مجموعة قصصية جديدة طغاة التاريخ لسمر إبراهيم - الفصل 14 إيفان الرهيب قيصر روسيا - الأربعاء 6/8/2025
قراءة المجموعة القصصية طغاة التاريخ كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
المجموعة القصصية طغاة التاريخ
مجموعة قصصية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة سمر إبراهيم
الفصل الرابع عشر
إيفان الرهيب
قيصر روسيا
تم النشر الأربعاء
6/8/2025
اليوم موعدنا مع واحد من أعتى أشرار التاريخ، واحد من أكثر الحكام المختلين عقليا الذين حكموا على مر التاريخ.
فنحن على موعد مع إيفان الرابع أو إيفان الرهيب قيصر روسيا، وهو أيضا أول من لقب بلقب قيصر في روسيا فلقد أعجب باللقب الروماني كثيرًا ولذلك قرر أن يطلقه على نفسه.
أخذ إيفان لقب الرهيب عن جدارة، واستحقاق، فمن الممكن أن نكتب الكثير من الكتب عن المجازر البشرية التي قام بارتكابها، مجازر يقشعر لها الأبدان سنتحدث عن بعضها الآن.
ولد إيفان في يوم 25 أغسطس عام 1530م وبعد ولادته بثلاث سنوات توفي والده الملك "فاسيلي الثالث" وتم تعيين إيفان أميرًا لموسكو تحت وصاية أمه "إيلينا جلينسكايا"
كانت والدته إمرأة ذات شخصية قوية جدا ومتسلطة ولكنها توفت وهو في سن الثامنة ويقال أنها ماتت بالسم على يد مجموعة من البويار.
"البويار: هو اسم كان يطلق على طبقة النبلاء في روسيا في ذلك الوقت"
بعد وفاة إلينا تم تعيين مجلس حكم من البويار ليكونوا أوصياء على الملك إلى أن يصل لسن البلوغ وكان هذا المجلس يملك في يده زمام الأمور وهذا ما ولد الكره والحقد في قلب إيفان لتلك الطبقة.
عام 1544م تولى إيفان زمام الأمور ومن هنا بدأ يتخلص من مجلس الحكم الواحد تلو الآخر وفي عام 1547م قام بتنصيب نفسه قيصر لعموم روسيا وكان في ذلك الوقت في السادسة عشر من عمره.
في نفس العام تزوج من الأميرة "أنستازيا رومانوف" ومن هذا الاسم الذي يبدو مألوفًا للكثيرين نعلم أنها من عائلة رومانوف التي سوف تحكم روسيا فيما بعد لمدة ثلاثمائة عام.
كان إيفان يعشق أنستازيا جدا وأنجب منها 6 أولاد ولكن توفي أربعة أولاد منهم ولم يبقى سوى إثنان واستمر زواجهم لمدة 13عامًا إلى أن وافتها المنية وفي الغالب ماتت بالسم كوالدته وكانت هذه هي نقطة التحول في حياة إيفان والتي حولته لإنسان لا يطاق ناقم على كل من حوله.
كانت سياسة إيفان سياسة توسعية بحتة حيث كان يريد أن يتوسع شرقا وغربا ليسيطر على كل البلاد الواقعة بين بحر البلطيق وبحر قزوين ولذلك قام بالدخول في حروب مع كل الدول المحيطة به كالدولة العثمانية و دولة التتار، والسويد، وبولندا، ولتوانيا، لم يترك دولة بجواره إلا وخاض حربا معها وكانت نتيجة تلك الحروب أن توسعت أراضي إمبراطوريته لتصبح إمبراطورية مترامية.
عام 1552م قام إيفان بحصار ولاية قازان وهي ولاية تابعة لدولة التتار وكان أهلها مسلمي الديانة واستمر الحصار لمدة 50 يومًا استبسل خلالها القزانيون في الدفاع عن بلادهم ولكنهم اضطروا للاستسلام في نهاية الأمر وخاصة بعد قطع المياه عنهم لإجبارهم على الاستسلام.
