المجموعة القصصية طغاة التاريخ

 مجموعة قصصية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة سمر إبراهيم 

اليوم موعدنا مع ملك عمل حاجة غريبة جدا وبعيدة كل البعد عن الطبيعة البشرية وبرغم كل أفعاله العظيمة إلا أنه مشهور بين الناس بالفعل ده.

حد فيكم قبل كدا سمع عن الملك اللي طلع جثة حبيبته ونصبها ملكة على العرش ومش كدا وبس لأ دا أمر النبلاء إنهم يبوسوا إيد الجثة واحد واحد.

تعالوا أحكيلكم الحكاية.

الحكاية حصلت في البرتغال مع الملك بيدرو الأول طب مين هو بيدرو الأول ده وحكايته إيه؟

بيدرو الأول ولد سنة ١٣٢٠م والده الملك "ألفونسو الرابع" ملك البرتغال وأمه تبقى "بياتريس بنت سانشو الرابع ملك قشتالة" (إسبانيا حاليا) 

والده كان شخص عنصري جدا وعنده حب للتملك والسيطرة على كل اللي حواليه كان بيحب يفرض رأيه على الجميع ومحدش يكسر له كلمة الكل بالنسباله عرايس ماريونيت يحركهم زي ما هو عاوز.

اللي حصل إن سنة ١٣٢٨م الملك ألفونسو الرابع جوز بنته الكبيرة "ماريا" لابن عمته "الفونسو الحادي عشر" ملك قشتالة علشان يوطد العلاقات بين البرتغال وقشتالة بس مكانش يعرف إن بنته هتعيش أسوأ أيام حياتها مع الراجل ده خيانة، وضرب، وإهانة، وكل ما تتخيله حصلها وسنة ١٣٣٥م رجعت ماريا لقصر أبوها من تاني وهي في حالة يرثى لها واشتكت لوالدها إن زوجها بيخونها مع أرملة اسمها "ليونور دي غوزمان"

هنا الملك ألفونسو الرابع غضب جدا من اللي حصل لبنته وقرر إنه ينتقم من ألفونسو الحادي عشر بأي طريقة علشان كدا عمل تحالف مع "خوان مانويل" أمير "بليانة" ضد ألفونسو الحادي عشر.

كان فيه مشاكل كبيرة جدا بين خوان مانويل والفونسو الحادي عشر أدت هذه المشاكل إلى إعلان خوان الحرب على قشتالة.

اللي حصل إن خوان كان عنده بنت اسمها "كونستانس" تقدم ألفونسو الحادي عشر للزواج منها وتم الزواج بالفعل لكت مستمرش أكتر من سنتين وقام خوان بفسخ الزواج بسبب سوء أخلاق ألفونسو ومعاملته السيئة لابنته ومن هنا تم إعلان الحرب بينهم هما الاتنين.

بعد اللي عمله ألفونسو الحادي عشر في بنت ألفونسو الرابع وبما إن عدو عدوي يبقى صديقي قرر ألفونسو الرابع وخوان مانويل أن يتحالفوا ضد قشتالة وعلشان يوضطدوا علاقتهم قرروا يبقى في بينهم نسب وهنا قرر ألفونسو الرابع تزويج إبنه بيدرو من كونستانس بنت خوان مانويل.

كان بيدرو رافض وبشدة فكرة الجواز من كونستانس وحاول إقناع والده بكل الطرق عله يغير رأيه فدخل عليه قاعة العرش ودار بينهم الحوار التالي:

تحدث الأمير بيدرو بنبرة رجاء وهو مطأطئ الرأس: 

- أرجوك يا أبي .. لا تجبرني على أمر لا أريده.

فصرخ الملك فيه قائلًا:

 - يجب أن تتزوجها .. لا تجادلني .. هذا أمر.

فأنتفض الأمير واقفا وقال مستنكرا:

 - كيف أتزوجها بحق السماء ؟ .. هذه المرأة كانت زوجة سابقة لزوج شقيقتي!

- وماذا في ذلك ، لقد فسخ زواجه منها وهي متاحة الآن 

  قال الملك محاججا.

- لكن لماذا دونا عن كل نساء الأرض تصر على هذه المرأة يا أبي؟

 قال الأمير متسائلا.

- أريد أن القنه درسا .. ذلك الوغد زوج أختك .. الفونسو الحادي عشر .. جواسيسنا يقولون أنه يسيء معاملة ابنتي ويتخذ عشيقات علنا غير آبها بمشاعرها وكرامتها مع انها أنجبت له وريثا للعرش.

  قال الملك وهو يصر على أسنانه حنقا ثم تابع قائلا: - ولا تنسى بأن أباها يعد من أكثر نبلاء قشتالة نفوذا ومن الجيد أن نكسبه إلى جانبنا في أي صراع مستقبلي مع زوج شقيقتك المعتوه.

- أنا لا أحب هذه المرأة يا أبي .. أرجوك أعفيني من هذا الزواج.

 قال الأمير بنبرة متوسلة.

- محال أن أعود عن رأيي وأنت تعلم ذلك جيدا .. هذا الزواج سيتم حتى لو رغم أنفك.

قال الملك محتدا ثم قام عن عرشه متأفئفا واستدار إلى الوراء ليلج عبر باب صغير مغطى بستارة حمراء يقع خلف كرسي العرش مباشرة ، وبقي الأمير وحده في القاعة ، وطفق يتمشى رواحا ومجيئا وهو يصفق بيديه أسفا وحسرة لا يعرف ماذا يفعل ليقنع والده بالعدول عن هذا الزواج.

وبالفعل كان للملك ما أراد وتم الزواج بالفعل بين الأمير بيدرو والأنيرة كونستانس.

حضرت كونستانس للبرتغال سنة ١٣٣٩م علشان تتم إجراءات وطقوس الزواج وطبعا كان معاها جيش من الخادمات اللي جايباهم معاها من قشتالة. 

كان من ضمن الخادمات دول واحدة اسمها "إينيس دي كاسترو" إينيس كانت بنت غاية في الجمال بعيون زرق وبشرة حليبية من كتر بياضها كانوا بيقولوا إنك ممكن تشوف النبيذ اللي بتشربه من بين عروق رقبتها.

كانت إينيس من أصول ملكية بس غير شرعية كانت إبنة غير شرعية لكونت قشتالى ويقال إنها كانت حفيدة غير شرعية ل "سانشو الرابع" ملك قشتالة يعني قريبة أم بيدرو بس بما إنها بنت غير شرعية مكانش معترف بيها.

أول ما شافها بيدرو وقع في غرامها فورا وهي كمان حبته جدا ونشأت بينهم علاقة عاطفية وبدأ الناس في القصر يتكلموا عن علاقتهم والحكاية اتعرفت في القصر كله وطبعا كونستانس أول ما عرفت غضبت جدا وقررت تطرد إينيس من القصر وطبعا بيدرو مسبهاش ترجع قشتالة تاني وقعدها في قصر فخم من قصوره. 

هتقولولى طب إيه كان موقف أبوه من الحوار ده هقولكم كان عادى في الوقت ده إن الأمراء والملوك يعرفوا ستات تانيين غير زوجاتهم وأبوه كان فاكر الموضوع نزوة وهتخلص مع الوقت وهيمل منها ويشوف غيرها لكن اللي ميعرفوش إن ده محصلش وإن حبهم كان حقيقي فعلا.

سنة ١٣٤٥م ماتت كونستانس وهي بتولد إبنها الثالث فرناندو والذي أصبح بعد ذلك أول خليفة لبيدرو في حكم البرتغال.

بعد موت كونستانس حس بيدرو وإينيس إن الفرصة بقت مهيأة قدامهم علشان يجتمعوا بشكل شرعي ويتزوجوا لكن ده محصلش ورفض الملك زواجهم بشكل قطعي ورفض أي حوار من بيدرو في الموضوع ده وكانت حجته إن إينيس مش بس خادمة دي كمان ابنة غير شرعية مينفعش تتجوز ولي العهد وتبقى في يوم من الأيام ملكة على البلاد.

حاول الملك يزوج إبنه بكل الطرق من أي اميرة تليق بيه بس هو رفض رفض قاطع إنه يتجوز واحدة تانية غير إينيس واللي أغضب الملك زيادة إن بيدرو أرسل في طلب أخواتها من قشتالة واللي كانوا منفيين من البلاط القشتالي وأسند إليهم مناصب مهمة في الدولة وعينهم مستشارين ليه ومكانش بياخد قرار من غير مشورتهم.

وقرار بيدرو ده أغضب والده جدا وأغضب كمان النبلاء البرتغاليين، فالعلاقة بين البرتغال وقشتالة غالبا ما كانت متوترة وقائمة على أساس التنافس وصراع النفوذ ، ولم يكن أي شخص في البرتغال يتمنى طبعا رؤية أمير البلاد ووريث العرش يصبح ألعوبة بيد مجموعة من القشتاليين.

هنا حس الملك بالخطر وحس إن ابنه كدا بقى لعبة في ايد إينيس وأخواتها يحركوه زي ما هما عايزين خصوصا بعد ما خلفت إينيس من بيدرو ٤ أولاد وكان في فرق واضح في معاملة بيدرو لأولاده كان بيميز ولاد إينيس عن ولاده الشرعيين من كونستانس وهنا حس ألفونسو بالخطر وإن ممكن بيدرو يورث الحكم لأولاده من إينيس وهنا قرر إنه يتخلص منها علشان إبنه يرجع تحت طوعه من تاني.

كمان كان خايف تقوم حرب أهلية من بعده يا إما من ناحية خوان مانويل علشان ينتقم لشرف بنته أو من ناحية إخوات إينيس علشان يدافعوا عن حق أختهم خصوصا بعد الإشاعات اللي كانت بتقول إن بيدرو قد تزوج بالفعل من إينيس فى السر.

سنة ١٣٥٥م أرسل ألفونسو الرابع ٣ من أخلص رجاله وهما "دييغو لوبيز باتشيكو، وبيرو كويهلو، وألفارو غونكالفيس" علشان يقتلوا إينيس اللي في الوقت ده كان بيدرو مخبيها في دير في سانت كلارا فى كويمبرا لما حس إن أبوه ممكن يغدر بيه وبيها وفعلا إحساسه كان فى محله.

استغل أبوه سفره ودور عليها لحد ما عرف مكانها هي وأولادها وبعتلها رجالته علشان يقتلوها وبالفعل قتلوها قدام ولادها الصغيرين ومش بس كدا دول قطعوا رأسها وخدوها للملك.

تخيلوا كدا بيدرو وهو راجع من السفر ورايح يشوف حبيبته هي وأولادهم يلاقي الولاد في حالة فزع رهيبة وحبيبته جثة مقطوعة الرأس لكم أن تتخيلوا رد فعله طبعا جن جنونه وعزم على الأنتقام ولو كلفه ذلك حياته .

كون بيدرو جيش وقام بعمل حرب أهلية ضد أبوه إستمرت سنة تقريبا وإنتهت بموت الملك بأزمة قلبية وتولي بيدرو العرش سنة ١٣٥٧م.

عارفين إيه أول حاجة عملها بيدرو بعد توليه الحكم أمر باستخراج جثة إينيس بعد سنتين من دفنها وركب رأسها على جسمها ولبس الجثة لبس ملكى وحطها جمبه على العرش وأمر بتنصيبها ملكة على البلاد ومش بس كدا زي ما قولت أمر النبلاء بمبايعتها وبوس ايدها واحد واحد اللي هو إنتوا مرضيتوش بيها أميرة وهي عايشة طب إيه رأيكم فيها ملكة وهى ميتة وتبوسوا إيدها كمان ومكانش قدامهم طبعا غير السمع والطاعة.

فضل بيدرو أربع سنين يدور على اللي قتلوا إينيس لحد ما عرف إنهم موجودين في قشتالة، وهنا عقد بيدرو الأول اتفاق مع ملك قشتالة واللي كان في الوقت ده ابن اخته وكان يدعى بيدرو هو كمان واللي تولى العرش بعد والده ألفونسو الحادي عشر وكان الاتفاق أن يتم تسليمه القتلة الثلاثة في مقابل تسليم ملك قشتالة الهاربين القشتاليين المقيمين في البرتغال.

بس مقدرش يقبض إلا على إتنين منهم سنة ١٣٦١م وهما بيرو كويهلو وألفارو غونكالفيس وأمر بقتلهم في ميدان عام علشان يكونوا عبرة لغيرهم.

قتلهم إزاي بقى؟ جاب أول واحد ونزع قلبه من صدره وهو عايش وجاب الثاني ونزع قلبه برضه بس المرادي من ضهره وهو عايش برضه ومسك قلوبهم في إيده علشان يبينلهم ويبين للناس هو حصل لقلبه إيه لما قتلوا حبيبته.

التالت بقى دييغو لوبيز باتشيكو قدر يهرب ومقدرش يوصله وتوفي دييغو عام 1383م.

حكم بيدرو الأول لمدة ١٠سنين وبعيدا عن موضوع الإنتقام ده كانت مدة حكمه تتسم بالعدل لدرجة إن الشعب أطلق عليه لقب "بيدرو العادل" من كتر حبهم فيه وطول المدة من بعد موت إينيس لحد وفاته سنة ١٣٦٧م معرفش واحدة تانية ولا اتجوز غيرها فضل عايش على ذكراها لحد ما مات.

ومش بس كدا دا أمر ببناء ضريح ليه قدام الضريح اللي اندفنت فيه إينيس علشان يبقوا قدام بعض في اعتقاد منه إنهم يبعثوا مع بعض يوم القيامة وعمل على الضريحين لوح من الرخام مكتوب عليه (حتى نهاية العالم) 

على مر العصور فضلت قصة حب بيدرو وإينيس مصدر إلهام لفنانين كتير جدا رسامين ومؤلفين وملحنين قدروا من خلال فنهم إنهم يخلدوا قصة حبهم عن طريق عدد كبير جدا من اللوحات الفنية والروايات والأوبرات وغيرهم من الأعمال الفنية اللى بينت للناس إن حتى الموت مش ممكن يفرق بين المحبين.

بعد وفاته وزي ما قولنا تولى الحكم بعده ابنه الشرعي فرديناند الأول واللي استمر حكمه للبلاد حتى وفاته عام ١٣٨٣م وبوفاته دخلت البلاد في حالة فوضى عارمة لأن فرديناند الأول مكانش عنده وريث ذكر مكانش ليه غير بنت واحدة متزوجة من ملك قشتالة.

كان فيه إتجاه لتنصيب ابنة فرديناند ملكة على البلاد بس الكلام ده معجبش "جواو" ابن بيدرو الغير شرعي من إينيس دي كاسترو وقرر ينادي لنفسه بالحكم وده دخل البلاد في حرب خلافة على من يتولى الحكم استمرت من سنة ١٣٨٣م ل سنة ١٣٨٥م وانتهت بفوز جواو وتوليه العرش وتم تلقيبه بالملك جواو الأول.

لتوطيد حكمه عقد جواو تحالف أنجلو-برتغالي بينه وبين النبيل "جون غونت" ابن "إدوارد الثالث" ملك إنجلترا وتزوج جواو من ابنته البكر "فيليبا لانكاستر" والتي انجبت له "دوارتي الأول" الذي خلفه في الخلافة بعد ذلك.

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سمر إبراهيم، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة‏

.