-->

الفصل الواحد والثلاثون - بنات حورية



الفصل الثاني والثلاثون

خرجت من غرفتها لتجلس معهم بعد طلب حورية الحنون منها ،، جلست بذراعي حورية تتمسك بكفها باحتياج متؤلم هامسة بعد أن أخبرتها بحضور صهيب ومالك اليوم : هل أنا مخطئة بشئ ،، هل أخطئ حين أطالب بحق ابني .

تنهدت حورية وهي تمسح علي شعرها قبل أن تخبرها سبأ : ولكنك يا حبيبتي ذهبتي للمعمل اليوم وتأكدتي بنفسك أن ما تقولينه لم يحدث .

نفت رسيل بقلبها المحترق : أبدلوها أنا واثقة بالتأكيد استغلو وقت ذهابنا للمشفي وأبدلوها .
خاطبت حورية عقلها : وما ذنب صهيب لقد فقد ابنه وزوجته بليلة واحدة .

تجهمت ملامح رسيل وهي تجيبها : ذنبه أنه لم يصدقني لم يرح قلبي ويأتي بحق صغيري .

تنهدت حورية مجدداً من تفكير أعقل بناتها لتكتشف أن جيلان هي الوحيدة العاقلة بينهم وأخبرتها بتساؤل : ماذا تريدين يا رسيل هل تريدن أن يقف صهيب بوجه أهله متهماً إياهم هكذا لأنكِ فقط تشعرين أنهم السبب بدون أي دليل .

هتفت رسيل بنفس تجهمها : علي الأقل كان ليصدقني كان ليتحرى عن الأمر معي .
هتفت حورية بتلقائية حزينة : من قد يرغب بتصديق أن أهله هكذا يا ابنتي .

ابتعدت عن حضن والدتها قائلة بعصبية وبكاء : هو يعلم أنهم هكذا يا ماما هو يعلم ولكنه لا يريد التصديق وأنا لم أعد أريده .. لم أعد أريد أي ارتباط بتلكَ العائلة ،، لن أستطيع النظر لعينيه وأنا أعلم أن والدته قتلت طفلي .

سحب سبأ كفيها لها لتجذب انتباهها معاها لتخبرها : ماما محقة يا رسيل ،، انظرى لي برغم أن والدة سفيان كانت تعلم بما يفعله بي وصامتة إلا أنني لا أستطيع لومها فهي بالنهاية كانت ترى مصلحة ابنها أول ما يلوح أمامها .. وصهيب حتي لو كان يصدق وبفرض أن هذا حدث بالفعل عقله بالفعل سيرفض التصديق وأنتِ لم تمهليه فرصة حتي .. جرحكم كان لا يزال طازجاً .

بكت رسيل ناظرة لكلتاهما لتخبرهم بأسي : أنتم لا تصدقوني .

احتضنتها حورية مجددا لتخبرها بحزم : من الأفضل أن تصدقي أنتِ عدم وجود دليل وتُسلمي بموت طفلك الطبيعي وتُسلمي بقضاء الله يا صغيرتي .

هذا كان الحل الأمثل لها ورغم اهتزاز قلب حورية من مكانه لبشاعة ما قد يكون حدث بالفعل كما تقول صغيرتها إلا أنها تفضل لصغيرتها أن تقتنع بما هو ظاهر كي يلتئم هذا الجرح بسرعة كي تُكمل حياتها بدون أرق الغدر بطفلها الرضيع .. ظلت تمسد علي رأسها وظهرها حتي نامت بين ذراعيها ولكن ما إن غفت حتي رن هاتفها لتفتح عينيها بتساؤل لسبأ الممسكة بالهاتف : من ؟ .

قالت سبأ : بيسان .

وقفت قائلة لهم وهي تلتقط الهاتف لتغلقه : لا أريد التحدث لتلكَ العائلة مرة أخرى معكم حق سيكون من الأفضل أن أسلم بهذا ولكن لن أستطيع النظر بوجه شخص من تلكَ العائلة مرة أخري وأمي أرجوكي لا تعارضيني سأتطلق من صهيب .

امتعضت ملامح حورية قبل أن تجيبها : لا تأخذى قرارات متسرعة بأوقات حزنك يا صغيرتي معكِ كل الوقت لتفكري بما تريدي .

أومأت رسيل لتتركهم متوجهة لغرفتها بعد أن ألقت عليهم : تصبحون علي خير .


________________________________ 


هناك من يفعل الذنب ويظن أنه حق له .
وهناك من يفعله بوقاحة عالماً أنه ذنب .
الأول قد يكون أصابه ألم فتصرف دون وعي .
والثاني بالتأكيد أصابه شيطان لعين انقاد لهواه .


لم تكن ترغب بالقدوم عند أهله ولكنه لا يريد تركها وحدها بتلكَ الأيام فأتت مضطرة ولا يستطيعا السفر لأى مكان بتلكَ الظروف لذا تأجل سفرهم حتي يقف والده على قدمه بصحة تامة مجدداً ليترك العمل فى رعايته هو أخيه بعد رعاية الله .

ولكن والدته يبدو أنها لم تشأ هذا أيضاً وهي تعكر صفو مزاجها منذ أن تركها دوروك هنا وذهب مع أخيه للمشفي .. فكانت تُرمي الكلام رمياً بوجهها وكأنها صاحبة حق ،، آلا أنها تظن ذلك بالفعل أنها صاحبة حق وهيا مذنبة أمامها ، دخلت عليهم وهي تجلس مع أخته بغرفتها : لا داعي للسفر أنا لا اضحي بابني ،، لا أعلم ما سيصيبه بعيداً عنا بسبب نحسك .

شهقت هيا تطالعها بصدمة ،، تقول هذا لأن والد دوروك كان يقنعهم بالسفر متعللاً أنه أصبح بصحة جيدة لذا ليعوضو ما فاتهم حتي الأن .. ولكن والدته صمتت حينها والأن توبخها وهي تُكمل : لا تنظري ببراءة هكذا ،، وليكن بعلمك أنا أشك بأمر ما .. من هذا الذى يفتعل جريمة كتلك من أجل مشاحرة بسيطة وبالأساس أنتِ سببها .

رفعت هيا كفيها لصدرها بأعين متسعة ،، بماذا تتهمها الأن بحق الله فهمست مدافعة عن ذاتها : لا أسمح لكِ بقول هذا عني ،، ماذا فعلت لكِ لتقولي هذا .

زجرتها رحمة بحدة : وتقللين أدب أيضاً ما شاء الله علي التربية ، لقد علقتي على كلمة ماذا فعلت لكِ ولكني لن أترك هذا الأمر ها أنا أخبرك .

أكثر شئ رغبت به الأن أن تخرج من هذا المنزل ،، وذكرى والدها الحبيب يلوح أمامها ووالدة زوجها العزيزة تشكك بتربيتها بل وبشرف ابنها هكذا ،، حاولت أن تتخطاها لتخرج من الغرفة فتهتف رحمة بذهول منها : ألا أتحدث معك إلي أين تذهبين .

نظرت هيا لها بعيون رغم ما يحدث معها ليست غاضبة بل مقهورة من تلكَ الحماة التي اعتبرتها كوالدتها والتي تغيرت معاملتها جزرياً لها منذ ليلة زواجها التي لم تتخطي أسبوعاً واحداً بعد .. ورغم اهتزاز عيون رحمة إلا أنها أبت التعاطف وأصرت علي على موقفها فرحمة تراها وكأنها خطر لهم .. بسببها نشبت مشاجرة بين ابنها وأخر وبسببها أخذت منهم المشفي وبسببها أصيب زوجها بنوبة قلبية .. لذا هتفت بقسوة بكلام أفقد هيا عقلها : هذا الشاب بينك وبينه شئ ليفعل كل هذا من أجلك أنا واثقة ،، من الأفضل أن تذهبي قبل أن أكشف ما بينكم وحينها ستذهبي بطريقة بشعة .. أنا واثقة من سفالتك وقلة تربيتك .

كم كان كلامها بشعاً علي قلب هيا التي تكاتف عليها كل حديثها بالأيام الماضية وكل آلامها لتهتف بدون وعي لحظة تهور غاضبة ومقهورة : لستُ أنا السافلة بل أنتِ .

شهقت رحمة بصدمة هاتفة بحقد غير مصدقة : تسبيني يا زوجة ابني ، لن يكون دوروك ابني إن أبقاكِ علي ذمته .

وقفت هيا مصدومة مما تلفظت به تضع أصابعها علي فاهها بصدمة وقلبها يذيقها ويلاً من الألم ودموعها تسابقت في نزولها بصمت وما كان منها إلا أن همست بأسف حقيقي : أسفة .. أسفة .. أسفة .

ثم هرعت لغرفته لتأخذ حقيبتها وتغادر إلي منزلهم ،، تعرف أن اليوم لن يمر علي خير فهي أذت دوروك أذى كبير بفعلتها وهو لن يكون رجلاً إن صمتَ عليها .. ولم يتخللها ولو ذرة أمل وهي ترتعش ببكاء بغرفتهم حاضنة ذاتها أن والدته قد تترأف بها ولا تخبره أو تخبره على الأقل بالحقيقة كاملة .. وقد كانت علي حق حين دخل المنزل بعاصفة غاضبة وعلامات الشر  بادية علي وجهه بشكل مخيف وهو ينادي عليها بنبرة ارتجفت لها خلايا جسدها بأكملها فخرجت له بعيونها المنتفخة بسبب البكاء ،، واحتضنت نفسها حين رأت خطواته المتسابقة إليها في قوة غاضبة .

كلتا يديه القوية امسكتا بوجهها يهزها بعنف متسائلاً : تسبين والدتي أيتها ..

ونعتها باللفظ الذى سبتها بهِ والدته لترده لها بتسرع فشهقت بألم من يديه وهتفت بصدق باكٍ : لم أكن أقصد .. أسفة .

توسعت عينيه وهي تؤكد كلام والدته التي هاتفته باكية تخبره بما حدث من قبل هيا وحدها فقط وتجاهل رنين أخته بعد ذلك وهو يُسرع لمنزله .. وما إن هتفت هيا بذلك حتي تقاذفت شياطينه بأكملها بعقله وإن كانت تتواجد ذرة من التعقل بداخله فقد فقدها الأن فعاجلها بصفعة مدوية علي جانب وجهها ويديه الأخرى اقتلعت شعرها بعنف فشعرت بألم فظيع ينتشر بأذنيها فصرخت بهلع وهي تدارى وجهها منه بخوف وتهتف مسرعة بأسف : أسفة والله أسفة .

سحب يديها من أمام وجهها بعنف وهو يعاجلها بالصفعة الثانية التي جعلت أذنيها ترتج للمرة  الثانية بألم مرعب وهو يجهر بصوته بوجهها : بماذا يفيدني أسفك ،، كيف تسبين أمي كيف ،، أمي خط أحمر بماذا تتعشمين .. هل تتعشمين بحبي لهذه الدرجة ؟ .

دفعها بعنف لتسقط أرضاً محاوطة ذاتها وهو يهتف مبهوتاً مما فعلته لقد أخطأت بحق من لا يحتمل الخطأ بحقها ولو علي قطع رقبته ناهراً إياها : أتظنين أن حبي سيشفع لكِ الخطأ بوالدتي .

صرخ بأخر جملته بعنف وهو يرفع جزعها بقوة من شعرها القصير و الذى لم يساعدها لتقف معه فقد كانت أعصابها هُلاماً فتركها وهو يهتف بعدة كلمات تخص والدته ولم يرى بكائها .. لم يري انتفاضها بين يديه مرعوبة .. ولم يرى الهلع في عينيها وهي تضع كفيها علي أذنيها التي شعرت بسائل حار يخرج منهما وهي تراه يحرك شفتيه بنفس الغضب ولكن صوته تلاشي لسمعها .. وفي النهاية خرج من الشقة قبل أن يصبح مجرماً بها ويسبب لها ألماً جسيماً جَهِلَ أنه سببه لها بالفعل .

ظلت جالسة لفترة تتحسس أذنيها بعد أن رأت الدماء العالقة بيديها بصدمة جلية .. تبكي ولا تسمع صوت بكائها لا تسمع أى شئ .. وقفت بترنخ واتجهت لغرفتهم ومنها للحمام حيث وقفت تنظر لهيئتها المرعبة ولم يهمها شئ غير تلكَ الدماء التي جفت علي أذنيها وعنقها وبلحظتها آمنت أنها أصبحت صماء . 

الإيمان الذى كان يبثه أهلها بقلبها كل تلكَ السنوات كفيلاً بتخفيف صدمتها ولكن ليس بكافي ليُنهي هلع قلبها الخافق بشدة رغم شعورها بانهيار كل أطرافها ووقوفها علي قدميها بمجهود جبار .. توضأت لتصلي لأن هذا أكثر شئ رغبت به بتباعد والدتها عنها بتلكَ اللحظات ،، وتمتمت بالحمد الذى لا تسمعه ولكنها تشعر به وسط بكاء مرير .

__________________________________


بعد يومان انشغل بكثير من العمليات ولم يكن يعود إلا بوقت متأخر باختناق و كلما عاد للمنزل لا يجد لها أثراً ولكنه يعرف جيداً أنها تقبع بداخل غرفتهم رآها مرة نائمة أو هكذا ظن .. فهيا لم يزور النوم جفونها طوال الليلتين الماضيتين حيث أصابتها حُمة شديدة جعلت من قواها خائرة غير الألم المزعج في أذنيها فأصبحت عاجزة تماماً لا تستطع مناداته لكي يساعدها .

استلقت لمدة يومان منهكة ومتعبة حد الشفقة عليها تنتظر أن يرق قلبه ويلين ويقرر تفقدها أو الإطمئنان عليها فيساعدها لأنها تحتاج مساعدته بشدة فالحمة التي أصابتها تجعلها تشعر بوجهها كبركانٍ علي وشك الانفجار .. يومان وهي راقدة هكذا تنتظر أن يطل عليها حتي شعرت أنها ستلقي حتفها بتلك الحمة ولن يشعر بها أحد حتي هو .

واليوم بعد أن حادثته حورية تخبره بقلق أنها تريد التحدث معها فهي لا تجيب علي هاتفها ومتسائلة عن السبب أخبرها أن ربما نائمة أو لا تسمعه وأنها بالمنزل بخير وسيجعلها تحدثها حين يعود .. طمأنها ولكن أثارت هي القلق بداخله فلما لا تجيب علي هاتفها ..  غادر المشفي نافياً أي تفكير سلبي عن رأسه حتي دخل المنزل ولم يجد لها أثر مجدداً نهشه القلق عليها واقترب من غرفتهم ببطئ .. نظر لظلام الغرفة بإقتضاب كحالها الكئيب بالهودء الذى يعمها ولكنه شعر بأنفاسها التي تحتل الغرفة ورائحتها كذلك .
أضاء النور فوجدها علي السرير تبدو نائمة بسلام ولكن قلبه لم يرتاح البتة خاصةً حين شعرت هي بالنور الذى تخلل لشعيرات عينيها ففتحتهم بأمل وألم .. ألم من احتراقهما الشديد وأمل أن يكتشف علتها أخيراً .. رمقته شاهقة بضعف ورفعت كفها المرتعش له تطلب منه الإقتراب فإقترب ملبياً بحيرة ليجلس جوارها رامقاً إياها بتفحص وما إن تمسك بكفها حتي انكمشت ملامحه بنفور من السخونة الفظيعة التي تنبعث منها .. فوضع يديه علي وجهها ومنه لعنقها ثم صدرها ثم هتف بهلع مصدوم : أنتِ تحترقين ياربي .

وقف يبحث عن أدواته ثم أحضر أنبوب الإضاءة الصغير متفحصاً كلتا عينيها باحثاً عن أي أثر لنزيف داخل جمجتها ولكن حمداً لله لم يجد ،، وضع جهاز صغير علي بشرتها ليضئ بعد ثوان بدرجة حرارتها التي تخطت الأربعين بدرجة ونصف كما توقع ليلقي الجهاز بغضب من يديه وهو يصرخ قبل أن يحمل جسدها الهالك والمستسلم فقد استكان قلبها وقد سلمت نفسها لأيدٍ أمينة فوراً إلي الحمام وفوراً وقف بها أسفل المياه التى أصابت جسدها كالصاعقة بتثلجها فصرخت بقوة قبل أن يرتخي جسدها أكثر بين ذراعيه مسببةً له هلع فظيع .. هتف باسمها لتفيق وقد توقف عقله عن التفكير ،، ماذا يفعل الأن لا يوجد أى شئ بعقله وكأن ما درسه مُحي بلمحة بصر ولكن ما أراحه انتفاضها بين يديه فهتف مؤنباً نفسه : كيف تركتك أنا لتصلي لهذا الحال .

أجلسها علي الحافة مُسنداً جسدها علي الحائط ثم وجه المياه علي رأسها وهو يهتف لنفسه بغباء : ماذا أفعل ماذا أفعل .

تركها ليخرج عابثاً بأدواته قبل أن يلتقط هاتفه متصلاً بأخيه لتجيبه والدته أن أخيه نائم فيخبرها أن توقظه في الحال .. أخبره بحالتها ليخبره أن يستمر بما يفعله وهو قادم بالحال مذكراً إياه : يحب أن تنزل حرارتها فوراً ل ٣٨° علي الأقل كي لا يصيبها شئ ابقها تحت الماء سأحضر الدواء وآتي .

___________________________________


كان نائماً حين أيقظته والدته تخبره : أحمد اخاك علي الهاتف يرديك .

التقط الهاتف مُهمهماً بنعم مرهقة ليأتيه صوت دوروك المنهار : هيا تحترق لا أعرف ماذا أفعل درجة حرارتها ٤١.٥ ° لا يمكنني تركها .

انتفض الأخر من سريره معطياً تعليماته له قبل أن يغلق معه بعد أن أخبره دوروك : أسرع بالله عليك .

دخلت والدته مجدداً اثر استماعها لحركته بالغرفة فوجدته يرتدي ثيابه في عجلة فسألته بقلق : إلي أين في هذا الوقت هل أخيك بخير .

أجابها بتلقائية : هيا مريضة سأذهب لهم .

تغيرت ملامحها لأخري متذمتة : وهل مرضها هذا لا ينتظر الصباح الله يريحنا منها من ومشاكلها .

هتف بضيق وهو يلتقط هاتفه ومفاتيح سيارته : وماذا فعلت لكِ الأن لتدعي عليها حرام عليكِ يا امي أخبرك الفتاة مريضة ،، وتريدين مني أن أتزوج .. هل لكي أحضر لكِ أخرى تدعين عليها ليل نهار .

خرج بنزق يهتف بصوت عالي : ادعي لها وليس عليها يا أمي .

بعد ساعة تقريباً كانت هيا مستلقية علي سريرها بثياب نظيفة الدثار حولها وبيديها هذا المحلول الذى سيساعدها بانخفاض درجة حرارتها أكثر .. دوروك جوارها جالساً يحتضن رأسها لخصره ممراً الكيس البلاستيكي المثلج علي رأسها ووجها .. وأحمد أمامهم يتحدث لدوروك بعد .. كل هذا مر أمام عينيها بدون سماع حرف واحد وكأن هناك لوح زجاجي يفصل بينها وبينهم وكأنها تشاهد فيلماً بدون صوت حتي لاحظ أحمد عدم تجاوبها معهم وتدحرج عينيها بينهم قائلاً بحيرة وقلق : لماذا تنظر لنا هكذا .

نظر دوروك لها ممسكا بذقنها بلطف محدثاً إياها : هل تشعرين بتحسن يا حبيبتي .

تعلقت نظراتها بعينيه .. لم تسمع أي شئ ولكنها التقطت كملة حبيبتي من بين حركة شفتيه فنزلت دموعها بصمت وهي تقبض علي يديه بقوة مغلقة لعينيها فهتف أحمد بقوة : هيا تحدثي أسمعيني صوتك .

لم تفتح عينيها ولم تهتز جفونها حتي ولم يبد لأحمد أنها سمعته أساساً ليقترب من عينيها ويفتحهم قسراً فنظرت له بهدوء متسائل أخبره أنها لم تسمعه بالفعل فهتف بأمل لأخر مرة : هل تسمعيننا يا هيا .

أدرك دوروك الأمر فقال وعقله ينفي تلكَ الصدمة : ماذا تقصد بهل تسمعنا .. لماذا لا تجيب .

نظرت هيا لدوروك حين تحدث فحرك أحمد يديه أمام وجهها ليجعلها تركز معه وشاور عليها ثم علي أذنيه محركاً شفتيه بنفس التساؤل فحركت وجهها سلباً وهي تضع كلا كفيها علي وجهها وتبكي بقوة .

_________________________________


تصلب مكانه وبكائها الصامت أمامه وهي تغطي وجهها بكفيها جعل قلبه يقع لأسفل نقطة بجسده .. ارتخت يديه جواره وهو يهمس متسائلاً باسمها : كيف هيا .

أبعد كفيها عن وجهها ليسحبها ذارعاً جسدها بين ذراعيه لتتمسك بظهر قميصه بقوة وهي تبكي بصدره  ولم يبدُ عليه أنه سيتدارك صدمته لذا تدخل أحمد منبهاً : دوروك يجب أخذها للمشفي انهض دوروك .

صرخ بأخر حديثه لينتفض جسد دوروك بينما لم تتأثر هي بهذا الصوت العالي فنظر لأخيه موافقاً ليخبره أحمد : سأنتظركم بالسيارة .

خرج تاركاً إياهم ليقف دوروك مبتعداً عنها بتردد ثم عاد لها وهو يراها ترمقه بتلك الدموع ليحاوط وجهها مبعداً شعرها عن وجهها بحنان متسرع ومقبلاً جبينها بعد ذلك .. أرسل لها ابتسامة مطمئنة لا يعرف كيف رسمها علي ملامحها الأن ثم تركها وذهب يخرج لها ثياباً لتعلم أنه سيأخذها للمشفي .. ساعد جسدها المنهك لترتدى ملابسها وكم كانت ترتعش خجلاً بين ذراعيه وكم شاق علي قلبه رؤية بشرتها البرنزية هكذا لأول مرة وهو يأخذها بيديه للمشفي للعلة التي أصابتها بسببه .. نعم بسببه فهو يلوم نفسه علي كل ما حدث معها ولكنه لم يفق من مرحلة الصدمة بعد ليدخل بمرحلة الندم .

حملها حتي سيارة أخيه وبالطريق رن هاتفه ليخرجه ناظراً لمن يهاتفه بهذا الوقت وقد كانت حورية ،، دق قلبه بعنف متحيراً بألم وهو ينظر لهيا القابع رأسها علي صدره بعينين مغممضتين دون تحرك .. قبل أنه يتنهد مجيباً ليأتيه صوت حورية القلق فوراً : دوروك بني أعلم أنك تتأخر بالمشفي لذا انتظرت أن تهاتفني أنتَ ألم تعد لمنزلك بعد .
تردد قبل أن يخبرها : أمي هيا معي إنها بخير ولكن ..

هتفت حورية بفزع : لكن ماذا ..

أخبرها برفق : فقد اهدأي هي بخير لقد مرضت وأصابتها حمة شديدة أنا أخذها للمشفي الأن .

اقشعر جسده وهو يسمع والدتها تسأله بنبرة مؤنبة ذاتها وكأنها كانت تشعر أن ابنتها ليست بخير والأن تأكدت : أى مشفي أخبرني واعطها الهاتف دعني أتحدث معها .
كيف يعطها الهاتف .. كيف وكم يتقطع داخله وهي مستكينة هكذا لا تدرك أنه يتحدث بالهاتف أساساً فأخبر حورية بعنوان واسم المشفي قبل أن يقول بتردد كاذب : هي نائمة الأن .

أغلق معها وترجل من السيارة يحملها للداخل وضعها علي ناقلة المشفي وجلس أمام غرفة الأشغة بأعصابه الرخوة مُسلماً إياها لاخيه ..

راقبت هيا أحمد يساعد الممرضات في عمل شئ لا تفهمه قبل أن يتجه لها لتمسك ذراعه وعينيها تخبره أنها تريد شئ ليخرج هاتفه من جيبه فاتحاً نوتته مناولاً إياها .. راقب أصابعها المرتعشة وهي تخط بهم الحروف علي هاتفه قبل أن تناوله إياه ليقرأه مضيقاً حاجبيه وقد كتبت : أخبر دوروك أنني لا أسمع بسبب الحمي فقط أرجوك .
قطب حاجبيه بحيرة ليكتب لها : هل يوجد سبب أخر .

أومأت له ببكاء قبل أن تريح جسدها للخلف فعرف أنها لا تريد التحدث أكثر بالنهاية سيظهر معه كل شئ لذا تركها علي راحتها .. بعد دقائق ليست بقليلة خرج ليجلس جوار أخيه قائلاً لعينيه المتسائلة بعذاب : نحن نعرف أنها فقدت سمعها ولكن الأشعة ستخبرنا إن كان هناك أملاً للعلاج أو لا ولكن لقد فحصتها أنا متفائلاً لقد لحقناها مبكراً لا تقلق .
عض دوروك علي شفتيه بندم حتي هذا الأمر مشكوك به فهو لا يعلم إن كان لحقها بالفعل مبكراً أم أنه فات الأوان علي ذلك .. وقف حين خرجت عربتها مع إحدي الممرضات لإحدي الغرف متتبعاً إياهم بصمت بينما بقي أحمد منتظراً خروج الأشعة ... حتي خرجت فابتسم واقتضب لأمران .. اقتضب لمعرفة أن الحمة ليست سبب ما حدث لأذنيها إنما يبدو أن رأسها اصطدمت بشئ ولكن لم يفهم رغبتها باخبار دوروك أن الحمة هي السبب . 

وابتسم لأنه بيتدخل جراحي سريع مع تركيب سماعة داخلية ستسطيع السماع مجدداً فوراً لذا أسرع لهم طالباً بتجهيز غرفة العمليات وتجهيزها .. ترك الأشعة كي لا يطلبها دوروك . 


دخل غرفتها ليخبره حالتها وهو يفك عجل السرير قائلاً : سآخذها فوراً للعمليات لا تقلق ستكون بخير .


تنهد دوروك وهو يبتسم مبتهجاً لها وزجر أحمد الذى أخافها وهو يحسب سريرها دون تمهيد ليتوقف أحمد ضاحكاً فيحاوطها دوروك مقبلاً جبهتها ليخبرها بغباء ما قاله أحمد ليضحك أحمد بعبث وهو يكتب لها بهاتفه قبل أن يريه لها .. فخطف دوروك الهاتف يكتب لها : أحمد سيكون معك لا تخافي أنا لا يمكنني بسبب صلة القرابة ولكني ما ان تفتحي عيناكِ ستجدييني جوارك .. حسنا يا حبيبتي .

اومأت له .. ساعدها لتسترخي علي السرير وصاحب ذلك دخول حورية القلق عليهم ومن خلفها رسيل وسبأ وسفيان الذى أقلهم لهنا .. همست هيا بقول لم يخرج له صمت بكلمة ماما لتحتضنها حورية متسائلة وهي تمسحي وجهها : أنتِ بخير يا ابنتي .. لقد قلقت كثيراً عليكِ .

صمت دوروك بخجل أمام ملامحهم القلقة وتولي أحمد الحديث ليخبرهم بجدية الأمر : خالتي الحمة أصابت سمع هيا قليلاً ويجب أن أخذها للعمليات فوراً .

شهقت كلاً من حورية ورسيل وسبأ لتنظر حورية لابنتها قائلة : ماذا تقصد ولماذا تحتاج لعملية .

أخبرهم بوضعها قبل أن يستأذنهم ليأخذها برفقة الممرضات مطمئناً إياهم كونها عملية بسيطة وتتوفر المشفي لامكانياتها .

انتظرا جميعاً معاً خروجها .. دوروك خجلاً نادماً لم يعرف ماذا يخبرهم ورغماً عن حورية عيناها كانت ترسل له تأنيب صامت .

________________________________


كانت تحتاج لشرب الماء ولتجلب لوالدتها أيضاً .. أخذت زجاجات المياه وصعدت مجدداً وبطريقها سمعت صوت مالك ينادى عليها من بعيد : ماما .

لقد كان بالأسفل حين رآها هو وبيسان وتبعها هو صارخاً باسمها ،، جفلت حين احتضن جسدها وهو يقول بما أوقع قلبها بقدميها : لقد جئتِ لتزوري بابا صحيح لقد سأل عليكِ حين عاد لوعيه .

كان أسرع من بيسان التي وقفت خلفه وعينيها تتأملان بقدومها لصهيب فهمست رسيل لها بصدمة متسائلة : ما بهِ صهيب .

أخبرتها بيسان بألم : انقلبت سيارته من يومان لقد اتصلت بك كثيراً ولكنك لم تجيبي أبداً ،، من أين علمتي ؟ .

تسائلت بقلب خافق : هل هو بخير .

أومأن بيسان ولكن ملامحها الحزينة كانت واضحة لرسيل تماماً وترجتها : لقد خضع لعدة عمليات ولكنه الأن بوضع مستقر ،، سيتحسن وضعه إن رآكِ الأن .

نظرت لتعلق مالك بنظراتها ولا تعلم كيف ابعدت نظرها عنه بذلك الجمود ولكن طغي علي خفقان قلبها المرعوب علي صهيب تفكيرها بكونه محائط بعائلته المجرمين الأن التي إن رأتهم ستقتلهم نفراً نفراً بيديها .. لذا ابتعدت خطوتين للخلف متجاهلة نظرات مالك بصعوبة متألمة : حمداً لله علي سلامته أبلغيه سلامي .. أنا وأخيكِ لم يعد بيننا شئ والدته سترعاه بشكل جيد من بعد الأن .

تركتهم ولكن لم تستسلم بيسان وهي تسرع لها : لماذا أنتِ هنا إذاً .. أرجوكي إنه يحتاجك .. إنه زوجك .

أخبرتها بهدوء لتصمت بيسان فوراً : أنا هنا لأن أختي تخضع لعملية الأن ويجب أن أكون جوارها ،، وبالنسبة لأخيكِ أخبريه أن يطلقني لأن هذا أفضل لنا . 

حين عادت أخبرت والدتها وسفيان وسبأ فطلبت حورية منها بحزم أن تكون حوار زوجها ولكنها هتفت رافضة : ماما لا تضغطي علي أرجوكي لن أستطع رؤية أحد منهم .
انصاعت حورية لها بتأنيب ولكنها ذهبت هي بنفسها لتطمئن عليه ولم يتركها سفيان وحدها فذهب معها ولكن كان بعد اطمئنانها علي صغيرتها .

_______________________________


خرجت من العمليات نائمة بسلام ليتحدث دوروك بلهفة : هل جرى كل شئ علي خير .
أومأ له أحمد مبتسماً ليطمئنهم : نعم وسنرى النتيجة حين تستفيق .

ثم أخبره بمغزى : ويجب الحفاظ علي ألا تصطدم رأسها بأى شئ .

ابتلع دوروك ريقه واقتضبت ملامحه متذكراً ما فعله وهذا ما جعل أحمد يشك أن هناك أمر يعلمه دوروك سبب لها هذا الصمم المفاجئ ولكن ما لا يعلمه لماذا تخفي عنه كون رأسها اصطدمت بشئ وتعلل بتلك الحمة ولكنه فهم كل شئ حين أتت أخته لتطمئن بعد أن علمت ما حدث وطلبت من دوروك أن تنفرد به قليلاً ليتبعهم ودخلا ثلاثتهم غرفة أحمد بالمشفي .

بدأت هي الحديث بتوتر مخبرة دوروك : أنا سأتحدث عما أخبرتك به ماما في الهاتف منذ يومين هل أتحدث أمام أحمد .

تسائل أحمد ملطفاً الجو الكئيب بينهم : والله منذ متي بينكم أسرار لا تتحدثي بها أمامي .

نظرت لدوروك فتحدث هو متنهداً لها بجمود : بخلاف ما عرفته من أمي هل يوجد شئ أخر .

أومأت ليحثها علي الحديث لتخبره : صراحةً هيا مخطئة ولكن هي لم تفعل هذا عبثاً .. أنا صدمت أيضاً حين قالت هذا ولم أتحطي صدمتي وأمنع أمي من أن تخبرك إلا الأن ..

رأت علامات الضيق علي وجهه لتخبره مسرعة : ماما تلوم هيا علي شئ .

قطب حاجبيه لتكمل : منذ ليلة زفافكم وهي تخبرها أنها سبب تلكَ المشاكل التي تحدث ودائماً هيا كانت تصمت حتي أنها لا تخبرك ولكن بأخر مرة ماما زادتها وهي تتهمها أن بينها شئ وبين صديقك الذى زور أوراقك للمشفي باسمه .

صرخ دوروك بها مجفلاً إياها غير مستوعباً تفكير والدته .. هيا ليس لها ذنب بأي شى هو الوحيد المذنب : ما هذا الذى تقوليه .

قاطعهم أحمد بمنطقية : ولكن ماما لا تفكر بتلك الطريقة .

تحدثت بهمس : بالتأكيد مشوشة فقط بسبب ما حدث معنا ومرض بابا وهيا كانت المنفث الوحيد أمامها .

وتابعت : أخي أنا أخبرتك فقط لتكون علي علم بالصورة الكاملة ولك حرية التصرف .

_____________________________


_ دوروك نحتاجك بغرفة العمليات إنها حالة طارئة .
_ أجري أنت العملية لن أتحرك من مكاني .
_ يا دوروك يجب على كلانا التواجد .
_ لقد وعدتها أن أكون جوارها حين تستيقظ وهي ستستيقظ بأى وقت الأن .
ثم صوت والدتها الضاحك : يا بني أذهب لمرضاك إن فاقت سأخبرها أنك ذهبت لأمر مهم .
_ لن أذهب . 


ثم هدأ الصوت إذ أنه يري مؤشراتها : انسحب البنج أساسا تستيقظ بأى وقت الأن ،، اذهب أنت وسأوافيك ما إن تستيقظ .


كل ذلك الهمس استمعت له بوضوح وهي تحاول فتح عينيها لتراه عينيها بوضوح لتبتسم له فيقبل عليها مقبلاً كفيها ثم راسها ببطئ وهدوء قائلاً : حمداً لله علي سلامتك .

أخبرته برنين صوتها الهادئ الذى اشتاق له : اذهب لعمليتك .

فتح عينيه علي وسعها قبل أن يضحك وتدمع عينيه صارخاً بحماس : سمعتينا .. هل تسمعينني .
أومأت له ولكن أخبرته برجاء : نعم ولكن أخفض صوتك قليلاً .

ضحك مجدداً لتبتسم هي أيضاً فتحمحم حورية بعبث : ماما هنا يا بيه أنت وهي .

نظرت هيا لها برفق وبهجة في حين وقف دوروك مبتسما مستأذناً منهم لعمليته .

نظرت حورية لها بحنان تخبرها : كم أرعبتيني يا ابنتي .

طلبت هيا منها بعد أن همست أسفة : أسفة احتضنيني الأن فقط أرجوكي ..

جلست جوارها تضم رأسها برفق لها واستنشقت هيا رائحة والدتها الحبيبة لتشعر بأمان لا مثيل له فهمست حورية : أخبريني ماذا حدث وكيف مرضتي ولما لم تخبرى أحد .
تنهدت هيا لتقص عليها كل شئ ولكن قبل ذلك سألتها : سأخبرك ولكن أرجوكِ لا تخبرى دوروك بشئ .

قصت ما حدث كل شئ .. كل ما أرق تفكيرها .. وغلطتها بحق والدته وضربه لها .. قصت كل شئ ولكن باعتيادية وكأنها تروي قصة وهي تختم حديثها : لا تظهري له انزعاجاً أرجوكي يا ماما أنا واثقة أنه يتعذب ويؤنب نفسه أساساً .

هتفت رسيل بضيق : لم أخبرك ألا تجعلى أحد يهينك لتذهبي وتسبيها ولكن لتخبرى زوجك  بما يحدث معك .. دوروك يجب أن يعلم .

تنهدت هيا لتتوسل لهم : أرجوكم لنتحدث بوقت أخر . 

ثم نظرت لحورية الصامتة بألم : ماما أرجوكِ لا تحزني هكذا أنا بخير للغاية صدقيني لو لم يحدث هذا لم أكن أستطيع النظر بوجه زوجي أبداً .. هو أيضاً لو لم يحدث هذا لما كان نظر بوجهي مجدداً .


نهرتها حوريها بنبرتها الحازمة التي اختلفت مع حنان ذراعيها : ولما أري تقليل لذاتك بحديثك هكذا .

تنهدت هيا لتجيبها : ماما ألم أخطئ أنا ! .

أجابتها حورية بمضض : نعم أخطأتي ولكن والدة زوجك هذه لي حديث معها .
أيدتها هيا قائلة : وهذا عقاب الله لخطئي هذا وأنا راضية أرجوكم لا تخبرو دوروك شئ .
وافقو علي مضض لأجلها ولكن كل منهم حملت ضغينة بقدر ما بداخل قلبها علي دوروك .. وبعد انتهاء عمل دوروك أخبرهم أن الوقت تأخر ويجب أن يعودا للمنزل ليرفض جميعهم فتضحك هيا وهي تخبرهم : أنا بخير اذهبو لترتاحو هيا يا سفيان خذهم وخذ زوجتك واذهبوا .

أيدها دوروك ممازحاً : نعم أساساً لا يصح إلا مرافق واحد وأنا هنا معها وأساسا هذا ليس بوقت زيارة ولكننا ننتهك القوانين هنا .

لم يخفي عليه امتعاضهم فصمت محرجاً لتوافق حورية قائلة : حسناً ولكن لأبقي أنا معها حتي إذا طرأ لكَ عمل مفاجأ لا تكون بمفردها. 

وافق دوروك علي ذلك بصمت لتسرع رسيل : ماما لأبقي أنا .

نظرت حورية لابنتها موافقة بسرعة .. صغيرتها لا يطاوعها قلبها علي ألا تري زوجها ولقد استغلت الفرصة وبالفعل ذهب الجميع وخرجت هي سارقة تلكَ اللحظات المظلمة بأوج الليل لتطمئن عليه وقلبها يدق بعنف من رؤيته هكذا مستسلماً خائراً القوة .. لان قلبها بعجز وهي تقرب أصابعها لتتلمس وجهه ولكن بكاء طفلها لاح أمام أعينها من العدم لتنزل دموعها وهي تتراجع لتخرج من الغرفة ببكاء .. هو بخير .. وهما سينفصلان ومن بعد الأن لم يعد يهمها أمره .

بغرفة هيا ما إن خرجت رسيل حتي ارتعشت رموش هيا برعشة طفيفة وهي تنظر له ليقترب جالساً جوراها بهمس معذب : هل أخبرك كم أنا أسف .

نفت وكم يؤلمها نظراته التي ترى علي كاهله بها ذنب كبير هامسة : لا تتأسف .

لم تود أن تخبره أنها هي الأسفة لم تود تذكر أي شئ مما حدث معها ،، فاهتزت عينيها بخوف لحظي .. خوف على ألا يكفي ما أصابها كي ينسي ما فعلته هي فيحاوك وجهها بخوف : مما أنتِ خائفة لا تخافي مني بالله عليكِ والله لن أفعلها مجدداً .. لن أضربك مجدداً ولن أتركك وحدك هكذا مجدداً .

حاوطت بكفيها كفهِ المحاوط لوجهها متسائلة بلين : ألست غاضب مني .

لا تعرف ماذا حدث بعد ذلك لقد التهم وجهها وشفتيها التهاماً لترتفع نبضات قلبها بعنف هذا ما رآه بجهاز مؤشراتها ليضحك وهو يخبرها بعبث : أنا غاضب جداً لأن كل الناس تقف بطريق مستقبلي حتي الأن .

ابتسمت بخجل ليضم رأسها لصدره وهو يخبرها : حقاً أسف يا جميلتي أنا تركتك وحدك حتي وصلتي لهذا الحال .

احتضنت ظهره لتخبره : لا ذنب لك يا حبيبي أرجوك لا تلم نفسك .

رفع عينيه لها ليسألها رأفةً بقلبه كيف تكون لينة القلب هكذا متسائلاً بعذاب : ماذا قلتي .

تلاعبت ببسمة لعوب جميلة علي شفتيها وهي تخبره : أنا أحبك .

وقبل أن ينال قبلته الثالثة منها دقت رسيل الباب لتبتسم هي بعد سماع سبهِ لحظه .

____________________________


تعجبت من قسوة والدتها فهي لا تريد الذهاب معها لزيارة هيا حتي بعد عودتها لمنزلها .. وكأنها تستنكر عدم تطليق دوروك لها بعد أن أخبرته بما حدث .. تذكرت كلام دوروك بنهاية حديثهم بالمشفي " أخبري أمي أنني جلبت حقها وأنا السبب برقودها هنا بالمشفي " .
أخبرت والدتها بتلكَ الكلمات ليزداد تهكم ملامحها لتتنهد الأخرى قائلة : يا أمي والله احترت مما تفعليه أنتِ لستِ هكذا .

صمتت رحمة قبل أن تخبرها : أنتم أطفالي دون إرادتي إن شعرت بأي خطر يقترب منكم يحترق قلبي وأرغب بتمزيقه .

أجابتها ابنتها : ولكن هيا ليست خطراً ،، ليس لها ذنب أنتِ ظلمتيها يا أمي ويجب أن تنهي هذا الأمر لأجل دوروك . 

ثم تابعت لتستعطف والدتها : ألم تفكري أنني قد يحدث معي نفس الذى فعلتيه لها .. هل ستطوني سعيدة لو حدث يا ماما .


شهقت رحمة بخفوت وكأنها تلقت صاعقة أفاقتها .. وكما قالت منذ قليل شعرت لو حدث هذا لابنتها لأقرت أنه خطر يجب تمزيقه .. خطر يؤلم ابنتها ولو بالكلمات المسمومة .. لذا نظرت لابنتها بأسي : لا أرغب بحدوث هذا معك يا صغيرتي .. يا الله سامحني ولا تمتحني بابنتي .

أجابتها الأخري وهي تحتضنها : تخيلي شعور والدتها الطيبة الأن ،، والله هيا وعائلتها لن تجدي مثلهم مجدداً بتلك الحياة .. أنا أعلم أن كل ما حدث كان تصرف دون وعي بسبب خوفك علينا .

أومأت رحمة لها لتجيبها متنهدة بإدراك : هيا سنذهب لها .

وافقت ابنتها وهي تقف بسعادة لتذهبان معاً لهيا .

وبنفس الوقت كانت هيا بمنزلها محاطة بأخواتها جميعاً وطفلي جيلان اللذان كادا يققدانها سماعها مجدداً منذ الصباح بسبب شقاوتهم .. بالكاد يحبون ولكنهم أشقياء للغاية وهي رغم تعافيها القريب إلا أنها لاعبتهم بكل سعادة .. فرحة للغاية بهم تكاد تلتهمهم التهاماً وهي تخبر لورين وراما بمشاكسة : وأنتما أسرعا قليلاً ما هذا الحمل الكاذب لم يظهر عليكم شئ بعد .

لم يبدو لراما أنها سمعتها وهي تمثل ذلك أما لورين أجابتها مخبرة الجميع : لو ترو ديم يكاد يجن لأنني حامل .

سألتها حورية بضحك : هل أحد يجن لأن زوجته حامل يا ابنتي .

أومأت لها بتسلية لتخبرهم : يخشي أن أنشغل عنه بسبب الأولاد وصراحةً أعجبني اللعب مع انزعاجه هذا بالكاد اجعله يقترب مني .

ضربتها حورية علي رأسها بسبب جرأتها ولكن الجميع حولها أصبحو هكذا وقد غدو جميعاً متزوجين بين ليلة وضحاها وأحفادها أمام عينيها أيضاً وأخبرتها محذرة : حذاري أن ينفجر  إذاً .

ضحكت لورين مشاكسة : لا تقلقي أنا أخذ  احتياطاتي .

ضربتها مرة أخري برفق قبل أن تتبع ابنتها التي دخلت للمطبخ لتقف معها متسائلة بتوجس : هل أخبرتي دوروك أم مازلتي علي موقفك العنيد .

نفت هيا باقتناع : لن أخبره يا ماما ،، صدقيني هو يشعر بالذنب وحده أساسا وأنا لا أتحمل رؤية ذنبه هذا كيف تريدني أن أخبره أن ضربك لي هو ما افقدني سمعي .. أنك كنت تصرخ بكلمات لا أسمعها حتي بسببك .. أو أخبره بسبب والدتك التي منذ أن تركتني أمام المشفي صرخت بوجههي قائلة أنتِ السبب .. هل أخبره أنها اتهمتني بشرفي .. شرفي الذي هو شرفك .. هل أخبره أنها رغبت أن تركه وأذهب قبل أن تفضحني بتخيلاتها التي ليس لها صحة .

تمزقت حورية وهي تخبرها بحنان بعد أن أخذتها لداخل ضلوعها بحضن آمن : يجب أن يعلم كي لا يعيدها يا صغيرتي .. كي يأخذ حذره .

احتضنت هيا كفيها مقبلة إياهم لتخبرها : صدقيني هو يأخذ حذره ويخشي عليَّ من أي شئ لا تنسي أنه طبيب ويعلم أن اصطدام رأسي بأي شئ قد يفسد سماعي مرة أخري .
كان كلاهما غافلاً عن حضوره المبكر للمنزل وسماعه تلك الكلمات التي أصابته في الصميم قبل أن يغادر مجدداً بقلب وجل دون أن يلاحظه أحد بسبب قرب المطبخ من باب المنزل .. عاجزا عن مواجهتها . 

ألم يكن يرى حزنها ،، كان يجب أن يعلم أن بكائها وذبولها ليس سببه ما حدث منذ ليلة زفافهم فقط ،، أخته لم تبكي هكذا فيما حدث لهم وصاب والدهم ،، ولكن أيعقل والدته تفعل هذا .. ولم يخرج منها تصرف كهذا من قبل .. هي رحمة اسم علي مُسمي بأحلامه لم يكن ليتخيل أن هيا تتحمل عبئ كهذا .. تلومها والدته علي كل شئ .. بأحلامه لم يكن ليتخيل أن والدته تُحملها الذنب أساساً .

ولكن هو المذنب الوحيد بتلكَ القصة وبتلكَ الآلام .. هو ومغامراته وعبثه الأحمق .. شجارته وتعنفه .. هو من أوصل كل من يحبهم لهذا بيديه .
ولكنه الأن أعاد المشفي لوالده .. أراح والدته بما سببه لهيا من ألم دائم رغم أنه سيظل يحمل ذنب هذا طوال عمره ولكن الأن لم يبقي لأحد حق عنده إلا هي ..
عصفورته التى سيحقق أحلامها واحدة تلو الأخرى لعل عبئ هذا التعذيب النفسي يقع من على كاهله .. رغم أنها لا تُحمله الذنب .. تُطالعه بزرقاويتاها الداكنتين وكأنها تفتخر بهِ أكثر من أى أحد بهذا الكون .. يتذكر كيف ارتجفت بين ذراعيه الغليظان ورفرفت كعصفور وهو يقتلع خصلاتها ومع ذلك لا تحمل تجاهه ولو ذرة من ضغينة .. أى قلب تمتلك تلكَ البرتقالية .

عصفورته الذى قرأ في دفترها أنها تتمني لو تجوب العالم وهذا ما سيفعله تماماً وسيبدأ بتلكَ الأجازة التي ضاع منها الكثير هباءاً ولكن تبقي منها الكثير أيضاً ليختطف عصفورته ويذهب بها لأول جولة خارج البلاد معاً .. ليبدأ حياةً نظيفةً من العبث معها .. لتعرفه جيداً لتعرف أنه طيب القلب الذى لن يُماثل طيب قلبها ولكنه يُحبها بصدق وما فعله بها ستظل ثغرة حياته السوداء الوحيدة .
__________________________________

يتبع