دخل إيفان قازان وارتكب بها أبشع المذابح ضد المسلمين وقام بهدم جميع المساجد الموجودة بها وحاول بكل الطرق تنصير المسلمين الموجودين بها حيث كان يعطيهم خيار من ثلاثة إما التنصر، أو الرحيل من بلادهم، أو القتل.
في نفس الوقت الذي أمر فيه إيفان بهدم مساجد قازان أمر في المقابل ببناء الكنائس في كل أنحاء روسيا احتفالًا باحتلال قازان ومن أشهر هذه الكنائس كاتدرائية "القديس باسيل" فى الساحة الحمراء فى موسكو.
بعد غزو قازان، قيل إن إيفان أمر بوضع الهلال، رمز الإسلام، تحت الصليب المسيحي على قباب الكنائس المسيحية الأرثوذكسية، كرمز لانتصار المسيحية على الإسلام.
عام 1554م استطاع احتلال استراخان وفعل بأهلها كما فعل بأهل قازان و باحتلال استراخان أصبح نهر الفولغا قناة روسية بحتة مما مهد الطريق أمامه للوصول لبحر قزوين وما وراء الأورال.
عام 1555م تم استيطان سيبيريا و عام 1557م احتل أرض الباشكير.
لم يكن يعادي المسلمين فقط فلقد كانت معاداته للسامية عنيفة جدا فعلى سبيل المثال، بعد الاستيلاء على بولوتسك، تم قتل جميع اليهود غير المتحولين، على الرغم من دورهم في اقتصاد المدينة.
توسعاته وانتصاراته فى الشرق جعلته يطمع ويتوهم أنه يستطيع التوسع غربا أيضا ليحقق حلمه باحتلال بولندا والسويد وعمل علاقات مع أوروبا ولكن هذه الأحلام تحطمت على صخرة الواقع فلم يستطع إحراز أي انتصارات تذكر في أوروبا وخاصة في بولندا ولتوانيا وهذا أدى لإرهاق الجيش الروسي ماديًا ومعنويًا وخسر إيفان في تلك الحروب الكثير والكثير من الجنود
قام أيضا بالدخول في حروب مع الدولة العثمانية في عهد السلطان سليم الأول واستمرت هذه الحرب لمدة 3 سنوات إلى أن استطاعوا عمل معاهدة بين الدولتين لوقف تلك الحروب.
عام 1558م دخل إيفان حرب ليفونيان ضد بولندا وليفونيا وكانت هذه الحرب السبب في تدمير روسيا وإنهاك شعبها واستنزاف مواردها وذلك لأن تلك الحرب استمرت أكثر من 24 عامًا وفي النهاية فشلت فشل ذريع.
كان غرض إيفان الأساسي من هذه الحرب هو الوصول لبحر البلطيق وطرق التجارة الرئيسية لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن وكانت نتيجة هذه الحرب كارثة بكل المقاييس فزاد عدد اللاجئين بصورة كبيرة جدا وانتشرت المجاعات والأوبئة فى البلاد ومات عدد كبير جدا من الناس.
تعد مذبحة نوفغورود عام 1570م من أبشع جرائم إيفان الرهيب فبعد حربه الفاشلة فى أوروبا وتفشى الأوبئة فى البلاد وخصوصا الطاعون وانتشار المجاعات فى ربوع البلاد وبدلًا من إصلاح أخطائه والتعلم مما حدث أراد أن يشغل الشعب بشيء آخر حتى لا يتحدثون عن حروبه الفاشلة والحالة المتردية التي وصلت إليها البلاد.
أحس إيفان أن النبلاء فى مدينة نوفغورود الغنية يخططون للانشقاق عن حكمه فقرر أن يسبقهم ويقضي عليهم أولا.
هجم على المدينة والقرى المحيطة بها ولم يكتفي بنهبهم فقط بل قام بعمل مجزرة بشرية بها حيث بلغ عدد الضحايا أكثر من 60 ألف شخص من ضمنهم نساء وأطفال واستمرت هذه المذبحة خمسة أيام.
كان يقوم بربط الناس في زلاجات سواء كانوا شباب، أو عجائز، أو أطفال، نساء كانوا هم أم رجال ليس مهم، وكان يدفع بتلك الزلاجات فى المياه المتجمدة فى نهر فولخوف لكي يموتون غرقًا ومتجمدين حتى الرهبان لم يسلموا من بطشه وقام بقتل عدد كبير منهم وليس هذا فقط بل تعرضوا لابشع أنواع التعذيب قبل القتل.
ليست هذه المذبحة الوحيدة التي ارتكبها إيفان في حق شعبه بصفة عامة وطبقة النبلاء بصفة خاصة فمنذ وفاة زوجته اناستازيا عام 1560م وشكه في كونها قتلت عن طريق السم من وقتها وأصابه مرض الشك فأصبح يؤمن وبشدة بنظرية المؤامرة وأن كل الناس يريدون قتله وبسبب ذلك قام بارتكاب أفظع الجرائم التي لا تخطر على عقل بشر فلم يسلم من شره أحد ولكن كان لطبقة النبلاء نصيب الأسد في تلك المذابح.
كان يقوم بعمل إبادات جماعية لعائلات كاملة فضلا عن حفلات الاغتصاب الجماعي التي كان يقوم بها هو ورجاله لنساء هذه العائلات قبل قتلهم فوصل به الحال لتعيين أناس متخصصين لكي يقوموا بالتفرغ للتعذيب والاغتصاب بالمشاركة معه بالطبع فلم يكن ليفوت شيئًا كهذا فيقال أنه قام باغتصاب مئات النساء من طبقة النبلاء.
كانت له طرقه الخاصة فى التعذيب ولكن الطريقة الأحب إلى قلبه هي أن يقوم بكسر أقدام ضحاياه ويلقي بهم في الثلوج أو يتركهم يزحفون ل يطلبون الرحمة وأيضا كان يستمتع بوضعهم على الخازوق أو يقوم بربط أطرافهم في حصانين أيديهم في حصان وأرجلهم في الحصان الآخر ويحث الأحصنة على الركض ليتمزق الرجل وتتقطع أطرافه، أضف لتلك الطرق البشعة أيضا إلقاء الناس في المياه المغلية، وغيرهم من طرق القتل البشعة التي توضح أنه لم يكن أكثر من قاتل متسلسل ولكن لم يحاكم على جرائمه.
ولم العجب ألم تكن تلك الطرق البشعة في التعذيب هي سمة أوروبا في العصور الوسطى وأساليب التعذيب هذه كانت منتشرة في كل دول أوروبا فى ذلك الوقت وليست روسيا وحدها وهذا ما قمنا بتوضيحه الأسبوع الماضي في مقالة محاكم التفتيش.
كان إيفان من أتباع المسيحية الأرثوذكسية المخلصين ولكن بطريقته الخاصة وركز بشدة على الدفاع عن الحق الإلهي للحاكم في امتلاك سلطة غير محدودة بعد الله.
لذلك يشرح بعض العلماء الأفعال السادية والوحشية ل إيفان الرهيب بالمفاهيم الدينية للقرن السادس عشر، والتي تضمنت غرق الناس وشويهم أحياء أو تعذيب الضحايا بالماء المغلي أو المتجمد، بما يتوافق مع عذاب الجحيم.
كان هذا متوافقًا مع وجهة نظر إيفان بأنه ممثل الله على الأرض مع حق مقدس فمن حقه معاقبة شعبه بالطريقة التي يراها هو دون أي اعتراض.
كانت الكنيسة في ذلك الوقت تسمح للرجل بالزواج بعد وفاة زوجاته الواحدة تلو الأخرى حتى أربعة نساء فبعد الرابعة لا يسمح له بالزواج مرة أخرى حتى وفاته.
بالرغم من ذلك إلا أن إيفان بعد وفاة أنستازيا ضرب بقرارات الكنيسة عرض الحائط وتزوج من 7 نساء انتهت حياة 6 نساء منهم نهاية مأساوية فبعد عام واحد من وفاتها تزوج من إمرأة تدعى "ماريا تمريوكوفنا" واستمر الزواج لمدة ثمان سنوات ولكنها توفت بالسم هي الأخرى، وهناك من اتهمه بقتلها أما هو ف اتهم البويار كعادته، وكان موتها سببًا في زيادة التعذيب الذي تعرضت له تلك الطبقة وخاصة بعد وفاة زوجته الثالثة "مارفا سوباكينا" بعد زواجهم بأيام قليلة وأيضا اتهم البويار في قتلها هي الأخرى.
الزوجة الرابعة والخامسة فقام بنفيهم الواحدة تلو الأخرى لعدم قدرتهم على الإنجاب.
أما السادسة فلقد تم ضبطها بالجرم المشهود وهي تخونه مع آخر وهنا جاء بهم وقام بقتل العشيق أمامها بوضعه على الخازوق أما هي فلقد ربط أطرافها في حصانين ليتم تقطيعها إربا.
الزوجة السابعة مثل السادسة تم قتلها هي الأخرى بتهمة الخيانة أما الثامنة فهي الوحيدة التي نجت منه وظلت معه ليوم وفاته والذي كان بعد زواجهم بعامين أو ثلاثة أعوام فقط فلا أحد يعلم لو كان استمر زواجهم لفترة أطول ما الذي كان سيؤول إليه مصيرها هي الأخرى.
في يوم السادس عشر من نوفمبر عام 1581م قام بارتكاب جريمة من أبشع الجرائم التي من الممكن أن يرتكبها أحدهم فلقد قام بقتل ابنه الأكبر وولي عهده "ايفان ايفانوفيتش" في حادثة غريبة جدا.
يقال ان سبب قتله لابنه أنه ذات يوم دخل إلى جناحه فوجد زوجته والتي كانت تدعى "بيلينا شيريميتيفا" ترتدي ملابس خفيفة فقام بتوبيخها لارتدائها تلك الملابس وقام بضربها ضربًا مبرحًا وكانت حامل في ذلك الوقت مما أدى إلى إجهاض جنينها.
عندما علم ابنه بما حدث لزوجته غضب جدا وذهب لوالده ل يتجادل معه ولكن إيفان غضب جدا من طريقة ابنه في الحديث معه وقام بضربه على رأسه عدة ضربات بصولجانه الذي كان يمسك به في يده حتى سقط على الأرض فاقدا للوعي وعندما شاهد إيفان ابنه في ذلك المظهر الدامي نزل على الأرض هو الآخر واحضنه باكياً وضغط على رأسه محاولاً وقف النزيف وصرخ قائلاً: "لقد قتلت ابني لقد قتلت ابني".
وطيلة الأيام التالية، مكث القيصر الروسي لجوار فراش ابنه وأدى العديد من الصلوات من أجله ولكن يوم 19 نوفمبر 1581م توفي وريث العرش إيفان إيفانوفيتش عن عمر يناهز 27 عاماً.
تم تجسيد مشهد احتضان إيفان لابنه المحتضر على يد الفنان الروسي الواقعي "إيليا ريبين" عندا قام برسم لوحة زيتية تصور حزن ولوعة إيفان الرهيب ممسكاً بابنه ذو الجروح القاتلة وقام برسمها بين الأعوام 1883 و1885 وأطلق عليها اسم "إيفان الرهيب وابنه إيفان" وتسمى أيضا "إيفان الرهيب يقتل ابنه"
بعد قتله لابنه دخل إيفان في إكتئاب شديد وقرر الإتجاه لحياة الرهبنة من أجل التكفير عن ذنوبه وفي يوم 18 مارس 1584م أصيب بسكتة دماغية و توفي على اثرها فورا وحدث ذلك وهو يلعب لعبة الشطرنج وبعد موته تولى الحكم ابنه الأوسط "فيودور" والذي كان مهزوز الشخصية جدا وغير كفؤ لتولي الحكم ولكنه توفى بعد توليه العرش بعدة سنوات ولم يكم لديه أولاد وبموته دخلت روسيا مرحلة جديدة أطلقوا عليها اسم مرحلة القلاقل واستمرت هذه المرحلة إلى أن تولى الحكم أسرة رومانوف واستطاعوا إعادة الاستقرار للبلاد.
بهذا تكون انتهت قصة اليوم أرجو أن تنال اعجابكم وإلى لقاء آخر إن شاء الله.
يتبع...