-->

رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 12 - 1

 

رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى

الفصل الثاني عشر

الجزء الأول

❈-❈-❈


سلامُ علي قلبٍ أرهقهُ مُرَّ الزمانِ والهوىَ

فلم يقوي علي ألمِ البَعادِ كما قرر وانتوىَ 

فمِنْ مجردِ ليلةِ خصامٍ ذاق بها الحَنْظَلِ

أتعبهُ بَليَّةَ الحِرمانِ فحَنَّ وعاد ليرتوىِ


خاطرة ياسين المغربي 

بقلمي روز آمين


أشرقت شمسُ الصباح ونثرت بنورها على وجه الأرض النائمة،فوق أغصان الأشجار بدأت العصافير تتغني ترنيمة الصباح بصوتها العذب وبألحانها الربانية لتُعلن عن ميلاد يوماً جديداً مليِئُ بالأمل والخير والحياة 


وصلت أشعتها الذهبية الدافئة إلي وجه تلك النائمة وذلك من خلال فُتحة باب شُرفتها الصغيرة والتي تركتهُ موارباً مُنذ البارحة حتى تستطيع التنفس من خلاله بعد أن شعرت بالإختـ.ـناق وبأن روحَها تكادُ تنسحبُ منها


بدأت خيوط الشمس الذهبية تُداعـ.ـب أهدابها مما جعلها تتملل بنومتها وبدأت تستجيب وتفتحُ عيناها بتكاسل وإرهاقٍ شديدان ويرجع ذلك لقلة عدد السويعات التي غفتها تلك الحزينة،تمطأت بتكاسُل ثم مالت علي وجنة صغيرها الذي يغط في سَباتٍ عميق بجوارها وقامت بوضع قُـ.ـبلة عليها وسحبت جـ.ـسدها للأعلي،حولت بصرها علي التخت المُقابل لتختها وألقت نظرة علي طفلاها مروان وأنس الغافيان بسلام،ألقت برأسها للخلف بإستسلام مستندة علي خلفية التخت،كانت حالتها مُزرية للغاية،عيناي منتفختان من كثرة بكائهما وعدم أخذهما القِسط الكافي من النوم


إستمعت إلي صوت جرس الباب واستغربت،من سيأتي لزيارتهم بتلك الساعة الباكرة،إنها لم تتعدي السابعةِ صباحاً بعدْ، 

سحبت حالها وارتدت فوق منامتها مِعْطَفاً ثقيلاً وسارت إلي الخارج وتوقفت بمنتصف الرُدهة عِندما وجدت والدتها تتجه إلي الباب وفتحته،تسمرت ساقيها وأرتجف قلبها حين إستمعت إلي صوته وهو يُلقي تحية الصباح علي والدتها قائلاً بصوتهِ الرخيم: 

-صباح الخير يا ماما


تعجبت سُهير من ذاك الواقف أمامها ويبدوا من شكل عيناه المُجهدة أنهُ أيضاً لم يتذوق للنوم طعماً،ردت عليه وتحدثت متعجبة:

-ياسين! 

إيه اللي جابك بدري كدة يا أبني،إوعي يكون بعد الشَـ.ـر حد جرا له حاجة؟


أشار بكف يـ.ـده سريعاً وتحدث كي يُطمأنها:

-مافيش أى حاجة يا أمى،ماتقلقيش  


دون وعياً منها ساقتها قدماها وتحركت حتي وصلت بالقُرب من الباب وتوقفت وقلبها ينتفـ.ـضُ بترقُب،نظرت عليه بفـ.ـاهٍ مُترجل ودقات قلب تتسارع وتنبض بشدة،لامته عيناها وعاتبتهْ وظهر بعُمقهما كَمّ الحُزن الذي أصابها جراء ما فعل بها وتسبب في إيلام روحها النقية


دقق النظر إلي عيناها وصَـ.ـرخ قلبهُ متألماً وبات يُعنـ.ـفهُ بل ويلعـ.ـن غرورهُ حين وجد إنتفاخ ما حول عيناها وتورمهما، نظرت عليه بعيناي حزينة لائمة،بسط ذراعهُ وأشـ.ـار لها بكف يـ.ـده يستدعيها لأحضـ.ـانه،إستغرب حين وجدها مازالت تقف بمكانها تنظر لعيناه بنفس تلك نظرات اللوم،شعر حينها أنهُ أزادها عليها وجعلها تصل لحالة الشَجن تلك،تعمق النظر بمقلتيها وكأنهُ يقوم بتنويمها مغناطيسياً ليستـ.ـقطب تركيزها،ثم بعث لها باشـ.ـارات مترجية من عيناه يستدعيها إليه

ماوعت علي حالها إلا وهي تقترب عليه في إستجابة منها وكأنها مُغيبةً مـ.ـسلوبة الإرادة،إنهُ التناغُم الروحي والعقلى بينهما،وما أن إقتربت من وقوفهُ حتي سحـ.ـبها وبلمح البصر كان يُسكِنُها بأعماق أحضـ.ـانهُ الحانـ.ـية،لف ساعـ.ـديه حولها بإحتواء وبات يُربِّت على ظَهـ.ـرها بحنان لتنفض هى الظنون عن رأسها المُتعب،خدّرها عطفه وحنانه عليهما وهو يَضـ.ـمها ويُلصـ.ـقها بصـ.ـدره فتناست كل شيء أرهق روحها وألمها طيلة الليلة الماضية،وتأنسُ فقط بجوار حضرته.


كانت مُغمضة العيناي تاركة العنان لحالها بين أحضـ.ـانه،مُـ.ـستسلمة للمـ.ـسات يـ.ـداه التي تضُـ.ـمها بقوة وكأنهُ يُخبرها بألا تقلق وتُطمئن قلبها فلقد أتى هو لينتشلها من براثن حُزنها،كانت تتشبث بتلابيب حلته بشدة كطفلة ضعيفة تائهة في وسط عالم مُخيف وترتجف رُعـ.ـباً من فكرة مجابهة المجهول وحدها،وبلحظة وجدت ملاذها الآمن يقف أمامها بكل قوة وأمان 


ألـ.ـصقت جـ.ـسدها به وباتت تتمـ.ـسح بوجهها بصَـ.ـدره كَقِطة سيامى تعشق مُربيها،باتت تتنفس براحة وسكون سكناَ روحها،وما كان حالهُ بأفضل منها،فقد طوق ذراعيه عليها محتـ.ـضناً إياها برعاية وأحتواء وكأنهُ كان يبحث عن ضالته وبعد طول معاناة عَثُر عليها بالأخير،كان هذا يحدث تحت تعجب سُهير واستغرابها من ذاك الثُنائي العجيب وباتت تتسائل داخلها:

-ماذا حدث وكَمْ من الزمن إبتعدا عن بعضيهما كي يرجعا بكل ذاك الاشتياق والحنين؟ 


أبعدها عن صـ.ـدره وأمـ.ـسك فكَها بيـ.ـده ليرفع وجهها لتتقابل أعيُنهم وتسائل بنبرة تشعُ وتفيضُ حناناً:

-إنتِ كويسة؟


هزت رأسها عدة مرات دلالة علي التأكيد وتحدثت كي لا تجعلهُ يقلق عليها وهمهمت: 

-أمممم 


أردف مُطالباً بنبرة حنون:

-طب يلا إدخلي غيري هدومك بسرعة علشان نروح 

وأسترسل وهو يتلـ.ـمس وجنتها بحنان غافلين عن تلك الواقفة والعالم أجمع:

-شكلك مش نايمة كويس،يلا خلينا نمشي علشان ترتاحي في سريرك،أنا عارف إن ما بيجلكيش نوم وإنت بايتة بعيد عن مكانك 

نظرت إليه وكأنها تلومهُ بعيناها وتحملهُ نتيجة ما حدث،تنهد بثُقل وتحدث ليحثها على التحرُك فلا هذا مكان ولا زمان الحديث: 

-يلا يا حبيبي


أومأت لهْ بخفوت وكادت أن تُسير نحو غُرفتها أوقفها صوت ذاك الثـ.ـائر الذي تحدث هادراً بنبرة شديدة الحِـ.ـدة:

-إنتِ رايحة فين يا مليكة؟ 


إنتبهت سُهير علي حالتهم وأنها لم تدعوا ياسين للدخول فتحمحمت وتحدثت بهدوء بعدما رمقت شريف بنظرات تحذيـ.ـرية فَهم مغزاها بألا يتدخل في الشأن كي لا يُثـ.ـير المشاكل وتتفاقم القصة: 

-ادخل يا أبني نتكلم جوة بدل ما إحنا واقفين علي الباب كدة 


أمـ.ـسك كف صغيرته بإحتواء وسار بها إلي الداخل وتحدث إلي ذاك الذي يبدوا علي ملامحهِ الغضـ.ـب: 

-راجعة بيتها يا شريف. 


هتف شريف بنبرة جادة:

-بيتها إيه ده اللي ترجعه الساعة سابعة الصُبح،هي نايمة في الشارع ولا إيه يا سيادة العميد؟!

واسترسل بإعتراض: 

-الناس تقول علينا إيه لما تلاقيها خارجة من بيت أبوها من النجمة كدة؟ 

إحتـ.ـدت غضـ.ـباً ملامح ياسين وأردف قائلاً بعيناي حادتان:

-ما يولـ.ـعوا الناس،أهو ده اللي ناقص كمان إني علي آخر الزمن هعمل حساب للناس في تصرفاتي 

واستطرد بهدوء وكأنهُ تحول لأخر حنون وهو ينظر إلى تلك الواقفة بجانبه تتبادل النظر لكليهما بأسي:

-يلا يا حبيبي غيري هدومك وصحي الأولاد بسرعة علشان يرتاحوا في أوضهم 


أردفت سُهير بإعتراضٍ هادئ: 

-مايصحش كدة يا ياسين،الولاد نايمين متأخر يا حبيبي والنهاردة الجمعة 

واستطردت بنبرة تعقلية كي تحثهُ علي التراجع:

-وبعدين الجو برد والأولاد لو طلعوا من تحت الغطا هيبردوا وممكن لاقدر الله ياخدوا دور أنفلنونزا 


تنفس بعُمق حين تيقن من صِحة حديثها،نظر من جديد لحبيبته وتحدث بنبرة حنون: 

-إدخلي إنتِ بدلي هدومك وأنا هابقي أجي أخد الأولاد مع أذان العصر


كانت تستمع إليه بإِكْترَاَث وما أن نطق بكلماته حتي هزت رأسها بطاعة وانسحبت متجهةً إلي الداخل


تنهدت سُهير وتحدثت وهي تتقدم للأمام وتُشير إلي ياسين قائلة:

-تعالي يا سيادة العميد إقعد علي ما مليكة تخلص لبس وتطلع لك 


بالفعل تحرك وجلس ينتظرها،رمقهُ شريف بنظرات حـ.ـارقة لم يُلاحظها لإنشغاله بحبيبته،فقد ظلت عيناه مُتعلقة بظلها المُختفي خلف الباب،سار ذاك الحَانق بإتجاه غُرفة شقيقته ودق بابها بهدوء كي لا يوقظ الأطفال،ودلف بعدما فتحت له


أحال ياسين بصرهِ على تلك الجالسة وجدها تنظر عليه بعيناي عاتبة،تحمحم وتحدث بإعتذار هادئ دون التطرق لأية تفاصيل: 

-أنا أسف يا ماما،أنا عارف إن حضرتك زعلانة مني،بس والله كان غصب عني 


تنهدت بأسي وتحدثت بتعقُل: 

-عارفة إنه كان غصب عنك،بس كان لازم تراعى شـ.ـعور مراتك وشكلها قدامنا أكتر من كدة،وياريت يا أبني ماتنساش إن مليكة حامل وتعبانة واللى بيحصل ده كُله فوق إحتمالها 

عندك حق يا أمى،أنا أسف...كلمات أسفة خرجت من ذاك الذي شعر بالخجل من حديث تلك المُهذبة


أما بالدخل،رمق شريف شقيقتهُ بنظرات مُشتـ.ـعلة وتسائل بنبرة مُغْتَاظة:

-إزاي هاتمشي معاه بالبساطة دي بعد المعاملة الزفت اللي عاملك بيها قدامنا إمبارح؟


نظرت له بإستغراب فأكمل هو بنبرة ساخـ.ـطة: 

-من إمتي وإنتِ ذليـ.ـلة قوي كدة،للدرجة دي حبه عمي عيونك ولغي كرامتك وكبريائك؟! 

واسترسل بنبرة معاتبة:

-أنا مش قادر أستوعب إن بعد كل اللي عمله معاكي بمجرد ما يشاور لك تجري وتلهثي عليه بالطريقة المُهـ.ـينة لكرامتك دي!


نظرت علي صِغارها لتتأكد من نومهم،ثم عاودت بنظرها إليه وهمـ.ـست كي لا يصل صوتها لاذان صغارها: 

-عود نفسك إنك ما تحكمش علي تصرُف حد من غير ما تفهم أصل الحكاية يا شريف

واسترسلت مُفسرة تصرف ز وجها:

-ياسين سِمعني إمبارح في المقابر وأنا بتكلم عن رائف مع أولادي،كنت بقول لهم إن مش رائف اللي يتنسي وكلام كتير يجـ.ـرح أي راجل بيحب مـ.ـراته.


همـ.ـس هو الآخر مُعترضاً على حديثها بطريقة حادة: 

-وإيه المشكلة فى اللى قولتيه لأولادك؟ 

المفروض إنه راجل عاقل ومتزن وبحُكم شُغله بيفهمها وهي طايرة زى ما بيقولوا،كان لازم يفهم إن ما ينفعش تقولي غير كدة علشان خاطر أولادك

واستطرد بغضبٍ عارم:

-هو ناسي إن رائف ده يبقي أبوهم ولازم تتكلمي عنه كويس قدامهم؟ 


تنهدت بأسي لحالة شقيقها المحتقنة وتحدثت وهي تنتهي من وضع اللمسات الآخيرة لحجابها: 

-ياريت تخَرج نفسك من الموضوع وبلاش تعامل ياسين بالشكل ده مرة تانية،أنا وجـ.ـوزي قادرين نحل مشاكلنا من غير ما حد يحـ.ـس ولا يتدخل بينا ولا النفوس تقف وتشيل من بعضها 


قالت كلماتها وسارت نحو أطفالها عدلت أغطيتهم وتأكدت من تدفئتهم ثم أحكمت غلق باب الشُرفة وتناولت حقيبة يـ.ـدها وتحركت إلي الخارج،زفر شريف بضيق وتحرك خلفها وأغلق خلفهُ باب الحُجرة بهدوء 


وقف هو منتفـ.ـضاً من جلسته عندما لمح خروجها،تحركت هي إلي والدتها وتحدثت:

-خلي بالك من عز وأنس يا ماما

أومأت لها بإيجاب وتحدث ياسين معتذراً إلي سُهير:

-سامحيني علي الإزعاج اللي سببتهُ لحضرتك

أومأت لهُ بإبتسامة خافتة،واسترسل هو ليحثها علي السير: 

-يلا يا مليكة. 


بالفعل سارت بجانبة واستقلا المصعد الكهربائي ونزلا بهما للأسفل تحت نظرات سُهير وشريف الذي أغلق الباب بحِـ.ـدة وهتف وهو يرمُق والدتهُ بملامح وجه منقبضة:

-بنتك خلاص،عشق إبن المغربي عمي عنيها وخلاها ترمي كرامتها تحت رجليه علشان يمرمغ فيها براحته 


صاحت بهِ بنبرة حـ.ـادة: 

-وطي صوتك لـ مـ.ـراتك ولا مِـ.ـرات أخوك يصحوا ويسمعوك وإنتَ بتتكلم عن أختك بالشكل المُهين ده


هدر قائلاً بنبرة جنونية: 

-وهما محتاجين يسمعوا كلامي علشان يتأكدوا إن الهانم رامية كرامتها تحت جزمـ.ـته،ما كُل حاجة كانت علي المكشوف إمبارح وباينة للأعمي،دي كانت ناقصة تبوس جزمـ.ـته وتترجاه ياخدها معاه وهو ولا عبرها وسابها ومشي 


أجابتهُ بمساندة لصغيرتها: 

-وأهو ماقدرش علي بُعدها وجه من النجمة علشان يصالحها ويرجعها مُعززه مكرمة علي بيتها 

واستطردت شارحة: 

-وبعدين مافيش حاجة إسمها كرامة بين الراجل ومراته،ولا إنتَ عاوزها تخرب علي نفسها وتبهدل ولادها معاها 

واسترسلت بنبرة حـ.ـادّة لإفاقته: 

-إنتِ ناسي إنها جايبة منه ولد وحامل كمان؟ 


واسترسلت بنبرة جادة وهي تُشير بإتجاه غُرفته:

-إدخل نام جنب مِـ.ـراتك وخرج أختك من دماغك ومالكش دعوة بيها،مليكة عاقلة وقادرة تمشي حياتها وياسين بيحبها وبيتمني لها الرضا ترضى


قالت كلماتها وسارت نحو غُرفة أطفال إبنتها لتجاور الصغير بنومته كي لا ينزعج حين يستيقظ ويكتشف غياب والدته،دلفت واختفت خلف بابها تحت إستشـ.ـاطة ذاك الثـ.ـائر لكرامة شقيقته 


❈-❈-❈


كان يجلس خلف طارة القيادة،يقود سيارته بهدوء وملامح وجه مُبهمة،مازال منزعجاً من ما إستمع إليه ويحتاج لتفسيرها،تجاورهُ تلك التي تنظر إليه تترقب ملامح وجههُ مُنتظرة خروج الكلمات منه كما إنتظار المسموم للترياق،  

تحدثت بعدما يأست من مبادرته بالحديث: 

-مش عاوز تقولي حاجة؟ 


لم يلتفت إليها بل ضل ثابتاً على وضعه،إكتفى بأخراجهِ لتنهيدة حارة تنم علي مَدى وجَـ.ـعْ روحِهِ ومازال ناظراً أمامهُ بعيناى تسكنهُما الهموم ثم أردف بحديث ذات مغزي: 

-خايف أتكلم لأخد صدمة عُمري وأفوق علي الكابوس اللي كُنت فاكره حِلم حياتي اللي حققته

واستطرد وهو يهز رأسهُ بيأس ونبرات مُنهزمة: 

-وألاقيه مجرد سراب،سراب ووهم وفى غمضة عين يختفي 


فكت وثاق حزام الأمان من فوق خَصـ.ـرها وأقتربت عليه وأمـ.ـسكت كف يـ.ـده الموضوع فوق طارة القيادة،ثم تحدثت بنبرة حنون: 

-طب ما تسأل قلبك وهو يدلك على الحقيقة


أخرج تأوهاً شق صـ.ـدرهُ فتحدثت هي بنبرة إمرأة عاشقة حد الجنون:

-تاعب نفسك وتاعبني معاك ليه يا حبيبي،الموضوع بسيط وماكانش يستاهل كل اللي إنتَ عملته ده 


أوقف السيارة بهدوء نظراً لحملها،وصَفها جانباً ثم نظر إليها وهتف بنبرة حادة:

-لا والله،يعني سيادتك شايفة إنك لما تتكلمي عن راجل غريب بالشكل ده يبقي الموضوع بسيط وعادي؟


إبتلعت لُعابها من هيأته الغاضـ.ـبة وتحدثت بنبرة مُتلبكة:

-أنا مش قصدي اقلل من حجم الموضوع 

صاح عالياً وهو ينظر إليها بجنون: 

-امال قصدك إيه ؟  


واسترسل متسائلاً بعيناي راجية مُتألـ.ـمة: 

-قولي لي الحقيقة وريحيني يا مليكة،إنتِ لسة بتحبي رائف وعُمرك ما نستيه زي ما قولتي؟


وضعت يـ.ـدها فوق كفه وتحدثت بنبرة حنون: 

-طب ممكن تهدي 

مش عاوز أتنيل...جملة تفوه بها بعدما نفض يـ.ـدها بعيداً عنه 

واسترسل:

-كل اللي عاوزه منك هو إنك تريحيني وتقولي لي الحقيقة ومهما كانت صعبة أنا هتقبلها 

واستطرد بعيناي تشـ.ـتعلُ من شدة غِيرتها:

-إنتِ لسة بتفكري فيه؟ 

تنهدت وأجابته بنبرة حنون أرادت بها أن تُريح داخلهُ وتُغلق باب الشَك الذي إستحوذ علي كيانهُ وفتـ.ـك به بشدة:

-تفتكر الست اللي تدوق عِشق ياسين المغربي تعرف تفكر في راجل غيره؟


نظر لها بتمعن وعيناى لامعة منتظرة المزيد كي يُرضي غرور العاشق داخلهْ،فاستطردت هى بنبرة صادقة ضغيفة: 

-كنت عاوزني أقول إيه لأولادي عن أبوهم يا ياسين؟ 


إكتفت بتلك الجُملة كى لا ثُثير جنونهُ لو أفصحت عن ما بداخلها وتكِنهُ روحها،كيف تُخبرهُ بأنها لم ولن تنسي ذاك الخلوق الذي أكرمها ورفـ.ـعها كاملكة وتوجها على عرش مُلكهِ لسنوات،رجُلً لم تري منه سوي كل الخير بأنواعه،فكيف بعد جُل هذا تُنكر فضلهُ عليها وهى من تربت على إنساب الفضل لأهله وهو خير أهلهْ


بعد إستماعه لكلماتها البسيطة تنهد بثُقل لعلمهِ بصِحة حديثها،أمـ.ـسك شعر رأسه وارجعه للخلف بقوة كادت أن تقتلعهُ من جذورهْ،ثم رمي برأسه للخلف ليستند بها علي خلفية المقعد


إستغلت هي سكونهُ وأقتربت منه ورمت حالها داخل أحضـ.ـانه وتحدثت بإرهاق شديد ظـ.ـهر بصوتها في حركة داهية منها كي تُنهي ذاك الحوار المُرهق لكِلاهُما:

-روحني يا ياسين علشان أرتاح،أنا تعبانة قوى


لف ذراعهُ حولها بإحتواء وأردف قائلاً بتساؤل قَلق:

-إيه اللي تاعبك يا حبيبي،إنتِ والبنت كويسين؟


أومأت له من داخل أحضـ.ـانهُ وتحدثت بطمأنة:

-إطمن،أنا ومـ.ـسك بخير الحمدلله،أنا بس نعسانة جداً وحقيقي مش قادرة أفتح عيوني 


رفع وجهها بيـ.ـده وأردف قائلاً ليحثها علي العودة إلي مقعدها: 

-طب إرجعي مكانك وأربطي حِزام الأمان علشان نتحرك


أومأت بطاعة وقاد السيارة من جديد وتحدثت هى بتساؤل خبيث: 

-ياسين،هو إنتَ نمت فين؟


إبتسم بجانب فمه على تلك الغيورة بجنون علي رجُـ.ـلها وتحدث كى يُريح إشتـ.ـعال روحها:

-تفتكري أنا كان هاييجي لي نوم بعد ما سمعت رسالتك؟ 

واسترسل موضحاً: 

-بعد ما أتسحرت صليت الفجر في المسجد وبعدها أخدت العربية ولفيت شوية في الشوارع لحد ما النهار كشف وجيت لك على طول، ولو كان ينفع اجي لك قبل ما النهار يطلع كُنت جيت 


ثم نظر لها بعيناى تنطقُ عِشقاً وتحدث بإبتسامة حنون: 

-مش لوحدك اللى ما بقتيش تعرفى تنامى غير في حُـ.ـضن جـ.ـوزك 

واستطرد بغنج بعثر داخلها وأرضي غرور الأنثي بداخلها: 

-جـ.ـوزك هو كمان الدُنيا كلها مابيبقاش ليها طعم من غير وجود حبيبه 


ياسين،أنا بعشقك...جُملة عاشقة خرجت من فَمِ هائمة


أجابها الذي كان يتابع الطريق تارة وينظر إليها بجنون العِشق تارةً آخرى: 

-وأنا بموت فيكي يا روح قلب ياسين وكل دُنيته


إبتسمت له بعيناى ناعسة بالكاد تفتحُها،وما هى إلا دقائق معدودات وكانت تلك الجميلة غافية مستندة برأسها على ظـ.ـهر مقعدها،نظر عليها وتنهد ولاَم حالهُ على ما أوصل بهْ حبيبته،توقف بها بعد مرور حوالي النصف ساعة داخل حديقة منزل رائف،نظر علي ملاكهُ النائم بمقعدها،لمـ.ـس كتِفها وتحدث بنبرة حنون وهو يهزها برفقٍ: 

-مليكة،مليكة 

إممم.. كانت تلك همهمة مليكة فأكمل هو بنبرة لينة: 

-قومي يا حبيبي علشان وصلنا 


رمشت بعيناها مرات عديدة متتالية تحاول جاهدة فتحهما،  شَعر بها وبإرهاقها الشديد،ترجل من سيارته وأشار إلي الحارس واعطي له مفتاح السيارة كي يصفها بالجراچ،وتحرك إلي الباب الأخر وأنزل تلك التي لم تستطع حتي فتح عيناها،أسندها برعاية وسار بجانبها إلي الداخل حتي وصلا إلي بهو المنزل وجدهُ خالياً،فالجميع غافى بسَباتٍ عميق


تحركا متجهاً إلي الدرج ثم إنحني عليها ورفـ.ـعها حاملاً إياها بين ساعديه القويتان،لفت ذراعـ.ـيها حول عُنـ.ـقه ودفـ.ـنت وجهها بداخل صـ.ـدره وباتت تتمـ.ـسح به بإسترخاء وهى مُغمضة العيناى،صعد بها ذاك المبتسم علي دلال ز وجتهُ الرقيقة علي رَجُـ.ـلها العاشق لأنفاسِها


دلف بها إلي الداخل ووضعها براحة فوق تختها،شرع بفك حجابها وبدل لها ثيابها بثوبٍ فِضفاضٍ مريح،كانت تاركة لهُ العنان ليتصرف معها كما يشاء مستـ.ـمتعة بإهتمامهِ ودلالهِ الزائد لها  


بعد قليل كان يتمدد فوق تختهما فارداً ذراعهُ لتتخذ منه حبيبتهُ كوسادة لها،قَبـ.ـل مُقدمة رأسها وضـ.ـمها إليه وتحدث براحة وسَكينة ملئت روحهُ: 

-غمضى عيونك يا حبيبي ونامى وإنسي أى حاجة حصلت


إبتسمت له ودفـ.ـنت حالها بين أحضـ.ـانه الحنون وما هي إلا دقائق وكان كلاهما يغط في سَباتٍ عميق من شِدة إرهاقهما ونُعاسهما


عودة إلي شريف عُثمان،كان يشعُر بنـ.ـارٍ حـ.ـارقة تغزو روحهُ وتُمـ.ـزقها لأجل كرامة شقيقته التي دُهـ.ـست تحت قدماي ذاك المُتجـ.ـبر المدعو بياسين المغربي كما رأي هو من وجهة نظره، تحامل علي حاله وخطي بساقيه إلي غُرفته بعدما إحتّـ.ـد بالحديث أثناء مناقشته مع والدته،وجد علياء تجلس القرفصاء فوق تختها يبدوا وكأنها كانت بإنتظارهِ 


نظر عليها بعيناي تحتـ.ـرقان من شدة غضـ.ـبهِ الذي أصابه، تنهدت بضيق لأجل حالته وما وصل إليه من حالة التوهُـ.ـج التي تملكت من روحه ووصلت إلي المُنتهي،وتحدثت إليه قائلة بنبرة مُلامة: 

-إرتحت يا شريف لما فشيت غلك في أختك المِـ.ـسكينة؟ 


صاح بها بنبرة حادّة: 

-بقول لك إيه عالية،أنا لا ناقصك ولا ناقص تنظير من حد،كفاية عليا اللى أنا فيه 


هزت رأسها بأسي ثم نفضت عنها الفراش ونزلت من فوق تختها وسارت إلي وقفته وتحدثت: 

-يا حبيبي أنا لا بنظر عليك ولا نيتي إني أضايقك أصلاً،أنا زعلانة علشانك وعلي الحالة اللي وصلت لها،وكُل ده ليه، ضايقت نفسك وحـ.ـرقت روحك علي الفاضي،وفي الآخر مليكة مشيت مع جـ.ـوزها وهي مبسوطة ومرتاحة 


هتف بنبرة متعجبة: 

-مبسوطة؟ 

واسترسل بنبرة مستاءة:

- قصدك وهي ذلـ.ـيلة 


أجابتهُ بتعجُب: 

-لا،ده إنتَ حالتك بقت صعبة بجد 


إقتربت عليه وامـ.ـسكت كف يـ.ـده واسترسلت وهي تحثهُ علي السير معها نحو تختهُما:

-تعالي ننام يا شريف وبُكرة نبقي نكمل كلامنا،إنتَ لحد الوقت ماغمضتش عينك لحظة واحدة وكدة غلط علي صحتك 


واسترسلت بنبرة حنون: 

-إنتِ عندك هوا بالليل ولازم تبقى واخد كفايتك من النوم وفايق 


كان يقف متسمراً بوقفته ينظر أمامهُ مدققاً في نقطة اللاشئ بملامح وجه صارمة،فتحدثت بلين وهي تتحـ.ـسس كفهُ بحنان:

-يلا يا حبيبي


أخذ نفساً عميقاً ملئ بهِ رئتيه ثم زفرهُ بهدوء في محاولة منه لتهدئة حاله وتنظيم أنفاسه،نظرت عليه ومالت برأسها تتوسلهُ بعيناها بأن يرحم حالهُ ويرحمها،فاستجاب لتوسـ.ـلاتها وسار بجانبها إلي تختهما،خـ.ـلع عنه سترته وتمدد فوق الفراش،دثرته تلك الحنون بالغطاء الوثير ثم تحركت إلي مهد صغيرتها إطمأنت من تغطيتها جيداً وعادت إلي تختها وتمددت هي الآخري بجانب ذاك الذي مازال جـ.ـسده متيبساً من شدة غضـ.ـبتهِ 

تحدثت بنبره حنون وهي تتلمـ.ـس وجنته برِفقٍ ولين: 

-نام يا حبيبي 


تنهد بهدوء ثم فرد ذراعهُ ونظر لها في دعوة منه لدلوفها داخل أحضـ.ـانه،إبتسمت له برضا وألقت بحالها داخل ضـ.ـمة حُضـ.ـنهِ وتنفست بهدوء ورضا،وبعد مُدة دخل كِلاهُما في سَباتٍ عميق 


  

❈-❈-❈


في العاشرة صباحاً 

علي شاطئ البحر الرملي الخاص بحي المغربي الساحلي،كان ينْطَلَق ذاك العاشق تجاورهُ تلك الرقيقة بعدما أخذ الإذن من يُسرا ليرافقها المّشي عَلى ساحِلِ البَحْرِ سوياً 


نظرت إليه بعيناى حزينة وسألته بترقُب:

-هترجعوا علي أسوان بكرة خلاص يا رؤوف؟


تنهد بثُقل ثم تحدث بنبرة مُـ.ـستسلمة: 

-لازم نرجع علشان شُغلي أنا وبابا يا سارة،كويس قوي إننا عرفنا ناخد الإسبوع ده في عِز السيزون 


أخرجت تنهيدة حارة شقت صـ.ـدرها مما جعل ذاك الرؤوف يحزن لاجلها،نطق بنبرة حنون كي يُطمئن روحها:

-ما بحبش أشوفك زعلانة كدة 


واسترسل بحماس كي يبث الأمل بداخلُها: 

-أنا أه هاسافر بس طول الوقت هانبقي مع بعض علي التليفون،ده غير إني بإذن الله هاحضر يوم الوقفة هنا علشان أكون معاكي في أول يوم العيد وهاقعد لحد ميعاد الخطوبة 


هتفت متسائلة بعيناى مُتلهفةُ: 

-بجد يا رؤوف هاتقضي معانا ليلة العيد،ولا بتقولي كدة علشان ماتخلنيش أزعل


أجابها بنبرة هائمة: 

-وغلاوة سارة عندي بتكلم جد 

تهللَ وجهها وإبتسمت بإبتهاج وتحدثت بنبرة مليئة بالتفاؤل والحماسة: 

-متشكرة يا رؤوف. 


أجابها بدُعـ.ـابة: 

-سارة هانم تحلم وإحنا علينا التنفيذ 


تبسمت بحياء وسارت بجانبهُ ناظرة للأمام وهي تستنشق هواء البحر النقي بإنتشاء وراحة إستحوذت علي داخلها


تحدث هو من جديد: 

-بابا وماما وقرايبنا هاييجوا تالت يوم العيد علشان حفلة الخطوبة 


إبتسمت وتحدثت وهى تنظر خلف قدماها من شدة حيائها:

-إن شاءالله 


ابتسم لها وتحدث بإقدام: 

-تعرفي يا سارة،أنا لحد الوقت مش مصدق إن موضوع خطوبتنا تم بالسلاسة دي،بس بصراحة الفضل كله يرجع لياسين


واستكمل وهو يضحك مُـ.ـسْتهزِئٍ من حالة: 

-لولا إنه قفـ.ـشني وأنا بكلمك كان زمانا محلك سِر ومكتفيين بالمكالمات السـ.ـرية اللى بنخـ.ـطفها من الزمن،أى نعم هو عاملني يومها زي ما يكون قافـ.ـش حرامي غسيل 


واستطرد بعرفان:

-بس كتر خيره إتدخل وكلم والدتك وشرح لها الموضوع وأقنعها إنها توافق بعد ما كانت رافضة مبدأ خطوبتك وإنتِ بتدرسي،ده غير إنه راح معانا عند جدك وأعمامك وبردوا هو اللي أقنعهم بعد ما عمك الكبير كان رافض وبيتحجج بإن لسة سِنك صُغير


ضحكت بطريقة رقيقة ثم تحدثت بإِستِجواد:

-خالو ياسين ده أحسن راجل في الدنيا كُلها،طول عمره بيعاملني علي إنى بنته مش مجرد بنوتة بنت عمه،دايما بيفتكرنى في المناسبات وبيجيب لي لِبس وهدايا زي ما بيجيب لسيلا،ولحد الوقت كل ما يسافر لازم يجيب لي هدية معاه


تحدث بمشاكسة: 

-هو حد كويس وانا بعزه جداً،بس ده ما يمنعش إنه شخصية مغرورة وأوقات كتير بيبقى رِخم 


إتسعت عيناها بذهول لوصفهِ لياسين بتلك المواصفات التي رأتها ظالمة ومتجنية عليه وتحدثت بإعتراض: 

-رِخم!بقى خالو ياسين يتقال عليه مغرور ورخم؟!

علي فكرة بقي إنتَ بتقول عليه كدة علشان ما تعرفهوش كويس وما أتعاملتش معاه مباشر 


واكملت باستحسان: 

-ده عمل معايا أنا وياسر أخويا اللي أعمامي نفسهم ماعملهوش من بعد موت بابا الله يرحمه 


كان يستمع لها بتأثـ.ـر لحديثها ثم تحدث بطُرْفَة: 

-طب يا ستى ما تزعليش قوى كدة،سحبنا كلمة مغرور ورخم علشان خاطرك 


واستطرد واعداً إياها بنبرة حنون: 

-بكرة هاعوضك عن أى حاجة افتقدتيها في حياتك يا سارة،هاكون لك الأب اللي إتحرمتي منه وهاكون لك العيلة والسَند بعد ربنا


إبتسمت له باستحياء وتحدثت بعيناى شاكرة:

-ربنا يخليك ليا يا رؤوف

تابع قراءة الفصل