-->

رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 8 - 1

      رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين

رواية قلوب حائرة

الجزء الثاني



رواية جديدة تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

الفصل الثامن

❈-❈-❈




إندهش رؤوف من تصرف ياسين العجيب، ثم أخذ نفساً عميقاً وزفرهُ في محاولة منه لتهدئة حالة الزُعر التي أصابته ونظر له مضيقاً عيناه وتسائل مستفسراً بدهشة:

-خير يا سيادة العميد، فيه حاجة؟

 

إبتسامة سَمجة خرجت من جانب فَمْ ياسين وأردف قائلاً بتساؤل وهو مازال قابضاً بكف يَـ.ـده بشدة علي كتف ذاك الرؤوف:

-ما هو أنا جاي لك مخصوص علشان تقول لي

 

وأسترسل مضيقاً إحدىّ عيناه بطريقة مُخيـ.ـفة وهو يتبادل النظر بينهُ وبين شُرفة سارة:

-هو فيه إيه بالظبط يا رؤوف؟

 

إرتبك رؤوف وقام بغلق الهاتف الذي كان مازال مفتوحاً وتحدث بتخَابث:

-تقصد إيه حضرتك،أنا بجد مش فاهم

 

قاطع حديثه بحِدة وهدر به بنظرة غاضبة:

-ولاّاااا، لؤم ولاد المغربي ده تعمله علي حد غيري

وأكمل بنظرة حَـ.ـادّة ونبرة صوت حازمة:

-عاوز إيه من سارة بنت يسرا ؟

 

إعتدل رؤوف بوقفتهُ وانتصـ.ـب وهو ينظر داخل عيناه،وعلم أن الإنكار لن يأتي بنتيجة مع ذاك الصَقر،فتحدث بجرأة وصِدق:

-بحبها

 

فَك ياسين قبضـ.ـتهُ من فوق كتفه،ثم أدخل كفاي يـ.ـداه داخل جيباي بِنطالهْ ونظر لهُ وتساءل مُستفسراً:

-وبعدين؟

 

قطب رؤوف جبينهُ وهز رأسهُ بعدم فهم وتسائل مُتعجباً:

-مش فاهم؟!

 

أجابهُ ياسين متهكماً بكلمات خرجت من بين أسنانه بحِـ.ـدة:

-يعني إيه الخطوة اللي جنَاب معاليك هتاخدها بعد الحُب والمسخرة دي؟

 

إستوعب رؤوف سؤاله وأردف بنبرة جادة متجنباً سخريتهُ منه:

-الجواز طبعاً

 

ولما سيادتك ناوي علي جواز، داخل البيت من بلكونته ليه يا حبيبي...سؤال حادّ وجههُ ياسين لرؤوف وهو ينظر إلي شُرفة تلك التي تقف مُختبأة خلف الشِيشْ تتلصص عليهُما بحَذرٍ وجَـ.ـسدها ينتفضُ رُعباً

 

تنهد رؤوف وتفوه بنبرة صادقة:

-أنا فعلاً فاتحت سارة في الموضوع ده وطلبت منها أجي لعمي عز وأطلبها منه،وبعدها كُنت هروح أنا وبابا لجدها وأعمامها ونطلبها منهم رسمي

 

واسترسل موضحاً:

-لكن هي طلبت مني أصبر السنة دي لحد ما تكون خلصت سنتها الأولي من جامعتها

 

وأسترسل مفسراً بإستفاضة:

-وكمان أنا كُنت قُلت لها قبل كدة إني هترقي في شُغلي على آخر السنة،فقالت لي إنها حابة تستني،وإن الوقت ساعتها هيبقي مناسب أكتر علشان شكلى قدام أهل بباها

 

أخرج كف يـ.ـدهُ من جيبه ووضعها فوق ذقنه وحـ.ـكها بتسلي وتحدث ساخراً:

-حلو أوي الكلام ده يا إبن المغربي،عجبني،لا ومترتب علي الشَعْرة

 

واستطرد بكلمات مقصودة مُؤنِباً إياه:

-بس فيه حاجة مُهمة سعادتك نسِيتها يا أبن البشمهندس حسن،إنك تخطيت الأصول ودخلت الباب من شِبَاكه بحِجة إن دى رغبة سَارة،ونسيت إن البنت لسة صُغيرة وبريئة ومش فاهمة حاجة عن الأصول واللي يصَح من اللى ما يصحِش

 

رفع رؤوف رأسهُ ونظر داخل عيناه بانزعاج فاسترسل ياسين حديثهُ بنبرة جَادّة:

-بص يا إبني، من الآخر كدة أنا الهري بتاعك ده كله ما ياكولش معايا ولا يدخُل ذمتى بمليمْ أحمر،آخر الكلام يُسرا لازم تعرف، علشان عيب أوي تبقي مستغفل بنت عمتك وعامل لي فيها روميو ومقضيها مكالمات نص الليل مع بنتها

 

مش حِلوة في حق أبوك يا هندسة... جملة مؤنبة وجهها له ياسين قبل ان يستمع إلي تلك العاشقة التي هتفت بصوتها وهي تنادي عليه من خلال شُرفتها بعدما خرجت من الحمام وتفاجأت بعدم تواجدهُ:

-فيه حاجة يا ياسين؟

 

إستدار برأسه ونظر عليها وتحدث بطمأنة:

-مفيش يا حبيبي،أنا كنت بدردش شوية مع رؤوف وطالع لك حالاً

 

نظر إلي رؤوف من جديد وربت علي كتفه بطريقة لينة فتحدث رؤوف بنظرات مطمأنه:

-إطمن يا سيادة العميد،أنا هقعد بكرة مع أبلة يُسرا وهفاتحها في الموضوع واللى تؤمر بيه كُله أنا موافق عليه

 

وأنا كُنت واثق إن تربية حَسن المَغربي ومدام إبتسام مش هتخرج لنا غير راجِل بجد...كانت تلك كلمات إطرائية نطق بها ياسين قبل مغادرته وصعوده لتلك العاشقة التي ما عادت تغفوى سوى بداخل أحضـ.ـانهُ  

 

زفر رؤوف بضيق ولعَـ.ـن حالهُ علي الوضع المُهين الذي بَدا عَلَيْهِ أمام ذاك الدَاهي الذي كَشف ما بداخلهُ من أول لقاء،أمـ.ـسك هاتفه ليتحدث إلي تلك التي تنكمش علي حالها بالأعلي وتكاد تَزهقُ روحِها مُنذ أن إستمعت إلي صوت ياسين عبر الهاتف

 

أسرعت إلي الهاتف الموضوع فوق تختها والتقطته سريعاً وأجابت بإرتباك شديد:

-طمني يا رؤوف،أنكل باسين كان عاوزك في إيه؟

 

أخذ نفساً عميقاً وتحدث بهدوء مطماناً إياها:

-إطمني يا حبيبتي،ما بقاش فيه حاجة نقلق منها خلاص

 

وبدأ بقص كل ما حدث عليها تحت خَجلها الشديد وشعورها بعدم إستطاعتها للنظر في عيناي ياسين مرةً آخري 

 

إنتهى من محادثتها ثم تحرك وخَطى بساقية إلى داخل منزل عمته ثُريا حيثُ مكوثهُ هو وعائلتهُ بالطابق الأسفل

 

وجد والدتهُ وعمته تجلستان فوق الأريكة المتواجدة ببهو المنزل،ترتديان ثوبيهما الخاص بالصلاة وكُلٍ منهما مُمـ.ـسِكةً بكتاب الله العزيز وتقرأتان به،يجاورها حسن مُمـ.ـسكاً بمسبحته يُقلب بحباتها بين أصابـ.ـع يَـ.ـده مُستغرقاً فى الإستغفار بصوتٍ خفيض،فى إنتظارهم لأذان الفجر كى يؤدون الصلاة فى وقتها

 

إقترب عليهم وتحمحم كى يُلفت أنظارهم لحضوره،ثم تحدث بهدوء:

-بابا،عاوز أتكلم مع حضرتك إنتَ وماما وعمتى فى موضوع مُهم

 

رفع حسن بصرهِ ونظر إلى نجله الغالى وسألهُ بنبرة لائمة:

-إنتَ يا أبنى مش شايفنا قاعدين بنقرأ قرأن وبنسبح ربنا؟!

ولا هو الموضوع المُهم بتاعك ده ما ينفعش يستنى شوية لحد ما الفجر يأذن ونصلى؟!

 

تحرك وجلس بمقعدٍ مُقابلاً لأريكتهم،صدقت ثُريا وأغلقت المُصحف الشريف وتحدثت بإستفسار بعدما وجدت علامات القلق والتوتر تعتـ.ـلى ملامح نَجل شقيقها الغَالى:

-مالك يا حبيبي،إنتَ كويس؟

 

تنفس بهدوء ونظر لثلاثتهم وبدون مقدمات أردف قائلاً:

-أنا عاوز أتجوز سَارة

 

حالة من الدَهشة والإستغراب أصابت ثلاثتهم،أما تلك التى غـ.ـزت السعادة قلبها الطيب فتحدثت سريعاً:

-قصدك سَارة المعداوى،بنت يُسرا؟

 

هز رأسهُ بإيجاب ونظر بترقب لوجهى والده وعمته، فهتف حسن بنبرة مُهللة تدل على شدة إبتهاجه:

-يا زين ما أختارت يا ابنى،أصل وأدب وأخلاق

واسترسل بتمنى:

-ولو ربنا بيحبك بجد تكون سَارة من نصيبك

 

ثم حول بصره وتحدث إلى ثُريا التى تنظر لإبن شقيقها بمعالم وجه مُبهمة وذلك لتخبُط فِكرها:

-ولا إنتِ إيه رأيك يا أم رائف؟

 

إنتبهت على سؤال شقيقها فتحدثت وهى تنظر إلى رؤوف بإبتسامة حنون:

-دى تبقى أمها داعية لها اللى هتكون من نصيب الباشمهندس

 

سألها مُتلهفاً:

-يعنى حضرتك ماعندكيش مانع يا عمتى؟

 

أجابته بإبتسامة حنون:

-طبعاً يا حبيبى ماعنديش مانع،بس أنا رأيى هيفيد بإيه،الرأى المُهم فى الآول وفى الآخر رأى سَارة وأهل أبوها

 

واستطردت وهى تنظر إلى شقيقها وتساءلت:

-مش دى الأصول بردوا ولا إيه يا حسن؟

 

وافقها حسن وابتسام الرأي وإنفرجت أسَارير الشاب وتحدث بلهفة ظهرت فوق ملامحهُ:

-بعد إذن حضرتك يا بابا،أنا هفاتح أبلة يُسرا بُكرة فى الموضوع وأشوف رأيها

 

مش هتاخد رأى سَارة هى كمان،ولا ضامنه يا باشمهندس... جُملة مشاكسة خرجت من إبتسام لنجلها

 

إبتسم خجلاً وضحك الجميع حينما تيقنوا أن ذاك الرؤوف قد لحق بقطار العاشقين مصطحباً معهُ تلك البريئة لينطلقا داخل رحلتيهما معاً

 

--

   

 

في صباح اليوم التالي

فاق رؤوف مُبكراً وتحرك من منزل ثُريا وخطي بساقيه لداخل منزل سليم المتواجد بنفس الصَف والذي يبتعد عن منزل رائف بحوالي عدة أمتار قليلة،طلب من يُسرا الجلوس معها علي إنفراد وتحدث إليها وصارحها بكل وضوح بعشقهِ لسَارة وابلغها بمعرفة ياسين بالآمر مما جعل يسرا تنظر إليه بعين الإحترام وبالطبع رحبت بالموضوع حين علمت منه بموافقة إبنتها

 

بعثت يُسرا بالعاملة لتقوم بإستدعاء سَارة حيثُ كانت ترتدى ثيابها بغرفتها بالأعلى إستعداداً منها للذهاب إلى جامعتها، ترجلت سَارة إليهما بخطواتٍ مُتعثرة وبصعوبة أخرجت صوتها متسائلة بنبرة متلعثمة وهي تنظر للاسفل من شدة خجلها عندما رأت رؤوف:

أفندم يا ماما

 

إبتسمت لها يسرا بتفهم لحالتها ووقفت قُبالة إبنتها وابتسمت وأردفت بعيناي ترقرقت بهما دموعٍ ممزوجة بالفرح والقلق:

-كِبرتي يا سارة؟

 

إرتبكت بوقفتها فطمأنتها يُسرا وسحـ.ـبتها لتستقر بداخل أحضَـ.ـانها،إشتدت سعادتها وهي تنظر علي حبيبها الذى أومأ لها بأهداب عيناه مطمأناً إياها

 

في تلك اللحظة كان ياسين يتحرك بسيارته في طريقهِ إلي العمل،توقف وترجل من سيارته عندما رأي من بوابة منزل سليم يُسرا وهي تحتـ.ـضن صغيرتها،خطي بساقيه حتي إستقر لمكانهم ونظر برضا علي ذاك الجالس الذي وقف سريعاً إحتراماً لحضوره، وتحدث بنبرة هادئة:

-صباح الخير

 

إنتبهتا يسرا وسَارة واستدارتا إليه وتحدثت يسرا وهي تشكرهُ بعيناها بإمتنان:

_صباح الخير يا ياسين

 

أما عن تلك التي شَـ.ـعرت بحالها ستختفي وتتبخر من شدة خجلها،تحرك إليها ياسين وقام بوضع كف يـ.ـده فوق غطاء رأسها وأردف بإبتسامة حنون:

-إزيك يا سارة

 

تبسمت له بخفوت وهزت رأسها وأردفت بنبرة خجلة متلعثمة:

-الحمدلله يا خالو

 

تحدثت يسرا إليه بإهتمام:

-إقعد يا ياسين واقف ليه

 

وضع راحة يـ.ـده علي كتف رؤوف لكن بتلك المرة ربت عليها وهو ينظر لعيناه بفَخر وقال مفسراً:

-معنديش وقت يا حبيبتي، يدوب الحق شغلي،أنا بس لقيتكم متجمعين قولت أنزل أصَبح عليكم 

 

 

ثم سألها وهو يستعد للمغادرة:

-عاوزة حاجة يا يُسرا

 

أجابته بإمتنان:

-سلامتك يا ياسين

 

نظر إلي رؤوف وتحدث بملامح وجهٍ بشوش:

-سلام يا رؤوف،أشوفك لما أرجع من شغلي إن شاء الله

 

تهلل وجه رؤوف وابتهج من تغير إسلوب ياسين الكُلي معه وتحدث بإحترام:

-إن شاء الله يا سيادة العَميد

 

 --

 

داخل جناح مليكة

بعد ذهاب طفلاها إلى مدارسهم ومُغادرة ياسين المنزل مُتجهً إلي عمله،أمـ.ـسكت مليكة هاتفها وطلبت رقم هاتف طارق، أتاها ردهُ سريعاً حيثُ تحدث بمشاكسة وهو يقود سيارته في طريقهُ إلي الشركة:

-الليدي مليكة هانم عُثمان بجلالة قدرها بتتصل بيا

 

إبتسمت لدعابات طارق لها وتحدثت بنبرة هادئة كعادتها:

-صباح الخير يا طارق

 

رَد عليها الصباح فاكملت بإستعلام:

-فاضي نتكلم شوية؟

 

آه طبعاً إتفضلي...كلمات سريعة نطق بها طارق

 

أخذت نفساً مطولاً إستعداداً للحديث ثم قالت بنبرة جادة:

-كُنت حابة أنبهك من موضوع خاص بـ لمار ووليد

 

وبدأت تروي له جُل ما حدث،بعدما إنتهت تحدث هو بإبتسامة:

-أنا عارف كُل اللي حصل يا مليكة،وعارف كمان إن لمار قدرت تقنع ماما وعَمر وتخليهم فى صفها للأسف

 

وأكمل بإشادة:

-وكُنت واثق ومتأكد من إنك مش هتنخدعي بعرض لمار المُغرى وإن فلوس الدنيا كلها مش هتخليكي تفرطي في حق أولادك

 

أردفت مليكة بتأكيد:

-أفرط في إيه بس يا طارق،ده أنا أكتر واحدة شاهدة علي تعبك إنتَ ورائف الله يرحمه في الشركة دي

 

وأكملت بنبرة صوت متأثرة حينما تذكرت ذاك الطيب:

-الشركة دي رائف بناها علي أكتـ.ـافه وكانت غالية عليه جداً، وكان بيحلم إنها تبقي من أكبر شركات الإستيراد والتصدير في الشرق الأوسط كله

 

وأسترسلت بإصرار قوى:

-وأنا لا يمكن أضيع أو أفرط في حلمه أبداً،وبكرة مروان وأنس يكبروا ويكملوا حِلم أبوهم    

 

تحدث بتأكيد:

-إن شاء الله، 

وأستطرد بإعلام:

-علي فكرة،وليد كلمني إمبارح بالليل وقال لي إنهُ هيزوني هو ولمار النهاردة في الشركة،شكلهم لسه عندهم أمل

 

أجابتهُ بتعجب:

-غريب أوي إصرارها ده،إبقى خد بالك منها يا طارق

 

واسترسلت بنبرة حَرجة:

-ما تزعلش منى بس البنت دى أنا مش برتاح لها

 

وافقها الرأي وتحدث بتأكيد على شعورها:

-وأنا هزعل منك ليه إذا كُنت أنا كمان عندى نفس الشعور تجاهها

 

وسألها مستفسراً:

-مليكة،هو إنتِ قولتي لياسين حاجة عن الموضوع ده؟

 

ردت عليه بنفي:

-مجتش فرصة،بس أكيد هقول له 

 

تحدث مطالباً إياها برجاء:

-ياريت بلاش

وأستطرد بإيضاح:

-ياسين لو عرف مش هيعدى الموضوع وأكيد هيتكلم مع لمار ويحذرها علشان تبعد عنك،وعمر هو كمان هيتدخل ويدافع عن مِـ.ـراته،وأنا مش عاوز علاقـ.ـة إخواتي تتأثر

 

واسترسل مؤكداً :

-وأنا لما لمار تيجي لي الشركة هاصُدَها وهقفل معاها الموضوع للأبد. 

 

تحدثت مليكة بنبرة حاسمة:

-أنا أسفة يا طارق،مش هينفع أخبى عن ياسين حاجة مُهمة زى دى،ياسين لو عِرف الموضوع من حد غيرى وده أكيد هيحصل، مش هيعدى لى إنى خبيت عليه

 

واستطردت وهى تهز رأسها برفض للفكرة:

-وأنا مش قد زعل ياسين وغضبه يا طارق

 

ثم استرسلت بطمأنة:

-ولو على موضوع خوفك من إنه يتكلم مع لمار ماتقلقش،أنا هطلب منه ما يتكلمش مع أى حد فى الموضوع وكأنه ماعرفش من الأساس

 

إبتسم وتحدث بمساكسة:

-ومالك بتتكلمى بثقة قوى كدة وكأن ياسين فعلاً هيسمع كلامك وينفذه؟

 

واسترسل بمرح:

-قد كدة بقيتى مسيطرة على وَحـ.ـشْ المخابرات ومكلبشاه؟

 

إبتسمت وتحدثت بنبرة خجلة:

-وبعدين معاك يا طارق

 

ضحك وقرر غلق الموضوع كى لا يُزيد من خجلها،وأنهى المكالمة بعدما وافقها الرأي على أن تُخبر ياسين بما جرى 

 

--

 

بعد الظهيرة

إستقبلت مليكة طفلاها مروان وأنس اللذان عادا إلي المنزل بعد إنتهاء يومهما الدراسي،دلف مروان إلي حمام حُجرته واغتسل وارتدى ثياباً نظيفة،فقد أصبح فتي يافـ.ـع ويستطيع الإعتماد علي حاله،صفف شعر رأسهْ ونثر عطره الهادئ وتحرك إلى غرفة شقيقاه الصغيران

 

خطى للداخل واستمع إلى صوت والدتهُ يصدح من داخل الحمام وهى تتحدث إلى أنس الذي مازال بعمرٍ صغير ولا يستطيع الإعتماد على حالهِ في إغتساله لجَـ.ـسده الصغير،أخرجته مليكة مُرتدياً رداء الحمام وهي تخطو خلفهُ وتجفف لهُ شعر رأسه بالمنشفة، وبدأت بمساعدته في إرتداء ملابسهُ مع مراعاتها لتعليمه كيفية الإعتماد علي حَاله كى تُهيئهُ لمرحلة البلوغ

 

كان مروان يقف بشُرفة شقيقاه الصغيران يتطلع إلى السماء بتأنى،خطي بساقيه لمكان وقوف والدتهُ وهتف بنبرة بَداَ عليها الإنزعاج:

-هو أنا مش طلبت من حضرتك وقُلت لك إني عاوز أزور قبر بابا الله يرحمه؟

 

وأسترسل بنبرة شديدة الحِدة:

-إنتِ ليه مطنشانى ومعتبرانى ولا كأنى موجود؟

 

إنزعجت من رؤيتها لصغيرها بتلك الحالة الغاضـ.ـبة،أردفت بنبرة هادئة في محاولة منها لإمتصـ.ـاص غضب نجلها الغالي:

-ممكن تهدي يا حبيبي وتوطي صوتك وإنتَ بتتكلم معايا

 

إنتبه على حاله وأستطردت هى بإفصاح:

-أنا وعدتك إني هتكلم من نانا ونختار يوم مناسب ونزور فيه بابا

 

واستكملت مُعللةً:

-لكن زي ما أنتَ شايف،اليوم في شهر رمضان بيكون مُزدحم جدا وبيمر بسرعة، ده غير الزيارات والعزومات،وحضور جدو حَسن وعيلته لبيتنا

 

كان يستمع إليها بجَـ.ـسد كل ذرة به تنتـ.ـفض،نظرت إليه مُستغربه حالتهُ تلك،هى لا تعلم أسباب كل هذا الغضـ.ـب الذي إعتـ.ـراه دفعةً واحدة،سارت بخطوات هادئة حتي وقفت قُبالته ثم وضعت راحة يـ.ـدها فوق وجنتهُ وتلمـ.ـستها بحنان وأردفت قائلة بنبرة عطوفة أرادت بها سـ.ـحب تلك المشاعر السلبية التى تملكت منهْ:

-وعد مني هكلم نانا في الموضوع النهاردة، ويومين بالظبط وإن شاء الله هنروح نزوره

 

نظر إليها الفتي وسألها بترقب:

-ماما،هو حضرتك لسه فاكرة بابا؟

 

تفوهت سريعاً بنبرة صادقة متأثرة:

-ما أنا قُلت لك إمبارح يا حبيبى،اللي زي بباك عمره ما يتنسي،كفاية إنى عِيشت معاه أهدى أيام حياتي،وعُمره ما زعلنى ولا أهاننى في يوم

وأستطردت بمداعـ.ـبة وهى تتلمـ.ـس شعر رأسهْ في محاولة منها للخروج من تلك الحالة:

-وبعدين أنساه إزاي وإنتَ وأخوك نسخة منه

 

إنفرجت أسارير الفتي وبدأت ملامحه تلين قليلاً ثم سألها من جديد:

-لسه بتحبيه زى الأول؟

 

تفاجأت من سؤال صغيرها وأستغربته،لكنها أجابته لإشبـ.ـاع حنينهُ لذكرى أبيه ومحاولاته المستديمة مؤخراً بفـ.ـرض سيرة والدهُ أمام الجميع وهذا ما لاقى إستحسانها هى أيضاً:

-أكيد بحبه وبحترم ذِكراه جداً،ده بباكم

 

أنا قصدي بتحبيه زي عمو..

لم يكمل حديثهُ لدخول ياسين حاملاً صغيرهُ ولحسن حظ مليكة لم يستمع لحديثها لإنشغاله بثرثرة الصغير،تلفظ قائلاً بإبتسامة:

-أخبار الوحُـ.ـوش بتوعي إيه

 

إبتلعت لُعابها وحمدت الله داخل سَرِيرَتها،رفع أنس ذراعه لأعلي في الهواء وهتف بقوة:

-الوحُـ.ـوش تمام يا بابي

 

تحرك إليه وملـ.ـس علي شعر رأسه وتحدث بحنان أبوى حَق:

-أخدت الشاور بتاعك يا بَطل؟

 

أومأ الصغير له بسعادة وأردفت مليكة بحِنو:

-حمدالله علي السلامة يا ياسين،رجعت من الشغل إمتي؟

 

أجابها بعيناى تائهة إشتاقت للنظر لكُل إنشٍ بملامح وجهها:

-الله يسلمك،لسه واصل من شوية،عديت الأول علي بيت الباشا غيرت هدومي وإطمنت علي حمزة وجيت أشوفكم

 

وأسترسل من جديد وهو ينظر إلي صغيره الذي يحملهُ:

-مزعلين عز باشا الصُغير منكم ليه؟

 

مَـ.ـط الصغير شِـ.ـفتهُ السُفلية للأمام في حركة تعبيرية تنم عن غضـ.ـبه وتحدث بنبرة طفولية:

-أنا مخاصمهم كلهم ومش بكلمهم يا بابي،علشان قاعدين هنا وسابوا عزو تحت لوحده.

 

خطت مليكة إلي وقفة ياسين وتكلمت بدلال وهي تتلاعـ.ـب بأصابـ.ـعها داخل شعر رأس الصغير وتتخللهُ:

-حبيب مامي القمر

 

وسألته بعيناي مُستعطفة وشِـ.ـفتان ممدُودة للأمام لإستدعاء حنانهُ تجاهها:

-معقولة عزو حبيب مامى زعلان منها؟

 

مال ياسين علي أذنـ.ـها وهمـ.ـس بملامح جادّة كي لا يلاحظ الصغار:

-خلي بالك علشان حضرتك كدة هتجنني أبو عزو ورمضان كريم يا حرمنا المصُون

 

إبتسمت بخفة وتحدث الصغير وهو يرتمي داخل أحضـ.ـانها بإشتياق:

-خلاص يا مامي، عزو صالحك

كَتك خيبة طالع أهبـ.ـل زي أبوك، بإشارة منها بتيجي علي بوزك وتريـ.ـل.. جُملة ساخرة نطق بها ياسين وهو يرمق صغيرهُ بنظرات إشمئزاز مصطنعة

 

نظرت له بعيناي مُتسعة وهي تنبههُ بإشارات تحذيـ.ـرية من عيناها لينتبه لوجود مروان وأنس

 

تحمحم عندما إنتبه،حَمل عنها الصغير ووضعهُ فوق التخت كى لا يُرهقها وتحركت هى وجلست بجانب صغيرها وقامت بإحتضـ.ـانه

إستدار من جديد ثم تقدم خطوة حتي وصل لوقوف أنس وقام بحمله بساعديه وثبتهُ داخل أحضـ.ـانه،وضع كف يـ.ـده علي شعره ليمسح بها عليه بحنان وقَبـ.ـلهُ بوجنتيه ثم نظر إلي مروان المُتسمر بوقفته يشاهد بصمتٍ تام واردف متسائلاً بإهتمام:

-مروان باشا،أخبارك إيه؟

 

الحمد لله...كلمات نطق بها الفتي بإقتضاب وملامح وجه عابـ.ـسة تدل علي شدة غضـ.ـبه وعدم راحته.

 

قطب ياسين جبينهُ وتسائل مستفسراً:

-مالك يا مروان، فيه حاجة مزعلاك؟

 

نطق أنس سريعاً ليخبره لما أستمعهُ مُنذُ القليل:

-مارو زعلان من مامي علشان عاوز يزور بابى رائف ومامى طَنشنِتُه

 

نظر ياسين لذاك الذي يقبع فوق ذراعهُ وتسائل بمشاكسة وهو يضيق عيناه بطريقة مُضحكة:

-طَنشنِتُه؟

ثم حول بصره إلي مليكة وتحدث ساخراً كي يُخرج مروان من حالته تلك:

-إنتِ إزاي يا هانم يا محترمة تطنشنتيه لمروان؟!

 

ضحكت مليكة وأنس وحتي الصغير الذي لا يفقه شئ مما يُقال عدا ذاك المنتصـ.ـب متجمداً بوقفته، فأحال له ياسين بصره ونطق بنبرة سَاكنة:

-إن شاء الله بكرة بعد العصر هاخدك إنتَ ونانا وأنس ونروح نزور بابا

 

هتف الفتي سريعاً معترضاً بحِنق:

-لا،أنا عاوز أروح أنا وماما ونانا وأنس وبس

 

إنتبه ياسين وتيقن حينها أن الفتى أصبح يغار علي أمه منه ويشتاق أيضاً لذكري والده،

إقترب عليه ومازال حاملاً أنس وتكلمَّ بتفهم وإدراك لحالة الفتي برغم غيرته الشديدة علي مليكة من زيارتها لقبر زو جها السابق:

-حاضر يا مروان، زي ما تحب

 

وأستطرد مُفسراً:

-بس عاوزك تفهم حاجة مُهمة،أبوك الله يرحمه كان إبني اللى ماخلفتهوش،أنا اللي مربيه مع أبويا بعد وفاة عَمى أحمد،وماحدش في الدُنيا حبه وخاف عليه قدى

 

وأكمل متأثـ.ـراً بنبرة تقطِرُ صِدقاً تحت تأثر مليكة وحُزنها:

-وماحدش إتوجَـ.ـع علي موته زي ما أنا وعمك طارق ما أتوجعنا،كفاية إن أول مّرة دموعى تنزل قدام حد كانت علي أبوك يا إبني

 

سحـ.ـبهُ من يـ.ـده وسَار به حتي وصل إلي التخت المقابل لمليكة وجلس على حافته،ثم جَـ.ـذب كف يـ.ـده بلِين لحِثِهِ علي الجلوس،وضع أنس بجواره وأمـ.ـسك كتـ.ـف الفتي وتحدث بنبرة لينة:

-أنا عارف إنك كبرت وعاذر طريقة تفكيرك اللي بدأت تختلف عن زمان، ومقدر مشاعرك كويس،بس عاوزك تفهم حاجة،أنا يا أبنى إتجـ.ـوزت ماما علشان أحافظ عليها وعليكم

 

وأسترسل بصدق:

-لما رائف الله يرحمه مات،الطمع في مالك إنتَ واخوك وامك زَاد،بدون ذِكر أسماء وخوض فى تفاصيل ماتهمناش،بس للأسف فيه ناس نفوسها ضعيفة وفكرت إزاي تستغل غياب أبوك وتسـ.ـتولي علي مالكم،

ومن ناحية تانية جِدك سالم كان عاوز ياخدك إنتَ وأنس وماما علشان تعيشوا عنده، وجدتك ثُريا وقتها ما اتحملتش وحصل لها أزمة قلبية ونقلناها علي المستشفي وربنا نجاها بإعجوبة

 

واستطرد بزيف إحتراماً لمشاعر الفتي:

-ماكانش فيه قدامنا حل وقتها غير إني أتجـ.ـوز مليكة وأحميكم وأحمي مالكم، وأظن إني قدرت أصون الأمانة،بدليل إن املاككم وفلوسكم إنتَ وأنس وماما ما اتلمستش من ساعة وفاة رائف الله يرحمه لحد الآن

 

وأكمل بنبرة صادقة:

-أنا يا أبني مِراعي ربنا فيكم علي قد ما ربنا مقدرني،وعمري ما فرقت ولا هفرق بينكم وبين أولادي من ليالي،وإن كُنت ملاحظ إهتمامي الزايد بـ عز فده طبيعي لأنه الآصغر فيكم،والصُغير دايما بيحتاج رعاية وإهتمام أكتر من كل اللي حواليه

 

وأكمل وهو يُشير إلى عز السَاكن بأحضـ.ـان مليكة الجالسة قُبالـ.تهم قائلاً بجدية:

-وبعدين إنتَ خلاص كبرت وبقيت راجل والمفروض تساعدني في تحمل مسؤلية إخواتك،إنتَ أخوهم الكبير ومن النهاردة إنتَ مسؤل معايا عنهم

 

واكمل مؤكداً:

-مفهوم يا مروان؟

 

لانت ملامح الفتي وشعر براحة إجتاحت روحهُ من حديث ذاك الدَاهي الذي وصل لأعماق روح الفتي وتوغـ.ـل بداخلها وزرع بها الطمأنينة والسلام النفسي،فابتسم لهُ وهز رأسهُ بإيماء وأردف بنبرة صوت حماسية بعدما شعر بأهميته:

-مفهوم يا عمو

 

إبتسم له وتحدث بإستجواد:

-علي فكرة،أنا مبسوط منك أوي إنك بدأت تقولي يا عمو بدل بابا،

 

قطب الفتي جبينه بعدم فهم فهو كان يتيقن أن ياسين سيستاء،واسترسل ياسين حديثه مُتسائلاً:

-عارف ليه؟

 

هز الصغير رأسه بنفي فأستطرد ياسين بإعجاب:

-علشان أثبت لي إن رائف المغربي خلف راجل مُعتز بإسمه وماينطقش كلمة أبويا ولا يقولها لحد حتي لو كان الحد ده هو أنا 

 

كانت تستمع إليه بقلبٍ هادئ وروحٍ سالمة من حديثه المثلج لصَـ.ـدر صغيرها قبل صَـ.ـدرها،وقف وخطي إلي جلوس مليكة وبسط لها ذراعيه وتناول منها صغيرهُ وتحدث مُغيراً للموضوع وهو ينظر إلي مروان:

-هات أخوك ويلا علشان ننزل،جِدك عز وجدك حسن وعبدالرحمن قاعدين تحت في الجنينة وبيلعبوا شطرنج

 

وأكمل وهو يغمز بإحدى عيناه:

-هلاعبك دور شطرنج

 

رفع الفتي كتفاه للأعلي وأردف بخيبة أمل ويأس:

-بس أنا مش بعرف ألعب شطرنج،بقعد كتير قدام جدو عز وجدوا عبدالرحمن وهما بيلعبوا ومش بفهم منهم أي حاجة

 

يَلاَ عيب عليك تبقى مغربي وتقول مابفهمش في الشطرنج... كانت تلك كلمات مشجعة نطقها ياسين كي يحث الفتي علي الحماس والخروج من تلك الحالة

 

واسترسل بترغيب:

-هو إسبوع واحد وإن شاء الله هاخليك لاعب شطرنج محترف

 

تهللت أسارير الفتي وهتف متسائلاً بنبرة حماسية:

-بجد يا عمو؟ هتعلمني حقيقي؟ 

 

أجابهُ بتأكيد:

-أنا عُمري وعدتك بحاجة وخلفتها؟

 

هز الصغير رأسة بنفي عدة مرات ممتالية دلالة علي التأكيد، وأمـ.ـسك راحة يَـ.ـد شقيقه وترجل خلف ياسين الذي نظر إلي مليكة وطمأنها بعيناه وأنطلق بالأطفال بإتجاه الدرج