-->

رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 6

 رواية مواسم الفرح (ست الحسن)
بقلم الكاتبة أمل نصر



قراءة رواية مواسم الفرح 

من روايات وقصص الكاتبة أمل نصر

(ست الحسن)

الفصل السادس 

❈-❈-❈


ولا في أقصى أحلامها توقعت، هكذا ومن اول اليوم تراه أمامها وهو أيضًا من يعطيها اول درس تتلاقاه في الجامعة التي دخلتها من أجله، قبل أن تتغير ويصبح الحلم من أجلها هي نفسها، مع القرار الذي اتخذته بنسايه والنظر لمستقبلها وفقط، ثم يأتي ويفاجأها الاَن بفعله.

لقد كان يلقي محاضرته، يشرح بتركيز شديد ومعظم الوقت ابصاره ترتكتز عليها وسط الفتيات، بعد ان وجدها ببحث وضح من اول ولوجوه المدرج، لدرجة لفتت نظر الصديقة الزميلة الجديدة بثينة، حتى حاولت التحدث مع الفتيات عن ذلك، ولكن مع الحالة التي اصابتهم لم تتمكن.

أما عن نهال فقد كانت تكتنفها مجموعة من مشاعر مخلتطة، ما بين الصدمة والإعجاب الطاغي لحضوره القوي والرهبة التي فرضها بشخصيته القوية على الجميع، وجاذبية فطرية يتمتع بها، هذا بالإضافة إلى شئ اخر ترفض الأعتراف به، شئ يقارب الفرحة لتحقق أمنية عزيزة كانت تراودها منذ سنوات طويلة، رؤيته وهو يشرح مادته العلمية لها مع الطلاب زملائها.


حينما انتهت اَخيرًا المحاضرة التي حبست انفاسها، وسمح للطلاب بالإنصراف تنهدت اخيرًا بارتياح؛ كادت ان تشعر به وهي تلملم أشياءها للخروج سريعًا، حتى تفاجأت بصوت ورود رسالة نصية على هاتفها برقمه يخبرها:

-لمي حاجتك وتعالي ورايا عايزك في مكتبي. 

رفعت رأسها نحوه وهو يرد على تساؤلات بعض الطلاب والهاتف بيده، يرمقها بنظرة خاطفة مسيطرة ثم تبعها برسالة أخرى:

-انا مستنيكي برا متتأخريش.

قرأتها لتثبت انظارها عليه وتطالعه بصدمة؛ لفتت أنظار نهى التي ناظرتها بتساؤل فهمته نهال لترفع الهاتف لمستوى بصرها للشاشة، كي تقرأ ما كتب بالرسالة.

سألتهن بثينة والتي استغربت هيئتهن:

إيه يا بنات هو انتو مبلمين كدة ليه؟

ظلت نهال على حالة الصمت تلك، وتكفلت نهى بالرد

-استني يا بثينة أنا هفهمك ما بيني وما بينك

توقفت لتوجه باقي الكلمات نحو نهال.

- روحى انتى معاه دلوك، واحنا هنستناكى فى الكافتيريا 

أومأت برأسها كموافقة بتوتر رافقها حتى خرجت.

تسأئلت بثينة على الفور

- تروح فين؟ ومع مين؟

ردت نوها:

- هاجولك 

.........................................


- اتفضلى .

قالها وهو يقوم بفتح باب غرفة مكتبه لتتقدمه، خطت لتلج للداخل وشعور متعاظم من الغيظ بداخلها مع الخوف أيضًا.

اقترب من مكتبه فوقف محله يخاطبها وهو يضع حقيبته السوداء على سطح المكتب:

-أقعدي يا نهال ولا انتي ناوية تفضلي واجفة مكانك؟

قالت برسمية:

- لا اتفضل حضرتك اجعد انت، انا مش هينفع اجعد ولا اتأخر.

سألها رافعًا حاجبه:

- ليه ان شاءالله مينفعش؟ مشغولة ولا وراكى حاجة؟

حاولت الرد بعفوية رغم استغرابها اسئلته:

- ورايا البنات اصحابي اللي مستنينى عشان اروحلهم.

- بنات مين غير نوها؟ البنتين التانين زميلاتك فى السكن كلياتهم بعيدة ولا صاحبتى ناس تانية هنا؟

برقت بعينيها لا تستوعب هذا التطفل نحوها من جانبه ، ثم معرفته الدقيقة لأمورها الشخصية، فقالت باندفاع غير مبالية:

- معلش يعني، ممكن تقوللى انت ساحبنى وراك لحد هنا ليه؟

اجفلته جرئتها حتى أنه تلعثم في البداية قبل يتماسك في قوله:

- ااا انا كنت عايز اسألك يا ستي، لو فى أي حاجة مفهمتيهاش جوليلى عليها.

رفعت ذقتها ترفض بعزة نفس:

- لا شكرا انا مش محتاجه مساعدة.

سمع منها ليصرخ بعصبية

- هو فى ايه؟ الصبح ارن عليكى عشان اخدك معايا تمشى ولا تعبرينى ودلوك بسألك لو فى حاجة مش فهماها وبتجولى مش محتاجة مساعدة هو انتى ليه بتعندى معايا؟

ردت بارتباك، :

- انا مش بعند ولا حاجة، انا بس مش عايز احملك همى وانت وراك مسؤليات كتيرة.

اقترب يجيبها بصوت متحشرج:

- حملينى يا ستى وما يهمكيش انا راضى.

اربكتها رقة العبارة التي يردفها مع ما رأته في عيناه من مشاعر ترفض هي التصديق بها، حتى لا يتعلق قلبها بالوهم، تجمدت أمامه ترفرف بأهدابها صامتة عن الرد وقد ضاعت الكلمات من رأسها، لكن حينما طال الصمت مع استمتاع الاخر بحالتها وعدم اكتفائه من التحديق داخل اللون الجديد عليه لعيناها الجميلة، استفاقت حتى لا تضعف وتنسى العهد الذي اتخذته على نفسها، أجلت حلقها ليخرج صوتها ببعض التماسك، فقالت منتهجة السياسة حتى لا تصطدم برد فعل غير مناسب منه:


- ااا ..ع العموم أنا متشكرة جدا لاهتمامك وو يعنى لو فى حاجه انا مافهمتهاش هاجولك برضوا.

- يعنى مش هتتكبرى انك تيجى تسأليني؟

قالها واضعًا كفيه بجيبي بنطاله فاردًا ظهره ليدعي الجدية رغم تحديقة المتمعن لكل تفصيلة بوجهها، وكان ردها هزة برأسها كموافقة، فتحرك مجبرًا أقدامه ليجلس خلف مكتبه، فقال:

-تمام يا ست يا نهال.... مش ناوية تجعدي بجى

هزت برأسها تقول برفض:

- لا طبعاً انا جولتلك عايزه امشى عشان البنات مستنينى .

سألها ببساطة مرددًا

-ما انا سألتك برضوا، بنات مين غير نهى اللي معاكي في المدرج؟ ولا انت لحقتي تتصاحبي على حد تاني؟

احتدت عيناها تناظره بغيظ لاستمراره في التدخل فيما لا يعينه وفي امر شخصي كهذا، فقالت متهكمة:

- ايوه انا صاحبت واحدة جديدة انهاردة والحمد لله انى بصاحب بنات بس عشان تتطمن .

- نهال اتعدلى فى كلامك.

هتف بصوت عالي أجفلها، فصمتت تمتص غضبه فهي لا تريد المزيد منه، ثم قالت بمهادنة:

- حاضر فى حاجة تانية؟

هدأت ثورته فعاد لطبيعته يسألها؛

- لو في اى حاجة نجصت عندك فى السكن وانتي محتاجاها جولى

- حاضر 

- لو اى حد ضايجك او زعلك جولى؟

- حاضر 

- لو 

- ماخلاص بجى كام مره هتجولهالى؟

قالتها مقاطعة ليردف هو بغيظ:

- ما انتى اللي دماغك ناشفة مبتسمعيش الكلام، اعمل ايه  معاكى بس؟

اعتلت ابتسامة رائعة وجهها البهي ليُشرق كالشمس التي تضئ له عتمته لتقول بدلال فطري لديها لا تقصده متعمدة:

- ماتعملش حاجة سلام بجى.

قالتها والتفت تستدير للخلف نحو الباب ولكنه أوقفها مع النداء بإسمها:

-جبل ما تروحى ع السكن رنى عليا عشان اوصلك.

تنهدت تقول بتعب وقد ارهقتها تحكماته:

- تاانى، ما انا جولتلك انى هروح مع البنات، يعني متشغلش نفسك، لأن انت اساساً معندكش وقت.

قال مدحت بتصميم 

- برضوا رنى وانا لو مش فاضى هاجولك 

- حاضر .

قالتها بعدم اقتناع، حتى تتمكن من الخروج سريعًا للمغادرة والابتعاد عن محيطه المزعج، مزعج جددددًا!


❈-❈-❈ 

خرج عاصم من المنزل منشغلًا في الحديث على الهاتف مع أحد الرجال ليفاجأ بطيفها وهي تمر بصحبة نيرة في الطريق المقابل لمنزله، تلقي التحية بإشارة من يدها على عمها سالم واللذي كان بالصدفة جالسًا على المصطبة بالخارج، توقف متجمدًا على غير إرادته ف اين تكون الأرادة؟ مهما كان الذهن حاضرًا حينما يكون القلب هو المتحكم. 

-دي بدور ونيرة يا سالم. 

قيلت من خلفه لتُفيقه من غفوته ف التف نحو والدته التي كان خارجة بالصدفة من خلفه، رد سالم وعيناه انتبهت على ابنه الذي غفل عن محدثه بالهاتف حتى وصل لأسماعه صوت الرجل من الناحية الأخرى؛

-أيوة هما يا سمحية.

أردف سالم موجهًا الحديث لأبنه:

- رد على الراجل اللى بيكلمك في التلفون يا ولدى .

- هه حاضر يا بوى حاضر .

تفوه بها عاصم بارتباك وهو يبتعد عن والداه، ليغادر نحو وجهته التي نسيها في غمرة الشرود بمعذبته. سمحية والتي انتبهت هي الأخرى لما يحدث لابنها، تحدثت اَخيرًا وهي تجلس بجوار زو جها على المصطبة :

- وبعدين يا ابو الولاد احنا هنفضل سيبين عاصم كده كتير؟

طالعها سالم باستفسار يسألها:

- يعنى عايزانا نعمل ايه؟

ردت سميحة:

- نخطبله هو كمان خليه ينسى بت نعمات.

كز على أسنانه يقول لها:

- بت راجح مش نعمات يا مرة يا مخبولة انتي، فاهمه ولا لا؟

ردت على الفور بتخوف منه:

- فاهمة فاهمة يا ابو بلال، بس دلوكت احنا فى الواد اللى جلبه لسه متشعلج بيها، أنا عايزه اخطبله واحده تخليه ينسى

سألها سالم:

- عينك على واحدة؟

على الفور ردت بلهفة:

- ايوه طبعاً بت عمه نيره هى كمان حلا وجمال، متقلش عن بدور غير في العيون الملونة وانها رفيعة بس شوية عليها .

اطرق سالم برأسه نحو الأرض بتفكير، ثم قال بعدم اقتناع:

- شوفي ولدك واللى يجول عليه انا موافج ..

هللت سميحة بفرحة قائلة:

- هاجوله أكيد، وان شاء الله يوافج .

ظل سالم على صمته ونظرة التشكك في عيناه كانت بألف رد


❈-❈-❈ 


وصلت إلى مقر الكافتيريا بالجامعة ف جالت بعينيها حتى لمحت نوها وصديقتها الجديدة بثينة والتي كانت تشير إليها بيدها على محل جلوسهن وهي تحدثها في الهاتف:

-- ايوه يا بنتى احنا اللى قدامك،  شفتينا؟ طب كويس.

ردت نهال قبل ان تغلق الهاتف:

- ايوه ايوه، خلاص شفتكم.

انهت المكالمة وتحركت بخطواتها نحو الجهة المقصودة، ولكن وقبل أن تصل إليهن تفاجأت لمن يتصدر أمامها، توقف لتبصر هذا الشاب الغريب، والذي يبدو وكأنه طالب جامعي مثلها، يبتسم بلزاجة وهو يسألها

-أسف حضرتك لو وقفتك، بس انا كنت عايز أسألك ، لو تعرفي مكتب شئون الطلبة وتدليني عليه؟

رغم غرابة الموقف حاولت نهال الرد ببعض الزوق وكلمات مقتضبة:

- لا حضرتك معرفش .

قالتها وتحركت قدمها للمغادرة ولكنها تفاجأت بتصدره للمرة الثانية وعينيه تناظره بجرأة أكبر في قوله:

- ليه حضرتك هو انت اول سنه ليكى؟

هنا تحفزت كل خلاياها، وقد تأكدت من حدسها وفعله المكشوف أمامه، لترد بملامح شرسة وهي تضغط على كلماتها:

- أول بجى ولا اَخر، بقول لحضرتك، عن إذنك خلينى اعدى .

أمام هذا التغير الذي بدا على هيئتها بشر، لم يستطع الشاب الاستمرار اكثر من ذلك، فتنحى جانبًا على الفور، حتى تسير هي وتتخطاه


وصلت إلى الفتيات بمزاج عكر ووجه مكفهر، لسانها يتمتم بالاستغفار، وفور أن جلست بادرتها نهى بالسؤال:

- مين دا اللى كنتى واجفه معاه؟

استشاطت نهال من الغيظ لتجيبها بعصبية مستنكرة:

- كنت واجفة معاه؟ ماتنجى اللفاظك يا نهى، دا واحد وجفنى بيسألنى عن شئون الطلبة.

تدخلت بثينة قائلة:

- دا بيستهبل، وعايز يفتح كلام معاكى.

ردت نهال بانفعال:

- ما انا برضوا اخدت بالى وعشان كدو كشرت فى وشه.

خطفت بثينة نظرة سريعة نحو الشاب الجالس مع مجموعة من زملائه، فقالت:

- ايوه بس دا باين عليه تنح عشان من ساعة ما قعدتى وهو عينه عليكى ومرفعهاش.

عقبت نهى:

- خلاص يا بنات سيبكم منه وخلونا في المهم، احنا عايزين نعرف الدكتور واد عمك كان عايزك في إيه؟

قال بثينة بمرح:

- ايوه صحيح، يا نهال ياحلوه انتى جوزينى ابن عمك الدكتور والنبى ينوبك ثواب.

رفعت نهال حاجبًا مستنكرًا نحو نهى وهى ترد على الأخرى:

- هي الست هانم لحقت تقولك؟

زمت نهى فمها بابتسامة مستترة، وتابعت بثينة بأسلوب تمثيلي:

- ايوه قالتلى انه ابن عمك، عشان كدة بقى، أنا بترجاكى والنبى جوزيهولى.

ارتبكت نهال وضاعت الحروف منها، وهي لا تدري بما تجيبها، فرغم غرابة الحديث وشعورها بعدم جديته، لكنها لا تدري لما هذا الضيق الذي جثم على أنفاسها لمجرد التخيل، تابعت بثينة ونظرات التسلية تنضح من عينيها هي والأخرى:

- ها يا نهال يا قمر انتى، هتجوزينى ابن عمك دا بقى؟

خرج صوت نهال باعتراض:

- وه يا بثينة، مش هتبطلى هزارك ده؟

-وه

رددتها بثينة من خلفها، لتنفجر ضاحكة، هي وشريكتها نهى، غير قادرات على التوقف، حتى صاحت بهن نهال غاضبة:

- هى ايه الحكاية؟ انتوا اتفجتوا عليا ولا ايه؟

هززن الاثنتان رؤسهن بالموافقة، ف طالعت نهال وجه نهى بعتب، فهمت الأخرى لترد بدفاعية:

- والله ما جولت حاجة، هى اللى فهمت لوحديها!

قالت نهال بشك:

- فهمت ايه؟

ردت بثينة بابتسامة خبيثة:

- مش محتاجة حد يفهمنى يا حبيبتي، انا شوفتها لوحدى فى نظرته ليكى.

أثارت انتباه نهال لتسألها بحماس:

- شوفتي إيه بالظبط؟ فهميني.

ردت بثينة بابتسامة متسعة:

-عيونه كانت رايحة جاية عليكى، باين قوى انه مهتم ، بس دا كبير عليكى.

ردت نهال بلهفة وبدون تركيز في مغزى كلمات الأخرى:

- لا طبعا الفرق عشر سنين بس.

قطبت بثينة باندهاش تسألها:

- وإيه بقى اللى كان مانعه من الجواز؟ يكونش حب قبل كده ومطالش؟

- حب في حياته!

تمتمت بها نهال ورأسها تدور مع الجملة العابرة لتسأل بصوت خرج بصعوبة:.

- تفتكرى؟

مطت شفتيها الأخرى تردد بتفكير:

- مش عارفة، بس يعنى احنا بشر ودا شئ طبيعى  ان الواحد يمر بتجارب.

تدخلت نهى معهن في الحديث مع انتباهاها لحالة نهال الذي شحب وجهها وتبدل:

- احنا خلينى فى الوجت الحالى وانا و بثينة شايفينو مهتم .

قالت نهال تقول باستناج رأسها الذي يأن من الصداع الاَن:

- عاادى انه يهتم عشان انا بجيت مسئوليته زى ما بيجول هنا في الجامعة والمحافظة، وانا بعيدة عن اهلي .

عقبت بثينة بقلق:

- انتى مالك يا بنتى وشك اتخطف كده ليه؟

اكملت على قولها نهى هي الأخرى:

- أيوه صح يا نهال، مالك ؟

هزهزت نهال برأسها لتجلي رأسها من هذه الأفكار الكثيرة:

- متاخدوش فى بالكو انتو وسيبكم من الموضوع ده، المهم بقى، هو احنا عندنا محاضرات تانية؟

- لا مافيش، تحبى نجعد شويه ولا نروح؟

قالتها نهى لتهتف بثينة بحماس:

- وتروحوا من دلوقت ليه؟ دا احنا لسه مادخلناش فى الجد، تعالوا معايا النهاردة واعتبره اجازة عشان تتفسحو كدة وتعرفو بلدكم، دا انا هخدكم على اماكن فى المحافظة متعرفوهاش ولا عمركم شوفتوها. 

ظهرت اللهفة على نهال لتسألها:

- زى ايه مثلا، عرفينا عشان ناخد فكرة الأول .

-يعنى مثلا نعدى ع المحلات، نروح كافتيريا ونقضى وقت حلو او نروح كافيه.

قالتها بثينة لتهلل الأخرى بفرح:

- انا موافجة، يالا بقى انا معاكى .

تدخلت نهى تقول بتخوف:

-استنى يا نهال وشوفي نفسك الاول، افرضي ابن عمك رن عليكى وسألك انتي فين؟

لمعت عينيها ببريق التحدي لترد بقوة:

- وهو ماله هو؟ انا مبعملش حاجة غلط عشان يحاسبني ولا يكلمني، يا للا بينا يا بنات 


❈-❈-❈ 


وعودة للبلدة 

في منزل سالم بعد أن أنهى عاصم وجبة غذاءه مع أسرته، ونهض من جوارهم تحت انظار والدته التي نهضت هي خلفه، هاتفة على ابنتها الصغرى:

- علجى ع الشاى يا بت وجبيه ورايا انا واخوكى فى اؤضته.

قالتها ثم التفت نحو زوجها الذي كان يتابع بأنظاره نحو التلفاز، في مشاهدة المسلسل الصعيدي، تغمز له بعينيها، حتى يفهم، عوج فمه المغلق بعدم رضا، ثم التف يكمل مشاهدة، وخطت هي تكمل طريقها نحو غرفة عاصم والذي ما ان طرقت بيدها على الباب الخشبي، حتى وجدته يهتف:

- مين ؟

- دا انا يا عاصم يا ولدي.

قالتها سميحة وهي تطل برأسها من الباب الذي فتحته بمواربة، لتكمل:

-ممكن ادخل؟

اعتدل بجذعه عن الفراش قائلا بترحيب

- أمى، تعالى يا أمي عايزة حاجة؟

دلفت لداخل الغرفة صامتة حتى جلست بجواره على التخت، وامتدت كفها لتربت على كتف ذراعه العريض، بابتسامة متوسعة

القى نظرة نحو كفها قبل أن يعود إليها سائلًا بتوجس:

- فى حاجة ياما ؟ وشك بيجول كدة.

ردت سميحة تهز برأسها بنفس الإبتسامة:

- ايوه يا حبيبى فى، بصراحة بجى انا نفسى افرح بيك .

اشاح بوجهه عنها يغمض عينيه بتعب وهو يرد:

- الله يخيلكى ياما أنا وعدتك جبل كدة، انى لما الاجى بت الحلال هجولك وافرحك، يعني ما لوش لازمة الحديت كل شوية.

تناولت بكف يدها اسفل ذقنه، لتعيد وجهه إليها قائلة:

- ما تبعدش عينك عنى يا ولدى، انا فهماك كويس، يا حبيبي انت عمرك ما هتفكر فى واحده طول ما هى قدام عنيك .

اطبق عينيه يبتلع الغصة المؤلمة بحلقه، ليكتم على جرح قلبه، الذي ينزف مناديًا بإسمها كل دقيقة، فهو  ليس بحاجة لتذكيره بها وهي اساسًا لا تغادر وجدانه.

اطلق تنهيدة قوية بقنوط قبل ان يعود إليها باستسلام قائلًا:

-عايزة إيه مني يا أمي عشان اريحك.

دب بقلب سميحة الحماس والتمعت عينيها لتجيبه بلهفة:

عايزاك تخطب يا حبيبي، واحده  تستاهلك ومن دمك .

ناظرها باستفسار، لتردف له على الفور:

-انا قصدي على نيرة يا ولدي، بت عمك عبد الحميد.

ردد خلفه بتفكير:

- نيرة!


❈-❈-❈ 


في التسكع ومشاهدة المعروض على واجهة المحلات بالشوارع الرئيسية بالمحافظة، ثم تعريفهم على أجمل المعالم الحديثة، وزيارتها او التسوق في المولات الشهيرة، قضين الفتيات يومًا طويلًا باستمتاع حتى قاربت الشمس على المغيب فهتفت نهى باستدراك وهي تشير على ساعة يدها:

- مش كفاية كدة بجى وخلينا نروح .

ردت بثينة باعتراض:

- كفاية دا ايه؟ يا بنتي خلينا نكمل اليوم بالمرة، دا انا هاخدكم على كافية البرنسيسة ودا لوحده يجنن.

سألتها نهى بقلق:

-كافيه! يا مري دا تلاقيه كله رجالة، هنروح احنا كيف؟

ضحكت بثينة تجيبها:

-الكافيه دا عائلي يا ناصحة، يعني هتلاقي بنات وولاد وأسر كاملة وأطفال معاهم..

توقفت على صوت الهاتف الذي دوى للمرة التي لا تذكر عدها، فقالت موجهة الحديث نحو نهال:

-ما تردي يا بنتي ع التليفون ده اللي مش مبطل رن

تطلعت نهال في شاشة الهاتف على الرقم الذي أصبحت تحفظه من كثرة التكرار، زامة شفتيها بزاوية، تتنهد بغيظ، قبل ان تحسم بوضعه صامت، قائلة للفتيات:

- ما انا جولتلوا إني مروحة ع السكن هي شغلانة، يالا يا عم.

تدخلت نهى لتثنيها عن قرارها:

-يمكن عايز يطمن عليكي يا نهال ويشوفك رجعتي ولا لا؟ أو يسألك عن محاضراتك.

ردت نهال بنزق:

- أديكي قولتليها بنفسك، هيسألني، وانا بجى مش عايزة اكدب، يبجى اخدها من جاصرها أحسن.

قالت نهى في محاولة أخرى معها، فلم يعجبها الوضع:

- يعنى هاتسيبيه كده يا نهال يرن من غير رد، ما هو كدة يمكن يجلج فعلآ.

صمتت نهال بتفكير ودارت رأسها عن رد فعل مدحت، مع تكرار اتصاله بها، مع عدم ردها عليه، ف همت أن تتصل به بناءًا على توصية نهى التي نبهتها لذلك، ولكن روح العناد بداخلها غلبت، لتهتف بتحدي نحو الفتيات:

- خلاص بجى، انا لما اوصل البيت هبجى اتحايل بإني كنت نايمة والتليفون كان على وضع الصامت.

نهى والتي فهمت عليها وعلى ما يدور برأسها، خاطبتها بمغزى:

- يا جلبك.

رفعت ذقنها تقول بعدم اكتراث:.

- دا الوضع اللي هنمشي عليه الأيام الجاية... بت يا بثينه هو الكافيه دا بعيد ولا جريب 

قالت الاخيرة موجهة الكلمات نحو الصديقة الجديدة والتي كانت تتابع بصمت، فردت تجيب بحماس وتفكه:

- على بعد شارعين بس من هنا يا نهال باشا، نكمل الشارع اللي احنا فيه ده ونخش يمين على طول بعدها. 

استجابت نهال تجاريها لتتقدمهن قائلة:

- تمام خالص، يالا بقى مدي رجلك انتي وهي.

قالتها وانطلقن الفتيات بالضحكات خلفها، لتردد بثينة بطاعة:

-أمرك يا كبيرة .


❈-❈-❈ 


توقف بسيارته والهاتف مازال بيده يكرر في محاولة الإتصال بها، رغم يأسه من عدد المرات الفاشلة في عدم ردها على أي اتصال.

- وبعدين بجى ما تردى انتى موتى .

قالها مدحت وهو ينهي الأتصال بغيظ قبل أن يهم بالترجل من السيارة للحاق بجلسة مع مجموعة قديمة من اصدقائه القدامى 

أمسك بمقبض الباب وفور أن وطئت قدمه الأرض، إلا وقد تفاجأ بدوي صوت الهاتف، ف التف ليتناوله بلهفة، قبل أن يعود لإحباطه مرة أخرى، برؤيته لإسم المتصل، زفر بضيق قبل أن يجيب :

- ايوه يا يونس، انا داخل الكافيه أها، بس اعمل حسابك مش هتأخر عن نص ساعه عشان مواعيد العيادة

رد محدثه من الناحية الأخرى بلهجة مرحة:

-عارفين والله يا عم الدكتور إن اشغالك الكتير، واحنا برضوا ورانا اشغال، يعني مش هنأخرك ولا نزود عليك ، شد حيلك وتعالى بس

كان مدحت قد أغلق باب السيارة وخطا نحو المكان المقصود، وقال سائلَا، لهذا المدعو يونس عبر الهاتف:

-طب انا خلاص داخل، بس قولي بالظبط انتوا فين؟ عشان متعبش في البحث عنكم.

اجابه يونس:

- احنا اخر طرابيزه فى الركن ال....

سمع منه مدحت وهو يدلف لداخل المحل، فجالت عينيه في الأرجاء على الوصف، ولكن توقفت على ناحية أخرى، غير متوقعة على الإطلاق، لا يصدق رؤيتها أمامه، جالسة مع نوها وفتاة أخرى، بركن وحدهن، يتسامرن ويضحكن بانطلاق غير عابئات بالنظرات المصوبة نحوهن،

ليتسمر محله بعدم تصديق لعدة لحظات، حتى انتبه فيها على صوت يونس الذي كان يردد في الهاتف.:

-يا بني انت روحت فين؟ احنا قدامك اهو ..

اغلق في وجهه المكالمة، وتسارع بخطواته متجهًا نحوها حتى توقف أمام الطاولة الجالسة بها مع صديقاتها بهيئته المخيفة مرددًا بتحكم في أعصابه:

- مساء الخير .

قالها وانتبهت عليه نهال لتجحظ عينيها برؤيته، حتى تلجم لسانها عن الرد، والذي تكفل به الفتيات صديقاتها يرددن بارتباك:

- اهلا اهلا، مساء الخير يا دكتور .

لم ينتبه أو حتى يلتفت لهن فقد تحركت أقدامه إليها ليدنو منها بحركة مفاجئة، ثم اقترب من اذنها يهمس بلهجة اَمرة، قاطعة، حازمة:

- من سكات كدة ومن غير نفس حتى، تجومى زي الشاطرة ومسمعلكيش كلمة.

رفعت رأسها إليه ليواجهها بجحيم عينيه التي استعرت فيها النيران، تناظرها بشرر وكأنها على وشك احرقها .


 يُتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية



رواياتنا الحصرية كاملة