رواية جديدة خداع لإيمي عبده - الفصل 1
قراءة رواية خداع كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
الفصل الأول
كن حذراً، فنصل الغدر حاد كالسيف، الغدر شيم اللئام، فإحذر من القريب قبل الغريب، فها هو "الس*يد عارف" الر*جل الصالح، طيب المعشر، محب لكل من حوله، لكنه فى نظر بعض اللئام محل سخرية، فهو ضخم الج*ثة، عظيم البطن، يع*شق الطعام، أكثر من عش*قه للهواء.
لقد كان الطعام صديقه، وملجئه، فحين يحزن يأكل، حين يفرح يأكل، حين يحتفل يأكل، كان الطعام سبيل حياته، يمكنه حتى من خلال الرائحة فقط أن يفطن إذا ما كان الطعام قد نضج أم لا! كما يمكنه معرفة كل ما تتكون منه الوجبة التى أمامه، من دون رؤيته أو تذوقه!
ولهذا السبب حين إختار شريكة لحياته، إختار من ترضي معدته، وتتقبل هيئته عن طيب خاطر، وليس لأجل ماله، وهذا ما وجده في "فاطمه" الس*يدة اللطيفة، المحبة للحياة التي تتسم بالوقار، كما تتسم بالحنان، تلك الجارة التى إنتقلت إلى جوار منزل والديه مع عائلتها الكبيرة منذ سنوات بعيده.
وجدت به الحنان الذي إفتقدته بين أفراد أسرتها الكثيرين، الذين ألهتهم الدنيا بكثرتهم عن الإهتمام بها، وجدت به القلب المحب، والصبر للإنصات لها، وجدت به الز*وج، والأخ، والصديق، وجدت كل ما تصبوا إليه.
ورغم جمالها، لم تهتم بسواه، فقد أتاها الأثرياء، وعلية القوم، وتشاجرت مع والديها؛ لأجله، فلا مال سيعطيها ما تريده، ولا حتى المكانة الإجتماعية العظيمه، لذا لم تهتم لما يقوله أى احد اى إن كان، ولم تبالي برأي عائلته التي نفرتها، وظنوها طامعة بماله.
لم يكن " عارف" بغيض الشكل، بل كان وسيماً، ولكنه سمين بعض الشيء، وكل فتاة تراه تعلم أنه سيزداد سمنة مع الأيام، وهذا ما كان، ولكن "فاطمه" كانت سعيدة بهذا، فكلما إزداد حجمه إزداد تيقنها بأن طعامها لازال يمتعه، ويسعده.
طعامها الذي وجد به ملاذاً من كل ما يحبطه بالحياة، طعامها الذي غارت منه كافة الن*سوه، فبعد رفضهم لعارف، وهيئته، ندمن على هذا، فأزو*اجهن الذين تفاخروا بهم يوماً، كانوا إما مغرورين، فظين، تضاءل جمالهم مع الوقت، وبعضهم من أصبح أسمن من " عارف".
إكتشفوا أن "فاطمه" أحسنت الإختيار، فعارف لم يتغير معها مطلقاً، بل على العكس تماماً، إنه يزداد ع*شقاً لها كل يوم عن سابقه، فدفعتهن الغيرة لإيحاء سخريتهن القديمه، لينغصن على "فاطمه" راحة باله، لكنهم لم يكونوا يعلموا أنها أعقل من أن تنصت إليهن.
ولم يحترم أى من هؤلاء السخفاء شعورها، ولا شعور زو*جها من سخريتهم هذه، هو كحالها لم يكن يهتم كثيراً، فبرأيه هم مجرد حفنة حمقى لا أكثر، يحكمون عليه من هيئته، بينما إبنته الصغيرة الوحيدة "شهد" هى من تتأثر بكل هذا.
لطالما أغضبها وصفهم لوالدها هكذا، ولكنه كان يستقبل سخريتهم بصدر رحب، ويردها لهم بالمرح، لكن " شهد" لم تكن تتحملها، لذا قررت أن تنتقل إلى مدينة أخرى، لكن والديها رفضا ترك منزلهما، وحياتهما، لأى سبب كان، حتى أتت نجدتها من القدر فقد كانت قريتهم لا تحوى مدرسة ثانويه.
ورغم أنها ساعات، وتعود كل يوم إلى منزلها، لكنها وجدت بالغرباء عن قريتها الأصدقاء الجيدين، وتفوقت وإنشغلت بدراستها لكى لا تلتقى أقاربها المزعجين، فقد كان والدها من عائلة ميسورة الحال، وإتهموا والدتها ذات الأصل البسيط أنها خدعته من خلال طهوها اللذيذ.
نفثوا حقهدن بها، متغاضين عن حقيقة كونهن كن غبيات متفاخرات، لا يرين حقيقة جوهر الأشياء.
لقد تربت إبنته سعيدة محبة لأسرتها، لا يزعجها عشق والدها للطعام، بل على العكس تماماً، كانت تعشقه هي الأخرى، لكنها كانت تختلف عنه في كون شرهه للطعام؛ يتسبب فى سمنته، حتى جعله الطعام كالفيل البشرى، فهى مهما تناولت من أطعمه لا يمكن لج*سدها أن يسمن.
تمكن المرض من "عارف"، واصبح طريح الفراش، ولكنه رغم هذا لم يترك الطعام، فهو إدمانه، الهواء الذى يتنفسه لذا كانت تحذيرات الأطباء بلا فائدة ترجى معه.
ولهذا ظل مع ع*شقه حتى إنتهت حياته بعد أن أوصى أن يتصدقوا على روحه بتوزيع الأطعمة الش*هية حول قبره؛ ليتل*ذذ روحه برائحة الطعام ورغم أن الجميع وجد هذا درباً من الجنون لكن "شهد" ووالدتها لم يهتما، وظلا كلما إستطاعتا مقدرة صنعت"شهد" طعام شهي بكمية كبيرة، ووزعته حول قبر والدها.
لقد كان ذلك أسعد وقت تمضيه بين أيامها، فهى تعشق الطعام، ولكنها تعشق أكثر أن تتل*ذذ بطهوه، وتتفنن فى نكهاته، حتى أصبح طهوها لا مثيل له، لكن كان هناك من يسخروا منها، ويشبهونها بوالدها، قائلين" بأنها ستكون الفيلة الثانية بالعائله".
لقد كان والد " شهد" رافضاً للزواج في شبابه، ولكن ذلك يرجع؛ لأن جميع أفراد عائلته طامعين، يسخرون منه، ولكن والدة "شهد" أحبته بصدق، وحين توفى وورثته، أصبحوا يحبونها فجأة، ويتملقونها، ويطلبون ود إبنتها مما جعل"شهد" تمقت رؤيتهم حتى.
كذلك أهل القرية الساخرون، فقد ترك لها والدها كنزاً من المال، كما ظنوا وحين إنفجرت بهم غاضبة ذات مره، وأخبرتهم كذباً أن والدها لم يترك لهما شىء، لكن لم يتركوها وشأنها، بل إزدادت سخريتهم لها.
فقد ظنوا أن "عارف" أنفق كل ماله بالطعام، ومن سيتزوج من إبنته لابد وأنه سيفلس بسبب إطعامه لها، بينما لم تصدق عائلة والدها هذا الحديث، وظنوها تبعدهم عن سبيلها؛ لتستمتع بالميراث وحدها.
تفوقت على جميع قريناتها بالقريه، أصرت أن تذهب إلى أبعد جامعة ممكنه؛ لكى ترتاح منه،م ورفضت والدتها الإنتقال معها، فأصبحت تضطر إلى العودة فى العطلة الصيفيه.
مرت الأيام، وأصبحت "شهد" أكثر جمالاً، وذكاءاً، وفكرت بإستغلال موهبتها فى الطهو، وع*شقها للطعام الذى ورثته عن والدها بإنشاء مطعم، ولكن قريتهم الصغيرة لن تكن مناسبة لعمل كهذا، كما أن أهل قريتها سيعملون جاهدين على تدمير حلمها بسخريتهم من قدراتها.
بالإضافة إلى أنها لا تملك المال الكافى، فميراثها والدتها تصر أن تجعله لتجهيزها كعروس فقط، وترفض فكرة تمويل مشروعها؛ وهذا لأن لا أحد قد يعطي إبنتها فلساً إذا ما فشل المشروع ،وتبخر المال.
لهذا قررت أن تعمل بجد حتى تدخر مبلغاً كافياً، وتبدأ بالأمر، وهى لا تدرى أن سخرية من من بمثل عمرها بالقرية منها، هى لغيرتهن منها، وكلما إزدادت جمالاً، أُعجب بها الشباب.
ورغم السخرية من أبيها، ومنها، ولكنها كانت ذات خلق حميد، طيبة المعشر، فرغبت بها كل الن*ساء زو*جة لأبنائهن، لذا إزداد حقد الفتيات عليها، وأضمرن لها الضغينة، ولم تكن تعلم أن البسمة المحبة، خلفها حقد دفين فقد كانت حسنة النيه.
ولكن لها إبنة جارة مقربة منها، كانتا صديقتين، وكن دوماً معاً، تفضي "شهد" لها كل ما يختلج صدرها، وتنصت لها الأخرى بإهتمام، وبينما كانت "شهد" تعتبر صداقتهما مقدسة، لم تكن "ساره" هكذا.
ها قد أتت العطلة الصيفيه، ونالت "شهد" شهادتها الجامعية أخيراً، وقد إستقبلتها "ساره" بحفاوة زائفه فى محطة القطار، فرغم كل شيء ، فشهد من عائلة ثريه، وقد تصبح سبيلها في الز*واج من شاب ثري.
كانتا تسيران فى الطريق الشبه خالى المؤدى إلى منزل "شهد" حين وقفت "شهد" فى منتصف الطريق، وظلت تدور بسعادة حول نفسها، فاردة ذراعيها، ترفع رأسها للسماء مغمضة العينين، بينما الأخرى تقف على رصيف الطريق، تتابع بقلق كلا الجهتين.
كانت "ساره" تحاول إقناعها بأن تعود للسير بهدوء معها على الرصيف، فقد تتسبب لنفسها بحادث، حينها سيطال "ساره" الأذى، فالسي*دة "فاطمه" لا تعجبها صحبتها بإبنتها مطلقاً، وقد تتهمها بأنها من تسببت فى إيذاء إبنتها.
لكن "شهد" لا تهتم بل إبتسمت بإتساع، ووقفت تنظر لها، ثم هتفت بصوت يملؤه السعادة، والحماس.
- هل تعلمين حين أعود إلى المنزل، ماذا سأفعل؟ سأصرخ بأعلى صوتِ لدى، وأقول "يا قوم ها أنا قد عدت".
حركت "ساره" رأسها لكلا الجانبين بيأس، فتلك الفتاة بلا عقل، فماذا إذاً يميزها؛ ليتعلق بها الجميع! ولم تفهم أن براءة "شهد" وصفاء نيتها هما السبب.
- أنتِ مجنونة حقاً.
فجأة إتسعت عينا " ساره" بذعر، وتجمدت عن الحركه، فقد ظهرت سيارة من العدم فجأه، وتوقفت بحده على بعد إنش واحد من "شهد" التى تجمدت من الصدمة للحظه، لكنها كانت فقط لحظة واحده، ثم صرخت بغضب فى السائق الذى لم ينزل من سيارته بعد.
- أيها الأحمق! كيف أعطوك رخصة قياده من الأساس.
خرج شاب من السياره، وأقبل نحوها بوجه غاضب، تبين أكثر حين خ*لع نظارته الشمسيه، فنظراته كانت مخيفه، لكنها أبله من أن تنتبه لهذا، وظلت تنظر له بتحدى، وهمت لتوبخه مجدداً، لكنه قاطعها بحده.
- لم أكن أنا الغبي الذى يقف بمنتصف الطريق، يستقبل السيارات المسرعة بالأحض*ان.
- ماذا؟! أتريد القول أننى المخطئة الآن! أنت المخطئ هنا يا هذا.
رفع حاجبه مستنكراً: أتتحدثين عني أنا!
رفعت إصبعها تلوح له به محذرة إياه: إستمع إلى يا هذا، صوتك الغاضب لن يخيفنى، وإن ظننت أن إسراعك لإهتمامى أولاً سيجدى نفعاً، فأنت أحمق.
قضب جبينه بإرتياب: يبدو لى أنكِ مختله، ولا وقت لدى لكِ.
إرتفع صوتها أكثر: ماذا؟! هل تظننى ألاحقك أم ماذا؟!
كاد أن يتحدث حين صدع صوت نسا*ئي حاد من داخل السيارة يحثه على التوقف عن هذا اللهو، والعودة إلى السياره، لم ترى من بالداخل، ولم يخرج، ولكن صوتها جعلها لوهلة تصمت، ثم سريعاً إستعادت جنونها، ونظرت إلى أثر السيارة الذي إختفى سريعاً بأول منعطف في الطريق.
فهذا الشاب الذي لا تعلم من يكون، لم يبالى بهذيها، وانصت سريعاً إلى رفيقته، حيث إرت*دى نظارته الشمسية، وحرك رأسه للجانبين بيأس من عقلها، ثم عاد إلى سيارته، وقادها مبتعداً، فعقبت خلفه بحده.
- مخطئ، وقليل التهذيب، كيف يغادر هكذا، وكأنه لم يفعل شئ؟!
ثم إستدارت تنظر إلى "ساره" فوجدتها تضع يديها بمنتصف خص*رها، وتنظر إليها بحده، فسألتها بغباء.
- ما بكِ، لما تنظرين إلي هكذا؟!
زوت جانب فمها ساخره: فلتحمدي الله أن الأمر مر بسلام، هيا أمامى إلى المنزل قبل أن تأتين بكارثة أخرى.
رفعت كتفيها بلا مبالاه: وما ذنبي؟! هو من ...
قاطعتها بنفاذ صبر: كفاكِ عناداً، ستميتينى بأفعالكِ تلك، لو كان شاباً غيره لضربكِ.
عقدت ذراعيها على صد*رها، وقضبت جبينها معترضه: ماذا؟! لماذا؟!
- أنتِ تقفين هكذا وكأنك ملكة البلاد، توبخينه، وأنتِ المخطئه!
- ماذا؟!
- نعم ، فأنتِ تقفين بمنتصف الطريق بدلاً من السير على الرصيف.
ثم طرقت بقدمها على الأرض، وتابعت معنفة إياها: هذا الرصيف ليس للزينة أيتها الحمقاء!
تأففت بضجر: لا تبدئى، لقد كان الطريق خاوياً، ثم لما لم يطلق زموراً قوياً لينبهنى؟!
- يا إلهى، هل يعنى خلو الطريق أن نسير بمنتصفه، أتعلمين سننام به أفضل، وننتظر حتى تأتى شاحنة وتدعسنا.
حين عادت إلى المنزل في المساء، وجدته خالياً فأحست "شهد" بالقلق، وتسائلت أين والدتها؟! هل هاجرت دون أن تخبرها أم ماذا؟! فحاولت "ساره" تهدئة قلقها، وأخبرتها أن تبحث بهدوء أولاً، فلا داعى للقلق، فلطالما كانت القرية أمان.
لكن السي*دة "فاطمه" لم تعتاد إهمال باب منزلها هكذا، لكن "ساره" حثتها على التقدم وإكتشاف الحقيقه، برغم أنها نفسها لم تتقدم إنش واحد، بل تراجعت للخلف وقد بدى عليها الإرتباك.
حيث بحثت خلفها بيدها عن الباب، فإذا ما فاجئهما أى خطر، ركضت مسرعة إلى منزلها، دون أن تهتم بما قد يحدث لشهد!
وما كادت "شهد" أن تخطو خطوتين حتى إصطدمت بص*در عريض لرجل خرج لتوه من غرفة الضيوف، فصرخت، وتراجعت إلى الخلف خطوتين، ورفعت نظرها لتتفاجئ بأنه نفسه من كاد يصدمها بسيارته بالصباح، فصاحت معنفة إياه.
- هل هذا أنت أيها الأحمق، أتمنى أن يقف نموك كما أوقفت قلبىي رعباً.
رفع حاجبيه مندهشاً: ما هذا؟! أنتِ؟! يا إلهى، هل تقفين بكل مكان بهذه القريه تصرخين كالبلهاء هكذا؟!
- أنت الأبله الوحيد هنا، ماذا تفعل هنا بمنزلى، نعم أنت لص، مؤكد، ولهذا باب المنزل شبه مفتوح!
أدارت رأسها نحو صديقتها التي توقفت عن محاولة الهرب: هاتفي الشرطة فوراً يا ساره، لن أترك هذا اللص إلا وهو مكبل بالحديد.
إنقضت عليه تمسكه من قميصه بحده، فدفعها عنه بضيق، وإتهمها بالجنون، حينها صدع صوت والدتها من خلفه، تتسائل بتعجب عما يحدث هنا، فتركته "شهد" وركضت نحوها تنظر إليها بقلق، تسألها إن كانت بخير، أم أن هذا اللص آذاها؟ فشهقت والدتها بذهول.
لم تنتبه "شهد" لخروج فتاة من الغرفة، بل
عادت تمسك في من تظنه لصاً حتى لا يهرب، فصرخت والدتها بها بغضب، تستنكر أفعالها الهوجاء، وتأمرها بأن تتركه، فإعترضت "شهد".
- طيبتكِ هذه يا أمي ستجعل أمثال هذا لا ينالون عقابهم، إنه لص، وقليل التهذيب أيضاً، ولابد أن يسجن.
صفعت والدتها جبهتها بيأس، وصاحت بها تعنفها، لأنها لازالت بلهاء كما هى، نعم متفوقة لكنها بلهاء، وبدلاً من أن تصبح أكثر تعقلاً، عادت أكثر حماقه، وهددتها بجديه إذا لم تترك هذا الشاب، فحذائها الذى سيطرق رأس "شهد" هو من سيلقن " شهد" درساً قاسياً، فتركته مرغمه.
هندم ملابسه، ونظر الى والدتها، وسألها عمن تكون هذه المختله، فأجابته بضيق أنها إبنتها، رمق " شهد" بجانب عيناه، ثم أومأ بأسى يؤكد لها أنه يشفق عليها؛ لأن لديها فتاة مثلها، فصرخت به " شهد" تعترض، وسألت والدتها عن هوية هذا الشاب، فزوت والدتها جانب فمها بسخريه.
- واخيراً تذكرتِ أن تسألى أيتها البلهاء، إنه "زياد" والده يكون إبن عم والدك رحمه الله.
- أوه ، أيعنى هذا أنه ليس لصاً.
حينها صدرت قهقهة ساخرة من الخلف جعلتها ترفع رأسها نحو الصوت، ففوجئت بفتاة فقدت أي معنى للخجل، فثيابها تكشف أكثر مما تخفي، ووجهها يختفي بين ألوان عديدة من الزينة الراقيه.
إنها تبدو مدللة فاسدة في نظر "شهد" التي لم تكن تحتاج إلى موقف معها لتدرك هذا، فالفتاة صورة حية للفسق، ظلت "شهد" مذهولة من تلك الفتاة، كيف سمحت والدتها لهذه الفتاة أن تدخل المنزل من الأساس؟!
حين توقفت الفتاة عن الضحك بصورة صاخبة أكثر من اللازم، إستعادت "شهد" يقظتها، ونظرت إلى والدتها، وهى تشير نحو "زياد" بإنزعاج واضح.
- هل تعنين أن هذا الشاب أحد أقارب والدى؟ حسنا لم أذهب بعيداً بتصورى له كلص، فهيئته تؤكد ذلك.
خيم الصمت حولهم ما أن تفوهت "شهد" بكلماتها الهوجاء، وتلاشت معالم السخرية من وجه "زياد" الفتاة الأخرى، التي إنتعض وجهها بإنزعاج واضح.
بينما عنفتها والدتها لإهانتها إياه، فمهما كان هو والفتاة التي أخبرتها والدتها بأنها أخته، وتدعى "سوزان" هما ضيفان بمنزلها، وإعتذرت منهما، ولم تهتم بإعتراض إبنتها، لكن "زياد" إبتسم بود نحوها، وسخر من إبنتها وبلاهتها.
فثارت عليه مجدداً، فعلق بسخرية، يبطنها المكر، حين نهرتها والدتها مجدداً.
- لا تقلقي خالتى، لقد بدأت أعتاد على جنونها، إنها معتادة على الخطأ والتطاول، وعدم الإعتذار.
تعجبت الوالدة من حديثه وكأنها على معرفة سابقة بإبنتها، فسألته، حينها أجابها بأنه إلتقى بها فى صباح اليوم، فشحب وجه "شهد" وهى تنظر إليه برعب، لكنه لم ينتبه، وقص لوالدتها ماحدث، وحين سألته والدتها متى كان هذا؟ أخبرها أنه بالصباح بالشارع المجاور.
صفعت "شهد" وجهها فى حين ظلت "ساره" تلوح بيدها ندماً على عدم سماع "شهد" لنصحها بشأن إخبار والدتها بعودتها المبكرة إلى القرية، وقضاء يومها خارج المنزل.
البسمة الماكرة التي رماها بها ذلك المدعو "زياد" جعلتها تبتلع صوتها المزعج، وأى كلمه بلا فائده قد تهينه بها، فقد لاحظ من ملامح وجوهها ما يحدث، فقرر تأديب "شهد" ولم يبالى بما سيحدث معها، فقد أزعجته مرتان بيوم واحد، دون أن يعلم حتى من تكون؟!
تيقنت "شهد" من موتها الحتمي، حين هتفت والدتها بعدم تصديق، وهى تنظر لها بعيون متوعده.
- ماذا؟! اليوم؟!
حسنا لن أخبركم بما حدث لها، يكفي أنها سقطت في ظلام أفعالها الحمقاء، بينما عادت "ساره" إلى منزلها، يكاد الغضب يخنقها، لكنها أخفت ذلك ببراعة طوال الطريق إلى منزلها خلف بسمات ترسلها لكل من تلتقى به، إنها تجاهد؛ لتبدو الفتاة اللطيفة، الوديعة فى أعين أهل قريتها.
حاولت "ساره" أن تتصنع الطيبة، وتقلد "شهد" بأغلب تصرفاتها، ولكنها فشلت؛ لأن "شهد" عفويتها هى من تسيرها، ولا يمكن لساره تقليد هذا، فحاولت أن تظهر هادئة عاقلة لتجعل "شهد" كالبلهاء بجوارها.
كانت ساخطة بشده حين وصلت إلى منزلها، وحتى بعد أن تركت "شهد" تتلقى عقابها، لم يشفى هذا غيظها، وأخبرت والدتها بغضب عن "زياد" كم كان وسيماً، جذاباً، وبدأت تصف لها سيارته الفارهه، وثيابه الفاخره.
وأنه أفضل ألف مرة من أغلب شباب القرية البسطاء، ولكنه حتى لم ينظر نحوها، بينما تذكر "شهد" فوراً، متغاضية عن الموقف الذى إلتقيا به أول مرة، وأنه حتى لم يرها جيداً، بينما تشاجر مع "شهد" ومن الصعب نسيانه لوجهها حتى لو أراد ذلك، بعد الذعر الذى تسببت له فيه.
بينما كانت "شهد" تشعر بالذنب، والخوف مما قد تفعله والدتها، نعم هى تحبها، لكنها كانت قاسية عليها؛ لخوفها من أن يفسد الدلال إبنتها الوحيدة، ويتهمها الجميع، وعلى رأسهم عائلة زوجها بالإهمال فى تربية إبنتها الوحيده.
لم يمر الأمر مرور الكرام، ووالدتها لم تكتفى بشعورها بالذنب، لكن الغريب بالأمر أنها ظلت طوال ذاك اليوم صامتة، لا تجيب " شهد" ولا توجه لها أى حديث، حتى جعلتها تكاد تبكى ندماً، وظنت "شهد" أن هذا هو عقابها، ألا تتحدث معها، مما زاد من ألمها وندمها.
لكن بالصباح الباكر أيقظتها والدتها، لتلقى بوجهها لائحة بأعمال منزليه ستقوم بها، وأمرتها أن تنهيها اليوم، وتركتها، وغادرت المنزل دون أن تخبرها حتى إلى أين هى ذاهبه؟!
فركت "شهد" عيناها لتفيق، وتحاول إستيعاد ما قالته والدتها، ثم رفعت الورقة الملقاة على فراشها، وقد إتسعت عيناها بصدمه حين رأت كم المهام الموجودة بتلك اللائحة، فتنهدت بتعب مقدماً، ونهضت من فراشها تبحث عن طعام للفطور، وبعد أن أنهته.
وجدت أن هناك أعمال منزلية كثيرة متكدسة فوق رأسها، ولكنها ظنت أن بالصبر والعمل ستنتهى، لكن اللائحة طويلة، ومزعجه، وإنقضى اليوم وهى تركض هنا وهناك، تغسل، وتمسح، تلمع، وتنظف حتى حل المساء، فتوجهت إلى غرفتها بالكاد ترى أمامها، فسقطت على فراشها حتى بدون تغيير ثيابها.
شعرت برغبة ضعيفة في أن تدعو على المدعو "زياد" ولكن حتى لسانها لم يعد به أدنى طاقة تذكر، فتنهدت بتعب، وتذكرت كيف اوصلها هذا الخبيث إلى هذا الوضع السيء.
تذكرت ملامحه المبتسمة بخبث نحوها حين أومأ مؤكداً لوالدتها أنها كانت برفقة فتاة أخرى لا يذكرها جيداً، فقد كان منشغلاً بمن تصرخ به، وهى المخطئه، فتمتمت "شهد" بأسى.
-أتمنى لو يفرمك قطار سائقه أحول.
لكن والدتها قاطعت دعواتها المخيفه، بنظرة متعودة، وهى ترحب بعودتها الميمونه، فإلتقفت "شهد" أنفاسها بخوف، وحاولت أن تكذب كلمات "زياد" لكنه ببراءه مصطنعه، إدعى أنه لم يتقصد إيذائها، فعاتبته "شهد" لكنه علق بخبث.
-ليس ذنبي أنكِ تفعلين شيئاً خاطئ.
حين إعترضت بغضب، زوى جانب فمه بسخريه، وأخبرها أنه لا داعى للغضب مادامت ترى أنها على حق، وقرر أن يستأذن، وتمنى لهم الخير، لكنها تمتمت بسخط بأن لا خير سيأتى من وراءه، ودعت بأن يتوقف نموه! حينها سخر منها بأنه حتى لو كف جسده عن النمو فستظل هى قصيرة حمقاء.
ثم مال قريباً منها هامساً: ستكون أسعد ليله بحياتى هى هذه، وأنا أتخيل ما قد تعانيه من عقاب والدتكِ.
غادر فحاولت "ساره " الهرب ولكن "والدة شهد" أوقفتها بحده، فقد قررت معاقبتهما سويا، لكن "ساره " إعترضت فلا ذنب لها، كما أخبرتها أنها لم تستمع لها منذ البدايه، كما أخبرتها أن إبنتها من رفض إخبارها.
نظرت لها "شهد" بسخط تعاتبها، أنها باعتها هكذا، لكن "ساره " كانت قد قررت ألا تهتم، فهى ليست نداً لعاقب "والدة شهد" وإستأذنت لتغادر حتى لا تنال عقاب والدتها، حينها بدى على وجه "والدة شهد" الحزن، وابتسمت بإنكسار، وهى تؤكد لها أن والدتها قد أحسنت تربيتها.
كلماتها جعلت "شهد" تشعر بالذنب بينما غادرت "ساره " غير مبالية بها، والآن لا تعلم هل تسخط على صديقتها أيضا ام ماذا؟ لكنها بحالة لا تسمح لها بالتفكير حتى بالسخط عليها.
لم تدرى من آلام عظامها أى جزء فى جسدها يؤلمها أكثر، حتى انها نسيت أن والدتها ليست هنا، ولا تعلم أين هى، ولم تتناول طعاماً منذ الصباح، فقد أنهك العمل كل قواها، وتركيزها، فغفيت لا تدرى بما حولها، ولكن بعد عدة ساعات، عادت والدتها من زيارتها إلى إحدى صديقاتها.
وجدت المنزل يكاد يلمع من النظافة، والسكون الغريب، فتوجهت إلى غرفة "شهد" فوجدتها مسطحة بشكل مقلق، فإقتربت منها لتجد أن ثيابها مبتلة قليلاً، وحرارتها مرتفعه، فحاولت إيقاظها لكن بلا جدوى، فأسرعت مرتعبة تنادى أحد الجيران لنجدتها.
فالوقت قارب عن العاشرة، وبدأت الحركة تخف وتيرتها كثيراً فى القريه، والقليل من الشباب الصغار فقط من يتجولون بالخارج، وهى تنظر حولها كالتائهه، لا تعلم بمن تطلب العوز الآن، وللحظه تذكرت زوجها الراحل، وأهمية وجوده سابقاً، فزاد ذلك من آلمها.
لقد عاد "ليث" من سفرته التعليميه بعد أن حاز على شهادة تخرجه، فقرر زيارة عمه واسرته، وقد حثته والدته على تلك الزيارة مع وعد منها باللحاق به عدة، أيام برفقة والده، ولكنه حين وصل إلى القرية التى يقع بها منزل عائلة والده القديم الذى يسكنه عمه وزوجته وإبنتهما التى إشتاق لمشاغبتها.
ولما لا؟! وهى أخته الصغيره، فحين مرضت والدتها، توقفت عن إرضاعها وهى بسن صغير جداً، ولازالت بحاجة للرضاعه، وحينها كانت أخته "ملك" لاتزال رضيعه فأرضعتها والدته مع إبنة عمه "ساره" وهكذا أصبح لديه أخت أخرى.
لكنه لم يكن يعلم أن تلك المشاغبة الصغيرة تغيرت بصورة جذريه، فقد أصبحت حقود لئيمه، تنفث نيران غيرتها بلا تفكير فى من سواها، كما لم يعلم أن عمه ترك المنزل، بل وباعه أيضا، إلا حين وجد نفسه أمام رجلاً غريب يخطره بأنه صاحب المنزل، فحاول "ليث" إخفاء تفاجؤه.
ومن ثم سأله عن المالك السابق لصاحب المنزل، حينها أخبره بعنوانه، ووصف له الطريق، فإتضح أنه إنتقل إلى القرية المجاوره، وعقب على مغادرته ساخراً، بأن السبب هو زو*جته التى تسييره كيفما شاءت، وهى لم تعد تريد أن تحيا بمنزل قديم، لن تستطيع التباهى به.
وجعل إبنتها تتز*وج من الصفوه، كان "ليث" ينصت له بضجر، فهو يعلم بصفات زو*جة عمه المزعجه، كما يعلم بضعف شخصية عمه أمامها، ولكن الغريب بالأمر أنه باع منزل العائلة القديم دون أن يخطر والده، أوليس شريكه بالمنزل؟!
قرر أن يترك هذا الأمر جانباً بصوره مؤقته، فليصل إلى منزل عمه أولاً، ولكن هناك سيدة خرجت مهروله إلى وسط الطريق حتى كاد أن يصدمها لولا توقف باللحظة الأخيره، فنزل ليطمئن عليها، فوجدها تستغيث به لنجدة إبنتها، وتجذبه معها، والفزع يكسو ملامحها.
لقد ظن إبنتها فتاة صغيره حتى تجمد بأرضه أمام تلك الفاتنه، لم يكن يعانى يوماً من قلة النساء بحياته، ولكن تلك الفتاة رغم كونها نائمه جعلته يفقد إحساسه بالوقت إلا حين إرتفع صوت والدتها تصرخ به بأن يساعدها فى حمل الفتاة، فتوجه إلى فراشها، وحملها بين ذراعيه.
وكم أحس بشعور غامض، لكنه ممتع، ولم يكن يرغب بأن تبتعد عنه، ولكن ليس الأمر بيده، فحين وصل بها إلى سيارته، وضعها بجانب والدتها التى إلتقفتها بين ذراعيها والدموع تغرق وجهها حتى أنها لم تنتبه أنه رجل غريب لم تره من قبل، بينما إعتمد "ليث" على سؤال المارة عن طريق المشفى.
فتلك السيدة لم تكن تنتبه إلى الطريق، ولا يمكنه أن يسألها، وهى تحتضن إبنتها بذعر تام، وحين وصل أخيراً المشفى، وجدها تخرج من السيارة تتعثر بردائها، وتصرخ هنا وهناك؛ لياتى أحد بحمالة يحمل بها إبنتها إلى الداخل، فتقدم هو وحملها مجدداً، وطمئن السيدة بأنه معها.
وطلب منها راجياً أن تكف عن النواح، فأزعنت له يائسه، مما دفعه إلى التأفف، فلا داعى ليفقد صبره معها، وهى غريبة عنه بحالة مذريه، وبالداخل بعد أن دخل يحمل الفتاة ووقف بالإستقبال يطلب طبيب، أتت له موظفة الإستقبال سريعاً بممرض يدفع حماله متحركه، وضع "ليث" الفتاة عليها.
بعد أن دخلت الفتاة إلى غرفت الفحص، كانت والدتها ترتجف خوفاً، فبدأ "ليث" يتحدث إليها بأمور عامه؛ لعلها تهدأ، لكنها بدلاً من هذا بدأت تتحدث عن إبنتها وهى تشعر بالندم أنها عاقبتها بهذه القسوه، واثقلت على عاتقها أعمال تأخذ ف العادة من يومين إلى ثلاثة أيام، وجعلتها تنفذها بلا هواده.
واحست بالبغض من نفسها لهذا الفعل الذى كادت أن تودي بحياة إبنتها الوحيدة به، وكل هذا؛ لأنها قضت وقتاً مع صديقتها، وظلت تعنف نفسها، وهو يحاول تهدئتها، وحين يأس سألها عن إبنتها، عن أشياء عنها تدفع تلك السيدة للإبتعاد عن التفكير بمرض إبنتها، فبدأت تقص له عن طفولة إبنتها.
ومشاكستها لوالدها الراحل، وشغبها الذى لا ينتهى، وقوتها الغريبة فى مواجهة أى شىء، ورغبتها هى كأم أن تزوجها من شاب جيد؛ لتطمئن عليها، فليس لها إخوة أو أخوال، كما ليس لديها من تطمئن عليها معه، هى تريدها أن تتزوج، لقد أنهت " شهد" دراستها، والآن حان وقت الزواج.
خطابها كُثُر، لكنها لا تريد أن تحيا بالقرية التى يسخر أهلها منها دوماً؛ لأنها إبنة "عارف" الرجل الذى أحياه الطعام، واماته، وبدأت تقص له طرائف من طفولة "شهد" وكل هذا، وهى تتلفظ بلفظ إبنتى طوال الوقت، ولم تخبره بإسمها مطلقاً، وهو لم ينتبه لهذا.
بعد قليل أتى الطبيب الإحتياطى، وبعد أن كانت السيده قد هدأت، وابتسمت لذكريات إبنتها، إنطلقت كالطلقة حين رأت الطبيب، والذعر يملأ ملامحها، وهى تسأله عن حالة إبنتها، فطمئنها بأنها ستكون بخير، ولكن لابد أن تبيت فى المشفى هذه اللليله، فقط للتأكد أنها بخير.
واثنى عليها بأنها أحسنت صنيعاً بإحضار إبنتها سريعاً، فقد كانت الحمى فى بدايتها، فعلى ما يبدو أنها كانت منهكة القوى؛ لأنها كانت فى بدايات المرض، والسبب يرجع إلى إبتلال ثيابها لفترة طويله، وقد ظلت بها دون تغييرها لمدة طويله، كما أنها لم تتناول الطعام لمدة طويله.
فزاد سخط الوالدة على نفسها؛ لأن الطبيب بحديثه هذا أكد لها ظنونها بأنها هى السبب فى مرض "شهد" فلاحظ الطبيب توترها المتزايد، وبعد أن كان ينتوى أن يتركها بجوار إبنتها، ولكن بحالتها تلك ستتسبب فى إزعاج لا سبب له، فمنعها من رؤيتها، فظلت تعنف نفسها حتى غلبها النوم.
لكن "ليث" لم ينم، واراد رؤيتها، وظنه الطبيب أحد أفراد عائلة "شهد" نظراً لتواجده منذ البداية مع والدتها، واتكالها عليه، ولاحظ أنه متماسك، رزين، على خلاف والدتها، فسمح له برؤيتها.
لم يكن يعلم "ليث" نفسه لما أراد رؤية تلك الفتاة المجهولة تماماً عنه، ولكنه فعل وانتهى الأمر، وجلس قبالتها يتأملها قليلاً، يحاول فهم ذاك الإحساس المضطرب الذى مر بخاطره حين رآها لاول مره منذ ما يقارب الساعتين، وتجدد الآن وهو يراها هكذا.
ولم يستطع أن يجبر نفسه على المغادرة حتى تسللت أضواء للنهار الأولى من بين ثنايا ستار النافذه، فخرج ليجد الوالدة لازالت نائمه، فجلس بجوارها حتى إستيقظت، وسمح لهما الطبيب بأخذ المريضة مع تديده عليهما بتكثيف العناية بها.
ظلت "شهد" صامتة منذ رأت "ليث" برفقة والدتها، صامتة لا تتفوه بشىء، عيناها تزدحم بالكثير من الإستفسارات، عن من يكون هذا الشخص الذى تراه لأول مره، ولما هو هنا؟! ومن أين تعرفه والدتها، ولما هو وسيم هكذا؟! لما تريد أن تظل ناظرة إليه هكذا؟! دون أن تشيح بوجهها عنه.
ولما لا يحاول هو حتى أن يخبرها من يكون، أو تخبرها والدتها، تلك التساؤلات بدأت ترهقها، فى حين كان هو صامتاً أيضاً رغم يقينه بما تريده إلا أنه لم ينبت ببنت شفه، وظل صامتاً، يتابعها من مرآة سيارته، ووالدتها تحتضنها بخوف، وبكاء، وتعتذر منها عن قسوتها معها.
ولو لم تكن "شهد" مشغولة الذهن بهذا الغريب لصعقت من الحنان المفرط المفاجىء لوالدتها نحوها ولأكدت لها أنها ليست السبب بل إهمال "شهد" نفسها، وأن الأمر لم يكن الأمر كل هذه الجلبه من والدتها، فهى من أهملت أثناء إستخدامها للمياه، فتبللت ثيابها بغزاره، واهملت تغييرها، واليوم كان الطقس بارداً.
لذا هى وحدها المخطئة، لكن من الأفضل لشهد ألا تتحدث الآن، فلتستمتع بحنان والدتها الذى لا يأتى سوى مرات قليلة فى العمر، وغالباً حينما تمرض "شهد" أو تتعرض للأذى، كما أنها فرصتها لتستمتع بتأمل ذاك الغريب الغامض رغم أنها لم تهتم يوماً برجل.
يتبع