رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 10
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملةتنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل العاشر
فٌتح باب غرفة المكتب ودلفت هي اولًا، ثم تبعها رائف ، والاَخير كان هو، ثم صفق الباب خلفه بقوة، جعلتها تنتفض دون ارادتها، ليتقدم بعد ذلك بخطوات بطيئة رتيبة، وصوت سلسلة المفاتيح هو ما يقطع السكون، وقد وقف الأثنان ينتظرون العقاب، حتى أذا وصل إليهم، تكلم على الفور رائف بدون انتظار:
- من الاول كدة، ما تحاولش تغلطنى عشان انت متأكد ان معايا حج في كل اللي عملته.
مال برأسه إليه، مضيقًا عينيه بغموض قبل أن يتبسم بجانبية ساخرة
- ااه صح انت معاك حج تسيب كليتك وتيجى هنا؛ تقضيها ضحك وهزار مع بت عمك عشان كلب زى ده يطمع فيها واما يجى يتعرضلها تاخدوا انت ضرب وتلم الكليه كلها عليكم وتخلى سيرتها على كل لسان، دا انا لازم اجولك برافو عليك كمان
تدخلت نهال بانفعال تهتف بدفاعية:
- انا محدش يجدر يجيب سيرتى، انا..
قاطعها بحدة هادرًا:
- اخرسى انتى ما سمعلكيش حس خالص، ولا استنى صحيج .
توقف متذكرًا، فمال برأسهِ نحوها، يسألها بصوت مريب مخيف:
- ساعة انا ما اتصلت بيكى، ليه مجولتليش ان الزفت ده معاكى؟
ارتبكت واضطربت ف خرج صوتها بتلعثم؛
- مما هو، هو اللى شدد عليا ما جولكش.
ردد رائف خلفها يضيف:
- ايوه انا اللى جولتلها متجيبش سيرة، عشان كنت عايز اعملك مفاجأة، لما نجيلك احنا الاتنين المستشفى .
جحظت عيني الآخر بصدمة، واحتقن وجهه، ليهدر به بعنف:
- كمان كنت عايز تجيبها المستشفى؟ إنت جنسك ايه يا بني آدم انت ؟ انا جرفت منك وتعبت، اقسم بالله لولا انى خايف من الفضايح لكنت خليت عقابك جدام الكل في الكلية بفصلك عشان تتربى.
صاح رائف بانفعال معقبًا:
- تربينى! ليه كنت ناجص أدب انا؟ هو اللي يحرج على بت عمه اليومين دول، يبجى هو اللي مش متربي.
- غور من وشى عشان ما رتكبش جريمة .
هتف بها مدحت بعنف، وحينما وجد الآخر على نفس وضعه ولم يتحرك، تابع بصوت عالي اَمرًا:
- غوووور بجولك، مش عاوز وشك تاني الساعة دي
على صيحته اللاَخيرة، لم يجد رائف بدَا من العناد اكثر من ذلك أمام غضب شقيقيه، ف تزحزح بأقدامه، حتى التف ليغادر، مغمغمًا بصوت عالي :
- طب براحة على نفسك شوية، أدينى ماشى وسيبهالك.
تحركت هي أيضًا لتلحق برائف، ولكن الاَخر أوقفها بالإطباق على رسغها يقول:
- ماشيه ورايحه فين؟ انا لسه مخلصتش كلامى معاكي على فكرة.
التفت رأس نهال نحو رائف، ثم عادت باستدراك نحو الكف القوية التي تقبض على ي- ها، حدجته بنظرة متسائلة، فهم مدحت ليتركها على الفور، وسألته بنزق:
- أفندم، في حاجة عايزني فيها تاني؟
رد على سؤالها بحدة:
- انتى ليه مجولتليش ان الواد ده بيتعرضلك؟
- عشان مكنش مهم، دي كانت كلها معاكسات عادية وبتعدي، والنهاردة بس، هو اللى زودها .
ردت بعفوية زادت من غضبه ليكمل على قولها بتهكم :
- طبعا لما شافك بتتمسخرى مع الزفت ده حس انك ساهلة.
هتفت غاضبة ترد بعنف:
- قطع لسان اللى يجول عليا كدة، محدش يقدر بجيب سيرتي، رائف دا زى اخويا بالظبط.
إلا هنا وانفرط عقد التحكم الذي كان يتحلى به مجبرًا، وسيطر عليه شيطان الغيرة التي كانت تحرق ص- دره، ليخرج عن حكمته، فلم يشعر بنفسه وهو يطبق على ساعدها بعنف هادرًا بتحذير وأعين حمراء:
- مش اخوكى، ولا كانش يصح انك تهزري ولا تجعدي معاه لوحدك من الأساس، وأياكي تكرريها تاني يا نهال وتتحديني، فاهمة ولا لأ؟
رغم الأرتجاف الذي أصاب أطرافها، والخوف الذي انتابها من هيئته، استطاعت التمالك سريعًا، لتنفض كفه عن ساعدها، وترد بعند:
- فيه ايه؟ ولا انت صدجت ان خطببتك صح ولا ايه؟
على العموم انت عارفنى كويس وانا مش محتاجة اغير من نفسى عشان ناس عجولها مريضة،
توقفت على إظلام وجهه، وأوداجه التي انتفخت بعنقه من فرط غضبه الحارق، وزادت بقولها:
- عن اذنك يا دكتور .
قالتها، ثم خرجت على الفور مغادرة، حتى لا يرى ضعفها حينما تنفجر من البكاء أمامه، أما هو، فقد نفث عن غضبه فور خروجها، بأن زمجر كالوحش المحبوس في قفصه، وذراعه امتدت لتلقي بكل المحتويات الموجودة على سطح مكتبه، لتسقط على الأرض بغيظ
❈-❈-❈
في البلدة
حينما عادة بدور إلى منزلها، وبمجرد أن خطت أقدامها إلى الداخل، شعرت بالدهشة لهذا السكوت والهدوء المريب قبل ان تجفل على سماع اصوات رجال تعرفها من غرفة الضيوف اختلطت مع صوت ابيها الرزين. دائمًا، انتابها القلق وشعرت بشيء غير مريح وهي تكمل بخطواتها حتى إذا وجدت شقيقتها الصغيرة أمامها، أمسكت بها على الفور تسألها :
- بت يا نهلة خدي هنا.. مين اللي جاعد عندينا جوا؟
أجابت الصغيرة بهمس وكأنها تكشف لها عن سر ما:
- عمك العمدة وخطيبك معتصم جوا مع ابويا اديلهم يجي ساعة، بيتكلموا ويتحددتوا.
سمعت منها بدور وغلت الدماء برأسها على الفور، لتهدر بها:
- وجاعدين اكتر من ساعة كمان؟ هي إمك فين يا بت؟
نهلة والتي اصابها الخوف من هيئتها أجابتها بتردد وعدم فهم:
- امى جاعدة فى المطبخ جوا بتحضرلهم غدا.
- غدددددا! يعني كمان وبعد دا كله، بتحضرلهم أكل يطفحوه:
صاحت بها بصدمة، قبل ان تنتفض، وتهرول سريعًا نحو والدتها في المطبخ، وهي تتأكد من قول شقيقتها وبدون سلام او القاء التحية، هتفت بعدم تصديق؛
- انتى بتعملى ايه ياما؟ بتحضريلهم غدا صح زي ما جالت نهلة! طب ليه ياما؟ هو انتى متعرفيش إن الزفت اللى جوا دا عمل ايه معايا النهاردة؟
نعمات التي اجفلت في البداية بهجوم ابنتها، تداركت سريعًا لتجيب بضيق:
- عارفة يا بدور اللى حصل، وابوكي كمان، دا مفيش بيت فى البلد ميعرفش باللي وعمله معاكي معتصم عند المدرسة!
جحظت عينيها وافتر فاهاها بوجه مخطوف تردد بذهول :
- يعنى عارفين وبرضو بتضايفوهم وتحضروا أكل وعيش وملح، طب ليه ياما؟
زفرت نعمات لتضرب بكفها على ظهر الاَخر بثقل وتجيبها بقلة حيلة:
- عشان طبوا علينا فجأة يا بدور، وابوكى مسكتلهومش، وزعج وبهدل الدنيا، بس بجى العمدة عمال يعتذر ويحايل فى ابوكى من ساعة ما وصل، وانتي عارفة ابوكي يا بتي، مهما كان لازم يقدر جيتهم ودخولهم البيت، دي الأصول يا بتي.
هكذا سريعًا، بعد أن انبلج الضوء في قلبها ونبت الأمل في الخلاص من هذا الهم الثقيل والمزعج، تتحطم احلامها بمسافة الطريق، المسافة التي قطعتها من منزل جدها وكانت تحلق بها من الفرحة، بعد موقف ياسين معها، وتلميحه بفك هذا الإرتباط الثقيل والمؤذي، لتصل الاَن منزلها، فتجد وكأن شيئًا لم يكن، بل وعادت الأمور لطبيعتها وكأن ما عاصرته هذا الساعات الماضية من شد وجذب وشجار على قارعة الطريق، أظهر لها طبيعة النفس السيئة لهذه المتبختر، المتعجرف، الفاشل، لتتيقن اخيرًا من صدق إحساسها، في أن ما تشغر به الاَن هو الكره لهذا الشخص؛ وبعد أن ظنت انها نجت، يتحول كل ذلك لوهم، لم تدري بنفسها والدموع تتساقط بغزارة اوجعت قلب والدتها وهي تردد بانهيار:
- يعنى خلاص ياما، ابويا سامح عن حجى ورضى على كده ياما، رضي بضربي وإهانة عيلتي جدام الطلبة زميلاتي في المدرسة، والناس اللي تعرفني واللي متعرفنيش.
تركت نعمات ما كانت تعمل به ، وتأثرت لتمسح بكفها على صفحة وجهها بقنوط، متنهدة بثقل تتمتم لها:
- وانا إيه ذنبي بس يا بتي، مقدرش ادخل بين الرجال ولا اقول كلمة انا .
زاد شعور القهر لدى بدور حتى همت ان تصرخ بوالدتها، ولكن صوت شقيقتها الصغيرة أوقفها:
- يا بدور، يا بدور، ابويا بيجولك تعالى عنده جوا في اوضة الضيوف عشان تسلمي عمى العمدة اللي جاى يراضيكى .
وكأنها وجدت بها منفثها صرخت بها بغضب وشراسة متحدية:
- اخلصي وغوري من وشي، انا مش رايحة في أي حتة، ولا هسلم على أي حد غوري .
التصقت نهلة بوالدتها بخوف من الأخرى، والتي بصقت كلماتها، وذهبت مهرولة على الفور نحو غرفتها، وفور ان وصلت وأغلقت الباب خلفها تناولت هاتفها واتصلت على ياسين، ف جاءها الرد سريعًا منه:
- الوو، ايوة يا بدور.
شهقت ببكاء مكتوم لم بمكنها بالرد بجملة مفيدة، مما جعل ياسين يهتف بقلق:
- بتبكي ليه يا بت؟ مالك يا بدور فيه ايه ؟ .
ضغطت حتى خرج صوتها من بين البكاء، لتجيبه بتقطع:
- ايوه يا جد ... اللحجنى.... معتصم جاب ابوه واتصالحوا مع ابويا... اتصالحوا يا جدى اتصالحوا
❈-❈-❈
وعودة إلى نهال
التي كانت تبكي على سريرها، تدفن رأسها في الوسادة، بنشيج حارق، مع تذكرها لكل ما حدث وما مرت به خلال الساعات الماضية، وما واجهته مع مدحت وادعاء هذا الولد الفاسد بالكلمات السيئة عليها وعلى سمعتها أمام عميد الكلية وأبناء عمها الاثنين، نهي صديفتها، والتي ترافقها في نفس الغرفة، كانت تجاورها على الفراش الاَن، وتربت بالكلمات المهدئة، كي تخفف عنها:
- خلاص يا نهال ما تعمليش كدة فى نفسك.
استمرت الاَخيرة على حالتها ولم ترد أو تستجيب لها، فتابعت بمزيد من التأثر:
- يا بنتى انتى كده هتتعبى والله، وبعدين بجى..... والله لو ما اتكلمتى ورديتى عليا لاكون فاتحها مناحة زيك، وانت عارفانى لما بفتح ما بجفلش، والنعمة هتندمي بجد.
قالت الاَخيرة بصوت مبحوح، وقد ترقرقت في عينيها الدموع، توقفت نهال على النبرة الغريبة،، لترفع رأسها فوجدتها حقًا تمسح في الدموع السائلة على وجنتيها، على غير ارادتها تبسمت بذهول لموقف المساند من صديقة عمرها، حتى في الحزن على شيء خاص كهذا، واعتدلت بجذعها، تمسح باطراف أناملها على خديها دموعها هي وتخاطبها بمناكفة:
- يا مجنونة يا ام مخ ضارب، دا بدل ما تقويني وتشجعيني عشان أوجف، بتشاركيني البكا؟
نوها والتي بادلتها الإبتسام:
- ايوه يا اختى اضحكى انتى، بعد ما خوفتينى عليكى.
تبست تتناول المحرمة الورقية لتجبر نفسها على التوقف، وقالت:
- لا يا حبيبتي ما تخافيش، أنا جوية واتحمل، ياما دجت ع الراس طبول .
رمقتها نهى بنظرة قلقة صامتة، مقدرة ما مرت به، قبل أن تجفلها بسؤالها:
- صحيح مين اللي جال لمدحت؟ دا وصل قبل حتى ما يبعتله العميد.
تلجلجت نهى تشير بسبابتها على نفسها تجيب: باضطراب:
- بصراحة يعني... انا اللي جولتلو لما سألني عليكي..
ناظرتها نهال صامتة بنظرة لائمة مطبقة شفتيها، جعلت الأخرى تتابع بدفاعية:
- متزعليش مني، بس دا واد عمك ورائف يبجى اخوه، يعني كان لازم يعرف عشان يجوي موقفكم جدام العميد .
ظلت صامتة ولكن بدا عليها بعض الاقتناع بعد أن إزاحة عينيها عنها وتنهدت بثقة قائلة:
- يا ستي، ع العموم هو كان هيعرف هيعرف، انا بس اللي دايجني هو انه حضر وشافني في الموقف الزفت، والبني أدم المتخلف ده بيتبلى عليا جدامه
نهى والتى وصلها ما كانت تفكر فيه نهال ويحزنها، سألتها بتردد:
- لكن هو كان شديد جوي معاكي المرة دي؟
نزلت دمعة ساخنة مسحتها سريعًا لتجيبها بابتسامة جانبية ساخرة:
- سيبك! انا خلاص اتعودت عليه وعلى جسوته .
ردت نهى باستنكار:
- لا يا نهال ماتجوليش كده، انا شايفة انه مهتم بيكى وحاسة كمان انه بيحبك .
رفعت طرف شفتيها بعدم رضا، ترفض التصديق مرددة:
- حاساه! يا حبيبتى دا خايف على شكله ومنظره، وصراحة عنده حج، اللي حصل النهاردة مكانش جليل.
- الله يخرب بيته الزفت ده اللي كان السبب في كل اللي حصل، عيل عفش وبهدل الدنيا بهبله.
قالتها نهى بأشارة نحو الفتى الذي تسبب في المشاجرة، وتذكرت نهال، لتجفلها فجأة تضحك بين بكاؤها وتقول:
- بس بصراحة الواد رائف كان شديد جوي عليه، ومسح بكرامته الأرض.
استجابت نهى لتضحك وتردد معها:
- واد عمك خلى وش اللي اسمه بجى شوارع، بس هو يستاهل هههه.
❈-❈-❈
في غرفتها وبجوار النافذة كانت تقف تنظر للخارج تعد الدقائق والثواني، في انتظار الدعم والمساندة، بعد أن هاتفت جدها وأخبرته بما حدث، وقلبها يسقط منها في كل لحظة خوفًا من التأخير او حدوث أي شيء آخر يمنعه، شعرت بفتح الباب وصوت شقيقتها تنادي وهي تتقدم بخطواتها نحوها:
- يا بدور يا بدور.
التفت رأسها بحدة تجيبها:
- نعم عايزة إيه؟ يا بدور يا بدور، إيه؟
زفرت الصغيرة تلوك العلكة بفمها، وقالت بنزق:
- مش انا اللي عايزاكي، ابويا هو اللي باعتني، وبيجولك يالا عشان تيجي وتسلمي على العمدة وولده.
برقت لها بعينيها الملونة لتصيح بها بعند:
- وانا رديت عليكي من شوية وجولتلك خليهم يستنوا، يبجى غوري بجى.
دبت نهلة بأقدامها على الأرض تهتف بوجهها معترضة:
- بتبرقي وتزعجي فيا ليه وانا مالى؟ ولا انتى عايزة تحطى غلبك فيا وخلاص.
هذه المرة صرخت عليها بحدة:
- بت انتى غورى من وشى احسنلك، انا على مش ناجصة كلمة واحدة حتى .
ارتعبت نهلة من هيئتها، لتكز على اسنانها الصغيرة والتفت لتذهب وتغمغم بغيظ وهي تذهب من الغرفة:
- انتى تجولى غورى، وامى وابويا يجولوا روحيلها يا نهله، استعجليها يا نهلة، مفيش غير نهله تتهزق فى البيت ده ؟
تابعتها بدور بعينيها، حتى غادرت وابتعدت، وعادت هي للنافذة، لمراقبة الطريق مرة أخرى، وف خرجت كنها هذه المرة شهقة الفرح، فور أن رأت السيارة القديمة لجدها في الأسفل، بجوار المنزل، وعاصم ابن عمها هو من يرافقه.
❈-❈-❈
في الأسفل كان عاصم يترجل من السيارة التي قادها بنفسه، يجاهد للتماسك حتى لا يترك نفسه لهواها في التدمير وتلقين كل مخطيء الدرس بالعقاب الذي يستحقه، دماء تغلي باردته بغير هوادة، من وقت ان سمع فحوى مكالمتها مع جده، وقد وصل الأتصال اثناء الجلسة مع الاَخير، وقبل أن يغادر هو منزل العائلة.
- حن عليك يا جدى خلينى اخش معاك
قالها مخاطبًا الاخر برجاء اثناء مساعدته للنزول من السيارة، وزفر ياسين يرد بسأم:
- وبعدين بجى؟ هو احنا اتفجنا على ايه بس؟
قالها وهو يستقيم بجســ ده، ليتكيء على عصاه ويتحرك، ولكن عاصم اوقفه:
- يا جدى العمده هاشم تعبان، وهيلف عليك زى ما لف على عمى دا شغلته الكلام الناعم .
عوج ياسين فمه بضيق، وضرب بكفه على الأخرى المستندة على رأس العصا، يردد بضيق:
- ولما يلف عليا زي ما لف على عمك، يبجى لازمتها إيه جيتي؟ بعد يا واد وسيبني، انا راسي اساسًا مش متحملة وعلى اعصابي، بعد يا عاصم يا ولدي وخليتي اللحق البت الله يرضى عنك.
قال الأخيرة بحزم جعل عاصم يتراجع، مسلمًا امره لله، يتابع خطوات جده البطيئة، وبداخله يود لو يرافقه ويقف لهذا المتحزلق وابنه، ولكن الخوف مما قد يقال في حقه وحقها بعد ذلك، جعله وقف متربطًا محله، كالعاجز لا يملك وسيلة الدفاع عن حقه بها....
على هذا الخاطر الاَخير استدرك جنوح فكره، والخطأ الذي قد يقع به لو استسلم لأحلام قد تكون الوهم ذاته، ارتفعت رأسهِ فجأة ، ليفاجأ بها، واقفه في شرفة غرفتها تراقبه هي الأخرى، تعاتقنت الانظار، وكأن العالم خلى إلا منهما فقط، لم تستحي او تتهرب بعينياها منه كعادتها! لماذا يشعر وكأنها واحدة أخرى، اتراها تغيرت؟ ام أن أحلامه بها تحولت لمرض وينسج كل هذا من وحي خياله؟.
❈-❈-❈
بداخل المنزل
كان راجح يفرك كفيه بتوتر عظيم، لتأخر بدور في الدخول حتى الآن، رغم ارسال ابنته الصغرى لها عدة مرات لاستعجالها، وفي كل مرة تعود بحجة مختلفة، مرة لتبديل ملابسها، ومرة أخرى كي تصلي فرضها، ومرة أخرى تتزين، لقد مل وهو لا يستطيع ترك الجلسة وترك الرجلين وحدهم حتى يصعد إليها بغرفتها في الطابق الثاني .
هتف العمدة هاشم سائلًا بابتسامة لزجة لا تخفي ضيقه:
- خبر ايه يا راجح؟ هي العروسه مش عايزة تيجي عشان نصالحها ولا إيه؟
رفم امتعاضه من اسلوب الرجل، وثقل الجلسة على قلبه، ولكنه اَثر الرد بزوق:
- ليه بس يا عمده؟ هي بس تصلي الضهر وجاية ان شاء الله.
معتصم والذي اصابه الضيق من كثرة الانتظار دون فائدة، رغم تنازله هو وأباه والاعتذار على شيء كانت هي المتسبب الأساسي فيه، خرج صوته بنزق:
- مش باين يا عمى انها جاية، اديلنا ساعتين مستنين ومحدش دخل لحد دلوكت.
- ولا هتدخل !!
هتف بها ياسين يجفل الثلاثة، نهض على الفور راجح يتلقفه من مدخل الغرفة، بلهفة لا يعلم سببها، وتناول كفه حتى يجلسه على أحد المقاعد، مرددًا:
- ابوى، اهلا بيك يا بوى، اتفضل معانا اجعد.
. اقترب منه العمدة هاشم يصافحه بكلمات منمقة كالعادة:
- يا أهلا يا اهلا، دا احنا انهارده عيد على كده، ان شوفناك يا عم ياسين.
تبسم الاخير بغموض يجيب ترحيبه باقتضاب:
- يا اهلا يا هاشم.
نهض معتصم يقلد والده، ولكن ياسين إزاح كفه الممدودة نحوه بازدراء قائلًا:
- بعد ياض عنى .
اهانة شعر معتصم بها وكأن دلوًا من الماء القذر اغرقه، ف التف نحو والده بصدمة، استوعبها هاشم سريعًا ليمتص الغضب ويتصرف بذكاء المعروف بأن اشار له ان يصمت، وينتظر
ابتلع راجح ريقه الجاف، وقد اخجله فعل والده، ولكنه لا يملك ان يراجعه، فظل صامتًا حتى تحدث ياسين
- ها كنتوا بتجولوا ايه بجى جبل ما ادخل؟
رد هاشم بلؤم:
- يعنى هنجول ايه بس؟ غير بكل ود ومحبة، دا احنا نسايب وحبايب.
- كنا، كنا نسايب وحبايب لكن دلوكت لا
هتف بها ياسين بحدة، وجاءه رد هاشم سريعًا:
- ليه بس كده يا عمى؟
صاح ياسين يكشر عن انيابه، بدون انتظار اكثر من ذلك:
- ما تبطل اسلوبك دا يا عمده، ولا انت فاكرنى نايم على ودانى ومش عارف باللى عامله ولدك لبت والدى عند مدرستها؟
ارتبك هاشم في البداية ولكنه تدراك سريعًا ليهديء من فورة غضب الاَخر، وقد علم الاَن السبب الأساسي لمجيئه وحضور الجلسة، وقال بمكر:
- عندك حج يا عمى إنك تزعل، دا انا هزجتوا ومسحت بكرامته الارض اول ما عرفت باللي حصل، واسأل راجح كمان، دا احنا جينا هنا جبل البت ما توصل من مدرستها وخليته اتأسف واعتذر لعمه راجح لحد ما الراجل اقتنع وسامح.
رد ياسين يجفلهم بقوله:
- بأي صفه؟
ابتلع راجح وشعر بالحرج يجيبه:
- خبر ايه يا بوى؟ بصفتى انى ابوها .
رفع ياسين سبابته للأعلى يخاطب بها الثلاثة:
- إنت تسامح فى اللى يخوصك، لكن اللى يخوص العيله ما يخوصكش لوحدك، دا يخص العيلة كلها وانا كبيرها.
حاول هاشم ان يلطف بقوله:
- براحه شويه يا عم ياسين، دول كلمتين هايفين فى لحظة غضب وعدو خلاص .
ضرب ياسين بعصاه على الأرض يهتف بحدة:
- لأه معدوش يا عمدة، ومكانوش هايفين، بجى لما يجولها ابويا هو اللى عملكم سعر لما فكرنا نناسبكم دي تبجى هايفة؟ ولا التانية كمان يمد يدوا عليها في وسط الشارع وجدام الناس، دي لو كانت مرته يمكن كنا ادينالوا عذر، لكن يعملها واحنا لسة ع البر ، حد جالوا إن ملهاش ناس اياك؟
صاح معتصم برعونة وعدم مراعاة لوضعه:
- انا مضربتهاش انا اخرى مسكتها من دراعها وبس، وهي اللي استفزتني من البداية على فكرة.
استشاط ياسين من الغضب وارتفعت عصاه نحو هاشم يشير بغضب:
- شايف الغلط ولا لاه يا عمدة؟ جولى ان كان عاجبك كلام ولدك .
حدج هاشم ولده بنظرة محذرة يهدر فيه للسكوت، والتف بعدها لياسين يقول بمهادنة:
- شوف يا عم ياسين احنا خلاص عرفنا الغلط، بس امسحها فيا المره دى،
صاح عليه ياسين بشراسة:
-امسح ايه ولا يه؟ مش انت ولدك جال أنه عملتلنا سعر لما فكرت تناسبنا، وانا بجولك اها، احنا مش عايزين نسبكم .
عند الأخيرة انتفض هاشم يهدر بياسين:
- بس انت كده بتكبرها يا حج ياسين وبتشعللها بعد الدنيا ما هديت واحنا اتصالحنا مع ابوها.
نهض ياسين هو ايضًا يقابله بندية غير مبالي قائلًا:
- ابوها دا يبجى ولدى يعنى كلمته من بعدى .
التف هاشم بتهديد نحو راجح يسأله:
- صح الكلام دا يا راجح؟ انت ناوي تتبع ابوك وترجع فى كلامك معانا؟.
وقف راجح يجيبه بهدوء رغم غضبه، وقال مصححًا:
- اولا انا لا يمكن اكسر كلمة لابويا ولو على رجبتى
والتانيه بجى، انا جولتلك ان البت هى اللى تحكم لو رضيت بالصلح تمام لو مردتش يبجى خلاص، يعني مدتكاش كلمة عشان ارجع فيها.
صاح هاشم:
- واحنا من امتى بناخد رأي البنتة؟ ولا انت ملكش كلمة عليها.
خرج راجح عن طبيعته ليهدر بغضب مكبوت:
- خلي بالك من كلامك يا عمدة، مش معنى ان جدرت جيتك وراعيت الأصول في استقبالك، يبجى هسكتلك، ولا انت فاكر إن بعد ولدك ما مد يده عليها وغلط فى اهلها وهى لسه مدخلتش بيته، يبجى هيبجالي كلمة عليها بعد كدة، ولا كمان اغصبها عشان اعجبك؟
تدخل معتصم بغباء، وقد تشجع بحدة والده في الحديث:
- يعنى انت هتتبع الراجل الخرفان ده وتفشكل الخطوبة؟
جحظت عيني راجح بشدة مذهولا لقلة حياء الاَخر، وقبل ان يرد ياسين، ويبرر الاَخر لولده، هدر قاطعًا بحسم:
- خرفان فى عينك جليل ادب عديم الرباية، اسمع يا عمده شبكتم هتوصلكم واحنا معندناش بنته للجواز .
قالها بشدة وقوة اجفلت العمدة، الذي لم يتحمل اكثر من ذلك، وخرج يسحب ابنه، يتوعد لراجح ووالده
- ماشى يا راجح، ماشى يا حج ياسين، خليكم كد الإهانة دي، انا لا يمكن اسكت ولا اعديها.
❈-❈-❈
خارج المنزل كان عاصم مازال على وقفته في انتظار الجد، وتفاجأ بخروج العمدة هاشم وهو يجر ابنه ويسحبه عنوة، يحاول بصعوبة السيطرة على جنونه، قبل أن يرتكب فعل متهور كعادته، ويزيد الوضع سوءًا، وانتبها الاثنان فجأة على هذا الضخم المستند بظهره على جذع النخلة خلفه، يناظرهم بتوعد وهيئة تشبه افراد العصابات والمجرمين، ابتلع هاشم ريقه، والقى التحية يشير بكفه:
- ازيك يا عاصم.
لم يرد، بل ظل يحدجهم مضيقًا عينيه، وازدادت انظاره اشتعالا، حتى ادخل بقلوبهم الرعب لينسحبا بخطوات مسرعة، ويتركا المكان والمحيط المقلق بوجود هذا المدعو عاصم .
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية