-->

رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 30 - الثلاثاء 2/9/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بحر ثائر

الجزء الثاني 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثلاثون 


تم النشر الثلاثاء 

2/9/2025


كلما ضاق صدري واستحكمت مني قيود أفكاري 

وشابت أنفاسي وضعفت، وشعرت أنني أسير على درب انهياري 

جاءت جنود كلماتك تركض نحوي ، ورفعت سيف مشاعرك تنحر به حزني 

ورفعتني معك إلى قمةٍ لا تعترف بالسقوط، وكنت دومًا فارسًا شجاعًا يحارب لأجلي حتى الموت

 (بقلم آية العربي).

❈-❈-❈


اتجه يستقبله وعلى محياه علامات الجمود والعزة ، دلف إرتوا يبتسم وأردف وعيناه تتوغلان في عيني ثائر كأنه يؤكد له أنه يحمل معه الانتقام والوعيد  : 


- أرى أنك بخير ، لم يعد هناك من يعكر صفوك ، ابنتكم قتلت ابنتي ، وقتلت صديقي المقرب ، لم يعد أمامك حواجز تقيدك ثائر . 


كلماته لم ترُق لثائر ، ولكن كأنه بات عاجزًا أمامه ! هل حقًا سيعلن إرتوا استسلامه ؟ 


زفر ثائر وتجاهل حديثه واشار له نحو الطاولة المستطيلة التي ترتكز أسفل روفٍ خشبي يعصم عنها أشعة الشمس ، يرتص حولها ثمانية من المقاعد  . 


اتجه معه وجلسا سويًا ليتحدث ثائر موضحًا بهدوء وهو يستند بكفيه على الطاولة : 


- من فعلت هكذا هي الآن تحاسب ، وتأكد أنها ستنال أقصى عقوبة ، هذه  هي النهاية العادلة للسيئين سيد إرتوا ، والآن أخبرني ما سبب هذه الزيارة ؟ 


أجابه بهدوء يخفيه وراء كرهه الشديد له   : 


- لم يعد هناك مفر من مجيئي ، وستراني هنا كل  ستة  أشهر ، سآتي لأرى حفيدي وأطمئن عليه . 


أومأ ثائر بقبول فهو لن يمانع أن يرى حفيده مرة كل ستة أشهر بشرط أن يكون معهما  ، نهض يطالعه مردفًا  بثبات  : 


- حسنًا ، سأنادي معاذ لتراه ، ولكن كن حذرًا من  إخباره أي شيء عن مارتينا ، هو لا يعلم أنها قُتلت  . 


تحرك ثائر خطوة لم يكملها بعد حيث ناداه إرتوا فالتفت يطالعه ليجده يخرج أوراقًا من جيب سترته ويمدها نحوه قائلًا  : 


- واحضر لي الصغير ، ابن توماس ، هذه أوراق تبنيه ، أنت تعلم أنني الأقرب لوالده ، والحكومة الفرنسية سمحت لي بأخذه  . 


راوده شعورًا مختلطًا من الارتياح و الحزن ، ولكن هذه هي القوانين بالفعل ، في نهاية المطاف ذلك الطفل فرنسي الجنسية ومن الصعب بقاؤه هنا بعد أن رفضه خاله ، خاصةً وأن له أقارب في بلده الأم ، وأولهم هو إرتوا ، لذا مد ثائر يده ينتشل منه الأوراق ويفتحها ثم وقف يتفحصها لثوانٍ تحت نظرات إرتوا المنتشي والمتحمس لأخذ ذلك الصغير ، خاصةً وقد لمحه مع تلك المرأة وهي تعانقه وتأكد أنه هو ، يحفظ هيأته عن ظهر قلب ، وخاصة عينيه اللتين تشبهان عيني توماس ، ولمَ لا وهو سيكون سيف الانتقام الخاص به . 


فقد طلب من ابنته قبل وفاتها التقاط صورة للصغير وأمه وإرسالها له ، ونفذت ما طلبه . 


زفر ثائر ونظر له يردف بهدوء يخفي قلقًا حيال مشاعر ديما : 


- حسنًا انتظرني قليلًا  . 


أومأ إرتوا وجلس ينظر حوله للمكان الرائع الذي يبدو أنه صمم بحب ، بينما تحرك ثائر داخل فيلته فرآها تجلس تحمل الصغير وتجاورها منال  . 


نظر لها كأنه يعتذر ولكنه لن يحل أمر ذلك الصغير ، فهو في نهاية المطاف ابن عدوه اللدود . 


ازدرد ريقه يتساءل وعيناه تبحث عن معاذ كأنه يتهرب من نظرتها  : 


- معاذ فين ؟ جده عايز يشوفه  . 


أومأت منال ونهضت تردف  : 


- هو فوق مع مالك ، هطلع أناديه ينزل  . 


تحركت منال بهذه الحجة لتتركهما وحدهما ، تقدم منها وجلس يقابلها ثم ناولها الأوراق وأردف بنبرة ثاقبة  : 


- إرتوا معاه أوراق بتبني الولد ، ولازم ياخده . 


تفشى الرعب فوق ملامحها وهزت رأسها تترجاه وقد أغرورقت مقلتيها بالدموع  : 


- بلاش يا ثائر ، إرتوا مش عايز يتبناه حبًا فيه صدقني ، بلاش تديهوله ، إنت تقدر تعمل حاجة ، علشان خاطري . 


أخفى انزعاجه بعدما رأى حالتها وتحدث بنبرة جادة  : 


- مافيش حاجة تتعمل يا ديما ، الطفل جنسيته على جنسية باباه ، وقانونيًا لازم إرتوا ياخده لإن خاله رفضه ، أنا ماقدرش أمنعه من ده ، وحتى لو اقدر أعمل حاجة مش هعملها علشان ابن توماس ، ركزي شوية لإن اللي بتعمليه ده غلط ومالوش معنى عندي غير إني هعتبرها هرمونات الحمل مأثرة عليكي  . 


نظرت له بخيبة وأدركت أنه لا جدوى من إقناعه ، كل الأمور للاحتفاظ بهذا الطفل بينهم باءت بالفشل  . 


عاد يمد يديه ويسترسل آمرًا  : 


- هاتي الولد يا ديما  . 


يأمرها دون النظر لوجهها ، لا يريد أن يضعف من نظرتها المنكسرة لذا نهض وانحنى يلتقط الطفل النائم بين يديها وقد تخلت عن مقاومتها وتركته وهي تشعر أن قلبها قد انتُزع منها . 


حمله وعقله يرفض فكرة أنه يحمل ابن توماس بين يديه ولكنه تنفس بقوة ثم التفت ينظر إلى معاذ الذي نزل الدرج وانتظره حتى أتى إليه وتحركا معًا نحو الخارج تحت أنظارها المنكسرة وقلبها المنفطر وعقلها المرتعب من فكرة مستقبلية تتمنى ألا يندم ثائر عليها في يومٍ من الأيام ، آهٍ لو كانت تمتلك النفوذ والحُجة والطاقة والإمكانيات لما تركته قط  . 


❈-❈-❈


في تركيا 


جلس كمال مقابل زينة يتناولان العشاء بعدما قضيا نهارًا كاملًا في الترفيه والاستمتاع برفقة ذلك المدعو أسامة . 


كانت زينة في قمة سعادتها ، تتناول الطعام بمزاج ، خاصةً وأنها اليوم تلقت مبلغًا ماليًا من أسامة كمكافأة على أول فيديو لها وعلى طريقتها التي بالفعل جذبت الكثيرين . 


تمتاز بتسويق مميز يمتزج بالمعلومة الخبيثة ، تشرح كيف يعيش الفقراء في تركيا ، توضح بكم ابتاعت بضائع اليوم وكم تبقى معها ، تحايلت على مشاهديها وهي تخبرهم كيف رحب بها الأتراك برغم أن هذا لم يحدث ، بل على العكس كان كل من يراهما ينظر لهما نظرات استعلائية ، ولكن هي لا يهمها كل هذا ، ما يهمها هي الدولارات التي حصلت عليها  . 


طالعها كمال وأردف بترقب وهو يتناول حساءه  : 


- إيه يا زينة ؟ يعني الراجل ادالك الفلوس ماقولتيش خد نصيبك يا كمال ولا أي حاجة ، اخدتي المبلغ وخفتيه ، مش أنا كنت معاكي وبنصور سوا ولا إيه ، أنا عايز اشيل نصيبي واحوشه علشان افتح لي مشروع هنا . 


نظرت له قليلًا وعقلها يعمل بلا هوادة وتفكر في أمره ، ولكنها رسمت ابتسامة خبيثة وأردفت بغنجٍ حتى تلهيه  : 


- اصبر بس يا كمولة لما يبقى معانا مبلغ معقول وساعتها هنفتح مشروع كبير على حق ، ونعيش بقى زي الناس ماهي عايشة ، ونشتري بيت ع البحر زي ما كنت بحلم وانا بتفرج على المسلسلات التركي ، يا أشقم انت يا اشقم . 


نفش ريشه وابتسم بعدما شرب خبثها وسرى مفعوله في عقله ليجيبها  : 


- حلاوتك في التركي ، بس بقولك إيه أنا مش مرتاح للراجل اللي اسمه أسامة ده ، أنا خايف ليطلع من الجماعة اياهم ويكون شغال تبع حد منهم وإحنا مش أد المواضيع دي ، علشان كدة إحنا نعمل قرشين حلوين وبعد كدة نقوله مع السلامة ونكمل مع نفسنا ، واهو إحنا عرفنا اللي فيها . 


ابتسمت تخفي ما يراودها والتقطت الخبز تلوكه في فمها ثم تنفست وأجابته وهي تحدق به بمغزى  : 


- ماتقلقش ، امشي انت بس ورايا وهتكسب ، انا مرتبة لكل حاجة ، سيني سيفيورم . 


ضحك وصفعها على كتفها فاغتاظت منه فعاد يدلك كتفها بيده ويردف مبتهجًا  : 


- بحبك يا بت ، اصلك بتلقطي بسرعة و ذكية ، وده اللي محببني فيكي . 


❈-❈-❈


ليلًا  . 


تتمدد على فراشها تبكي ، لم تكن تتوقع أن يرق قلبها لذلك الصغير من النظرة الأولى له ، تمنت لو باستطاعتها رعايته حتى ولو عن بعد ، كانت ستطلب منه ان يحاول  إقناع خاله به ، كانا سيجدان حلًا لو أنه سمعها وتفهم وجهة نظرها ، ولكن كرهه لتوماس وغيرته غلفا عيناه عما تراه وتخشاه ، وظن أن ما سيتحوذ عليها هي وصية ذلك الخائن . 


ازدردت ريقها وأغمضت عينيها حينما سمعته يفتح باب الحمام ويخرج منه ، توغلت إلى أنفها رائحته على الفور ، كأنه تعمد الاستحمام بذات السائل الذي يثير رغبتها ووحمها . 


وبالفعل هو تعمد ذلك ، يدرك أنها حزينة وتتجنبه منذ ما حدث لذا أراد أن يستفز مشاعرها فاستخدم الكثير من سائل الاستحمام برائحة جوز الهند ، وخرج إليها يرتدي مئزره مجددًا ثم تحرك نحوها يحدق بها ويدرك أنها تدعي النوم . 


لم يبدل ثيابه بل ارتد على الفراش وزحف نحوها يعانقها حيث كانت تواليه ظهرها فمال نحو أذنها يهمس بحبٍ و مراضاة  : 


- دمدومتي ، أنا عارف إنك صاحية ، بوصيلي طيب . 


رائحته ، همساته ، قربه ، و عناقه يثيرونها لدرجة أنها اعتصرت قبضتيها حتى لا تضعف وتلتفت له فحزنها منه يفوق مشاعرها الآن لذا لم تجبه بل استمرت في ادعائها النوم . 


تنفس بقوة وأجبر مشاعره أن تعطيها فرصة لذا استرسل وهو على وضعه  : 


- هييجي وقت وتفهمي إن أنا عملت الصح ، إحنا قررنا نبعد عن كل الصراعات دي ونستقر باولادنا ، الولد ده وجوده تحت عنينا مش هيجبلنا غير المشاكل  . 


استمرت على حالتها وعقلها يجيبه دون أن تنبس ببنت شفة  : 


- يلتني أندم على ما فكرت به يا ثائر ، هذا أفضل لي كثيرًا من أن تندم أنت  . 


قبل عنقها ونام مطمئنًا وهو يدرك أنها ستلين عما قريب وستنتهي تلك الكوابيس من حياتهما ، هو الآن بات على شفا خطوة واحدة من الارتياح والاستقرار  . 


❈-❈-❈


صباحًا


استيقظت قبله على غير عادة ، ربما لأنها لم تنم جيدًا بسبب حزنها وتفكيرها ومخاوفها لذا نهضت تصلي الفجر وتدعو ربها وظلت مستيقظة  . 


تململ في نومه ويده تبحث عنها ، فتح عيناه واعتدل يتساءل أين هي ؟ 


ترجل من فراشه وتحرك نحو الحمام ثم خرج بعد دقائق واتجه ليرتدي ثيابه وعقله منشغلٌ بها  . 


مرت دقائق ليجدها تفتح الغرفة وتدلف ، حينما يراها يصاب بالسعادة لذا تحرك نحوها يبتسم لها ويطوف بعينيه حول ملامحها ليتوقف عند عينيها المنتفختين من أثر البكاء لذا تساءل باهتمام وهو يضع يديه حول ذراعيها متجنبًا التحدث عن أمر ذلك الطفل مجددًا  : 


- أول مرة تصحي قبلي ، أحسن النهاردة ؟ 


تعمقت في مقلتيه ، يتعامل بارتياح ويريدها أن تنسى وتتعامل كأن شيئًا لم يكن ولكنها حقًا لا تستطيع ، ومع ذلك لم تحب أن تحزنه فابتسمت بهدوء تردف بنبرة متحشرجة من أثر البكاء  : 


- كويسة الحمدلله  .  


أومأ وتنفس يردف بترقب  : 


- طيب اعملي حسابك هنروح لعلياء هانم بعد العصر أنا وانتِ ، الولاد هيفضلوا هنا مع مامتك ، هي طالبة تشوفنا . 


قطبت جبينها مستفهمة تتساءل بالقليل من الفضول  : 


- خير في حاجة ؟ 


هز منكبيه يخفي ما في جبعته ومط شفتيه مجيبًا  : 


- سألتها بس رفضت تقول ، هنعرف يا ديما واهو بالمرة نقولها على الحمل . 


أومأت له فمال يقبل وجنتها وأخذه الحنين لها ليعانقها وفعل يلف يديه حولها ويحتويها مستمرًا في الاعتذار لها دون حديث . 


رفعت يديها تبادله وتربت على ظهره بعاطفة ثم فجأة هجمت عليها حالة جعلتها تعاود البكاء ، وخشت أن يراها فتمسكت بعناقه ووضعت رأسها على كتفه . 


حاول أن يبتعد ليراها ولكنها شددت من ذراعيها حوله فتنهد وتركها تفرغ حزنها منه فيه ، استمر العناق لبرهة من الزمن ، تخبره ما يؤلمها منه دون أن تتحدث ، تخبره أنه تجاوزها ولم يفهم اهتمامها بذلك الصغير البريء ، تخبره أنها تتأمل فيه الخير دومًا فظنت أن هذه المرة سيفكر على هذا النحو برغم صعوبة الموقف على قلبه وعقله ، ولكن في نهاية الأمر أتت رياحه بما لا تشتهي سفنها ولكن لا يمكنها إلا أن تبحر فيه دومًا فلا بحر لها سواه لذا فهي الآن تشتكيه لنفسه . 


استطاعت بالفعل أن تستريح بعض الشيء فحررته وابتعدت تخفض وجهها وتجفف دموعها مردفة بمراوغة  : 


- واضح كدة إن هرمونات الحمل فعلًا مأثرة عليا  ، يالا أنا هروح اجهزلك الفطار لحد ما تخلص . 


أسرعت تلتفت وتغادر الغرفة قبل أن يمنعها بينما هو تنهد بقوة والتفت يتجه نحو مرآة الزينة ليهندم نفسه ويفكر هل لهذه الدرجة كان لذلك الصغير أهمية بالنسبة إليها ؟  


❈-❈-❈


كانت تجلس على الأريكة تعمل على حاسوبها تحت إضاءة خافتة حتى لا يستيقظ داغر  . 


منذ ما يقارب الأسبوعين وهي لا تهتم بشركتها جيدًا ، وتلاحظ هبوطًا في أسهمها وهذا أزعجها ولكنها كانت تتوقع هذا الهبوط ، خاصةً أنها المسؤولة بمفردها ، لا قريب يراعي المسؤوليات ولا شريك يساهم في رفع المستويات حينما تغيب . 


فقط هي وقلة من الموظفين الذين تعتمد عليهم ولكن بالطبع لن يكون أداءهم مثلها لذا بدأت تبحث عن حلول فهي لا تريد خسارة الاستثمار بينها وبين الشركات الأخرى وأهمهم الشركة الصينية العملاقة . 


رفعت نظرها تحدق في داغر ، هي لا تثق في أحدٍ غيره ، وكذلك صالح ، وأيضًا دينا ، دائرتها محدودة جدًا . 


راودتها فكرة ضم الشركتين على بعضهما ، بالطبع هذه الخطوة تحتاج موافقتهم بعملية بحتة ودون تحيز لصلة قرابتهم بها ، بل يجب دراسة الأمور بشكلٍ رسمي ولكن هل تستطيع مناقشة هذا الأمر مع داغر  ؟ 


تحركت يده تلتقط الوسادة وبالفعل أخذها يعانقها ظنًا منه أنها بسمة ، وحينما خاب أمله وأدرك أنه يحتضن قطنة وليس بطة انزعج وفتح عينيه بثقل ليكتشف أنها ليست بجانبه . 


رفع رأسه قليلًا فرآها تجلس وإضاءة الحاسوب مسلطة على وجهها وهي تبتسم له فمال ينير إضاءة الأباجورة المجاورة له وتساءل بانزعاج  : 


- إنت قاعدة على اللابتوب وسيباني نايم لوحدي يا بسمة ! طب بالذمة ده ينفع ؟ 


تنفست تطالعه باستنكار ثم أغلقت الحاسوب ونهضت تتجه إليه ثم تمددت جواره وملست على خصلاته تطالعه وتردف معاتبة بدلال مبطن بالتمرد على حصاره الشديد لها  : 


- ده يا دوب بقالي ربع ساعة بس ، ماينفعش كدة يا ديغو لان طبيعي ممكن مايجليش نوم ، ادخل الحمام ، اخرج اقعد برا ، وبعدين كلها كام يوم وكل واحد مننا هيرجع شغله ولا إيه ؟ 


أرادت أن توضح له هذا الأمر الآن ، فمنذ أن أتما زواجهما وهو لا يتركها لحظة ، حتى حينما تذهب إلى الحمام يود لو يذهب خلفها ، بات متسلطًا في حبه وبرغم حبها وتقديرها لحبه ولكنها في النهاية تشعر بالضيق  . 


ذكرته بالعودة للعمل فعاد يدفع وجهه في الوسادة مستغفرًا ثم التفت لها مجددًا وتحدث وهو يلف ذراعه حولها بتملك  : 


- أعمل إيه بس ، مش عايز أبعد عنك ثانية ، أنا حتى لو نزلت الشغل هو يادوب ساعة ساعتين وهتلاقيني راجعلك تاني  . 


ابتسمت وتحلت بحسن نيته لذا أجابته موضحة وهي تحتوي رأسه عند قلبها وكم هو مستمتعٌ بمبيته هنا  : 


- خد بالك هيبقى علينا ضغط شغل بعد الغيبة دي ، يعني أكيد مش هيخلص في ساعة أو ساعتين . 


عبس كالأطفال وأردف متذمرًا  : 


- لاء مش هينفع كدة ، خليكي هنا وخلصي شغلك على اللاب وأنا مضطر اروح وارجع بسرعة . 


لم يرُق لها حديثه وكادت أن تتحدث لولا أنه حاول ابتزازها عاطفيًا فتابع وهو يغوص برأسه داخلها ويقبل قلبها ويشدد من عناقها  : 


- علشان خاطري يا بسوم ، الفترة دي بس واهو واحدة واحدة لحد ما اتعود وامري لله ، مابقتش قادر ابعد عنك أبدًا  . 


تنفست بعمق وشردت قليلًا تفكر وانتابها الضيق ، منذ دقائق كانت تفكر كيف ستناقشه في أمور العمل والآن هي مجبرة على الصمت واتباع رغبته وإلا سيحزن وربما حال الخصام بينهما لذا زفرت والتزمت الصمت فارتفع قليلًا ينظر إلى ملامحها وحينما لمح الضيق مرتسمًا في نظرتها نحوه أسرع يرنو منها ويقبلها بنهم ليشغلها عما تفكر فيه ويغرقها بعشقه الجارف ولكنه تجاهل دون قصد ما تشعر به الآن وتملكت منه مخاوفه في انشغالها بالعمل عنه  . 


❈-❈-❈


مساءً  


اجتمعت عائلة أمجد في منزله بناءً على دعوة منه ومن علياء على غير المعتاد ولكنهم لبوا دعوته 


جاء شقيقه وزوجته وأبناء شقيقه الثلاث ، جاء أيضًا شقيق علياء وزوجته والديّ سها التي أتت للتو مع ولديها وزوجها أحمد  . 


دلفت متعجبة من وجودهم ، وشعرت بأن هناك شيئًا ما يحاك لها ، جلست بينهم بعدما رحبوا ببعضهم . 


جميعهم متعجبون من هذه الدعوة ولكنهم قضوا بعض الوقت في استعادة الذكريات والمزاح وقدمت لهم علياء بمساعدة أمجد الضيافة التي كانت عبارة عن العصائر وقطع الجاتوه ،  ربما علاقتهم مبنية على التواصلات الإلكترونية أكثر من الزيارات ، ولهذا فالجميع هنا يتساءلون عن السبب  . 


لذا تساءلت سها بتأهب مستفسرة من علياء  : 


- ماتقوللنا سبب الزيارة دي إيه يا طنط ، أكيد فيه حاجة حصلت . 


ابتسمت علياء وتذكرت رغبة ثائر في عدم معرفتهم بمجيئه ، هي نفسها حاولت معرفة أسباب هذه الدعوة ولكنه لم يخبر أحدًا لذا أجابتها  : 


- عادي يا سها قولنا نتجمع كلنا مع بعض ، وبعدين شفيق ماشفش أحمد بقالوا سنين  . 


تطلعت عليها وشعرت أنها تراوغ ثم تذكرت مقابلة ثائر لها أمس ، دب الرعب فجأة في أوصالها حينما راودتها فكرة فضيحتها أمامهم لذا ازدردت ريقها ونظرت لابنتها وابنها وزوجها تتخيل ردود الأفعال ومعالم الوجوه لذا لم تحتمل فهبت واقفة وحملت حقيبتها تردف بتجهم وتعجل  : 


- أنا ورايا مشوار مهم دلوقتي ، فيه واحدة صحبتي اتفقنا نتقابل قبل ما اعرف عن الزيارة دي ، هي دلوقتي مستنياني ، هروح اقابلها وارجعلكم تاني ، عن اذنكوا  . 


تحركت تحت أنظارهم المتعجبة لتغادر متبعة إحساسها ولم تهتم حتى بسؤال زوجها ، لفت مقبض الباب وفتحته وكادت أن تخطو ولكنها تفاجأت بثائر يقف أمامها يعترض طريقها  وتجاوره ديما تطالعها بضيق . 


ابتسم لها ثائر ابتسامة انتصار مبكرة وتساءل  : 


- على فين ؟ 


نظرت له بريبة وتلعثمت تجيبه وهي تحاول التسلل من جواره  : 


- رايحة اقابل واحدة صاحبتي ، ممكن تعديني ؟ 


فرد جسده فغطى أي مساحة فارغة ونظر لها بحدة يستطرد بجمود  : 


- مش دلوقتي ، فيه حاجة أهم لازم كلنا نشوفها . 


أبعدها للداخل بنظراته ، وأدخل ديما ودلف يغلق الباب ويوصده بالمفتاح الذي نزعه ووضعه في جيبه تحت أنظار ديما المتحفزة وأنظار سها المرتعبة  . 


أمسك بكف ديما ودلف يرحب بالجميع ويعرفهم على زوجته وهو في حالة انتشاء جعلته في مستوى عالٍ من الحماس ، متجاهلًا مقابلة عمه الجافة بعض الشيء ، فاليوم هو موعد استرداد الحقوق ولن يهمه أحد ، يكفيه أن يعاقب كل سيء عن أفعاله ، يكفي كل هذا الرصيد من التستر على هذه الحرباء ، خاصةً بعد حديثها مع ديما فهذا ما لم يحتمله . 


جلس لثوانٍ بينهم على الأرائك الملتفة في ركني من الصالة الواسعة، و كان أغلب حديثه موجهًا لأبناء عمه الذين يتملكهم الفضول حوله  . 


بعد دقائق نهض يتجه نحو شاشة العرض المعلقة على الحائط المزين ببعض الأشكال الكلاسيكية ، وقف أمامهم يردف وهو يبتسم ويخرج من جيبه فلاشة ذاكرة  : 


- أنا طلبت من أمي تجمعكم كلكم النهاردة علشان أوريكم حاجة مهمة ، يمكن الأمور بعدها ماتبقاش زي دلوقتي بس ده حقي . 


سلط أنظاره على سها ونطق أمامهم بتشفٍ  : 


- حقي ولا مش حقي  ؟! 


سُحبت الدماء من ملامحها وتجمدت في مكانها بينما وقفت ديما حينما أدركت ما ينوي فعله ، و تأكدت من شكوكها حول تلك المقابلة التي تمت أمس بينه وبين سها ، خطت عدة خطوات نحوه ومالت عليه تهمس بترجٍ  : 


- ثائر بلاش دلوقتي ، اولادها قاعدين . 


مد يده يربت على كتفها ولكنه تجاهل طلبها والتفت يضع الفلاشة في ريسيفر العرض وأمسك بجهاز التحكم يضغط عليه ليبدأ في تشغيلها  . 


بدأ المقطع أمامهم وهي تركب سيارته وتحرك بها لدقائق كانت تنظر إليه فيهم بين كل ثانية وأخرى حتى توقف وبدأ يهددها بالابتعاد عن زوجته وبدأت تبوح بكل ما لديها وتخبر الجميع بنفسها كم هي حقيرة ووصولية ، تعترف أمام ابنها وابنتها بأنها امرأة خانت العهد وخانت الرجل الذي أحبها وأحبت شقيق زوجها حبًا مرضيًا لا قيمة له . 


اقترابها من ثائر وتجاوزها للحدود وحتى مشاركتها آراءه كل هذا كان ضمن خطة الوصول إليه وحينما فشلت ألقت عليه بتلك التهمة لتعاقبه على عدم تقبلها كحبيبة وتجعله منبوذًا ومتحرشًا أمام عائلته وتعاقب أحمد بابتعاده عنه لسنوات والتفريق بينهما   . 


الآن حصحص الحق وانتهى المقطع وجلسوا جميعهم في حالة صدمة والتفتت وجوههم نحوها ونظراتهم ممتلئة بالاشمئزاز منها مما جعلها تنهض منتزعة نفسها تخطو نحوه رافعة يدها لتصفعه وهي تصرخ بجنون   : 


- كـــــــــداب  . 


كان سيمنعها ولكن من سبقته وتصدت لصفعتها هي ديما التي قبضت على كفها وباغتتها بنظرة عدائية مستهينة بها بعد ما سمعته ورأته فما كان من سها التي تدفق الغضب في جسدها وتحول إلى طاقة عنيفة دفعت بها بقسوة وبشكلٍ مفاجئ مما أدى إلى ترنحها وسقطت أرضًا بقوة واصطدم رأسها في الحائط المدبب تحت أنظار ثائر الذي خطف جسده ومال يلحق بها ويساندها ويتفحصها بلهفة بالغة فأشارت له بكفيها بأنها بخير كي يهدأ من ثورته ولكنها لم تكن بخير بل تشعر بأنها ستغيب عن الوعي وكأن أحدهم يطرق بمطرقة فوق رأسها .


وقفت سها تنظر لما صنعته يداها بغلٍ لتجد فجأة من يلفها بعنف فالتفتت لتتفاجأ بأحمد أمامها رافعًا يده للأعلى ثم تهاوى على وجهها بصفعة قوية أسقطتها أرضًا في صدمة لها وللجميع .


وقف يطالعها بوجهٍ محتقن وقلبٍ متشرب للألم حد الظمأ يردف أمامهم جميعًا  :


- إنتِ طالق . 


نطقها ببؤسٍ شديد فهو المصفوع بعدد سنوات زواجه . 


أسرع ليل نحو أمه يوقفها بمساعدة جدته بينما تجمدت شمس مكانها من شدة صدمتها ، واتجه أمجد وعلياء نحو ثائر يتفحصان ديما بقلقٍ كبير ، ونهض الجميع ينظرون لبعضهم البعض بذهول وعدم استيعاب لما يحدث وكلما حاول أحدهم قول شيء ينعقد لسانه بالصمت ولا يجد حروفًا يمكنها التعبير عن هذا الموقف . 

 

التفت أحمد يقابل شقيقه الذي يساند زوجته ونطق منكسرًا أمام الجميع : 


- سامحني . 


وقف ثائر ينظر له لثوانٍ ثم نظر إلى عمه الذي صدق عليه أيضًا ونطق بقهرٍ قيده لسنوات : 


- أنا عمري ما خونت ثقة حد فيكم ، عمري ما زعلت حد فيكم ، اتعاملت مع بنات العيلة كإنهم اخواتي ، بس انتو ظلمتوني ، وكان ممكن اخد حقي وقتها بدل الغربة والوحدة اللي عشت فيهم بس انا اتعلمت حاجات كتير أوي والفضل ليكو ، ولولا إنها قربت من مراتي وحاولت توقع بينا أنا كنت اكتفيت بالفيديو ده لاخويا وبس ، لكن بعد اللي عملته لازم العيلة كلها تعرف مين الحقير اللي فيها . 


تحاملت ديما تستند على علياء وتستمع له ولكنها تشعر بشيءٍ ما يسحبها لنفقٍ مظلم ، مشوشة والدوار يتملك من رأسها الذي يطرقه الألم طرقًا من الخلف . 


نظر ثائر نحو سها التي تقف في قفصٍ من نظرات الاتهام واستطرد بتوعد ونبرة صلدة : 


- لولا إني اتربيت مامدش إيدي على واحدة ست أنا كنت خلصت عليكي حالًا بعد اللي عملتيه ده ، بس صدقيني لو مابعدتيش عن طريقنا هتشوفي مني الوش التاني اللي لسة ماتعرفيهوش . 


تحرك يسحب ديما معه ويفتح الباب ويغادر بها ، استعمل المصعد ودلف معها يضغط على الزر ولكن ما إن تحرك بهما حتى ترنحت وكادت أن تسقط أرضًا لولا أن أسندها ونطق متلهفًا : 


- ديما فوقي ، هتبقي كويسة،ماتقلقيش . 


ظل متمسكًا بها حتى نزلا وتحركا إلى السيارة يجلسها ويلتفت يستقلها ويغادر . 



أما في الأعلى فوقف والدها يطالعها بخيبة ويردف بخزي من أفعالها : 


- يا خسارة يا بنتي ، يا ألف خسارة عليكي ، مش هسامحك طول عمري . 


تحرك يغادر ووقفت والدتها تنظر لها بقلب عاطفي لا إراديًا وودت لو تسحبها للخارج وترحمها من نظرات الجميع ولكن ناداها زوجها لذا تحركت معه تغادر وتتركها تواجه مصير أفعالها . 


وقف شفيق ينظر لها بغضب واستهانة ولم يجد ما يقوله،لقد صدقها وكذب ابن أخيه وخاصمه لسنوات،يجب أن يلوم نفسه قبلها لذا وتحرك يغادر وتبعه أولاده الثلاث بعدما ودعوا عمهم بقلة حيلة وأسف . 


لم تعد تحتمل تلك العائلة ، تود لو تصرخ في وجوههم ، تود لو تحصل على سلاحٍ وتوصوبه نحوهم جميعًا ، إنهم مدعين الشرف ويرونها خائنة وهي أفضل منهم جميعًا . 


هكذا كانت تفكر لذا رفعت أنظارها تحدق بأمجد وعلياء بعداءٍ سافر ظنًا منها أنهما رتبا لكل هذا . 


لم تحتمل علياء تبجحها لذا نطقت تشير نحو الباب : 


- اطلعي برا بيتي ، وابعدي عن ولادي ، مش هسمحلك تأذيهم تاني، يالا برا . 


تجلى الغل على ملامحها وتحركت مندفعة تغادر من أمامهم تاركة خلفها ابنة فاقدة للنطق من أثر الصدمة ، وابنًا منكسرًا مصدومًا متألمًا ، وزوجًا يأكله الندم والعجز .


❈-❈-❈


في الشاليه الخاص بهما والذي يطل مباشرةً على الشاطئ الفيروزي المذهل 


تقف تضع الطعام في طبقه ، ويجاورها صالح يضع الأدوات المتسخة في غسالة الأطباق . 


جهزا معًا أكلة فلسطينية تمنت دينا أن تتذوقها وهي المسخن ، عبارة عن خبز معين مغمورًا بالبصل المقلي والسماق وزيت الزيتون ومغطى بالدجاج . 


كانت دينا متحمسة لتذوقه كثيرًا ، خاصةً وأنه صُنع بيد حبيبها الماهر في كل شيء ، متهمل ، لا يمل منها خاصةً وهي تتدلل عليه ، أخبرته أنها ليست من محبين طعم زيت الزيتون فبات يخبرها بفوائده وادمج معها قصة وذكريات له ولشقيقاته مع زيت الزيتون وكم كانوا يتسابقون على تناوله فنجح في جعلها تود تجربته بفكرٍ جديد عنه . 


جلسا سويًا على الطاولة ونطق صالح وهو يأخذ قطعة من محتويات الطعام  : 


- أهم إشي بالمسخن إنك لازم تاكليه هيك ، وبعد ما تخلصيه بتاكلي أصابعك وراه . 


لم تشعر بأي نفور فقد رأت كم هو نظيفٌ في كل شيء لذا ابتسمت حينما قرب منها يده لتتذوق منه الطعام وبالفعل فتحت فمها تتناولها منه بسعادة وبدأت تستمتع بطمعه ، في باديء الأمر ظنته لن يروق لها ولكن مع مضغه اتسعت حدقتيها بإعجاب وهي تطالعه وتوميء متمتمة إلى أن مضغتها فنطقت بإعجاب  : 


- حلو أوي يا صالح ، طلع معاك حق . 


أعاد الكرة يطعمها مرةً أخرى ويدللها مردفًا  : 


- قلتلك راح تحبيه يا عمري أنا ، من هان وطالع بوعدك رح تحبي أكلات كتير ما كنتِ بتحبيها . 


ابتسمت وهي تأكل وأشارت له بأن يأكل ففعل ثم أردفت بترقب وعينيها تلتقط رد فعله  : 


- أنا موافقة بس بشرط  . 


ضيق عينيه يطالعها بتأهب متوقعًا ما ستقوله وبالفعل لم يخب ظنه حينما استطردت  : 


- تجرب الفسيخ إنت كمان ، إنت ظالمه جدًا على فكرة . 


انكمشت ملامحه ونطق باعتراض وهو يلوح بكفه رفضًا  : 


- لا يا دينا بقدرش هالمرة ، اطلبي أي إشي غير هالشي  . 


عبست بطفولية ونطقت وهي تترجاه وتتمسك بيده  : 


- لاء علشان خاطري يا صالح لازم تجربه ، بص لما نرجع مصر هنجيبه وهدوقه من إيدي ، بتحكم عليه ظلم على فكرة ، ده داغر بيعشقه . 


انفلتت منه ضحكة ونطق ساخرًا بمرح  : 


- قلتيلي ، لهيك عطول متسرع ما عنده طولة بال . 


بادلته الضحك ولكنها دافعت عن أكلتها ولم تدافع عن شقيقها فقالت : 


-  والفسيخ إيه علاقته بكدة بقى ؟ بالعكس المفروض يبقى مثال في طولة البال ، ده بيستوي في 15 يوم . 


تعالت ضحكاته ونطق معترضًا  : 


- قصدك بيتحنط حبيبتي . 


لكزته معترضة وتوعدت تردف  : 


- هتدوقه بردو يا صالح  . 


تنفس بعمق وأومأ يجيبها بحب  : 


- أمري إلى الله ، مادام من إيدك مافيني أرفض ، بس لو صار لي شي بعدها اكتبي ع قبري شهيد الفسيخ . 


ضحكا ولكنها مالت عليه تقبل فكه وتردف بحبٍ وحنان  : 


- لاء بعد الشر ، صدقني بعدها إنت اللي هتطلبه ، اسمع مني بس . 


أومأ وعادا يكملان وجبتهما وينتقلان إلى حديثٍ آخر فسألته بترقب  : 


- هو إحنا بجد يا صالح هنسافر أمريكا ؟ 


أومأ يجيبها بتروٍ تتوغله الجدية بعدما لاحظ حماسها لهذه الرحلة  : 


- ااه يا عمري ، إن شاء الله بوعدك نسافر ونقضي وقت حلو هناك ، بس أنا بدي استقر هان يا دينا ، بدي إذا ربنا أكرمنا بولاد نربيهن هان بمصر، أو بنرجع ع غزة ونعمرها مرة تانية وقت توقف الحرب ان شالله . 


صمتت تطالعه لبرهة كأنها تفاجأت لذا استرسل متسائلًا  : 


- لما الحرب تنتهي هناك وكان بدي أرجع بتقبلي ترجعي  ؟ 


تهاوى قلبها لثوانٍ ، كانت متحمسة للسفر إلى أمريكا ولكن السفر إلى غزة والاستقرار بها يحتاج لقرار جريء منها، ومع ذلك كانت إجابتها مزينة حتى لا تحزنه فقالت  : 


- أنا معاك في أي مكان هتبقى فيه يا صالح، وإن شاء الله نسافر أمريكا نقضي وقت حلو هناك ونرجع نستقر هنا زي ما قولت  . 


قصدت بكلمة هنا أي ( مصر) فهذا أفضل الحلول الوسطية بالنسبة لها بعدما تأملت في أمريكا خيرًا وأحلامًا فردية ، ولكنه محق من جهة لم تحسب لها حسابًا وهي تربية الأولاد . 


ربما لأنهما مستجدان على الحياة الزوجية بعد ، ولكنه محق ، تلك البلاد الغربية ليست البيئة السليمة للتربية الحسنة لذا فقد وقع اختيارها على بلدها الآمنة مع أمنيتها الداخلية بتحرير فلسطين والصلاة في الأقصى عما قريب .


❈-❈-❈


في المشفى 


جلست ديما تستريح بعدما أجروا لها فحوصات ، يقف ثائر يمد لها عبوة العصير ويتفحص ملامحها ووجها الشاحب . 


رفعت نظرها إليه فلمحت القلق في عينيه فابتسمت تطمئنه وأردفت بخفوت  : 


- أنا كويسة يا ثائر ، ماتقلقش ، أصًلا الدوخة بقالها يومين وماكنش ليه لزوم نيجي هنا  . 


تنفس بعمق والتفت ينظر عن يمينه ويتذكر تلك السها ، ود لو حطم رأسها ، كلما تذكر كيف دفعتها بغلٍ ووحشية تمنى لو يعود ويصفعها مرارًا وتكرارًا . 


تحدثت لتشغله عن غضبه  : 


- ماكنتش حابة إنك تشغل الفيديو قدام ولادها يا ثائر ، صعبانين عليا جدًا ، صدمتهم هتبقى كبيرة . 


عاد يطالعها ونطق بنبرة حادة نتجت عن غضبه  : 


- لا كان لازم يعرفوها على حقيقتها ، خصوصًا بنتها . 


قطبت جبينها وظنت أنه يعلم بشأن الرسالة لذا تساءلت بشك  : 


- اشمعنى ؟ 


أجابها بشرود موضحًا بحس استخباراتي  : 


- لما ركبت معايا العربية بنتها كلمتها وسألتها عني ، عرفت وقتها إنها شافتنا وعرفت إن الحية دي هتألف أي حاجة تقولها ليها وزي ما اخويا اللي عارفني صدق بنتها اللي ماتعرفنيش أكيد هتصدق  . 


أومأت تؤيده ونطقت تسرد له ما لديها  : 


- معاك حق ، ده اللي حصل فعلآ ، شمس بعتت لي فيديو امبارح بليل مصوراه لما سها ركبت معاك العربية ، قالتلي ابلغك تبعد عن والدتها  . 


تفاجأ بما تقوله وتساءل بانزعاج  : 


- وماقولتليش ليه؟ 


تنفست القليل من العافية وأجابته تردف بغيظ  : 


- مانت كمان خبيت عني إنك روحت تقابلها  . 


لف وجهه يتهرب من المواجهة وأومأ مرارًا ثم تحمحم وأردف وهو يضع كفيه في جيبيه ويتحرك باتجاه الطبيب المقبل عليهما  : 


- ماشي ، لما نروح  . 


وقف أمام الطبيب يتساءل باهتمام تحت أنظارها ومسامعها  : 


- أمورها تمام يا دكتور ولا لا قدر الله فيه حاجة ؟ 


ابتسم الطبيب يجيبه بعملية وهدوء  : 


- لاء الحمد لله كله تمام ومافيش أي نزيف داخلي ، هي الخبطة بس كانت شديدة شوية واتسببلها في دوخة خصوصًا مع وضعها والحمل وكدة ، كتبتلها على فيتامين وعلشان تطمنو أكتر هتروحو للدكتور اللي هي متابعة معاها ، وإن شاء الله خير . 


أومأ ثائر والتقط منه الوصفة ثم شكره وعاد إليها يسندها فنهضت معه تتمسك بكفه حيث شعرت بالدوار مجددًا ، حاوطها وخطا بها نحو الخارج ليعودان للمنزل . 


استقلا سيارتهما والتقط ثائر هاتفه ليطمئن والدته التي حاولت الاتصال به عدة مرات  . 


❈-❈-❈


في منزل أحمد 


وقف يجمع أغراضه في حقيبة سفره ، سيغادر المنزل هذه الفترة خاصةً في وجودها . 


فقد تبجحت وأتت إلى هنا بعد كل ما حدث ، أتت وجلست في الصالة بنرجسية عالية ولم تهتم بنظرات ابنتها نحوها . 


أما ليل فاتخذ من غرفته مهربًا ليخرج بها آلامه وحزنه وصدمته في والدته على مدار سنوات . 


باستطاعة أحمد أن يطردها شر طردة خاصةً مع حقيقتها وخيانتها له ولكنه يدرك أن هذه الطريقة لن تفلح معها فهي لم تعد تهتم بالفضيحة وستحدث جلبة وستؤذي بها ولديها دون أي اهتمام بمشاعرهما لذا قرر الذهاب إلى منزل والده  . 


خرج من غرفته يجر حقيبته وتحرك متجاوزًا إياها ثم توقف ينظر لابنته التي تجلس محدقة في والدتها وتعيش حالة من الصمت والصدمة ، حزن لأجلها فهو يدرك مدى قربها منها لذا نطق بهدوء  : 


- أنا في بيت جدك يا شمس ، لو حبيتي تيجي كلميني وهاجي اخدك في أي وقت . 


التفتت تنظر له وكأنها تترجاه ألا يرحل ولكنها لم تنطق بل اكتفت بنظرة تجاوزها أحمد وتحرك نحو غرفة ابنه يطرق بابه فلم يجب لذا نطق بعلو  : 


- أنا رايح عند جدك يا ليل ، لو حبيت تيجي كلمني  . 


تحرك خطوة ولكنه توقف حينما فتح ابنه الباب يطالعه بعيون باكية ويردف بانكسار  : 


- استناني يا بابا أنا جاي معاك  . 


نظر لابنه بثقب وأومأ بابتسامة باهتة فأسرع ليل يجمع أغراضه بفوضوية كي يغادر معه فلم يعد يحتمل البقاء هنا . 


وبالفعل لم يمر الكثير حتى خرج ليل وتحرك معه ولكنه توقف ينظر إلى شقيقته الباكية فحن لها ونطق بترجٍ  : 


- قومي يا شمس تعالي معانا . 


ازدردت ريقها ونظرت له بتيه ثم عادت تنظر إلى سها التي تجلس كالصنم عدا نظرتها العدائية التي تسلطها للبعيد ، عجزت عن اتخاذ قرار الرحيل لذا هزت رأسها رفضًا فأحبط ليل وقرر التحرك مع والده يغادران المنزل بخيبة وانكسار  . 


نظرت ابنتها إليها تنتظر منها أي حديث أو ردة فعل وحينما طال انتظارها تساءلت بألمٍ  : 


- ليه عملتي كدة ؟ ليه عملتي فينا كدة ؟ 


لم تجبها بل استمرت في السكوت والنظر للبعيد كأنها تبحث عن خطة انتقامية فعادت ابنتها تسترسل بنبرة عالية مستفيضة  : 


- ردي عليا ليـــــــــــه تعملي فينا كدة ؟ وكمان كذبتي عليا ؟ إزاي قدرتي تتصرفي بالحقارة دي ؟ 


رفعت كفها فجأة تشير لها بأن تصمت فانتفضت على إثره ابنتها ولأول مرة تخشاها لذا نهضت وتحركت إلى غرفتها بخاطرٍ منكسر ومفتت . 


أما هي فمدت يدها تتناول علبة السجائر من جوارها والتقطت واحدة تشعلها وتسحب تبغها بغلٍ ثم تنفسته متوعدة بأشد انتقام من الجميع  . 


❈-❈-❈


في منتصف الليل وبعد قضاء وقتًا قليلًا مع أولادهما ومنال . 


صمم أن يحممها بنفسه ، أجلسها في حوض الاستحمام في مياهٍ دافئة نسبيًا مع وضع الكثير من سائل الاستحمام الذي تفضله حتى تشعر بالاسترخاء . 


بدأ يمرر الليفة على جسدها وبالفعل استرخت كليًا وأغمضت عينيها تاركة له العنان ربما تحسنت حالتها المزاجية ورحل عنها هذا الدوار  . 


يعاملها الآن كابنته ، يعاملها بحنانٍ بالغ وحبٍ كبير اختلطا مع حركة يده فجعلاها تشعر بأن كل ما بها من حزنٍ وتعب يتبخر ويرحل مبتعدًا . 


بعد قليل ساعدها في ارتداء المئزر الخاص بها وتحرك معها نحو الفراش يمددها عليه  وبدأ يجفف خصلاتها بمنشفة صغيرة ثم تطلع عليها فوجدها تبتسم له بامتنان كبير فنهض يردف بخبث متواري خلف نظرة جادة  : 


- ارتاحي وانا هرجعلك حالًا  . 


أومأت له وسحبت نفسها تتمدد وتشعر بارتياح كبير ولكن عاد عقلها ينشغل مجددًا بما حدث ، ونسجت مخاوفها سيناريو قلق من ردة فعل تلك الأفعى السامة. 


زفرت تردف بهمس وتنظر للأعلى  : 


- يــــــــارب ، اللهم رد كيدهم في نحورهم واجعل تدبيرهم في تدميرهم . 


دعاءها لم يقتصر على سها فقط بل شملت إرتوا ، ذلك العدو الأكبر بالنسبة لها ولأسرتها ، لا تعلم لمَ تشعر بهذا ولكنها بالفعل قلقة حياله كثيرًا . 


وربما هذه الصفة لا تفضلها بشخصيتها ، وهي التفكير المبالغ به ، تدرك وتؤمن بأن الله يدبر الأمور كيفما يشاء ويدبر ما فيه الخير والصلاح ولكن هذه الصفة تؤرقها مهما حاولت التغلب عليها ، فهي في النهاية بشرية والبشر يقفزون بين دربي الخطأ والصواب . 


كادت أن تغفو ولكنها فزعت حينما وجدت من يقفز مجاورًا لها ، طالعته بجحوظ للحظات ثم أردفت معاتبة  : 


- خضتني يا ثائر ، ليه كدة ؟ 


ضحك ورفع جذعه نحوها وتساءل بمكرٍ يطوف على ملامحه  : 


- لسة مصدعة صح ؟ 


تنهدت تجيبه بالقليل من المراوغة  : 


- لاء أنا كويسة  . 


هز رأسه معترضًا يسترسل مؤكدًا  : 


- لاء مصدعة وجسمك كله بيوجعك ، اسمعي مني ، وعلشان تبقي كويسة لازم تنشطي الدورة الدموية ، ودي سبيها عليا ، تمام ؟ 


أدركت نيته لذا ابتسمت ولفت رأسها للجهة الأخرى بقلة حيلة منه ومن حبه ثم عادت تطالعه وحاوطت بكفها صدغه تردف بهدوء  : 


- تمام . 


غمزها بمشاكسة ومغزى وحالة من الصفو والراحة لا تصيبه إلا معها  : 


- تمام يعني ؟ 


أومأت له ووقعت على وثيقة العشق حيث ارتفعت قليلًا تطبع قبلة خفيفة على شفتيه وعادت تريح رأسها على الوسادة ولكنه عاد معها كأن شفتيه التصقت بخاصتها ، ليندمج كليًا معها في حالةٍ تشبه اندماج الأحمر مع الأبيض فيصبحان لونًا ورديًا خاصًا بالعشاق .


ليبرهنان للعدو والحبيب أنهما لن يفترقا ، ولن توقعهما مؤامرات وسعادة كلٍ منهما مع الآخر حتى الممات  .


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة