان هو المتحكم بفرضها على كل جزء بها، لهفته كانت طاغية، ولماساته لم تكن بالهينة، استسلمت ظاهريًا له، لكن داخلها كانت غير مستجيبة لكل ما يحاول بثه من محفزات حسية استنفرتها بشدة، وما إن وصلت رغبتة إلى ذروتها، وقبل أن تستوعب هي تيار المشاعر الهوجاء الذي لفها قصرًا، وجدت نفسها فوق الفراش، يجردها من ثيابها، كما جردها في لحظةٍ من أمانها.



❈-❈-❈


غلها الدفين، الذي عملت على مواراته بكل طاقتها خلال العرض الهزلي السخيف، الذي كان "نوح" المنظم الأول لكل حدث به، اندلع بقوة فور انتهائه، وأحرقها بنيرانه مع بقائها بمفردها، تشعر بهزيمة ساحقة، نالت منها بطريقة مدمرة، ففي لحظة هدم كل ما بنته في سبيل الظفر بتلك التركة، وبات كل شيء تحت تحكمه، فمن تملك الأملاك، والثروة صارت تحته إمرته. ظلت في الغرفة التي شهدت على هزيمتها، تهز ساقها بحركة عصبية، ونظراتها تطلق شرارات غضب قادرًا على حرق البيت بمن فيه، تلوم نفسها على ثقتها التي كانت في غير محلها، كيف ائتمنته وهو قد خان أخاه بعلاقته المحرمة معها؟ كان يجب أن تتوقع الغدر في أي لحظة، خاصة منذ ذلك اليوم، الذي رأت بعينيه –ما كذبته حينها- أنها لا تعنيه، وأن علاقتهما العاطفية التي ظنت أن بها ستتمكن من امتلاك قلبه، كانت كالحِمل الذي يود التخلص منه قبل انكشاف أمره.


فطريقته تبدلت تمامًا خلال لحظات، بعد أن كان يغرقها من طوفان أشواقه الملتهبة، ويطفئ جمرات لهفتها المستعرة، تيبس جسده، وانطفأت جذوة الرغبة فيه، وابتعد عنها في ريبة حينما استمع صوت ارتطام شيء خارج الغرفة، وسألها بخفوتٍ قلق:


-ايه الصوت ده؟


نظرت إليه وهي فارغة العينين بريبة مماثلة، وقالت بهلع:


-مش عارفة.


بعد مرور لحظات كانا يسترقيان السمع، لمعرفة ما إن كان أحد بالخارج، حثها "نوح" على النهوض لتفقد الأمر بنفسها، بقوله:


-قومي شوفي.


استجابت لأمره، ونهضت من فوق الفراش وهي تلتقط ثيابها، ارتدتها على عجالة تحت نظراته التي رأت بها شيئًا من الشك، حول ذلك الصوت الذي دوى في لحظةٍ، ولم يتكرر، أو يتردد له صدى، بعد أن انتهت توجهت نحو باب الغرفة، لتستكشف بنفسها مصدر الصوت، وبينما كان "نوح" في الداخل، يرتدي ثيابه هو الآخر، وفي انتظار عودتها، استمع إلى شهقتها الهلعى، على فورها خرج من الغرفة، مصدومًا برؤية جسد أخيه مفترش الأرض، فاقدًا للوعي، هتف بنبرة حملت الخوف وهو يتقدم منه:


-بكر!


حاول إفاقته ولكن كانت محاولاته بلا جدوى، فقرر حينها أن يجلب له طبيبًا لفحصه، ومعرفة سبب فقدانه المفاجئ للوعي، وذلك بعد أن يدخله غرفته، بدأ في رفع جسده بمساعدتها، وسارا به نحو الغرفة وهو كالجثة الهامدة بينهما.


انتظر "نوح" بالبهو ريثما ينتهي الطبيب من الكشف عليه، دقائق قليلة ولحقت به "سمية"، وعلى وجهها علامات الرعب جلية، وسألته بعد أن انضمت له في وقفته:


-تفتكر شافنا؟


التفت ناظرًا لها بنقمٍ، بدا في تلك اللحظة وكأنما يود خنقها، ودمدم بغضبٍ:


-انتي مش قولتي انه مسافر!


أجابته والارتباك تفشى بها، قائلةً بتأكيد:


-ايوه المفروض انه ييجي كمان يومين.


نفخ بضيقٍ من غبائه، كيف استجاب لها وأتى لقضاء ليلتهما المحرمة هنا؟ أي تفكير أحمق قاده لفعلها؟ كان ينبغي أن يضع في حسبانه عودة أخيه المتوقعة، ظل يلوم نفسه، ويلعن غبائه بداخله، وهي بجانبه كل ما يهمها معرفة ما إن كان رآهما، حتى تستطيع التفكير في حلٍ ينتشلها من تلك الورطة الحالكة، وعندما تآكلت بها ظنونها، وعجزت عن إيجاد حلول مناسبة، تساءلت مجددًا بتخبطٍ:


-هنعمل ايه يا نوح لو كان بكر شافنا؟


رمقها بنظرات استهجان وهو يكز على أسنانه، فصوتها بات يضغط على أعصابه، ناهيك عن اسئلتها السقيمة، وردد بسخرية:


- لو كان!


ثم ما لبث أن أكمل بنبرة ناقمة:


-لا يا سمية هو فعلا شافنا.


تأكيده كان بمثابة عاصفة دوت برأسها، فهي لم تفكر بمخرجٍ إن انكشفت خيانتها له، حتى الآن لا يوجد مساحة أمامها للتفكير بروية، وبملامح شاردة في مصيبتها السوداء، رددت:


-شافنا؟!


أغمض عينيه كاتمًا انفعاله، كي لا ينهال عليها بصفعات متعاقبة، عقابًا على ما أقحمته فيه، وهدر بعد أن فتحهما:


-امال تفسرى بإيه سبب تعبه!


قضمت شفتيها بغلٍ من هديرة المستثير لأعصابها، وقالت بنبرة مزعوجة:


-جايز يكون رجع من السفر فاجأة عشان تعبان.


لغوها الفارغ، وثرثرتها التي لا يوجد منها فائدة لا تسمح له بالتفكير، ضغط على مقدمة رأسه بكفه بصبر نافذ، وصاح بها بانفعال:


-اسكتي يا سمية بقى، مش عارف افكر منك.


نظراته ناحيتها تنعكس فيها عدائية غريبة، جعلتها تشرد للحظة في أمره. بينما هو بعد تفكير رأى ألا يستبق الأحداث، خاصة وأن الطبيب ما يزال معه بالأعلى، ولم يعرف بعد ما حل به، لذلك هتف بجمود:


-خلينا نشوف الدكتور هيقول ايه الأول.


رمقته بنظرات اختفى منهما الارتياح نحوه، ولكنها ظلت على صمتها، تنتظر جواره نزول الطبيب حتى يعلمان منه ما طرأ على زوجها بغتةً.


انتبها بعد لحظات للطبيب وهو يهبط الدرج، تقدما منه بتعبيرات متفاوتة في الاهتمام والخوف كذلك، وتكلمت "سمية" بلهفة نجحت في اصطناعها:


-خير يا دكتور بكر ماله؟


تنهد ببعض الوجوم، ثم أخبرهما بأسفٍ:


-بكر بيه حصله ارتفاع في ضغط الدم بشكل مفاجئ، أدى لحدوث نزيف في الدماغ نتج عنه جلطة دماغية.


صمت للحظة وهو يرى تأثير ما قاله على وجهيهما الذي انتشر فيهما الصدمة، ثم أضاف بنفس النبرة الآسفة:


-والجزء الشمال من الجسم اتضرر.


تشكل على وجه "نوح" التخبط الذي اختلط بشيءٍ من الحزن، وتساءل:


-اتضرر ازاي؟


وجه الطبيب نظره إليه وأجابه موضحًا د:


-للأسف اتشل.


توسعت مقلتيه بصدمة أشد، في حين كان عقل الأخرى لم يكف عن التفكير، وعندما وقع على سمعها الخبر الصادم، تساءلت بتوجسٍ غريب:


-يعني مش هيقدر يمشي تاني؟


هز رأسه لها بتأكيدٍ وتحدث مطنبًا في الإيضاح:


-مش هيقدر يمشي وايده الشمال مش هيقدر يحركها، واحتمال يبقى فى مشكلة في الكلام عنده.


وكأن نجدة من السماء نزلت عليها، لتنقذها من الحدث الراهن، فمرضه سيمنحها المزيد من الوقت للتفكير جيدًا، وترتيب أمورها تحسبًا لأي أمر متوقع، أخفت ما ظهر على وجهها من تعبيرات شيطانية، وهي تستمتع إلى سؤال "نوح" الموجه إلى الطبيب:


-وليه علاج يا دكتور؟


رد عليه بهدوء وبطريقة علمية وهو يوزع نظراته بين كليهما:


-الشلل النصفي الشفاء كليًا منه بيبقى أمر غير ممكن، بس مع التقنيات الحديثة في أمل فى الشفاء بنسبة كبيرة، وأنه يرجع يتحرك تاني أمر محتمل بس مش هيكون زي الأول طبعا.


مهد لها عجزه في ذلك الوقت الطريق لفعل الكثير، فقد خدم مصالحها، وسهل تنفيذ بعض خططها، عاثت، وأساءت، وازدادت في شرورها، خوفها من افتضاح أمرها أجهز على ما تبقى من إحساس بالضمير ينبض داخلها، وقضى على إنسانيتها، فما قامت به بعد ذلك اليوم يجعلها تتفوق على إبليس في مكائده وشره.


الصفحة التالية