رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 19 - جـ 2 - الأربعاء 3/9/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل التاسع عشر
الحزء الثاني
تم النشر الأربعاء
3/9/2025
في شرفة غرفة سند ووعد
كانت ليلة مقمرة، يلقي فيها القمر ضوءاً فضياً على حديقة السرايا الغافية، ويرسم ظلالاً طويلة للأشجار.
وقف سند متكئاً على سور الشرفة، يراقب الصمت بالخارج، لكن عقله كان أبعد ما يكون عن الهدوء.
كلمات مالك تتردد في أذنه
كيف نسيت نغم؟
لم ينسى ويبدو أنه لن ينسى
لكن
زواجه من وعد، الذي تم على عجل بأمر من جده لمنع الفضيحة، كان مجرد إجراء شكلي في البداية.
غرفة واحدة، وسرير واحد لكن بينهما مسافة أميال من الحواجز النفسية.
جعله يفكر فيها حقا وينشغل عن نغم.
خرجت وعد إلى الشرفة بهدوء، ترتدي ثوب نوم طويلاً وقد لفت كتفيها بشال رقيق.
وقفت بجانبه دون أن تتكلم، وكأنها تحترم عزلته.
لكن وجودها الهادئ أصبح مألوفاً ومريحاً له بشكل غريب.
تحدثت وعد بصوت ناعم كهمس الليل
_مش جايلك نوم؟
التفت سند إليها، وضوء القمر جعل عينيها تلمعان ببريق خاص
_الأفكار مبتخلنيش أنام.
_بتفكر في نغم؟
سألتها ببساطة، دون أثر للغيرة أو اللوم في صوتها.
هذه القدرة لديها على تسمية الأشياء بأسمائها دون دراما، كانت أكثر ما بدأ يبهره فيها.
تنهد سند
_بفكر فيها، وفينا... وفي كل اللي حوصل.
حاسس إننا اتظلمنا كلنا يا وعد
اني ونغم
أنتِ كمان اللي اتجبرتي على جوازة من واحد قلبه كان مع واحدة تانية.
ابتسمت وعد ابتسامة حزينة
_يمكن... بس أنا مؤمنة إن كل حاجة بتحوصل لسبب، يمكن دي كانت الطريجة الوحيدة عشان أعرفك بجد.
نظر إليها بعمق، مندهشاً من نضجها.
_تعرفيني؟ أنتِ شايفة إيه دلوجتي يا وعد؟
واحد مكسور ومهزوم؟
اقتربت منه خطوة، ومدت يدها بتردد لتلمس يده فوق سور الشرفة
_لأ أنا شايفة راجل جلبه كبير، وبيوجعه الظلم اللي حوصل لواحدة من عيلته.
شايفة واحد بيحاول يلاجي نفسه من جديد وسط كل ده.
والراجل ده... أنا فخورة إني مراته.
كلماتها الأخيرة لامست وتراً حساساً في قلبه.
فخورة؟
لم يشعر بالفخر بنفسه منذ وقت طويل.
_إزاي بتجدري تشوفيني كل ده؟ أنا نفسي مبجتش شايفه.
سحبت يدها بخجل، لكنها أبقت عينيها في عينيه
_عشان أنا مش ببص على الكسر اللي فيك، أنا ببص على النور اللي بيحاول يطلع منه.
في تلك اللحظة، تلاشى كل شيء حولهما.
لم يعد هناك قمر أو ليل أو حديقة.
لم يكن هناك سوى عينيها الصادقتين، وكلماتها التي كانت كالبلسم على جرحه.
دون تفكير، مد يده ورفع ذقنها بأطراف أصابعه، مقرباً وجهه من وجهها.
بهمس لم يكن متأكداً إن كان قد نطق به أم فكر فيه فقط
_أنتِ جميلة جوي يا وعد... جميلة بشكل يوجع الجلب.
لم تكن مجاملة عابرة، بل كانت حقيقة اكتشفها للتو.
جمالها لم يكن فقط في ملامحها الرقيقة، بل في روحها التي تشع دفئاً وأماناً.
تجمدت وعد للحظة، وقلبها بدأ يخفق بعنف.
رأت في عينيه شيئاً مختلفاً، شيئاً لم تره من قبل.
لم تكن نظرة الشفقة أو نظرة ابن العم، بل كانت نظرة رجل... يرى امرأة.
انحنى سند ببطء، وألغى المسافة الأخيرة بينهما في قبلة رقيقة وحذرة لم تكن قبلة عاصفة أو شغوفة، بل كانت أشبه بسؤال صامت، يعترف فيها بضعفه، ويطلب منها الإذن ليدخل عالمها.
استجابت له وعد بنعومة، ورفعت يدها لتستقر على صدره، وكأنها تقول له "أهلاً بك".
عندما ابتعدا، بقيت جباههما متلامسة، وأنفاسهما تختلط في هواء الليل البارد.
سند بصوت متحشرج من فرط المشاعر
_أنا آسف... آسف على كل يوم فات مكنتش شايفك فيه.
ردت وعد بابتسامة دامعة
_المهم إنك شوفتني دلوجت.
أمسك يدها وقبّلها برقة، ثم شبك أصابعه بأصابعها.
لأول مرة منذ زواجهما، لم يشعر أنها مجرد
وعد بنت عمه التي تزوجها لإنقاذ الموقف بل شعر أنها
وعد... زوجته
السند الذي لم يكن يعلم أنه يحتاجه، والضوء الذي بدأ يبدد عتمة روحه.
لم يترك سند يدها ظل ممسكاً بها وكأنه يخشى إن أفلتها أن يضيع منه هذا الشعور الوليد، هذا الدفء الذي بدأ يتسرب إلى روحه المتجمدة.
جذبها برفق من يدها، لتدخل خلفه من الشرفة إلى الغرفة التي كانت تجمعهما جسداً وتفصل بينهما روحاً.
أغلق الباب الزجاجي للشرفة، فانعزل كل شيء، ولم يبقَ سوى صمت الغرفة الذي أصبح الآن مشحوناً بمشاعر مختلفة.
لم يعد صمتاً محرجاً أو متوتراً، بل أصبح مساحة هادئة تترقب ما سيحدث.
وقف أمامها في الضوء الخافت القادم من القمر، والذي تسلل عبر زجاج الشرفة.
كانت عيناه لا تزالان مثبتتين عليها، تكتشفان تفاصيل وجهها وكأنه يراها للمرة الأولى.
رأى رجفة خفيفة في شفتيها، ولمعة حائرة في عينيها تجمع بين الخجل والأمل.
همس بصوت خفيض وعميق
_أنا ظلمتك يا وعد... ظلمتك لما خليتك تشاركيني غرفة واحدة وقلبي كان في مكان تاني.
هزت رأسها نافية، وصوتها بالكاد يُسمع
_أنت كنت موجوع... والموجوع مش بيتحاسب.
هذه القدرة لديها على الغفران حتى قبل أن يطلب السماح، هزته من الأعماق.
كيف يمكن لإنسان أن يكون بهذا النقاء؟
تقدم منها خطوة أخرى، ورفع يده الحرة ليمسح دمعة هاربة تجمعت في طرف عينيها.
تحركت أنامله برقة على خدها، وشعر بنعومة بشرتها تحته كانت لمسة مختلفة عن أي لمسة سابقة، لمسة مليئة بالاعتذار، والتقدير، وبداية شيء أعمق.
_من النهاردة... مفيش مكان تاني المكان الوحيد اللي عايز قلبي يكون فيه، هو المكان اللي أنتِ فيه.
لم تكن مجرد كلمات، بل كانت عهداً يقطعه على نفسه أمامها.
رأى في عينيها تصديقاً ممزوجاً بدهشة سعيدة، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة طوال عمرها.
لم يعد قادراً على المقاومة.
جذبها إليه برفق من خصرها حتى التصق جسدها به شعر بارتعاشة جسدها بين ذراعيه، ووضع ذقنه على رأسها، مستنشقاً رائحة شعرها الجميلة التي تشبه رائحة الياسمين بعد المطر أحاطت وعد خصره بذراعيها بتردد، ثم تشبثت به بقوة، وكأنها وجدت مرساها أخيراً.
بقيا على هذا النحو لدقائق بدت كدهر، لا يتكلمان، فقط يستمعان إلى دقات قلبيهما التي بدأت تتناغم في إيقاع واحد.
كان عناقاً يشفي، يمحو أياماً من الوحدة والألم.
بالنسبة له، كان اعترافاً بأنه وجد وطنه.
وبالنسبة لها، كان وصولاً بعد رحلة طويلة من الصبر والحب الصامت.
ابتعد عنها قليلاً، فقط ليتأمل وجهها مرة أخرى في ضوء القمر مرر إبهامه على شفتها السفلى برقة، ثم انحنى وقبلها مرة أخرى
هذه المرة، لم تكن القبلة حذرة أو مترددة
كانت قبلة عميقة، بطيئة، تحمل كل مشاعر الامتنان والشوق والوعد الذي نطق به قبل قليل.
كانت قبلة زوج لزوجته، تعلن بداية فصل جديد حقيقي في حياتهما.
حملها سند بين ذراعيه بسهولة، فشهقت وعد بخفة وتشبثت بعنقه، ودفنت وجهها في صدره بخجل لذيذ.
اتجه بها نحو السرير الذي طالما تقاسماه، ووضعها عليه برفق لا متناهٍ.
جلس بجانبها، وأزاح خصلة شعر تمردت على وجهها.
وقال بهمس حنون
_اسمحيلى أبدأ معاكي من جديد... بداية صوح.
لم تجب بالكلمات، بل اكتفت بأن هزت رأسها موافقة، وعيناها الدامعتان تبتسمان.
في تلك الليلة، لم ينم سند ووعد كشخصين يجمعهما سقف واحد، بل ناما كروحين وجدتا نصفهما الآخر في قلب العاصفة.
ولأول مرة، لم يكن السرير بارداً أو واسعاً، بل أصبح أدفأ مكان في العالم.
❈-❈-❈
في غرفة روح وعدي
كانت الأيام تمر ثقيلة، متشابهة.
كل صباح، تستيقظ روح لتجد الأريكة فارغة، مما يعني أن عدي قد غادر الغرفة قبل أن تشرق الشمس.
وكل ليلة، كانت تتظاهر بالنوم عندما يدخل الغرفة في وقت متأخر، فتسمع خطواته الصامتة وهو يتجه مباشرة إلى منفاه الصغير على الأريكة
لم تكن هناك كلمات، لم تكن هناك حتى نظرات فقط جدار جليدي يفصل بينهما، يزداد سمكاً مع كل ساعة تمر.
في ذلك المساء، قررت روح أن تكسر هذا الصمت الخانق.
لم تعد تحتمل العيش كشبح في غرفتها الخاصة.
عندما دخل عدي الغرفة، كانت جالسة على كرسي قرب النافذة، تقرأ كتاباً تحت ضوء مصباح خافت.
لم ترفع عينيها فوراً، بل منحته فرصة ليعترف بوجودها.
كالعادة، تجاهلها تماماً وضع مفاتيحه وهاتفه على طاولة صغيرة، وبدأ في خلع حذائه، مستعداً لطقسه اليومي في الانسحاب إلى الأريكة.
روح بصوت هادئ،
_اتعشيت؟
توقف عدي للحظة، متفاجئاً من أنها تحدثه.
لقد اعتاد على صمتها الذي ظنه استسلاماً.
رد بفتور
_ايوة.
أغلقت روح الكتاب ووضعته جانباً.
هنا، لم تستطع روح التحمل أكثر. شعرت بقلبها ينفطر.
وبصوت مختنق بالدموع التي حاولت حبسها تحدثت
_لحد ميتى يا عدي هنفضل إكدة؟
تقدمت خطوة منه وسألته بألم
_عدي انت شايف إني استاهل منك كل التجاهل ده؟
لم يجيبها وقد شعر بوخز ضميره لكن هو أقسم الا تدخل امرأة حياته سوى نغم.
وعندما لاحظت وجومه لم تستطيع البقاء
استدارت لتغادر الغرفة، لم تعد قادرة على البقاء فيها ثانية واحدة.
لكن يده أمسكت بذراعها فجأة.
كانت قبضته قوية، لكنها لم تكن عنيفة.
_استني.
التفتت إليه، وعيناها الحمراوان تتحديان دموعهما.
نظر إليها طويلاً، ولأول مرة منذ زواجهما، رأى الألم الحقيقي في عينيها.
لم يرى فيها الزوجة المفروضة عليه، بل رأى روح، الفتاة التي كبرت أمامه، والتي كان حبها له صادقاً وواضحاً كالشمس.
شعر بوخزة حادة من الذنب.
أرخى قبضته، وصوته أصبح هادئاً
_أنا... أنا آسف مكنش قصدي أجرحك.
كانت أول مرة يعتذر أول مرة يعترف بوجود مشاعرها.
سحبت ذراعها بهدوء
_الكلام سهل يا عدي بس الأفعال هي اللي بتثبت.
تركته وخرجت إلى الشرفة، لتتنفس هواءً نقياً بعيداً عن جو الغرفة الخانق بقي هو واقفاً في منتصف الغرفة، يشعر بفراغ أكبر من المعتاد.
لقد بنى جداراً من الجليد حوله ليحمي نفسه من ألم خسارة نغم، لكنه اكتشف الليلة أن هذا الجدار لا يحبسه هو فقط، بل يقتل ببطء الإنسانة الوحيدة التي أحبته بصدق
❈-❈-❈
دخل جاسر إلى الغرفة التي كانت في الأصل غرفته، والتي أصبحت الآن سجن نغم الخاص كان الجناح هادئاً، وهو قد اعتاد على هذا الصمت منذ أن ترك لها هذه الغرفة وانتقل هو إلى غرفة النوم المجاورة.
لكنه لم يجدها، السرير كان فارغاً ومرتباً، والأريكة خالية.
للحظة، عقد حاجبيه في تساؤل، قبل أن يسمع صوت خرير الماء الخافت القادم من الحمام.
أدرك أنها بداخله
استدار ليغادر بهدوء كما دخل، فاحترامه لخصوصيتها لم يكن نابعاً من لطف، بل من كونه هو من يضع القواعد ويقرر متى يكسرها.
لكن قبل أن يصل إلى الباب، لمح شيئاً تحت وسادتها، لم يكن مجرد بروز عادي، بل كان حافة لجهاز إلكتروني.
توقف وداخله شعور بالفضول البارد.
عاد بخطواته الصامتة نحو السرير، ومد يده وسحب ذلك الشيء.
كان هاتفها هاتفها القديم الذي أعاده إليه من السائق
والذي أتى معها من منزل أهلها.
أمسكه بين أصابعه، وشعر ببرودة الجهاز.
حاول تشغيله لكن الشاشة ظلت سوداء لقد كان مغلقاً تماماً.
في تلك اللحظة، ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة وساخرة، لقد فهم كل شيء، فهم الآن لماذا رفضت بأدب أخذ الهاتف الذي أرسله مع فرح.
لم تكن ترفض وسيلة اتصال، بل كانت ترفض وسيلته هو
كانت تظن أنها بإغلاق هاتفها القديم ورفض هاتفه الجديد، تقطع كل الجسور وتعلن استقلالها داخل سجنه. يا لها من سذاجة.
سمع صوت باب الحمام وهو يُفتح، فلم يتحرك بقي واقفاً بجانب السرير، والهاتف في يده، ينتظرها.
خرجت نغم وهي تجفف شعرها بمنشفة، مرتدية ملابس منزلية بسيطة من ملابس والدته.
تجمدت في مكانها عندما رأته، لم تكن تتوقع وجوده ثم سقطت عيناها على الهاتف الذي في يده، وشعرت بقلبها يهبط لقد كُشف سرها الصغير.
لكنها لم تظهر أي خوف رفعت رأسها، ونظرت إليه مباشرة، وسألته بالبرود الذي اعتادت أن تواجهه به.
_عايز حاچة؟
لم يعلق جاسر على الهاتف، بل أعاده ببطء إلى مكانه تحت الوسادة، وكأنه شيء تافه لا يستحق الذكر.
تجاهله تماماً كان أبلغ من أي اتهام.
_اجهزي كمان ساعة هنخرج.
نظرت إليه باستغراب.
_نخرج؟ نروح فين؟
اتجه نحو الباب، وقال بنبرته الآمرة المعتادة دون أن يلتفت.
_هشتريلك هدوم كفاية لبس من هدوم أمي.
كانت في كلماته إهانة مبطنة، تذكير لها بأن كل ما تملكه هنا، حتى الملابس التي تسترها، هي منّة وعطية من عائلته.
أدركت أن هذا الخروج ليس نزهة، بل هو فصل جديد من فصول فرض سيطرته، حيث سيختار لها حتى ما ترتديه.
لم تعد تملك طاقة للجدال أو الرفض. كل ما شعرت به هو إرهاق عميق.
_حاضر.
أومأت برأسها في استسلام، وهو ما كان يتوقعه تماماً خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه، تاركاً إياها مع شعور بالعجز، ومعرفة أن كل محاولة صغيرة للاستقلال، هو يراها، ويعرفها، وسيسحقها في الوقت الذي يراه مناسباً.
كانت شروق تقف في شرفة غرفتها بالطابق العلوي، تراقب سيارة جاسر الفاخرة وهي تتوقف أمام مدخل القصر فتحت عينيها بصدمة وغضب عندما رأت جاسر يخرج من باب السرايا ومعه نغم كانت نغم ترتدي عباءة سوداء بسيطة وحجابًا، لكن في نظر شروق كانت تبدو كملكة تخرج بصحبة زوجها فتح لها جاسر باب السيارة، ثم استقل هو مقعد القيادة وانطلق، تاركًا وراءه سحابة من الغبار وقلبًا يشتعل بنار الغيرة.
لم تنتظر شروق لحظة ركضت خارج غرفتها كالإعصار، واقتحمت جناح والدتها دون استئذان كانت أمها تجلس أمام مرآتها، تضع بعض الكريمات على وجهها.
صرخت شروق بصوتٍ عالٍ ومرتجف من الغضب.
_شفتي؟! شفتي البيه المحترم عمل إيه؟!
نظرت إليها أمها ببرود، معتادة على نوبات غضب ابنتها.
_صوتك يا بنت، هيحصل إيه يعني لو حد سمعك دلوجت؟
اقتربت شروق من والدتها، ووجهها محتقن بالدموع والغضب
_يسمعوا! خليهم يسمعوا ويعرفوا الكدب اللي عايشين فيه
مش أنتي اللي قولتلي اصبري؟ مش أنتي اللي قولتلي جوازته منها دي مجرد انتقام وهيرميها بعد ما يكسرها؟ مش ده كلام أبويا وكلامك؟
ردت الأم بثقة زائفة.
"وده اللي هيحصل جاسر مش هيبص في وش واحدة زي دي.
ضحكت شروق ضحكة هستيرية ساخرة.
مش هيبص في وشها؟! أومال اللي شوفته ده كان إيه؟ خيال؟ أخَدها وخرّجها فتحلها باب العربية بإيده زي ما يكون سواق عند الهانم دي حاجة معملهاش معايا أنا
أنا خطيبته بنت عمه اللي على اسمه
وقفت الأم واقتربت من ابنتها، محاولة تهدئتها.
_اهدي بس وفهميني يمكن رايح بيها عند دكتور؟ يمكن...
قاطعتها شروق بحدة.
_دكتور إيه وزفت إيه شفت شكله وشفت شكلها! لابسة ومتشيكة ورايحة معاه دي مبقتش جوازة انتقام، دي بقت جوازة بجد! الست هانم شكلها عرفت إزاي تلعبها صح، لفت على جاسر وعلى أمه، وبكرة تلف على البيت كله وتطردنا منه!
جلست على حافة السرير، وبدأت تبكي بقهر حقيقي.
_وعدني يا ماما... أبويا وعدني إني هكون ست البيت ده. وعدني إنها هتكون مجرد خدامة تحت رجلي. ودلوقتي؟ دلوقتي هي الهانم اللي بتتفسح معاه، وأنا اللي قاعدة هنا زي الهبلة، بتفرج عليها وهي بتاخد مكاني وحياتي وجوزي
جلست والدتها بجانبها، وظهر الحقد الصريح في عينيها.
_أنا قولت من الأول البنت دي وشها وش فقر من يوم ما دخلت البيت ده والمشاكل مبتخلصش ... لا والست حنان ... بدل ما تقف في صفنا، واقفة في صفها هي، بتحميها وتداري عليها.
قالت شروق من بين دموعها.
عشان لقت اللي تعمل اللي هي مقدرتش تعمله لقت اللي تقف في وشك وفي وش أبويا! الاتنين اتحدوا علينا!
مسحت أمها على ظهرها، لكن لم يكن في لمستها حنان، بل كان فيها تحريض.
_والحل؟ هتفضلي تعيطي كده وتسيبيلها كل حاجة؟
رفعت شروق رأسها، ومسحت دموعها بعنف تغيرت نظرتها من القهر إلى تصميم جليدي ومخيف.
قالت بصوتٍ بارد وحازم.
_لا مش هسكت ومش هعيط تاني.
وقفت ونظرت إلى والدتها مباشرة، وعيناها تلمعان ببريق شرير.
_أنا كنت مستنية جاسر يكسرها ويرميها بس الظاهر إنها أفعى وبتعرف تلوّن والنوع ده... ملوش غير حل واحد.
سألت الأم بترقب.
_حل ايه؟
قالت شروق ببطء، تتلذذ بكل كلمة
_لازم تختفي، لازم أخلص منها طالما هي عايشة وبتتنفس في البيت ده، يبقى مفيش مكان ليا يا أنا... يا هي.
نظرت الأم إلى ابنتها، ورأت في عينيها قرارًا لا رجعة فيه لم تحاول أن تمنعها، بل ارتسمت على شفتيها شبه ابتسامة راضية لقد أشعلت النار، والآن ستستمتع بمشاهدة الحريق وهو يلتهم كل شيء.
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية