رواية ذنبي عشقك بقلم الكاتبة ميرا كريم - الفصل الثاني
رواية ذنبي عشقك
بقلم الكاتبة ميرا كريم
رواية ذنبي عشقك
الفصل الثاني
فِري من جحيمهم يكفيكِ شقاءٍ فلم تعد التضحيات مُجدية في سبيل أطماعهم، هم طاغية يصطفون بينهم…فري ولا تترددي قبل أن تنزلقِ وتهلكِ في بؤرة جحيمهم.
ذلك ما كان يتردد بعقلها وهي في طريق العودة مع أخيها بعد زيارة "سلطان"
فقد أسندت رأسها على زجاج نافذتها وظل الطنين برأسها يتردد ويتردد وهي ساهمة بنظراتها تشاهد تقلب الجو، فكان يوم عاصف و أمواجه متلاطمة ثائرة ولفحات من الصقيع تجعل البرودة تنخر العظام حد النخاع؛ كخوفها.
حاوطت جسدها بذراعيها تشجع ذاتها تحاول جاهدة أن تجد طريقة مُجدية للفرار من ذلك القابع بِجانبها بكل تجبر.
رمقها بغل قبل أن يتوقف بأحد إشارات المرور غافل عن ما يدور بذهنها فكانت ترشقه بِنظرات متأهبة، وعندما واتتها الفرصة وتوقفت السيارة في لمح البصر كانت تفتح بابها وتخرج منها بسرعة خاطفة جعلته يزمجر بِغضب ويصرخ بإسمها ولكن لا حياة لمن تنادي فقد أطلقت العنان لقدمها وظلت تركض بكل ما أوتيت من قوة كي تفر منه .
صرخت بقوة عندما رأته يترجل من سيارته الصغيرة ويركض خلفها فساقتها قدميها لأحد الطرق الفرعية التي تؤدي إلى ذلك الشاطيء النائي الذي قلما تواجد به أحد…
انقبض قلبها وهي تشعر به يقلص المسافة بينهم بخطوات واسعة تجعل فرصتها تبوء بالفشل لتتحامل أكثر على ذاتها و تبذل ذلك المجهود المضاعف أثر تلك الرمال الناعمة التي تغور بقدميها مع كل خطوة.
صـ رخة قوية صدرت من فمها عندما تعثرت وسقطت على الرمال النادية التي استقبلتها برحابة ولطخت ملابسها، حاولت أن تنهض من جديد ولكن يبدو أن كاحلها ألتوى لتصرخ بألـ م وترجوه وهو يقترب منها بعيون تقدح بالشـ ر:
-صالح...حرام عليك...ارحمني
أبتسم بسمة مغلـ ولة بشدة و رد بأنفاس متسارعة من شدة الغضـ ب ما أن وقف أمامها جاذبها من خصلاتها البنية التي تأوهت بقوة على أثارها:
-عايزة تـ هربي وتسبيني اتعك لوحدي… ده على جثتي
تعلقت بيده التي تكاد تنــ تزع خصلاتها من رأسها تتحامل على
ألـ م قدمها وترجوه من جديد:
-طب حقك عليا...سيب شعري واوعدك مش هحاول اهرب تاني...
نفى برأسه برفض قاطع، ليتعالى نحيبها وترجوه بنبرة متـألـ مـة لأبعد حد وهو يجرها خلفه كالماشية التي تنساق إلى نحرها:
-حـ رام عليك...سيبني انا مش عايزة ارجع معاك
-اخـ رسي خالص مش عايز اسمع صوتك
تقطعت انفاسها وكادت تخبو من شدة نحيبها وما أن رأته يتوجه بها إلى سيارته من جديد بكل استماتة كورت يدها وضربته بمعدته بحركة مباغتة، جعلته ينفضها ويسـ بها بأفظع السـ باب لتحاول أن تهرب ولكن قدمها لم تساعدها فكان بلمح البصر يدفعها على الأرض ويتناوب بركلاته على جسدها الضعيف بكل ما أوتي من قوة، لتتكور على ذاتها وتتلقى ضرباته الموجعة و تصرخ مستنجدة.
كان في تلك الأثناء برفقة والدته في شرفة غرفتها كعادتهم كل يوم بنفس التوقيت ليتناهى إلى مسامعهم صرخات مستغيثة تأتي من بعيد وعندما دققوا النظر شاهدو فعلت ذلك الدنيء بها، ليركض "سليم " كي يكبح ذلك الشخص عنها، وما أن وقف على مقربة منهم صاح بصوت جهوري يرتجف له الأبدان:
- ابعد عنها يا حـ يوان
توقف "صالح "عن ركلها بعدما تناهى إلى مسامعه ذلك الصوت الذي بث به الرهبة ليتناوب نظراته بينه وبين تلك التي تحتضر بالأرض وتبصق الدماء من فمها، لتبرق عينه بخوف حقيقي حين وجد"سليم" يقترب منه اكثر فأكثر وعلى وشك الإمساك به...ليذدرق ريقه وينظر لموقع سيارته بحيطة وكأنه يحسب الخطوات للفرار.
تفهم "سليم" ما يدور بخلده ليزعق به ويحذره كي يرهبه و يجعله يعدل عن نيته ولكن ذلك الـ دنيء أخذ صراخه كإشارة إنطلاق فكان بلمح البصر يركض ويصعد لسيارته ينطلق بها بأقصى سرعة لديه مما جعل "سليم" يلعن تحت أنفاسه فإن لحق به ستحتضر هي فكانت هيئتها يرثى لها متكورة على ذاتها وشعرها المبعثر يغطي وجهها وتطلق آنات واهنة متألمة، جثى يتفقدها يزيح خصلاتها لتتقلص معالمه مستغربًا ويزمجر لاعنًا ثم دون إضاعة أي وقت كان يحملها عن الأرض بكل عنفوان ويتوجه بها نحو فرد الأمن الذي لم يبرح مكانه بأوامر صارمة منه، فقد أمره أن يفتح له باب سيارته التي يصفها بجراج منزله وما أن فعل مددها على المقعد الخلفي وقال يطمئنها:
-متخافيش ابن ال* مش هسيبه
ذلك أخر ما وصل لمسامعها قبل أن تفقد وعيها بالكامل وتسمح لذلك الظلام أن يبتلعها.
❈-❈-❈
بعد مرور عدة ساعات داخل المشفى
كان يقف في أحد الزوايا أمام النافذة شاردًا في تلك الأجواء الممطرة بالخارج فكانت الرياح عاتية تكاد تقتلع الشجيرات من أرضها تمامًا مثل أفكاره العاصفة التي تكاد ان تفقده صوابه فيكاد لا يصدق أن من قرع ضميره طبولًا من أجلها قد رأها مرة آخرى...نعم هي!
مازال يذكرها ويذكر تلك المرة الوحيدة التي ألتقى بها فمنذ شهور عدة لا يعلم عددها أتاه صديقه في زيارة مفاجأة و وقع اختياره على ذات المطعم الصغير التي كانت تعمل به.
تنهد بقوة و وضع ساعده على الزجاج وأسند عليه جبهته ومع
زخات المطر المتساقطة على النافذة تجسدت تلك الذكرى من جديد أمام عيناه.
flash back
كان يتململ في مقعده بنفاذ صبر حين اقتربت هي قائلة بارتباك تعدل من مريولها:
-أسفة...المتر اللي بياخد الطلبات اتأخر النهاردة...تحت أمركم تطلبوا ايه؟
قلب هو عيناه بسأم بينما نفى صديقه برأسه وأخبرها دون تكلف وبكل بساطة:
-ولا يهمك...قوليلي ايه اجمد حاجة عندكم بما أنك الشيف
-أنا لسه منزلة ورق العنب من على النار لو تحب...
عقب" نضال "بإشتهاء:
-أحب جدًا ده انا واقع من الجوع بصي ظبطينا
صحح الأخر بملامح مشمئزة ونطق متعجرفًا وهو ينظر لها نظرة عابرة بطرف عينه:
-اتكلم عن نفسك أنا مستحيل أَكل في مكان زي ده...كُل انت وخلصني
انكمشت معالم وجهها من فظاظته وكادت ترد رد يليق به لولآ أن الآخر نطق بمحايدة:
-والله انت الخسران دي الريحة لوحدها هتـ جنن أمي
ليوجه نظراته لها ويطلب بأدب:
-يلا انا جعان وبقالي اكتر من ساعتين سايق علشان اوصل لهنا
أومأت له وتحدثت بعملية:
-تحت أمرك دقايق ويكون الأكل عندك
وبالفعل بعد دقائق أحضرت له الطعام والعديد من الأصناف التي تفوح الرائحة الشهية منها فقد شرع هو بالأكل أما عن" سليم" فقد داعبت الرائحة أنفه وانبأته أن الطعام رائع بالفعل ورغم ذلك مازال مشمئز من المكان فيبدو أن شخصه ليس بهذا التواضع كي يتواجد به، لذلك هدر غير راضيًا:
-فيها ايه يعني لو كنت جيت على البيت واكلنا هناك ده منظر مطعم تقعدنا فيه مكنتش اعرف انك بقيت رمرام...
ابتلع صاحب الخضراويتان ما بفمه ورد دون تكلف غير عابئاً باستيائه:
-متشغلش بالك بالمكان المهم أن الأكل حلو
زفر "سليم" بقوة ثم رفع سبابته بوجهه يعلمه:
-ماشي يا دكتور الحريم بس الحساب عندي
وعند نطقه بذلك اللقب اللعيـ ن اعترض "نضال" بعد أن كاد يغص بطعامه:
-ياعم ارحمنى انت مُصر تعايرني ليه ده انا بحبك
اجابه "سليم "وهو لا يستسيغ الأمر بتاتًا:
-اعملك ايه ما انا للمرة الألف بقولك أنت تخصصك هباب
-ياعم انا مهزئ اصلًا ملكش فيه وسيبني أكُل بقى
زفر انفاسه دفعة واحدة ثم تناول علبة سجائره يتناول واحدة منها وتسأل بتوجس وهو يشعلها:
-طب قولي ايه سر الزيارة العجيبة دي مش عوايدك؟
ابتلع" نضال" ما بفمه بصعوبة قائلًا بعدما تقلصت معالمه:
-انا طلقت "هاجر"
أطلق "سليم" زفيرًا طويلًا ثم عقب على الأمر متوجسًا:
-وانت زعلان، ولا ندمان؟
تنهد تنهيدة مثقلة ورد بضياع وعينه تشرد في الفراغ:
-مش عارف يا "سليم"...
ربت" سليم" على كتفه بغرض مواساته قائلًا:
-هون على نفسك...صدقني طالما دي رغبتها يبقى انت عملت الصح
هز "نضال" رأسه بحركة بسيطة ثم عقب ببسمة باهتة يكمن خلفها الكثير:
-عندك حق كده احسن ومكنش ينفع اعيش معاها بعد ما عايرتني بموضوع الخِلفة وجرحت كرامتي....ليزفر بقوة وكأن يزيح ثقل يكمن على صدره ويقول بثبات انفعالي لطالما تحلى به في أشد أوقات بؤسه:
-الحمد لله على كل شيء...ربنا يسعدها ويحققلها اللي بتتمناه
أبتسم "سليم "بسمة تحفيزية بينما هو عقب قبل أن يدس شوكته بطبق ملفوف ورق العنب يستلذ به ويلوكه ببطء غريب:
_تصدق النفسية كانت محتاجة طبق ورق العنب ده علشان تتحسن وياسلام بقى لو كوباية شاي بحليب بعد الأكلة دي يبقى ميه ميه
حانت من" سليم" بسمة عابرة لم تصل لعينه فهو يعلم صديقه تمام المعرفة فخلف تلك الأحاديث المرحة والبسمة اللامبالية يكمن جرح مازال نازفًا.
فبعد مرور بعض الوقت نهض قائلاً:
-انا هروح الحمام أنجز
لوح " نضال " بيده يشاكسه وهو مازال يلتهم ما أمامه بشهية لا تناسب ما يمر به:
_ براحتي أنا عندي دلوقتِ فراغ عاطفي ومش هيعوضه غير الأكل
ابتسم يهز رأسه بلا فائدة وتركه يبحث عن المرحاض
تزامنًا مع خروجها محملة عدة أطباق من باب المطبخ بظهرها كونه يرتد تلقائيًا ويلزم دفعه... وأثناء استدارتها ارتطمت بذلك الحائط البشري وسقطت الأطباق العامرة بالطعام من يدها
تباعًا مع صرختها التي صمت أذنه وجعلت النيران المستعرة تتقافز من نظراته خاصةً حين قالت منفعلة:
-مش تحاسب حـ رام عليك
توحشـ ت نظراته وصرخ بها مستهزئاً:
-انا اللي احاسب بردو أنتِ اللي عامـ ية وغبـ ية كمان حد يخرج كده!
-انت بتغلط كمان يعني مش كفاية غلطان
احتدت نبرته أكثر هادرًا:
-بت أنتِ هتبجـ حي فيا ولا إيه؟
ردت بشـ راسة متحدية:
-والله ما حد بجح غيرك أنت فاكر نفسك إيه على الأقل اعتذر
-اعتذر بتاع إيه ولمين...ليكِ أنتِ!
قالها بتعالي وبنبرة متغطرسة اغضبتها وكادت أن ترد لولآ هرولت "نضال" لهم قائلًا:
-في إيه بس استهدوا بالله يا جماعة محصلش حاجة
-لأ حصل البيه بدل ما يعتذر أنه خبط فيا ووقع الأكل من ايدي بيغلط
اعتلى حاجبي "نضال" فمن من تنتظر الأعتذار من "سليم" بالطبع محال...لذلك حاول تهدئتها عوضًا عنه:
-حقك عليا انا معلش اكيد مكنش يقصد
ليبتسم "سليم "ويضع يده بجيب بنطاله الكلاسيكي معترفًا بغطرسة:
-لأ اقصد اغلط هي غـ بية والمكان مقرف وانا غلطان اصلًا اني وافقت ادخل مكان زي ده
-ايه الغرور ده أنت فاكر نفسك محور الكون...
صرخت بها ردًا على حديثه اللاذع الذي اغاظها بشدة... وهنا توحشت نظراته أكثر فأكثر واشرأب برأسه لمستواها بشكل مرعب هادرًا:
-عارفة لو مكنتيش واحدة ست قسم بالله كنت عرفتك أنا مين واقدر اعمل فيكِ ايه...
توجست من هيئته المرعبة وتنبأت أنه شخص لا يستهان به، ورغم أنها تتشبث بثباتها إلا أنها وجدت جسدها يتراجع خطوتين للخلف، وقبل أن يصدر منها كلمة واحدة كان يخرج حفنة نقود ويلقيها بوجهها بشكل مهين متوعدًا:
-ده حساب الأكل إنما حساب اللي قولتيه هدفعك تمنه غالي وحياة أمك لاقـ طع عيشك ومعاه حتة من لسانك...فين صاحب المخروبة دي
زعق بأخر جملة بصوت جهوري نفضها وجعل نظرات رواد المكان تتابعهم، ليتدخل" نضال" كي يردعه:
-خلاص يا "سليم" بلاش اذى ده سوء تفاهم...استهدى بالله و يلا بينا نمشي
طالعته هي بنظرة مطولة تحمل الكثير من الضعف ثم سقطت من طولها مغشي عليها تحت وطئته.
دقائق قليلة غابت عن الوعي وقفها هو دون حراك بملامح جامدة وحين أفاقت بمساعدة صديقه تعلقت عينه الثاقبة بها و وجد ذاته يتراجع من تلقاء نفسه ويغادر المكان...حقًا لا يعلم لمَ تراجع ولا يريد أن يبحث عن سبب يدينه ويشعره بالذنب حتى أنه ليس لديه أي نية للاعتذار
ولكن طبيعته غلبته
فرغم سرعة غضبه وعنجهيته الغاشمة إلا أن ضميره اليقظ لم يرحمه بعدها، حتى أنه دفعه عدة مرات للذهاب لذات المكان ولكن في كل مرة لم يجدها وكأن الأرض انشقت وابتلعتها.
back
اغمض عينه بقوة يحاول نفض تلك الذكرى عن رأسه ولكن ظل سؤال واحد يلح عليه
لمَ لفظت في طريقه الآن!
-"سليم "بيه؟
انتشله صوت الطبيب ليتأهب بوقفته ودون أن يكلف ذاته عناء السؤال استرسل الطبيب:
-إحنا عملنا اللازم يا فندم
قال بإقتضاب وبملامح جامدة:
-كويس
-متقلقش يا فندم دي شوية كدمات والتواء بسيط في رجلها ويومين بالكتير وتقدر تخرج
اعتلى جانب فمه ورد متهكمًا وهو يضع يده بجيب بنطاله بكل ثقة:
-حد قالك إني قلقان!
تلعثم الطبيب مبررًا:
-انا قولت اكيد تهمك علشان واقف من ساعتها أدام اوضتها
زفر بطبيعته الملولة وقال حانقًا:
-من غير رغي كتير يا دكتور
انا هاجي بكرة الصبح علشان أكمل الإجراءات الناقصة وعايزك تحضري تقرير طبي بحالتها
-تحت أمرك يا" سليم" بيه
هز رأسه ودون أضافة المزيد كان يغادر المشفى وهو يبرر لذاته أنه بمساعدته لها في استرداد حقها سوف يكف ضميره عن تقريعه بسببها.
❈-❈-❈
كان يدور حول نفسه والعديد من التساؤلات تكاد تفقده صوابه، فكيف طاوعه عقله بأن يفعل ما فعله بها. ترى ماذا حدث بعد فراره؟
ومن ذلك الشخص الذي تصدى لها؟
هل ستعود من جديد لهنا؟
هز رأسه هازئا من أفكاره البالية فكيف تعود بعد أن عنـ فها واستغل كل ذرة صبر بها فإن لم تعد وفرت كما كانت تريد كيف سيجابه "سلطان" عند خروجه من محبسه وكيف سيلاحق تبعات غيابها!
طرقات قوية على باب منزله انتشلته من خضم أفكاره وجعلته يتسمر بمكانه يبتلع ريقه بحلق جاف خوفًا من هوية الطارق فماذا لو ابلغت عنه الشرطة…
نفى برأسه يؤكد لذاته أنها لن تفعل وهنا تشجع وفتح الباب بروية ليجد طليقته تقف على أعتاب شقته لتنفرج معالم وجهه ويهمس بأسمها:
-"بدور"
اغمضت "بدور" عيناها تنفض تلك الذكريات المريرة المصاحبة لذلك المنزل وتسائلت:
-فين الشهرية بتاعة ابنك يا "صالح"
تشدق ماكرًا:
-هو ده اللي جابك!
أكدت مستاءة من سلبيته وانانيته المعتادة:
-اه هو ده اللي جابني يا "صالح "ما انت شكلك نسيت ان ليك ابن ملزوم منك
-يووه فلقتيني كل شهر تسمعيني الكلمتين دول
ــ اعمل ايه ما انت مفيش شهر تصدق فيه ابدًا
ـ قولتلك أول ما ربنا يكرم هبعتلك
-يظهر إني كنت غلطانة من الاول اني وافقت شمس أن الموضوع يبقى ودي بينا
-لأ متخليهوش ودي…وشمس اللي اتفقت معاكِ وكانت بتسد طارت
-تلاقيك افــ تريت عليها زي عوايدك…ما أنت جاحـ د وياما شوفت معاك السواد ألوان
زمجر غاضبًا وأكد جـ حوده وهو يكاد يغلق الباب بوجهها:
-طب يلا غـ وري بقى مش ناقصة
قرفـ ك واللي عندك اعمليه انا خلاص طلقتك وملكيش حاجة عندي وياريت تشيلي شيلتك وتربي ابنك بمعرفتك
أنبته وهي تحاول أن تدفع الباب كي تستعطفه:
-هجيب منين!حرام عليك ده الفلوس اللي بشتغل بيها يدوب بدفعها ايجار الأوضة اللي آوياني أنا وابنك بعد ما رمتني رمية الـ كلاب في الشارع
_ مش شغلي وغــ ـوري من هنا
قالها بغل وهو يدفعها ويغلق بابه بوجهها لتتدلى الدرج وتغمغم بحُرقة ودموع القهر والحوجة تغرق وجهها:
_ حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا" صالح" انت وامثالك
بينما هو لعن غبائه فتلك أول تابعة سوف تؤرقه في غياب شقيقته التي فرط بها لذلك اقسم أن يعيدها فقد تناول هاتفه وطلب رقم أحدهم يؤكد عليه تعليماته السابقة:
_ متخلهوش يغيب عن عينك هو الوحيد اللي هيوصلنا ليها…
❈-❈-❈
صباح ثانِ يوم رفرفت هي بأهدابها في محاولة بائسة منها أن تستعد وعيها وما أن تمكنت من ذلك وجدت ذاتها بِفراش المشفى حاولت النهوض لولآ صوت تلك الممرضة التي منعتها:
- رايحة فين بس استهدي بالله ده أنتِ مفيش حتة في جسمك سليمه
تأوهت بقوة وهي تعتدل بِجلستها لتلاحظ أن قدمها يلتف حولها رباط طبي يعيق حركتها لتهمم بِصوت متألـ م بعدما وخزها جسدها أثر تعـ نيف ذلك الدنيء لها:
-أنا فين ومين جابني هنا؟
اجابتها الممرضة بِعملية:
-أنتِ في مستشفى (...) وجابك واحد ابن حلال وقال أنه هيمر عليكِ علشان يطمن بعد ما وصى عليكِ كل الدكاترة
استمعت لحديثها وهي فاغرة فاهها لم تستوعب شيء مما قالته تلك الممرضة، من ذلك الذي يهمه أمرها لذلك الحد هل ممكن ان يكون "صالح "انبه ضميره و هو من اتى بها
حانت بسمة ساخرة منها؛ على ما توصلت إليه توقعاتها ف ذلك" الصالح " أخر شخص بهذا العالم ممكن أن يفعلها
- عاملة إيه دلوقتي؟
انتشلها من خضم افكارها صوته الأجش القوي بعدما دلف لتوه من باب الغرفة، رفعت نظراتها الفارغة تشاهد صاحب ذلك الصوت الغريب الذي يرهب الأعماق بكل سلاسة، لتجد رجل خشن الملامح ذو لحية وشارب كث حالك السواد يتخللهم بعض الشعيرات البيضاء التي زادت طلته هيبة و وقار يرتدي حِلة كحلية متناسقة أظهرت بنيته القوية وقسماتها ببذخ من تحت ذلك القميص الأبيض الذي ترك اوله منفرج كأنه يتوسل للهواء رغم برودة الجو.
ألتوى جانب فمه ببعض الغرور وهو يرى مدى تأثيره عليها والذعر الذي نشب بِعيناها الواسعة وظن أنها تذكرته، ليجلس مواجه لفراشها ويسألها من جديد:
-ممكن تبطلي بَحلقة فيا وتقوليلي مين الحيـ وان اللي عمل فيكِ كده؟
مهلًا لمَ تشعر أنها رأته من قبل، فحتى صوته يبدو مألوف لها ومازال صداه يتردد بعقلها!
نفضت شعورها وردت منفعلة من عجرفته:
-بَحلقة إيه! انت مين أصلًا؟ وازاي تدخل كده عليا من غير استأذان؟
باغتها بحدة وبملامح جليدية باردة:
-ممكن تجاوبي ومترديش على سؤالي بسؤال
رفعت حاجبيها وردت بشراسة هجومية:
-ليه إن شاء الله كنت مين جنابك؟
-أنا المقدم " سليم الكومي"
قالها بكل غرور وعنجهية وهو يضع ساق على أخرى وينظر لها بتدني استفزها وجعلها تهدر بلا مبالاة:
-ايوة...وأيه المطلوب مش فاهمة جنابك...هو علشان ضابط تدي لنفسك الحق تتعدى على خصوصيات الناس كده!
زفر بنفاذ صبر بعدما التقط تهكمها الواضح وعنادها الذي ينضح من عيناها ليرد في غيظ وهو يسحب أحد سجائره ويشرع بإشعالها:
-بقولك أيه يا بت يظهر أن دماغك ناشفة وهتتعبيني وانا معنديش وقت لرغيك
جابهته هي:
-أنت اللي اقتحمت الأوضة وفتحتلي سين وجيم من غير داعي
حانت منه بسمة متعجرفة وزعق بعلو صوته الأجش نفضها:
- يا عسكري
تناوبت نظراتها بين باب الغرفة وبينه بشدوه، لتتفاجئ بدخول شخص يؤدي التحية الرسمية بإجلال ويحمل بيده عدة أوراق
ليفزعها صوته القوي واثق النبرات:
-يبقى نخلي ليه داعي ونفتح محضر
رسمي باللي حصل دي جُنحة ضرب
نفت برأسها وشحب وجهها ورفضت بقوة:
-لأ الله يخليك مش عايزة أشتكي انا مسامحة
احتدت نظراته القاتمة وظل ينظر لها نظرات مرعبة أرجفتها وجعلتها تطرق برأسها تتحاشى النظر له، فنظراته ضيقة مرعبة، ثاقبة، تشعر انها تخترقها وتسبر أغوارها لينقذها دلوف الطبيب الذي رحب به بِحفاوة:
- أهلًا يا "سليم" بيه والله المستشفى نورت
رد عليه بإقتضاب وعينه مازالت مصوبة عليها:
-اهلًا...
تحمحم الطبيب في حرج من فظاظته وقال:
-انا حضرت لحضرتك تقرير بحالتها زي ما أمرت
لتعترض هي بتعند زاد من حنقه:
-تقرير أيه؟وبعدين هو انت بتوجه ليه كلام ليه وهو ماله كان ولي أمري!
وجه الطبيب نظراته لها قائلًا بوجل:
-حضرة الضابط هو اللي جابك هنا ولولاه كان زمان مكنش اتعملك الإسعافات الأولية...مفروض تشكريه على اهتمامه
وضعت يدها على فمها وبرقت عيناها العشبية الواسعة تلعن تسرعها.
بينما هو زفر بِنفاذ صبر مرة آخرى كعادته الملولة واشار للطبيب بالمغادرة وإن خرج قال وهو يضع يده بجيب بنطاله:
-هفضل مستني كتير جنابك اتكلمي
قالها بنبرة قوية يحفها التحذير جعلتها
تبتلع غصة مريرة بحلقها وتهمس بعدها:
-أنا معنديش حاجة اقولها وشكرًا على مساعدتك ليا
قالتها وهي تطرق رأسها و تجهش ببكاء مرير تنعي به سبب شقائها
بينما هو ضيق نظراته الثاقبة عليها وسألها بِحزم وهو يؤشر لمرافقه بالانصراف:
-ليه رافضة تاخدي حقك!؟
أجابته من بين دمعاتها:
- من غير ليه لو سمحت دي رغبتي...
زفر حانقًا من غبائها ورد بغيظ:
-أنا شوفتك من بلكونتي وسمعتك وانتِ بتترجيه بأسمه وعلشان كده متأكد أنك تعرفيه وبرجع أسألك ليه مش عايزة تشتكيه؟
ألتزمت الصمت وأغمضت عيناها بأسف وهي تحاول كبح دمعاتها المنهمرة، ليسترسل هو كي يحثها على الحديث:
-اتكلمي انا لو مكنتش لحقتك كان ممكن مـوتـ ك و لازم ابن ال* ده يتعاقـ ب وتخدي حقك
نفت برأسها و أجابته بصوت مختنق بعبراتها:
-مليش حق عنده ومش هبلغ ولا أقدر أشتكيه ولا أَأذيه
ضيق عيناه بتوجس وسألها بحدة وبنبرة قوية أرهبتها بعد أن نفث دخان سيجارته:
-ليه جوزك...ولا ماسك عليكِ ذله يا بت
نفت من جديد بِقلة حيلة وأخبرته من بين شهقاتها الحارقة:
-أنت...مش فاهم حاجة.
-وماله...فهميني!
-لأ
قالتها بإصرار عجيب وهي مطرقة الرأس وتتحاشى النظر له مما جعله يزفر بقوة ويخبرها وهو يشملها بتقزز قبل أن ينهض ويغادر:
-شكلك جِبلة يا بت ومتعودة على كده ويظهر أنك كنتِ تستحقي أكتر من اللي جرالك... وأنا للأسف ضيعت وقتي على الفاضي..
ظلت منكسة رأسها لم تقوى على الدفاع عن ذاتها بعد أهانته المُشينة لها وإن لمحته يوليها ظهره همست بنبرة منكسرة جعلت جسده يتصلب:
- الله يسامحك يا باشا
استشعر انكسار نبرتها، ليتنهد في عمق يقاوم تقريع ضميره صوبها ودون إضافة أي شيء كان
يغادر بخطوات واسعة تاركها تكمل نحيبها قهرًا على ما توصلت له حياتها.
❈-❈-❈
مُنذ أن غادر المشفى وهو يلعن عنادها وسلبيتها تجاه استرداد حقها فمن ذلك الدنيء الذي كاد يزهق روحها ولماذا تتستر عليه لذلك الحد...هل من الممكن ان يكون زوجها حقًا!
مهلًا ما شأنه! ولمَ فضوله اللعين يدفعه نحوها!
حقًا لا يعلم ولا يريد أن يبحث عن إجابات وافية تشبع فضوله فالأمر لا يعنيه وقد فعل ما باستطاعته كي يجعل ضميره ساكن ليس إلا…
انتشلته من شروده صوت والدته:
-طمني البنت كويسة
أومأ لها وهو يعتدل بِجلسته على الفراش واخبرها بملل:
-كويسة
ابتسمت "ليلى" وسألته من جديد:
- وعرفت مين اللي عمل فيها كده...أبن الحـ رام ده لازم ياخد جـ زاته
تنهد بِعمق وهو يتذكر إصرارها العجيب في التستر:
-مرضتش يظهر مش عايزة تأذيه!
أومأت بِحزن وردت بتفهم:
-لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم...ربنا يتولاها
زفر في ضيق وهو يترأى أمام عينه صورتها الباكية وقال بِنبرة حادة منفعلة:
- دي واحدة غبية وتستاهل كل اللي يجرالها...وبعدين الله اعلم عاملة مصـ يبة ولا ماشية شمال علشان تسمح لواحد زي ده يعمل فيها كده
ربتت "ليلى" على ساقه بحنو وقالت متفهمة شكوكه فهو لا يثق بأحد بتاتًا والجميع عنده في موضع شك:
- أعذرها يمكن ليها أسبابها يا ابني ويمكن يكون جوزها ومش عايزة تخرب بيتها صدقني الست لما بتحب بجد بتغفر وتسامح من غير حساب
زفر في ضيق وغير مجرى الحديث كي يغض الطرف عن سيرتها:
-سيبك يا ست الكل ويلا روحي ارتاحي
-هروح يا "سليم" بس الأول احكيلي إيه اللي حصل مع "ميسون "ملحقتش اسألك
ادعى البراءة قائلًا:
-محصلش انا عملت زي ما قولتيلي
ابتسمت والدته وتسألت في حماس:
-يعني اتكلمتوا في ايه احكيلي؟
اجابها بكل لامبالاة:
-عادي يا" ليلى" كلام عادي
-طب قولي محستش أنك مرتحلها
هز رأسه وقال متمسك بقواعده الثابتة:
-لأ...أنا روحت علشان دي رغبتك ومكنتش عايز ازعلك لكن دي اول وأخر مرة اسمع كلامك في حاجة زي كده وليكِ عليا يا ست الكل لما ألاقي اللي ارتحلها هجرجرها من ايدها واحطها قدامك واقولك مش هتجوز غيرها
تنهدت "ليلى" بلا فائدة وأخبرته بيأس بعدما خيب آمالها:
-أنا كنت عارفة إني مش هاخد منك حق ولا باطـ ل وإن اللي في دماغك في دماغك...بس اقول إيه ربنا يهديكِ يا ابني
مال على رأسها ولثم جبينها يراضيها:
-بالله عليكِ ماتزعلي مني ده انا معنديش في الدنيا اغلى منك
تنهدت ولم تجب ليجثو مقابل لها و يلثم يدها قائلًا بمشاكسة:
- خلاص بقى روقي يا "ليلى" علشان خاطري
هزت رأسها ليضيف هو بحماس وببسمة هادئة:
-طب أيه رأيك نلعب عشرة طاولة واسيبك تغلبيني بمزاجي زي العادة
ربتت على كتفه و وافقت دون أي مناقشة فهي تعلمه جيدًا رأسه يابس ولا يستمع إلا لصوت عقله وغير ذلك من وجه نظره تعتبر هزيمة وهو بالطبع لا يعترف بها.
❈-❈-❈
استعارت هاتف أحد العاملين بالمشفى وهاتفت أكثر شخص تثق به وأخبرته بمكانها وهاهي ممدة على الفراش حين دلف قائلًا بلهفة:
-" شمس" ايه اللي حصل؟
استندت بمرفقيها على الفراش وابتسمت ببؤس قائلة:
-متقلقش انا بس اخذت عالـ قة سُخنة زي ما أنت شايف
تجهمت معالمه وارتسم الحزن على تقاسيمه وهو يقترب يساعدها كي تجلس بأريحية يضع وسادة خلف ظهرها ثم يستقيم بجوار فراشها متسائلًا:
-"صالح" اللي عمل كده؟
هزت رأسها...ليتابع هو بإنفعال:
-ليه إيه السبب؟
أجابته بتنهيدة بائسة:
-حاولت اهرب
تسأل بيقين قوي:
-زيارة "سلطان" السبب مش كده؟
-أخوك وانت عارفه لما بيحط حاجة في راسه
زفر "عماد" انفاسه حانقًا من رعونة أخيه وافعاله التي يستنكرها ولا يؤيده بها بتاتًا وقال منفعل:
-خليه يخبط راسه باللي فيها في الحيط ولا تخافي ولا تتأثري انا معاكِ
بسمة مريرة ظهرت على ثغرها مرافق لها دمعة حارة من عيناها، مغمغمة بصوت مختنق بِحسرته:
-بس انا قربت ايأس واصدق أن مفيش مفر
عقب هو يشجعها:
-متيأسيش اكيد في حل
طفرت مخاوفها ونطقت بها:
-بس انا خايفة يا "عماد" اخسر "صالح" كمان
-رغم كل اللي بيعمله فيكِ لسه عايزة تحميه
بررت بنبرة ترتجف حروفها خوفًا من تجرع آلام الفقد مرة آخرى:
-مبقاليش غيره...عارف في لحظة يأس مني فكرت أهرب واسيبه ويحصل اللي يحصل… بس لما جه الضابط وكان عايز يعمل محضر ويخليني اشتكي عليه مهنش عليا أأذيه رغم كل اللي عمله فيا
عاتبها "عماد" منفعل:
-ياريتك بلغتي عنه على الاقل كنتِ عرفتي تهربي
-عارفة إني غبية بس صدقني مقدرتش احرم ابنه منه
-انت هتفضلي شايلة همهم لغاية امتى ده من يوم ما طلقها وخدت الولد وهو أخد اللي وراكِ واللي قدامك وعامل حجتهم وياريته عنده دم ده كمان عايز يجوزك بالعافية علشان يستفيد من "سلطان"
-عارفة كل مساوئه من غير ما تقول وكل حاجة اقدر اغفرلها إلا أنه يكون ليه يد في اللي حصل…
غامت نظرات "عماد" وهو يتطلع بكف يده ثم همس بصوت مختنق:
-بلاش تقلبي في اللي فات يا "شمس"
-مش هرتاح غير لما اعرف الحقيقة
-مش هتستفيدي حاجة صدقيني خليكِ في نفسك دلوقتي و انفدي بجلدك منهم
نظرت له نظرة ممتنة طويلة كونه يهمه أمرها ثم قالت بثقة عارمة:
-رغم أن أنت و"سلطان" اخوات بس الفرق بينكم زي السما والأرض
ابتسم بسمة لم تصل لعينه وأضاف مسلمًا:
-محدش بيختار أهله يا "شمس" وعلى يدك حاولت كتير اعقله بس هو اللي في دماغه في دماغه أنا حتى قطعته و سيبت البيت وقعدت في الأوضة اللي فوق السطح ومباخدش أي فلوس منه وحتى لما بيطلبني في الزيارات مش بروح على أمل يعقل و يرجع عن اللي بيعمله
تنهدت وبنبرة بائسة أيدته:
-عارفة… و انت عندك حق محدش بيختار أهله
-المهم دلوقتِ لازم تفكري هتعملي إيه
وقبل أن تجيبه كان الباب يندفع ويظهر شقيقها قائلًا ببراءة لا تمت لخِصاله المقيتة بِصلة:
-كده بردو يا اختي تقلقيني عليكِ
شهقت بخفوت وشحب وجهها تستغرب كيف علم طريقها... ليجيب "صالح" بخبث وكأنه قرأ السؤال بوجهها:
- أنا كنت عارف إنك مش بتثقي غير فيه وعلشان كده كانت عيني عليه
قالها وهو يزغر "عماد" ببسمة خبيثة ملتوية جعلته يلعن غبائه ويعتذر بعينه لها كونه غفل عن الأمر، بينما هي حانت منها بسمة باهتة فيما معناها لا عليك؛ أخبرتك أن لا مفر.
يُتبع..