-->

رواية أسكن انت وزو جك- بقلم الكاتبة آية العربي - الفصل الثالث والعشرون

 

رواية أسكن انت وزو جك 

بقلم الكاتبة آية العربي 





الفصل الثالث والعشرون 

رواية 

أسكن انت وزو جك 


كيف قالو ان البعيد عن العين بعيد عن القلب♥️!!!

وهو كلما ابتعد اقترب من القلب اكتر.

وكيف قيل ان الايام تعالج كل شىء!!!

وجرح بعده ما زال ينزف. 

وكيف قالو ان الوقت كفيل بالنسيان!!!

وكلما فات ذاك الوقت تجدر بالقلب اكتر واكتر. 

لعلهم لم يدركو بعد كيف لك ان تدمن شخصا..ان تعشق تفاصيله.. ان تراه شمسك ونورك.. ان تنشطر روحك لتستقر اينما حل وارتحل.

فهم معذورون ربما.. فلم يروك يوما.. لم يقتلهم حضورك.. لم تأثرهم هيبتك..                                        



❈-❈-❈

صعد معتز جناح عبد الرحمن الذي يقطن به وظل يتحرك به ويفكر في حديثها المفاجئ هذا ونبرتها الجديدة والحزينة التى استشفها ... هى ليست شهد التى اعتاد عليها منذ اسبوعين ... يبدو ان احداً احزنها ... عيناها تتحدث بذلك ... حتى وان لم يعاشرها منذ زمن ولكنه يعرفها جيداً ... هى انقى من هذا الحديث ... مؤكد ان والدته تحدثت بما ازعجها ... 


ظل في مكانه يفكر في طريقة متاحة ليتحدث معها ... فبرغم انه زوجها شرعياً الا انهما لم يختلا ببعضهما سويا في مكان ... عليه ان يحدثها بأريحية ... حتى وان كانت رابحة في حالة يثرى ف مع ذلك الحديث امامها غير مريح .


في الاسفل انتهت شهد من اطعام والدتها التى تطالعها بعمق وكأنها تعتذر بنظراتها عن قيد كل تلك السنوات ... عن سجن نفسي وروحى سجنت به تلك البريئة الهشة ... وهل يفيد الاعتذار الآن !!


تمعنت شهد في عيناها وتحدثت العيون وصمت اللسان ( ليه يا اماي !! ... ليه مخلتنيش جوية كيفك ! ... ليه ربتيني ع الضعف والخوف أكدة ! ... مصاعبنش عليكي حالي دلوك ! ... جلبي عيفضل مكتوب عليه الهوان والحزن اكدة لحد امتى ! ... كنتِ علمتيني ان الحب عيضعف كيف ما عتجولي ... يمكن وجتها مكنتش عشجت ولا وجعت في عشج مهواش مكتوبلي ... يمكن وجتها مكنتش عتوجع جوى أكدة !) .


كانت عيون رابحة ايضاً تتحدث بما يريد لسانها العاجز النطق به ( سمحيني يابتى ... مجدراش انطجها دلوك ... معرفاش كيف عجولهالك ! ... مريداش دلوك غير انك تغفري لي ذنبي في حجك ... حتى لو هموت بعديها ... معجدرش على الحمل يا بتى ... حمل ذنبك انتِ واخواتك تجيييل جوي عليا ... تجيييل جوى يا شهد مجدراش عليه ... ياريتنى ارجع ... ياريتنى ارجع يابتى يمكن اجدر اصلح حاجة ... يمكن يرتاح جلبي ويبرد صدرى ... جلبي محروووج على اخوكى ... هاتيلوا اللى عيحبها يمكن يرجعلي !!... جبوهاله ياااناس ... جلبي معيبدرش غير لما عيني تشوفه واجف جدامى ) .


جففت شهد دموعها وهى تطالع بتعجب عيون رابحة اللامعة ... مدت يدها تربت على كفها بحنو ثم استعدت لتكمل روتين والدتها حيث ستبدل ثيابها وتمدها على الفراش لتنام بطريقة تعلمتها خلال الاسبوعين .


بعد حوالى نصف ساعة انتهت شهد وصعدت لغرفتها بحزن ثم ولجت اليها واغلقت خلفها .


استندت على الباب للحظات تتطلع على الغرفة وتفكر في هذا الذي يقطن بجوارها وبين قلوبهما مسافات ...


تنهدت وخطت لمرحاضها ولكن اوقفتها طرقات الباب فعادت تقف خلفه متسائلة بترقب _ مين !


لم يأتيها رد ففتحت الباب بحذر ولكن ما ان فُتح حتى اندفع معتز لداخل الغرفة واغلق خلفه يطالعها بعمق لثوانى ... جميلة تلف حجابها باهمال وخصلاتها الناعمة متناثرة على ملامح وجهها الطفولي الحزين ... تنهد يهدئ من مشاعره مردفاً بترقب _ قولي تانى الكلام اللى قولتيهولي تحت .


ابتعدت بذهول عن مكانه وبدأ قلبها يقفز بقوة وارتعش جسدها تطالعه بعيون متسعة ثم اردفت بتلعثم _ ك كلام اااايه !! ... ا اطلع ببببرا دلوك يا معتز ... ميصحش أكدة !


اومأ عدة مرات ثم ابتعد عن الباب يخطى باتجاهها فتسعت عيناها وتحركت قدماها للخلف لتبتعد ولكنه يتبعها بعيون مترقبة وابتسامة جذابة ارغمت عيناها على التمعن به ثم فجأة ارتدت قدمها في ارجل المقعد الذى لم تراه فسقطت جالسة عليه بعيون حاجظة فابتسم معتز وحبسها بذراعيه حيث انحنى لمستواها واستند بذراعيه على يد المقعد يردف بثقة وحب _ ايه ! ... خايفة دلوقتى !! ... مش كنتِ من شوية القطة اللى بتخربش ! ... ولا انتِ مش قد كلامك !


برغم نبضاتها وقلبها الذى سيقفز من مكانه وبرغم جسدها المرتعش الا انها اغتاظت من حديثه الذى استفزها واردفت بتلعثم وتوتر واضح _ لع جده وبعد من اهنة ميصحش اكدة ! ... وكيف ما جولتلك تحت لما زين يفوج بالسلامة هنطلج .


اشتدت عروقه من كلمتها الاخيرة وصك على اسنانه بغضب فزاد خوفها وزاغت انظارها امام عينه وقلبه الذى حزن لخوفها فعاد الى هدوءه وحنانه وارتخت اعصابه يردف بحب وحنو متسائلاً _ امى قالتلك حاجة ! ... كلمتك في حاجة ضايقتك !


نظرت له بعيون متسعة ... كيف علم ذلك ! ... هى لم ولن تخبره ! ... ابعدت نظرها عنه والتمعت عيناها بالدموع فمد يده يعيد وجهها اليه ويقابلها بعين العاشق مردفاً بنبرة حانية كأنه يهدهد طفلا صغيرا _ قولي يا حبيبتى قالتلك ايه ! 


هزت رأسها لتفلت من كفه ثم عادت تنظر للطرف الآخر مردفة بتوتر وصوت متحشرج _ مجالتش حاجة يا معتز ... اخرج دلوك .


تنهد بعمق ... وتأكد ان والدته احزنتها ... طالعها بتمعن ثم اردف بثقة وحب _ بس انا بحبك يا شهد ... بحبك وعمرى ما هسيبك تضيعي منى تانى ... وكل اللى انتِ قولتيه ده ولا كأنى سمعته ... ولا اصلا مصدقه ... الا اذا انتِ مش بتحبيني !! 


اغمضت عيناها بقوة ... الآن تريد الصراخ في وجهُ ولكنها اضعف من ان تفعلها ... ايخبرها بتلك السهولة انها لا تحبه !! ... اولم يعلم انها تعيش تلك السنوات على امل حبه !! ...


تنهدت بعمق وهى تكتم مشاعرها بقوة لا تعلم من اين اتتها الآن فعاد هو يلف وجهها اليه ويردف بانفاس متقطعة وخوف _ مش بتحبيني يا شهد !


فتحت عيناها ببطء تطالعه بصمت ... ولكن نظرتها له كانت كفيلة بأن تريح قلبه العاشق وعقله التائه الذى ارسل اشارات لاوتار فكه فابتسم لها والتمعت عيناه يردف بثقة _ بتحبيني ... انا كنت عارف ... انا عارف بنتى كويس .


نزلت دموعها واردفت بضعف وقلبٍ كاد يتوقف من هول الموقف _ اخرج دلوك يا معتز علشان خاطرى !!


اومأ لها عدة مرات بسعادة ثم اردف مترجياً _ هخرج بس قوليها يا شهد ... قولي انك بتحبيني .


ابتعلت لعابها وتنفست بقوة وعجز لسانها عن نطقها على عكس قلبها الذى يضخها من الدم فتسرى في كل عرقٍ وشريان .


اومأ بسعادة واردف ليرفع عنها الحرج الذى استشفه _ خلاص يا حبيبتى ... متقوليش حاجة ... انا عرفت خلاص ... بس لو فعلا بتحبيني اوعى تتخلى عنى ... لانى لو بعدت عنك تانى هموت ... اصلا عمرى ما هبعد عنك ... اتمسكى بيا يا شهد زي ما انا متمسك بيكي ومتخليش اي كلام يتقالك يأثر عليكي ... تمام !


اردف قلبها قبل لسانها بلهفة وعيون عاشقة _ بعد الشر عنك .


ابتسم بسعادة وتنهد بارتياح ثم وقف على حاله يتنهد بقوة وانتشاء وراحة سكنت خمائل قلبه المعذب بها ولها .


عاد يطالعها وهى تجلس على المقعد ترفع نظرها اليه بتوتر ... انحنى منها مجدداً يردف بمشاعر حبٍ وعشقٍ لها _ تعرفي لو زين كان هنا دلوقتى ... كنت بوستك وحضنتك ... بس انا مضطر اخافظ عليكي حتى من نفسي لحد ما يقوم بالسلامة ..


عاد قلبها يقفز بعنف ضارباً يسارها بقوة وصلت الى مسامعه فتنهد ثم اقترب من وجهها وحرك ارنبة انفه بخاصتها ثم اردف بحنو _ تصبحى علي خير يا عذابي .


قالها واعتدل يطالع وجهها الذى اصبح كحبة رمان يتناثر منها ماؤها الاحمر من شدة الخجل فابتسم لخجلها الذى يعشقه ثم التفت سريعاً قبل ان تخونه مشاعره وغادر الغرفة وتركها في حالة من السعادة والفرحة التى لم تتذوقها من قبل .



اما هو فخرج من غرفتها ونزل للاسفل حيث غرفة والدته ... طرق الباب فسمحت له .


دلف واغلب خلفه فوجدها انتهت للتو من فرضها وتتطلع عليه بحنو ... اتجه يقبل يدها واردف بهدوء _ تقبل الله يا ماما .


ربتت على يده واردفت بحب _ منا ومنكم يا حبيبي .


تنهد بعمق يخفض رأسه ثم طالعها واردف برتابة _ ممكن اطلب منك طلب !


ترقبت تميل برأسها مردفة _ خير يا معتز ؟


اردف بهدوء وصدق _ ممكن تشاركيني سعادتى ! ... وبلاش تحكمى على الكتاب من عنوانه ... بلاش الظلم اللى حصل معاكى زمان ترديه دلوقتى ... شهد ملهاش اي ذنب وانا بحبها ومن غيرها مش هكون مبسوط ولا هبقى مرتاح ... هتحبي تشوفيني كدة !


تمعنت في عيناه قليلاً ثم اردفت متسائلة _ هي اشتكت لك منى !


هز رأسه يردف بهدوء وصدق _ ولا عمرها هتعمل كدة ... ولا هى من النوع ده اصلاً ... بالعكس دي فضلت تضحى بيا عن انها تضايقك او تزعجك ... علشان كدة هى دي انسب واحدة ليا وليكي ... وانا متأكد انك بتحبي شهد ومع الوقت مخاوفك دى مهيبقاش ليها وجود ... وصدقيني شهد هى الوحيدة اللى معاها مفتاح قلبي .


تنهدت تفكر بشرود ثم اردفت بتساؤل _ والحياة بينكم هتبقى ازاي يا معتز ! ... وهى والدتها محتجاها وانت بيتك وحياتك في القاهرة ! ... عايزة افهم هتتعامل ازاي ؟!


اومأ برأسه ثم طالعها بترقب وقلق واردف _ مهو انا بفكر استقر هنا يا ماما .


اتسعت عيناها بذهول واردفت برفضٍ تام _ اهو ده اللى مش ممكن ابداً .


تنهد بعمق يعلم صعوبة الوضع ... اردف برتابة _ يبقى هننتظر هنا لما الحاجة رابحة تقدر تقف على رجليها وزين يقوم بالسلامة ووقتها نعمل فرح واخدها معايا على القاهرة .


تنهدت بضيق تبعد وجهها عنه تردف _ سيبها لوقتها يا معتز ... لما نشوف وضع ابن عمك الاول وبعدين نبقى نتكلم في الموضوع ده .


اومأ يتنهد ثم اردف وهو يقف _ تمام يا ماما ... تصبحى على خير .



غادر الغرفة وصعد للاعلى وهو يعلم ان اقناعها ليس بالشئ السهل ولكنها لينة وفي النهاية ما يهمها هى سعادته .


❈-❈-❈

في اليوم التالى صباحاً وصلت مهرة مع والدها وشقيقتها الى محافظة قنا بعدما ودعوا وشكروا بدر وزوجته على استقبالهم ومد يد العون لهم طوال هذا الشهر دون كلل او ملل على امل العودة قريباً او زيارتهما مجدداً حسب الوضع القائم .


وصلوا بالسيارة الخاصة التى استأجروها وترجلت امام منزلهم ونظرت له باشتياق ثم نظرت لوالدها واردفت بلهفة _ بابا انا رح اطلع ع المشفي وانت ارتاح شوي والحقنى .


اردف ابراهيم بجدية _ وقفى بنتى رح اطلع الاغراض ونروح سوا .


نظرت لوالدها بترجي فأردف بنبرة صارمة _ ما بتركك تروحى هونيك لحالك .


تنهدت بضيق ووقفت تنتظر الى ان ساعدهم السائق في نقل اعراضهم ثم تركا عائشة تمكث في المنزل الذى اشتاقت له واتجها سوياً حيث اوصلهما السائق الى المشفي وغادر بعدما شكروه .


صعدا الى المشفي الخاصة الفارهة وسألا عن غرفة المريض زين الجابري فأخبرتهما الممرضة انه ينام تحت الاجهزة في غرفة العناية الخاصة ويمنع زيارته .


اردفت مهرة بحزن ولهفة _ بس انا بكون زوجته .


نظرت لها الممرضة واردفت بسخرية _ زوجته ! ... ولسة جاية دلوك !


تنهدت مهرة واردفت بحدة _ لانى ما كنت بعرف ... ووقت عرفت اجيت فوراً وانتِ ما ألك شغلة وصليني بالطبيب المسئول عن حالته .


اردفت الممرضة آخرى بهدوء وترقب _ تمام يا مدام  عنِدك ع الشمال غرفة الدكتور مؤمن هو اللى مسئول عنه اتفضلي اسأليه .


طالعتها مهرة واومأت والتفتت مع والدها الى غرفة الطبيب وطرقتها فسمح لها .


دلفت هى وابراهيم والقيا السلام ثم اردفت بلهفة وحزن وقلبٍ منفطر _ كان بدى اسأل حضرتك ع حالة زوجى ... زين الجابري ... وبدى اشوفه اذا بتريد !


نظر لها الطبيب بتعمن من خلف نقابها ثم نظر لوالدها واردف _ اتفضلوا اقعدوا .


تنهدت تومئ وجلست امامه تطالعه بترقب لا تطيق الانتظار فأردف الطبيب _ انتِ سورية !


اومأت له فتابع _ زين بيه في غيبوبة من اسبوعين  ... مش شايفة ان غريبة شوية تيجي دلوقتى تسألي عليه !


نكست رأسها ارضاً ثم طالعته واردفت بحزن وانكسار  _ لو كنت بعرف ما كنت استنيت ثانية وحدة واجيت ... انا ما كنت هون كنت بعيد ... واذا بدك تتأكد من كلامى فيك تتصل ع اخته شهد او حدى من عيلته وهو بيقلك ... بس بترجالك خليني اشوفه ..


اومأ الطبيب بحنو بسبب نظرتها المنكسرة وعيناها واردف _ تمام يا مدام زين الجابري ... انا مصدقك ... ودى اول حاجة سألت عنها اول ما زين بيه دخل في غيبوبة ... سألت اخته عنك وقالت انك للاسف مسافرة ومش عارفين يتواصلوا معاكى .


اومأت بترقب فسأل ابراهيم بعمق _ اذا بتريد حضرة الطبيب بدنا نعرف شو حالته وامتى رح يفيق من هالغيبوبة .


تنهد الطبيب واردف بترقب _ الحادثة اللى زين اتعرضلها كانت صعبة جدا استهدفت الدماغ والجسم مع بعض ... نجاته منها كانت بفضل ربنا طبعاً ... احنا عملنا اللى علينا واكتر كمان وتوقعنا يفوق او يعطى اشارات تانى يوم بس للاسف محصلش ... المريض فضّل انه يدخل في غيبوبة ... وده في الاغلب بيكون استنكار من واقع او من صدمة هو عاشها قبل الحادثة وبرمجت عقله على عدم تقبلها ... لان بعد الفحص والأشعة المقطعية ع الرأس تبين ان مؤشراته الحيوية كويسة .


كانت تستمع له ودموعها جارية من أسفل نقابها ... ربت والدها على يدها بحنو اما الطبيب ف مد لها محرمة ورقية بحنو واردف _ هخليكي تدخلي عنده لمدة دقيقتين بس ... وده علشان حالته اولاً وحالتك ثانياً .


اومأت له بامتنان وشكر وبالفعل اتجهت معه الى غرفة قريبة من مكانه ليتم تجهيزها وبعد عدة دقائق كانت تقف مع الطبيب امام باب العناية الخارجى حيث اردف بترقب _ قوليلوا حاجة عقله يستوعبها كويس جدا وتخليه يتحدى الظلمة اللى اخداه ويخرج من الغيبوبة دى بأي طريقة ..


رفعت نظرها للطبيب تطالعه بعمق ثم اومأت بترقب وخطى معها الى داخل العناية حيث عدة غرف حتى وصلا الى مكانه .


تعالت وتيرة انفاسها وحاولت ان تهدأ ... فتح الباب وادخلها يردف بترقب _ دقيقتين بس .


اومأت له وخطت بمفردها تلتفت اليه ... رفعت نظرها لجسده الممتد على الفراش دون حركة دون صوت الا من تلك الاصوات الصادرة من الاجهزة .


تحشرج صوتها ونزلت دموعها وهى تنظر لوجهُ وملامحه التى تغيريت كثيراً وخسر وزنه بطريقة ملحوظة ... قلبها العنيف اصبح ينبض ببطء شديد كخطواتها ... 


خطت بحذر حتى توقفت امامه تتطلع عليه كاملاً بعمق واشتياق وحبٍ وحنو ... رفعت نقابها وكأنها تخبره انها هنا ... ضاعت الكلمات من على لسانها ... ضاع كل ما جهزته عند لقائه ... حتى ان وجعها منه تفتت ... تحاول استرجاع اي لحظة حزن بينهما او ذكرى غاضبة منه فلم تجد الا لحظات الحب والحنو هي الطاغية على عقلها الآن ... 


رفعت يدها تضعها على كفه الموضوعة على الفراش ... لمستها بحنو وهدوء شديد ثم دنت تطبع قبلة عميقة على جبهته وهى تعتصر عيناها بالدموع الحارقة والقلب الملوع حتى ان دموعها سقطت على جبهته فانزلقت في نقطة عينه المغلقة وتمركزت بها .


ظلت على وضعها دون نفس حتى سحبت شهيقاً قوياً وارتفعت تتنهد بعمق ... تمسكت بيده بحنو وهدوء وقربتها من قلبها النابض بترقب وتمهل ثم مالت على اذنه تهمس بصوت خافت وتأثر وقلبٍ متسارع _ فئ لانو انا محتاجتك معى  ... فيئ لانو لساتنى ما بشعر بالامان من دونك زين ... اخرج من هالغيبوبة لانى ناطرتك لاعاقبك ... بس اطلع ... لا بقى تنام هونيك بهالظلمة ... تعى لعندى بدى اياك  زييين .


رفعت رأسها وطالعته بترقب ... ساكناً كما هو لا حركة ... ملامحه حزينة مستنكرة للحياة بدونها ... ... دلف الطبيب فانزلت نقابها سريعاً والتفتت تطالعه فاردف بهدوء _ الوقت انتهى ... اتفضلي معايا ... مينفعش اسيبك هنا اكتر من كدة .


تنهدت بعمق واومأت له ثم عادت تنظر لعزيز القلب بعمق واردفت _ انا هون ما رح اتركك مرة تانية .


التفتت تغادر للخارج بينما دلف الطبيب يفحصه بترقب ثم عاد هو الاخر للخارج حيث وقفت مهرة بجانب والدها تنتظره .


اما زين 

الذى كان يجلس ارضاً واضعاً رأسه بين ساقيه في ركن الغرفة المظلمة التى اتخذها موطناً له .


فجأة وجد باباً بعيداً يفتح ويظهر منه شعاع نور ثاقب ... رفع وجهُ ينظر ولكنه اعتصر عينه من شدة النور واضعاً كف يده اعلاها ثم حاول فتحها قليلاً ليتثنى له النظر والتمعن جيداً ولكنه يجد صعوبة في ذلك ... عيناه اعتادت على الظلام ... ظل يحاول ويحاول ولكن فجأة عادت الغرفة مظلمة واختفى النور تماماً فأغمض عينه مجدداً ووضع رأسه بين ساقيه باستسلام .




خرج اليهما الطبيب واردف بهدوء _ خلى املنا في ربنا كبير ... وانا عندى ثقة انه يمكن يفوق قريب .


اردفت هى بترقب _ اذا بتريد دكتور انا بدى اضل معه هون .


اردفت ابراهيم معترضاً _ لا مهرة ما فيكي تضلي هون بالمشفي  ... بجيبك لعنده بكرة بس ما بتتركك هون .


نظرت لوالدها بعمق ثم اردفت بنبرة ثابتة _ أسفة بابا بس ما رح اطلع من هالمشفى الا وئت يفيق زين واطمن انه صار منيح .


نظر لها والدها بتعجب بينما اردف الطبيب بترقب _ خلونا نهدأ شوية ونفكر في مصلحة المريض ... وجودك جنبه مهم جداً حالياً .


نظر لوالدها واردف _ وحضرتك متقلقش عليها هنا مستشفي وهتكون تحت ملاحظتنا وانا هجهزلها غرفة قريبة من هنا ... بس الاول خلينى اتواصل مع معتز ابن عم زين واعرفه الوضع .


اومأت مهرة تردف باقتناع _ ايه حضرة الطبيب حاكيه وانا رح اضل هون .


غادر الطبيب ليهاتف معتز وتنهد ابراهيم يطالعها بعمق ثم اردف _ ساويتي يللي بدك اياه ! 


اردفت بأسف ورجاء _ لا تزعل منى بابا ... ما بقدر واذا روحت معك ما رح اتحمل اضل هونيك وهو هون ... خليني قريبة منه لحتى يفيق .


تنهد واومأ ثم اردف بضيق _ تمام بنتى ... انا رح امشي هلأ منشان اختك  ورح اجبلك اغراض واواعي واجى المسا .


اومأت له ثم عانقته بحنو فربت على ظهرها وودعها وغادر اما هى فتنهدت بعمق ووقفت تنتظر الطبيب الذى عاد مع ممرضة واردف بترقب _ اتفضلي يا مدام الممرضة هتعرفك الغرفة اللى هتقعدى فيها وانا بلغت استاذ معتز وهو جاي ف السكة .


اومأت تردف بامتنان _ بتشكرك كتير دكتور .


غادر هو واتجهت مع الممرضة حيث الغرفة القريبة ودلفت تضع حقيبة يدها على الطاولة وجلست على الاريكة الجلدية تتنهد بعمق وهى تتذكر هيأته وملامحه الباهتة بحزن ... تبخر تماماً ما عانته منه ... خوفها ،، ظلمها ،، طردها ،، عنفه معها  ... كل هذا لم يعد له وجود ... كل ما تفكر فيه الآن هي سلامته ... ستظل الا ان يفتح عينه ويقف على قدمه سليماً معافى ثم ستعود لوالدها .


 قررت الاتجاه للمرحاض حيث ستتوضأ وتصلي وتدعو الله ان ينجيه .


❈-❈-❈

بعد ساعتين وصل معتز وشهد الى المشفي حيث ابلغها بمجئ مهرة واتجه يصطحبها معه .


صعدا المشفي بعدما استدلا على غرفة مهرة .


وقف خارجاً وطرقت شهد الباب فسمحت لها مهرة ... دلفت شهد بترقب وجدتها تجلس على الاريكة تتلو ايات الله في مصحفها الصغير وعندما وجدت شهد رفعت نقابها ووضعت المصحف باحترام على الطاولة ووقفت تتجه اليها وتعانقها بقوة وشهد تبادلها بدموع .


ابتعدتا عن بعضهما بعد ثوانى واردفت شهد بترقب _ شوفتى زين !


أومأت مهرة بحزن وانكسار واردفت بثقة _ ايه شفته شهد ... رح يفيئ شهد ... قلبي عم يقول هيك .


اومأت شهد تردف بعمق _ بما انه حس بيكي اكيد عيفوج يا مهرة ... ياريتك جيتي من بدرى .


اردفت مهرة بأسف _ بعتذر ... لو كنت بعرف ما تاخرت لحظة عنه .


ربتت شهد على كتفها واردفت _ معتز واجف برا ... هروح اطمن على زين وارجعلك تانى .


اومأت مهرة وغادرت شهد مع معتز لتطمئن على شقيقها ك كل يوم .



❈-❈-❈


وصل احمد الى القصر مع ابنته نيرة حيث ان اليوم نهاية الاسبوع وموعد قدومه من القاهرة ليطمئن على اسرته وعلى حالة ابن اخيه زين .


دلف القصر وكانت ناهد في استقبالهما .


اتجهت نيرة تعانقها بحب واشتياق مردفة _ وحشتيني جداً يا ماما ... عاملة ايه !


اردفت ناهد بحنو _ كويسة يا حبيبتى ... انتِ عاملة ايه !


اومات نيرة تشير براسها الى ابيها الذى يقف يطالع زوجته بهدوء ثم تقدم منها واردف بترقب _ ازيك يا ناهد !


تنهدت تومئ واردفت بهدوء _ اهلا يا احمد حمدالله ع السلامة .


رد عليها بترقب _ الله يسلمك ... ايه الاخبار ! ... انا جيت اوصل نيرة وهروح دلوقتى عل المستشفي اطمن علي زين .


اردفت ناهد بهدوء _ استنى شوية يا احمد ... مهرة رجعت وهى دلوقتى هناك ... ومعتز وشهد راحولها وزمانهم جايين ... خليك شوية انت .


تعجب واردف بترقب _ مهرة ! ... رجعت امتى ! ... ده خبر حلو جدا .


اومأت ناهد تردف بهدوء _ رجعت الصبح ... تقريباً مكانش عندها خبر باللي حصل ... بس فعلا رجوعها كويس يمكن ده شئ يفيد زين ويقدر يفوق من الغيبوبة دي ... وانا كمان اقدر ارجع بيتي انا وابنى .


طالعها بعمق ثم نظر لابنته التى اردفت بترقب _ طيب انا هروح اطمن ع الزرع اللى زرعته آخر مرة برا .


غادرت نيرة لتعطى لهما مساحة فاقترب هو من ناهد واردف بهدوء _ انتِ لسة زعلانة يا ناهد ! ... خلاص بقى يا ام معتز انتِ عارفة انى خبيت عليكي غصب عنى ... انتِ لو كنتِ عرفتى كنتِ هترفضي تماماً ووقتها رابحة كانت مصممة على جواز شهد .


تنهدت تطالعه بعمق ثم اردفت بحزن _ انا اللى واجعنى يا احمد ان بعد السنين دى كلها خبيت عنى حاجة زي دي ... حتى لو كان كتب كتاب على ورق بس بردو معتز ابنى و لازم يكون عندى خبر ... حتى لو هو خبى عنى انت لاء يا احمد ... انت عارفنى كويس ازاي قدرت تعمل فيا كدة !!


تنهد بحزن واقترب يضع رأسها على صدره ويقبل مقدمتها مردفاً بندم _ حقك عليا انا أسف ... انا عارف انى غلطت لما اخفيت عنك ... بس انا نيتى كانت خير لبنت اخويا وبس .


تنهدت تبتعد بهدوء ثم اردفت بترقب _ خلاص يا احمد ... خلينا نركز ع اللى جاي ... وان شاء الله اول ما زين يقوم بالسلامة هننهى المسألة دي ونرجع القاهرة .


نظر لها بتعجب وكاد ان يتحدث ولكنه قرر ترك الامور لحين الاطمئنان على زين ووضعه .




❈-❈-❈


في المشفى 


تجلس شهد مع مهرة في غرفتها .


اردفت شهد بترقب _ انتِ مشيتي ليه يا مُهرة ! ... ده زين كان عيتجنن يا حبيبي .


اردفت مهرة بتنهيدة ملوعة _ ما كان لازم ابقى شهد ... بعد يللي صار ما كان لازم ابقي ... هديك اليوم الشخص اللى كان مقابيلي ما كان زين بنوب ... هاد رجال غريب ما بعرفه .


تنهدت شهد تردف بعمق _ انى خابرة زين ان اللى حُصل واعر جوي ... وانك مستحيل تخونى .... تخونيه كيف وانى عشوف عشجه عينط من عنيكي !!


نظرت لها بتعجب فتابعت شهد مبتسمة بفخر _ ميغركيش انى صغيرة لع ... دانى عاشجة قديمة جوي .


تنهدت مهرة تردف بترقب _ وحتى لو ما بحبه شهد انا ما بخون ... لا اخلاقي ولا اصلي بيسمحلي اعمل هيك شي ... كيف بسهولة هاي صدق انو بعملها !


قالتها ذاهلة كأنها تذكرت فتنهدت شهد بحزن واردفت _ اسمعيني يا مهرة ... اخوي زين مصدجش ...اخوي اتصدم ... صدمته كانت جوية اوى واتصرف بدون وعي ... اللى انى عرفته يومها من كلامه مع امى ان بنت عزيز خانته ... بس وجتها اخوي طلجها طوالي وكرشها برا الجصر وقطع عرج وسيح دمه حتى متحدتش مع حد واصل في سيرتها ... ولما كانت سيرتها تاجي كانت يغضب جوي ... انما انتِ زين عيعشجك ... صُح زعلك منيه واتصرف عفش وياكى بس مرديش يخرجك من الجصر  ... هو كان شايف وجتها الخيانة عتتكرر وياه واتوجع .


زفرت بقوة تتابع بعمق وتروى _ تعرفي يا مهرة لما رجع وملجكيش وامى جالتله انها مشتك !... كان هيتجنن .... كن حد خلع جلبه من مكانه ... ولما رجع الصبح وعرف ان دى تمثيلية واعرة من امى جالها حديت عمرى ما هنساه ... كان عيتحدت عنك كنك روحه ... وصمم يدور عليكي ... ولما امي شافته أكدة جالتله انها عتموت حالها لو رجعك ... بس هو كان عارف انها عتهدده ووجف في وشها وجالها انه معيجدرش يعيش من غيرك واصل ... كان مجهور يا حبة عيني ... وخرج بعد حديته دي وبعدها جالنا الخبر المشؤوم ده ... علشان أكدة امى متحملتش وطبت ساكتة ف الارض ... هى اللى وصلته لكدة ..


تنهدت بحزن ثم مدت يدها تضعها على كف مهرة الشاردة بعيون دامعة حزينة وقلبٍ معذب من ما صار مع حبها الاول والاخير واردفت _ سامحيه يا مهرة ... انى عارفة انك زعلانة منيه وبرغم أكدة متحملتيش وجيتي ... يبجى سامحيه يمكن يطمن .


مدت مهرة كفها تجفف دموعها ثم تنهدت بعمق واردفت بهدوء _ زين طلع وهو حامل سلاحه  ... كان رح يموتنى شهد ... عن جد كنت حاسة حالى رح اموت يومها اذا ضليت  ... زين وقتها ما كان عم يطلع في بعيونه ... كانت عيونه كتير مرعبة ... وهالموقف هز ثقتى فيه وقلل من احساسي بالامان معه ... بعرف انه اتوجع قبلي من الخيانة وبعرف انه الرسائل يللي كانت ع موبايلي وقتها كانت دليل قوى كتير في حقي ... بس كان لازم يحكم عقله شوي ... كان لازم يهدى ليفهم ... شو كان صار اذا انا متت وهو اكتشف انه كان ظالمنى ! ... برأيك زين بشخصيته كان رح يتحمل هيك ذنب !! ..


هزت شهد رأسها واردفت بحزن _ لع ... انى معاكى وعارفة انك صُح في كل كلمة عتجوليها ... ومهجولش عديله اللى حصل أكدة ... لع ... بس هو طبعه صعيدي وعرجه حامى ... والبلد كلها بتحترمه وعتعموله الف حساب ... هو حس بالاهانة ومتحملش ... اجولك !! ... عاجبيه وخدى حجك منه بس وانتِ معاه ... متسبيهوش تانى .


نظرت لها مهرة بعمق وتنهدت تردف _ انا معاه شهد ورح اضل هون لحتى يفيق ... ما رح اتركه بنوب الا اذا وقف ع اجريه وصار منيح ...وقتها رح ارجع من مكان ما اجيت وهو بيعرف كيف يراضيني ويرجع ثقتى فيه ... بس ما بقدر بنوب ارجع معه وكأن ما صار شي ... رح اخاف وانا جنبه بعد ما كنت ما بحس بالامان الا معه ... وانا ما بدى اعيش هالشعور بنوب .


نظرت لها شهد بحزن ثم تنهدت ووقفت تردف _ معرفاش اجولك ايه غير ربنا يجدم اللى فيه الخير ... انى همشي دلوك لان معتز واجف برة وكمان اتأخرت على امى ... هجيلك بكرة ... خدى بالك من نفسك .


وقفت مهرة تعانقها ثم ابتعدت تردف بترقب _ شو اخبارك مع معتز !


تنهدت شهد بعمق وحزن واردفت _ انى ومعتز مصيرنا بأيد ربنا ... الاول خلينا في زين ... ولما يفوج بالسلامة نبجى نتحدت ... يالا سلام .


غادرت شهد وتركت مهرة تتنهد بعمق وتعيد حديثها في رأسها 




❈-❈-❈


غادرت شهد مع معتز الذى كان ينتظرها خارجاً ... كان يقود سيارته وهى شاردة تتطلع من النافذة بصمت كسره هو حين تسائل _ مهرة كويسة !


التفتت تطالعه بهدوء ثم عادت تلف وجهها وتردف _ كويسة .


زفر  بعمق وصمت لثوانى ثم اردف _ مش عايزة تقولي حاجة !! 


لفت وجهها اليه تطالعه بتعجب مردفة _ عجول ايه يعنى يا معتز !! 


اردف بترقب _ تقولي حاجة عن الكلام اللى اتكلمناه امبارح ! .


تنهدت بعمق وخجل وهى التى كانت تحاول الا تتذكر  ثم اردفت _ خلى الحديت ده لما زين يفوج يا معتز ... علشان خاطرى !


توقف جانباً ثم التفت اليها بحب مردفاً _ معاكى حق ... اول ما زين يقوم بالسلامة هنعمل فرحنا علطول ... كفاية علينا كدة ... صبرنا كتير اوى يا شهد .


اتسعت عيناها بذهول واردفت مرددة بعدم استيعاب _ فرحنا !!! ... كيف يعنى !


ابتسم ساخراً واردف _ كيف ايه ! ... طبيعي نعمل فرح يا شهد ... اومال هنتجوز ازاي .


اخفضت رأسها بخجل وصمت فابتسم عليها فتنهدت هى وانتابها بعض القلق من القادم ثم تسائلت _ معتز ! ... هتكون مرتاح معايا ! ... علاجتك بوالدتك معتتأثرش لو اتجوزنا ! ... يعنى انى توبي غير توبك وخايفة مجدرش اسعدك ! .


قالتها بحزن ثم نظرت امامها فتابع هو متعجباً _ توبي غير توبك !! ... شهد انا ابن عمك ... واسمى معتز الجابري ... وصعيدي اباً عن جد ... مش معنى انى عايش ف القاهرة انى مش زيك ... بالعكس انا عرقي صعيدي ويوم ما اقرر ارتبطت هرتبط ببنت صعيدية بحبها جداا ومش هكون سعيد من غيرها ابداً واسمها شهد الجابري ... غير كدة مش هتجوز ... عارفة ليه يا شهد !


بدأ قلبها يدق بعنف وصخب وهى تطالعه بترقب ليكمل هو قائلاً بتروى _ لانى بحبك من وانتِ اااد كدة ... وحبي ليكي كان بيكبر جوايا كل ما بتكبري ... وانا كل يوم بتخيل شكلك وصورتك اللى سيبتك عليها وانتِ صغيرة ... انا عمرى ما نسيتك يا شهد وكنت مستنى اليوم اللى هاجى فيه واتقدم لك ... وكنت عارف ان فيه حواجز كتير جدا هتقابلنى ... متخيلتش لحظة ان القدر يحطك قدامى بسهولة كدة وكأنه بيقولي اتفضل نصيبك الحلو اهو حافظ عليه بقى .


تنهد يطالعها بأستنكار وتابع _ عايزانى بعد كل ده اسيبك !! ... هه تبقى بتحلمى .


عاد يكمل قيادته بسعادة وهى تتطلع للامام بخجل وشرود .



❈-❈-❈


بعد ثلاثة ايام  فى المشفي 


تجلس مهرة بأرهاق حيث اصبحت حالتها واهنة في تلك الايام الثلاث وفسرت ذلك بسبب عدم تناول الطعام بشكل طبيعي  او عدم الراحة جيداً .


تجلس في العناية بعدما سمح لها الطبيب بالدلوف الى زين وتلك المرة ستمكث معه لمدة خمس دقائق ... تجلس تتمسك بكفهِ وتتلو بعض الايات القرآنية بصوت عذب ناعم ... 


(كان متكوراً في تلك الغرفة المظلمة حينما صدح صوت عذب يعلمه جيداً ... رفع رأسه من بين قدمه وبدأت يلتفت حوله باحثاً عنها ... وقف على حاله وبدأ يلتفت بجنون ... يفتح فمه ليتحدث ولكن لسانه معقود ... يحاول النداء باسمها ولكن لا يستطيع ... ظل يبحث في الغرفة المظلمة عنها والصوت يقترب اكثر واكثر ...)


انتهت هى من قراءة الآيات ثم توقفت تطالعه بعيون مشوشة ثم شعرت بدوار شديد في رأسها ... حاولت التنفس بعمق ووقفت تغمض عيناها وتستند على حافة الفراش ولكن فجأة دارت الارض من تحت قدماها وسقطت فاقدة للوعى محدثة جلل بسبب سقوط المقعد التى كانت تجلس عليه مع سقوطها حيث كانت تتمسك به .


سمعتها الممرضة فاسرعت للداخل وحين رأتها بتلك الحالة ارضاً ذعرت واسرعت تحاول افاقتها وعندما لم يجدى الامر نفعاً اسرعت تنادى الطبيب .





❈-❈-❈


بعد عدة دقائق رمشت مهرة باهدابها فوجدت نفسها متسطحة على فراش الغرفة الخاصة بها في المشفي .


نظرت جانباً فلم تجد احد بجوارها ... تنهدت تغمض عيناها ثم حاولت القيام ولكنها شعرت مجدداً بالدوار فعادت تتمدد على الفراش قليلاً .


طرق الباب ودلف الطبيب المعالج الذى ابتسم لها فتذكرت امر نقابها وبحثت بعيناها عنه فاردف مطمئناً _ مافيش داعى للقلق يابنتى ... اطمنى انا من هنا ورايح هكون طبيبك وطبيعي هتتعاملي معايا من غير نقاب .


ضيقت عيناها بتعجب ثم اردفت متسائلة بقلق  _ كيف ! ... لشو رح اتعامل مع حضرتك ! ... شو طلع معي ! ... انا مريضة شي !


ابتسم الطبيب واردف بترقب _ لاء مش مريضة ... انتِ حامل ... الف مبروك .


ظلت تطالعه بصمت وعيون مثبتة ثم تدريجياً تسارعت نبضاتها والتمعت عيناها بغيمة دموع واردفت بصوت متحشرج _ عم تحكى جد دكتور ! ... انا حامل ! ..


اومأ الطبيب الذى يتطلع على الورقة التى في يده يردف بثقة _ اكيد ... ودي نتيجة تحليل عينة الدم اللى اخدناها منك وانتِ نايمة ... بس لازم تاخدى بالك كويس جداً لانك لسة فى اول اسبوع من الشهر التانى .


كانت تستمع اليه بذهول وعدم استيعاب .


اردف متسائلاً _ مدام مهرة ! .


اومأت له عدة مرات تردف بصوت متحشرج وذهول ممزوج بالسعادة والتعجب ومشاعر مختلطة _ معك حضرة الدكتور ... بتشكرك كتير ... رح ادير بالي على حالي ... بس اذا بتريد لا تقول لحدا هلا !


اومأ يردف بعملية _اكيد طبعا ده حقك .


اومأت تتنفس بسعادة واتجه كفها تلقائياً الى معدتها تحركه بحنو عليها كأنها تتأكد من وجوده المفاجئ وترحب به ... خرج الطبيب وتركها تبكى فرحاً ... تذكرت فوراً عزيزها الذى يقطن بالجوار لا يعى شيئاً مما يدور حوله ... تحمل طفله الآن !! ... اتحلم هي ام هذا واقعٌ رائع يغلف قلبها بالسعادة ... اغمضت عيناها تستمتع بهذا الخبر لثوانى ... ثم فجأة تذكرت ما حدث بينهما ففتحت عيناها تتطلع للامام ... اختفت مظاهر الفرحة وعادت مظاهر الألم والخوف والقلق من القادم ... اكانت تحمل نطفته عندما عنفها ! ... اكانت تحمل منه عندما طالعها بنظرة شك !! ... ماذا لو .... ؟!


هزت رأسها لا تريد التفكير في اي امرٍ سئ ... ستهدأ الآن وتتروى لتعلم ماذا عليها ان تفعل .


رن هاتفها المجاور فالتقطته ثم فتحت الخط واردفت بنبرة مترددة _ بابا ! .


اردف ابراهيم بحنو وحب _ كيفك بنتى ! ... طمنيني عنك وعن زين ما في جديد صار معه !.


صمتت قليلاً ثم اردفت بترقب _ بابا ! .... انا حامل .




❈-❈-❈


في اليوم التالى 


بعدما استردت مهرة صحتها اتجهت لترى زين وتخبره بتلك البشرى ... جلست بجواره تدنو من رأسه وتقبل وجنته بعمق واشتياق ككل مرة ... تنهدت تطالعه ثم تناولت كفه واتجهت بها الى معدتها ووضعته عليها ودنت من اذنه تهمس بها بنبرة مترجية _ ما بدك تفيق زين !! ... ما بدك تطلع من هالعتمة !! ... ما بدك ترحب معى بهالصغير !!! ... تعى شوف شو رزقنا الله ؟! ... تعى زين يالا نحن بحاجتك ... تعى ولا توجعلي قلبي ...


(فتح باب الغرفة المظلمة وظهر شعاع النور مجدداً ... لف نظره اليه وهو يراه قريباً هذه المرة ... وبالرغم من النور القوى الذى يعمى عينه الا انه حاول جاهداً الركض اليه ... صوتها ينبعث من وسط النور ... يريد ان يراها ... وقف على حاله وتنفس بعمق ثم ركض بسرعة قبل ان ينغلق الباب عليه حتى استطاع ان يخرج من تلك الغرفة المظلمة آخيراً ... استطاع ان يصل الى النور ... عينه مغلقة من أثر النور ولكن باقي اعضاؤه الحيوية تعمل بشكلٍ رائع .)


رن هاتفها فابتعدت قليلاً تخرجه من جيب فستانها ... نظرت فوجدته والدها ... تنهدت بعمق وفتحت الخط تجيب بصوت هادئ _ اهلين بابا كيفك !!


اردف ابراهيم بحزن  _ كيف بدك اكون مهرة ! ... رح تضلي بهالمشفي لامتى !! ... يابنتى انتِ هلا حامل ما بيصير هالحكى !! ... اتركيه وتعي لهون وبعدين ارجعي لعنده بس لا تضلي بالمشفي ... عن جد ما بقى اتحمل مهرة !


تنهدت بحزن ثم اردفت بترقب _ ما بقدر بابا ... ما بقدر اتركه وهو بهالحالة ... رح اضل هون لحتى يفيق وبوعدك بعدها ما رح اضل ... بس لحتى يسترد عافيته ويطلع من هالغيبوبة ... انا ما نسيت يللي صار بس ما بقدر اتركه هلأ ... بترجاك لا تضغط علي لانى ما بقى اتحمل ..


تنهد ابراهيم بضيق يردف _ يابنتى هيك غلط مشانك انتِ والطفل يللي ببطنك هلأ ... ريحيلي قلبي مهرة ..


تنهدت بعمق ثم اردفت _ لا تقلق بابا انا هون عم دير بالي ع حالي ... دير بالك انت ع حالك وعلى عائشة وصدقنى وقت زين يفيق ويقف ع اجره انا رح ارجع لعندك بابا .


تنهد ابراهيم باستسلام بينما التفت مهرة تطالع زين الذى يتمتم بشئ غير مفهوم ... اتسعت عيناها بذهول وتيبس جسدها لثوانى ثم  خطت نحوه بعدما اغلقت الهاتف ودنت برأسها تستمع الى صوته لتتأكد وبالفعل وجدته يتمتم بحروفٍ متقطعة ..


نظرت اليه بذهول واردفت تنادى بحب وسعادة _ زين !! .. عم تسمعنى !! ... زين فتح عيونك حبيبي ... فتح عيونك زين ليكنى معك !


يحاول ويحاول وبدأ يحرك اصابعه ولكنها ضحكت بسعادة والتفتت تركض للخارج حتى انها تناست ان تسقط نقابها من شدة سعادتها ..


تذكرت امره وهى تمشي في الرواق فاسقطته على وجهها واتجهت مسرعة تنادى الطبيب الذى اتى معها مهرولاً الى غرفة العناية وبدأ يفحص زين بتمعن وينادى بقوة عليه ..


بدأ زين يفتح عينه ببطء شديد وخفونه تنكمش وشفاهه جافة مشققة كشقوق ارضٍ صحراوية شامخة ..


اردف الطبيب بسعادة _ زين سامعنى كويس ! ... حرك ايدك كدة !


حرك زين يده وبدأت الرؤية توضح امامه ... بدأ يتمتم ببعض الحروف الغير مفهومة ..


لف رأسه قليلاً ليقابها ... حدق بها وبعيناها التى تطالعه باكية من خلف نقابها ... صب نظره عليها الى ان اردف الطبيب بسعادة _ حمدالله ع السلامة يا زين !! ... ايه يا راجل كل ده نوم ! .


سحب شهيق بطئ ثم لف نظره عنها ونظر من حوله بترقب وهى تطالعه بصمت وبكاء وسعادة اتجهت اليه تردف بحب وحنو _ حمدالله ع السلامة !.


طالعها قليلاً بعمق قبل ان يردف ببطء وصوت متقطع _ انتِ مين !


تصنم جسدها تطالعه بصمت وذهول فأردف الطبيب بترقب _ دي زوجتك يا زين ... انت مش عارفها ولا ايه !!


نظر للطبيب واردف بعمق وصوت متقطع _ لاء ... انى فين !! ... وانتو مين !.


نظرت مهرة للطبيب بصدمة وكذلك هو الذى شرد قليلاً بترقب يفكر يبدو ان زين فقد ذاكرته .


يُتبع..