-->

الفصل الخامس - كما يحلو لكِ - النسخة العامية



الفصل الخامس

النسخة العامية 


التقت اعينها بتلك المرأة التي وكأنها توأم لها ولم تختلف عنها سوى بتلك المُقلتين التي ينهمر منهما لون الزمرد الصارخ لتبدو عينيها كعيني افعى غير مُريحة بتاتًا، وهناك ذلك الشعر الأسود القصير الكثيف الذي يترنح كلما تحركت بينما لمحت قوامها بتفحص لتجده ممتلئ نوعًا ما عنها، وربما اطول منها بعض السنتيمترات القليلة ولكن هذا الحذاء الذي ترتديه "روان" يجعلها تبدو اطول منها! ولكن بالرغم من كل هذه الإختلافات بينهما إلا أن كلتاهما تبدوان وكأنهما توأم! ولكن تبقى شفتيها أفضل من شفتي تلك الشمطاء التي لا تدري ما الغرض من قدومها لتراها بمنزل ابنة خالتها تحديدًا!


تفقدتها "يُمنى" هي الأخرى وبداخلها احتدمت الثقة بالنفس بعد رؤية المرأة التي تزوجها، لا تُصدق أن بعد كل هذه السنين فعلها وتزوج إمرأة كادت أن تماثلها لولا بعض الطفرات الجينية البسيطة واختلافها بين البشر! يا له من رجل ضعيف.. يبحث عنها بكل إمرأة ولا يجد من تُماثلها ولن يفعل!! لم يجد سوى مجرد نسخة شاحبة صفراء اللون منها!


نظفت حلقها وهي جالسة بشموخ ولكن بنفس الوقت بتلقائية، ربما تبدو واثقة من نفسها ولكن لا تريد المبالغة، فهي تعرف جيدًا أنها اخيرًا سنحت لها الفرصة بالإنتقام مثل ما تركها يومًا ما، ستعمل مليًا على دمار هذا الزواج؛ بل، وستبدأ بالمساومة على كل ما عملت على أن تمتلكه يومًا ما واضاعه هو من بين يديها.. أموال، ثأر قديم، ولكنها لم تنس أيًا من تلك الأيام، سبع سنوات منذ أن كانت بالثامنة عشر إلي أن اصبحت بالخامسة والعشرون مع عرقلة بمسيرتها المهنية، لن يفلت منها إلا وهي تُدمر كل ما عمل هو على بنائه!


- أنا عارفة إني جاية من غير ميعاد وكمان في بيت بنت خالتك بس ده كان الحل الوحيد قدامي علشان اعرف اشوفك واتكلم معاكي..


تحدثت موجهة كلماتها إليها بينما التفتت "يارا" نحو ابنة خالتها التي لا تدري ما الذي يحدث بين تلك المرأة وبينها وملامحها بأكملها متسائلة عما تراه أمام عينيها ولا تفهم شيئًا لتنظر لها "روان" نظرة ذات مغزى ثم همست لها:

- هفهمك كل حاجة بعدين ... سيبيني بس معاها لوحدنا، مش هطول معاها!


أومأت لها بالتفهم بالرغم من إلحاح عقلها بأن تعرف ما الذي يجري بين كلتاهما ولماذا اصرت هذه المرأة أن تأتي لمنزلها ومشت على مضض لتترك لكلتاهما بعض الخصوصية على أن تُفسر لها "روان" كل هذا بعد أن تنتهي!


- نعم! اتفضلي، جاية ليه؟


ارتفعت انفها بحركة تلقائية منها بينما عقدت ذراعيها بثقة، نبرتها وكل نظراتها لا تدل على أنها لأول مرة تعلم التشابه بالملامح بينهما، يبدو وأنه كان صادقًا معها بخصوص هذا الشأن، لتبدأ اللعبة إذن!! 


اتجهت "روان" لتجلس أمامها مترقبة ما ودت أن تقوله وجلست معتدة بنفسها والثقة تصرخ من كل ملامحها فتحدثت "يُمنى" إليها بنبرة مُعتدلة تلقائية كي لا تُثير ارتيابها:

- بصي أنا معرفش بدايتك انتي وعُمر ازاي، ولا حتى اعرف ايه اللي ما بينكم.. بس أنا جاية اقولك كلمتين واديكي نصيحة واحذرك!


تهكمت "روان" بداخلها على ما تستمع له، نصيحة وتحذير، يا لها من إمرأة شريفة تكترث للآخرين حقًا! 


حاولت بعث بعض الحزن لملامحها كي تبدو متأثرة على ما أوشكت على قوله ثم استطردت بينما تابعتها الأخرى بكبرياء وبرود هائل وبداخلها تنوي على صرفها من هذا المنزل بأسوأ طريقة تجرح كرامتها:

- عمر انسان كداب، ومش صريح، واذاني اذى لسه مأثر على حياتي لغاية النهاردة، مش عارفة انتي تعرفي عنه كل حاجة ولا لأ بس نصيحتي ابعدي عنه لأن الإنسان ده هيؤذيكي زي ما اذاني!


رفعت حاجبيها بإستنكار ثم ردت مُعقبة بإستهجانٍ شديد وسؤال تفلت من بين شفتيها بنبرة تؤكد لها أنها لا تُصدق شيء من كلماتها:

- وهم الكلمتين دول بقى اللي مقدرتيش تقوليهوملي في اي مكان غير هنا في بيت بنت خالتي؟


ابتسمت لها بإقتضاب ثم تنهدت واجابت سؤالها:

- ما أنا لو كنت جيتلك أي بيت كانوا هيمنعوا اني ادخل، وبالأسطول اللي معينه لحراستك برضو مش هاقدر ادخل الشركة بتاعتك، ولو كلمتك أنا مش مستبعدة إنه يكون قالك أي حاجة عني وطبيعي هتقفلي في وشي ومش هتسمعيني.. مكنش قدامي أي حل تاني غير اني اجي ليارا بنت خالتك بعد ما حاولت اعرف مين قرايبك وطبعًا في وقت ميكونش فيه أي أمن أو حراسة على بيتها وبعدين اكلمك تجيلي علشان محدش من الأمن يشوفني، واخترت وقت هو مسافر فيه علشان نعرف نتكلم سوا.. أنا يمكن عمر خدعني مرة زمان لكن مش هسمحله يؤذي بنات الناس اكتر من كده!


همهمت وهي تقلب شفتيها وهزت رأسها لها بتفهم ثم تريثت لبُرهة وامعنت التفكير بكلماتها لتجيبها ببرود شديد:

- طيب تمام.. متشكرة جدًا على النصيحة الهايلة دي.. 


رآت ملامحها التي تدل على انها لم تُصدق ولو كلمة واحدة من حديثها فقررت أن تترك لها سببًا مقنعًا كي يؤيد حديثها وكذلك ستتلاعب على الغيرة التي تراها تُشع منها منذ أن التقت اعينهما:

- أنا عارفة إنك مش مصدقاني، وعارفة إن عمر كلامه حلو اوي ويخليكي تتعاطفي معاه جدًا بس انتي متعرفيش هو ممكن يعمل ايه، أنا آمنتله واديته سبع سنين من حياتي، سبع سنين كاملين واستحملت اللي مفيش واحدة تستحمله مع واحد زيه وواحد زي باباه اللي كان بيكرهني من غير مبرر ودايمًا كان بيقوله يبعد عني.. بس تقدري تتأكدي من كلامي بنفسك وبعينيكي! ومظنش بعد ما تتأكدي هيكون كلامي غلط!


زمت شفتيها بنفاذ صبرٍ ثم ابتلعت وداعبت خصلات شعرها وهي تعيد رأسها للخلف كعلامة على مللها الشديد مما تقوله وتفقدتها برمقاتٍ لا تزال تبرهن لها أنها لا تصدق ولو حرفًا واحدًا مما تقوله وكأفعى محنكة كان عليها ترك الفخ لفريستها قبل أن تعتصرها وتلدغها بسمها النافذ المميت: 

- لو عايزة تتأكدي من كلامي شوفي بنفسك.. الأوضة بتاعت عمر اللي فوق، فيه خزنة في الأوضة اللي جواها، الل حاطط فيها السرير، ده يعني لو مكنش غير حاجة هتلاقيها تحت السرير نفسه ومحفورلها في الأرض تحت الخشب نفسه.. لو عرفتي توصلي للي في الخزنة دي وتفتحيها وتشوفي كل الورق اللي بيشيله هناك هيثبتلك قد ايه هو إنسان مش كويس وماشي غلط من زمان! 


هزت رأسها بقلة حيلة مُدعية الحُزن بينما رآت انها استطاعت جذب انتباهها لما تقوله بعد تلك الملامح المُتعجبة التي تظهر عليها ورآتها تبتلع بتأهب تحاول أن تخفيه لتحكم الفخ مليًا:

- عمرك ما سألتي نفسك أبدًا ليه عمر عامل الأوضة ببصمة ايده مع ان البيت كبير جدًا وفيه أمن مبيتحركوش حوالين البيت؟ ولا عمرك سألتي نفسك ليه محاوطك بكل الأمن اللي جايبهوملك دول ومخليهم ملازمينك في اي مكان تروحيه؟ مسألتيش نفسك ليه صمم يتجوز واحدة شبهي أنا بالذات؟


رآت التردد بعينيها لتشعر بأن انتصارها وشيك للغاية لتزداد ثقة بداخلها ثم همست مُدعية الحُزن الزائف:

- أنا جيت انصحك نصيحة، بعد ما بهدلني في حياتي وكمان كان من ورايا بيؤثر عليا في شغلي وحياتي، سنين على ما عرفت اشتغل بعد ما كنت من اشطر بنات الجامعة، هو ده عمر، الأذى في دمه ومبيبطلش يؤذي، أنا قولت اقولك الحقيقة واسيبك تشوفي بنفسك لا تفتكريني كدابة أو بكدب عليكي في حاجة.. 


نهضت كي تُغادرها وكادت أن تصرخ بها بأنها كاذبة لعينة وخائنة ولكنها ترددت قبل أن ينطلق لسانها، فهي على علمٍ بأن "عمر" لم يُصارحها بحقيقة خيانتها، وهي بالفعل ليست بحالة تستطيع خلالها تحمل كل هذا!! 


نظرت لها متظاهرة بالتعاطف بل والشفقة واضافت اخر سمومها:

- ابعدي عنه علشان اكيد هيؤذيكي، وبالذات لو صلتي لكل اللي في الخزنة دي وشوفتي حقيقته مش هيقدر يكدب عليكي وقتها، وعمومًا أنا قدرت اوصل لرقمك بعد معاناة وده رقمي.. 


اخرجت احدى البطاقات ثم تركتها على منضدة موضوعة بينهما واستطردت:

- عمر محدش هيفهمه في الدنيا قدي ولو احتجتي لمساعدتي في يوم أنا موجودة.. بس نصيحة الحقي ابعدي، انتي لسه عارفاه بقالك كام شهر، ضرره عليكي دلوقتي مش هيبقى زي ضرر واحدة اتعذبت معاه سبع سنين بحالهم! 


نهضت "روان" وهي تتفقدها غير مُدركة ما الذي عليها قوله لتجدها تبتسم لها بإقتضاب واعتذرت قائلة:

- آسفة، مكونتش احب اجي كده هنا واسببلك مشاكل بس ده كان الحل الوحيد قدامي، واوعدك مش هسببلك اي مشكلة تانية.. في اي وقت تحتاجي لمساعدة كلميني، يمكن في الأول هتشوفي ان عمر بيقدر يحل كل حاجة ويجبر اللي قدامه على اللي هو عايزه بس ليه اعداء كتير جدًا، كلهم جربوا اذاه، ويوم ما تفكري تبعدي عنه بطريقة قانونية شرعية هتفتكري انه يقدر بنفوذه هو ووالده يجبر كل المحامين ميتعاملوش معاكي.. بس لسه فيه ناس ضميرها صاحي ومبترضاش بالظلم.. لو احتاجتي اي محامين يقدروا يوقفوا قدامه هتلاقيني جانبك ومن غير ما يعرف حاجة متقلقيش ولا تخافي!


نكست رأسها مُدعية قلة الحيلة ثم استأذنتها بلطف وهي تطرق على الحديد وهو ساخن قبل أن تستعيد ثقتها بنفسها:

- معلش اسفة، هو لو ممكن تروحي مع الأمن والسواقين بتوعك أي مكان علشان ميشوفونيش وأنا موجودة هنا هاكون شاكرة جدًا ليكي.. أنا بجد جيت ادي نصيحة ولو مش عايزة تشوفيني تاني مش هتشوفيني خالص واوعدك مش هاكررها وانتي طبعًا حرة وفي الأول وفي الآخر ده قرارك..


❈-❈-❈

بعد مرور نصف ساعة..

ترجلت هي وابنة خالتها "يارا" من السيارة ودخلت كلتاهما تتجهان حيث هذا المقهى القريب من منزلها والثانية تحاول استلهام الصبر إلي أن جلست كلتاهما حيث صاحبهما نادل إلي منضدة قريبة حتى جلستا وطلبتا أية مشروبات لتسألها وهي لم تعد تستطيع الصبر أكثر من هذا وسرعان ما تفلتت الأسئلة من بين شفتيها:

- مين دي يا روان وشبهك اوي كده ليه وليه صممت تيجي عندي، أنا بجد مش فاهمة أي حاجة من اللي بيحصل! وبعدين ليه صممتي نخرج برا البيت وبرضو مخلتيناش نتكلم في العربية! ايه كل اللي بيحصل ده فهميني!


دلكت "روان" جبهتها بإضطراب وهي لا تدري من أين عليها أن تبدأ لتزفر بعمق ثم اجابتها:

- الست دي كان عمر مرتبط بيها سبع سنين.. من اول سنة في جامعته لغاية بعد التخرج كمان، كانت زميلته في الكُلية


ضيقت ما بين حاجبيها بإستغراب ثم اردفت سائلة:

- يعني عايزة تفهميني انه اتجوزك علشان انتي شبهها؟ 


ترددت كثيرًا قبل أن تُجيب على هذا التساؤل وحدقت بالفراغ ثم همست مُجيبة بإنكسار:

- معرفش.. حقيقي مش عارفة حاجة! 


هزت كتفيها وكادت أن تدخل "يارا" بالمزيد بينما تابعت همسها مستطردة:

- أنا لسه عارفة من يومين بالظبط يا يارا إني شبهها!


رفعت حاجبيها ذاهلة مما استمعت له ثم حدثتها متسائلة:

- يعني هو اللي قالك ولا انتي اللي عرفتي من حد تاني؟


نظرت لها لتلتقي اعينهما وامتلئت عينيها بالعبرات لتدمع وهي تجيبها:

- عرفت صدفة لما شوفت صورة ليها، مكونتش مصدقة انه ممكن يخبي عليا حاجة زي دي..


لم يعد هناك مفر من الإخفاء، لم يعد هناك أي ملاذ تحتمي منه من شدة التوتر على اعصابها بسبب كل ما تُكنه له وما تظل تكتشفه عنه كلما اتجهت لأعماقه، لم يعد هناك مفر من تلك المُسكنات التي تعطيها لها "مريم" بكلماتها ومحاولاتها التي لا تنفك تحاول بها مع رجل مثله، ولم يعد عليها أن تظل نفس الفتاة العملية التي ليس لديها من تتحدث معه ولا تصادقه سوى الحاسوب والعمل!


لسخريتها قد اصبحت إمرأة متزوجة من زوج خبيث ذو ماضي لا تنتهي توابعه، وعليها أن تغير حياتها هي الأخرى، حتى لو ستجلس مثلها مثل أي إمرأة مجروحة لتُدلي بكل ما تشعر به على مسامع صديقة، أو قريبة، أو أي كائن حي يستمع لها ولن يناله الضرر الشديد من كل ما يحدث لها، فابنة خالتها ليست مصابة بالشلل كوالدتها وليست مثل اخيها الصغير الذي سيهمل دراسته من اجلها أو ستتملكه العاطفة من جهة زوج اخته الذي يراه واحدًا من افضل الرجال في حين أنه الأسوأ على الإطلاق، ولمصيبتها هي تعشقه عشقًا لا تستطيع فهمه أو ادراكه!


- يارا، أنا بتعذب من اول الجوازة دي، أنا مبقتش عارفة اعمل ايه! 


اجهشت بالبُكاء رغم عنها واستسلمت للإنهيار التام بينما حاولت "يارا" أن تربت على كتفها وهي تنظر لها بتعاطف حقيقي وحزنت من اجلها وحاولت أن تُطمئنها فتحدثت بنبرة حنونة:

- اهدي بس وحاولي تبطلي عياط واحكِ لي فيه ايه، أنا هاسمعك وهنحل كل حاجة إن شاء الله سوا!


رفعت كتفيها ثم اخفضتهما كدلالة على عدم المعرفة وحاولت أن تتحكم بنحيبها ولكنها لم تستطع أن تفعلها وبنفس الوقت شعرت بأن رأسها سينفجر حتمًا لو أنها احتفظت بالمزيد من التفاصيل بداخلها دون أن تتفوه بها على مسامع أحد:

- أنا يوم ما عرفته روحتله علشان قضية الورث، عمي وابنه كانوا عايزين ياخدوا كل حاجة مني، تسعة واربعين في المية من الأسهم، والله العظيم ظلم وبابي مكتبلوش حاجة.. كان لازم اتصرف بأي إجراء وروحت وشوفته ويومها قالي ماشي هخلصلك القضية وبعتلي بليل وقالي هتجوزك.. رفضت طبعًا وحاولت يومين اكلم كذا محامي غيره وكانوا كلهم بيرفضوا القضية مكونتش عارفة اتصرف ازاي..


امتدت اناملها المرتجفة إلي وجهها لتجفف تلك الدموع التي تأبى التوقف عن الإنهمار لتتملكها شهقات تلقائية وحاولت أن تتابع بصخب صوتها الذي يرتد بمنتهى العنف بين البُكاء وبين الإنهيار:

- افتكرته شخص كويس وناجح وشاطر وشكله حلو ومستوانا الإجتماعي قريب من بعض واهله كان شكلهم ناس كويسة ولقيت مامي مبسوطة وبتمدح فيه وكمان بسام حبه جدًا.. حسيت بس إنه زي الرجالة اللي بتتحكم شوية فحاولت افهمه إني مبحبش الخنقة في التعامل وافتكرت إن ده عيبه الوحيد وقولت هيراعي شوية ويتغير بعد الجواز بس محصلش.. لقيت الأسوأ!


تعالت شهقاتها بصحبة نوبة بُكاء جارف لتربت "يارا" عليها مرة ثانية وحاولت أن تهدأ منها ولكنها لم تستطع ليزداد بُكائها ارتجافًا لتكلمها بنبرة مُطمئنة:

- اهدي بس علشان نحاول نحل كل حاجة، اهدي وفهميني ايه اللي حصل، متخافيش علشان خاطري.. 


نظرت إليها وكلمتها بنحيب لتقول:

- أنا مش خايفة على قد ما انا حاسة بالفشل والضعف ومش عارفة اعمل ايه! 


ازداد انهيارها اكثر لتنظر لها الأخرى بمؤازرة شديدة وتحدثت "روان" والكلمات تتهرب من لسانها:

- كان وحش اوي يا يارا في الأول، وطلبت منه الطلاق، بس قالي نفتح صفحة جديدة، وأنا كنت مرعوبة ارجع لمامي وبسام مطلقة، وكنت خايفة يؤذيهم، كنت خايفة يفرض عليا أي حاجة زي ما منعني اني اروح لأي محامي تاني في الأول، كنت خايفة الناس كلها تبصلي إني مطلقة وانا لسه عندي سبعة وعشرين سنة، كنت خايفة من حكم الناس ونظرتهم ليا واحنا عيلتنا كلها مفيهاش واحدة مطلقة.. فحاولت معاه، ويا ريتني ما حاولت، أنا حبيته مش بس سامحته على كل اللي كان بيعمله!


حاولت التنفس بين شهقاتها وهي تشعر أن قلبها قارب على الفرار من بين ضلوعها وتابعت بمزيد من الإنهيار:

- إنسان كده مشوفتش زيه، هادي، ومثقف اوي وبيحب التاريخ وطلع رومانسي جدًا، وحياته كانت صعبة اوي، وكل شوية كنت بلاقي إني بحبه وعايزة احاول معاه، لدرجة إن يوم ما روحنا نشوف شقة يونس لو تفتكري لقيت فيه عيادة مستشارة زوجية فابتديت معاها، وحاولت اقنعه الف مرة بالموضوع بس هو شايف إن ده مجرد هبل وجنون وتضيع وقت فاضطريت إني اخبي عليه واتابع معاها من وراه، حاولت معاه على قد ما قدرت في كل حاجة وهو كان بيتحسن وبيحبني وبيحكي ليا عن كل حاجة، بس لما شوفت صورة البنت دي! حسيت إن كل ده كان كدب في كدب!


ارتفع نحيبها وارتجف جسدها على اثره بشدة ودموعها باتت كشلالات منهمرة يستحيل أن تواجهها وهي بهذا القارب المتواضع من التماسك الذي انهكته رحلتها معه خلال كل الأشهر المنصرمة فكان عليها الانصياع والإستسلام لتيار المياة الجارف لها بشدة ثم اكملت بنشيج:

- مبقتش عارفة اصدقه، ولا اصدق مشاعري ومشاعره، ولا انا كنت غلطانة من الأول، ماشي يمكن غلطانة بس حاولت اصلح كل حاجة، وهو كمان اتغير معايا في حاجت كتيرة اوي، بس بقيت خايفة الاقي مصايب تانية وراه، صورة الراجل الشاطر اللي انتو بتشوفوها دي محدش يعرف كل اللي وراها غيري.. محدش يعرف عنه حاجة زي ما انا ما عرفت، وبقيت مرعوبة إني اصحى كل يوم الاقي مصيبة جديدة ولا قديمة من مصايبه اللي مبتخلصش! مش عارفة اثق فيه بعد كل الحب اللي بيني وبينه ولا ده كمان كدب، مبقتش عارفة هرتاح لو سيبته ولا هتعذب! بقيت تايهة اوي وراسي مبتبطلش تفكير وكل يوم صداع مبينفعوش لا مسكنات ولا ادوية ولا حتى كلام الدكتورة اللي كان بيهون عليا في الأول وبيحسسني بالأمل!


ازدادت شدة اجهاشها بالبُكاء ولم تعد قادرة على المواصلة لتقوم "يارا" بضمها واخذت تُربت عليها وقررت ألا تُفرق هذا العناق إلا بعد أن تهدأ تمامًا وانتظرت إلي أن لمست منها بعض الهدوء وهي لتوها توقفت عن البُكاء ولا يتهرب منها سوى شهقات متتابعة فتريثت كي تُلهمها المزيد من الهدوء وابتعدت قليلًا لتناولها كوب من المياة واشارت لها أن تتناول منه البعض وهي تربت على كتفها فارتشفت منه بإرتجافة تلقائية تأبى أن تُغادرها فهمست لها متسائلة بعد بُرهة:

- حاسة إنك احسن بعد ما اتكلمتي؟


رمقتها بعسليتين اكتسحها غمامة جديدة من العبرات ووجهها بأكمله يتمزق حُزنًا وكادت أن تبكي من جديد بينما لحقتها الأخرى مسرعة وهي تُمسك يدها لتشد عليها بقوة:

- لا اجمدي علشان خاطري وهنحل كل حاجة سوا مع بعض، متقلقيش خالص! انتي يا روان طول عمرك جامدة وذكية وشاطرة وهتعرفي توصلي لحل اكيد.. بس لازم تهدي علشان تعرفي تفكري


سرعان ما تحدثت بسخرية لاذعة معقبة على كلمات ابنة خالتها:

- تقصدي طول عمري غبية ومشغولة بتفاهات وعازلة نفسي عن الدنيا كلها ويوم ما جيت اتجوزت بقيت تايهة وفاشلة في حياتي!


أومأت لها بالإنكار وقالت بإعتراض صريح ونبرة مؤكدة:

- مين قال، انتي كل اللي يعرفك بيحسدك على اللي انتي فيه، يا إما مُعجب بشطارتك وبكل اللي انتي وصلتيله! 


اطلقت زفرة مصحوبة بهمهمة هاكمة على نفسها ثم غمغمت وهي شاردة ببقعة خاوية بالمنضدة امامها:

- يجوا يتفضلوا يشوفوا حياتي بقت عاملة ازاي


ابتسمت لها ونظرت لها نظرة مطولة وحاولت أن تشتت تفكيرها عن الحُزن قليلًا فحدثتها ببعض الحماس ونبرة مُلفتة لإنتباهها:

- طيب تعرفي بقى إني كنت شايفاكي اكتر واحدة مناسبة ليونس وإنك انتي اللي هتعرفي تلميه من شغل البنات الطياري بتاعه ده وأنا صاحبة اقتراح إنه يتقدملك اصلًا علشان واثقة إنك جامدة وهتعرفي تنجحي معاه! 


التفتت ناظرة لها بتعجب شديد واستغربت لتسألها:

- ده بجد الكلام ده؟


أومأت لها بالإيجاب وابتسمت لها لتقول:

- طول عمرك عارفة إن يونس بتاع سفر ومسخرة وكل ما يقرب من واحدة ونفتكرها هي خلاص دي وهتظبط وبعدين يغير رأيه، فحسيت إنك انتي الوحيدة اللي تقدري تربيه وتمشيه صح، بنت زي القمر وشاطرة وملهاش في المسخرة ولا حتى ارتبطت بحد قبل كده، بس ساعة ما رفضتي قولنا خلاص مفيش نصيب ما دام انتي مش موافقة!


من جديد تهكمت على حالها بلذاعة ثم عقبت بسخرية:

- يا ريتني كنت وافقت يوم ما مامي قالتلي، مكنش زماني متشتتة اوي كده وانا كل يوم بحس براسي هتخرج مني من كتر التفكير


ربتت عليها بدعمٍ ثم حدثتها بإبتسامة واردفت:

- الجواز والشغل والأطفال رزق ونصيب يا روان، كل واحدة ليها نصيب في حاجة بتشوفها، ولو مكونتيش انتي قد كل ده مكنش ربنا حملك فوق طاقتك، يمكن فعلًا بيحبك، ويمكن هو إنسان اتغير على ايديكي، ويمكن ربنا بيمتحنك بإبتلاء وبيديكي درس علشان يفيدك من ناحية تانية في حياتك! محدش عارف ليه بنلاقي حاجات في حياتنا غريبة بس لما بنرجع ونفكر في اللي حصلنا بنلاقي إن لو مكنتش مشيت كده بنفس التفاصيل والأحداث كان هيبقى اسوأ لنا بكتير، ربنا بيسبب الأسباب دايمًا!


تفقدتها وهي تحاول التحكم بواحدة من شهقاتها التي لا تتوقف اثرًا لبُكائها الشديد وهي تحاول التفكير بكلماتها، لم تكن يومًا متدينة إلي هذه الدرجة التي تجعلها تُفكر بهذا الشكل، فهي إمرأة عملية بشدة، كما أن والدها ووالدتها لم يهتموا كثيرًا بشأن الدين بهذه الدرجة التي كانت تهتم بها خالتها، بالرغم من أن "يونس" معروف عنه عدم تدينه بالرغم من مناقشة والدته واخته له بهذا الشأن ولكن كلتاهما كانتا غيره تمامًا كما كان زوج خالتها نفسه!


تناولت نفسًا مطولًا ثم سألتها بجدية عندما التمست هدوئها النسبي منها بعدم بُكائها:

- هي الست اللي جت دي كانت عايزة ايه منك؟


هنا لم تستطع كبح ابتسامتها الساخرة التي توسعت لتكشف عن إشراق وجهها بالرغم من شحوبه الشديد بعد كل ما تمر به وانفجرت بعصبية شديدة:

- قال ايه، بتحذرني وبتنصحني منه واني ابعد عنه وانه اذاها وهي اصلًا اللي خانته!


لوهلة ندمت بداخلها على ما صرحت به لإبنة خالتها ولكن على كل حال لقد اكتفت من وحدتها اللاذعة التي لا تُفيد ووجدت "يارا" تُضيف ما بين حاجبيها بمزيد من التعجب لتسألها من جديد:

- وهي يعني مش فاهمة إنه حكالك وقالك انها خانته؟


التفتت ناظرة لها بتفحص والسخرية تنفر بشدة من أن تترك وجهها لتتفوه بنبرة تشير إلي السخافة من قولها هي نفسه:

- المحامي الشاطر اللي اتجوزته مقلهاش اصلًا إنه عرف إنها خانته.. لعب بيها سنتين بحالهم! وانا البير الغويط بتاع الأسرار اللي بيرمي فيه كل حاجة والمفروض اسكت واستحمل واسمع واطبطب واصدق كل كلامه .. ودلوقتي جايالي واحدة بتنصحني ابعد عنه! والمصيبة انها بعد كل اللي عرفته عنه كلامها كله صح، وكمان قالتلي ولا هكلمك تاني ولا هاضيقك.. 


تريثت لبُرهة وهمهمت لها بتفهم وحاولت أن تُفكر بحل بينا الأخرى تشاهدها ووضعت ذقنها على يدها واستطردت سائلة بتهكم:

- شوفتي بقى.. اصدق الهانم اللي جاتلي ولا اصدق جوزي، ولا اتطلق وهو اصلًا مصمم ميطلقنيش، واديكي شايفة بقيت ماشية بأمن معايا مش بيفارقوني لحظة وبقيت في منتهى الخبث وانا بخبي عليه بتكلم مع مين وفي ايه وبقيت خلاص حاسة إني عايشة في سجن وبتهرب من القانون! 


قضمت شفتاها وهي تحاول التفكير اكثر تاركة كل كلماتها اللاذعة جانبًا وسألتها بجدية:

- مفيش حل مثلًا تتأكدي بيه؟ حد من اهله، عيلته، شغله، اصحابه، أي طريقة تعرفي بيها كل حاجة عنه! 


التوت شفتاها بمزيد من السخرية ثم عقبت بتنهيدة :

- لا أنا في level (مستوى) الوحش يا يويا يا حبيبتي.. باباه نسخة منه، ومحدش يعرف عنه حاجة، ومالوش اصحاب، وباباه ومامته اصلًا ولاد عم وكل قرايبهم في البلد وهو كده زي ما تقولي علاقته بيهم سطحية جدًا، مقداميش حد غيره وكلامه الحلو اني اصدقه واحبه واحس بيه واطبطب عليه، وانا خلاص بقى تعبت من كل الدور ده! بجد وصلت لمرحلة إني هتطلق يعني هتطلق وطز في كلام الناس وطز فيه هو شخصيًا!


نفخت كل ما برئتيها من أنفاس وحدقتها بجدية بعد تفكير وسألتها:

- انتي مصدقة كلامه ولا كلام الست اللي جاتلك اكتر؟


رفعت كتفيها واخفضتهما ثم اجابتها بإقتضاب:

- مش عارفة! صدقيني ابقى بكدب عليكي لو قولتلك إني مصدقة مين ومش مصدقة مين.. لأنه بيعرف يخبي كل حاجة كويس اوي وميحسسكيش بإنه بيعمل حاجة غلط.. ومقولكيش بقى على كمية التشتيت في الكلام!


همهمت لها بتفهم ثم حدثتها بمنطقية:

- طيب تقدري تتأكدي من موضوع خيانة الست دي ليه؟ ما هو لو خانته فعلًا يبقى متصدقيش حرف من كلام الست دي، ولو طلع هو اللي بيكدب يبقى ابعدي عنه، يعني انتي اللي مفهماني انك بتحبيه جدًا ومش عارفة تعملي ايه.. ما يمكن طالعة بس في حياتكم علشان تبعدكم عن بعض، شغل الستات والحركات دي بتخرب بيوت كتير اوي!


قلبت شفتيها واطنبت لوهلة بالتفكير بينما تابعت "يارا" متسائلة:

- هو عرف منين انها خانته؟


حاولت التذكر وعينيها تبحث بتردد عن الإجابة ثم قالت بثقة:

- بيقول إن حد بعتله خيانتها متصورة وشافها على CD تقريبًا.. اصل الكلام ده كان من زمان!


توسعت عين "يارا" بحماس وادت على كلماتها بثقة:

- تمام، يبقى ده الحل، شوفي فعلًا كلام مين اللي صح، بس حاولي توصلي للـ CD دي، يا هو يا إما هي! ده غير طبعًا انك اكتشتفتي صدفة الشبه بينكم وانه خبى عليكي، اعملي طبعًا معاه واقفة جامدة بسبب الموضوع، وفكري براحتك، ومن حقك تطلقي وحتى لو رافض الطلاق أكيد فيه حل يعني هو الجواز مش عافية!


زفرت بقلة حيلة وهي ترمقها بحزن وانطفئت السخرية على ملامحها وحاولت التفكير بكلماتها لتحاول معرفة كيف تصل لهذه الخيانة التي يشدو بأن خيانتها هي السبب بكل ما حدث وما يحدث له، نعم، لقد كان اقترابه من ذلك العمل غير المشروع بسبب اثباته لها بأنه يملك الأموال التي ارادتها، لا تدري كيف تكون إمرأة لا تريد سوى الأموال؟ ولماذا آتت لها بعد كل هذه السنوات؟ هل تريد فقط الإنتقام والأخذ بثأرها أم هو الكاذب الخبيث المُخادع وهي مجرد مُغفلة ساذجة تُصدقه؟!


❈-❈-❈

عصرًا نفس اليوم ..

جلس يُتابع ويُصدق ويؤكد على كل كلمات والده التي باتت خطة مُحكمة واقناع شامل تام لن يترك مؤيد أو معارض للحزب الذي ينتمي إليه ابن عمه "أنس" إلا وهو مقتنع بكل حرفٍ من هذه الوعود الوثيقة والعهود المُشرقة بالأمل والنهضة العظيمة لأهل هذه البلدة بأكمله وكل الدوائر التي يترشح عنها للحصول على المقعد بالبرلمان!


لماذا آتى إذن؟ هو يعرف الإجابة عن ظهر قلب، والده يُريد أن يُلقنه الدرس، يريده أن يتبع المزيد من خطواته الحاذقة الذكية الناجحة المتحكمة في الجميع ليجلس بنفس مقعده يومًا ما ككبير لهذه العائلة كي يُصبح يومًا ما المحرك الأساسي للجميع مثله! مجرد "يزيد الجندي" آخر ولكن سيضع ثلاثة حروف قبله، العين والميم والراء!! ألا يُمكن أن يستبدله بـ "أنس"؟ أليس هو الأكبر عُمرًا؟ وحتى اسمه مكون من ثلاثة حروف مثله، ألا يُمكنه التغاضي عن الأمر؟


زم شفتاه وهو يتنهد محاولًا الفرار والهروب من هذا الجمع ووالده لديه اليوم طاقة لا تُقهر بالثرثرة والحديث والتفاصيل كلها برأسه منظمة بمنتهى الذكاء، يا له من داهية، ويا له من مجبر على تعلم المزيد منه، هو رجل رأسه لا تُقدر بثمن، ولكنه أُرهق بشدة من كل ما برأسه، أين المفر من كل ذلك؟


طُرق الباب من احدى الحراس الذين دخلوا واعلن احدهما:

- عمر بيه، بيقوا في طرد جه عشانك!


من هذا المُنقذ الذي سيُكافئه مكافئة لم يحلم بها يومًا وانتشله ببراعة من وسط هذه المحاضرة التي لا تود الإنتهاء منذ ساعات:

- تمام، هاجي استلمه!


سرعان ما نهض بينما والده يتفحصه بفحميتيه المطابقتين لخاصته ولكنه حاول ادعاء عدم المُلاحظة وفر للخارج بخطوات متريثة ليُحافظ على مظهره امام الجميع ولكن بداخل عقله لا يعرف من الذي اهتم بإرسال شيئًا له؟ وما الذي يُرسله؟ ومن حتى يعرف أنه هنا ببلدته وغادر منزله؟


قام بالتوقيع بخانة الإستلام ليُمسك بذلك الصندوق الذي قام بتمزيق اوراقه التي تغلفه من شركة الشحن ليفتح الصندوق ووجد رسائله بأكملها بداخله وورقة صغيرة بخطها غير المقروء باللغة الإنجليزية طُبع عليها:


لا اعرف الأشعار ولست مولعة بالتاريخ مثلك، لست ضليعة باللغة العربية كما هو حالك أيها المحامي الناجح المشهور..

ولكن هناك من قد يستفيد بهذه الرسائل اكثر مني..


قم بإرسالها إليها، قد ترى مدى معاناتك.. 

وقد تطالبك بالغفران نادمة على استغلالها لك وخيانتها لكل ما بينكما..


لو غفرت لها، سأغفر أنا لك!!

روان صادق!

واكره أن اشير لنفسي بـ "زوجتك" !


يُتبع.. 




الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع