-->

رواية في غياهب القدر - للكاتبة بسمة بدران - الفصل الخامس


رواية في غياهب القدر
للكاتبة بسمة بدران


في غياهب القدر

 الفصل الخامس


نظرات مسروقة


❈-❈-❈


ما بها الأرض تدور

على جرح لا ينتهي

ويئن في العتم نور 

لا تسلني ما به

وبرغم صدوده وبرغم عذابه

أعشق الحب ولن لن اتوب عن حبه

الشاعر (فهد العليوة)


❈-❈-❈

هرعوا إلى داخل المشفى بخطوات أشبه بالركض بعد أن دلتهم موظفة الاستقبال عن رقم الغرفة التي تقبع بها صبا. 

وها هم يقفون أمام باب الغرفة ينتظرون الإذن بالدخول.

 التفتوا على مصدر الصوت الذي أتى من خلفهم ملقيا تحية المساء بصوت رجولي: هو أنتم أهل الآنسة صبا؟

 أومأ السيد كامل وكذلك الحاج سعد بينما عمار سأله بتوجس: مين حضرتك بقي؟

 أجابه باختصار: أنا الدكتور وليد سلام أنا اللي جبتها هنا وشفتها وشفت إيه اللي حصل معاها

 لكن للأسف ما قدرت امسك الستات اللي اعتدوا عليها.

 قبض عمار على يديه بقوة حتى ابيضت مفاصله فهذه أول مرة يتعرض أحدهم لفرد من أفراد عائلته وهذا يعني أنهم يستخفون به في المنطقة لذا عليه أن يعرف بأقصى سرعة من الذي ارتكب ذلك الفعل المشين ويعاقبه أمام جميع الناس كي يكون عبرة لمن لا يعتبر.

 وبهذه الطريقة سيمنع الأذى عن عائلته وكذلك سيحذر الآخرين كي يفكر المجرم ألف مرة قبل أن يفعل فعلته الشنعاء تلك. 

استطرد وليد حديثه بهدوء: ما تقلقوش يا جماعة الجرح سطحي الحمد لله الدكتور طمني عليها

 هي بس أخذت مهدئ ونامت عشان الدم اللي نزفته وكمان الخوف اللي اتعرضتله.

 للمرة الثانية يشعر عمار  بالغضب الشديد هذا الغضب إذا خرج من داخله سيحرق الأخضر واليابس فهو يعلم صبا علم اليقين.

هي فتاة خلوقة مهذبة تحمل الخير بداخلها وكأنه رسالتها في الحياة 

من المجرم الذي أقبل على أذيتها!

 وهي لم تفعلها قط لطالما كانت حنونة محبة مراعية لكل من حولها.

 فهي تربت على يده كباقي أخواته يعرفها جيدا ويعرف طباعها الحسنة. 

تنهدوا بارتياح عندما خرج إليهم الطبيب وطلب منهم أن يتركوها كي ترتاح وعليهم ان لا يتأخروا بالداخل وإن ليس هناك فائدة من بقائهم في المشفى.

 لكن أصر والدها ووالدتها على البقاء لكن صوت عمار الحازم أوقفهم عن الجدال هاتفا بحزم: عمتي بابا عمي كامل وجدكو هنا ملهوش لازمة وأنا اللي هبات معاها النهاردة. 

قاطعته السيدة سعاد بإصرار: لا  يا عمار أنا مش هسيب بنتي لوحدها أبدا.

 أومأ  باستسلام ومن ثم وجه حديثه لكل من والده وزوج عمته مخاطبا إياهم بهدوء: اتفضلوا أنتم روحوا وأنا وعمتي هنفضل هنا.

 وبالفعل إنصاع الرجلين لأوامره ودلف سويا للخارج.

 تلقائيا وجه نظراته للذي ما ذال يقف يتابع ما يحدث بغييرة شديدة هاتفا بلباقة: شكرا جدا يا أستاذ وليد على اللي عملته مع صبا حضرتك تقدر تتفضل وكتر خيرك لحد هنا.

 رمقه باستهجان شديد فلو كان المكان غير المكان لاوسعه ضربا حتى يسقط أرضا فكيف له أن يطلب منه ترك حبيبته قبل أن يطمئن عليها. 

أجت حبيبته صبا حبيبته وستكون زوجته مستقبلا هذا الوعد قطعه على نفسه سيبذل قصارى جهده للحصول عليها مهما كان الثمن.


❈-❈-❈


وقفا قبالتهن يرمقهن بنظرات مشتعلة لو كانت النظرات تقتل لوقعنا صريعات في الحال.

 فبعد ما استمع إلى حديثهن ولجا عليهن كالإعصار هاتفا بغضب خارق: هي حصلت يا ولية منك ليها عايزين تموتوا البت وتودونا في نصيبه.

 ازدردنا ريقهن بصعوبة ولم يعقبن.

 فاستطرد حديثه الغاضب بصوت أجش: بقي كده مش عايزين تنطقوا طيب وديني لاكون مقطعكم حتت بالحزام يا ولية منك لها.

 شهقت كل من السيدة فتحية والسيدة نعمة.

 بينما حسناء هزت رأسها هاتفة بسرعة: خلاص هنقول لك يا سيد المعلمين بس عيزاك تعرف يا أخويا أننا عملنا كده من غيرتنا عليك.

 ألقى بجسده البدين فوق أقرب مقعد هاتفا بفظاظة: بالتفصيل يا ولية وإلا وديني ما هيحصل لك كويس.

 أومأت عدة مرات وهي تشعر بانسحاب روحها من جسدها فهي تعلم زوجها جيدا عندما يغضب. 

لكن ما باليد حيلة فالإنكار الآن لن يفيد وعليها الاعتراف بكل ما اقترفته هي ورفقائها.


❈-❈-❈


وقفت أمامه كالجارية.

 تشاهده وهو يتناول طعامه بشراهة واستمتاع شديد ولم يعرها أي اهتمام تاركا إياها تتضور جوعا. 

فهي لم تذق الطعام منذ البارحة للمرة الألف تشعر بالمهانة والذل.

 دمعة يتيمة انسابت فوق وجنتيها مسحتها سريعا بأطراف أناملها كي لا يراها هو.

 ارتسمت على شفتيها ابتسامة مريرة فلم تصدق أنها هي عبير الفتاة التي تشبه الوردة المتفتحة في فصل الربيع.

 أصبحت ذابلة منطفئة ذليلة في بيت زوجها يعاملها بقسوة وعنف وكأنها جارية اشتراها من سوق العبيد.

 لكن إلى هنا ويكفي لن تصمت بعدها الآن.

 ستتحدث مع أخيها علله  يجد لها حلا ويخلصها من ذلك اللعين الذي حول حياتها إلى جحيم مستعر تحت مسمى الزواج.

 انتفضت كالملسوعة على صوته الحاد يأمرها بفظاظة: انتي وقفة سرحانة فإيه فين كوباية الشاي يا زفتة أنتي تعالي شيلي الأكل وسواني وألاقي كولاية الشاي قدامي. 

أومأت عده مرات بالموافقة وشرعت في تنفيذ أوامره وقلبها يتمزق إلى أشلاء صغيرة ولسان حالها يردد حسبي الله ونعم الوكيل.


❈-❈-❈

يا نهار أسود! كل دمه عملتوه من ورأيا وديني لاكون مربيكم من أول وجديد.

 ازاي يا ولية منك لها تتصرفوا كده أنتم ما تعرفوش صبا دي بنت مين؟

 هتفت حسناء بعد أن تلبسها شيطان الغيرة: عارفين يا أخويا هي تبقى مين عشان كده عملنا اللي عملناه ما هو أنا لا مؤاخذة يعني مش هستنة لما تبقي درة آه وكفاية الكلام اللي بنسمعه عنك وعن جوزاتك اللي في السر وساكتين كمان عايز تجيب لنا درة على عينك يا تاجر وتبقا هية ست البيت لا. مش هيحصل تاني يا معلم أنا بقول لك أهو.

 حدجها بنظرات نارية ومن ثم دنا منها بخطوات سريعة يجذبها من حجابها وينهال عليها بالصفعات غير عابئ بصراخها وصراخ باقي زوجاته.

 فحسناء تعدت الخط الأحمر معه وعليه أن يروضها كي لا تتصرف بهذه الطريقة الهوجاء مرة أخرى وبعدها سيفكر في حل كي يبعد هذه المصيبة عن أهل بيته. 

فهو يعلم أن عمار هنداوي إذا علم بفعلتهن تلك سيقلب الحارة رأسا على عقب.


❈-❈-❈


ذهابا وإيابا تقطع غرفة نومها ونيران الغل والغيرة تنهش صدرها دون أدنى رحمة. 

فعلى الرغم من علمها بأن زوجها لا يرى سواها في العالم لكن رغما عنها تشعر بالخوف من فقدانه.

فغريمتها ليست فتاة عادية وإنما هي ملاك في هيئة بشرية والجميع يشهد لها بذلك.

صكت على أسنانها بغضب وراحت تفكر في حل لتلك المعضلة تريح قلبها الملتاع.

ثواني وقفزت في رأسها فكرة شيطانية ستضرب بها عصفورين بحجر واحد.

ابتسمت بنصر وصفقت بسعادة كما أنها مدحت ذكاتها الخارق. 

ألقت بجسدها فوق الفراش عازمة على النوم وبعدها لكل حادث حديث.


❈-❈-❈


هب واقفا بعد أن أبصر صديقه يدنو منه. 

رمق عمته بنظرات مشفقة فهي نامت فوق الكرسي بعد أن أنهكها البكاء. 

صافح صديقه مغمغما له ببعض كلمات الشكر ومن ثم جذبه بعيدا كي يتثنى له الحديث بأريحية أكثر.

 فسأله باهتمام: ها يا رؤوف عرفت مين ولاد الكلب دول؟ 

هز رأسه نفيا وأجاب بهدوء: للأسف يا عمار أنا سألت كذا حد موجود في الحتة دي وما حدش عارف حاجة ماحدش شاف الموضوع أصلا. 

عارف مين اللي هيقدر يفيدك في الموضوع دوت ويديك مواصفات هو الدكتور وليد. 

ظفر بقوة هاتفا بحدة طفيفة: وليد إيه بس بقول لك ما شافش حاجة كانوا مغطيين وشهم. 

أخذ علبة سجائره من جيب سطرته وقداحته وأشعل إحدى سجائره مغمغما بتفكير: مين اللي أتجرأ وعمل كده!

مش معقول حد بيكره صبا أكيد الموضوع ده قاصدني مثلا لأن أنت عارف أن صبا ما فيش حد يكرهها صح ولا إيه يا صاحبي؟

 أومأ له موافقا مغمغما بحيرة: مش عارف والله يا صاحبي بس الموضوع فعلا غريب وأول مرة يحصل معاكم حاجة زي دي.

 قبض على يديه بقوة هاتفا بحرقة نابعة من داخل قلبه: ماهو ده اللي مجنني إني ما عرفت احمي بنت عمتي يا رؤوف اتضربت بسكينة في وسط منطقتي عشان كده قسما بالله ما هيفلت اللي عملها ولو تكون آخر حاجة هعملها في حياتي.

 احاط رؤوف كتف صديقه مربطا عليه بحنو ومؤازرة -إن شاء الله-   يا صاحبي نعرف هو مين ونعلمه الأدب بس لازم تهدى كده وتفكر وتمسك أعصابك عشان خاطر عمتك اللي هتموت من الزعل دي. 

أومأ له موافقا فصديقه على حق.

 عليه أن يكون صلبا قويا كعادته دائما فهو رجل العائلة كما يقول والده دائما وأبدا.


❈-❈-❈


عند بذوغ الفجر

 أخذت تفتح عينيها رويدا رويدا وهي تئن من شدة الألم جعلت والدتها التي تقبع بجوارها منذ ساعتين تهرع إليها تسألها بلهفة: صبا حبيبتي أنت كويست.

 جاهدت في إخراج صوتها من حنجرتها مغمغمة بخفوت وصل إلى مسامعها: الحمد لله يا ماما عايزة مية.

 أسرعت والدتها تلتقط زجاجة الماء الموجودة فوق الطاولة المجاورة للفراش تسكب منها القليل في إحدى الأكواب البلاستيكية وراحت تسقيها بهدوء بعد أن رفعت رأسها قليلا من فوق الوسادة. 

بعد أن ارتوت أعادت رأسها مرة أخرى تعيد سؤالها: أنت كويست يا حبيبتي.

 أومأت بخفة فاستطردت: صبا حبيبتي ما تعرفيش مين اللي عمل فيك كده.

 بعد سؤال والدتها هزت رأسها نفيا وتلقائيا مرة ما حدث معها كشريط سينمائي أمام عينيها جعلها تبكي بحرقة من شدة الخوف الذي كانت تشعر به.

 انتفضت والدتها تحتضنها بقوة وتغمغم لها بكلمات مطمئنة. 

ثواني واستمعتا إلى صوت طرقات خافتة فوق باب الغرفة.

 استشفت تلقائيا أنه ابن أخيها الذي ما زال يقبع بالخارج فأذنت له بالدخول.

 ولج واغلق الباب من خلفه ثم بقي مكانه يتساءل بلهفة: صبا بتعيطي ليه في حاجة وجعاكي؟

 هزت رأسها نفيا فتابعت والدتها: أنا سألتها مالك ما شوفتيش مين  اللي عمل فيك كده؟ 

قعدت تعيط زي ما أنت شافي. 

قبض على يديه بقوة وتطاير الشر من مقلتيه هاتفا بغل: أقسم بالله ما هخلي اللي عملها يفلت بعملته السودة دي هجيبهولك وارميه تحت رجليك يا صبا بس أنت قومي بالسلامة.

 لم تعقب على كلماته وازداد نحيبها مما جعله يركض للخارج وشياطين الأرض تلاحقه متوعدا للذي فعلها بأشد أنواع العذاب. 

بينما في الداخل راحت والدتها تمسد فوق ظهرها صعودا وهبوطا وهي تقرأ لها بعض من آيات القرآن الكريم حتى هدأت تماما.


❈-❈-❈


مرت ثلاث أيام لم يحدث فيهم الكثير.

 فقط صبا خرجت من المشفى بعد أن طمأنهم الطبيب عن حالتها وأنه سيتابعها باستمرار حتى تتعافى تماما. 

 عمار ورؤوف استطاعا الوصول إلى عنوان المدعوة أم إسماعيل بعد أن أخبرتهم صبا باسمها الذي ذكرته إحدى النساء في تلك الليلة المشؤومة لكن فضل عمار أن يظل الأمر بينهم كي لا تستطيع تلك المرأة الهرب فقط يمر ذلك اليوم وبعدها لكل حادث حديث.

 وها هو يوم الجمعة يوم تجمع عائلة هندا في شقة الحاج سعد. 

ترأس الحاج سعد الطاولة وهو يمرر بصره فوق المقاعد الخالية سائلا زينة التي تضع آخر طبق فوق المنضدة: فين سعاد وصبا والحاج كامل يا زينة؟

   أخبرته وهي تجلس بجوار زوجها الذي يجاور والده: بعتلهم ليث من شوية يا عمي وقالوا مش هيقدروا يطلعوا ويسيبوا صبا لوحدها عشان مش قادرة تطلع السلم. 

شعر الحاج سعد بالحزن فهو غير معتاد تغيب أحد عائلته على طاولة غداء يوم الجمعة.

 شعر عمار بحزن والده فهب واقفا هاتفا بمرح: ما تزعلش نفسك يا حاج سعد أنا منزل أجيبلك صبا وعمتي وجوزها حالا.

 ألقا كلماته واندفع للخارج تاركا زوجين من الأعين يتابعانه بنظرات مختلفة نظارات غيرة ونظرات ممتنة.

 بينما في الأسفل انتهت السيدة سعاد من صلاة الظهر وطوت سجادة الصلاة فاستمعت إلى صوت قرع جرس الباب كادت أن تذهب لكن زوجها سبقها للخارج 

ثواني وأبصر عمار يقف أمامه يرمقه بابتسامة هادئة  سائلا إياه بهدوء: فين عمتي وصبا يا حج كامل؟

 وقبل أن يجيبه سبقته زوجته هاتفة بترحاب: يا أهلا وسهلا يا ابن الغالي تعالى يا حبيبي ادخل.

 هز رأسه نفيا مغمغما بإصرار: لا يا عمتي أنتم اللي هتطلعوا معايا.

 كادت أن تعترض فاستطرد مقاطعا: يرضيك الحاج سعد يبقى زعلان؟

 وإن كان على صبا يا ستي هشيلها لحد فوق ها أظن ما بقاش عندك اعتراض دلوقتي.

 أومأت له موافقة.

فانطلق باتجاه غرفة صبا والتي أذنت للطارق بالدخول بعد أن استمعت صوت طرقات فوق بابها.

 ابتسمت تلقائيا عندما أبصرته أمامها يرمقها بابتسامة جميلة يسألها بهدوء: أزيك دلوقتي يا صبا؟

 الحمد لله يا عمار.

 دنا منها على حين غرة يحملها بهدوء من فوق فراشها غير عابئ باعتراضها الواهي هاتفا بمرح: اعمل إيه بقي يا ستي دي أوامر الحاج سعد إيه رأيك بقي؟

 سكنت بين يديه عندما تغلغل رائحته الحلوة إلى أنفها ففضلت الاستمتاع بتلك اللحظة وهي تسترق إليه النظرات من وقت إلى آخر وتبتسم ببلاهة. 

فهي لم تتوقع يوما أنها ستكون قريبة منه إلى هذه الدرجة.

وضعت رأسها على قلبها تستمع إلى خفقاته.

صعد بها درجات السلم بخفة وكأنها لم تزن شيءا  والحاج كامل ووالدتها تتبعانه بخطوات تناسب عمرهما.

ثواني وولج داخل شقة أبيه مغمغما بمرح: وادي الست صبا أهه يا حاج سعد.

ربنا يبركلي فيك يا عمار يابني والله مانا عارف أقلك إيه.

أجابه وهو يضعها فوق المقعد المجاور لزوجته بحظر شديد: ما تقولش حاجة يا حاج إنت بس أأمر.

دقائق قليلة وشرعوا في تناول غدائهم 

وصبا تختلس النظرات من وقت إلى آخر لعمار غافلة عن نظرات زينة الحاقدة التي تأكدت من ظنونها وشكوكها وعزمت على تنفيذ خطتها كي تحافظ على زوجها وتبعد صبا عنه مهما كلفها الأمر.


❈-❈-❈


استيقظت من نومها وهي تشعر بسعادة لا مثيل لها.

 فهي ستذهب اليوم لرؤية ابنة عمتها صبا ومن ثم ستقص على أخيها الأكبر ما يحدث معها والذل والمهانة التي تتلقاهما على يد زوجها البغيض. 

ولجت إلى غرفة نومهما فأبصرته مستيقظا يجلس على حافة الفراش.

 تنحنحت بهدوء هاتفة دون مقدمات: حسن أنا عايزة أروح أشوف صبا النهاردة بقلها تلت ايام خارجة من المستشفى وأنا.

 قاطعها بإشارة من يده هاتفا بحزم: لا. ما فيش مراوح في حتة. 

ضغطت على شفتها السفلى بأسنانها حتى أدمتها ومن ثم صاحت بضراوة: لا هروح أنا لازم أطمن على بنت عمتي وأنت مش من حقك أنك تمنعني. 

رمقها ببرود هاتفا بهدوء يحسد عليه: ها خلصتي الدراما اللي أنت عاملاها دي يلة روحي اعملي لي كباية شاي خليني اشرب سيجارة.

 يا الله! 

كيف لذلك الرجل أن يكون بكل هذا البرود؟

 ماذا لو طعنته بسكين بارد في منتصف قلبه كي تريح نفسها وتريح من حولها من شره أو مثلا ضربته بشيء معدني فوق رأسه  ليسقط قتيلا في الحال. 

إستفاقت من تخيلاتها الدموية على صوته البغيض: يلة اتحركي على ما اخش آخد دش وعلله اطلع من الحمام يا عبير ما الاقيش كباية الشاي.

 ألقى كلماته دفعة واحدة واندفع داخل الحمام الذي يجاور غرفة نومهم.

 تابعته بعينيها حتى اختفى داخل المرحاض وجلست فوق طرف الفراش تفكر في حل لهذا المأزق.

 ثواني وقفزت فكرة جهنمية في رأسها فهبت واقفة ملتقطة إسدال الصلاة الخاص بها ودلفت للخارج على أطراف أصابعها وعينيها لا تفارق باب المرحاض.

 ظلت تسير على خطوات أصابعها حتى وقفت أمام الباب الرئيسي لشقتها

 أخذت نفس عميق وأدارت مقبض الباب بسرعة ودلفت للخارج بخطوات واسعة وهي تشعر بالحرية لأول مرة منذ زواجها من ذلك البغيض.

 تنفس الصعداء وكأنها عصفور أفرج عنه من حبسته للتو.

 أوقفت سيارة أجرة وهي عازمة على ترك ذلك المكان للأبد وعدم العودة إليه مهما كانت النتيجة.


يُتبع..