رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 11 - 2
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الحادي عشر
الجزء الثاني
❈-❈-❈
تحاملت علي حالها ووقفت وسارت نحو باب غُرفتها وأختفت داخلها بعدما أغلقت بابها،رمت بحالها فوق الفراش وبدون مقدمات نزلت دموعها الحبيسة التي إحتجزتها بإعجوبة
إستمعت إلي طُرقات فوق الباب،إعتدلت سريعاً وجففت دموعها ودلفت سُهير من باب الغرفة واغلقته خلفها،جاورت إبنتها الجلوس وتحدثت بنبرة حادّة ناهـ.ـرة إياها بعدما رأت بعيناها أثاراً لدموعها الحَـ.ـارة:
-عاملة في نفسك كل ده ليه؟
واسترسلت بنبرة حادة تكشفُ عن مّدى غضـ.ـبها:
-سيبيه يتفـ.ـلق وإوعي تعبريه لحد ما ييجي لحد عندك ويقول لك حقي برقـ.ـبتي
وهُنا لم تستطع تلك المِسكينة كَبح دموعها أكثر،فهطلت بشدة بعدما أطلقت لها العنَـ.ـان،خرجت شهقة عالية منها مما جعل سُهير تهتف بحِـ.ـدة وغيـ.ـظ:
-إنتِ بتعيطي ليه الوقت،بلاش تبقى ضعيفة قدامة كدة يا بنتي
واسترسلت لائمة بنبرة حـ.ـادة:
-ما هو ضعفك ده هو اللي خلاه يستقوي ويشوف نفسه عليكي
هزت رأسها يميناً ويساراً باعتراض مما جعل قطرات دموعها تتطاير وأردفت بقلبٍ يتمـ.ـزقُ ألـ.ـماً:
-ياسين مش وحِـ.ـش يا ماما،ياسين بيحبني ومابيقدرش يبعد عنى ولو ليوم واحد،هو بس فِهم اللى سمعه غلط وزمانه موجـ.ـوع
كانت تنظر إليها بتعجُب واستغراب وتحدثت بنبرة معترضة:
-موجـ.ـوع!
إنتِ كمان بتبررى لهُ اللي عمله؟!
وسألتها بذهول:
-فيه إيه يا مليكة؟
أنا عُمري ما شُفتك ضعيفة وخايبة كدة يا بنتي،ده سابك وأخد إبنه ومشي وبكُل قلة ذوق بيقول لك هبعت لك الحَرس بكرة بالعربية؟!
واسترسلت وهى تتوعدهُ بنبرة صارمة:
-طب إيه رأيك بقى إنك مش هتروحى مع الحَرس بتوعه دول،ويبقى ييجى يورينى نفسه إبن منال
واستطردت بقَسَمٍ:
-والله يا مليكة لو ما جِه لحد هنا علشان ياخدك بنفسه ما أنتِ مروحة
هو فاكر نفسه إيه علشان يعاملك كدة قدام أبوكِ وإخواتك الرجالة
واستطردت بتبرير:
- أنا سكِت له بس وما رضيتش أرد عليه علشان ما أعملش مُشكلة قدام أبوكى وإخواتك والموضوع يكبر،لكن والله ما هعديها له
اجابتها بدموعٍ غزيرة وضعفٍ مُهين:
-يا ماما أرجوكِ حاولى تفهمينى،اللي ياسين سمعه صعب على أى راجل عادى يستوعبه،فما بالك بياسين اللى غيرته مجنونة لوحدها
واستطردت بملامح وجه تُظهر كّم الألـ.ـم الذي أصابها لأجلهْ:
-ياسين لما الموضوع بيتعلق بيا بيفقد عقله وإتزانه وما بيقدرش يتحكم فى غيرته،أنا أكتر واحدة حاسة بيه وعارفة قد إيه هو موجـ.ـوع وبيتـ.ـألم
جحظت عيناي سُهير من الحالة المُزرية التي ظهرت عليها صغيرتها وطالعتها بنظرات مصدومة وتحدثت بنبرة مُستاءة للغاية:
-ياسين ياسين ياسين،إيه يا بنتي اللي وصَلتي نفسك ليه ده؟
زادت مليكة من شهقاتها وانزلت بصرها للأسفل بأسي،زفرت سُهير وحاولت جاهدة في تهدأت حالها كى لا تُحزن صغيرتها وتُحملها أكثر مما يحتمل قلبها البرئ،ثم استطردت بتعقل:
-بصي يا بنتي،مش عيب إن الواحدة مننا تحب جـ.ـوزها وتوصل معاه لدرجة العشق والجنون، "بالعكس"دي حاجة حلوة قوى
واسترسلت بحديث ذات معني ومغزي:
-بس كمان علشان الحُب ده يعيش ويستمر لازم الست يكون عندها كرامة وتعرف أمتي توقف جـ.ـوزها عند حَده لو حَـ.ـسِت إنه بيهـ.ـين كرامتها وبييجي عليها
واسترسلت شارحة بنبرة مستاءة:
-وياسين هانِك وإتجاهل وجودك قدامنا كُلنا،وما أكتفاش بكدة وبس،ده كمان ماعملش حساب إنك بين أهلك وإن معانا نهي وعالية اللي يُعتبروا غُرب عننا وكان لازم يعمل لشكلك قدامهم حساب،ودي قلة ذوق منه وجليطة ولازم يتحاسب عليها منك
هزت رأسها بهيسترية وتحدثت بدفاع مستميت عن رجُـ.ـلها التي باتت تتنفسهُ:
-إنتِ ليه حضرتك مش مقدرة خطورة الموقف اللى أنا محطوطة فيه
ضيقت سهير عيناها وانتظرت تكملة حديثها بترقب شديد فأكملت تلك الضعيفة:
-يا ماما ياسين بيعشقني وبيحبني أكتر بكتير من درجة حُبي ليه،بس هو كرامته أهم عنده من أي حاجة تانية،واللي عمله ده بيأكد لي إنه فعلاً سمع كلامي مع مروان عن رائف الله يرحمه،وزمان الشيطان بيوز له وبيقول له إني لسه بحب رائف وإني كُنت بكذب عليه في كل السنين اللي عيشناها مع بعض لما قلت له إني بحبه
تحدثت سُهير بإعتراض:
-حتي لو زى ما بتقولى إنه سمعك وإنتِ بتتكلمى عن رائف الله يرحمه،هو مالوش حق إنه يزعل منك،ده راجل كان جـ.ـوزك وعندك منه عَيليِن هيفضلوا رابطينك بيه لأخر العُمر،وحق عِشرته الحلوة عليكِ إنك تُذكريه بالخير قدام أولاده وتخليهم يفتخروا بأبوهم،وبعدين هو رائف ده حد غريب،ده إبن عمه وكان زي أخوه الصُغير
إستمعت كلتاهما إلي طرقات خفيفة فوق الباب،جففت دموعها سريعاً ودخل شريف الذي نظر علي شقيقتهُ وتحدث بنبرة قلقة حينما رأي إنتفاخ عيناها وإحمرارها وانفها مما يدل علي بكائها:
-إنتِ بتعيطي يا مليكة؟
تنهدت سُهير في حين هتف هو بنبرة حادة:
-والسبب طبعاً قليل الذوق المغرور اللي إسمة ياسين
حزن داخلها من وصف شقيقها لمُتيمها بتلك الاوصاف الشنيعة من وجهة نظرها،فتحدثت سُهير لنجلها كي لا تزيدها علي تلك الحزينة:
-خلاص يا شريف،ملوش لازمة الكلام ده ويلا نطلع برة علشان نسيب أختك تنام لها شوية
واكملت وهي تُربت علي كتـ.ـفَها بحنان:
-حاولي تنامي لك شوية علشان ماتصدعيش وانا هاجي أصحيكي كمان ساعة علشان تسهري مع أبوكي وإخواتك
هزت لها رأسها بإيماء وخرجت سُهير ساحـ.ـبة شريف بالإجـ.ـبار
بالخارج،جلست سُهير بجانب سالم الذي سألها مستفسراً بعدما شَـ.ـعر بتغير إسلوب ياسين مع إبنته:
-بنتك وجـ.ـوزها مالهم يا سُهير؟
أجابته بنبرة هادئة لعدم حدوث بلبلة:
-مافيش حاجة يا سالم،ما تشغلش بالك إنتَ
نظر لها وتحدث معترضاً على حديثها:
-إنتِ إتجننتى يا سُهير،مش عوزانى أشغل بالي ببنتي الوحيدة؟
تنهدت وتحدثت بتهاون كي تبث الطمأنينة داخل قلبه:
-شادين مع بعض شوية،عادى زي ما أي إتنين متجـ.ـوزين بيشدوا مع بعض فى الكلام،الموضوع مش مستاهل إننا نشغل بالنا بيه أصلاً
هز سالم رأسهُ بتفهم ونظر أمامة ليُشاهد شاشة التِلفاز من جديد
❈-❈-❈
عاد ياسين إلي حي المغربي،توجه إلي ثُريا وأبلغها بمبيت مليكة وأطفالها الليلة بمنزل أبيها مما أحزن قلب ثُريا لكن وجود شقيقها حسن وعائلتهُ خفف عنها واقع الصدمة،وتحرك منطلقاً بسيارته وبات يجوبُ شوارع الإسكندرية في محاولة بائسة منه لتهدِئة حالهْ من بُركـ.ـانهِ الثـ.ـائر بداخله
أما داخل منزل سالم عُثمان،وبعد إنتهاء سهرتهم التي خلت من وجود مليكة التي ضلت بغرفتها تنتحب وتبكى بمرارة،دخلت علياء إلي غرفتها المخصصة لها ولزو جها، وجدت شريف يجلس فوق تخته ويبدوا علي وجههُ الغضـ.ـب،قطبت جبينها وسارت بإتجاهه ثم جلست بجانبه وسألتهُ مستفسرة:
-مالك يا شريف؟
أجابها بوجهٍ كاشر وهو ينظر أمامهُ:
-مافيش
وضعت كف يـ.ـدها علي وجنته وأجبـ.ـرته علي النظر إليها وأردفت قائلة بنبرة جادة:
-هو إيه ده اللي مافيش،إنتَ مش شايف وشك مقلوب إزاي،ولا وإحنا قاعدين برة،ده أنتَ ما نطقتش بكلمة واحدة
يووووه،ماخلاص بقي يا عالية،إنتِ جاية تفتحي لي تحقيق...كلمات غاضـ.ـبة نطق بها شريف بنبرة حادة في وجه علياء
تجهمت ملامح وجهها وأنزلت بصرها للأسفل بحزن مما جعلهُ يلـ.ـعن حالهُ ويقترب منها متحدثاً بإعتذار:
-أنا أسف يا حبيبتي،ماتزعليش منى أنا اصلي متضايق شوية ومش طايق نفسي.
سألته بإستغراب:
-ما أنا لاحظت ده وجيت أسألك علشان أخفف عنك لقيتك هبيت فيا بالطريقة دي
زفر بضيق ثم أرجع ظهـ.ـرهُ للخلف مستنداً به علي خلفية التخت وتحدث بنبرة مُحملة بالهموم:
-زعلان علشان مليكة
سألتهُ متعجبة:
-وهي مالها مليكة،دي مافيش سِت فيكي يا إسكندرية عايشة سعيدة زيها؟!
هتف بنبرة حادة:
-بامارة إيه،إنتِ ما شفتيش البيه كان بيعاملها إزاي قدامنا؟
واسترسل بنبرة غاضـ.ـبة:
-ده ما اتكسفش مننا وهو في قاعد في قلب بيتنا وعاملها بمنتهي المهَـ.ـانة والذُل،ده إنسان قليل الذوق ومريض نفسي ومعداش علي تربية
إنتفض داخلها بغضـ.ـب لأجل إبن عمها التي تعتبرهُ بمثابة شقيقها الأكبر وتَكِنُ له كثيراً من الإحترام والتقدير مما جعلها تحتَـ.ـدُ في حديثها وهي تهتف قائلة بشـ.ـراسة:
-شريف من فضلك،ياريت تتكلم بإسلوب أحسن من كدة وماتنساش إن اللى بتتكلم عنه ده يبقى إبن عمي.
إحـ.ـتدم غيـ.ـظاً من دفاعها المستميت عن ذاك المتغطرس وهتف بنبرة شديدة الحِـ.ـدة:
-ومالك زعلانة ومحموقة علي البيه قوي كدة،هي مليكة دي مش المفروض إنها صاحبتك؟!
تنهدت بأسي وأردفت قائلة بنبرة هادئة في محاولة منها لإمتصَـ.ـاص غضـ.ـبهْ:
-يا حبيبي حاول تفهمني،أنا لا بدافع عن ياسين ولا بنصره علي حساب مليكة زي ما وصل لك،إحنا أصلاً ما نعرفش إيه اللي حصل بينهم وخلي ياسين غضـ.ـبان قوي كدة لدرجة إنه ما يعملش حساب لشكلهم قدامنا كُلنا
واسترسلت بتعقُل:
-ودي مش عادة ياسين ولا دي طريقة تفكيره،وده اللي بيأكد لي أنا شخصياً إن فيه حاجة كبيرة حصلت بينهم وعملت شرخ فى علاقـ.ـتهم
واستطردت برجاء:
-فياريت ما نحكمش علي ياسين وخصوصاً إننا ما نعرفش إيه اللي ممكن يكون حصل ولا نعرف مين فيهم اللى غلطان
زفر بضيق وتمددَ علي التخت مُندثراً تحت الغطاء الوثير وتحدث بنبرة صارمة:
-إقفلي النور يا مدام
سألته مستفسرة وهي تنظر إليه بتعجب:
-إنتَ هتنام قبل ما تتسحر يا شريف؟!
أخرج زفيراً قوى ثم هتف بنبرة حَـ.ـادة:
-قُلت لك إقفلي النور وأخرجي
تنهدت بأسي علي وصول زو جها لهذا الحد من الإحتـ.ـدام وأغلقت له إضاءة الغُرفة وخرجت من جديد تاركة إياه ليختلي بحاله كي يهدأ من ثورتهْ
❈-❈-❈
داخل غُرفتها شديدة الظلام إلا من شُعاع ضوء ضعيف ينبثق من خلال باب الشُرفة الموارب،كانت تقبع فوق الفراش مُتخذة وضع الجنين،تبكي وتنتحب بشدة وتحدث حالها مستنكرة:
-كيف أطاعك قلبُك بأن تضعَنِي بتلك الصورةِ المُهـ.ـينةِ أمام عائلتي!
ألهذا الحَدُّ لم تهتمَّ بكرامتي؟
أين حديثُك الذي طالما أسمعتَنِي إياه عن أن كرَامتِكَ من كرَامتِي وأن عليكْ الحِفاظُ عليها وصِيانَتها أمام البشرِ؟
أين وعودك حينما قُلتَ لي أن ما يحدث داخل غُرفتنا لن يتخطي بابها وسيظلُ سِراً بيننا
أتبخرت وسَارت مُجردِ وعوداً واهية؟!
لما لا تستجِب لتوسُـ.ـلاتِ عينَاي وهي تترچاكَ بألا ترحل وتترُكني وحيدة أشعر بالخَلاء والصَقيعِ دون أحضَـ.ـانكَ؟
ماذا دهاكَ ياسيني،ماذا دهاكَ يا مَنْ تُخبرنى دوماً بأنكَ لأنفاسي ولعيناى سِرتُ مُـ.ـدْمِنِ
بنفس التوقيت
كان يقف أمام البحر ينظر لأمواجه شديدة السَواد جراء ظلام الليل الكَالح،فقد كانت السماءُ خالية من النجوم مُعْتِمةٍ كاحالِ حياتهُ بدونها،تنفس عالياً وزفر بضيق مما يُظهر كّم الغـ.ـضب والحُزن الذي يسكُن داخلهُ
مد كف يـ.ـدهُ داخل جيب سُترتهُ وأخرج عُلبة سجائرهُ،سـ.ـحب منها واحدة ثم ثبتها بين شـ.ـفتاه،أمـ.ـسك قَدّاحتهُ واشعلها وبات يُنفث بها بشراهة وكأنهُ بتلك الطريقة يُعبر عن مّدي غضـ.ـبه العارم
حدث حالهُ بكيانٍ مُشتـ.ـعلْ:
-أمِن المُمكِنِ أن يكون جُلْ ما عايشتهُ مع من سلمتُها روحى ولُبى وكُلُ كيانى مُجردِ سراباً واهياً؟!
مُجردْ أكذُوبةٍ جعلتني أتعايش بداخِلُها لكي لا تجـ.ـرح مشـ.ـاعري وتصُد عِشقيَ الذليـ.ـلُ لها
تنفس عالياً ورفع رأسهُ للأعلى مُغمضاً عيناه،يا لهُ من شعورٍ مُهيـ.ـن ومُوجِـ.ـع ومُجـ.ـلدُ للنفسِ والذَاتِ
حدث ذاتهُ مُتألـ.ـماً:
-كَمْ أشـ.ـعُر الآن بضآلتي وبصُغرِ حَجمِى بعيناها،مُميتُ هو إِدْراكَكَ بأنك أخفقَتُ فى الوصول لقصرِ أميرتُكَ العالي.
ينتابنى شُعُوراً بالإشمئزاز من ذاتى كُلما مَرّ بمُخيلتى مَجرد تصورى أن كَل ما عايشتهُ معها لم يكُن سوىّ شَفَقَةً منها على حالى المُزرى
هز رأسهُ كي يطرُد منها تلك الأفكار التي تكَادُ تفقِدهُ صوابهُ وتسوقهُ إلي الجنون والعَتهْ،ألقي بما تبقي من سيجارته فوق الرِمال ودهـ.ـسها بمقدمة حِذائِه بحِدة، ثم نظر إلي السماء وأخرج تنهيدة حارة شـ.ـقت صـ.ـدرهُ، وبدأ بتنظيم أنفاسه في أخذه شهيقاً وإخراجهُ بهدوء،وكرر العملية في محاولة منه لتهدأة حاله
كان هُناك من يقف داخل شُرفته الخاصة بجناحه،وقع نظره علي ذاك الواقف مُتسمراً أمام البحر فى ذاك الصَقيع،بات يُدقق النظر عليه حتي كَشف ضوءاً بسيطاً يأتي من عمود الإنارة البعيد عن شخصيتهُ
شَعر بمن وقفت خلفـ.ـهُ ثم إحتـ.ـضنته وتحدثت من خلف أذنه:
-واقف لوحدك ليه يا حبيبي؟
تنفس بهدوء وسألها مُتغاضياً عن حديثها:
-مش ياسين اللي واقف هناك علي الشط ده يا چيچي؟
خطت بساقـ.ـيها وجاورته الوقوف وباتت تنظر علي ذاك الواقف يُدخن سيجارتهُ بشراهة،نطقت بتردد:
-مش عارفة يا طارق،مش قادرة أتأكد في ملامحة علشان الضلمة،بس تقريباً كدة هو
تحرك إلي داخل الجناح وإلتقـ.ـط مِعطفهُ المُعلق وشرع بإرتدائه تحت تعجُب تلك التي سألته بإستفسار:
-إنتَ بتلبـ.ـس الجاكيت ورايح علي فين؟!
أجابها بنبرة مُتعجلة:
-رايح أشوف ياسين ماله
أجابته بتهاون:
-هايكون ماله يعني يا طارق،واحد واقف علي الشَط بيشـ.ـم هوا،إنتَ ليه مكبر الموضوع كده؟
أمـ.ـسك كتـ.ـفيها وتحدث وهو ينتوي التحرُك بإتجاة الباب:
-من وقفة ياسين وشكله لشُربه للسِيـ.ـجارة أقدر أقول لك إنها واصله معاه للأخر
هروح أشوفه وأرجع لك علي طول
أومأت لهُ وخرج هو مُتجهاً إلي الشاطئ بعدما وضع قُـ.ـبلة حنون فوق وجنتها وبعد دقائق معدودة كان يقف بجانب شقيقهُ،
أردف بنبرة هادئة مترقباً ردة فعلهُ عن طريق ملامح وجهه:
-الباشا واقف بيعمل إيه لوحده في البرد ده؟!
إلتفت إليه ياسين بعدما إنتبه لصوتهْ وذلك لشدة تعمقهُ داخل أفكاره المُبعثرة،تنهد ورفع سيجـ.ـارتهُ العاشرة إلي فـ.ـمه وأخذ منها نفسَاً مطولاً ثم أخرجهُ وألقي عُقبها علي الرمال ودعـ.ـس عليها بحذائه ثم تحدث بنبرة حـ.ـادّة:
-مافيش يا طارق
ضيق طارق عيناه وهو ينظر بذهول علي الأرض والكّم الهائل من أعقاب السجائر المُلقي وسألهُ من جديد:
-مالك يا ياسين؟
أخرج زفرة محملة بهواءٍ ساخناً من أعماق صـ.ـدرهِ المُثقل بهمومٍ توازي جبالاً راسيات ثم تحدث:
-ولا حاجة
شـ.ـعر طارق بتشتُت روح شقيقهُ،وضع كف يـ.ـده فوق كتفه وهمـ.ـس بنبرة حنون:
-ولا حاجة إزاي هو أنا تايه عنك
واسترسل بإصرار:
-إحكي لي يا حبيبي إيه اللي تاعبك قوي كدة
نظر علي شقيقهُ وسألهُ بنبرة تحمل بين طياتها الكثير من الوجـ.ـع:
-طارق،هي ممكن مليكة تكون ماقدرتش تحبني وحاولت تبين لي عكس ده علشان ما توجـ.ـعنيش وتقلل من رجولـ.ـتي قدام نفسي؟
واسترسل:
-ممكن أكون ما قدرتش أوصل لقلبها؟
رفع طارق حاجبيه مُتعجباً من سؤال شقيقه الذي تخطي المنطق بمراحل فتحدث بنبرة ساخرة:
-إيه الكلام اللي بتقوله ده يا ياسين؟
إنتِ سامع نفسك بتقول إيه؟!
وضع كفاي يـ.ـداه داخل جيباي بنطاله ورفع رأسهُ للسماء وأغمض عيناه بحِدةٍ جعلت ملامح وجههُ تنكمش بشدة، فتسائل طارق من جديد:
-إيه اللي حصل بينك وبين مليكة وخلاك تقول الكلام الفارغ ده؟
زفر بضيق وتحدث وهو مازال علي وضعه:
-روحت أجيبها هي وعمتي والأولاد من المقابر علشان كُنت قلقان من إنهم يرجعوا لوحدهم،لقيتها قاعدة بتتكلم عن رائف الله يرحمه وبتقول فيه شِعر
وهُنا حول بصره إلي طارق وهتف بنبرة حـ.ـادّة وعيناي
تصـ.ـرخُ من شِدة ألـ.ـمِها:
-كانت بتقول إن رائف كان أحسن راجل في الدُنيا،وإنها عَاشت معاه أجمل أيام حياتها اللي عمرها ما هتنساها ولا هتقدر تنساه
واسترسل بعيناي تئنُ من الألـ.ـم:
-تخيل يا طارق،مـ.ـراتي اللي بتنـ.ـام كُل يوم في حُـ.ـضني قاعدة بتتكلم عن راجل غيري
نظر لهُ طارق بإشفاق علي حالة الجنون الذي بَلَغَ إليها وتحدث بنبرة ساخرة كي يحثهُ علي الإستفاقة:
-إنتَ بتتكلم جد يا ياسين؟!
إنتِ عامل في نفسك كدة علشان سمعت مليكة بتقول لأولادها الكلام ده عن أبوهم؟!
واسترسل بتساؤل سَاخر:
-وإنتِ بقى كُنت عاوزها تقول لهم إيه،أبوكم ده كان أسـ.ـوء راجل في الكون وعيشت معاه أسود أيام حياتى؟!
رمقهُ ياسين بنظرة حـ.ـادّة لإعتراضه على نبرة السُخرية التى وصلته،فتنهد طارق وتحدث من جديد كي يُهدئ من روع أخيه:
-يا ياسين فكر شوية بعقلك وإركن قلبك علي جنب،ما تنساش إن مروان وأنس ولاد رائف،ومليكة ست محترمة وبنت أصول ولازم تتكلم قدام الأولاد وتظهر أبوهم في أبهي صورة ليه
ثم نظر له وتحدث بنبرة مُلامة:
-مالكش حق يا ياسين،إنتَ مستكتر علي رائف إن سيرته الحلوة تتقال لأولاده؟
واسترسل بنبرة تئنُ من شدة الألـ.ـم لتذكرهُ لصديقهُ المُقرب والذي مع إفتقاده إفتقد الونس والأليف:
-اللي بتتكلم عنه ده يبقي رائف يا ياسين
صرخ بكامل صوتهِ قائلاً بإِبَانَة:
-إنتِ ليه مش قادر تفهمني يا طارق،أنا أكتر واحد بقعد مع الأولاد وأكلمهم عن رائف علشان أخلد ذِكراه وارسخها في عقولهم وخصوصاً أنس لأنه مالهوش أي ذكريات معاه
واسترسل بنبرة رجل عاشق يتمـ.ـزق داخله من شدة غيرته علي آُنثـ.ـاهُ:
-ماحدش فيكم حاسـ.ـس بالنـ.ـار اللي مولــ.ـعة جوايا وبتاكُل فى قلبي بقى لها سنين،أنا بتقـ.ـطع من جوايا كُل ما أفتكر إن مِـ.ـراتي اللي بعشقها كانت مع راجِـ.ـل غيري في يوم من الأيام
واستطرد وهو يدُق علي رأسه بيـ.ـداه بحِـ.ـدة وجنون:
-أنا ساعات بحِـ.ـس إن دماغي هتُقف من شِدة رفضي للفكرة
سألهُ طارق بتعجُب:
-وليه تعمل في نفسك كدة،ليه تدي للشيطان فرصة بإنه يستولي علي دماغك ويقعد يصور لك مشَاهد لحد ما يوصلك لدرجة الجنون اللي وصلت لها دي؟
هز رأسهُ بإستسلام وأردف قائلاً بنبرة مُستكينة واهنة:
-ياريته كان بإيـ.ـدي يا طارق كنت رحمت نفسي وإشتريت راحتي،
واسترسل متوجـ.ـعاً:
-ياسين المغربي وَحـ.ـش المخابرات زي ما بيقولوا،اللي بيقدر يتحكم في إنفعلاته ويحجم كل حاجة في حياته، مش قادر يُطرد إحـ.ـساس الغيره وشـ.ـعور المَـ.ـرارة اللي دايماً ملازمني من النقطة دي
تنهد طارق وتحدث بصدق كي يبعث داخل قلب شقيقه الطمأنينة والراحة:
-إهدي يا ياسين وهون علي نفسك،أنا أكتر حد شاف وشاهد على اللي كان بين مليكة ورائف الله يرحمه،وأنا الوحيد اللي أقدر أقول لك إن مليكة عُمرها ما حبت غيرك
إلتفت سريعاً إلي شقيقهُ وكأنهُ وجد ضالتهْ التى كان يبحث عنها،فأكمل طارق لطمأنته:
-هي دي الحقيقة يا ياسين،اللي كان في قلب مليكة لرائف عُمره ما كان حُب ناضج،ممكن نسميه إنبهار،إعجاب،حُب لحُب راجل عِشق كُل ما فيها،لكن مش حُب بالمعنى المتعارف عليه أبداً،
واسترسل بحكمة:
-ولو فعلاً وصل لدرجة العِشق عُمرها ما كانت هتقدر تنساه وتوصل معاك لدرجة الجنون في العِشق اللي كُلنا شايفينه بعنينا ولمـ.ـسينه من خلال تصرفاتها ومواقفها معاك،مليكة في حُبك تخطت مراحل العِشق وده ظاهر وباين للأعمي
واستطرد مستشهداً:
-إنتَ لو شُفت حُزن عيونها وروحها اللي مكانتش موجودة معانا أول يوم رمضان،كنت هتعرف إنك بقيت الهوا اللي مليكة بتتنفسه
بجد يا طارق،إنتٌ شايف كدة؟ كان هذا سؤال ياسين المُتلهف لشقيقهُ
إبتسم لهُ طارق وربت علي كتِـ.ـفه وهو يهز رأسهُ بإيماء ثم تحدث ليحثهُ علي التحرُك:
-يلا علشان نروح،الجو برد عليك
هز رأسهُ برفض وتحدث بإعتراض هادئ:
-روح إنتِ وأنا هقعد شوية مع نفسي وبعدين أحصلك
أومأ لهُ بتفهم وتحرك عائداً إلي زو جته العاشقة
بعد قليل إستمع إلي صوت بهاتفهِ الجوال ليُعلن عن وصول رسالة صوتيه بتطبيق الواتساب،أخرج هاتفهُ ورفعهُ ليُقابل وجههُ،تنهد بأسي حينما رأي نقش إسمها علي الرسالة
زفر بضيق وكاد أن يُعيد الهاتف إلي جيب سُترته من جديد إمتثالاً لكرامته كما حدثهُ عقله"ولكن" متي كان للعقل حضور في حَضرة القلب
فقد كان لقلبهُ رأياً آخر،أخذ نفساً عميقاً وقام بفتح الرسالة وبدأ بالإستماع إلي فحواها،بدموع نزلت علي قلبهِ العاشق أشعـ.ـلته تحدثت تلك العاشقة:
-هو مش المفروض أعرف أنا بتعاقب علي إيه
حتي لو عملت حاجة من غير ما أقصد وزعلتك مني،إقعد معايا وعاتبني،مش يمكن تكون فاهم غلط
تنامي إلي سمعه بكائها الحَـ.ـاد الذي يُقـ.ـطع نياط القلب ويُمـ.ـزق الأفئدة حيثُ تحدثت من بين شهقاتها المؤلـ.ـمة:
-إزاي هُونت عليك تسيبني وتمشي يا ياسين،طب ما فكرتش إزاى هاغمض عيوني وإزاى هيجي لي نوم وأنا بعيدة عن حُضـ.ـنك؟
إلي هُنا إنتهت الرسالة بعدما إستمع إلي شهقاتها المـ.ـؤلمة،تنهد بأسي وقلبٍ يتمـ.ـزقُ ألـ.ـماً وتحرك عائداً إلي منزله،دخل إلي غرفة نجلهُ حمزة كي يلتهي بالحديث معهُ ويتناسي وجَـ.ـع فؤاده،وبعد مُدة نزلا معاً وتحركا إلي حديقة رائف وتناولا سحورهما وسط جمع العائلة وبصحبة عائلة حسن،ثم توضأ جميع الرجال وتحركوا إلي المسجد المجاور للمنزل لقضاء صلاة الفجر
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية