-->

رواية جديدة كما يحلو لها لبتول طه الفصل 45 بالعامية - 2

      رواية كما يحلو لها

الجزء الثالث من رواية كما يحلو لي بقلم بتول طه

رواية جديدة كما يحلو لها

تنشر حصريًا على المدونة قبل أي منصة أخرى

من قصص وروايات

الكاتبة بتول طه

تابع قراءة الفصل الخامس والأربعون

النسخة العامية 


 

العودة للصفحة السابقة




 

 

-       مش ملاحظ إن أنا اللي سألتك سؤال وفجأة الموضوع بقا فيه أسئلة ليا أنا شخصيا؟! مش هتبطل أسلوبك اللي مبيتغيرش؟!

 

ابتسم بتهكم على ما قالته بصورة استفهامية ليجيبها:

-       أنا مسألتكيش عشان تجاوبي وقولتلك إنك مش لازم تجاوبي، بس فيه أسلوب استفهامي بيبقا مقصود منه الانكار أو النفي، وأحيانًا بيفيد التشبيه، المفروض اللي بيسمع السؤال وفهمه أو قراه وركز في تفاصيله هيلاقي الإجابة عنده من غير ما يضطر ينطقها، وأنا فاهم إنك تكوني يزيد الجندي بعد ما عرفتي هو مين هتبقا تقيلة عليكي أوي عشان كده قولتلك في آخر اسئلتي إنك مش لازم تردي.

 

نفثت تلك الأدخنة بأنوثة ليتابعها بنظرات جائعة لها ولشـ ـفتيها بالرغم من امتعاضها وهي تقلب عينيها وترد بتهكم:

-       فلسفتك اللي مبتخلصش، صدقني كلامنا مش هيبقا ليه أي لازمة وأنت بتقولي إني شبه باباك، مش ده التفسير اللي مستنياه.

 

توجهت أناملها لتلك المنفضة وهي تطفأ تلك النيران المشتعلة من لفافة التبغ التي كانت تستنشقها ولم تُكملها للنهاية فذهبت أصابعه بتلقائية لتقترب منها وهو يفعل المثل بسيجارته المنتهية لتتلامـ ـس أصابعهما للحظة وجيزة فرد قائلًا:

-       بابا قسي عليا عشان عايزني أكون الراجل الناجح من وجهة نظره ومكنش عاجبه شخصيتي الحساسة الهادية اللي بتدور على الاهتمام والمشاعر فخلاني كطفل تايه بين الشخصية اللي جوايا والشخصية اللي عايزني اكونها، وانتِ قسيتي عليا برفضك لكل اللي نفسي فيه واللي صممت حياتي تمشي بيه واتعودت عليه وخلتيني كراجل تايه بين إنك بتهدديني إنك هتبعدي عني يا إما أنا مجبور أكون واحد تاني عشان بحبك.

 

أمسك بأناملها قبل أن تبتعد عنه ليجد دمائه تتلظى بفعل تلك اللـمـ ـسة بينهما وأنفاسه اضطربت رغمًا عنه ليستطرد قبل أن ترفض كلماته وفعلته:

-       أنا فضلت طول الوقت وانا صغير تايه، بكره ماما، بكره عدي، مش لاقي اهتمام غير من بابا، مدرسة الكل فيها بيتجنبني عشان خايفين من يزيد الجندي، مشاكل أُسرية تافهة وصغيرة وتبان بسيطة بس مريم شايفة إنها أول أسباب كونت رد فعل للحادثة اللي حصلتلي في البلد، دي أول صدمة اخدتها في حياتي، ومن وجهة نظرها برضو إن السادية بدأت من النقطة دي، أنا يمكن بفسرلك كل حاجة سببها إيه وهتربطي كل حاجة في الآخر عشان وقت ما تفكري في الأسباب والتفسيرات يبقا معاكي كل حاجة كاملة زي ما كنتي عايزة!

 

ترك يـ ـدها واتجه ليرتوي بالقليل من المياه الباردة لعلها تخمد نيران رغبته بها ثم قام بالاقتراب من كلبيه ليربت على رأسهما وتابعته في صمت وكأنها لا ترى به أي مشاعر مؤلمة وسط كل ما يقصه عليها لتجده ينهض وأخبرها متسائلًا:

-       أنا همشيهم شوية برا، تحبي اكملك برا ولا بكرة؟

 

كان يتمنى أن تذهب وتتركه بداخل تلك الدوامة بمفرده ولكنه رآها نهضت وتتجه للخارج بينما وجدت هي ثلاثتهم يتبعوها نحو الحديقة لتشعر بالبرودة التي سرعان ما سيطرت عليها ليقف وهو يتابع كلاهما يتمشيان أمامه على مسافة مقبولة ليضع يـ ـديه بجيبه وواصل:

-       لما قعدت تلت شهور في المستشفى بعد التجربة نفسها دماغي كطفل ترجمت بسرعة ردود أفعال اترسخت جوايا، زي مثلًا، ماما مبتحبنيش وأنا لو هموت أنا مش هافرق معاها، ماما وقتها اتشطبت من حياتي وبقت بالنسبالي مش موجودة، كمان بابا كان صح، لو كنت راجل وقوي وعرفت ادافع عن نفسي مكنش حصل اللي حصل، فالحنية والحساسية اللي أنا فيها غلط ومش صح، كطفل شوفت إن القوي محدش بيقدر يؤذيه، وأنا مكونتش عايز أجرب نفس الشعور ده تاني من كتر ما كان بشع..

 

ابتلع واختلفت ملامحه للغضب وهو يشرد أمامه وبات يستمع صوت بُكائه واقشعر ظهره بعفوية منه وكأنه ما زال مرتميًا تحت أقدام هذا الشيطان عندما كان صغيرًا لتتفقده هي بعينيها وشعرت وكأنها توصلت لبداية ما تُريده وسكتت حتى يُتابع من تلقاء نفسه ليفعل بعد دقائق من الصمت:

-       وقتها ابتدت الأعراض الذهانية، بس عشان كنت صغير محدش لاحظ ده عليا، أنا كنت بتخيل كل حاجة وعكسها، بتخيل لو كنت سمعت كلام بابا، لو كانت ماما جانبي، لو كنت قوي مش ضعيف، طول الوقت راسي بترجم حاجات كتيرة ورد فعلي على أي حد يلمـ ـسني أو يقرب مني بالخير أو الشر هو كان الضرب والقسوة وإني ابعد بسرعة.

 

التفت لينظر لها لتشعر بمرارة تذوق مثلها بحلقه ولأول مرة في حياته يتمنى لو يملك القدرة في هذه اللحظة أن يُترجم نظراتها له، هل هي تعاطف وشفقة أم حزن من أجله؟ على كل حال، هذا ليس بمهم، ليُعطيها تفسيراتها ولتذهب من أمامه قبل أن يمزق ثو بها وينتهي يومها بفراشه!

-       بابا كان بيخليني اقرا في القانون كتير من وأنا في اعدادي بس أنا كنت بخبي كتب التاريخ والفلسفة والشعر منه، لو كانت طبيعتي إني مبتكلمش كتير وهادي فأنا بقيت معزول عن الدنيا ولقيت نفسي في كلام الكتب كأنها أكتر حد قريب ليا في حياتي، بتخيل طول الوقت حاجات معرفش حقيقة وحصلت ولا لأ، بابا كان بالنسبالي الوحيد اللي بيهتم بيا، زيك بالظبط في اول جوازنا، نفس الفترة اللي قضيتها معاكي فكرتني بالفترة اللي قضيتها بعد ما مشيت من المدرسة، وبالمناسبة بابا وقتها قالوله اتعرض على الطب النفسي أو معالج ورفض وقال إن ده جنان، وساعتها لو كان بابا قال الشمس بتطلع بليل كنت هصدقه، لأن لو كنت من الأول سمعت كلامه وبطلت حساسية وإن واحد زي عدي وعلاقته بماما دي اللي بتخلي الانسان ضعيف والضعف للراجل ممنوع مكنش حصلي اللي حصلي، فدي من أهم الأفكار اللي فهمتها غلط وقتها، العلاج النفسي ده جنون، واللي بيحتاجه شخص ضعيف!

 

رأت نظراته تختلف لتشعر بالخوف منه حقيقةً لتبتلع وضربتها البرودة أكثر بين الهواء الذي اشتد فعقدت ذراعيها وهي تخشاه لا تدري لماذا يشعر بكل هذا الغضب وينظر لها بهذه الكراهية بينما كان بداخله يحرقه الغضب من نفسه وكل ما كان عليه، ولقد كرهها بشدة في هذه اللحظة لتملكها ذلك التأثير عليه الذي دفع به للاحتراق رغبةً بها!

 

اقترب وهو يضع سترته فوقها لتتابعه بأعين توسعت خوفًا وفكرت لوهلة، المشاعر التي تدفع ملامحه ليُصبح هكذا لابد من أنها تؤثر به للغاية، ربما عليها التحمل لتصل لما تود أن تصل له!

 

وجدته يتجه بعيدًا ثم عاد وهو يرتدي قفازات ويُمسك بحقيبة بلاستيكية للمهملات وتابعته بنظراتها لتجده يقوم بجمع فضلات كلبيه وقام بالتخلص منها بالنهاية وتركها متوجهًا لمنزله فدلفت خلفه ليشعر بإلحاح عينيها المطالبتين بالمتابعة ليفعل وهو يقوم بغسل يـ ـده بحوض الحمام وتكلم بغضب:  

-       بابا كان مشغول اوي الفترة دي، بس دايمًا كنت معاه قاعد في مكتبه، يا إما في اوضتي، قراية من وراه في كل حاجة تخطر على بالك، ده في أيام الاجازات، وأيام المدرسة كنت بخبي الكتب من ورا المدرسين، واللي يقرب مني كنت ببعده بتصرفاتي العدوانية، مكونتش شاطر، كان بابا بيتعصب عليا عشان درجاتي دايمًا، واسلوبه صدرلي فكرة إني هافضل فاشل، زي ما كنتي دايمًا بتحسسيني اننا هنفشل في جوازنا وإن كل محاولاتي مبتنفعش معاكي، كنت بحاول اذاكر واجبر نفسي على المذاكرة ودرجاتي بتبقا زفت، وكنت بحاول أجبر نفسي معاكي إني يوم ما المـ ـسك يبقا بالطريقة اللي تقبليها وفي الاخر كانت كل محاولاتي بتبقى ملهاش لازمة، لو انتم الاتنين كنتو فهمتوني يمكن كانت كل حاجة اتغيرت!

 

صاح بجملته الأخيرة وهو ينظر لها بغضب فحاولت الثبات قدر استطاعتها ونفت كلماته بعفوية وهي تراه يلهث من شدة غضبه:

-       عمر أنت لما كنت بتبقا كويس معايا أنا مكانش بيبقا عندي مشكلة تقرب مني بأي طريقة، أنا كنت بتضايق إنك بتخبي عليا حاجات كتيرة وبتكدب عليا، مُشكلتي معاك مكانتش أنت بتلمــسني ازاي، مُشكلتي إني مكونتش قابلة إنك مبتصارحنيش وبترفض كل حاجة أنا عايزاها. احنا وقتنا مع بعض كان حلو اوي واحنا هادين والـ sex ما بينا كان هايل إنما مش بالضرب والربط والتصرفات المقرفة دي اللي مفيش إنسانة عندها عقل تقبلها، افتكر كويس، فاكر الفترة اللي قضناها بعد ما البيبي مات؟ أنا نظرتي ليك ابتدت تختلف اوي من ساعة ما كنت فعلًا سامحت وعديت ونسيت كل حاجة وقولنا هنفتح صفحة جديدة واكتشفت بعدها موضوع يُمنى! مكونتش هاقدر أقبل كمية التشتيت والحاجات اللي مخبيها مع كمان إنك في أي وقت ممكن تقولي يالا هتتعاقبي والهبل ده!

 

اقترب نحوها لتنكمش للخلف على نفسها من نظراته الغاضبة وأنفاسه المتوالية بلهاث ليجذب ساعدها نحوه وهو يتفقدها وسألها:

-       لما احنا حياتنا كانت حلوة، مقدرتيش تفهمي إني كان صعب عليا اصارحك بكل حاجة مرة واحدة؟ مقدرتيش تقبليني زي ما أنا ليه؟ أنا مش سهل عليا أتكلم مع حد لغاية النهاردة غيرك أنتِ بس، حتى مريم مبكلمهاش كده، عرفتي إنك زيك زي بابا بالظبط؟ انتو الاتنين مبتقبلوش غير اللي على مزاجكم، واللي عايزينه، وده مش معناه إني بكره واحد فيكم، أنا بس بثبتلك إن أنتِ وهو زي بعض وأنتم الاتنين اكتر اتنين بتقدروا تتحكموا فيا عشان أنا يوم ما بحب حد مبقدرش ارفضله حاجة.

 

رأت بنظراته اللوم وهي تحاول أن تتخلص من اقترابه وتبتعد عنه قليلًا بينما لم يندثر غضبه على الاطلاق لتجذبه لأول لغم متمنية أن تلمـ ـسه قدماه لعله ينفجر في يوم ما وقالت:

-       لا مش شبهه، أن مش ست بضرب جوزي وبهينه قدام الناس زي ما شوفت باباك بيعمل ده مع مامتك وأنت واقف تتفرج!

 

التوي فمه بسخرية ليعقب على كلماتها باستهجان:

-       أنتِ بقيتي بتبهدليني قدام الكل، وحتى لما كنا بنبقا لوحدنا، فاكرة أول مرة مديتي أيـ ـدك عليا فيها؟

 

اتسعت عيناها وهي تبتلع وهي تحاول أن تتذكر وفي نفس الوقت تحاول أن تتخلص من ملامحه المُفزعة وأدركت أنه لم يتلق رسالتها الخفية التي تود أن تبهه لها لتجده يستطرد:

-       كنا في المكتب في البيت التاني، افتكرتي؟

 

اندفع ليُقبـ ـلها بعنف بينما أدركت هي أنه يقوم بدفعها لنفس الجدار الذي كانت تستقر عليه من قليل لتدفعه بقوة شديدة كي لا يتمكن منها فهي تعرف أنه لو حاوط جـ ـسدها لن ينتهي الأمر سوى بتخلصه من شهـ ــوته وصاحت به وقد نفذ صبرها ودبلوماسيتها وكل رفقها الذي حاولت التمتع به منذ ثوانٍ:

- قلتلك لا مش دلوقتي! مش حابة ده يا عمر دلوقتي!

 

تريثت لبرهة وهي ترمقه واخذت خطوة للخلف ثم استطردت:

- بطل تحول كل مناقشة بينا لتشتيت جنـ ــسي! خلاص بقا مبقتش هاقبل بده.. اه انا بحبك وبموت فيك، وايوة واحشني فوق ما تتصور، وفاهمة أن الـ attraction (الانجذاب) والإحـ ــساس اللي بينا ده حلو اوي ومش اي اتنين متجوزين بيلاقوه بينهم وأنا أكتر ست محظوظة في العالم اني اتجوزت راجل زيك بيعرف ازاي يتعامل مع مراته في الموضوع ده، بس مفيش اي منطق ولا عقل بأننا كل شوية نقرب من بعض زي الحيوانات بالهمجية دي ونتهرب من كل المسئوليات والنقاشات يا عمر! اعقل انت كمان زي ما كنت بتقولي اعقلي من شوية!

 

همس بابتسامة غاضبة لم تلـ ـمس عينيه مُكررًا كلمتها:

- همجية!

 

اخذ خطوة للخلف وهو يتفقدها وفكر يا لها من ماكرة، هل تقتبس من كلماته وهي تُخبره بأن يتعقل! حسنًا، فليفعل هو الآخر:

- تعالي اعلمك يعني ايه نكون زي الحيوانات!

 

كاد أن يقترب من جديد منها وشعرت أنها لن تتخلص منه بعد هذه النظرة المُصممة بفحميتيه لتصرخ به وهي تصفعه بعفوية:

- لا..

 

شهقت وهي تضع كلا من كفيها على فمها واتسعت عينيها مما ارتكبته يديها بينما تحولت انفاسه للهاث جحيمي وهو يرمقها بنظرة جمدت الدماء بعروقها وأدركت أنها إن لم تُصلح الأمر سريعًا بأي مبرر كان سيفتك بها لا محالة! مُقلتيه، بهذه النظرة، بصحبة فعلتها، وصوت انفاسها المذعورة ولهاثه الملتهب من شدة غضبه قد يتسببوا في مقتلها على يديه، لا تستطيع سوى التصديق بهذا!

 

سرعان ما ابتعدت عنه وهو تومأ بالإنكار وهمست بآسف متوسلة:

- آسفة.. آسفة جدًا.. والله ما كنت اقصد والموضوع كان عفوي..

 

اقترب آخذًا خطوتين نحوها وهو يُطبق أسنانه لتهمس بتلعثم وهو يلمح جـ ــسدها يتراجع بعيدًا عنه بذعر:

- رد فعلي كان في منتهى العفوية، مقصدتش.. والله العظيم ما قصدت.. صدقني.. تعرف..

 

ابتلعت وهي تنظر لمخارج غرفة المكتب فإما الحديقة الملحقة بالمنزل وإما هذا الباب ليتصاعد رجيف قلبها بمزيد من الرعب ثم لمحت النافذة لترى أنها ستتعثر حتمًا لو غادرت منها فهمست لتحاول أن توقفه عله يغفر لها فعلتها واتجهت نحو باب الغرفة بخطوات بطيئة كي لا يُلاحظ:

- تعرف.. لما ده.. لما كنا..

 

حمحمت وحاولت التخلص من ذعرها كي تستطيع الفرار منه وكذلك التحدث لتمنع تلك النظرات القاتلة بعينيه التي بدورها دفعت الدموع لعينيها:

- لما ضربتني اخر يوم في بيتك، قلتلي أن حصل بعفوية منك.. علشان حسيت وافتكرت الوجع.. وأنا كمان.. كنت فاكر اني بستغلك مش كده؟ فكرتك بحاجات وحشة كتير صح؟ هو ده اللي حصل، انت فكرتني بكل المرات اللي حسيت أنا بيها زي ما اكون رخيصة بتستجيب كل مرة للمـ ــساتك وأنا..

 

انهمرت احدى الدموع من عينيها وهي تتابع حديثها بصعوبة برعب ونبرة مهتزة:

- والله عمري ما فكرت في مرة اني اضربك، أنا مقدرش اصلًا أؤذي دبانة.. أرجوك متبصليش بالطريقة دي.. أنت بتخليني اموت من الرعب يا عمر ارجوك كفاية!

 

لاحظ ارتجاف جـ ــسدها وهي تتخبط بالأثاث وجـ ــسدها يحاول التهرب لتبكي بشدة ليتوقف ظنًا أن بُكائها سيتحول ليُصبح هيستيريًا وتابعت وهي تُكمل خطواتها للخلف في اتجاه الباب لتأتي كلماتها بتوالي همجي وكأنها لا تعي ما تقوله:

- أنا بحبك يا عمر وبحاول استحمل بس انت بتخوفني اوي.. أنا مش غبية علشان اهزر معاك في موضوع زي ده، انت ممكن تقتلني.. ايوم ممكن، راجل بجـ ـسمك الرياضي ده ممكن يقتل اي واحدة ست.. وأنا بترعب من ده.. بحب ملامحك الر جولية اللي شدتني من اول ما شوفتك، عمري ما فرق معايا ملامح راجل غيرك، ممكن تتخيل إني اعملها، ليه ابوظ شكلك الحلو واضربك على وشك؟ كمان انا كنت رقيقة معاك وكنت بهزر ومكنش في ضربتي لا عنف ولا قسوة.. اعتبر أني طفلة وبيبي وغلطت يعني، مش بتقولي يا بنوتي ويا قطتي وhoney وكل الكلام الحلو ده الحنين الجميل البسيط اللي.. بص سامحني معلش متزعلش، وأنا اسفة، وأنت أصلًا أطول مني، ازاي يعني هطولك وهضربك؟ وأنا اعتذرت، خلاص بقى، انت راجل ضحكتك حلوة ورومانسي وبتحب التاريخ، ده انت حتى خطك حلو، ليه اضرب واحد فيه كل ده؟.. وبعدين قولتلك اني دبانة، اقصد مش دبانة، انسى الموضوع خلاص.. وكمان.. أنت راجل حنين وهتسامحني.. أنت شاطر وهتعديها.. أوك.. آسفة!

 

رطبت شـ ــفتيها بعد أن أنعشت كلماته ما حدث بينهما بالسابق وشعر هو بترددها الشديد وملامحها بدت كتلك الفتاة التي كان يحاول الاقتراب منها ببداية زواجهما لترتبك بقولها:

-       ما هو.. أنت كنت بتشتتني، وطريقتك كانت خبيثة، ولما كنت بتقرب مني أنا مكونتش بعرف اتصرف معاك.

 

رأت الرغبة تمتزج بغضبه ليتسلل لها الرعب من تلك النظرة التي تعرفها جيدًا وكان عليها الانسحاب بسرعة فقالت برهبة سيطرت عليها ودفعت أنفاسها للارتباك:

-       احنا نكمل كلامنا بكرة، تصبح على خير.  

 

حاولت الإفلات منه فوجدته يدفـ ـعها وهو يُمـ ـسك بسا عدها لترتطم بالجدار خلفها وقبـ ـلها في لمح البصر مجبرًا إياها في بداية الأمر لينقبض قلبها بهذا الشعور الذي سيطر عليها وهي تحاول أن تدفعه بعيدًا إلى أن فعل من تلقاء نفسه وهو يُغمض عيناه ثم همـ ـس أمام شـ ـفتيها وأخفض يـ ـدها لأسفـ ـل خصـ ـره:

-       ده اللي بيحصل كل ما بشوفك ولو من بعيد، مبقتش قادر اسيطر على نفسي قدامك، مفيش أي حاجة من اللي بعملها بتنفع غير لما تبعدي عني، حاولي متفضليش معايا أو قدامي ، مبقتش لاقي حل.

 

اتسعت عيناها في رعب مما شعرت به مختبئًا خلف ملا بسه وأعاد كرته بعد أن انهزم بتلك الرياح العاصفة المتبادلة فيما بينهما كأنفاس لاهثة لتستمر في دفعه بعيدًا عنها بينما لم تستطع مواجهة نهمه الشديد الذي توقف فجأة وهو يبتعد عنها مُخللًا شعره بعصبية وهو يغمغم:

-       أنا آسف، أنا مقصدتش.. أنا مش مركز و..  

 

رآها تهرول نحو الخارج وتركته وهي لا تستمع منه لأي من كلماته التي لا يدري كيف ستُصلح ما فعله في لحظة واحدة سيطرت عليه تلك الدوامة من الغضب ورغبته وقلة نومه وارهاقه والتحدث بتلك الأمور التي كان يُعالجها بالسابق بسلسلة ممارسات يغرق بها لأيام، لابد من أن يكون هناك حل لكل هذا، يجب عليه أن يبتعد عنها في أقرب فرصة وإلا سيتكرر ما فعله منذ قليل لمرات ومرات!

--

بعد مرور ساعة..

حاولت استيعاب صدمتها بما حدث منذ قليل وتجرعت تلك الجرعة الصغيرة من الفودكا وهي تشعر باحتراق حلقها الشديد ومنعت نفسها عن المتابعة لكي لا تُسرف في الأمر وتثمل، لقد كانت تحتاج للقليل حتى تهدأ من تلك العاصفة المُهلكة، جرعتان من الفودكا كفيلتين بتهدئتها، تبًا له، كيف ما زال يملك نفس التأثير عليها حتى الآن؟!

 

لا، هذا لن ينجح بفعله، يستحيل، ليقتلها قبل أن يفعل، هل تعاطفت مع حديثه لهذا وجدت نفسها تقوم بدفعه بعيدًا عنها بعد أن سلب أنفاسها بين شـ ـفتيه؟ من المجنون هنا؟ هي أم هو؟ هذا محال ولن تسمح لنفسها أن تستمر فيما فعلته، ليقتلها لو أراد ولكن شبقهما وانجذابهما الجـ ـسدي لن يكون النهاية لكل ذلك، لن تكون حُجته من جديد!

 

قامت سريعًا بإخفاء تلك الزجاجة وغسلت الكوب لتحمل هذا الصغير بين يـ ـديها وحدثته وهي تتجه نحو الأعلى:

-       أنت تهدا ومتعملش صوت لغاية ما اتصرف معاه، اقعد شوية هنا وأنا هجيلك، وخد الكورة بتاعتك اهى.

 

أغلقت عليه باب غرفة من الغرفتان الخاليتان بعد أن وضعت له وسادة صغيرة وقامت بتبديل ملابسها سريعًا لمنامة منزلية وارتدت فوقها رداء ثقيل وهي تحاول أن تهدأ مما أقبلت على فعله وتمنت أن ما أعدت له طوال الأيام الماضية سيتحقق فعلًا بعد أن يتذوق من نفس الكأس المُرة التي تذوقت هي منها.  لن يخدعها أبدًا بنفس تشتيته لها بفعل تلك الكيمياء الملعونة بينهما، هل كان يظن أنها كانت تقوم بدور الزو جة الهادئة التي تعاونه هو وأخته فقط، أم أن هذا الرجل الجديد عقله فاسد أكثر من الرجل السابق؟ لقد كانت تعمل على ما سيجعله يفقد عقله مثلما فعل معها تمامًا!

 

جذبت هاتفها وقامت بالاتصال به مرتان لتجد أن هاتفه مُغلق لتشعر بالغضب الشديد واستجمعت كل طاقتها لتُمثل البُكاء والخوف الشديد قبل أن تذهب له بنفسها!

--

استمع لتلك الطرقات على الباب فنهض ليقوم بتفقد من الذي آتى ظنًا منه أنه سائقه أو واحد من أفراد أمن البوابة الخارجية ولكنه تعجب عندما رآها أمامه تلمحه بلمحات متفرقة وكأنها تُخفي شيء ما ليسألها بعفوية:

-       مالك فيه ايه؟

 

قضمت شـ ـفتيها واجابته وهي تتجه للداخل وقامت بإغلاق الباب لتنظر له بمقلتين مشتتين في البداية رفض تصديق ما يفهمه منهما:

-       اللي حصل امبارح ده كان..

 

ضيق عينيه بتفحص لتنطلق بكلماتها دفعة واحدة وهي تتابع:

-       أنا كمان بحـ ـس زيك، لسه بفكر فيك بنفس الطريقة، مبعرفش اسيطر على نفسي.

 

لوهلة صُدم مما استمع له لتنظر نحو الأرضية ودام الصمت للحظات فيما بينهما ليُصحح مسار كلماتها وقال برفض قاطع:

-       بس احنا مش هنكمل مع بعض وانتِ عارفة كده، أنا مكونتش بكدب عليكي، واللي حصل امبارح ده كان غصب عني في لحظة كنت متعصب ومش مركز فيها وفوقت بسرعة وبعدت عنك

-       أنا عارفة بس..

 

تريثت لوهلة ثم رفعت عيناها نحوه بجرأة وأخبرته بثبات:

-       احنا متجوزين، ومش عارفين هنتطلق امتى، ممكن الفترة الجاية يعني، لو حد فينا كان عايز يقرب من التاني يقوله ده بكل صراحة!

 

رفع حاجباه ذاهلًا مما سمعه ليسألها بعد تثاقل شل لسانه للحظات:

-       يعني أنتِ موافقة؟

 

هزت رأسها له بالقبول ليجد نفسه يندفع نحوها بقبـ ـلة دامت لفترة ولقد سلبت عقله بالكامل بتلك الإشارة منها، هذه المعجزة لم يكن ليتخيلها، لم يكن ليتمنى أفضل من أن تُذهب بيأسه بفعل لمـ ـساتها التي تجعله يتناسى اسمه وكل ما هو عليه، فقط كل شيء يُصبح معها أفضل عندما يمتزج جـ ـسديها معًا.

 

ابتعد بلهاث وهو يحدثها بمصداقية:

-       أنا مش عارف الأدوية بتعمل فيا إيه، أنا يمكن مبقاش زي زمان، انا بقالي اكتر من سنة ملمـ ـستكيش وأول مرة هتبقا بسرعة و

-       متخافش أنا عندي حل!

 

قاطعته بعد أن عرفت مقصده بما يُرمي إليه من كلمات واقتربت منه لتتعلق بعنـ ـقه وهي تُقبـ ـله بنهم ودفعته نحو الفراش وتعالى لهاثهما ليتابعها بذهول مما تفعله وهي تعتـ ـليه ثم أخبرته:

-       بس ده مجرد فترة لغاية ما نتطلق.

 

هز رأسه لها بالموافقة والتأييد على قولها وهو يتابعها ببلاهة تاركًا لها كامل السيطرة فيما تود أن تفعله ليجدها تتخلص من سترتها وقميصها غير الرسمي ليجد جـ ـسدها أمامه يُشبع عينيه بكل ما تمنى امتلاكه كلما لمحها ولو صُدفة وبمجرد امـ ـساكها به بعد أن تخلصت من كل ما يعيق بينهما من ملا بس انطلق تأوهه دون تحكم وهو يغمض عينيه ليجدها تقترب من جديد فرفع يـ ـداه ليلمـ ـس جـ ـسدها المتقد وذهبت شـ ـفتاه حيث اللاعودة ولم يمر سوى القليل بعد استرخاءه بالكامل وأدرك أنها خلصته من هذا العناء الذي كان يُهلكه طيلة الأيام الماضية ليغرق بر جفة سببتها يـ ـد واحدة منها كانت النهاية لكل ما كان يشق عليه!    

 

استمع لتلك الطرقات على الباب فاستيقظ في حالة بين الخوف والفزع والذهول ليُدرك أنه كان مجرد حلم مُراهقة متأخرة ليس إلا ليمسح وجهه زافرًا بسخرية على حاله من خياله الشائن وبالرغم من أنه كان حُلم إلا أنه لم يُرد أن ينتهي بتلك الطرقات المتتابعة لتُزعجه بهذه الطريقة واتجه منزعجًا نحو الباب ليتوقف بمكانه بعد أن شعر باختلاف وتيقن أنه يتوجب عليه أن يُغير ملا بسه فمن الواضح أن ما رآه بمنامه قد دفع جـ ـسده للاستجابة بالكامل!

 

-       عمر افتح ارجوك!

 

استمع لصوتها الباكي ليتملك منه التوتر بفعل نبرتها وهي تتوسل بهذه النبرة وسرعان ما بدل ملابسه وذهب سريعًا نحو الباب ليقوم بفتحه وهو يسألها:

-       ايه مالك فيه ايه؟

 

تصنعت المزيد من البُكاء وهي تهز كتفيها لتخبره بكلمات تتسارع حروفها ببعضها البعض:

-       مش عارفة، tiny مش عايزني المسه ومكلش أي حاجة من أكله وقاعد جوا الـ dressing room ومش عارفة حساه بياخد نفسه بالعافية ومش عارفة امسكه خالص.

 

تفقدها وهو مرتبك بين تأثير ما رآه منذ قليل وبين ملامحها الباكية فحدثها بهدوء:

-       متخافيش، اهدي بس ومتعيطيش وهنشوف ماله

-       طيب تعالى بسرعة أنا خايفة اوي ولقيته أول مرة مش بيعمل حمام في مكانه ولا حتى بيشرب، هو كده هيموت؟

 

اخذت خطوات نحو منزلها فتابعها وقد صدق الأمر بالكامل وكاد أن يتكلم ليحاول أن يُطمئنها ليجدها تواصل ببكاء:

-       ده كان كويس لغاية امبارح وكنت بلعب معاه، هو احنا هنعرف نوديه مستشفى دلوقتي ولا قافلين، الساعة داخلة على خمسة الفجر و

-       اهدي بس عشان نشوف فيه ايه؟ هو سُخن او حاجة؟

 

اتجه كلاهما للأعلى بعد أن قاطعها ووقفت لتتفقده مُدعية الخوف واجابته:

-       مش مخليني امسكه خالص ومستخبي مني في الـ dressing room (غرفة الملابس) مش راضي يخليني اجي جنبه ومش قادر يوقف.

-       طيب استني أنا هشوفه. متعيطيش بس عشان ميخافش ومتخضيهوش بحاجة واهدي.

 

اتجه بخطوات سريعة نحو غرفة الملابس ووجد أنوار غرفة النوم مُطفأة فلم يهتم وكذلك غرفة الملابس فحاول أن يُضيء الأنوار وبمجرد شعوره بالاستغراب وهو يتلمـ ـس الجدار بطرف يـ ـده استمع لإغلاق الباب خلفه وفجأة أضاءت الغرفة بأكملها ليجد نفسه بداخل غرفة بيضاء بكل ما بها من تفاصيل تُشبه نفس الغرفة التي وضعها بها بيوم من الأيام وبالطبع لا تحتوي على نافذة لأنها بنفس مكان غرفة الملابس ولقد اختفى هذا الباب الذي كان يقود للغرفة الاحتياطية والغرفة الأخرى باتت بيضاء فارغة بالكامل لا تحتوي سوى على حمام صغير ابيض اللون وأحكمت اغلاق النوافذ بعازل حديدي صُبغ باللون الأبيض، ليبتسم بسخرية وهو يعود نحو الباب الفاصل بينهما وقد فهم ما الذي تفعله معه، لقد أحكمت خُطتها ببراعة على ما يبدو هذه المرة!


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بتول طه لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة