-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 39 - السبت 14/6/2025

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل التاسع والثلاثون 


تم النشر السبت 

14/6/2025

ـ حصار.. وأسرار.. 


فلسطين.. إسدود ١٩٤٨..

بعد أن وصل الجنود المصريين إلى غزة وسيطروا عليها نظرا للمقاومة الضعيفة من عصابات اليه..ود هناك، بدأ تمركز الجيش المصري وبداية التوسع شمالا وجنوبا.. اتجهت فرقة من الجيش شمالا صوب بلدة اسدود .. وفرقة جنوبا نحو بئر سبع.. 

هتف مختار لبعض الجنود من أجل العمل على تجهيز بعض التحصينات من أجل التمركز في اسدود.. استعدادا للسير نحو تل أب..يب.. التي تبعد بعض الكليو مترات عن موقع تمركزهم.. 

ليهرول أحد الجنود نحو مختار، مادا كفه بظرف، هاتفا: جالك جواب يا فندم.. 

استلمه مختار في رسمية على الرغم من قلبه الذي يرفرف بين جنباته، وما أن أبتعد الجندي في عجالة بعد أن ألقى التحية العسكرية، حتى اندفع مختار لداخل خيمته، يفض المظروف في لهفة، لتجري عيناه على السطور مهرولة.. 

"زوجي الغالي مختار..

أول ما عرفت إن ممكن ابعت لك جوابات.. مكدبتش خبر وقلت لازم اطمن عليك.. واطمنك عليا وعلى مصطفى.. احنا بخير كويسين ولا ينقصنا إلا وجودك.. عمتي توحيد حقيقي متوحشاكم أنت وسميح.. يا ترى هو معاك.. ابقى ابعت طمنها عليه.. 

وحشتني أوي يا مختار.. كل مرة بتسافر فيها كنت بمني نفسي بفترة بعاد صغيرة وبعديها رجعة.. لكن المرة دي.. البعد طول.. ومش عارفة هيكون آخره ايه ولا هينتهي امتا.. 

خلي بالك على نفسك عشان خاطري.. وخليك فاكر إن صفية مستنياك.. وبتتمنى ربنا يرجعك لها بالسلامة قبل ميعاد ولادة ابنك او بنتك اللي جاي ده.. طمني كل ما تقدر.. وابعت لي جوابات كل ما يكون في إمكانية.. بحبك.. صفية".. 

تنهد مختار وما أن هم بسحب ورقة وقلم لكتابة الرد.. حتى هل على خيمته بعض أصحابه.. فطوى الرسالة واضعا إياها بجوف جيبه جوار قلبه.. وجلس لمسامرتهم.. 

❈-❈-❈

اارسلانية ١٩٤٨..

دخل سعد إلى السراي ليجد أنس الوجود وصفية ووداد بجوار جهاز الراديو يستمعون إلى الأخبار في انصات تام، تطلع إلى صفية مشفقا، كان يعلم أنها تحمل هم غياب زوجها بجانب هم أخيها فضل.. فمد كفه مغلقا الراديو في هدوء.. همت صفية بالاعتراض.. لكنه بادرها مؤكدا: الأخبار كلها عال.. أني سألت وأكدوا لي إن الاخبار اللي بتتذاع صح.. وخلاص وصلنا اسدود يعني فركة كعب وندخل تل أب..يب.. ونخلص من الانچاس دول.. ويرچعو الحبايب..

سألت صفية على استحياء: طب ينفع ابعت جواب تاني لمختار على هناك! 

أكد سعد باسما: ايوه معلوم.. ينفع.. اكتبي اللي انتي ريداه وأني هبعته بمعرفتي.. وفوز كمان تكتب لفضل.. ألا هي فين.. مش جاعدة معاكم ليه زي عوايدها!..

أكدت أنس في هدوء: أستأذنت في زيارة أمها.. طلبت من السائق توصيلها.. 

هز سعد رأسه متفهما: طب وماله.. الواد رؤوف هيهيص هناك مع عدنان وصبري ولاد عامر.. ما هم من سنه.. بس اومال فين مصطفى ولدك يا صفية!.. 

أكدت صفية: بعتت سته توحيد تاخده تتونس به.. 

أكد سعد: أني لسه چاي من عندها، شكله كان نايم، لانه طول ما هو صاحي بتفضل ترمح وراه.. مطوليش الغيبة عليها يا صفية يا بتي.. برضك دلوجت هي جاعدة لحالها.. 

اومأت صفية في طاعة: أنا كنت هستأذنك يا بابا أروح.. واخليني چنبها..

هتف سعد مؤيدا: ايوه وماله.. ارچعي اجعدي مع عمتك.. واني يوماتي هكون عندكم.. بجولك يا وداد.. تعالي وراي.. رايدك فوج.. 

تطلعت صفية نحو أمها، فقد تكون على علم بسبب استدعاء أبيها لوداد خاصة، لكن أنس الوجود نفت معرفتها بالسبب، لتنهض وداد في عجالة مهرولة تتبع أبيها للطابق العلوي.. حتى إذا ما جمعتهما الغرفة، سأل سعد بلا مواربة: أني چالي عريس طالب يدك، جلتي ايه!.. 

اضطربت وداد لبرهة، قبل أن تجيب منكسة الرأس في حياء: الرأي رأيك طبعا يا باشا، بس أنا لسه لي شوية في الچامعة وعايزة اخلص وبعدين الچواز.. 

هتف سعد: طب وايه المانع ما تتچوزي وتخلصي علامك..ما هي فوز مرت فضل عملت كده واهي خلصت وتمام.. وبعدين ده انتي مسألتيش حتى.. مين العريس!.. 

لم تعقب وداد فما كان ذاك يعنيها بالفعل، لكن سعد استطرد قائلا: ده الداكتور وصفي.. أصغر عيال العمدة سلمان النچدي.. ايه جولك!.. 

ابتسمت وداد مؤكدة من جديد: مفيش بعد جولك يا باشا.. بس يرچع فضل ومختار بالسلامة.. ولا ايه!.. 

ابتسم سعد مؤكدا بدوره: والله بت أبوكي صح يا وداد.. أني جلت لسلمان كده.. رچالتنا ترچع منصورة عن جريب.. ويبجى الفرح فرحين.. على خيرة الله.. ربنا يكتب لك اللي فيه الصالح يا بتي.. 

❈-❈-❈

فلسطين.. بئر سبع ١٩٤٨..

جاء سميح مهرولا ليجلس ملتقطا أنفاسه جوار فضل، الذي تطلع له لبرهة، قبل أن يشير إلى جماعة الشبان الذين يتدربوا في حماس بالقرب من موضعهما، متسائلا في تعجب: الشبان زمايلك دول يا سميح مدربين كويس أوي.. ده أنا مقدرتش أفرق بينهم وبين الجنود النظاميين اللي بقالهم سنين في الجيش.. إزاي ده!..

اضطرب سميح مؤكدا: لا عادي.. هي الحماسة بس وخداهم دفاعا عن دين الله ولنصرة الأرض المقدسة.. لكن هم عادي.. 

تعجب فضل: بس ده مش موضوع حماسة.. هم اه فعلا متحمسين.. ودي حاجة تفرح.. ولكن أنا بتكلم عن براعتهم في استخدام السلاح اللي احنا بقالنا فترة بندرب عليه.. هم بقى شكلهم فاهم ومدرب.. ده حصل امتى وفين!.. 

هتف سميح في حذر، وبنبرة صارمة: واعدوا لهم ما استطعتم من قوة.. 

تطلع فضل صوب سميح، متعجبا من مدى تبدل ذاك الرجل، وكيف كان ثم كيف أصبح.. لكنه حال الدنيا.. هكذا خاطب فضل نفسه، ولم ينطق حرفا، ليظهر من البعد طيفا لشخص يعرفه تمام المعرفة، وقف موضعه لبرهة، قبل أن يترك سميح متجها صوب ذاك الصديق ليتأكد أنه لا يهزي.. وما أن أصبح أمامه حتى هتف في سعادة غامرة: أمير!.. تصدق أنا كنت بقول هلاقيك هنا!.. ما هو مش ممكن يكون.. 

هتف أحد الضباط مقاطعا في مشاكسة: مش ممكن يكون إلا هنا!.. ولا ايه يا حضرة اليوزباشي!.. 

تطلع فضل صوب أمير متعجبا: يوزباشي!.. 

أكد الضابط متعجبا: ايوه يوزباشي! ولا أنت حد رقاك من ورانا ولا ايه يا ناجي!..

اتسعت عينى فضل دهشة، وكرر الاسم في ذهول: ناجي!.. ناجي مين!.. ده..

قاطعه ناجي باسما، معرفا نفسه في ود: اليوزباشي ناجي الشافعي..

ساد الصمت لبرهة، قبل أن يهتف فضل متذكرا: عشان كده قلت لي في مرة.. بكرة تعرف كل حاجة.. لما كنا في قصر خالي.. 

تذكر ناجي لقاءه الأول بإلهام، حين جاء على ذكر قصرها.. واضعا كفه بشكل لا إرادي على جيب سترته الملاصق لقلبه، حيث يحتفظ بسلسالها الفضي.. وقد أومأ برأسه في إيجاب لفضل.. الذي كان سعيدا أنه وجد صديق كفاحه رفيقا بهذه الحرب، التي يأمل الجميع في انتهائها بكل نصر وافتخار.. 

❈-❈-❈

فلسطين.. اسدود ١٩٤٨.. 

كانت الأمور مستقرة، ولا شيء يدعو للقلق.. وكل شيء معد للتحرك نحو تل أب..يب.. تنبه بعض الجنود لصوت مجنزرات تقترب..ليستنفر الموقع كله في لحظات ويبدأ الرد عليها قبل الدخول في عمق موقع تمركز القوات.. لتسقط دانات المدفعية من الجانب المصري.. لكن ما لم يكن في الحسبان.. هو ذاك الازيز بالسماء الذي كان يؤكد على هجوم جوي وشيك.. لتبدأ نيران الجحيم تتساقط على القوات المصرية التي تفاجأت بامتلاك العدو سلاح جوي متقدم.. يشارك به في القتال.. 

هتافات من هنا وهناك.. وأوامر يصرخ بها جندي المراسلة على جهاز اللاسلكي يؤكد على تعرض الفرقة تسعة مشاة للهجوم.. مع التأكيد على طلب الإمدادات بشكل سريع.. لا يقبل التأجيل.. فدخول السلاح الجوي الإسرائيلي الحرب في هذه اللحظة الحاسمة قلب موازين القوى بشكل كبير لصالح العدو.. بعد أن كانت القوات المصرية في حالة تقدم وانتصار.. 

أربعة أشهر حافظ الجيش المصري على موقعه بالفالوجا.. حتى أكتوبر.. لتزيد القوات الاسرائيلية الضغط على شطري الجيش المصري شمالاً في الفالوجا التي بدأ في محاصرتها حين أعطى القائمقام سيد طه قائد الفرقة الرابعة المصرية أمرا بالتراجع نحوها بعد الخسارة في اسدود.. وتم قطع طريق الإمدادات ما بين فرق الجيش المصري شمالا وجنوبا.. لتعيش الفرقة الرابعة في الفالوجة حصارا شديدا.. 

تألم مختار في وجع، حين وضعه بعض أصحابه على تلك المحفة، ليحملوه لموضع أكثر أمنا.. ليكمل تلقي علاجه.. بعد إصابة قدمه.. متطلعا حوله نحو زملائه الجرحي والمصابين، وبعضهم في حالة يرثى لها.. مع تفاقم الحالة نظرا لقلة المعدات الطبية التي بدأت في النفاد نظرا لذاك الحصار على الفرقة.. والذي حاول العدو كسره لشهر كامل بلا جدوى.. ما عرض موقعهم للعديد من الخسائر مع ازدياد أعداد الإصابات والجرحى.. وارتفاع عدد الشهداء.. وبداية الشح في الإمدادات التي تم قطع طريقها وتضييق الخناق على الفرقة المحاصرة حتى تعلن الاستسلام وتسليم سلاحها وأفرادها للعدو، وهذا ما رفضه قائدها القائمقام سيد طه ومساعده البيكباشي جمال عبد الناصر.. 

ليستمر الحصار لفترة لا يعرف قدرها.. مع ازدياد الضغط وكذا ازدياد مقاومة الفرقة.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٤٨..

اندفعت صفية من الخارج ما أن جاءت الأخبار على ذكر حصار الفالوجة، تهرول على قدر استطاعتها، وهي في شهر حملها الأخير، تبحث عن والدها ليطمئنها، والذي جاء مهرولا من مكتبه ما أن سمع ندائها.. ممسكا بها في تعاطف.. مجلسا إياها على أقرب مقعد لموضعهما، متسائلا: ايه في يا صفية! يا بتي بالراحة على روحك ده انتي على ولادة.. ودي حرب جايدة وكل شوية بخبر شكل.. 

أكدت صفية باكية: لا يا بابا.. دي الفرقة بتاعت مختار اللي اتحاصرت.. يا ترى ايه اللي جرا.. أنا مش هرتاح إلا أما اطمن.. 

رتب سعد على كتف ابنته مواسيا: هي عمتك سمعت بالاخبار دي!.. 

هزت صفية رأسها نفيا.. مؤكدة أنها سمعت الأخبار بمفردها حين كانت توحيد تصلي.. حتى وهدان كعادته كان بحجرته يعتريه المرض ولا يدري من أمر الدنيا الكثير: اطمن يا بابا، أنا سمعت وجيت على هنا على طول.. هي على طول تدعي وخايفة.. مش هزودها عليها.. 

همس سعد: طب خير.. والله خير .. أني هشوف الدنيا فيها ايه واطمنك.. هتصل بخالك رستم وهو هيعرفلنا الأخبار التام.. بس دلوجت.. جومي معاي.. لچل ما..

قاطعته صفية متوجعة: آه.. نادي على ماما بسرعة.. شكلي بولد يا بابا.. 

بدأت أنات صفية تعلو.. ليزعق سعد منبها من بالأعلى.. أتت أنس الوجود مهرولة في ذعر.. ومن خلفها وداد وفايزة.. حاولن جميعا مساعدة صفية في الصعود لحجرتها.. بينما أكد سعد على ابن مصباح الأكبر عرفان الذي تسلم المهمة من والده في الكثير من الأحيان مع تقدم مصباح في العمر.. بإحضار الطبيب على وجه السرعة.. وإرسال من يخبر توحيد بأن صفية تضع مولودها الآن.. 

ساعات من القلق والتوتر عاشها من بالسراي.. وصرخات صفية المتوجعة، التي كان غياب زوجها وأخباره المجهولة سبب وجيعتها الأكبر.. كان أنينها يعلو تارة فيعتقدوا أنه حانت اللحظة المنتظرة ثم يعود ويخفت تارة آخرى فيزداد القلق عليها.. حتى أن أنس الوجود بكت في اضطراب خوفا عليها واشفاقا على حال ابنتها.. كانت الولادة متعسرة بحق.. هكذا أعلن الطبيب.. حتى أذن الله بالفرج لتعلو صرخات الطفل بعد ساعات قاسية من المخاض.. أطلقت في إثرها توحيد الزغاريد كعادتها.. لتعلو صرخات صفية بالداخل من چديد قاطعا فرحة الزغاريد ليصمت الجمع المتجمهر حول باب الغرفة في قلق.. لا يدرك أحدهم ما الذي يجري حتى أن توحيد تطوعت مؤكدة: أني داخلة اشوف ايه في!.. أني مش هجعد كده الفكر جاتلني.. 

همت بدخول غرفة صفية بالفعل إلا أن إحدى ممرضات الطبيب المساعدات خرجت حاملة طفلا ملفوفا في دثاره الأبيض باسمة: مبروك..

بنت زي القمر.. وأختها بتجهز كمان زي البدر.. 

هتفت أنس متعجبة: قلتي أختها!.. 

هتفت توحيد في سعادة: لهم تووم.. بتين فبطن واحدة!.. 

أكدت الممرضة: ايوه.. بنتين.. يتربوا في عزكم.. 

هتفت توحيد باكية: يتربوا في عز ابوهم .. أنت فين يا مختار يا ولدي! تاخد بناتك في حضنك!.. 

ضمها سعد إلى صدره مطمئنا: خبر ايه يا توحيد.. ده يوم فرح.. بكرة ياچي بألف سلامة.. ويتهنى بشوفتهم.. 

مسحت توحيد دموعها مؤكدة: ايوه صح.. ده يوم فرح.. ولو مختار كان هنا كان جلب الدنيا عيد.. 

رفعت توحيد عقيرتها بالزغاريد من جديد.. لتخرج الممرضة الآخرى بصغيرة مدثرة بغطاء وردي.. ليهتف سعد في فرحة: طالما بنات يبجى انتي يا توحيد وكمان أنس يسموهم.. 

هتفت توحيد مؤكدة: مختار كان جايل لو چت بت هيسميها أمينة.. يبجى أنس تختار بجى اسم البت التانية.. 

صمتت أنس لبرهة، وهي تتطلع لوجه الصغيرة التي خرجت لتوها من الحجرة، والتي تحمل وجها ورديا براقا، هاتفة في سعادة: برلنتي.. اسمها برلنتي.. 

هتفت توحيد ضاحكة: اسم خوچاتي بس حلو.. أمينة وبرلنتي.. 

هتف سعد في سعادة: ربنا يبارك فيهم.. الداكتور اهو خارچ.. تعالوا نطمنو على صفية.. 

❈-❈-❈

فلسطين.. بئر سبع ١٩٤٨..

كانت صحراء النقب هدفا غفل الجانب المصري عن أهميته بالنسبة للجانب الإس..رائيلي.. والذي جاء هجومه الذي شنه على بئر سبع مباغتا.. بعد أقل من أسبوع واحد على حصاره لشطر الجيش في الشمال بالفالوجا.. حتى أنه وعلى الرغم من وصول إمدادات حديثة للفرق المتمركزة هناك.. إلا أن الدفاع الذي شنه الجانب المصري لم يؤتي إلا ثمارا مرة .. 

اندفع الجميع نحو الدشم المحصنة حين لمح الجميع الطائرات الاسر..ائيلية التي ظهرت بعيدا بالأفق لكن كان أزيزها يعلن عن اقترابها من مواقع التحصينات.. وبدأ إنزال القنابل على مواقع القوات المصرية التي ما أن ردت بكل بسالة حتى بدأت سلسلة من الانفجارات داخل المعسكر المصري.. فقد كانت طلقات الأسلحة ودانات المدافع تعمل على عكس المتوقع منها.. فما ما كان استخدامها إلا مصيبة على حامليها.. 

لم يعِ بعض من الجنود والضباط هذا العيب الخطير في الأسلحة وبدأوا في التعامل مع العدو المهاجم..

كان فضل من حاملي الأسلحة الخفيفة الذين بدأوا في الركض لخلف الدشم للتخفي، وإطلاق الرصاص في اتجاه قوات العدو البرية التي بدأت في المسير باتجاه قلب موقعهم.. 

ليصرخ أحد أصحابه في أحد الأركان البعيدة نسبيا عن موضعه متألما.. كان يعتقد فضل أنه تم اصابته فحاول إلهاء مجموعة من جنود العدو عن الاتجاه نحو صديقه.. لكنه اكتشف أن زخيرته قد نفدت.. ما دفعه للزحف باتجاه ذاك الصندوق الذي فُتح لتوه من إمدادات الزخيرة التي وصلت المعسكر مؤخرا.. تناول حفنة منها وبدأ في إعداد بندقيته وعيناه تطل من بين الدشم على خط سير الجند الإسرائيليين السائرين بحذر في اتجاه دشمة صديقه.. حتى ما أن انتهى وضغط الزناد في اتجاه جنود العدو حتى أظلمت الدنيا.. بعد أن سقط صارخا مثل صديقه الذي حاول إنقاذه..

بينما على الجانب الآخر كانت المدفعية الثقيلة تعمل على جانبين.. محاولة إصابة الطائرات الاسرائيلية التي كانت تطير على ارتفاع منخفض لضمان إصابة اهدافها على الأرض بدقة.. وكذا صد هجوم الدبابات على الأرض.. كان سميح يقف خلف أحد المدافع.. يعد إحدى الدانات ليحشو بها المدفع وبجواره معاونه.. وناجي خلفهم بعدة خطوات.. يتابع بناظريه صف من الطائرات الاسرائ..يلية التي توشك على الوصول لموقعهم.. ليأمر بصوت جهوري .. أضرب.. 

نفذ الجميع.. لتتوالى الانفجارات في الاتجاه العكسي.. فقد انفجرت الدانات بقلب المدافع.. وعلا صراخ الجرحي .. وهتافات الصدمة على ما يجري.. ونداءات الناجين من هنا وهناك على أصحابهم.. لعل أحدهم ما يزل على قيد الحياة فيهرع لإنقاذه.. ليهتف سميح مستنجدا، وقد سقط مدرجا في دمائه: إلحقني يا ناجي.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٤٨.. 

دخل سعد للسراي واجما، ولم يكن لينطق حرفا على ما يجري ولا ينبس بحرف عن أخبار الحرب ومجرياتها.. إلا أن فايزة استوقفته قبل أن يعتكف في حجرة المكتب حتى لا يتبادل الحديث مع مخلوق.. توقف متطلعا نحو فايزة التي سألت في اضطراب: مفيش أي أخبار يا عمي!.. هي الأخبار ليه وجفت فچأة كده ومبجيناش عارفين ايه اللي بيچرا! ده حتى الچوابات رچعت موصلتش.. أنت عارف حاچة يا عمي ومخبيها علينا!.. جول يا عمي أنا شديدة.. بس أعرف ايه في.. بدل ما أنا هتچنن كده من حيرتي!.. 

ربت سعد على كتف فايزة في تعاطف، فقد كانت على حق.. كل الأخبار أو البيانات التي جاءت كانت مقتضبة لا تحمل أخبار مطمئنة .. مجرد معلومات طفيفة لا تسمن ولا تغني من جوع.. ولا تبل ريق القلب المضطرب قلقا على الأحباب.. هاتفا في تعاطف: والله يا بتي لو أعرف حاچة ما هخبيها إن كان عليكي أو على صفية.. لكن محدش عارف حاچة ولا حد بيتكلم.. بس أني نازل مصر.. يمكن أعرف اطلع بحاچة تريحنا.. 

هزت فايزة رأسها متفهمة، كانت تقف في ثبات قبالته، لكنه لمح بريق الدمع بعينيها حين استأذنت وغادرته.. فشعر بغصة قوية تعصر فؤاده ألما ووجعا على فلذة كبده الذي ذهب وغابت أخباره حتى انقطعت تماما.. 

دخل سعد غرفة مكتبه مهموما لا يعرف ما عليه فعله.. ليجد عرفان في أعقابه مسلما ليده برقية هامة وصلت لتوها من القاهرة.. مفادها..

"أحضر على وجه السرعة للأهمية.. رستم باشا كاظم".. 

انتفض سعد حين قرأ ذاك السطر القليل الأحرف والشديد الأثر.. مندفعا للخارج كالمجنون.. حتى أنه لم يبلغ أي من بالسراي أنه في طريقه للقاهرة لأمر جلل.. 

❈-❈-❈

القاهرة ١٩٤٨..

اندفع سعد لداخل قصر رستم، الذي ما أن علم بوصوله حتى اندفع صوب حجرة المكتب، لينتفض سعد لدخوله، ناسيا حتى إلقاء التحية، متسائلا في اضطراب: ايه في يا رستم باشا! حد من الولاد ع الچبهة چراله حاچة بعيد الشر!.. 

أكد رستم في نبرة حاول أن تكون هادئة على قدر استطاعته: أنا يؤسفني أبلغك إنه وصلني أخبار مش تمام.. 

قاطعه سعد صارخا في قلق بالغ: عن مين فيهم! مختار متحاصر فالفالوجة.. وعلى حد علمي لسه الحصار شغال.. فضل وسميح!.. 

هز رستم رأسه مؤكدا: ايوه.. سميح مصاب إصابات شديدة.. جابوه م العريش على المستشفى العسكري هنا بالقاهرة.. 

هتف سعد في نبرة مهتزة الأحرف: وفضل ولدي!.. اوعاك تجول.. 

قاطع رستم سعد.. رابتا على كتفه في تعاطف: فضل مفقود.. حاولت بكل جهدي أعرف حد يطمني عليه بأي خبر.. لكن للأسف.. الحالة مضطربة جدا.. وفي فوضى.. والمعلومات مش مؤكدة.. وفي تضارب كبير في الأنباء.. ومحدش عارف ايه اللي بيجرا.. 

انهار سعد على أقرب مقعد.. منكس الرأس في صدمة، لا يعرف ما عليه فعله اللحظة.. لكنه قاوم حتى نهض وما أن هم بالمغادرة، حتى سأله رستم: على فين!.. هتروح لسميح ابن أختك!.. 

هز سعد رأسه مؤكدا: ايوه.. اهو يمكن يكون عنده خبر عن فضل.. 

أكد رستم: طب استنى .. أنا جاي معاك.. مش هسيبك لوحدك وأنت فالحال ده.. وبإذن الله نعرف أي حاجة تريحنا.. هو أنس الوجود تعرف إنك هنا عشان البرقية اللي أنا بعتها!.. 

أكد سعد وهما في سبيلها للخارج: لاه، معرفتهاش حاچة.. جلت اچي اشوف ايه اللي حصل في بالأول.. وربك يسترها.. 

أكد رستم: عفارم عليك.. حرام نقلقها لحد ما نعرف هنقول لها ايه.. 

ظهر الخادم مناديا، قبل عبورهما بوابة القصر للخارج: يا باشا!.. تلغراف لسه واصل حالا.. 

فضه رستم في عجالة، متطلعا نحو سعد مقرا: ده تلغراف من الرسلانية.. مرات فضل وضعت وجاب الله سعاد.. وبيطلبو منك الرجوع بسرعة.. 

همس سعد بنبرة متحشرجة تأثرا: هرچع اجول لهم ايه!.. ابوها مش عارفين له طريج.. ولا عرفينه عايش ولا.. 

هتف رستم يبث فيه روح التفاؤل: متقلش كده.. كلها كام يوم والأمور تبان وكل الحكاية توضح.. وربنا يطمنا عليهم كلهم.. 

همس سعد متضرعا: يا رب.. 

توقف سعد أمام باب حجرة المشفى العسكري التي يقبع بها جسد سميح، وما أن خرج الطبيب المعالج حتى أكد في هدوء: بعد إذنكم الزيارة لدقائق لمصلحة المريض.. 

أكد رستم: مفهوم.. مفهوم.. 

ربت رستم على كتف سعد مشجعا، قبل أن يدلفا للحجرة معا، ليجدا جسد سميح مسجى على الفراش، لا يبين منه إلا وجهه وبعض من جزئه السفلي.. لكن الجزء العلوي من جسده مغطى بالكامل بالشاش الأبيض.. 

اقترب سعد في ذعر نحو سميح، هاتفا باسمه، ليفتح سميح عينيه في هوادة، باسما ما أن رأي خاله سعد قبالته، والذي هتف في نبرة حانية: أنت بخير يا ولدي، هتجوم منها.. وتبجى بألف خير.. 

هز سميح رأسه متفهما، ليسأل سعد في اضطراب: متعرفش حاچة عن فضل يا سميح!.. 

هز سميح رأسه نافيا، وهمس أخيرا في أحرف متقطعة: كان معايا في نفس الكتيبة.. وبعد الإصابة معرفش غير إني هنا.. 

طرقات على الباب، ليدخل ناجي الحجرة وهو يتكيء على عكاز طبي.. من أجل الاطمئنان على صحة سميح.. فإذا به يجد رستم باشا قبالته بالغرفة.. والذي ما أن ابصره حتى نهض من موضعه مؤكدا على سعد في نزق أنه سينتظره بالخارج.. 

ليهمس سميح لخاله معرفا: ده اليوزباشي ناچي الشافعي.. كان قائد المچموعة بتاعتنا.. ولولاه مكنتش عايش لحد النهاردة.. ده هو اللي وصلني لحد غزة عشان اتعالچ.. ويمكن يدلك على حال فضل.. 

أكد ناجي في نبرة متعاطفة: لما سميح اتصاب كان الضرب فوق روسنا والأسلحة بتضرب في وشوشنا بين أيدينا.. محستش إلا وأنا بسحب سميح لما لقيته عايش.. وجريت به بعيد عن مرمى النيران عشان أوصله للوحدة الطبية.. 

لكن اللي عرفته بعد كده يا سعد باشا.. إن باقي الفرقة.. وقعوا في الأسر.. 

هتف سعد مذعورا: في الأسر! يعني ولدي دلوجت تحت رحمة الكفرة دول!.. 

هز ناجي رأسه مؤكدا.. ليهمس سعد في قلة حيلة: لله الأمر من جبل ومن بعد.. 

هتف ناجي متعاطفا: وحد الله يا باشا.. قادر ربنا يسمعنا عنه وعن مختار كل خير.. 

هز سعد رأسه في تيه، ليؤكد عليه سميح أن لا يبلغ أمه توحيد بأي من أخبار اصابته أو حصار مختار.. 

