-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 55 - الجمعة 15/8/2025

 

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الخامس والخمسون


تم النشر الجمعة 

15/8/2025

 جمر بالحشا.. 

الرسلانية ١٩٨٥.. 

كان صوت الطبول والمزمار عاليا وتلك الزفة الكاذبة التي لا تحمل أي مظهر لعرس.. تجوب أنحاء الرسلانية .. ليتأكد الجميع أنها مجرد دعاية للانتخابات البرلمانية التي تم إقرارها.. وما أظهر ذلك هو تلك اليافطات الاي استيقظ أهل النجع ليجدوها وقد علقت على كل عمود وحائط بأروقة النجع وحاراته.. حتى حائط المسجد الخارجي لم يسلم من هذه الدعاية الدنيوية الكاذبة لأمور يعلم الجميع أنها للاستهلاك المحلي حتى ما أن تنهي الانتخابات وينجح المرشح لم يكن لها قدر ثمن الحبر الذي كتبت به.. وأنها مجرد وعود زائفة الكل يعلم أن تحقيقها ضرب من خيال وان إيهام العامة بها مجرد شرك ساذج للحصول على أصواتها في صندوق الانتخاب لا أكثر.. 

تطلع أحد الجالسين على المقهى نحو تلك الزفة التي يتقدمها سميح وولده محسن ومرشح أحد الأحزاب المستقلة.. والتي مرت بالمقهى في سبيلها لذاك الصوان الذي تم نصبه بساحة النجع الواسعة الملقبة ب (الحرجة).. والناس من خلفهما مهللين في انتظار ما تجود به الأيادي السخية لسد الأفواه الجائعة.. هاتفا في سخرية:وه!.. ايه اللي لم الشامي ع المغربي!.. 

ابتسم رؤوف الذي كان يجلس بدوره على المقهى وشاهد ما كان يجري، مجيبا: عادي.. ما هو نازل المچلس تحت اسم الحزب المستقل.. عشان جماعتهم لسه محظورة.. هيدخلو المچلس بدماغهم دي ويبجو موچودين چواه بيجولو اللي يعچبهم ويحددو ف مصاير الناس.. شفتوش عچب اكتر من كده!.. 

سأل أحد رواد المقهى متعجبا بدوره: طب والحكومة عارفة الكلام ده ومسيباهم كده يا سي رؤوف!.. 

أكد رؤوف باسما في حسرة: ايوه عارفة.. بتهادنهم اهو يمكن لما يكون لهم أهمية چوه مكان بيتاخد فيه قرارات سياسية كبيرة ده يخليهم يحسو إن لهم لازمة ويبجى من مصلحتهم إنهم يحافطو على الوضع ده موچود ومستقر عشان الحكومة تركز على إصلاح البلد بعد سنين الحروب الطويلة اللي عدت.. 

هم أحدهم بالسؤال مجددا.. إلا أن زفة آخرى مرت بهم ولم يكن لها علاقة بالانتخابات كما اعتقدوا في باديء الأمر.. بل كانت مجرد عربة واحدة تحمل بعض الأغراض وكأنه جهاز عروس في سبيله لبيت عريسها.. لكن الأمر لم يكن كذلك.. 

سأل رؤوف هذه المرة، ليرد أحد الجالسين وهو يرتشف الأرشفة الأولى من كوب الشاي الذي وضعه صبي المقهى لتوه على طاولته: ده الواد مصلحي اللي راح الخليچ من أربع سنين وراچع ومحمل.. 

هتف أحدهم مازحا: ايوه ما هو داخل اهو بعربية نجل معلوم چايب خيرات ربنا كلها معاه.. ده تلاجيه چاب البنات ده اللي بيجولو عليه اللي اسمه الفيديون.. 

سأل آخر في دهشة: ايه الفيديون ده يا واد!.. أنت بجيت مثجف من ورانا ولا ايه.. 

قهقه رؤوف موضحا: الفيديو ده جهاز كده شبه المستطيل بدخل فيه شرائط شبه شرائط الكاسيت بس كبيرة شوية وبتوصله بالتليفزيون ويعرض لك افلام بقى .. مش اغاني زي الكاسيت.. 

هتف أحدهم: هو إحنا ملاحجين على مسلسلات وأفلام التلفزيون لما نچيب الفيديون ده كمان.. ده العيال بجو بيطلعو عيني عشان يصحو ينزلو معاي الغيط الواحد فيهم عايز يجوم الضهر من فرشته.. عينيهم متشعلجة الليل بطوله بالمدعوج ده.. والنهار بيروح والزرعة جل خيرها.. 

هز رؤوف رأسه موافقا في حسرة فقد كان كلام الرجل صحيحا تماما.. مادا بصره لهذه الرقعة من الأرض الخضراء التي ظهرت بقلبها الكثير من البيوت المبنية بالطوب الأحمر والمسلح وكأنها خوازيق غرزت بالأرض موضع نثر البذور.. أصبح البراح الذي كان يشرح الصدر خانقا.. وأصبحت صورته المريحة للنفس مشوهة بهذه الأعمدة الاسمنتية المتناثرة في فوضى هنا وهناك.. بعشوائية فجة.. فتنهد في قلة حيلة ونهض مغادرا.. 

❈-❈-❈

القاهرة ١٩٨٥.. 

هتفت أنس الوجود وهي تجلس إلى مكتبها حانقة: لا كده كتير.. مفيش مسألة راضية تطلع صح.. منه لله اللي اخترع الرياضة دي.. وخصوصا الجبر.. 

هتف ممدوح الذي كان يجلس على الطرف الآخر من المكتب متعجبا: ليه بس!.. ده مفيش اسهل من الجبر.. شوية معادلات.. 

هتفت هاجر مؤيدة ممدوح: ايوه.. الجبر سهل .. انتي اللي مش بتحبي أي حاجة فيها أرقام يا أنس.. 

تنهدت أنس مؤكدة: ايوه صح.. الحمد لله إني هكون أدبي السنة الجاية ومش هدرس رياضة تاني الحمد لله.. خلينا الرياضة لكم انتم يا بتوع علمي.. 

هتف ممدوح متسائلا: امتى بقى هتعزمينا عندكم فالفيلا يا هاجر!.. بقالنا كام سنة نعرف بعض وعمرنا ما جينا عندك البيت ..

اضطربت هاجر قليلا، ثم هتفت في نبرة تحمل الكثير من الصدق: اقولكم الصراحة.. أنا ...

قاطعها ممدوح مازحاً: مش ساكنة في فيلا ولا حاجة وكنتي بتضحكي علينا صح!.. 

قهقهت أنس على حديثه، بينما أكدت هاجر في أريحية: لا والله .. عائشة في فيلا بحق وحقيقي.. بس عايزين الصراحة .. عمري ما حسيت إنها بيتي ..

صمت كل من أنس وممدوح حينما بدأت نبرة هاجر تتحول لهذه النبرة الحزينة وهي تتحدث مستطردة: أصل فجأة كده من بنت عامل عايشة في حواري إسكندرية.. لبنت عائشة في فيلا.. مش قادرة احس حقيقي إنها بيتي.. يمكن لان مفيش فيها حد من أهلي.. 

سألت أنس متعجبة: اومال نصير الراوي ده يبقى مين!.. مش قلتيلي قبل كده إنه ابن عمك! .. 

هتفت هاجر مفسرة: لا.. هو مش ابن عمي.. ده ابن عم بابا.. كان مسافر بره من سنين طويلة واتحوز واحدة أجنبية وعن طريق معارفها وفلوسها عمل البيزنس بتاعه.. ونزل مصر في بابا عرف وجه القاهرة يطلب شغل معاه فالمصانع بتاعته.. الراجل وافق ورحب بعدها بابا اتوفى فجأة ولقيت نفسي تحت وصاية نصير.. عايشة معاه فملحق الفيلا جايب لي دادة تاخد بالها مني .. ومدخلني مدارس خاصة وليا سواق مخصوص.. عيشة مكنتش احلم بها.. وعلى الرغم أن كل ده تحت ايدي وتصرفي وهو كمان طول الوقت مسافر في شغل يعني مش موجود.. لكن عمري ما حسيت أن الفيلا ولا حتى الملحق اللي انا عائشة فيه ده بيتي وليا حرية التصرف فيه زي ما أحب.. عشان كده كنت بتهرب من اني اعزمكم هناك.. فاهمني!.. 

هز ممدوح وأنس الوجود رأسيهما.. ليؤكد ممدوح باسما: بكرة تتخرجي وتقدري تستقلي بنفسك وساعتها ابقي اعزمينا يا ستي.. 

وافقته أنس: ايوه.. كلام ممدوح صح.. أول عزومة من مرتب شغلك بعد التخرج هتعزمينا عزومة كبيرة أوي.. 

أكدت هاجر بابتسامة: وعد.. خلاص.. نتخرج بس وأنا اعزمكم زي ما تحبو.. بس نفضل صحاب لحد ما نتخرج ومفيش حاجة تفرقنا.. 

تطلعت أنس الوجود نحو هاجر متعجبة: وايه اللي ممكن يفرقنا!.. احنا هتفضل صحاب للأبد.. صح يا ممدوح!.. 

قفز ممدوح من موضعه مؤكدا: طبعا صح الصح.. مفيش أي حاجة هتفرقنا.. وده وعد.. للأبد.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٨٦.. 

كان ذاك الاهتمام ليس خافيا عليها.. فقد تنبهت منذ بدأت تخرج من السراي للذهاب لدروس الثانوية العامة التي تضطرها للخروج من النجع وهي تبصره يتبعها بكل هذا الإصرار.. يكون خلفها منذ أن تخرج من السراي حتى موقف العربات الأجرة وتتعجب حين تجده ينتظر هناك بذاك الركن القصي حتى تعود بعد ما يزيد عن الثلاث ساعات وربما أكثر.. وكأنه لا يبرح موضعه منذ أن تغادر حتى تعود.. ذاك كان التفسير الأقرب للصواب لوجوده بهذا الشكل المكثف اينما حلت .. وما أن تغادر العربة نحو السراي حتى يتبعها مجددا لحين وصولها لداخل السراي .. كانت تصعد لغرفتها تتطلع من نافذتها فتجده معلق النظرات بنافذة الغرفة بالفعل .. دقيقة لا أكثر حتى لا يلفت انتباه مخلوق ثم يغادر في صمت.. 

كان ظهور عزت ابن العمدة في حياتها ليس وليد اللحظة فقد كانت مجيدة أخته صديقة دراستها طول السنوات الماضية وما افترقتا إلا هذه السنة لاختلاف أقسام الدراسة فقد اختارت هي القسم العلمي أما هي فقد فضلت القسم الأدبي لعلها تلحق بكلية الآداب لتسير على خطى حبيب أخيها الأكبر الذي اجتاز عامه الثاني بكليته بتفوق .. على الرغم من أنه في كثيرا من الأحيان ما يولي الأرض الاهتمام الأكبر مقدمها على دراسته.. إلا أنه يستطيع التوفيق ما بين الأمرين في مهارة يحسد عليها.. 

تطلعت من جديد من خلف خصاص النافذة لخارج حدود السراي لتجده وقد ابتعد سالما الدرب صوب دار أبيه .. 

وقد أبصرت أحدهم يقترب مهرولا صوب عرفان مشيرا نحو اتجاه ما ليترك عرفان البوابة مندفعا كالمجنون إلى حيث أشار الرجل تاركا مسؤولية البوابة وحفظ أمنها لولده شبل الذي صار شابا يافعا وفي سبيله للزواج قريبا .. 

ما الذي حدث جعل العم عرفان يندفع بهذا الشكل المذعور لخارج السراي!.. 

ما أن جاء أباها وحبيب من الخارج حتى علما سبب كل هذا الضجيج الذي ملأ أركان النجع وسبب صرخات النساء هنا وهناك.. فقد اشتعلت النيران في دار سعد الأخ الأصغر العرفان والذي أطلق عليه العم مصباح هذا الاسم تيمنا بجدهم الأكبر سعد رسلان .. تلك الدار الصغيرة التي كان يسكنها وزوجته وطفلتهما الوحيدة.. التي رزقهما الله بها بعد سنوات طويلة من انتظار رزق الذرية.. لم يعلم مخلوق ما سبب الحريق الذي أكل الدار عن بكرة أبيها حتى أنه أتى عليها في وقت قصير ولم يستطع أحد أن يقترب من الدار المستعرة لإنقاذ قاطنيها.. حاول سعد الاندفاع كالمجنون لقلب النيران لعله ينقذ حبيبتيه لكن أهل النجع منعوه وظل يصرخ في قهر حتى أصبحت الدار كومة من رماد.. واختفى بعدها المسكين ولم يُعلم له موضع.. 

بحث عنه رؤوف وحبيب كثيرا.. خوفا من أن يكون قد فقد رشده وتخلص من حياته في لحظة يأس بعد ما جرى.. ليجده حبيب أخيرا بمولد سيدي عبدالرحيم القنائي وقد استطال شعره وتمزق جلبابه الذي صار شديد الاتساخ بعد أشهر طويلة من التيه.. استطاع حبيب بطريقة ما إقناعه بالعودة إلى الرسلانية بصحبته وقد سمع الناس عند المقام تناديه بزفراني لمحبته الشديد للحوم .. وتناول الظفر.. ليظل ذاك هو الاسم الذي أصبح معروفا به بالنجع كذلك.. وأصبح ظهور زفراني أمام باب أي دار مؤشرا على وجود اللحم على مائدة هذه العائلة بوجبتها الرئيسية التي لابد أن يكون لزفراني نصيب منها وإلا لن يبرح موضعه أمام باب الدار أخذا في القرع على بعض الأغطية النحاسية مطالبا بنصيبه.. وليكن ما يكون.. ومنذ ذلك اليوم.الذي فقد فيه زوجته التي تزوجها بعد قصة حب كبيرة ومعارضة شديدة .. وابنته التي جاءت بعد شوق وانتظتر.. لم يعد سعد أبدا لرشده.. تحول لزفراني.. يجوب النجع والنجوع المجاورة.. يلقي الاشعار والغناوي .. والنبوءات الارتجالية التي ما كان الناس تلقي لها بالا في البداية .. إلى أن تحقق بعضها فأصبح الجميع ينتبه لما يخرج من فمه بكل عشوائية واريحية.. مصيبة هدفا بصدر المنصت.. بكل دقة وبراعة.. ليصبح زفراني ذاك المجذوب الذي لا يمكن أن تكذب له قولا ولا يحملك عقلك الواعي أن تصدق ما ينطق به لسانه في انطلاق.. حالة عجيبة ما بين الشك واليقين .. لا سبيل للوصول لمنتهاها.. فقط التسليم التام بوجودها .. وكفى.. 

