الفصل الثالث عشر- صمت الفتيات
الفصل الثالث عشر
هبط من الطابق العلوى و الشمس مكتملة في السماء و امي بغرفتها وكالعادتها مشغوله في تصحيح واجب التلاميذ فهي تعمل معلمه لغه عربيه ولا تسمح لأحد في ذلك الوقت بالدخول لغرفتها و يزعجها، لذلك تحركت خارج المنزل بهدوء شديد و اخذتني خطواتي بعيدا ، خارج البيت للحقول وباتجاه الطريق الرئيسي ثم وضعت الدراجه على الارضيه و ركضت بها اسير ، بخطوات حماسيه سريعه بدرجتي الجديده الذي اشتراها والدي قبل أيام قليلة. كنت اقيدها وانا مبتسمه بسعاده كبيره و خصلات شعري تتطاير من الهواء.. كنت في الخامسة من عمري ، وهذه كانت اقصى احلامي حينها اللعب وان اكون سعيده
واصلت السير بالدراجة ، مشيًا مختبئًا بين الأشجار لكنني توقفت فجأة بانتباه عندما وجدت أنوار سيارة تقترب من الخلف لم أكن أهتم في البداية وكنت سأستمر في المشي ، لكنني توقفت عندما وجدت رجل يخرج من السيارة ويتقدم نحوه فتاة تسير بسلام ، لكنه اقترب منها تجاهلته الفتاه في البداية واكملت مشي ، لكن اقترب منها بإصرار وتقف أمامها وتطلع فيها بتلك النظرات الشهـ وانية رغم أنها لم تفعل له شيئا ..لكني لم أفهم هذه النظرات عندما كنت في هذا السن الصغيرة
بينما الرجل قد اقترب منها و امتدت يده بجرأه تتلمس جـ سدها ويدايها تحاول إبعادهما بضعف شديد لكنة لم يبتعد ، فلم تجد الفتاه غير من زرع أظافرها في وجهه لتنتزع طبقة من جلده لكنه كان سريعا فأمسك بيدها و صفعها بقوة.. و فجاه أطلقت الفتاه صرخة خافتة فلتت من بين أسنانها وتطلع فيها الراجل بغضب وهو يبتسم شماته ليتركها اخيرا وتفاجئت بي الفتاه ترحل وهي تبكي بشده ولم تاخذ حقها منه رغم انه هو من ابتدا في البدايه بالتطاول عليها وحاول مضايقتها.
توقفت لحظات بأعين متسعه بخوف شديد وانا اشاهد هذا الموقف الذي حدث امامي ولم أفهم شيئا، تخيلاتي لم تكن سوى تخيلات غير مفهومة وفجاه قبل ان اتحرك للرحيل الى المنزل سمعت صوت يُنادي من بعيد، تجاهلته وقد بدأ الخوف يتسرب لروحي واعتقدت ان هذا الرجل جاء اليه انا الاخرى رغم اني لم افعل له شيء لكن الفتاه ايضا لم تاذيه ولا تفعل شيء له؟ ، ولكن لا مكان للامان الآن، وفجاه شعرت بيد تجذبني نحوها لاصرخ بخوف وذعر قبل أن التفت خلفي واجد أبي! وهنا تنهدت براحه شديدة وابتسمت بأمان.
جذبني ابي من يدي بغضب شديد حتي وصل إلى المنزل ودلف وهو يصيح بصراخ حاد
= اتفضلي يا هانم بنتك خرجت وكانت بره البيت لوحدها في ساعه زي دي، انتي كنتي فين و ازاي تسيبيها تخرج لوحدها بره
ركضت امي نحوي بفزع وأنا جريت اختبئ وأرتمي داخل احضانها الحنونة وانا غاضبة، غاضبة جداً وحزينة ايضاً لتقول نشوي وهي تمسح على رأسي بحنان
=انا كنت جوه في المكتب براجع على دروس التلاميذ وهي استاذنتني بس انا رفضت.. اللي خلاكي تخرجي لوحدك بس يا ريحانه
لمحت نظرات عتاب من امي لي وانا بدأت ابكي في أحضانها وهي تداعب شعري وقلت بتبرير وزعل
= كنت عاوزه العب بالعجله اللي بابا اشتريهالي بره في الشارع
لم افهم حينها الخطا الذي ارتكبته ومازالت دقات قلبي تتراقص بسرعه من تصرف ابي الذي قاطع شرودي بقسوة شديدة وهو يقول
=انا اشتريتلك العجله دي عشان تلعبي بيها في البيت و إياكي ثاني مره تطلعي بره الشارع من غيري انا او أمك، حسك عينك تعملي حاجه زي كده وتطلعي بره.. لولا ان انا اخذت بالي منك بالصدفه وانا راجع من الشغل كان الله واعلم الزباله الثاني عمل فيكي ايه
عقدت أمي حاجبيها بدهشة وقلق من كلمات أبي ثم ابعدتني أمي قليلاً برفق دون ان تفلتني من احضانها وقالت وهي تنظر إليه بحب
=ادخلي جوه يا ريحانه الاوضه بتاعتك وانا شويه وطالعه ليكي يا حبيبتي
تحركت بالفعل إلي الداخل بملامح مزعجة وعيوني الحزينة، ونظرت نشوي إلي زوجها وقالت بقلق شديد
=هو مين ده اللي بتتكلم عنه يا اسماعيل هو في ايه؟ اللي معصبك كده أوي
ضيق حدقتيه عليها مكتفاً ذراعيه فوق صدره مزمجراً بقسوة وبفحيح حاد
=واحد حيوان كان بيتـ حرش بي بنت في نفس الشارع اللي كانت بنتك بتلعب فيه الشارع اصلا كان هادي وما فيهوش حد غيرهم.. تقدري تقولي لي كنتي هتعملي ايه لو الحيوان ده قرب من بنتك وهي لوحدها
شهقت نشوي بصدمه وخوف ثم ابتلعت ريقها بتوتر قائله
=خلاص يا اسماعيل اهدى والحمد لله انها جاءت على قد كده وما حصلش حاجه، اهدى بقى البنت مخضوضه منك وخافت
ليقول و هو يرمقها بنظرات سامة مملتئة بالسخط والغضب
=وانا مش لسه هاستنى لما يحصل ليها حاجه كفايه القرف اللي أنا باسمعه وبشوفه كل يوم.. الدنيا بره مش امان.. روحي هاتي العجله منها طول ما هي موجوده في البيت بنتك هتكرر إللي عملته وتطلع بره ثاني من وراءكي والله اعلم اللي هيحصل المره دي بقي، و قولي ليها ما فيش طلوع بره البيت ثاني الدنيا بره مش امان!
تنهدت نشوي بضيق شديد وقالت بتوجس
=طب بلاش تاخذ العجله عشان خاطري انت لسه جايبها ليها بقيلك يومين وهي كان نفسها فيها قوي سيبها تلعب بيها شويه وانا اوعدك انها مش هتخرج بره البيت تاني
رمقها بنظرة متصلبة قبل ان يشير برأسه و بيده قائلاً بضجر
=نشوى ما بحبش أعيد كلامي مرتين روحي هاتي العجله منها، انا بعمل كده لمصلحتها وعشان خايفه عليها من اللي بره
كنت واقفه من بعيدا اراقب حديثهم وابكي بشهقات منخفضة و قد اصبح وجهي محمر من شدة البكاء.. عندما علمت ان ابي سياخذ الدراجه مني رغم انني لم اخطا في شيء، انا بالاساس لم افهم حتى الان ما خطا الفتاه ايضا التي ضايقها ذلك الرجل المتحرش.. شعرت بشعور من الضيق يتغلغل داخلي،ولم تجد امي غير ان تهز راسها ببطء باستسلام وتحركت لتحضر الدراجه له.. وانا ظليت ابكي لساعات متواصله بحزن شديد منهم.
وفي المساء دعتني والدتي الى وجبة العشاء فقد احضرت لي وجبتي المفضله حتى انسى حزني على دراجتي .. جلست وكنت آكل لوحدي و لم يشاركني أحد الطعام ! حتى اقترب مني ابي وابتسم اسماعيل وهو يقبل يدي و رأسي بحنان طاغي وقال بهدوء يحاول يواسيني
=متزعليش مني يا ريحانه انتي عارفه يا حبيبتي ان انا بحبك قد ايه بس بخاف عليكي اكثر ، عشان كده لما الاقي حاجه عاوزاها بس ممكن تؤذيكٍ لازم أبعدها عنك، عشان كده اخذت منك العجله بس هجيبلك لعبه احسن تلعبي بيها في البيت بس! اتفقنا
تساؤلات كثيرة تبعثرت في عقلي ولكني ساعتها نطقت بأكثرها الحاحا و كنت خائفه من افكاري التي اطبقت على عقلي الصغير كفكيّ سمكه قرش وبدأت تلتهمني بلا رحمة
=طب هو ليه الراجل ده ضرب البنت هي ما عملتلوش حاجه وحشه ،هو اللي ضايقها الاول
نظر الية ابي بغضب وضيق وكانه هذا ما يخشى ثم نظر الى امي الذي توترت ايضا بشده، عقد حاجبي باستغراب ولم افهم ما بهم هل سؤالي صعب للغاية هكذا، حتى بعد فتره اجاب ابي باختصار شديد
= حبيبتي ما لكيش دعوه بالكلام ده انتي لسه صغيره، ولما تلاقي حاجه زي كده تمشي على طول ما تقفيش زي النهارده.. والبنت غلطانه عشان بتلبس لبس وحش عشان كده الراجل ضايقها
قبل ان استوعب حديث أبي أسرعت أمي تتحدث وهي تنظر إلى والدي بلوم قائله بابتسامه متوترة
=اه يا حبيبتي مش ذيكٍ جميله وبتسمعي الكلام عشان كده لما هتكبري هتلبسي لبس كويس وتتحجبي ،عشان ما حدش يضايقك
كان هذا أكبر خطأ وأصعب اجابه سمعتها منهم ان يعلموني وأنا في هذا العمر ان الخطأ يقع على الضحية وليست الجاني ..
بعد أيام قليلة ، بالفعل لم اخرج من المنزل بمفردي مرة أخرى وأبي لم يدعني اسير بالدراجة مرة ثانية خوفاً عليا من بالخارج!
لقد قام بالفعل بحمايتي من الغرباء بالخارج ، حتى زوار المنزل والجيران والأصدقاء .. لكنه نسي أن يحميني من الاقارب!
في منتصف العام الدراسي كانت امي مشغوله دائما هذه الفتره بالامتحانات والمراجعات الدراسيه لذلك كانت تتاخر كثيرا في الرجوع الى المنزل ومشغوله طول الوقت ، وابي ايضا كأن مشغول في العمل وكانت هذه طبيعه عملة بالاساس يتاخر لساعات طويله واحيانا لن اراه غير بعد اسبوع او تصل المده الي شهر .. وكنت اقضي هذه الايام بمفردي مع أي شخص موجود من العائله ، احيانا مع جدتي أو عمتي.. وفي اخر الليل تاتي امي وتاخذني للعوده الى المنزل.
قضيت وقتًا طويلاً مثل هذا حتى تفاجأت يومًا ما أن والدتي كانت تأخذني معها للعمل في المدرسة ، اسندت أمي بجـ سدها البدين علي كرسي المماثل امام المكتب و هي تفتحص بعض الاوراق التي بادت مهمة لها ضغطت علي شفتيها ليشدد تركيزها علي تلك الاوراق..
كنت جالسه معها داخل مكتبها وكانت مشغولة بالمراجعة الامتحانات.. ظليت العب بالاشياء التي بداخل المكتب بمشاغبه كثيرا وكانت امي تحذرني كل فترة واكثر من مره بالتوقف حتى تستطيع التركيز بالعمل وبعدها ستؤخذني لنعود للمنزل.. لكني قد مللت بشده من الانتظار لذلك كنت ألعب بأي شيء أمامي بدافع الملل..
بعد فترة قصيرة تقدمت من امي بوجه عابس ونظرت إلى ما كانت تفعلة، لاصعد فوق المكتب أمامها بحنق وقلت
=انا عاوزه اروح عند تيته زبيده او عمته منى كنت هناك بلعب مع اولاد عمتي والجيران براحتي ، مش مبسوطه هنا ومش لاقيه حد العب معاه
نظرت إليه أمي بعدم رضي وقالت بتحذير
=مش بابا نبه قبل كده عليكي ما تلعبيش مع حد غريب عنك.. اوعي تقولي كده قدامه بقى عشان ما يفضلش يزعق ، وما تعمليش ثاني مره حاجه هو قال لك عليها لا
قلت بتلقائية و براءة شديدة
=ما هم كويسين ومش بيعملوا حاجه وحشة ليا زي الراجل الوحش اللي عمل في البنت
شهقت امي بصدمه وغضب مكتوم وهمست بصوت منخفض بغيظ
= ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده بس اوعي تقولي كده ثاني مره قدام حد .. و آآ بعدين بابا مش قصده ما تلعبيش معاهم عشان هيعملوا حاجه وحشه فيكي، لا هو بيقول لك كده عشان ده الصح وما تقربيش ولا تلعبي مع حد غريب أو ما نعرفهوش.. فاهمه!
يـتـبـع