ليؤكد عليه سعد بأنه لن يفعل.. بل على العكس سوف يعود ناشرا أخبارا مخالفة، ليبث الطمأنينة بقلوب النساء.. اللائي ينتظرن خبرا يصبر قلوبهن الملتاعة وجعا على الأحباب الغائبين.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩١.. 

كانت صدمتها من رؤية تلك الصور الفوتوغرافية قبالة ناظريها كبيرة.. لدرجة أنها تسمرت موضعها كالتمثال، وما تحركت إلا أنها اكتشفت تأخرها عن اتيان ما جاءت في الأساس لأجله.. ما دفعها للتحرك مبتعدة صوب الخارج.. حاملة الاسعافات الطبية التي طلبها حبيب.. كادت أن تتعثر عدة مرات أثناء نزولها الدرج مهرولة في محاولة لتعويض الوقت.. حتى وصلت أخيرا لموضع سالم الذي حمله حبيب لإحدى الارائك تحت التعريشة.. متناولا منها حقيبة الاسعافات.. وقد بدأ في مداواة جرح سالم مؤقتا لإيقاف النزف.. ولم يخف عليه اضطرابها ما دفعه ليسألها في اهتمام صادق: إنتي تمام يا أستاذة!.. 

هزت راسها في إيجاب مؤكدة أنها بخير فما كان لها أن تنطق حرفا حتى لا يدرك من اهتزاز صوتها أنها تكذب.. 

علا صوت شبل قرب البوابة، ما دفع حبيب ليهتف به مناديا.. والذي لبى النداء في سرعة منفذا ما أمره به حبيب.. حمل سالم للسيارة.. حتى يأخذه للمشفى ليقوم سرور باللازم.. 

كان عقلها ما يزل يدور في دوامات لا نهائية من الأفكار.. بوجه شاحب واعين شاردة تائهة النظرة.. ما دفع حبيب ليسألها مجددا قبل أن يغادر: انتي متأكدة إنك بخير! وشك مخطوف ونظراتك زايغة كنك تعبانة.. 

أكدت أنس هاتفة في نبرة حاولت على قدر استطاعتها أن تخرج طبيعية: أنا تمام.. شكلي بس تعبان شوية عشان منمتش كويس.. عن إذنكم.. 

همت بالمغادرة، لتهرب مجددا بعد أن خرجت أخيرا من عزلتها.. لكنها وقفت لبرهة تربت على كتف نجية مطمئنة، قبل أن تهرول نحو الداخل.. يتبعها بناظريه.. وهو في حيرة من أمرها.. 

❈-❈-❈

القاهرة ١٩٩١.. 

على الرغم من التحسن الملحوظ في صحة نصير الراوي إلا أنه رفض العودة إلى عمله بمجموعة شركاته، وفضل البقاء في ڤيلته وقد حول غرفة مكتبه بها.. إلى غرفة عمل حقيقية.. 

ناداها نصير اللحظة وهو في قمة تركيزه على بعض الأوراق قبالته على سطح المكتب، والتي تخص صفقة ما، لم يطلع مخلوق على أوراقها حتى هي، وقد لاحظت أن ذاك الملف الذي يخص هذه الصفقة بالذات.. موجود داخل خزينة الفيلا لا الشركة.. أمرا إياها بتحضير فنجان من القهوة.. اطاعت في هدوء وما أن غادرت الغرفة باتجاه المطبخ.. حتى رن الهاتف رنة مميزة تؤكد أن المكالمة قادمة من خارج حدود مصر.. ما دفعها لترفع السماعة للهاتف الخارجي بالبهو الواسع في نفس اللحظة التي رفعها نصير وهو يرد بلغة إنجليزية رزينة.. منتظرا الجواب على الطرف الآخر.. ترددت هاجر في وضع السماعة.. نبأها حدسها أن هذه المكالمة والتي تأتي لنصير كل مدة ويصر على عدم تواجدها بالقرب حين يتلقاها تحوي سرا كبيرا جعل قلبها ينقبض بلا داعِ.. ما حثها على المضي قدما في الاستماع لمجريات الحديث المتبادل بين الطرفين.. كان حديثا مبهما يدور على أمر ما لا علم لها به.. لكن ما لفت انتباه حد الصدمة التي استطاعت السيطرة عليها بأعجوبة هو ذكر تفاصيل تخص أنس الوجود التي لم يذكرها باسمها صراحة في الحديث.. لكنه ذكر سفرها ومحاولته إقناعها بالبيع بشكل ودي.. وهذه مرحلة أولية قبل التعامل بوسائل آخرى غير مرغوبة حتى لا يثير الشكوك أو الشبهات حول الأمر.. انتهت المكالمة ووضعت السماعة على قدر استطاعتها في نفس اللحظة مع نصير حتى لا يدرك أنها تنصتت على مكالمته وعرفت ما لا يجب عليها معرفته..

تمالكت أعصابها.. ودخلت عليه مكتبه بعد أن جهزت فنجان القهوة في عجالة.. تاركة إياه جواره على مكتبه.. متسائلة: ممكن استأذن من حضرتك عشان حاسة إني تعبانة شوية!.. 

أكد نصير في رسمية وبلال منشغل: ايوه.. تمام روحي.. 

اندفعت هاجر مغادرة الغرفة في عجالة، لا تعرف إلى أين يمكنها الذهاب!.. وإلى من تستطيع أن تدلي باعترافاتها ومخاوفها في أمان!.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩١.. 

دخلت منيرة الحجرة، لتجد أنس على حالها، لم تبرح موضعها بالنافذة.. لتسألها بتعجب: مش هتيجي تنامي يا أنس!.. أكدت أنس في هدوء: لأ.. مش جاي نوم دلوقت.. نامي انتي يا منيرة.. ولو الشباك المفتوح مضايقك.. انا.. 

أكدت منيرة في عجالة: لاه.. خليكي على راحتك.. بس أصلك وجفتك دي اللي مش مريحاني.. حاسة إنك فيكي حاچة ومش عايزة تتكلمي.. من كام يوم وانتي حابسة روحك چوه الاوضة.. لا بتروحي ولا بتاچي.. وده مش طبعك.. هو حد ضايجك فحاچة أو داس لك على طرف!.. جولي.. والله لو حبيب عرف إن حد مضايجك.. ده يچيب عاليها واطيها.. وما هيرتاح إلا لما تجولي إنتي انك رضيتي وسامحتي.. 

تحشرج صوت أنس الوجود تأثرا: ليه ده كله!..

تطلعت منيرة صوبها متعجبة: وه!.. ليه!.. هو انتي أي حد ياك!.. ده إنتي ضيفة حبيب بيه رسلان وحفظ حجك وراحتك مسؤوليته.. واحترام ضيوفه ورضاهم من احترامه هو شخصيا.. 

همست أنس في نبرة غامضة: بس أنا مش ضيفة يا منيرة!.. أنا أقرب من أي قريب لكم.. يمكن أكون شايلة اسم الحرانية ورا اسمي.. لكن بالروح.. أنا أقرب.. ولا ايه!.. 

اضطربت منيرة، مستشعرة أن أنس تتحدث بالألغاز والأحاجي، ما دفعها لتهز رأسها في إيجاب هامسة: ايوه.. معلوم.. تصبحي على خير.. 

ساد الصمت، وظلت أنس على حالها بالنافذة.. ليهل زفراني بالقرب من سور السراي.. مترنما بصوت شجي على غير العادة.. بديلا عن صوته الجهوري الرنان.. كلمات عجيبة.. لا تعرف من أين يأتي بها.. ومن أي معين يستقيها.. 

آخر حدود الحلم .. علم.. 

آخر حدود الوچع .. راحة ..

والصدر ضاج في فراج الحبايب .. 

والشوج جتلني بالراحة.. 

ميتا يهل الفرح بجرب الخل..

ويلجى الجلب.. في ريح الحبيب براحه.. 

سال دمع أنس على خديها لكلمات زفراني التي لامست شغاف قلبها الموجوع.. وخافت أن تدرك منيرة إذا ما كانت لا تزل مستيقظة انات بكائها، ما دفعها لتقرر مغادرة الغرفة.. وبلا وعي وجدت نفسها تسير بخطى ثابتة نحو غرفة حبيب التي على ما تذكر تركت بابها مواربا ولم تغلقه بعد خروجها منه.. دفعت الباب في هوادة.. وداست على زر إضاءة الغرفة.. متجهة بخطى مرتعشة نحو الصور الفوتوغرافية التي طالعتها أول المساء.. وبدأت حالها تتبدل بهذا الشكل.. وقفت قبالة الصورة الأولى ورفعتها بين كفيها، تتطلع لصورة أمها جانب رجل موفور الطول والهيبة.. يشبه لحد ما حبيب.. أمها وهذا الشخص!.. من يكون!.. تذكر انس أمرا ما.. برق بذاكرتها بغتة.. وبلا أدنى تردد.. بدأت أنس في فتح الأدراج حولها في رعونة.. تبحث عن أي شيء قد يوصلها لتفسير هذا العبث الذي تطالعه اللحظة.. لتقع يدها أخيرا على بعض الأوراق التي أخذت تفرها حتى وجدت اسم حبيب مكتوب كاملا.. لكن ما أن همت أنس برفع الورقة لتقرأ الاسم في نبرة مضطربة مهزوزة.. حتى هتف أحدهم متعجبا: وه! بتعملي ايه هنا يا أستاذة!.. 

رفعت رأسها بعيدا عن ورقة الحقائق.. متطلعة لحبيب الذي كان يقف بالباب مندهشا من وجودها بقلب حجرته.. تحمل بكف صورة فوتوغرافية وبالأخرى ورقة لا يدري ما محتواها الذي رسم كل هذا الاضطراب على محياها الذي يعشق.. 

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة