زحمة آلام - قصة قصيرة
زحمة آلام
(قصة قصيرة)
أحلام تتقاذف تتهاوي بين الطرقات
حقيقة مؤلمة وصدمة فاقت التوقعات
آمال تنهار وبسمة علي وشك الانقراض
شرود حزين وتنهد مرير لكل تائه في دروب الأهواء
هموم كالجبال وإرادة باتت كالحطام
أمل توفي .. دمعه جفت .. أحلام باتت خيال
♡ نصيحة لا أكثر ♡
هنا .. في هذا البلد العربي .. في هذا الشارع العربي يوجد سائرون ، مارون ، عابرون سبيل .. حائرون ، تائهون في المشاكل في الدروب في الأحوال .. كلاً منهم يحمل .. يملك مشاعر ، حزن ، فرح .. يملك هماً .
في هذا الشارع العربي تسير تلك الفتاه ذات الثامنة عشر عاماً مع صديقاتها تبتسم وتضحك وهي عائدة من درسها تستغل تلك الأوقات السعيدة من حياتها التي أصبحت بائسة بعد وفاة والدتها منذ حوالي سنتين والتي لم يمر علي وفاتها نصف العام وتزوج أبيها بأخري متعللاً بعدة أسباب ... وكانت تلك الأخرى مثالاً لذات الوجهين أمام الأب تمثل وجه الأم الحنون المراعي المهتم ، وفي غيابه تمثل!! تمثل !! بل لا تمثل هي في ذلك الحين تظهر الوجه الحقيقي وتنزع قناع الرحمة التي تتقنع بهِ .... وصلت الفتاه للمنزل لتتنهد بحزن وهي توقن أن الأوقات السعيدة انتهت وستتبدل بأخري خانقة الأن، وضعت المفتاح بالباب وأدارتهُ لتدخل وهي تتمتم بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، ومن ثم ألقت السلام علي زوجة أبيها من باب دينها فقط والتي كانت تجلس متمدده علي الأريكة تقلب بين قنوات التلفاز وهي تمضغ العلكة بطريقة مستفزة ، وكالعادة لم ترد زوجة أبيها عليها والتي تأففت فقط من رؤيتها فتغافلت الفتاه عنها وتجاهلتها وهي تتجه نحو غرفتها وتغلق الباب خلفها ، أخذت تغير ثيابها وهي تحمد الله أن أخيها الصغير صاحب العشر سنوات لم يأتي بعد من درسهِ لكي لا تستفرد بهِ زوجة أبيهم وتشغلهُ لحسابها لكي يلبي طلباتها ويشتري احتياجاتها وتشغلهُ عن دراستهِ ،، انتهت لتخرج من الغرفة متجهَة إلي الحمام لتتوضأ وتصلي فرضها ومن ثم استمعت إلي صوت زوجة أبيها الآمر باحتقار " أبوكي أدامه ساعتين علي ما ييجي ، قومي حضري الأكل " ،، وكالعادة تجاهلت الرد عليها وهي تدخل المطبخ لتخرج مكونات الغداء وتبدأ في طهيها ليس تلبيةً لطلبها بل لأنها تراعي أخيها وأبيها وكأن ليس لتلك المرأة وجود فهي لا تثق بها ولا تأتمنها علي أي شيء .... وفي وسط انهماكها بالطهي وصل أخيها الذي اتجه لها يقبلها علي وجنتيها لتبتسم بأريحة فهو ما يسعدها في تلك الحياه قبل أن يبدأ بسرد ما حدث معهُ في يومهِ لتجاريه في الحديث ببعض التعب ثم تتحدث بابتسامة اصطنعتها من أجله " روح يلا غير هدومك وأتوضي وصلي وعقبال ما تخلص هيكون الأكل خلص " ، استمع لكلامها وذهب لغرفتهِ الذي يتشاركها مع أخته ووضع حقيبته علي مكتبهِ وراح يفعل ما قالته أخته ويبدل ثيابه ثم خرج متجهاً للحمام لتوقفه زوجة والده متحدثة " إنت ياض إنت انزل هاتلي ... " وقبل أن تكمل جاءت أخته من المطبخ متحدثة بضيق وحنق " مش هينزل في مكان لأنه لسه جاي وعنده واجب ومذاكرة ،اللي عايزاه انزلي اشتريه لنفسك" ومن ثم التفتت لأخيها لتحثه علي الذهاب متحدثة " روح شوف كنت هتعمل إيه " ليومئ الصغير لأخته ويكمل طريقه للحمام بينما راحت زوجة أبيها ترمقها بغضب وعادت الأخرى تكمل طهي الطعام وعلي طاولة الطعام التف الأربعة يتناولون طعامهم حيث وصل الأب المنزل بعد يوم عمل شاق وانتبه بحواسه إلي زوجته وهي تتحدث " إيه رأيك يا حبيبي في الأكل ، تعبت أوي وأنا بعمله وبنتك قاعده حاطه رجل علي رجل " ليغمغم الأخر بخفوت ويتحدث " تسلم إيديكي يا حبيبتي ، معلش البنت عندها مذاكرة بكري تاخد الأجازة وتساعدك " ورغم معرفتهُ بأن ما يتناوله الأن هو طعام ابنته الذي يعرفه عن ظهر قلب ولكن ما باليد حيله فقد تغنجت الأخرى ساحرة عقله لتجعله يكتب تلك الشقة التي تحتويه هو وأولاده باسمها لهذا هو مجبر علي الخضوع لترمقه بنته باستهزاء في النهاية والدها انساق وراء شهواته متعللاً بأنهُ سيتزوج من ترعاهم ..... ليكون سبب في دوامة آلام مرهقة لأطرافها تتداولها الأيام إلي سبيل غير معروف نهايته .
سرحت الفتاه بذهنها حيث ذكري حدثت اليوم وهي تتذكر تلك الفتاه الصغيرة التي أوقفتها اليوم هي وصديقاتها تسألهم بعض الأموال وهي تبكي وتقول : ماما متوفيه ومرات أبويا إدتني فلوس عشان أشتريلها حاجات والفلوس وقعت مني ولو روحت وعرفت هتضربني .
كانت هي أول من ساعدتها بالقليل من الأموال تلاها صديقاتها وهي تشعر بغم تلك الصغيرة وخوفها ... عادت لواقعها لتنظر حولها بنزق وتتنهد علي الأقل حالها أحسن من غيرها بكثير .
وبالفعل أدركت أن ليس هناك أحن من " الأم " .
......................................................
في نفس هذا البلد العربي وبنفس الشارع العربي كان يسير ذلك الشاب برفقة أصدقائه وهم في وجهتهم لاحدي الكافيهات للجلوس معاً فيها .. رفع الشاب هاتفه أمام وجهه يتأكد من وضع الصامت الخاص بهِ ثم وضعه بجيبه بأريحية وهو يزفر بسعادة لأن يوم هروبه هو اليوم .... وإن صح القول فهو يوم عزلته عن حياه مشدده تسوقها والده تخاف علي أبنائها وتريد لهم الأفضل دائماً وإن كان الأفضل لا يعجبها وتريد الأكثر تميزاً والأكثر و الأكثر لذا هي تفرض حصارها الشديد عليه وعلي أخواته وخاصة عليه فهو الكبير وكالقول المشهور هو " الأملة " ... ظل يضحك مع رفاقه بينما هاتفه يرن بالعديد والعديد من المكالمات وهو فقط كان غافلاً عنها بالصامت الذي وضع الهاتف عليه كالعادة .
انتهي يومه ليعود المنزل ليلاً بعد منتصف الليل ليجد الوضع هادئاً علي غير العادة فالعادة أن تكون والدته في استقباله لتنهره علي تأخره ولكن عوضاً عن ذلك وجد العكس .. فالهدوء كان يعم علي المكان ، ألقي نظره علي غرفة والديه ليجدها فارغه فقطب حاجبيه بحيرة ثم اتجه لغرفة أختهُ المتوسطة ليجدها فارغة كذلك فاتجه لغرفة الصغيرة ذات السابعة عشر ليجدها تجلس علي سريرها ضامة قدميها لصدرها وتبكي بصمت ليهرع إليها متحدثاً بهلع : في إيه .. بتعيطي ليه ماما وبابا وأختك فين .
وردت عليه ببكاء : بابا .. بابا تعب قوي ونقلوه المستشفى .
تسمر في مكانه ليرمقها بذهول قبل أن يتحدث بسرعه : عارفة هما في مستشفى إيه .
أومأت برأسها وتحدثت بهمس : في المستشفى اللي شغال فيها عمو .
حدثها بسرعه وهو يسرع لغرفته : طيب يلا قومي البسي بسرعه عشان نروحلهم .
وبالفعل كان في المشفى مع أختهِ بعد ذلك وأول ما استقبله من والدته صفعه علي وجهه لتليها وصلة من التأنيب وهي تأنبه بأنها احتاجته بجوارها حين وقع والده بينما هاتفه فقط كان مغلق ،، بالفعل هو فطن لخطأه فقد رأي اتصالاتها العديدة هي وأخته في حين كان هو فقط يلهو .. ترك والدته بعد ذلك ليدخل غرفة والده حيث وجد أخته الأخرى تتمسك بيدي والدهم ورمقته بدموعها الحزينة ليقترب منها ويحتضن رأسها لتبكي علي صدره في حين تحدث والدهم بتعب : سيبيني مع أخوكي يا حبيبتي وبطلي عياط .
خرجت بطاعة لرغبة والدها ليقترب هو من والده متمسكاً بيدهِ ليحدثهُ والده بقوله الأخير قبل أن يتشاهد ويودع حياته : خلي بالك من أمك واخواتك .. أنا هسيب معاهم راجل .. اخواتك أمانه في رقبتك .
وبالفعل كانت الأمانة ثقيلة جداً .. فها هو الأن الرجل الذي تعدي عمر الثلاثين بعد أن جاهد في تلك الحياه ليعمل أثناء جامعته وتخرج من جامعة الطب بالفعل وها هو يسير في طريق الدكتوراه والماجستير و التخصص في مجال واحد ليعمل وكل هذا بجانب عمله في مجالات عده حيث استطاع تزويج الصغرى بعد أن أكملت تعليمها بفضله والصغرى الأخرى أيضاً أكملت تعليمها وزوجها كذلك وبين كل هذا وهذا هو المنسي .. الذي يحمل أولاد اختاه الأن بينما يشتاق هو لسماع تلك الكلمة كلمة " بابا " بجانب كلمة " خالو " ولكن الحمل لا يحتمل المزيد ولكن ها هو تخلص من حمل ثقيل وأمانه سلم كل منها لزوج أصبح هو حامل الأمانة وليحاول هو تكملة مشواره الطويل في حلم والدته لكي يصبح دكتور ناجح .
وأيقن فقط حينها أن السند والأمان كانوا " الأب " .
......................................................
في نفس الشارع العربي في احدي البنايات بإحدى البيوت وخاصة في غرفة ذلك الطفل الذي لم يتعد الثلاث سنوات المصاب بمرض القلب والذي يحتاج لعملية ذرع قلب ليحيي بسعادة ويكمل حياه لم يبدأها من الأساس ويكف عن تألمه الموجع لأهله ..كانت تجلس والدته بجواره ووالده يحاول التخفيف عنها ووجعهُ عظيم هو الأخر .
فالمتبرع غير موجود وإن وجد فالمال غير موجود .
والطفل فقط يموت ببطيء .
وأمام أعين والديه الطفل يسارع في التقاط أنفاسه والحال الله وحدهُ أعلم بهِ فالأب يعمل بكل جهده ليوفر مال العملية والزوجة تتوسل كل من تعرفهم ليدينوهم من حق العملية مالاً .. فموجع للغاية رؤية الألم بمن نحب خاصةً إذا كان الابن المسمى بـ " الضني " فهو حقاً كذلك .. هو فلذة الكبد .. هو من ترعرع بين يدين والديه وهو من ملئ المنزل ضحكاً .. هو البريء في حياه مؤلمة ومهلكة فلما الحرمان .
وهذا الطفل كان الابن والأخ والحرمان منهم موجع بحق .
......................................................
في نفس الشارع العربي كانت تجلس تلك المرأه الكبيرة في السن للغاية علي احدي الأرصفة بثيابها المتهرئة التي لا تمتلك غيرها في الأساس بينما يديها ممتدة للأمام بمطالبه عن حقها في هذا المجتمع وحقها من كل فرد فصحيح ما تفعله يسمي بـ " الشحاتة " ولكن إن صح القول هي لا تشحت أو لا تنتظر منَّك عليها فما ستعطيها إياه ما هو إلا صدقه أو ذكاة وسواء ذلك أو ذلك فهو حقها التي أنت مطالب بهِ أمام الله - سبحانه - عز وجل - ففي قوله تعالي
" وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم "ِ {المعارج: 24ـ255}.
وحقها هذا هي تطلبه برأس مطأطأه فهي حتي إن عرفت ووعيت لما هو حقها ستظل تشعر بالذل والمهانة .. بالنقص وبالاحتياج فربما هي أم تخلي عنها أولادها بجشع .... ابنه نشأت بدون أهل وصارت تحت مسمي " يتيمة " فتقاذفتها الآلام وهي تعافر مع تلك الحياه التي تنهش بلا رحمة حتي باتت تبات علي الأرصفة وتنتظر ما يراه الناس منناً عليها ألا وهو حقها وهي تصبر نفسها بقول يتردد في عقلها " الله كريم " .
فلا تستخسرو الصدقة الصغيرة فربما تكون سبب في سعادة شخص يتألم .. شخص يحتاج بحق بينما أنت لو قورنت بهِ فستجد أنك في نعمة كبيرة بل عظيمة وجب عليك شكر رب العالمين إليها وفي النهاية الله الرحيم - عز وجل - يطمأنك بأن صدقتك مردودة في الدنيا والأخرة .
فيا أيها الإخوة يقول النبي " صل الله عليه وسلم "
" إن الله لم يفرض الزكاة ، إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم "
..................................................
في نفس الشارع العربي كان يسير شاب بتوتر حتي دخل احدي البنايات ليصعد احدي الشقق ويدق عليها ببطيء في حين فتح لهُ أخر مشابه لحالته سحبه للداخل بهدوء مريب خيفةً من أن يراهم أحداً ما وكأنهم يفعلون شيئاً خاطئ وبالفعل هم يفعلون .. ففي تلك الشقة جلس هو بجوار رفقاء السوء .
رفقاء السوء الذي تعرف عليهم بعد أن باتت حياته حطام وأحلامه أوهام فهو طوال حياته يحلم بكونه سفير " ... " وبالفعل هو جد واجتهد في دراسته طوال حياته ليدخل كليه السياسة والاقتصاد وفي النهاية حين يذهب ليتقدم ليحصل علي منصب السفير ويخضع للامتحان القائم علي الدكتوراه والماجستير الذي أقام هو سنين علي إنهائهم وتثقيف نفسه بشده حتي صار ذا عقليه فذه ذكيه ذا عقليه تستحق المنصب بحق يحصل علي كلمتين كانوا الأعظم لتحطيمه كلياً وهو يري ظلم بلده بعينه " غير لائق " .
غير لائق وقد قدم الامتحان بشكل ممتاز واللائق كان ابن الوزير أو ابن السفير أو ابن صاحب المال والجاه صاحب الوسطة والرشوي والمحسوبية وفي النهاية عرف أن هذا الامتحان ما هو إلا هيئة لانتظام الصورة من الخارج وأن أمثاله غير معترف بهم في تلك الدولة .
وتعبهِ وكدهِ وشقائه وحلمه الذي كان يكبر يوماً وراء يوماً وفرحة أهلهِ بما وصل إليه حتي الأن ويقينهم بعقليته النادره التي ستقبل بالتأكيد ونظرات استقبال أهله لهُ في إنتظار البشارة .. أوهام فقط أوهام .
كل ما كان يحلم به وهم .
كل ما عاشهُ وظن أنهُ سيعيشه وهم .
كل ما كذب الجميع بهِ وصدق نفسه وأمن بقدراته وهم .
وفي النهاية وهم بوهم فاليدخل في عالم الوهم الذي جعله يتعرف علي رفقاء السوء حيث في تلك الشقة فرد تلك البودرة البيضاء المهلكة أمامه علي الطاولة ليستنشقها بأنفه بخضوع لها ولسمومها وليرفع رأسه غير واعياً بما حوله و كان هذا الحل الأمثل لهُ لتناسي الوهم الذي عاشه .
فتناسي الوهم بوهم أكبر يقتله ببطيء .
......................................................
وفي نفس الشارع كانت توجد فتاه تائهة تبحث عند والدتها
كل هذا في شارع واحد في مدينة واحدة في دولة واحدة ما بالك بالعامل العربي أجمع .
زوجة الأب يوجد من أمثالها كُثر وإن كانت تلك رحمة عن البقية .
الأم هي الحنان بتلك الحياه .
الأب هو السند بتلك الحياه .
المسئولية تقع علي عاتق كثير من الصغار لينسو أنفسهم وسطها وإن كانت تلك المسئولية ليست هينة بالمرة .
المرض عدو الإنسان وإن كان هناك ما أعظم منه فهو عظيم بحق ومرض القلب ما هو إلا مرض واحد يوجد غيره الكثير كبداية من السرطان إلي أخره .
الفقر ابتلاء من الله - عز وجل - ابتلاء لعبده المؤمن
" وما أحب الله عبداً إلا ابتلاه "
الوهم .. أم الحلم الضائع لا يمكنني قول إلا لنا الله .. ولا بد من إيمان قوى لتخطيه ..
تلك كانت آلام بسيطة مما يحياها العالم العربي
وفي النهاية تكون الحياه
زحمة آلام
إلا من تاب وأمن وعمل عمل صالحاً فكانت دار عباده لهُ بحق
حتي لقاء وجه ربٍ كريم .
إن كنت لا تمتلك أي من تلك الآلام
فإشكر رب كريم سبحانه عز وجل.
فالحمد لله علي كل نعمة من نعم ربي
والحمد لله علي نعمة الإسلام
جمعني الله وإياكم في الجنة
- زحمة آلام -
- عبير ضياء -