-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 30 - الجمعة 9/5/2025

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الثلاثون 


تم النشر الجمعة 

9/5/2025

لا وقت للحب.. 

الرسلانية ١٩٤٣..

تسللت لخارج الدار، بعد أن تأكد لها أن أنها تغط في نوم عميق، وأبوها خارج النجع.. يحاول ايجاد اسواق جديدة لبيع البضائع التي حصل عليها من اسكندرية بمساعدة بنيامين زوج أختها سارة.. 

سارت الطريق نحو دار الشيخ رضا، وما أن وصلت حتى طرقت الباب في خفة، في انتظار أن تفتح مديحة صديقتها الوحيدة.. الفتاة القوية التي تحمل تلك الدار الطيبة على كتفبها.. وخاصة بعد مرض أمها الذي طال، وعدم قدرتها على مغادرة الفراش.. أما أخيها الضرير، الشيخ معتوق.. الذي على الرغم من عاهته إلا أنه يحاول أن يخفف من حمله عن كتفيها بمساعدته بالقدر الذي يسمح له عجزه.. والشيخ رضا الذي تخطى الخمسين عاما وبدأت صحته في الاعتلال كذلك.. فما عاد يخرج من الدار إلا للصلاة.. يسير للمسجد بصحبة سعد رسلان ووهدان الحراني.. تلك الصحبة التي لم تنفصم عراها منذ سنوات طوال.. 

فتحت مديحة الباب وهي تمسح ساعديها من الماء في جلبابها الواسع، هاتفة في ترحيب: يا مرحب يا استير.. تعالي.. 

دخلت استير في أريحية متسائلة: بتعملي ايه! 

هتفت مديحة وهي تجلس إلى طشت الغسيل، مؤكدة: اديكي واعية اهااا.. باخد الهدمة فومين.. لچل ما أبويا ومعتوج يلاجوا لهم هدمة نضيفة يلبسوها.. 

هتفت استير: ربنا يعينك .. هاتي أساعدك!.. اغسلي إنتي وهاتي أنا أنشر .. 

أكدت مديحة: طب استني عليا، هم هدمتين اهم اللي باجيين، ونطلعوا السطح ننشروا سوا.. 

اعترضت استير: هاتي اللي اتغسل انشره، وابقي حصليني بالباقي بعد ما تخلصيه على راحتك.. 

وافقت مديحة، تاركة الطشت النحاسي الذي وضعت به الملابس المغسولة بين يدي استير، التي حملته للأعلى حيث سطح الدار المفتوح، والذي ما أن وصلت إليه حتى جاءها صوت معتوق الرخيم مرتلا آيات القرآن الكريم.. كانت تهم بوضع أول قطعة ملابس على الحبل المشدود بين عمودين متقابلين من البوص القوي، يفصلهما عدة أمتار هي عرض السطح الواسع.. لكنها أدركت وجوده فتوقفت.. كانت تعلم أنه ما أن يبدأ في التلاوة حتى يصبح في عالم آخر لا يدرك لمخلوق وجود.. على الرغم من حاسته القوية لإدراك الأشياء والأشخاص والتي يمتاز بها عوضا عن حاسة الابصار التي بدأ يعانِ من فقدانها تدريجيا منذ كان ابن السادسة.. 

وقفت استير بموضعها في حذر، حتى لا تصدر صوتا من شأنه إزعاجه عن إتمام هذه التلاوة الملائكية.. تستمع بقلب وجل وقد نسيت الغسيل ومديحة وما عادت تدرك إلا صوت معتوق الصادح بالايات.. حتى أنها انتفضت ما أن هتفت مديحة معاتبة: يووه.. هو إنتي مخلصتيش النشير يا استير!.. ده أني جلت هطلع ألجاها خلصت.. 

ارتبكت استير ولم تعقب، بينما هتف معتوق في تعجب: مين اللي معاكي يا مديحة!. 

هتفت استير في نبرة مضطربة: أنا استير يا شيخ معتوق!.. 

هتف معتوق معترضا: طب وهو حد يشجي الضيوف برضك يا مديحة! 

هتفت مديحة معترضة بدورها: استير مهياش ضيفة، ولا ايه يا استير!.. 

أكدت استير باسمة: ايوه يا شيخ معتوق، ضيفة ايه! ده أنا متربية في داركم وليا فيها اكتر من دارنا.. 

ابتسم معتوق هاتفا: خلاص.. يبجى اخرچ أني منها.. وأروح اتوضا عشان خلاص صلاة العصر على أذان.. 

اندفعت مديحة بحملها من الملابس التي أنهت غسلها بالأسفل، لتضعها فوق كم الملابس بالطشت النحاسي استعداد لنشرها.. بينما كان الشيخ معتوق يهم بنزول الدرج في هوادة وحرص ما دفع استير لتمد كفها بلا وعي تمسك بكفه.. تعرض المساعدة، فانتفض معتوق للمستها، مؤكدا في نبرة مضطربة: أني واعي لحالي.. متشكرين.. 

جذبت استير كفها في عجالة كذلك، تلوم نفسها داخليا على اندفاعها الغير محسوب.. 

ظلت موضعها تتابع معتوق وهو يهبط الدرج الطيني الدرجات في بطء وأناة.. حتى اطمأنت لوصوله للطابق السفلي في سلام.. حينها وعت لسؤال مديحة المباغت: عملتي ايه في موالك اللي حكتيلي عليه النوبة اللي فاتت!..

تنهدت استير وهي تمد كفها لإحدى قطع الملابس، تنطرها في الاتجاه المعاكس حتى تتخلص مما علق لها من ماء زاد، كما يساعد ذلك على فردها بسهولة على الحبل وتعرضها للشمس بشكل جيد، هاتفة في نبرة تحمل ضيقا مكتوما لا يستهان به: هعمل ايه يعني! ولا حاجة.. محبوسة فالبيت ومتحرم عليا الخروج.. ده جيالك فالسر، ومش عارفة أبويا ناوي على ايه!.. كل ما يشوفني معدية هنا او هنا.. يبص لي من فوق لتحت بقرف.. ويقولي هانت.. أنا معرفش قصده على ايه.. بس هو مش ناوي يجبها البر.. 

هتفت مديحة في قلق: طب وبعدين! إنتي ملكيش يد في اللي بيچرا ده!.. ايه العمل!.. 

هتفت استير وقد بدأت في البكاء: مش عارفة يا مديحة.. مش عارفة.. 

ضمتها مديحة بين ذراعيها تاركة إياها تفرغ كل ما كتمه صدرها من أوجاع.. حتى ولو بشكل مؤقت.. لعل ذلك يخفف عنها حملها الذي ينوء بحمله قلبها.. 

❈-❈-❈     

القاهرة ١٩٤٣.. 

يوم بليلة وهو غائب عن الوعي تماما، وعلى الرغم من براعة الطبيب في إسعافه وقيامه باللازم من أجل إخراج الرصاصة التي كانت قد استقرت بالفعل بكتفه، إلا أنه ما زال على حاله، مسجي على جانبه الأيمن فوق ذاك الفراش المتواضع، ولم يستفق حتى لبرهة ما استدعي القلق، لتهمس فوز في اضطراب: يوم بليلة ومفيش أي تحسن، ده مفتحش عينه يطمنا عليه، هو ده عادي!.. 

أكد صديقه الذي استطاع الوصول لموضعهما، وانقاذهما بالقدوم إلى هنا: هيبقى تمام، متقلقيش.. الحكيم مأكد لي إنها مسألة وقت.. وها..

نمت همهمة عن فضل، قطعت الحديث.. فاندفعت صوبه فوز في لهفة، وانحنت حتى تكون على نفس مستوى رأسه، هامسة في اضطراب: أنت كويس!.. 

تطلع نحوها فضل في تعجب لفترة، ما جعله يغمض عينيه لبرهة قبل أن يفتحهما مجددا، ليجدها ما تزال ماثلة أمام ناظريه واقع لا خيال، ليهمس بصوت واهن متحشرج النبرة: إنتي هنا يا فوز!.. يعني مكنش حلم!.. أصل أنا افتكرته حلم، ومكنتش عايز اصحى.. 

دمعت عيناها ولم تعقب، ليهتف صاحبه ساخرا: اهو طلعتي انتي السبب يا ستي فالنوم ده كله! ينفع كده!.. خضيتنا عليك يا سي اللفندي.. 

هتف فضل في سعادة حين وقع ناظره على صديقه، محاولا النهوض على قدر استطاعته، فتأوه متألما يعاود الرقاد مجددا، وهو يهتف وابتسامة باهتة على شفتيه: أمير! معقول!.. عاش مين شافك!.. 

هتف أمير باسما: مش قلت لك مسير الحي يتلاقى.. وطلع عمر الشقي بقي يا صديقي.. وها أنا ذا..

وانحنى أمير انحناءة مسرحية كمن يحيي جمهوره على مسرح ما، فابتسم فضل مشيرا نحوه وهو يعرفه على فايزة: أمير من أصدقاء الكفاح، ياما كنا مع بعض.. بس آخر عملية لينا سوا كل واحد راح فطريق وقلنا اللي يطلع منها سليم يبقى يفتكر التاني.. وادينا اهو.. كانت نجاتي على أيديه.. 

هتف أمير وفوز تتطلع نحوه تهز رأسها تحييه في تحية وتقدير: بقولك ايه! أنا معملتش حاجة.. ده رد لجميلك عليا.. أنا مبحبش ابقى مديون لحد.. أنت لحقتني وخبتني في قصر خالك الباشا، وأنا لحقتك اهو وجبتك لحد هنا.. أي نعم المكان مش أد المقام.. بس اهو حاجة مخفية عن العين لحد ما تشد حيلك.. ونبقى كده خالصين.. ولا ايه!.. 

ابتسم فضل ولم يعقب، لتهتف فوز مؤكدة: أنا هروح اجيب لك حاجة تاكلها.. أنت لازم ت..

قاطعها فضل في حزم: إنتي اللي لازم تمشي دلوقت.. مكنش ينفع تباتي هنا، هتبرري ب ايه بياتك الليلة دي بره، لما ترجعي سكن الطالبات!..

لم ترد فوز بحرف على غير عادتها، فقد كان على حق، ما دفعه ليطلب من أمير: وصلها يا أمير لأقرب مكان للسكن بتاعها عشان أبقى مطمن.. وأرجع احكي لي عملت ايه فيك الدنيا، بعد ما اتفرقنا فالاسماعيلية.. 

همست فايزة: مفيش داعي.. أنا.. 

قاطعها فضل أمرا: معلش.. بس عشان اطمن إنك وصلتي بخير.. الشوارع دلوقت مش أمان.. 

اومات موافقة، فأشار أمير لفوز نحو باب الحجرة: طب أنا هستناكى بره.. 

حملت فوز حقيبة يدها، ومنديلها وهمت بالرحيل في صمت بعد نظرة مطولة نحو فضل.. ثم تحركت باتجاه باب الحجرة، ليستوقفها فضل مؤكدا: فوز!.. خلي بالك على نفسك.. ومتحاوليش تيجي هنا تاني.. لأني همشي من هنا.. سيبي لقانا للقدر.. وأنا عارف إننا هنتقابل تاني.. 

هزت رأسها في موافقة ضمنية دون أن تنطق حرفا، وابتسمت بأعين دامعة، قبل أن تندفع راحلة للخارج، وهو يتبعها بناظريه.. 

أغمض فضل عينيه، مريحا رأسه على الوسادة خلفه، فما كانت الحركة رفاهية في وجود جرح نازف بكتفه، يجعله حذرا مع كل التفاتة.. سارحا في ذكريات كثر، كلها تدور حول هذه المرأة العجائبية التي اعترضت طريق حياته على غير توقع.. منذ رحل عن دار عمها متعمدا ألا يودعها وجها لوجه.. حتى لا يظل محياها ذكرى تؤرق باله، مفضلا الرحيل فرارا بلا كلمة وداع إلا سطرين بورقة مطوية داخل إحدى الروايات، قد تجدها أو حتى لا تنتبه لوجودها.. مشاعر متناقضة اثارتها فيه منذ اللحظة الأولى التي وعى لعنفوانها.. صلابتها.. جراءتها.. المخلوطين في انسجام لا يتنافى مطلقا مع رقة فطرية ونظرات تذيب القلب مهما أدعى الثبات والجمود.. 

طلت ابتسامة على شفتيه حين تذكر كيف تجاهلت تعنيف ابن عنها عامر لها، لأنها لم تكن تلتزم بلبس الملس كنساء العرابة، ونفذت كل ما خططت له، بعد أن سمع اعتراضه على حصولها على البكالوريا، فعلى ما يبدو، انتصرت إرادتها وجاءت للدراسة في جامعة الملك فؤاد، وإلا لم هي هنا بالقاهرة!.. حتى أنها ما اعترضت حين أقر أنها تسكن سكن الطالبات!.. وذاك يعني أن استنتاجه صحيحا.. 

هتف أمير مخرجا إياه من تيه خواطره: ما دام بتضحك يا أستاذ، تبقى صاحي.. وما دام صحيت يبقى لازم تاكل.. تتغذا كويس.. فيه شوية شوربة وفرخة جوه يردوا الروح.. هروح اسخنهم واجيلك.. 

سأل فضل بفضول: جبتهم منين دول! 

أكد أمير في أريحية: يا سيدي عملتهم فوز وأنت تعبان.. و.. 

هتف فضل معترضا على مناداة أمير لها باسم دلالها المميز، مؤكدا في حزم: اسمها فايزة.. 

ابتسم أمير مفسرا وهو يقلب القدر على نار الباجور: الست فايزة.. ربنا يعمر بيتها هي اللي طلبت مني اجيب الحاجات دي عشان لازم تاكل كويس زي ما الحكيم قال.. 

غرف طبق من الحساء الساخن، وضعه أمام فضل مع قطع من الدجاج، أمرا: ياللاه يا أفندي، كل لك حاجة، مش عايزين نطول فالرقدة دي.. 

جلس أمير يتناول طعامه بدوره، هاتفا بعد بضع رشفات: أنت لازم تتجوز فايزة دي.. نفسها هايل فالأكل.. إذا كان نفسها فالشورية 

كده، اومال بقية الأكل إزاي!.. 

زم فضل ما بين حاجبيه مظهرا اعتراضه، ما دفع أمير ليهتف معتذرا: خلاص مش هتكلم عنها تاني.. بس سؤال أخير.. هي بنت قريبتك مش كده.. بنت عمك صح!.. 

همس فضل: حاجة زي كده!

تطلع أمير نحوه متعجبا: حاجة زي كده ازاي يعني! ما هي يا قريبتك .. يا مش قريبتك!.. 

أكد فضل: والدها صديق مقرب من والدي، وأما هربت من اسماعيلية خدت بنصيحتك وطلعت على اهلي وصارحت بابا باللي حصل.. فبعتني اداري عندهم في بلدهم وهناك كانت هي السبب في هروبي من عساكر الإنجليز لما عرفوا مكاني.. وشوف بعد أد ايه.. اتقابلنا صدفة فالمظاهرة.. وحصل اللي حصل.. 

هز أمير رأسه متفهما، وهمس وهو يلوك قطعة من الدجاج الشهي: حكايتكم منتهتش.. بس كل شيء وله وقته.. 

همس فضل: مفيش وقت للحب يا أمير.. دي رفاهية مش للي زينا.. حرام نربط معانا ناس ونشيلهم همنا.. 

تطلع أمير نحوه في نظرة عجيبة لم يستطع فضل تفسيرها، كانت مزيجا من اعجاب صريح وتعاطف بلا سبب، مندفعا يضع براد الشاي الصاج على وابور الجاز ولم يعقب بكلمة، ما دفع فضل ليهتف متسائلا: أنت بقى عملت ايه! هربت إزاي من الإسماعيلية! واختفيت فين طوال المدة دي!.. وعرفت إزاي طريقي أنا وفايزة ولحقتني!.. 

هتف أمير معترضا: ايه كل الاسئلة دي! لحقتك إزاي! دي كانت صدقة بحتة.. شفتك وسط المظاهرة زي ما أنت عترت في قريبتك.. كله متقدر.. وربنا ستر لحد ما عرفت اجيب متشال لهنا.. 

سأل فضل: طب وهروبك م اسماعيلية!.. 

هتف أمير وهو يضع كوب الشاي بين كفي فضل: خد أشرب وادفا عشان تنام.. أنت لازم متعملش حاجة دلوقت إلا الاكل والنوم.. والايام جاية كتير نحكي ونقول اللي عايزينه.. 

تناول فضل كوب الشاي من أمير، مستشعرا أن أمير يخفي أمرا ما لا يرغب في الإفصاح عنه، ارتشف بعض من شايه، حتى سرى الدفء بأوصاله.. دافعا إياه للنعاس طلبا للراحة..

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٤٣.. 

انتفض سعد من منامه ما استدعى استيقاظ أنس الوجود جانبه، معتدلة تسأل في قلق: خير سعد باشا!.. أنت بخير!.. 

هز سعد رأسه مدعيا أنه بخير.. هامسا وهو يتناول منها كوب الماء الذي تناولته من جوارها: تمام يا أنس.. بخير.. كابوس وراح لحاله.. تلاجيني تجلت فالعشا شوية.. 

ربتت أنس الوجود على كتفه في حنو، ليعاود التمدد من جديد، وذاك الكابوس يقلقه، فقد كان فيه فضل الله ولده يقع في بئر عميقه.. ينادي وما من مجيب.. يناديه هو محاولا الوصول إليه، لكن هناك أيدي مجهولة تحاول أن تمنعه من الوصول لولده وأيدي مجهولة آخرى تلقي بدلاء من ماء داخل البئر التي يقبع بقاعها فضل.. بغرض اغراقه.. ظل ينادي وينادي وسعد يصرخ باسمه مؤكدا أنه يسمع نداءاته.. لكن في النهاية انتفض من نومه مناديا عليه.. لتتلقفه عند صحوه.. يد أنس الوجود الحانية في محاولة لتهدئة روعه.. 

لم يقربه النعاس مجددا.. بعد هذا الحلم العجيب، وقد قرر في قرارة نفسه السفر للقاهرة حتى يتأكد له أن فضل وأحواله على ما يرام.. والتأكيد عليه الابتعاد عن طريق السياسة والمظاهرات، حتى لا يقع في المصاعب التي تضعه هو في موقف حرج مع الكثيرين نظرا لمنصبه الحساس داخل حزب الوفد.. الحزب الحاكم والذي يشكل الحكومة ويدين له جميع المصريين بالولاء.. 

هم سعد بالخروج من السراي، فإذا به يرى مصباح يقف سعيدا بين أحفاده حاملا أصغرهم بين كفيه.. ابتسم سعد هاتفا: وااه، عچزت يا مصباح وچوزت العيال وبجيت چد كمان أها!.. 

ابتسم مصباح وهو يأمر أحفاده بالتزام الصمت وتقديم فروض الولاء والطاعة للباشا .. هاتفا في نبرة تكسوها المحبة: ايوه يا باشا، عچزنا بجى والعمر ولي.. ربنا يبارك فالعيال.. ويرزجنا برهم.. 

أمن سعد: أمين.. بس جولي ده مين وده مين.. والصغير اللي على كتفك ده مين!.. 

أشار مصباح في فخر لطفل في السابعة: ده عرفات.. 

ثم لأخ له اصغر سنا بحوالي العامين: وده محروس.. والصغير اللي على يدي ده.. سعد.. 

هتف سعد في سعادة: سميته سعد!..

هتف مصباح متحرجا: ده بعد إذن چنابك.. محبة فالاسم وصاحبه.. 

اتسعت ابتسامة سعد، مخرجا محفظته الجلدية الأنيقة الضخمة من قلب صديريته، مخرجا منها بعض المال، مادا كفه نحو الأطفال في حنو: خد يا عرفات.. وأنت كمان يا محروس.. ودي بجى لسعد.. 

هتف مصباح في فرحة: يعطيك يا باشا كل السعد والهنا، وتشوف وتفرح بولاد فضل الله بيه.. والهوانم الصغيرين.. 

تنهد سعد ملقيا حمله: والله فضل شاغل بالي يا مصباح! الواد الحيلة اللي طلعت به م الدنيا.. مكدرني عليه.. 

دفع مصباح بسعد الصغير لكف عرفات، أمرا إياه بسحب أخيه الأصغر محروس، والتوجه نحو دارهم، حتى يتسنى له الإنتباه للباشا وتنفيذ أوامره، هامسا في تأدب: شغل السياسة .. مش كده يا باشا!.. 

أكد سعد مهموما: والله شكله ما هيچيبها البر يا مصباح، ومش كل مرة تسلم الچرة، ده أني كواببسي كلها بجت عليه.. 

هتف مصباح في نبرة متعاطفة: بعد الشر عنك يا باشا من الهم وشغلة البال، بس هو إحنا فيدنا إيه نعملوه جدام اللي مكتوب!.. 

همس سعد متسائلا في تعجب: تجصد ايه يا مصباح! 

همس مصباح بحكمة بالغة توارثها لسنوات من خبرة: يعني اللي رايده رب العالمين هيكون يا باشا، لا هنجدر نمنعه ولا هنجدر نحوشه.. بس ندعي إن ربنا يسلم.. 

هز سعد رأسه مؤيدا: صدجت، ربك يسلم.. أني مسافر مصر أطمن على حاله.. 

هتف مصباح: تروح وترچع مرتاح البال.. تحب اچي معاك يا باشا!.. 

ربت سعد على كتف مصباح في مودة: لاه يا مصباح، خليك هنا چنب الهانم والبنات.. وربك يخيب ظني.. ويمكن اچيبه معاي وأني راچع.. 

هز مصباح رأسه في طاعة ولم ينطق حرفا وسعد يصعد للكارتة التي أمر بتجهيزها من أجل المرور على أرضه، والاطمئنان على وابور المياه.. تلك المكنة الإنجليزية ماركة (ألن رستون) التي ابتاعها منذ فترة قصيرة لري الأرض.. لعل بعض من البراح والهواء الطلق يهديء من اضطراب خواطره..

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٤٣.. 

كان من حسن فضل أنه عاد لبيت مصر الجديدة بعد فترة وجيزة من البقاء مع أمير في الغرفة المتواضعة التي اتم شفاؤه بها، فما أن عاد حتى وصل سعد والده من الصعيد ليطمئن على حاله، ويتأكد أن كل شيء على ما يرام.. كان فضل قد بدأ يتعافى فلم يلحظ عليه سعد ما قد يدفعه للريبة أو الشك في توجهات ولده التي أكد عليه مرارا أن يدعها وبنتبه لعمله ولمكتب المحاماة الذي أسسه من أجله.. 

أنهي سعد بعض أعماله في القاهرة، وقرر العودة لنجع الرسلانية بصحبة فضل، فقد أوصته أمه بالعودة به لأنها تشتاق لرؤيته.. كما أن وجوده ضروري، حتى يقرروا موعد زفاف مختار وصفية في وجوده.. فما كان من فضل إلا الازعان لطلب والده.. فقد كانت فرصة طيبة على كل حال لقضاء وقت النقاهة من إصابته هناك.. 

ثلاث ليالِ منذ قدم للرسلانية.. يسير فالطرقات بلا هدى، وما أن يصل بلا وعي للطريق الواصل بينها وبين عرابة آل حفني.. حتى يتوقف متطلعا للدرب الممتد قبالة ناظريه.. وما أن يهم بأن يخطو أولى خطواته نحو دارها.. دار فوز.. حتى يتراجع.. فقد تذكر كلماته التي قالها لأمير بعد إصابته.. لا وقت للحب.. ولا مكان له بحياته الشاقة.. وهو لن يضعها معه في هذا الطريق.. ويتركها لأي سبب.. لن يكون سببا في تكدير حياتها بالارتباط بشخص مثله.. حياته بكل تفاصيلها على كف عفريت.. بلا استقرار فعلي.. لا حياة عادية ككل حياة زوجية تتمناها فتاة في مثل عمرها.. تحلم بزوج محب وأطفال صغار وبيت دافيء.. أشياء تحقيقها معه صعب المنال.. 

عاد أدراجه وقد قرر بينه وبين نفسه أن ينسى الأمر تماما، وأن لا يدع فرصة للتفكير به، عليه العودة القاهرة والانخراط في حياته المعتادة قبل أن يلقاها.. ويتركها لحالها تنعم بحياة طبيعية.. فهي تستحق الأفضل.. 

اقترب فضل من أسوار السراي، وما وصل حدودها حتى كاد أن يصطدم بخادمهم مصباح، الذي هتف متلهفا ما أن وعاه: إلحج يا سي فضل، الباشا طالبك، ده أني كنت خارچ أدور عليك.. 

هتف فضل متعجبا وقد قلب لهجته للهجة الصعيدية ما أن يصل للنجع: ايه في يا عم مصباح!.. ايه اللي چرا لكل ده!

هتف مصباح وهو يلحق بفضل، الذي هرول صاعدا الدرج لداخل السراي: الموال باينه كبير يا فضل يا ولدي.. ربك يسترها.. 

ظهر فضل على أعتاب البهو الخارجي للسراي، فطالعه وجه والده المكفهر، الذي كان يقف في قلب البهو بكل هيبته وهيلمانه، وما أن خطا للداخل قليلا حتى ظهر أمامه زوج عمته وهدان، وابنه سميح، وها هو الخواجه نعيم.. وأخيرا هذه الفتاة المليحة التي تقف في حياء منكسة الرأس، والتي تناهز أخته صفية العمر.. أو ربما تكون أصغر قليلا بسنة أو اثنتين.. وعلى الجانب الآخر يقف الشيخ رضا المحمدي مستندا على عصاه في إجهاد.. منكس الرأس كذلك.. يتمتم ببعض من الأدعية والاذكار كعادته.. 

أصبح فضل الآن بقلب البهو على مرأى ومسمع من الجميع.. وعلى ما يبدو الأمر بالفعل جلل كما وصفه مصباح.. لأن أمه أنس الوجود وأخته صفية لم يكن أبدا من عاداتهما الوقوف هكذا بأعلى الدرج للتلصص على ما يجري.. 

هتف فضل في تأدب موجها حديثه لسعد: بلغني إنك طالبني، خير يا باشا!.. 

هتف سعد زاعقا: وهيجي منين الخير، وأنت كل شوية چايب لنا مصيبة فديلك!.. 

هتف فضل في هدوء يحاول أن يفهم ما يجري: مصيبة ايه بس!.. هو ايه اللي چرا!.. 

هتف وهدان في ضيق: بجي تاچي منك أنت يا فضل وأنت سيد العاجلين!.. 

هتف فضل وقد بدأ يعتريه بعض الضيق: طب هو ايه في! ما حد يجول ايه اللي حصل للمحكمة دي! وايه الذنب اللي حاطيني جدامكم وبتحكموني به!.. 

هتف نعيم مدعيا البكاء حسرة، وهو يربت على كتف ابنته استير الباكية بدورها قهرا على ذاك الوضع المخزي الذي وجدت نفسها متورطة فيه بلا رغبة: أقول فيك ايه!.. هو عرض الناس رخيص كده! ولا اكمنك ابن أكابر.. واخد فوشك ومش همك حد.. لكن الباشا حقاني وهياخد لي حق بنتي منك.. 

هتف فضل في حنق: بت مين! وحج ايه! 

هتف سعد مقرا: الخواچه نعيم بيجول إنك عشمت بته الچواز وخليت بها، والبت دلوجت حامل، ده حصل!..

صرخ فضل مدافعا: محصلش، ولا عمره ممكن يحصل، ومش أنا اللي اعمل في بنات الناس كده!.. 

هدأت ثورة سعد لحد كبير، بينما هتف الشيخ رضا محوقلا، بينما أكد وهدان على قول فضل: ايوه، ولدنا متربي وميعملهاش.. 

هتف سميح ساخرا: ما يمكن چاي يرمي بلاه علينا.. فاكر إن سيد البلد ممكن يچوز بته لولده.. 

هتف نعيم في برود عجيب: لاه يا سي سميح، أني مش چاي أجول إلا اللي حصل، وكان ممكن اتهمك أنت.. وأنت مش مخلي وسمعتك سبقاك.. 

نكس سميح رأسه خجلا، ولم يعقب.. بينما استطرد نعيم بنفس النبرة الباردة: أو اتهم فيها سي مختار..أو أي شاب من ولاد كبرات البلد.. لكن البت جالت لي اللي عمل كده هو فضل افندي واد سعد باشا.. 

هتف صوت جهوري قادم من أعتاب السراي، مؤكدا في حزم: لاه، كدب.. كل ده كدب.. فضل بريء.. الواد ولدي أنا.. اللي فبطنها ده يبجى ولدي.. 

شهق الجميع.. فما كان يتوقع مخلوق، أن يكون ذاك القادم.. المدافع بكل هذه الحماسة.. هو الفاعل أبدا.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩١.. 

تحركا حبيب وأنس تاركي صخب زفراني والعيال أمام دوار العمدة، سالكي ذاك الطريق الطويل بين الغيطان، وقد ساد الصمت بينهما بعد موجة الضحك المفعم بالحيوية، لأفعال زفراني والصغار.. حتى علت أصوات قادمة من قلب أحد الغيطان، وكأنه نقاش حاد.. أو جدل محتدم يدور هناك لسبب ما، ألقى حبيب التحية رافعا صوته على غير عادته، ليصمت الجميع لبرهة، قبل أن يهتف أحدهم مجيبا: وعليكم السلام يا حبيب بيه، والله ابن حلال مصفي.. تعالى أحضرنا.. 

هتف حبيب مقرا: طب هوصل الضيوف اللي معاي وارچع لكم.. 

أكدت أنس الوجود، وهي تشير نحو صخرة على مقربة تقع تحت شجرة وارفة بالقرب من طلمبة مياه قديمة: أنا هقعد هناك، المكان هناك حلو أوي.. وشوف في ايه!.. 

همس حبيب: يمكن أتأخر عليكي، أني معرفش ايه في!.. 

هتف أحد الرجال مؤكدا: مش هنأخروك يا حبيب بيه، ده مكنة الري، محدش بيعرف يدورها غيرك.. كنا لسه هنشيع لك.. بس سبحان الله.. لجيناك جصادنا.. 

هز حبيب رأسه موافقا، تاركا أنس تتجه نحو الصخرة على مطلع الغيط، وما أن اطمن أنها استقرت هناك بالفعل، حتى دخل لذاك المبنى الصخري الذي لم يتغير منذ زمن جده سعد رسلان، حين بناه من أجل حفظ هذه الماكينة الغالية، التي اشتراها لري الأراضي وعين عليها خفيرا لحراستها.. كان صوتها وحده يبعث الطمأنينة بالغيطان المحيطة ويبث في النفس إحساسا بالأمان والوفرة.. 

اسند حبيب يده على الماكينة، ليهتف أحد رجالها مؤكدا: والله ما في حد فينا إلا ومد يده، ومفيشي فايدة، حرنانة كيف البهيمة ع المطلع.. 

ابتسم حبيب رابتا على الماكينة في اعتزاز، كأنه يعتذر لها بالنيابة عن ذاك الذي سبها منذ قليل، ومد يده ممسكا ذراعها، وبدأ في جذبها بقوة، لم تفلح المرة الأولى.. وما أن جذبها مجددا، حتى بدأ سير الماكينة في التحرك.. وبدأت المياه بالظهور في الحوض الرئيسي الذي أخذ في توزيع المياه، لخارج حجرة الماكينة في جداولها المعتادة .. 

وعت أنس للمياه التي بدأت تتدفق قبالة ناظريها في تلك القنوات الصغيرة التي تمر تحت قدميها، وسمعت صياح الرجال من داخل حجرة الماكينة مهللين.. فاقتربت من موضعها لتسمع رجل كبير في العمر.. يهتف في فرحة: والله يا حبيب بيه بجالنا ساعة نحايلوا فيها، تجول كانت حالفة ما تشتغل إلا بدراعك.. ربنا يحفظك يا ولدي.. 

رأت من موضعها حبيب منحنيا يغسل كفيه بأحد الجداول، يزيح عنها شحم الماكينة الأسود الذي علق بكفيه.. وما أن نهض حتى ربت الرجل العجوز على كتفيه في حنو.. قبل أن يلق حبيب التحية مغادرا في اتجاه موضع أنس الوجود التي سارت جواره في هدوء.. حتى سألت في فضول: هو صحيح المكنة دي مش بتشتغل إلا على ايدك!.  

ابتسم حبيب مجيبا: اهو الناس بتجول، المكنة برضك جدمت، من أيام چدي سعد الله يرحمه.. وعايزة المسايسة، وأني ربنا بيكرمني معاها وبتشتغل أول ما اسايسها.. والناس خدت إنها مبتشتغلش إلا على يد حبيب.. فكل ما تعطل يبعتولي.. واهي حكاوي.. 

تطلعت أنس نحوه بنظرة جانبية، متعجبة من ذاك الرجل الذي يهبه كل ما حوله قيمة مضافة لحقيقة واحدة.. أنه رجل فريد.. قل أن تجد رجلا يجمع كل هذه الصفات وتنسجم معها كل تلك المتناقضات.. لتشكل شخصيا فريدا بشخصية مميزة.. 

ظهرت أسوار السراي على مقربة، فشملهما السكون حتى وصلا في أمان.. ليضع حبيب مفاتيح السيارة بيد شبل، أمرا إياه بإحضار السيارة من موضع تركها.. 

❈-❈-❈ 

القاهرة ١٩٩١.. 

هتف جمال مطالبا سراج: تعالى اقعد بس وأنا هحكي لك كل حاجة.. 

جلسا في ذاك المقهى المقابل للمشفى، وبدأ جمال في سرد كل ما جرى الفترة الماضية، وأخيرا هتف متعجبا: العجيب يا سراج إن نصير زي ما هاجر حكت لي، طلب أيد الآنسة أنس للجواز.. و

قاطعه سراج متعجبا: أنس الوجود قريبة منيرة.. اقصد الآنسة منيرة!.. 

ابتسم جمال ولم يفته اضطراب سراج حين ذكر اسم منيرة: ايوه، هي يا سيدي.. عشان اكتشف إن هاجر صاحبة أنس الروح بالروح زي الأخوات.. وان الشاليه اللي كانوا رايحينه أنس ومنيرة.. في إسكندرية.. ده بتاع نصير بيه، وهاجر اللي سهلت وجودهم فيه..

تعجب سراج: بس إزاي هي هناك فالرسلانية، وهو هنا فالعناية بين الحيا والموت، مش غريبة دي!..

أكد جمال: لا، ما هي متعرفش بالحادثة، هو طلبها للجواز وهي رفضت وعشان تخلص من ضغط والدتها.. سافرت الرسلانية.. 

هز سراج رأسه متفهما: عشان كده أول مرة تطول هناك!.. 

هتف جمال يقاطع خواطر سراج: سيبك أنت من كل ده، أنا اللي همني من ده كله إني لقيت هااااجر.. هاجر يا سراج.. بعد السنين دي كلها..  

ابتسم سراج لأقوال صاحبه، هاتفا: تعرف إنك أول مرة تقولي عليها!.. شوف إحنا صحاب من امتى.. وعمرك ما حكيت لي حكايتك معاها.. قلت لي مرة بس إنك حبيت والموضوع انتهى.. افتكرت أن الوالدة تدخلت في الموضوع بأي طريقة.. 

هتف جمال مدافعا: لا أمي بريئة م الموضوع ده، هي اختفت ما بين يوم وليلة عشان سبحان الله نتقابل هنا.. مستشفى حبنا.. 

قهقه سراج، وتطلع نحو ساعته، هاتفا: طب اسيبك أنا مع حكاياتك دي، وألحق القطر لاسكندرية.. 

هتف جمال متسائلا: طب مش هشوفك تاني! 

أكد سراج: أنزل اجازة إسكندرية هتلاقيني هناك، لكن إزاي.. لازم طبعا تحل قضية الآنسة هاجر السروجي.. صح!.. 

هز جمال رأسه مؤكدا: صح الصح.. هو أنا هسيب هاجر عشان اجي اتصبح واتمسى بخلقتك!.. ده أنا ابقى مبفهمش.. 

قهقه سراج من جديد، تاركا المقهى مغادرا نحو محطة القطار.. ليشرع جمال في إنهاء قهوته قبل المغادرة نحو المشفى بدوره.. ليجد العسكري قادما من الخارج مهرولا نحو طاولته، مناديا في لهفة: يا جمال بيه، يا جمال بيه!.. الراجل فاق.. 

انتفض جمال متسائلا، وهو يضع الحساب على الطاولة في عجالة: نصير بيه فاق!.. 

هز العسكري رأسه مؤكدا، وجمال يندفع نحو الخارج صوب المشفى.. 

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة