-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 17 - جـ 2 - الثلاثاء 2/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل السابع عشر 

الحزء الثاني

تم النشر الثلاثاء 

2/9/2025


جلس أمامه على ركبتيه، وأمسك بيد جده المجعدة والباردة.

_يا جدي، عشان خاطري عشان الخوف ده اللي في قلبي وقلبك تعالى معايا القاهرة والله لأشيلك في عنيا هتبقى وسطينا، ومش هتبقى لوحدك لحظة واحدة لا بالليل ولا بالنهار.


هز الجد رأسه ببطء وعناد، وابتسامة حزينة ارتسمت على شفتيه.

_مجدرش يا أكمل مجدرش أسيب أرضي لو طلعت من ٱهنه، يبقى طلعت روحي معايا هنا ريحة أبوك وهو صغير، وهنا ذكرياتي مع جدتك، وهنا قبري اللي جنب قبرها ده مكاني يا ولدي.


نظر في عيني حفيده بحب عميق. _متجلجش عليا، ربنا كريم وهو اللي بيحدد الميعاد والمكان.


أدرك أكمل أنه يخوض معركة خاسرة عناد جده وحبه لهذه الأرض أقوى من أي خوف لم يكن أمامه سوى الاستسلام للواقع المرير.


نهض وانحنى وقبّل يدي جده وجبينه _هتوحشني يا جدي.


_وأنت كمان يا قلب جدك خلي بالك من نفسك، ومتنساش تتصل تطمني عليك كل يوم.


_أوعدك.

قال أكمل وصوته متحشرج. 

_وأوعدك أول ما آخد إجازة طويلة، هجيلك على طول وهقعد معاك أسبوع بحاله.

_مستنيك يا ولدي.


حمل أكمل حقيبته الصغيرة، وسار نحو الباب بخطوات ثقيلة عند الباب، التفت وألقى نظرة أخيرة على جده، الجالس في كرسيه، يبدو صغيرًا وهشًا في ضوء الصباح

لوّح له بيده، وخرج وأغلق الباب خلفه، تاركًا قطعة من قلبه في ذلك المنزل الصغير.


ركب سيارة الاجرة التي اتى بها حسان الذي لم يرتاح له مطلقاً،

يعرف انه يهتم بجده لكنه أيضاً يشعر بأن وراه سر، 

القى نظرة اخيرة على المنزل وانطلق على الطريق الطويل العائد إلى المطار، وكلمات جده الأخيرة ترن في أذنيه: "بخاف أموت لوحدي". 

شعر بقلق عميق ينهش روحه، ودعا من كل قلبه أن يطيل الله في عمر جده حتى يتمكن من الوفاء بوعده والعودة إليه مرة أخرى.


❈-❈-❈


خرج عدي من غرفة مالك، وأغلق الباب خلفه بهدوء حاسم لكن هذا الهدوء كان مجرد قشرة خارجية تخفي بركانًا من الغضب والعجز والارتباك. 

ترك وراءه صمتًا مدويًا، وكلمات اعتراف قاسية ألقاها في وجه أخيه، كلمات كانت بمثابة إعلان حرب على ضعفه الشخصي.


لم يعد إلى جناحه لم يستطع مجرد التفكير في مواجهة روح الآلم كان كافيًا لشل حركته. 

كيف سيواجه عينيها؟ تلك النظرات الفارغة التي أصبحت مرآة للخراب الذي أحدثه كيف سيواجه صمتها الذي كان أعلى من أي صراخ؟


بدلًا من ذلك، نزل الدرج بخطوات سريعة وعصبية، وتوجه إلى حديقة المنزل الخلفية بعيدًا عن الأضواء والعيون جلس على مقعد حجري منعزل تحت شجرة زيتون قديمة، أغصانها الملتوية تشبه روحه المعقدة كان الهواء باردًا، لكنه لم يشعر به كل حواسه كانت مركزة على العاصفة التي تدور في رأسه.


أخرج هاتفه، وشاشة الهاتف المضيئة كانت النور الوحيد في ظلامه بدأ يبحث في جهات الاتصال، وعقله يعمل بسرعة محمومة، يقفز من فكرة إلى أخرى، من خطة إلى خطة، كل واحدة أكثر تهورًا من سابقتها.


"لازم أكلم أكمل... هو وكيل نيابة، أكيد يعرف ثغرة في القانون... ثغرة تخلّي العقد ده باطل أي حاجة... تزوير، إكراه... لازم يكون فيه مخرج."


مرر إصبعه بسرعة على الأسماء، ثم توقف.


"لا... القانون بطيء، والوقت بيجري. يمكن حد من رجالتنا اللي في البلد التانية... اللي ليهم شغل مع التهامية لازم أعرف أي معلومة عن البيت اللي هي فيه مين بيحرسه، مين بيدخل، مين بيخرج لازم أعرف نقطة ضعفهم."


كان غارقًا تمامًا في مهمته لإنقاذ نغم لقد تحولت نغم في عقله من مجرد ابنة عمه التي يجب حمايتها، إلى قضية شخصية، إلى مهمة مقدسة كانت هي مهربه المثالي مهربه من مواجهة الخراب الذي أحدثه في حياته وحياه روح.


كل دقيقة يقضيها في التخطيط لإنقاذ نغم كانت دقيقة لا يضطر فيها للتفكير في الجرح الذي حفره في ذراع روح، أو الجرح الأعمق الذي غرسه في قلبها. 

كل مكالمة يجريها كانت تصرخ في وجه نفسه:

"أنا لست فاشلاً! أنا رجل أفعال! أنا أحمي عائلتي!". 

كان يحاول أن يثبت رجولته في ساحة معركة بعيدة، لأنه فشل في إثباتها في ساحة المعركة الأقرب والأهم: بيته.


كان تفكيره خاطئًا ومتهورًا. 

لم يفكر في العواقب لم يفكر في أن أي حركة غبية قد تضع نغم في خطر أكبر، أو تشعل حربًا حقيقية بين العائلتين. 

كان مدفوعًا بالأنا المجروحة والغيرة المكبوتة والرغبة في الظهور كبطل، البطل الذي لم يستطع أن يكونه في عيون زوجته.


نظر إلى شاشة هاتفه مرة أخرى، وضغط على رقم أحد رجاله الموثوقين في البلدة المجاورة والذي يقوم بمساعدته.


"اسمعني زين..." بدأ يتحدث بنبرة آمرة، يلقي بالتعليمات، ويرسم الخطط كان يشعر بالقوة، بالسيطرة

لكنها كانت قوة زائفة، وسيطرة وهمية كان كمن يحاول إطفاء حريق ضخم في بيت جاره، بينما بيته هو يحترق من الداخل، وهو من أشعل فيه النار بيديه.


❈-❈-❈


في الطابق العلوي، وقف مالك في غرفته مصدوماً، كمن تلقى لكمة قوية أطاحت به أرضاً، اعتراف عدي الصريح والبارد كان كالصخرة التي أُلقيت في مياه هادئة، أحدثت تموجات عنيفة من الغضب والأسف والارتباك. 

لم يستطع أن يصدق أن عدي، أخاه الهادئ الحنون، يمكن أن يتحول إلى هذه النسخة القاسية التي تتحدث عن تعذيب زوجته وكأنه أمر عادي.


كل ما فكر فيه هو "روح". 

كيف قضت ليلتها؟ كيف تحملت تلك القسوة؟ وكيف ستعيش أيامها القادمة مع رجل يعترف ببرود أنه "عذبها"؟


لم يستطع الجلوس مكتوف الأيدي. 

دفعه شعور قوي بالمسؤولية والحماية، غريزة قديمة لحماية المرأة التي أحبها بصمت، نهض، ومشى خطوتين نحو الباب، ثم توقف.

 إلى أين سيذهب؟ وماذا سيفعل؟ هل سيواجه أخاه؟ هل سيحاول التحدث مع روح؟


مرة أخرى، جلس على حافة سريره عاجزاً، يضرب بقبضته على فخذه في إحباط صامت. 

لقد أدرك الحقيقة المرة، الجرح أعمق مما تصور، روح لم تعد مجرد ضحية تنتظر الإنقاذ. 

لقد أصبحت باعتراف عدي نفسه، حارسة لسجنها. 

هي التي تدافع عن هذه العلاقة السامة أمام الجميع.


لم يعد يعرف من يجب أن يحمي، ومن يجب أن يلوم. 

هل يلوم أخاه على قسوته، أم يلوم روح على صمتها الذي يحميه؟ كل ما عرفه هو أن هذه العائلة تتهاوى، وأن الأسرار التي تختبئ خلف الأبواب المغلقة أشد فتكًا من أي عداوة معلنة.


في غرفة عدي وروح


في نفس اللحظة، دخلت روح إلى غرفتها وحيدة. 

ما إن أغلقت الباب خلفها، حتى سقط قناع السرور الهادئ الذي كانت ترتديه طوال اليوم. 

استندت بظهرها على الباب الخشبي، كأنها تبحث عن أي شيء صلب يمنعها من الانهيار. 

ثم انزلقت ببطء على الأرض، وضمت ركبتيها إلى صدرها، وانفجرت في بكاء صامت ومكتوم، بكاء يهز جسدها دون صوت. 

كانت تبكي على كرامتها التي تدافع عنها بأسنانها، وعلى الكذبة الكبيرة التي أُجبرت على حمايتها للحفاظ على ما تبقى من سلام هش.


وسط دموعها، لم تستطع منع عقلها من المقارنة.


تذكرت نظرات "سند" لـ "وعد" خلال الفرح. 

كانت نظراته تحمل ثقلاً حزناً، ومسؤولية. 

كان ينظر إليها كشريكة في حمله، كرفيقة في معركة فرضت عليهما. 

كان هناك احترام في عينيه، اعتراف ضمني بالألم المشترك. 

كان زواجهما مبنياً على أنقاض، لكنهما كانا يقفان معاً وسط هذه الأنقاض، يعترفان بوجودها.


ثم تذكرت نظرات "عدي" إليها. 

كانت نظراته مختلفة تماماً، لم تكن تحمل حزناً، بل كانت تحمل ضيق. 

لم يكن يراها شريكة بل يراها ابتلاء،  

كانت نظراته حادة، تخترقها، تذكرها في كل لحظة أنه ليس لها، وأن ما يحدث بينهما في الغرفة المغلقة هو سرهما وحدهما، حربهما الخاصة التي لا يجب أن يراها أحد.


سند ووعد كانا ضحيتين للظروف، يحاولان بناء شيء من لا شيء.

أما هي وعدي، فكانا في مسرحية متقنة. 

هو المخرج القاسي، وهي الممثلة المطيعة التي تؤدي دور الزوجة السعيدة أمام الجمهور، بينما في الكواليس، تعيش تحت رحمته وتقلباته.


مسحت دموعها بقوة. 

أدركت في تلك اللحظة أن وضعها أسوأ بكثير من وضع وعد. 

فوعد تعرف الظروف والماضي. 

أما هي فلا.

نهضت عن الأرض، ونظرت إلى انعكاسها في المرآة. 

رأت امرأة لا تعرفها، امرأة ذات عينين متعبتين، وابتسامة زائفة جاهزة للاستخدام. 

وتساءلت في رعب صامت: إلى متى ستستطيع الاستمرار في هذه التمثيلية قبل أن تنهار وتكشف كل شيء؟ أم أنها ستفقد نفسها تماماً وتتحول إلى مجرد ظل، مجرد صدى لما كانت عليه يوماً ما؟


❈-❈-❈


جناح سند ووعد..


عندما أُغلق باب جناحهما، ساد صمتٌ كثيف لكنه لم يكن صمتًا عدائيًا، بل كان صمتًا مليئًا بالترقب والحذر

وقفت وعد في منتصف الغرفة، وثوبها الأبيض الهادئ يبدو كشبح من الماضي، وقلبها يخفق بترقب وخوف.


سند بوقاره المعتاد، واجهها مباشرة، مدركًا ثقل اللحظة ومسؤوليته تجاهها.


_وعد..

بدأ بصوت هادئ وعميق، 

_أنا عارف إن دي مش الطريجة اللي كنا بنحلم بيها. 

وعارف إن جلوبنا فيها وجع وحزن على اللي حصل بس إحنا دلوجتي جدام الأمر الواقع.

تقدم نحوها خطوة، وعيناه تحملان صدقًا ومسؤولية. 

_إحنا دلوجت بجينا متزوچين. ومجدرش أبدأ حياتي معاكي على كدبة

الماضي مش هيتمحي، بس نجدر نختار إنه ميكسرش مستجبلنا

نجدر نبني حاچة حجيجية من وسط كل الخراب ده.


كانت كلماته عملية، لكنها كانت أيضًا محترمة لم يعدها بالحب الذي لا يملكه، لكنه وعدها بالاحترام والبداية الصادقة.


نظرت إليه وعد، ورأت في عينيه الرجل الذي طالما حلمت به، رجل شريف يحاول فعل الصواب حتى في أصعب الظروف أدركت أن هذه هي فرصتها إما أن تظل أسيرة دور "البديلة"، أو أن تكون شريكته في بناء هذا الجسر.

قالت بصوت خافت لكنه ثابت.

_وأنا كمان رايدة أبدأ بداية حقيقية 


ابتسم سند ابتسامة خفيفة، كانت الأولى الحقيقية في ذلك النهار

كانت ابتسامة تحمل ارتياحًا وامتنانًا.


كان هناك سؤال يؤلمها، سؤال يجب أن تسأله لتستطيع أن تتنفس، لتستطيع أن تكون زوجته بالكامل.


همست باسمه بصوت خفيض، كأنها تخشى إيقاظ وحش نائم.

_سند...


نظر إليها بحنو، بعينين تحملان دفئًا جديدًا لم تعهده من قبل

كان ينتظر حديثها بصبر، مستعدًا لسماع أي شيء ورغم ترددها، رغم خوفها من ردة فعله، إلا أنها قالتها أخيرًا، الكلمة التي كانت معلقة في حلقها.

_نغم...


في لحظة، تحولت نظراته الهادئة إلى قناع جليدي، نظرة مبهمة احتارت في تفسيرها. 

رأت فيها غضبًا مكبوتًا وألمًا عميقًا، وحسمًا قاطعًا

تجمدت في مكانها وندمت على أنها تحدثت لكن سند، رغم الغضب الذي شعر به عند سماع اسمها، رأى الخوف في عينيها، وفهم أنها لا تسأل لتلومه، بل لتطمئن. 

فتحدث بروية بصوت هادئ لكنه كان يحمل قوة الفولاذ.

_نغم اختارت جحيمها بإيديها وكسرتنا كلنا قدام التهامية ومن يومها، وهي بجت خارج حياتي.


همت بالمعارضة، أرادت أن تدافع عن عنها، أن تقول له إنها أُجبرت لكنه منعها بحركة رقيقة وحاسمة وضع أنامله على شفتيها، وأسكتها.


_ششششش مش عايز كلام تاني في الموضوع ده، لأنه اتجفل معاي.


جذبها إليه برفق، يقربها منه حتى أصبحت أنفاسهما تختلط. 

تطلع بعمق في عينيها، وقال بصدق هز كيانها.


_من وجت ما وافجت على چوازي منك، شيلت كل الحسابات من دماغي أني مش خاين عشان أكون متجوز واحدة وأفكر في غيرها، حتى لو كانت من دمي، نغم بنت عمي، ولو احتاجتني في يوم، هكون ضهر تتسند عليه غير كدة لا

أنتِ مرتي يا وعد، وأنتِ وبس اللي ليكي كل اهتمامي وحياتي.


أراحها حديثه لم يمحُ قلقها على أختها، لكنه طمأنها بأن نغم لم تعد وحدها بالكامل، وأن سند رغم غضبه لن يتخلى عن واجبه كابن عم لها 

والأهم من ذلك، أنه أكد لها مكانتها في قلبه، مكانة لم تكن تحلم بها.


قرّبها سند إليه أكثر، حتى التصق جسدها به مال عليها، وقبلها قبلة كانت مختلفة تمامًا عن أي شيء مضى لم تكن قبلة واجب، بل كانت قبلة تحمل في طياتها بداية جديدة، اعترافًا صامتًا بوجودها، ورغبة حقيقية في اكتشافها.


توجه بها إلى الفراش كانت هذه المرة عكس الليلة الماضية تمامًا في المرة السابقة، كان هناك حاجز غير مرئي بينهما، كان كل منهما يؤدي دورًا

أما الآن، فقد انهار الحاجز كانت لمساته حقيقية، تحمل شغفًا وحنانًا كان ينظر إليها كأنه يراها للمرة الأولى، يكتشف تفاصيل وجهها، نعومة بشرتها، لمعان عينيها.


لم تكن تقضية واجب، بل كانت استكشافًا، كان كل منهما يستكشف الآخر، ويبحث عن ملاذ في حضنه من عواصف الخارج كان هناك شيء جديد يولد بينهما في تلك اللحظة، شيء لا هو ولا هي يعرفان كنهه بعد، لكنهما شعرا به شعرا بأن هذه الليلة ليست مجرد ليلة في زواج مرتب، بل هي الفصل الأول في قصة لم تُكتب بعد، قصة قد تحمل في طياتها حبًا لم يكن في الحسبان.

كانت ليلة زفافهما الثانية، لكنها كانت الأولى حقًا 

في الليلة الماضية، كان كل شيء ضبابيًا، مجرد طقوس باهتة يؤديانها كواجب اجتماعي، وقلوبهما كانت في مكان آخر. 

أما الآن فكانت الغرفة هادئة والأضواء خافتة، ولم يكن هناك سوى هما الاثنان وعبء الأسئلة التي لم تُطرح بعد.


كانت تشعر بأنها تغرق في نعومة الحرير، لكن قلبها كان مثقلًا بحجر كانت سعيدة بقربها من سند، سعيدة بشكل لم تجرؤ على الاعتراف به حتى لنفسها لكن سعادتها كانت منقوصة، يطاردها شبح تلك التي تركت خلفها فراغًا مؤلمًا. 


❈-❈-❈


في المساء جلس سالم في شرفة غرفتهما، يحدق في الظلام بشرود وكوب الشاي في يده قد برد تمامًا كان جسده هنا، لكن عقله وروحه كانا في مكان آخر، في تلك السرايا التي تسجن ابنته، يتخيل كل تفصيل مؤلم تخبره به "فرح" في تقاريرها اليومية التي أصبحت كجرعات السم.


خرجت ورد من الغرفة، وقد ارتدت رداءً خفيفًا فوق ملابس نومها

رأته جالسًا وحيدًا، وشعرت بقلبها ينقبض لأجله اقتربت منه بهدوء، ووضعت يدها على كتفه لم يلتفت، لكنه ربت على يدها برفق.

جلست على الكرسي المجاور له، وقالت بصوت حنان.

_لسه صاحي يا سالم؟ مش هتنام؟ انت منمتش طول الليل.


تنهد سالم تنهيدة عميقة، خرجت من أعماق روحه المعذبة.

_النوم مجافيني يا ورد كيف أنام وبتي هناك معرفش حالها إيه؟


_ربنا معاها يا حبيبي ربنا كبير ومش هيسيبها.


صمت ساد المكان للحظات، لم يقطعه سوى صوت اصوات الليل. 

كانت ورد تراقبه ترى خطوط القهر والتعب محفورة على وجهه لكن كان هناك قلق آخر يؤرقها، قلق جديد بدأ ينمو في قلبها.

_سالم...

تطلع إليها 

_خير يا ورد؟


ترددت قليلًا، ثم قالت بصوت خفيض.

_أني حاسة إن في حاجة مش طبيعية بين روح وعدي.


التفت إليها سالم أخيرًا، وقطب حاجبيه.

_مش طبيعية كيف يعني؟


_مخبراش. 

بس... حاسة إنهم بعاد عن بعض عدي الصبح خرج من البيت، عارف يعني ايه عريس يطلع يوم صبحيته، ولما رجع كان مكشر ومبيكلمش حد. 

وروح... روح دبلانة يا سالم الفرحة مطفية في عينيها النهاردة شوفتها قاعدة على الفطار مكسورة، سرحانة وباين عليها الهم

وعدي كان جاعد جانبها ده مش حال عرسان لسه في أول أيامهم.


كان سالم يستمع إليها، وكل كلمة كانت تضيف حملًا جديدًا فوق الحمل الذي ينوء به. 

هو نفسه كان مذبوحًا من الداخل بسبب الأخبار التي تصله عن نغم، عن رفضها للطعام، عن بكائها الصامت عن انكسارها الذي ينقله له جاسر عمدًا. 

لم يكن لديه القدرة على تحمل مشكلة أخرى، كارثة جديدة تلوح في الأفق.


أجبر نفسه على رسم ابتسامة باهتة، وحاول أن يطمئنها، وكأنه بذلك يطمئن نفسه.

_يا ورد يا حبيبتي، أنتِ بس اللي جلجانة زيادة. 

اللي حصل لنغم كسرنا كلنا، أكيد أثر عليهم عدي طبعه حامي، وأكيد غيرته على بنت عمه واكلاه وروح متعلقة بنغم جوي، طبيعي تكون زعلانة عشانها. 

اديهم بس شوية وقت، وهتلاقيهم أحسن من السمن على العسل.


لم تقتنع ورد تمامًا، حدسها كأم كان يصرخ بأن هناك ما هو أعمق من ذلك.

_ياريت يا سالم ياريت يكون إحساسي غلط قلبي مش مستحمل وجع تاني.


مد سالم يده وأمسك بيدها، وضغط عليها برفق.

_متخافيش كله هيبجى زين المهم دلوجت ندعي لنغم ربنا يقويها ويصبرها.


نظر إلى الظلام مرة أخرى، وعاد عقله إلى ابنته الأسيرة كان يطمئن زوجته، بينما هو نفسه كان يغرق في بحر من العجز كل همه، كل تفكيره، كان منصبًا على إيجاد طريقة، أي طريقة، لينقذ بها نغم من جحيمها، حتى لو كان الثمن هو حياته لم يكن يعلم كيف، لكنه أقسم في سره أنه لن يتركها فريسة لهم طويلًا.

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة