-->

رواية جديدة في غياهب القدر لبسمة بدران الفصل 20

رواية في غياهب القدر للكاتبة بسمة بدران
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




في غياهب القدر

قصه ورواية من قصص وروايات الكاتبة بسمة بدران

الفصل العشرون

❈-❈-❈

 صراع ٢



 ‏وأخافُ يا عُمري

 أنا يَومًا تُفرِّقُنا السِّنينْ


بالرَّغْمِ من أني

 أخافُ وتَعرِفينْ


قَلبي يُحِبُّكِ

فَوقَ ما تَتصوَّرينْ


ما زِلتِ في قَلبي

 وعَيني تَسكُنينْ


يا أجملَ الأطْيارِ تَشدو دَاخِلي

يا مَوجةً نامَتْ بِحِضــ ــنِ سَواحِلي

عَيناكِ أجمَلُ من حُقولِ الياسَمينْ


(فاروق جويدة)



❈-❈-❈



ليلا في منزله يجلس في غرفة المعيشة يدخن أرجيلته بشراهة كبيرة حتى أن الغرفة امتلأت بالدخان.

 ثواني وولجت زوجته الحاجة فتحية وهي تسعل بقوة هاتفة بصوت متحشرج: إيه يا حاج كل الدخان ده!

 أردف مخاطبا إياها بأمر: روحي اعملي كوباية شاي بس تقليها شوية وتعالي عايز أتكلم معاكي في موضوع. 

أومأت له الحاجة فتحية بخنوع ثم انصرفت لتنفذ أوامر زوجها الذي بات غريب الأطوار في الفترة الأخيرة.

 بينما هو راحة يكمل تدخين ارجيلته وهو يشعر بالضياع فلقد بدأ مهمة وأراد أن ينسحب منها في منتصفها وهذا ما لم يسمح به ذلك المدعو حسام أبو الدهب لكن عليه أن يتحدث مع أحدهم ويزيل ذلك العبء عن كاهله فاختار زوجته الأولى الحاجة فتحية فلا طالما كان سره معها

 وعلى الرغم من أنه تزوج عليها بامرأتين إلا أنها لم ترده خائبا مرة واحدة لطالما كانت سندا وداعما له طوال حياته.

 دقائق معدودة وعادت الحاجة فتحية وهي تحمل صينية مستديرة الشكل وضعت عليها كوبين من الشاي وكوبين من المياه وضعتها على المنضدة الصغيرة التي تتوسط الغرفة.

وهتفت وهي تناوله كوب الشاي الخاص به: الشاي يا حاج. 

التقطه منها ثم ارتشف رشفة كبيرة بصوت مزعج قليلا.

 بينما هي أخذت الكوب خاصتها وجلست بجواره تسأله بلهفة: ها يا أخويا كنت عايز تقول لي إيه؟

 ظفر بقوة ثم وضع ارجيلته جانبا وراح يقص عليها كل ما حدث بداية من زيارة ذلك الرجل له في قهوته حتى الآن.

 وكلما توغل في حديثه اتسعت حدقتاه الحاجة فتحية وهي لا تصدق ما تستمع إليه من زوجها للتو.

 وبعد أن أنهى حديثه صاحت بصاروخ وهي تضرب صدرها بيديها: يا لهوي أنتو اللي دبرتو حادثة عمار هنداوي! 

طب ليه يا حاج؟ هو عمل لكم ايه لكل ده عشان جاب حق أخته وبنت عمته!

 هو الرجالة اليومين دول بتدفع تمن شهامتها. 

رمقها بحدة ولم يعقب.

 فاستطردت هي: اسمح لي يا حاج أنتو غلطانين والجريمة اللي عملتوها دي خلت الراجل مشلول مش قادر يحرك رجليه ما فكرتوش في ربنا. 

حرام عليكم لا ومش مكفي الباشا كل اللي عمله فيه عايز ياخد مراته كمان حسبي الله ونعم الوكيل في أمثاله. 

لأول مرة يشعر المعلم فكري بتأنيب الضمير إذ هتف بحدة: هو أنا حكيت لك عشان تبكتيني قولي لي اعمل إيه؟ 

صمتت تفكر قليلا ثم غمغمت بهدوء: العمل عمل ربنا بقا يا حاج احنا محناش قد عيلة هنداوي ولا أحنا قد الباشا الكبير عشان كده انت حاول تطلع نفسك من الموضوع ده وسيب الراجل ده منه لعيلة هنداوي.

 لمس الصواب في حديث زوجته فأومأ لها مؤيدا وهو يدعو الله بداخله أن يمرر تلك الفترة على خير.


❈-❈-❈



انتهت من إعداد وجبة العشاء ثم ولجت بخطوات واسعة إلى غرفتهما لتخبر زوجها الذي يبدو أنه شاردا منذ عودته من عمله.

 وعندما سألته ما به أخبرها بأنه ضغط عمل ليس أكثر.

 وما لا تعرفه غزل أن زوجها وقع في فخ الخيانة ولم يستطع الخروج من المستنقع بسهولة ومع شديد الأسف هي السبب هي من فتحت له المجال لفعل ذلك وثقت بمن لا يستحق الثقة.

 رفعت كلا حاجبيها بدهشة عندما لم تستمع منه ردا فدنت منه تهزه من منكبه برقة: رامي مالك فيك إيه أنا بقالي ساعة بنادي عليك.

 رمقها بعينين زائغتين ثم غمغمة بخفوت: نعم.

 جلست بجواره وجذبت رأسه وضمتها بحرص إلى صدرها وراحت تمسد على خصلاته القصيرة بهدوء وتسأله: مالك يا حبيبي

 أنت مش عاجبني النهاردة مش معقول ضغط الشغل يعمل فيك كده؟ 

خفق قلبه خشية من أن تكون زوجته علمت شيئا فابتعد عنها يسألها بحرص: امال هيكون إيه يعني يا غزل.

 هزت كتفيها بمعنى لا أعلم.

 فاستطرد حديثه: صدقيني زي ما بقول لك كده ضغط شغل مش أكتر.

 بادر هو تلك المرة وجذبها إلى صدره كي ينسها ذلك الحديث هاتفا بمشاكسة: كنت عايزاني ليه بقى يا ست غزل هما البنات ناموا ولا إيه؟

 ضربت صدره برقة هاتفة في دلال: لا يا قليل الأدب أنا كنت عايزة أقول لك إن العشاء جاهز. 

هب واقفا وهو يسحبها من يـ ــدها: طيب يلا بسرعة عشان أنا واقع من الجوع.


❈-❈-❈



على فراشهما تستلقي على جنبها الأيمن بعد أن والته ظهرها وهي تفكر في حديث المدعو حسام الذي لا تنكر بأنه أعجبها كثيرا وطمأنها نوعا ما.

 فهي كما قالت والدتها فسرت حديثه خطأ لكن ماذا يقصد بأنه يريد الزواج بها ألا يعلم ذلك المعتوه أنها ما زالت على ذمة رجل آخر كيف له أن يطلبها للزواج؟

 نفضت رأسها من تلك الأفكار التي ستقضي عليها

 ثم استدارت على جنبها الآخر وراحت تتأمل وجه زوجها النائم الذي لا تنكر بأنها أحبته كثيرا..

 لكن هي امرأة ولها احتياجات وزوجها استسلم لمرضه ورفض العلاج

 وهي تريد رجلا قويا تعتمد عليه كليا وليس العكس.

 وزوجها هذا من اليوم فصاعدا لم يستطع حتى خدمة نفسه. 

زفرت بقوة ثم اغمضت عينيها تستدعي النوم الذي يبدو أنه سيجافيها هذه الليلة.


❈-❈-❈



تدور حول نفسها كالمجنونة فبعدما تركها عصرا وذهب إلى منزله لم تره حتى الآن.

 راحت الأفكار السوداء تعصف بعقلها.

  ماذا يفعل الآن هل يقضي وقتا ممتعا مع زوجته كما كان يفعل معها؟ 

هل هو سعيد معها؟ 

مثل تلك الأسئلة دارت في رأسها.

 جذبت خصلاتها بعنف وأطلقت صرخة قوية دليلا على غيظها ثم ركضت باتجاه الباب عازمة على قطع تلك اللحظات السعيدة عليهما.

 لكن قبل أن تضع يـ ــدها على مقبض الباب تراجعت في اللحظة الأخيرة

 فإن فعلت هذا ستجعل زوجته تشك ولربما تخسره للأبد لذا عليها التفكير مليا قبل أن تتخذ أي خطوة مجنونة تجعلها تخسر كل شيء وهي تريده. تريده لها وحدها وحتما ستفعل فليس بعسير عليها فهي ارادته دون أدنى مجهود منها لذا عليها أن تتوخى الحذر في الفترة القادمة. 

فإذا أرادته أن يتزوج بها عليها أن تجعله يأخذ تلك الخطوة بنفسه.

 ثواني ووادتها فكرة خبيثة فابتسمت بمكر هاتفة بلهفة: إيه هيدا هو الحل أنا بمشي بمبدأ شوق ولا تدوق هيدا المثل يمشي كتير منيح مع الرجال مثل رامي. 

صفقت بحماس مادحة ذكاءها ثم أطلقت تنهيدة حارة واستدارت باتجاه غرفة نومها عازمة على النوم وستبدأ خطتها في الصباح الباكر عندما يذهب رامي إلى عمله.


❈-❈-❈


بعد مرور يومين استيقظ من نومه وهو عازما على الذهاب للاطمئنان على صديقه أولا وبعدها سيتجه إلى عمله فقد قضى اليومين المنصرمين منهمكا في العمل الذي تزايد في الفترة الأخيرة. 

أخذ حماما سريعا وارتدى ثيابه ومشط شعره ثم دلف للخارج بخطوات أشبه بالركض. 

استوقفه صوت والدته الغاضب: على فين كده يا رؤوف؟ 

استدار إليها يرمقها بدهشة هاتفا بتساؤل: في حاجة يا أمي!

 أجابته بصوت مرتفع نوعا ما: انت مش ملاحظ انك متجاهلني بقالك كم يوم هو أنا كنت عملت إيه يعني.

 دنا منها بخطوات بطيئة حتى بات قبالتها هادرا بحدة طفيفة: حضرتك ما عملتيش حاجة يا أمي بس أنا حييت اهدي الموضوع بيني وبينك شوية خصوصا ان حضرتك اليومين اللي فاتوا كل شوية تبصيلي بقرف وهو أنا كنت عملت إيه يعني أنا كمان؟

 فاضا الكيل منه ومن عناده فهتفت بصراخ: عملت إيه! عاير تجوز لي واحدة مطلقة وانت لسه ما دخلتش دنيا وتقول لي عملت إيه.

زفر بنفاذ صبر فيبدو أن والدته لن تتغير أبدا فاستخدم وسيلة العند معها إذ هتف بإصرار: وأنا مش هتجوز غير عبير يا أمي تمام ودلوقتي بقى جهزي نفسك عشان بعد ما عدتها تخلص علطول هنروح نطلبها من عم سعد وده آخر كلام عندي يلا صباحك فل يا ست الكل.

 ألقى كلماته دفعة واحدة وانطلقا دون أن يستمع ردا تاركا الأخرى تستشيط غضبا وتتابع أثره في ذهول حتى اغلق الباب من خلفه. 

فهتفت بعدم تصديق: يا لهو بالي الولا خلاص قرر يتجوزها هو أنا إيه ما ليش رأي كده لأ وديني ورب المعبود ما هعديها كده حتى لو هحطه قدام الأمر الواقع وأروح اخطب له البت منى آه هو ده الصح أنا من بكرة هعمل كده ويا أنا يا أنت يا رؤوف يا ابن بطني.


❈-❈-❈


نظمت أتفاسها الثائرة وقرعت باب شقته

 وما هي إلا ثواني معدودة حتى فتحت لها زوجته البغيضة إذ رمقتها باشمئزاز وهتفت من بين أسنانها: يا أهلا يا دكتورة صَبا اتفضلي ادخلي.

 رمقتها بتعالي ثم ولجت بخطوات واثقة وهي ترفع رأسها بشموخ يليق بها كثيرا وقبل أن تسأل عن مكانه قادها قلبها حيث هو إذ كان يجلس في غرفة المعيشة

 وبصوتها الناعم ألقت تحية الصباح.

 عندما استمع إلى صوتها وجه بصره إليها هاتفا بترحاب بصوت عال. 

منحته أجمل ابتساماتها ثم دنت منه وهي تسأله بحرص: قل لي يا عمار عامل إيه دلوقتي جرحك لسه ما خفش؟ 

هزا رأسه نفيا هاتفا بيأس: والله يا صَبا ما عادت تفرق خف بقى ولا ما خفاش.

 زفرت بنفاذ صبر فيبدو أن ذلك العنيد سيتعبها كثيرا.

 بمهارة شديدة بدأت في عملها بعد أن طلبت من زينة أن تحضر حقيبة الإسعافات الأولية. 

وبعد أن انتهت كادت أن تنصرف لكنها توقفت عند سماع صوته الرخيم يقول: حد ضايقك في الحي من بعد اللي حصل لي. 

خفق قلبها بجنون عندما لمست خوفه عليها في سؤاله فاستدارت إليه ترمقه بوله هاتفة بتأكيد: لا يا عمار مهما كان اللي حصل لك انت لسه زي ما أنت لسه عمار الشهم الراجل اللي كل الناس بتهابه وبتخاف تقرب من اللي يخصه.

 رباه لو تعرف تلك الفتاة ماذا فعلت كلماتها الجميلة بهذا المسكين لقد أعطته الأمل من جديد جعلته يشعر بأهميته التي تناساها من الأساس منذ تلك الحادثة فلأول مرة منذ فطرة ابتسم باتساع ورمقها بامتنان حقيقي استشفته هي فبادلته الابتسامة سائلة إياه بهدوء: طيب محتاج مني حاجة تانية. 

هز رأسه نفيا.

 فاستطردت هي: خلي بالك على نفسك ولو احتجتني كلمني من غير تردد.

 أومأ لها موافقا.

 فبحثت عن زوجته في أنحاء المنزل لكنها لم تجدها فتنهدت بارتياح ثم دلفت للخارج وهي تشعر بسعادة كبيرة وبعد أن أغلقت الباب من خلفها وقفت تستنشق الهواء بقوة وما زالت تلك الابتسامة الجميل ترتسم فوق محياها الحسن.

 وضعت يـ ــدها على قلبها وهتفت بنبرة تقطر عشقا: بحبك يا عمار هنداوي بحبك وهفضل أحبك لحد ما أموت.

 قالت تلك الكلمات وأكملت طريقها غافلة عن شخص استمع إلى كل كلمة قالتها.


❈-❈-❈



بجانب المصعد تقف في تلك الزاوية التي شهدت على أول قبلة لهما تنتظره وهي تشعر بالغضب الشديد.

 فخلال هذان اليومان لم تستطع رؤيته لكن لا بأس لم تستسلم أبدا ولن تدعه يذهب من يــ ــدها. 

فلطالما كانت تحصل على كل ما تريد وهي حصلت على ذلك الوسيم دون عناء.

 ابتسمت بدهاء عندما أبصرته يدلف من باب شقته ويغلق الباب من خلفه.

 انتظرت حتى مر من أمامها فجذبته بعنف من يـ ــده جعلته يلتسق بالحائط ثم وقفت على قدميه والسقت شـ ــفتيها بشـ ـــفتيه تقـ ـــبله بلهفة وجنون.

 تعمقت في قبـ ــلتها وتناست كرامتها وكبريائها الذي دهسه ذلك المغرور بحذائه.

 أما عنه فقد بقى جامدا مكانه مصدوما من فعلتها الجريئة لكنه سرعان ما انجرف خلف شـ ــهوته وباد لها قبـ ــلتها بجموح شديد.

 استمرت القبـ ــلة لبضع دقائق حتى فقد السيطرة على نفسه تماما كاد أن يحملها ويذهب إلى منزلها لكنها ابتعدت عنه قليلا ثم دنت من إذنه حتى السقت شفتيها بها وهتفت بصوت يقطر دلالا: لا حبيبي مو هلأ هلا بتراوح لشغلك وبعدين بتجي لعندي. 

طبعت قبـ ــلة أسفل أذنه وتركته وذهبت بخطوات متـ ــمايلة حتى ولجت شقتها وأغلقت الباب من خلفها.

 تاركة الآخر يشتعل من الر غبة والغضب معا فتلك الفاتنة استطاعت السيطرة عليه بشكل كبير.

 قبض على يـ ــديه بقوة وصك على أسنانه ثم رمق باب منزلها بغضب شديد واتجه نحو المصعد يستقله وهو ما زال غير مصدقا ما فعلته تلك الحسناء.


❈-❈-❈


تسير في الطرقات بوجه مكفهر فبعد زيارتها لزوجها الذي أخبرها بطريقة غير مباشرة بأنه سيأخذ الفتاة بعد خروجه من السجن. وعلى العلم من أن القانون في صفها وكل شيء معها إلا أن زوجها شخص مجرم بما تحمل الكلمة من معنى فبإمكانه أخذ الفتاة بالقوة وهي تعلم علم يقين أنه قادر على ذلك.

 فلربما أزاها أو هددها أو فعل لها أي شيء مشين أو ربما أضر بسمعتها التي عاشت طوال عمرها تحافظ عليها حتى وهي في عصمته. 

رغما عنها انسكبت دمعة من عينيها ازالتها سريعا لكن عينيها أبت أن تتوقف فانهمرت دموعها بكثرة حتى غشيت عينيها.

 وأثناء سيرها اصطدمت بجــ ــسد صلب.

 رفعت عينيها لتوبخه لكنها ابتلعت حديثها عندما أبصرته هو يقف بهيبة ووقار يرمقها بدهشة سائلا إياها بلهفة: ست صباح مالك في إيه بتعيطي كده ليه انت كويسة وبنتك كويسة؟ 

هزت رأسها نفيا وانخرطت في بكاء مرير يمزق نياط القلوب وكأن سؤاله أشعل فتيل الحزن بداخلها فراح يتلفت يمينا ويسارا خشية أن يراهما أحدا ويظن فيهما السوء. 

فجذبها برفق من مرفقها وسارا بها في مكان هادئ نوعا ما

 أفلت معصمها وراح يعيد سؤاله مرة أخرى.

 فمسحت دموعها بكلتا يديها وراحت تقص عليه ما حدث من زوجها عندما زارته هي وابنتها بالأمس. 

رغما عنه شعر بالشفقة والحزن عليها فهي امرأة مكسورة الجناح تعمل بحياكة الملابس كي تكسب قوت يومها فهو في الأيام الماضية تحرى عنها لا يعرف لماذا لكنه أصابه الفضول حيال تلك المرأة فأرسل صبيه يبحث عنها وعرف كل صغيرة وكبيرة منذ زواجها من ذلك الرجل وحتى دخوله السجن. 

وزع بصره بينها تارة وبين الطريق تارة أخرى ثم هتف دون مقدمات: تتجاوزيني يا ست صباح؟


❈-❈-❈


على قارعة الطريق وقفت تشير إلى سيارة أجرة. 

وما هي إلا ثواني حتى توقفت سيارة أمامها سوداء اللون.

 لوهلة شعرت بالخوف لكنها سرعان ما ابتسمت 

فتحت تلك الفتاة زجاج السيارة وهتفت ببشاشة: صَبا ازيك يا صبا؟

 هرولت بخطوات واسعة واستدارت للناحية الأخرى وفتحت الباب فترجلت الأخرى وعانقتها بحرارة هاتفة باشتياق: وحشتيني قوي يا صَبا إيه يا بنتي فينك؟ 

اجابتها بسعادة: أهو في الدنيا يا تسنيم انت عاملة إيه وأخبار جوزك وبنتك إيه؟ 

اجابتها باختصار: احن كلنا كويسين بقول لك إيه وراكي حاجة؟

 نظرت إلى هاتفها واجابتها بخفوت: ورايا شغل طبعا واصلا أنا اتأخرت بقالي شوية واقفة مستنية تاكسي ومش لاقية. 

هتفت بسعادة: طيب يلا اركبي واعتبريني التاكسي النهاردة.

 كادت أن تعترض لكن نظرات الأخرى المترجية جعلتها تستدير للناحية الأخرى وتفتح الباب وتركب بجوارها في الكرسي الأمامي وما هي إلا ثواني حتى أدارت تسنيم السيارة وانطلقت في طريقها بعد أن دلتها صَبا على العنوان.

 وأثناء سيرهما هتفت تسنيم بمراوغة: وإيه أخبارك بقى يا ستي هتفضلي قاعدة كده لحد امتى كل الشلة بتاعتنا اتجوزوا وخلفوا وأنت لسه ولحد علمي يعني ان اللي كنتي مستنياه اتجوز وخلف وعاش حياته ها هتفضلي قاعدة كده بقى لحد أمتى ولا تكوني.

 قاطعتها بحزن: اللي مستنياه أقصد اللي كنت مستنياه اتجوز وعايش حياته آه بس في محنة كبيرة قوي يا تسنيم إيه هو الدكتور وليد ما قلكيش؟

 رفعت أحد حاجبيها بدهشة مصطنعة وهتفت بكذب: لا لا مقليش بس هو كان هيقول لي إيه يعني ماله

 قريبك يا صبا؟

  أخذت نفس عميق وظفرته على مهل ثم راحت تقص عليها كل ما حدث مع ابن خالها.

 والأخرى ترسم ببراعة ملامح التأثر والحزن على وجهها. 

فهي فعلت كل هذا كي لا تشك بها صَبا وان مقابلتهما ما هي إلا صدفة وليس أكثر.

 لكن ما لا تعرفه تلك المسكينة أنها بداية خطة من ذلك العاشق المدعو وليد.


❈-❈-❈


خلف باب الغرفة وقفت تستمع إلى حديثه هو وصديقه الذي أتى منذ قليل.

 انتفضت عندما استمعت إلى صوت زوجها المرتفع يقول وبعدين معاك بقى يا رؤوف قلت لك ألف مرة مش هتعالج مش هتعالج.

صاحا به رؤوف هو الآخر: يعني إيه مش هتتعالج والله يا عمار لو ما حطيت عقلك في راسك لاكون واخدك بالعافية عند الدكتور انت إيه يا أخي بتعاند مين بالظبط وبعدين هو فيه كسوف من المرض اعتبره ابتلاء وربنا ابتلاك بيه عشان يشوف قوة تحملك مش معقول مش ممكن تكون انت عمار صاحبي ده أحنا كنا بنسيب لقمة عيشنا ونروح نصلي في الجامع كل فرض بفرضه وانت مع أقل حاجة حصلت لك بعدت عن ربنا حتى الصلاة ما بقتش بتصليها انت بتعاقب مين بالظبط بتعاقب ربنا يعني!

 صمتا فليس لديه ما يقوله بعد ما تحدث صديقه بكل ما بداخله استطاع رؤوف أن يعريه أمام نفسه فهتف بانكسار: استغفر الله العظيمة بس باعدها لك يا رؤوف ومش عايز كلام في الموضوع ده تاني علاج مش هتعالج سامحني.

 دنا منه صديقه وهمس ببضع كلمات في أذنه جعلت الآخر وجهه يحمر من شدة الانفعال والإحراج معا.

 فابتعد عنه رؤوف مستطردا حديثه بصوت مرتفع قليلا: مراتك ملهاش زنب يا عمار طبعا انت فاهمني ودلوقتي يا صاحبي أنا هنزل علشان أشوف أكل عيشنا عشان البيوت اللي مفتوحة من ورانا فكر في كلامي كويس يا عمار. 

بينما على الجانب الآخر لم تستمع زينة لآخر حديث دار بين الصديقين. 

إذ هرولت إلى المطبخ والتقطت هاتفها وبحثت عن رقمه الذي سجلته في الآونة الأخيرة بحسام وضغطت زر الاتصال وانتظرت الرد.


❈-❈-❈



 وعلى الجانب الآخر كان قد استيقظ للتو وهو يشعر بألم شديد في رأسه فيبدو أنه تجرع الكثير من الخمور بالأمس.

 أدار رأسه فأبصر فتاة عارية ترقد بهدوء بجواره.

 ابتسما بعبث وكاد أن يدنو منها ليكمل ما بدأه بالأمس لكن صوت رنين هاتفه أوقفه فالتقطه بتكاسل وسرعان ما شقت ابتسامة خبيسة سغره فتركها قليلة ثم سحب الشاشة ووضعه على اذنه هاتفا بصوت أجش من أثر النعاس: ايوة يا مدام زينة؟

صمتط قليلا تنظم أفكارها ثم هتفت بجدية كبيرة: أنا موافقة على عرضك يا حسام.

يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران من رواية في غياهب القدر، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية



رواياتنا الحصرية كاملة