❈-❈-❈

القاهرة ١٩٨٦..

كانت تراها بوضوح.. وتدرك ذاك الخر الداهم المقبلة عليه بأعين مغلقة .. وعلى الرغم من ذلك لم تحذرها.. لم تزعق أو تصرخ حتى تتراجع عن اندفاعها نحوها بهذا الشكل المتسرع يحمل وجهها بشرا غير عادي وعلى قسماتها رضا أكسبها حلاوة إستثنائية.. هي تهتف في لهفة: اتوحشتك يا برلنتي.. ايه!.. متحوشتيش أمينة!.  

تقدمت أمينة لتقف بوسط تلك الدائرة المرسومة أرضا وكأن شخصا ما قد حددها.. وما أن أصبحت بمركزها حتى اشتعلت حدود الدائرة بنار حارقة والعجيب أن أمينة ظلت هادئة الهيئة لم يبد عليها أي اضطراب.. والنار ترتفع حولها وتقترب من موضع وقوفها تتطلع نحو برلنتي التي كانت تتخذ نفس رد فعلها المتصلب وكأنها تنتظر لترى ما قد يسفر عنه الأمر.. لكن أمينة سألت أخيرا في نبرة تقطر حزنا: مش هتمدي يدك لأختك يا برلنتي! هنت عليكي كده!

هتفت برلنتي أخيرا: أنا اللي هونت عليكي .. هونت عليكم كلكم.. محدش كان شايف غيرك ولا بيحب غيرك.. حرمتكم مني وخليكي بقى انتي معاهم.. اشبعو ببعض انتي وسي رؤوف.. 

هتفت أمينة وألسنة النيران ترتفع لتحجب الرؤية بينهما: ده آخر كلام عندك يا برلنتي.. يا خسارة.. يا ألف خسارة.. 

ظلت أمينة تردد كلمتها الأخيرة في تكرار حتى حالت النيران بينها وبين أختها توأمتها.. وأمينة تصرخ بكلمة أخيرة .. مع السلامة يا برلنتي.. مع السلامة.. 

انتفضت برلنتي بموضعها صارخة باسم أمينة لينتفض جوارها نجيب في ذعر متسائلاً في قلق: ايه في!.. ده كابوس .. اهدي وكله هيبقى تمام.. 

ناولها كوب الماء الذي كان بالطاولة الصغيرة التي تجاور  

الفراش من جانبه، مطالبا في هوادة: خدي اشربي هتبقي أحسن.. تلاقيكي بس قلقانة على أنس الوجود وامتحانات الثانوية العامة.. 

همست برلنتي وكأنها ما وعت لما قاله نجيب لتوه: أنا شفت أمينة يا مجيب.. شفت أمينة وسط النار وممدتش ايدي حتى أنقذها.. أنا وحشة كده يا نجيب!.. 

تطلع نجيب نحو زوجه في اضطراب مؤكدا وهو يربت على كتفها في حنو: ده مجرد كابوس يا برلنتي.. انتي عمرك ما كنتي وحشة.. انتي زي القمر.. ع الأقل فعيني.. ولا أنا مش كفاية!.. 

همست برلنتي وقد بدأت ضربات قلبها تنتظم: أنت بالدنيا كلها يا نجيب.. 

ضمها نجيب بين ذراعيه في عشق، وبدأ يهمس ببعض من آيات القرآن الكريم وهو يملس على شعرها في رقة، حتى بدأ صوت تنفسها ينتظم مجددا في هدوء.. وجسدها يسترخي لتذهب في سبات عميق. خالي من الأحلام هذه المرة..  

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٨٦.. 

كانت شاشة التلفزيون داخل السراي تعرض مشاهد من ذاك التمرد الذي عُرف بانتفاضة الأمن المركزي.. بعض لقطات من هنا وهناك .. حريق فندق شيبرد ونهب لبعض المحال التجارية مع نزول قوات من الجيش للسيطرة على الأمر وقمع ذاك الشغب.. واستعادة الاستقرار . 

هتف حبيب متعجبا: هو ايه اللي بيحصل ده!.. الموضوع مكنش فالقاهرة والچيزة بس.. ده وصل لاسيوط.. ده أني چيت من الچامعة بمعچزة.. 

أنهى التلفاز بث الأخبار العاجلة.. وعلت أغنية محمد ثروت وهاني شاكر .. إن كان على القلب مفيش غيرك.. وإن كان ع الحب مليش غيرك.. ده جناحي مرفرف ف سماكي.. والقلب أتربى على خيرك.. بلدي.. بلدي يا بلدي.. 

ليخفض رؤوف صوت التلفاز مفسرا: بيجولو اشاعات إن العساكر حد سرب لهم خبر إن الحكومة هتمد خدمتهم من ٣ سنين تبجى ٤ سنين .. وإن مرتباتهم مفيهاش زيادة.. طبعا دول خدود فوشهم وراحو يكسرو ويخربو وفي ناس استغلت الفوضى واهو الچيش نزل.. بس المصيبة اللي بچد هي تفعيل قانون الطوارىء.. 

سأل حبيب: وايه فيها دي! 

همس رؤوف: قانون طواريء يعني ممكن ظابط يدخل علينا دلوجت ياخد حد فينا اشتباه.. ومتشفوش تاني من غير بجى أدلة ولا تحجيجات .. أنت مشتبه فيه يبجى تنحط في خانة المتهم حتى اشعار آخر.. وحلني لو لجو الچاني الأصلي.. 

همس حبيب مفسرا: ما هو ٣ شهور بس لحد ما تظبط الأحوال.. وكمان حظر التچول شوية كده لحد ما الأمور تنعدل.. الأمر مش هين برضك.. 

تنهدت رؤوف مؤكدا: ايوه صح مهواش هين.. بس يا رب الليلة دي متاچيش على راسنا.. والطوارىء دي تبجى هي العادي.. 

هم حبيب بالحديث إلا أن منيرة جاءت مسرعة من أعلى الدرج تطالب أبيها في اضطراب: تعالى بسرعة يا بابا.. ماما تعبانة جوي وعايزاك.. 

انتفض رؤوف نحو الأعلى وما أن هم حبيب باللحاق به إلا واستوقفه أباه أمرا: روح يا حبيب چهز العربية بسرعة . مش هنستنو.. هوديها المستشفى حلا.. ولو جالت ميت لاه.. 

اندفع حبيب لخارج السراي منفذا أوامر والده الذي اندفع نحو حجرته في عجالة للاطمئنان على حال أمينة وتجهيزها للذهاب للمشفى وليكن ما يكون بعدها.. 

❈-❈-❈

القاهرة ١٩٩٢.. 

كان حالها الأيام الماضية لا يسر.. وكان عليه أن يدرك سبب ذلك التغير والتبدل العجيب في معاملتها له.. حتى أنه شعر لحد كبير أنها تحاول أن تتجنبه أو حتى تعمل على عدم التقاء دروبهما.. تلك الثرثارة أصبحت صامتة معظم الوقت واحاديثها بالهاتف قد كثرت.. فهي تأخذ من وقت العمل في محادثات جانبية على الهاتف بصوت خفيض يدعو للريبة.. وخاصة حين تنفجر ضاحكة وهي على الهاتف بهذا الشكل الأريحي الذي يثير جنونه ويضطرب له قلبه.. 

واليوم لم يكن استثناء.. فقد تكررت أفعالها حتى ما عاد قادرا على تحمل ما يجري فقرر أن يجد تفسيرا لما يحدث.. متعللا أن جمال أخاها قد وصاه عليها وعليه أن يكون محافظا على تلك الأمانة.. تركها ترحل مهرولة وهو يكاد أن يوقفها ليدق عنقها غيرة وتملكا.. ثم نهض ليصل لبيت أبيها ويقابل جمال لعله يدرك ما يحصل .. أيكون أحدهم قد طلبها للزواج لذا هي متكتمة ولم تعلن أي خبر خاص بها!.. لا.. تمنى من صميم قلبه أن يكون ذاك الخاطر مجرد هاجس لا أكثر.. فما عاد بقادر على تخيل مجرد فكرة أن تكون لغيره.. متى حدث ذلك وكيف تطورت مشاعره نحوها بهذه السرعة.. وبهذا الشكل الخطر!.. هو لا يدرك.. فقط هو على يقين أنه يحبها ويريدها كما لم يرد امرأة بحياته.. حتى هاجر التي ظن يوما ما أنه لن يعشق سواها.. لم تكن أبدا مشاعره تجاهها بمثل هذه القوة والسلاسة.. ولا حتى اعترف بها لنفسه بكل هذه الجرأة والشجاعة.. وما كان يملك نحو هاجر الاستعداد الكامل لإظهار مشاعره والفخر بها في العلن دون أي مواربة مثلما يحدث تجاه مريم .. أي مشاعر تلك!.. 

طرق باب شقتها متوقعا أن تكون هي من يفتح ..أو حتى جمال الذي كان على يقين أنه موجود في مثل هذا الوقت من اليوم كما أخبره عادة أنه يعود لتناول غذاءه والعودة من جديد لعمله.. لكن ما لم يخطر على باله لحظة واحدة أن يكون الماثل أمامه اللحظة هي هاجر بشحمها ولحمها.. 

تطلع فيها لبرهة في تيه قبل أن يسأل متعجبا: هاجر!.. انتي بتعملي ايه هنا!.. 

اضطربت هاجر لبرهة قبل أن تهمس مفسرة: أنا.. أنا هنا عشان مبقاش ينفع ارجع الفيلا عند نصير ..

امتعض ممدوح هاتفا: آه.. عشان اختار أنس الوجود وقرر يطلب أيدها!.. ماشي.. بس برضو ليه...

قاطعته هاجر في حنق لم يكن من عاداتها: ايوه سبت الفيلا عشان خاطر أنس الوجود.. بس مش للسبب اللي أنت بتقوله.. نصير كان اللي بيني وبينه مجرد مشاعر امتنان لشخص انقذني من الضياع وكان بديل لأب مش اكتر.. وأنا من ناحيتي فسرت المشاعر دي غلط.. أنا اكتشفت أن رغبة نصير في الجواز من أنس الوجود مش بريئة.. وجبت الملف اللي يأكد ده لجمال لكن للأسف الشديد مكنش الملف الصح وكمان معرفتش ار.. 

قاطعها ممدوح مضطربا: ايه التفاصيل دي كلها!.. لا كده لازم نقعد نتكلم.. أنا هنتظرك في الكافيه اللي على اول الشارع عشان تحكي لي .. وتفسريلي اللي بيحصل ده بقاله فترة وأنا مش عارف اجمعه.. البسي وحصليني.. 

اومأت هاجر في طاعة ليندفع هو مغادرا بدوره في انتظارها ليفهم ما يدور.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩٢.. 

كان يعتقد أن رحيلها في المرات القليلة التي ابتعدت فيها عن النجع عائدة القاهرة صعب وغير محتمل.. فما أن تغيب حتى يتغير لون الحياة بعينيه ليضحى باهت الألوان بلا بهجة .. لكن هذه المرة كان أمر رحيلها هو الاشد وجعا والاكثر إيلاما.. ربما لأنه بالسابق كان يدرك أنها عائدة لا محالة بعد كل رحيل حتى تنل ما كانت ترجه من إرث.. لكن هذه المرة هو يدرك تمام الإدراك أنها لن تعود. فظهور ذاك النصير في حياتها كخاطب وزوج محتمل يؤكد ذلك.. وربما يوضح أيضا لمَ لم تأتي على ذكر رغبتها في الحصول على إرثها المزعوم مرة آخرى!.. ولم قد تكون بحاجة إلى بعض الآلاف من الجنيهات.. وهي التي حازت ذاك الخاطب القادر على اغراقها في الملايين!.. 

تنهدت حبيب في ضيق، فما عاد له القدرة على التفكير في كونها زوجة رجل آخر.. إن ذاك الخاطر يكاد أن يزهق روحه.. لاح صوت زفراني بالبعد مترنما كعادته.. 

أهل الحب صحيح مساكين.. صحيح مساكين.. 

همس حبيب مؤكدا: صدجت يا زفراني.. كن العشج واعر وأني اللي كنت بجول ده خبل وجلة عجل.. يا مين ياخد جلبي دلوجت بكل ناره ويرچع لي جلبي الجديم الخالي!..

هتف زفراني مجيبا على سؤاله الهامس وقد ظهر قبالته بغتة كما هي العادة: معدش ينفع يا واد الطيبين.. في سكة العشج اللي بيروح مبيرچعش.. روحة بلا رچعة.. وحتى اللي رچع يا ولدي.. رچع غير ما راح.. اتبدل حاله.. كنه نجص من روحه روح.. 

همس حبيب في نبرة متحشرجة: صدري ضايج كنه اضيج من خرم إبرة يا زفراني.. وروحي كنها واجفة بحلجي.. أني عايش لكني بموت كل ما أفكر بس إنها بجت لغيري.. چمر بالحشا جايد مبينطفيش.. 

هتف زفراني أمرا: طب جوم معاي. 

نهض حبيب بالفعل لكنه تساءل في فضول: معاك اهاا.. بس على فين طيب!.. 

لم يرد زفراني على سؤال حبيب.. مندفعا لخارج السراي وحبيب يتبعه في طاعة غير مبالِ إلا لجرح فؤاده النازف..

❈-❈-❈

القاهرة ١٩٩٢..

لم تخرج من غرفتها منذ عودتها من الرسلانية إلا فيما ندر.. كانت تلوذ بجدرانها من مواجهة ما لا ترغب في مواجهته.. وأولها ..سؤال أمها عن نصير وعلاقتها به.. وخاصة حين وصلت بصحبته لتتفاجأ برلنتي بوجوده مع ابنتها ..بل والأدهى أنه من ذهب الصعيد لإعادتها .. والأشد غرابة هو ازعان أنس الوجود للعودة معه.. بعد كل ذلك الرفض لمجرد مناقشة فكرة الزواج منه.. ما الذي يجري بالضبط!.. ذاك ما كان يؤرق برلنتي وترغب في الاستفسار عنه بكل تفاصيله.. وهي التي لا تملك إلا تفسيراواحدا ووحيدا.. لا يقبل الشك.. ولا يقبل القبول من طرف والدتها.. العشق.. قبلت لأنها عاشقة.. أهذا يعقل من الأساس! حتى التفسير يحتاج لتفسير.. كيف لامرأة تعشق رجلا.. بدلا من التعلق بعشقه تقبل بحب رجل آخر وترتضيه زوجا!.. إن هذا لهو الجنون بعينه.. لكن ألم يقل أحدهم يوما أن العشق جنون.. وان العشاق قد يفقدون عقولهم ويطيش صوابهم لأجل من يعشقون!.. ألم يفعلها مجنون ليلي.. ورأت بعينها زفراني وهو يهيم بالنجع باحثا عن طيف محبوبته وابنته.. باكيا تارة وناعيا تارة.. وتارة ثالثة مهللا في صخب كأنما التقى حبيبته على غير موعد فطاب جرح روحه لوهلة قبل أن يعود سيرته الأولى باحثا عنهما مجددا أملا في لحظة لقاء ولو وهما.. يستشعر فيها أنه ما زال بشرا حيا.. قبل أن يرجع لكونه روح هائمة تبحث في البراح على ما لا وجود له..

ظلت أنس الوجود ممددة على فراشها عينيها معلقة بالسقف كعادتها لكن بالها في موضع آخر تماما.. هناك حيث تنتمي روحها.. ترى بعين خيالها الرسلانية وهي تفتح عيونها للصباح.. تعب من هواء فجرها نسيما باردا يخفف بعض من أثر ذاك الاحتراق الداخلي البطيء الذي يسربل دواخلها التواقة للراحة التي ما عرفت لها سبيلا إلا هناك.. 

كانت الأجواء هادئة خارج غرفتها فعلى ما يبدو أن الساعة لم تتخط السادسة بعد.. فصوت الراديو لم يعلو كعادة امها إذا ما استيقظت.. لكن على الرغم من ذلك كان صوت راديو الجيران الفيروزي الهوى يصدح في رقة متهاديا ألحانه إليها في وداعة تليق بصباح تتمنى أن يمر بسلام.. وفيروز تؤكد لحبيبها الغائب.. بعدك على بالي.. 

تنهدت أنس وقد لمع الدمع بعينها مصدقة على كلمات فيروز الوفية.. شعرت أن هناك حركة بالخارج فتيقنت أن برلنتي هانم كما كان يحلو لوالدها رحمه الله مناداتها.. قد استيقظت وعلى العالم أن يضبط ساعته على توقيت رغبتها.. ابتسمت على الرغم من الدمع المحتقن بمقلتيها حين تذكرت والدها الغالي.. وقررت أن تنهض وتواجه ما عليها مواجهته.. غادرت الفراش وفتحت نافذة حجرتها متطلعة نحو الأفق الشاحب محاولة أن تجذب بعض نسائم الصباح لصدرها كما كانت تفعل بالرسلانية.. لكن تلك الغصة المعلقة بحلقها وجعل وحسرة قد منعتها.. وكأنها تجذب لرئتيها أنفاس من أشواك.. فتوقفت وشعور خانق يسيطر على روحها وخاصة حين علا صوت مذياع أمها متواطئا مع حسرتها ليصب على نيران الشوق المستعرة بحنايا فؤادها.. المزيد من الكيروسين.. وشادية تشدو بكل رقة: 

جوني .. سألوني.. جاوبتهم عني دموع عيني.. 

لم تستطع أن تتصنع الصلابة أكثر.. فبكت.. وبكت.. واجابت دموع العين عن سؤال ما احتاج يوما لإجابة.. 

❈-❈-❈

الرسلانية ١٩٩٢.. 

سأل حبيب وهو يلتقط أنفاسه في تتابع بعد أن صعد

 تلك التلة في غرب النجع، متطلعا حوله في تعجب: چايبني ليه هنا يا زفراني!.. اجولك صدري ضايج.. تچيبني الچبانة عند الأموات!.. 

همس زفراني مملسا على صدر حبيب: إذا ضاجت الصدور فزورو الجبور .. هنا البداية .. وهنا آخرة المطاف يا ولدي.. أرفع يدك وأجرا الفاتحة.. هِم.. 

رفع حبيب كفيه وبدأ في قراءة الفاتحة بصوت رخيم مرتلا.. بينما رفع زفراني كفيه للأعلى مضمومتين لبعضهما كما يفعل طفل صغير يرتل أولى آياته أمام شيخه الجليل.. حتى إذا ما انتهى حبيب.. ساد الصمت لبرهة قبل أن يسير زفراني بين القبور ليقف أمام إحداها متطلعا في رهبة لشاهدها.. وعلى الرغم من معرفة حبيب أن زفراني لا يجيد القراءة أو الكتابة إلا أنه أشار نحو شاهد القبر في محبة.. وانحنى يمسح عن رخامه الذي يحمل اسم صاحبه الغبار بكم جلبابه المهترىء، هامسا في صوت رقيق لم يكن يوما سمة لصوت زفراني: السلام عليكم يا سيدي.. اتوحشتك.. 

لثم زفراني شاهد القبر.. متطلعا نحو حبيب مؤكدا: سيدي سعد.. متوعاش عليه أنت.. بس كني واعيله جدامي.. 

ابتسم حبيب مؤكدا: ستي صفية جالت لي كده برضك.. واللي بيوعي لتصويرته بالسرايا يجولي كنك حتى منِه.. 

هتف زفراني متسائلا: وجالت لك ايه تاني الست صفية!.. 

ساد الصمت وحبيب يسترجع، لكنه لم يعِ ما كان مقصد زفراني الذي لم يدعه يتخبط بحيرته كثيرا، بل استطرد متسائلا: مجلتش إن الرسلانية طول عمرهم بطول سلسالهم كان ابتلاءهم بجلوبهم.. 

اومأ حبيب مؤكدا: ايوه جالت.. سمعتها فين أنت!!.. 

ابتسم زفراني مؤكدا: دي كانت كلمة سيدي سعد من زمن.. عارف قصته الطويلة.. ست ورا ست.. تموت.. وعيل ورا عيل يروحو.. وجلبه لما اتعلج بست الناس.. أنس الوچود هانم.. كن البعاد بينهم كان موصوف.. سنين لا يعرف إن كانت حية ولا راحت.. سنين جعد بستنى ويجول راچعة ويا ولدي.. چدك فضل.. وطولة البال بلغت الأمل.. ورچعت وكانت رچعتها حكاية بيتحاكو بها لسنين.. 

نهض زفراني بعد أن ربت على شاهد القبر في حنو.. هامسا معتقدا أن حبيب لا يسمعه: سلام يا سيدي.. راچع لك.. 

توقف بعد خطوات على شاهد قبر آخر وفعل نفس فعلته، جلس ملقيا التحية يمسح على الشاهد بكم جلبابه: سلام عليكم يا سيدي فضل.. 

ومد كفه نحو ثرى القبر حاملا منه حفنة أخذ يحركها بين أصابعه لبرهة قبل أن يمد بها كفه نحو كف حبيب أمرا: خد.. شوف.. تراب الجبر لين.. كن دمه مبردش.. ولا عمره هيبرد ولا ينشف.. هو كده دم الشهيد.. 

ارتجف حبيب وهو يحمل الثرى بين كفيه برهبة، ليأمره زفراني في وداعة: جربه كده وشمه.. مسك.. 

فعل حبيب طائعا ليدرك صدق ادعاء زفراني.. فضم الثرى بكفه في محبة وفخر.. ليستطرد زفراني وهو يمرر كفه على ثرى القبر ثم يملس به على صدر جلبابه: چدك فضل الله عاش نص حياته بين السچون.. بس جلبه كان حر.. ولما عشج لاف ع اللي تشبهه.. ستك فوز.. لو عديت على يدك أيام حربهم تلاجيها أجل كتيرمن أيام البعاد.. بس هو من ميتا وچود البني آدم من عدمه بيزيد الغلاوة فكفة الميزان.. ولا بيفرج ف عرف المحبة ..

وأشار زفراني لقلبه رابتا عدة مرات هامسا: أصلك المحبوب ساكن هنا.. باني له دار.. لا هيفرج بعاد ولا وچود.. هو موچود.. مش نضراه العين.. لكن عين الجلب واعياله.. وسامعة الروح دبيب خطوته منين ما يروح.. تعرف.. ستك فوز دي كانت مندورة لواد عمها.. لو سمعت به.. الحچ عامر عمدو عرابة الحفني.. كانت خلاص مكتوباله من صغرها.. لكن چدك فضل جال مش واخد ألا هي.. جامت الدنيا.. اتشالت وانحطت.. كيف ده يكون!.. بس ربك لما يصرفها من عنده.. مين يجدر يوجف جدام النصيب!.. فيوم وليلة صبحت مرته.. عشان يشرف أبوك للدنيا..

نهض زفراني ليقف أمام شاهد قبر رؤوف يزيح عنه الغبار، ويلف التحية في إجلال مستطردا: وابوك كيف ما شال اسم رسلان.. شال كتير هموم وعمره ما اشتكرىولا جال اه.. كان عارف إن ده جدر ونصيب ولاد رسلان.. لحد ما راح بعد ما خد نصيبه.. وربنا كرمه بك.. لجل ما تشيل الشيلة.. وتاخد من ورثة وچع الجلب نصيبك.. 

هز حبيب رأسه متفهما.. لينهض زفراني هابطا التلة في هوادة وحبيب باعقابه.. وما أن اقتربا من السراي حتى سأل زفراني: كيف حال صدرك دلوجت!.. 

تعجب حبيب.. فقد زال ذاك الضيق الذي كان يخيم على صدره بالفعل.. وأصبح أكثر تقبلا لمجريات الأمور عن ذي قبل.. ما جعله يتطلع لزفراني باسما دون أن ينطق حرفا.. ليتحنجل زفراني في فرحة مندفعا بلا وجهة ..يترنم بصوت جهوري ومسبحاته على ساحة صدره.. تشاركه رقصه الغجري: 

ومنين نچيب ناس لمعنات الكلام يتلوه..  

وأنا جلبي يابا فرسه فدرب الهوى طلجوه.. 

لا عارف أرده يا بوي.. ولا واعي الصبر فين نلجوه ..


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة