رواية ذنبي عشقك - ميرا كريم - الفصل السادس عشر
رواية ذنبي عشقك بقلم الكاتبة ميرا كريم
رواية ذنبي عشقك
الفصل السادس عشر
ستتصالح مع خُذلان الأقربين، ومع فكرة أنك لستَ الاختيار الأول في حياة مَن جعلته كل اختياراتك الأولى، ومع انقضاء أوقات الألم رغم صعوبتها، وأن العالم لن يتوقف لأن روحك تنزف على الطريق، ستتجاوز كل الألم بأن تعتاده .. ستتصالح يا صديقي، لكن لكل شيء ثمن وهذا "التصالح" ثمنه غالٍ، ثمن يتركز في أنك لن تعود كما كنتَ أبدًا.
_أحمد مدحت.
❈-❈-❈
-جبت الأمانة يا معلم
قالها "صالح" مغتر بحاله بعد أن هاتفه "سلطان " الذي اجابه بسعادة هائلة:
-براڤو عليك يا "صالح" كانت فين؟
ادعى كذبة مناسبة خوفًا من بطشه:
-كانت عند جماعة قرايب
الـمر حوم "عزيز" في البلد
تنهد "سلطان" براحة من الطرف الأخر ثم حـ ذره بجدية مشددًا:
-عايزك تحافظ عليها زي عنيك وقسم بالله يا "صالح" لو لمست منها شعرة واحدة لكون مخلي الرجالة تجيب اجـ لك
ساومه بنبرة خبـ يثة تقطر
بالجـ شع:
-عـ يب يا معلم دي في عيوني بس انت بحبحها معايا في الفلوس شوية وقول لرجالتك تظبطني
-ماشي بس عد الجمايل يا "صالح"
وكله يهون علشان خاطر الزبادي سلملي عليها وبشرها أنها هانت
-عيني يا معلم
ذلك أخر ما قاله قبل أن يغلق الخط معه ويحمل صينية الطعام ويخطو بها لباب غرفتها يدس المفتاح به ويديره عدة مرات فمنذ عودتها معه منذ عدة أيام وهو يحتبسها خوفًا من هربها مرة أخرى
فحين وطأت قدمه بالداخل وجدها تجلس في فراشها تضم ساقيها إلى صـ درها وعيناها الذابلة من كثرة بكائها شاخصة في الفراغ تضع على قلبها تلك الصورة التي تجمعها ب"عزيز" قلبها وامها وكأنها تستجدي الأمان وتحن لمواساتهم.
طالعها هو ساخرًا ثم وضع ما بيده بجانب سابقتها التي لم تمسسها قائلًا بصوته الغليظ يتصنع الشفقة:
-برضو مكلتيش
طالعته بنظرات فارغة ولم تجب ليتابع هو:
-على العموم هانت المعلم بيبشرك هيخرج قريب
ومع سيرته انقـ بض قلبها وصعب عليها بعد كل تلك المثابرة أن تستسلم لذات المصير مع "سلطان" لذلك هبت من جلستها تعترض بشــ راسة خيبت آماله:
-اوعي تكون فاكر أن برجوعي معاك إني هقبل اتجـ ـوز "سلطان" انا رجعت علشان خايفة على الناس اللي حمتني من شـ رك ولو لأخر نفس فيا يا "صالح" مش هسيبك تبعني للخـ سيس تاجر المـ خدرات اللي كان السبب في مـ وت اخويا
زمجر "صالح" غاضبًا من رفضها الدائم وقبـ ض على ذراعها بقوة مُدافعًا:
_قولتلك بدل المرة ألف "سلطان" ملوش مصلحة من مـ وت "عزيز"
نزعت ذراعها من يده صـ ارخة:
_ كداب وعمري ما هصدقك ومستبعدش ابدًا انك انت كمان ليك يد في مـ وته
نفى" صالح" برأسه واخبرها بنبرة إن لم تكن تعرفه حق المعرفة لكانت ظنت أنها صادقة:
_ورحمة الغالين مليش دخل شيلي الافكار دي من راسك والحي ابقى من المـ يت
"سلطان" هينغنغك في العز وهيستتك وهـ يرحمك من الشقى
بجـ وازه منك
توهج ذلك الوميض الشرس بعيناها وهدرت معارضة:
_على جـ ـثتي يا "صالح"
سـ ـبها بفـ ـجوج وانقض على ذراعها يلويه خلف ظهرها قائلًا:
-انا مش عايز عَوق معاه ده مستحلفلي هتتـ جوزيه ورجـ لك فوق
رقـ بتك
تأوهت بقوة وهو يكاد يكـ سر ذراعها وأخذت تتـ لوى لكي
يفلتـ ها ولكنه شدد أكثر على
قبـ ضته دون شفقة وتابع يُشدد عليها:
_و لما يخرج مش هتجيبي سيرة أنك كنتِ عند الباشا انا قولتله انك كنتِ عند قرايب المرحوم "عزيز"...فاهمة
غامت عيناها عند ذكر أسمه، ولم تكف عن التملص منه ليدفعها يسقطها ارضًا أمرًا بتجبرت مستغل أحقيته في تقويمها:
_ومن هنا لوقت ما يخرج المعلم رجـ لك مش هتخطي الشارع انا مش عايز وجـ ع دماغ
لتصرخ بقـ هر قبل أن تفر دمعاتها تنعي حالها:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيكم ربنا ينـ تقم منكم انتم الاتنين
عاتبها بتبجح كأنه لم يكن أحد أسباب بؤسها:
-بتدعي على اخوكِ يا "شمس" مكنش العشم يا اختي على العموم انا مقدرش اكلمك و
اغـ لطي براحتك مش همد ايدي عليكِ علشان خاطر المعلم موصيني
ذلك آخر ما قاله قبل أن يخرج من الغرفة يوصد بابها خلفه تاركها تغرق في نوبة بكائها وتهيم بماضي قريب أصبح ضمن اقرب الاشياء لقلبها.
❈-❈-❈
كان يجلس في ساحة السـ جن الواسعة رائق المزاج بعد ذلك الخبر الذي زفه "صالح" له بشأن رجوعها
فكان ذلك بفترة الصباح المخصصة للترويح عن
المحتـ بسين خارج زنزانتهم وكان هو يمازح على غير العادة كل من يقابله لحين مال عليه أحدهم هامسًا:
-في حد باعتلك السلام معايا يا معلم" سلطان"
عقب "سلطان" بحاجب مرفوع ممازحًا:
-وماله الله يسلمه يا سيدي قولي مين حد من حبايبنا؟
-لأ ده حد انت علمت عليه
تعكر صفو "سلطان" وتجهمت معالمه قبل أن يقبض على حاشية ملابسه:
-مش بحب الالغاز يا رو ح خالتك اتكلم علطول
تلعثم الرجل بذعر وهو يرفع يده مسلمًا:
-اهدى يا معلم انا عبد المأمور وكل اللي مطلوب مني اوصل الرسالة
جز "سلطان" على نواجذه واحتدت بُنيتاه بشـ ر هادرًا وهو يؤرجحه:
-انطق
أجابه الرجل وهو يكاد يتـ بول على ذاته من شدة رعـ به:
-بيبلغك ان لسه الحساب مخلصش وأن عينه اللي راحت هيروح فداها رقـ بتك
هز "سلطان" رأسه بملامح ممـ يتة مغلفة بالحـ قد ثم تسائل :
-صاحب الرسالة "الغجري" مش كده؟
أكد الرجل برأسه بحركة هستيرية:
-هو بعينه يا معلم...
نفضه "سلطان" عنه بقوة أمرًا:
-غور من هنا
ركض الرجل بعيدًا خوفًا من بطشه بينما هو كان الحـ قد يتأكل دواخله وينقط الغـ ل من عينه فيبدو أنه لن يهنأ و توابع الماضي ستظل تلاحقه لحتى
تهـ لكه عـ قابًا على ما اقترفه من آثام.
❈-❈-❈
طرقات على الباب جعلته ينتفض يخفي طبق التبغ الذي يلف منه سجائره الذاخرة فقد هرول يضعه تحت الأريكة وذهب يفتح الباب ليستكشف من الطارق إذا ب"بدور" تقف تضع يدها بخصرها قائلة:
-كل ده علشان تفتح
لعـ نها وتنفس الصعداء قائلًا:
-هو أنت الله يحـ رقك
نـ شفتي دمـ ي
لو ت فمها وقالت متهكمة:
-لو كنت اعرف انك بتعمر دماغك مكنتش قطعت عليكِ وصلة السُـ طل
تأفف بضجر وبكامل صوته الغليظ:
_ يووه مش هخلص منك يا بومة عايزة ايه؟
_عايزة اشوف "شمس" واطمن عليها
اشرأب برأسه متسائلًا:
_وعرفتي منين انها هنا؟
_ الناس في الحتة شافوك وانت طالع بيها من كام يوم ولسه عارفة دلوقت من الست انعام جارتكم
هز رأسه وعقب بِجبروت على طلبها:
_اه طيب اطمني يا اختي هي كويسة
_ عايزة اشوفها يا" صالح" سيبني ادخلها
قالتها وهي تحاول تخطي جسده الذي يسد الباب ولكنه دفـ عها بقوة رافضًا كي يفض غليله منها بسبب تشـ فيها السابق له:
_مليش مزاج ادخلك...و وريني عرض كتافـ ك بدل ما اعمـ لها معاكِ
شهقت "بدور" حين دفعها وهتفت بغـ يظ:
_بلاش افـ ترى يا" صالح" واتقي الله في الغلبانة اللي مشافتش يوم عدل بسببك
تأفف "صالح" من حديثها ثم رد مُـ تجبرت:
_يلا يا بت غوري من هنا عكرتي مزاجي الله يحـ ـرقك
قالها وهو يغلق باب الشقة بوجهها، لتهتف هي فور أن فعلها:
_يقـ طعك انت ومزاجـ ك يا
مُـ فتري يا ظالـ م
لتنزل الدرج وهي تتحـ سر على حال تلك المسكينة وتنوي أنها لن تصمت ولن يهدأ بالها إلا إذا اطمئنت عنها.
❈-❈-❈
كان يقف بيده قطعة الصنفرة الخشنة ينعم حواف أحد الألواح قبل تثبيته بقطعة الأثاث التي يعمل عليها حين هرولت هي لعنده بأنفاس مـ تلاحقة مُـستنجدة:
_صالح حابس شمس يا عماد ومش عايز يخليني اشوفها وطردني
ترك ما بيده متسائلًا:
_ "شمس" رجعت
اجابته "بدور" مُـ سرعة:
_ايوة رجعت هحكيلك كل حاجة بس بالله قولي هنتصرف ازاي مع المـ فتري ده انا خايفة يكون عمل فيها حاجة
جز "عماد" على نواجذه وقال وهو يندفع يسبقها:
_تعالي معايا وانا هتصرف
دقائق وكان يطرق على الباب بكل قوته وفور أن فتح "صالح"له
قال" عماد" بملامح متجهمة:
_خش انده ل"شمس" عايزها
تناوب "صالح" نظراته المتهكمة بينه وبين "بدور" التي تحتمي بظهره وسخر قائلًا:
_ راحت اشتكت لك وجاية متحامية فيك وماله
اعتصر "عماد" عينه وهدر بنبرة نفذ صبرها:
_انجز وادخل انده لها وقصر يا "صالح"
نكزه "صالح" بظهر يده اعلى صدره متهكمًا:
_ انت بتـ هددني ياض ولا ايه؟
قبض "عماد" على يده التي نكزه بها ينطرها عنه بقوة متحديًا:
_اعتبرها كده
استخف بـتـ هديده وبما فعله وهدر وهو يكاد يغلق باب الشقة بوجههم:
_ ولا تعرف تعمل حاجة ويلا خد البومة دي وامشي من هنا
تعالت أنـ فاس "عماد" بغضب وقبل أن يغلق ذلك اللعـ ين الباب دفعه بقوة فاجأت "صالح "وجعلته يرتد للخلف، في حين هتف" عماد" وهو يندفع للداخل و"بدور" خلفه:
_مش همشي غير لما اشوفها
يا "شمس" أنتِ فين
زعق بأسمها ولكن لم يأتيه ردها لتهرول "بدور " نحو باب غرفتها تحاول فتحه ولكن بلا جدوى، لتهتف بقلق لكي يصل صوتها لها:
_الباب مقفول...انتِ كويسة يا "شمس" ردي عليا
ايضًا لم يأتيها ردها وإن كاد يحاول "عماد" ايضاً منعه "صالح" هادرًا بغل:
_هي وكالة من غير بواب ولا ايه قولتلك غور من هنا اللي جوه دي اختي وانا حر اربيها بمعرفتي
_تربيها يا ابن***
قالها وهو يـ ركله بطنه بقدمه بكل ما أوتي من قوة ليسقط "صالح" على الأرض مـ تلويًا
يلعـ نه بفـ جوج ليـ جن جنون" عماد" ويعـ تليه يـ شل حركته صارخًـ ا:
_عملت فيها ايه...فين مفتاح الباب...انطق
لم يجيبه "صالح" بل كان يحاول التصدي له ودفـ عه عنه ولكن بسبب تلك الـسـ موم التي يتناولها تراخى جـ سده وكانت مقاومته بالية...فكانت "بدور" تشاهد ما يحدث وهي تكتم فمها وإن كاد "عماد" يكيل له المزيد تدخلت تمنعه:
_خلاص... يا "عماد "
ليتراجع "عماد " ويستغل الأمر ويفتش بملابس ذلك اللعين لحين وجد المفتاح بجيب بنطاله لينهض عنه
بأنـ فاس متلاحقة ويخطو نحو غرفتها وإن فتح بابها برقت عيناه وصـ رخت "بدور" تضرب اعلى صـ درها حين وجدت "شمس" غائبة عن الوعي و
مرتمـ ية على الأرض كالخرقة البالية.
❈-❈-❈
ارهق التفكير كل ذرة به فكان شارد طوال الوقت ينفرد بذاته وكل ما يفعله هو والتـ هام سجائره بشـ راهة على أمل أن ينفس بها تلك
النـ يران المُـ ستعرة بداخله
أما عن "ليلى" فكانت حزينة على ما أصابه وقررت أن تكسر وحدته وتذهب لغرفته كي تعاتبه قائلة:
-وبعدين يا ابني هتفضل على الحال ده كتير
نهض من رقدته هادرًا وهو
يطفئ سيجارته التي انتهى منها داخل المنفضة:
-عايزاني اعمل ايه بعد اللي حصل
-والله يا ابني ما عارفة اقولك ايه انا نفسي اتفاجأت برد فعلها
تنهد بتثاقل وبرر بقناعة ثابتة:
-الحب مش بالعافية يا "ليلى"
-ومين قال انها مش بتحبك
حانت منه بسمة بسيطة مفعمة بخيبة الأمل يسخر بها من ذاته ومن تلك المشاعر التي اذللته فور أن نطق بها:
-قولتلك الحب ضعف وانا مش عايز استسلم للضعف تاني قولتيلي الحب بيقوي وبيعمل المعجزات...يارتني ما سمعت كلامك أنا كان اهون عليا ادهس مشاعري بجزمتي ولا أنها ترفضني وتستهتر بيا كده
-لأ يا ابني هي مستهرتش بيك و لو ركزت في كلامها هتفهم أنها خافت عليك
انفعل وهب من جلسته يدور حول نفسه وكأنه على وشك الجنون هادرًا:
-خافت عليا من ايه! من اخوها اللي كان مرمي تحت رجلي زي الكـ لب...انا كان ممكن اخـ لص عليه في وقتها ومكنش حد هيحاسبني علشان هو اللي
اتهـ جم على بيتي بس انا معملتش كده علشانها ومستحيل اصدق ان ده السبب اللي خلاها تعمل كده
حاولت "ليلى" التبرير لها لعلها تخفف عنه وطأة شعوره بالرفض:
-ما انت كنت هتضيع نفسك ومستقبلك وتقـ تله يعني خوفها كان في محله
جز على نواجذه غاضبًا من تذكر الأمر ثم برر فعلته بحمئة رجولية:
-الكـ لب ده اتهامها في شرفها كنتِ عايزاني اقف اتفرج عليه ولا اسقفله بعدها واديهاله في ايده واقوله رَوح بيها
تشعر بما يجتاحه لذلك حاولت ان لا تزيدها عليه مواسية:
-طيب بلاش تتعصب إن شاء الله هي هتندم و هترجع من نفسها
ابتسم بسمة ممزقة مفعمة بخيبة الأمل وقال بشموخ يثأ ر لكرامته التي دهسـ تها برفضها:
-حتى لو رجعت مبقاش ينفع يا "ليلى" انا مستحيل اضعف و افرض نفسي ومشاعري عليها مرة تانية.
قالها بصمود يخالف ذلك الهشيم التي خلفته بعنادها وكأن كُتب على قلبه أن يُخذل في كل مرة يدق بها؛ وهي خَذلته مرتين مرة برفضها ومرة أخرى بعدم الوثوق به و رحيلها.
❈-❈-❈
بعد انتهائه من معاينة أخر مريضة داخل عيادته استند بظهره على مقعده وهو يشعر بإرهاق شديد فقد
نزع نظارته الطبية و وضعها على سطح مكتبه وأخذ يمسد بين عيناه تزامنًا مع رنين هاتفه، الذي تناوله ببسمة هادئة وهو يرى اسمها يزين شاشته ثم ضغط على زر الأجابة قائلًا:
-حبيبي وحشتيني
ردت "رهف" من الطرف الأخر معاتبة:
-لو كنت وحشتك مكنتش اتأخرت كل ده
-حقك عليا والله العظيم غصب عني كان في كذا عملية الصبح وجيت لقيت العيادة مليانة
-صوتك مرهق اوي
أكد بنبرة مُـ بطنة:
-اوي وكمان جعان
-طيب مستني ايه يلا تعالى انا كمان جعانة ومستنياك
اعتلى حاجبيه وشاكسها بمكر:
-كان نفسي تفهميني صح
-ومين قالك إني فهمتك غلط
وهنا انفـ جر ضاحكًا فهي اصبحت حتى مشاغبته تتفهمها وتسايره بها بطريقتها الخجلة التي تزيد من هوسه بها، لتهدأ ضحكاته ويعقب بـ توق شديد:
-إذا كان كده دقايق وهتلاقيني عندك
قالت من الطرف الأخر بصوت استنبط هو كونه مرافق لبسمته:
-هستناك... لا إله إلا الله
-سيدنا محمد رسول الله
قالها متنهدًا وهو يغلق الخط معها قبل أن ينهض مُسرعًا كي يعود لها وبالفعل بعد أن غادر عيادته وكاد يصعد لسيارته وجد "هاجر" تقف امامه والبؤس يظهر جلي على وجهها، استغرب وجودها بينما هي اقتربت منه قائلة:
-ازيك يا "نضال"
هز رأسه وسألها:
-بتعملي ايه هنا وعرفتي مكان العيادة إزاي
-خالتو "كريمة" كانت قايلة ل ماما
تأهب ينتظر باقي إجابة سؤاله لتتلعثم هي:
-كنت محتاجة اتكلم معاك
زفر أنفاسه وقال مستغربًا:
-"هاجر" الوقت متأخر انا مش فاهم ازاي خالتي سابتك تنزلي في الوقت ده
-انا اتخانقت معاها...عايزة ترجعني لطليقي وانا مش عايزة ومفيش غيرك هيقدر يفهمها
قالتها بدموع خادعة تستعطفه بها...فما كان منه غير أن يزفر حانقًا ويصعد لسيارته مضطر يؤشر لها
لتهرول تصعد بجانبه وقبل أن ينطلق بها اخرج هاتفه وهاتف "رهف" تحت نظراتها وإن جاء ردها قال:
_حبيبي معلش اتفاجأت ب "هاجر" مستنياني وعندها مشكلة
جحظت عين"هاجر" من فعلته وقد تفاقم الـ غل بقلبها وشعرت انها قاب قوسين او ادنى من ان تُصاب بأزمة قلبية، ليتابع هو ما أن أتاه رد "رهف" الذي يبدو أنه كان متفهمًا:
_ لأ مش هتأخر زي ما وعدتك سلام يا حبيبي
ذلك أخر ما قاله قبل أن يغلق الخط تحت نظراتها لتندثر دموعها كأنها لم تكن وتعقب متهكمة:
_للدرجة دي بتخاف منها وبتعملها حساب
تعمد أن يفعل ذلك امامها كي يقطع أي أمل لها فهو لا يثق في طرقها لذلك حين أتاه سؤالها رد بكل مراعاة تليق به كرجل صادق نَبيل، وبشفافية لا تقلل ابدًا من مكانته:
-بحترمها وبقدرها واتعودت اكون كتاب مفتوح مبحبش اللوع وأظن انتِ عارفة كده كويس
هزت رأسها والندم يأكل دواخلها فياليتها قدرت تلك النعم وهي في كنفه ولم
تـ سخط عليه...
ليزفر هو بنفاذ صبر ويقول بإقتضاب وهو يشـ عل مقود السيارة وينطلق بها:
_هوصلك البيت وهبقى اتكلم مع خالتي في التليفون
ذرفت دموع التماسيح خاصتها من جديد وتمسكت بذراعه راجية:
-لأ يا "نضال" علشان خاطري متروحنيش عايزة اتكلم معاك الأول
نظر لموضع يدها بعدم رضا ثم زجرها بنظرة جعلتها تخفض يدها متداركة:
-اسفة...انا بس مخنوقة ومضايقة اوي ومحستش بنفسي غير وانا قدام عيادتك وكأن روحي اتعودت تلجألك
قال متفهم خداعها ومدرك كافة طرقها:
-"هاجر"...من غير ما تخرجي عن النص الله يكرمك قولي السبب اللي جابك اصلًا
-اخرج عن النص...قصدك ايه؟
رد بنفاذ صبر دون ان ينظر لها يصب كافة تركيزه على القيادة:
-انتِ عارفة إني فاهمك فياريت تقصري
استـ شاطت من قلة صبره:
-ايه مستعجل اوي علشان تروحلها
احتد صوته وهو يجيبها:
-هي مراتي
-وانا كنت مراتك زيها
ضرب المقود بيده وصرخ بلا تهاون نفضها:
-كنتِ وخلاص خلصنا واظن اختارتي طريقك بعيد عني وانتهينا
-بس أنا لسه بحبك وندمت إني فرطت فيك انا اطـ لقت علشانك يا "نضال" مقدرتش اعيش معاه وانت لسه ساكن جوايا
عقب منفعل دون تأثر و دون حتى أن ينظر لها:
-دي مشكلتك لوحدك انا مش طرف فيها انا دلوقتي راجل
متـ جوز واللي بتقوليه ده مش هيغير حاجة
-طيب ادي اللي كان بينا فرصة كمان ومستعدة اتجـ وزك تاني بس في السر علشان هي متعرفش
تـ قزز من الفكرة ذاتها ورفض رفض قاطع اذهلها:
-مستحيل اعمل كده...وارجوكِ انا محترم كونك بنت خالتي ومش عايز اجرح فيكِ ولا اقولك كلام يوجـ عك.
-رفضك علشان عندي ابن مش كده طب ما انت متجوزها بعيالها
انتفخت أوداجه وحاول قدر المُستطاع أن لا يتخلى عن ثباته الانفعالي في حين تابعت هي
بجـ حود من أجل الحصول على رغباتها:
_إذا كان هو السبب انا ممكن اديه لابوه بس اكون معاك
وهنا لعن سوء خِصالها وبينه وبين ذاته يندم أشد الندم على ارتباطه السابق بها فكيف أضاع من عمره سنوات مع شخص بجـ حودها، ذلك ماكان يدور برأسه قبل أن يتهكم بصوت منفعل:
-هتفرطي في ابنك بسهولة كده
مش كنتِ هتتجنني وتبقي أم وده السبب اللي خلاكِ تسيبيني
بررت تستعطفه بكل ذرة بها:
-كنت غـ بية
توقف بسيارته بشكل مفاجئ يدل على ثـ ورة اعـ صابه من تبريرها ثم عقب بصراحة لاذعة كي يكشف ستارها:
-ومازالتي غـ بية وطـ ماعة وعايزة من الدنيا كل حاجة رجوعك دلوقتي مش علشان لسه بتحبيني؛ لأ علشان مينفعش حاجة كانت بتاعتك وتروح لغيرك
دافعت عن ذاتها بطريقتها التي لطالما كرهـ ها:
-أنا أحق بيك منها وقبل ما
تتجـ ـوزها جتلك وعرضت عليك اطلق وارجعلك وانت رفضت
قال بنفور وبصوت قاطع أحبط رغباتها:
-وانا لسه عند موقفي ولأخر مرة بقولك خليني أعرف أحترمك وبلاش ترخصي نفسك اكتر من كده
انفجرت في البكاء ولكن تلك المرة ليس مصطنع بل نابع من فداحة خسارتها له، بينما هو لم يتأثر وانطلق بها من جديد يوصلها لمنزلها دون إضافة كلمة واحدة.
❈-❈-❈
غيمة سوداء تغرق بها ترى ذاتها ضائعة، تركض لاهثة في تلك الصحراء القاحلة وحدها
تحاوط جـ سدها بذراعيها و تشعر أن الهواء ينخر عظمها ويكاد
يقـ لع روحها، تعالى صفير الهواء متبوعًا بعواء الذئاب لتصرخ والخوف ينهش احشائها، تركض وتركض لحين لمحته من بين الضباب بعيد يقف شامخًا لا يتأثر بتلك العاصفة التي تعصف بكل شيء واولهم كيانها، ظنت أنه سراب و يهيأ لها ولكن حين وقفت على مقربة منه وجدته يمد يده لها لتختصر المسافة بينهم وتتمسك بيده وقبل أن ترمش بعينها هدأت العاصفة وتحول الخواء المُـ وحش من حولها إلى جنة متلونة من الازهار والاشجار اليانعة...تشبثت أكثر بيده تبادل تلك النظرة الناطقة بعينه بآخرى مثلها وإن ابتسم ثغره مطمئنًا وكاد يخطوا بها تلاشى كل شيء من حولها و وجدت ذاتها من جديد ضائعة بذلك الخواء
المُـ و حش وحدها
_"شمس" ردي الله يخليكِ
انتشلها صوت يبدو مألوف لها لترمش عدة مرات بعيناها تحاول استيعاد وعيها وإن فعلت فتحت عيانها لتجد "بدور" تجلس بجوارها تربت على وجهها بلطف و"عماد" مقابل لها، لتنطق بِوهن:
_ايه اللي حصل؟
تنفست "بدور"الصعداء قائلة:
_كان مغم عليكِ
_"شمس" أنتِ كويسة
قالها "عماد" بقلق لتومأ له بضعف وتتسائل "بدور" بعدها:
_ هو مد ايده عليكِ
ابتسمت بسمة واهنة ولم تعقب ليتابع "عماد":
_انا جبت الدكتور من الصيدلية وطمنا عليكِ بس ضغطك كان واطي شوية
طمأنته هي تدعي القوة:
_انا كويسة متقلقش
لتطالع المكان من حولها وتدرك كونها بغرفة" بدور" التي تأويها هي وابنها لتتقلص معالم وجهها وتتسائل مستغربة:
_جبتوني هنا ازاي؟
اجابتها "بدور" وهي تربت على كتفها:
_شلناكي انا وجارتكم الست انعام وصالح حاول يمنعنا بس عماد اتصرف معاه
اعتدلت تسند ظهرها على جذع الفراش بمساعدة "بدور " التي فور أن اجلستها عرضت بود قائلة:
_هروح اجيبلك فرخة واطبخهالك ترم عظمك
نفت برأسها وقالت فاقدة شهية كل شيء:
_مش عايزة انا بس عايزة اشم هوا عايزة اقعد بره
صممت "بدور":
_"عماد" هيطلعك وهروح انا بسرعة ومش هتأخر
لتوجه نظراتها ل "عماد"طالبة:
_ بالله خلي بس عينك على الواد "رامي" عقبال ما ارجع
أومأ لها "عماد" لتغادر هي تاركة "شمس" تنزل من الفراش ليسندها "عماد" ويسير بها للخارج ويجلسها على أحد الارائك التي بزاوية سطح البناية لتتناول نفس عميق من الهواء تملئ به رئتها ثم أخذت تراقب "رامي" ابن شقيقها أثناء لعبه ببسمة هادئة لبعض الوقت قبل أن ترى الفضول جلي بعين "عماد" لتقول متنهدة:
_كنت مفتقداك
_واضح... بدليل ما كلمتي "بدور" وطمنتيها وانا لأ
-كنت عارفة أن "صالح" مش هيسيبك في حالك
-أنتِ عارفة انه ميهنيش منه ولا من سلطان نفسه
-عارفة يا "عماد" بس كفاية المشاكل اللي بينك وبين اخوك مكنتش عايزة ازودها
تنهد "عماد " بضيق على ذكر اخيه ثم تسائل بفضول:
_كنتِ فين الفترة اللي فاتت؟
سهمت بنظراتها بعيدًا لثوانِ بُحزن بَين قبل أن تتنهد بتثاقل و تجيب:
-فاكر الظابط اللي حكتلك عنه
أومأ "عماد" برأسه لتسترسل هي بعيون انطفأ وهجها:
-كنت في بيته...
احتدت معالم "عماد" واشرأب برأسه متسائلًا:
-إزاي في بيته يا "شمس"
أجابته وهي تلملم غرتها تضعها خلف أُذنها:
-مش عايش لوحده معاه والدته ست طيبة اوي فكرتني بأمي وكنت براعيها
-كنتِ مرتاحة هناك
وكأنها كانت تنتظر سؤاله لتبوح له وتخفف حمولة قلبها فقد تجمعت الدموع بعيناها وكأنها تأمـ رت عليها كجيش منيع يتصدى ضد ثباتها التي تحاول تدعيه ويكشف الستار عن سبب ضعفها وحـ رقة قلبها:
-عمري ما حسيت بالراحة والأمان غير في بيته يا "عماد" الراجل ده عمل اللي مفيش حد في الدنيا عمله معايا حتى اللي من د مـي وانا مدينة ليه بكتير اوي
كانت دموعها تزف حديثها ومشهد واحد يتكرر أمامها حين تمسك بذراعها ورفض التخلي عنها ولكن هي ماذا فعلت طعنته برفضها وصممت على فراقها وذلك ما يد مي روحها ويـ عذب قلبها...
-ايه اللي حصل وخلاكي تسيبي بيته؟
انتشلها صوت "عماد" من شرودها لتزيح دمعاتها وتبرر بصوت مختنق النبرات:
-صالح" عرف مكاني و راح هناك وعمله فضيحة وكان ممكن يخسره مستقبله...انا اللي اصريت امشي علشان خوفت...خوفت اخسره زي ما خسرت "عزيز"
وعلى ذكر "عزيز" تهدلت معالمه بينما هي تدفقت دموعها وهمست بلا وعي وكأنها تحدث نفسها:
-هو كمان كان طيب وحنين زيه كان بيتعصب من أقل حاجة وبيترضى بكلمة، كان بيخاف عليا وعنده استعداد يعمل المستحيل علشان يحميني وعلشان كده خوفت اخسره زيه...خوفت احس بذنب إن اذيته او ضريت مستقبله زي ما انا عايشة بذنب إني سيبت "عزيز" لوحده قبل ما يموت
-كلامك ده معناه أنك حبتيه يا "شمس"
ابتسمت بمرارة من بين دمعاتها وصرحت بقناعاتها:
-طول عمري مقتنعة ان الحب رفاهية متخلقتش للي زينا...لتشهق بُـحر قة وتُـ صرح بما يكمن في اعماقها:
_ورغم ده حبيته بس مكنش ينفع أبين كان لازم ادفن الحب ده جوايا علشان خايفة عليه
-بس ده ظابط يا "شمس"يعني لا "صالح" ولا "سلطان" يقدروا يقفوا قصاده أنتِ غلطتي مكنش لازم تسيبي بيته
بررت بقلة حيلة من بين شهقاتها التي
تقـ طع نياط القلب:
-وقتها كنت ضايعة بين مشاعري وخوفي...حتى إني رفضت عرضه
بالجـ واز علشان ما ورطهوش هو ظابط والمستقبل قدامه ويستاهل حد احسن مني ايه اللي يجبره يتجوز واحدة علشان تكون عبء عليه بمشاكلها وعلشان صعبانة عليه يضطر يحميها
بجـ وازه منها
-اكيد هو مش مجبر يعمل كل ده غير لو بيحبك
وهنا تذكرت حديثه لها واعترافه المحسوس بحبها لتنفي برأسها بلا اقتناع فيبدو أن كبريائها يرفض الاقتناع بعشقه لها:
-اللي قاله كان بيحاول يقنعني بيه علشان هو عارف ان كرامتي هتنفح عليا ومش هقبل فحب يجمل العرض قبل ما يطلبه لأن اللي قاله مصدقتوش ولا استوعبت أنه ممكن في يوم يخرج منه
-يمكن بيحبك فعلًا يا "شمس" ليه فهمتيها كده
جففت دمعاتها بأطراف اناملها وقالت ببسمة مريرة تضاهي مُر حديثها:
-عارف لو كان مليش أخ زي "صالح" وكنت عايشة عيشة سوية بعيد عن حياة الـ بؤس دي كنت ممكن اقتنع انه فعلًا بيحبني
عارض "عماد" قرارها:
-غبية يا "شمس" وبرجعوك
خـ سرتي نفسك قبله لأن صالح هيفضل صالح وعمره ما هيتغير بدليل حبـ سه ليكِ واصراره
المـ قرف انه يجوزك سلطان
أيدته وذكرت مُـ عضلة حياتها:
-انت معاك حق بس في الأخر هيفضل اخويا
تحدث "عماد" وكأن يصف معاناته هو:
-ده مش مبرر مش شرط يكون من دمـ ك ويكون قلبه عليكِ وبيتمنالك الخير صدقيني وقتها الضـ ربة بتكون في مقـ تل علشان بيبقى قريب منك وانتِ مش عطياله خوانة
-أنت عارفني مش هستسلم ابدًا وطالما مفيش حاجة أخاف عليها مش هيهمني
-لغاية امتى يا "شمس" لغاية امتى هتفضلي تعافري مع الدنيا ليه مخترتيش الطريق الاقصر و وافقتي يحميكِ
زفرت انفاسها وقالت بهـ ستيرية وكأنها على وشك فقدان عقلها:
-خوفت...خوفت...انت ليه مش عايز تفهمني
-فهمك بس افرضي "سلطان" خرج وغـ صبوكِ على الجـ واز منه هتعملي ايه
-مستحيل اتجـ وز اللي كان السبب في
مـ وت اخويا انا مش هرتاح غير لما اعرف ازاي عرف يورطه معاه انا لغاية دلوقتي مش مقتنعة أن "عزيز "عمل كده
ابتلع غصة بحلقه ونصحها قائلًا:
-بلاش تقلبي في اللي فات يا "شمس"
-ليه في كل مرة بتقولي كده أنت تعرف حاجة ومخبيها عليا! "عزيز" كان قريب ليك يا "عماد" وكنتم أصحاب واكيد كان بيحكيلك على كل حاجة
طرق برأسه وضم قبضة يده يخفي عوارها ثم نفى برأسه
وقال بضيق دون أن ينظر لها:
-معرفش حاجة غير أن "عزيز" رجع من عند اهل ابوه وقال أنه مرتحش هناك و وقتها "صالح" كان بياخد كل الفلوس اللي كنتِ بتبعتيها و"عزيز" كان علطول بيشد معاه وبعد ما يأس دور على شغل علشان كان عايز يكمل السنة اللي فضلاله ويعرف يسافرلك وغير كده معرفش...
تنهدت تنهيدة مثقلة بالكثير ولم تزيدها عليه فهي تعلم أن يتألم مثلها لمـ وته فكل ما فعلته أنها سهمت بنظراتها لبعيد تغرق في افكارها وشيء واحد يحير عقلها هل حديث "عماد" صائب هي من استسلمت واخطأت في تقدير الأمور؟ أَم أن قرارها كان الأصح لكليهما؟
حقًا لا تعلم كل ما تعلمه أن وقتها كانت ضائعة غار قة في مخاو فها ويسيطر عليها كبريائها.
❈-❈-❈
وصل للمنزل بملامح واجمة حاول التخلي عنها بصعوبة بالغة حين وجدها في انتظاره بكامل حِلتها ويعتلي وجهها تلك البسمة التي دومًا تأتي بربيعها على قلبه المُـ ولع بها فكانت ترتدي بجامة وردية سبق و وقع اختياره عليها من خامة الستان الذي يعشقه كونه ناعم ورقيق مثلها أما عن خصلاتها فكانت تطلق عنانها على ظهرها و تتمايل معها وهي تهرول إليه تضـ مه قائلة:
-الحمد لله على السلامة
دفن ذاته بها وهمس بصدق وبنبرة تحمل شيء لم تفهمه:
-احضنيني يا "رهف" احضنيني محتاج حضنك اوي
مررت يدها بشعره وتسائلت بقلق:
-مالك أنت كويس
رفع وجهه لها دون أن يفك أسرها هامسًا:
-وحشتيني مش اكتر
ابتسمت وهزت رأسها قبل أن تتسائل مترقبة:
-"هاجر" كانت عيزاك ليه؟
أجابها بما يصح أن يقوله كي لا يعيب في ابنة خالته:
-عندها مشكلة مع خالتي وطلبت مني ادخل
تنهدت ونظرت له نظرة مُطولة ليبتسم هو قائلًا:
-مش ازيد من كده وصدقيني لو في حاجة مفروض تعرفيها عمري ما هخبيها عليكِ
تنهدت وقالت بثقة طالما كانت بمحلها:
-عارفة وبثق فيك بس يعني مش حاسس أن الموضوع غريب شوية ليه تلجأ ليك انت بذات
برر بصدق دون أن يدعي الأمر:
-عادي يا حبيبي هي عارفة أن خالتي بتعزني و بتسمع كلامي
تنهدت وأومأت له دون تشكيك في حديثه ليضع قُبـ لة على وجنتها ينحي ضيقه جانبًا متسائلًا:
-مش هناكل ولا رجعتي في كلامك
نفت برأسها ثم غمزت بعيناها تقلد طريقته:
-يرضيك نحلي من غير ما نتعشى
نفى برأسه وشاكسها وهو
يكـ وب وجـ هها ويـ هيم بها:
-اكيد ميرضنيش
انزلت يده وشابكـ تهم بخاصتها ثم سحبته معها لغرفتهم وهناك وجدها بالفعل مُجهزة أصناف عدة من الطعام المتراص بشكل منسق للغاية على طاولة الطعام الصغيرة القريبة من فراشهم التي زينته بالورود المجففة وقد اضائت شموع بشكل متفرق بكل انحاء الغرفة منحت اضاءة خافتة تريح الاعصاب واعطت للأجواء شاعرية مميزة جعلته يتنهد تنهيدة مُسـ هدة ودون حديث يضـ مها له برضا تام يعلن عن اكتفائه بها وفخره كل الفخر بأختيار قلبه لها.
يتبع...