رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 8
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل الثامن
خرج عاصم من غرفته مرتديًا العباءة الرجالية السوداء فوق الجلباب الصوف، بأناقة اعتاد عليها خاصة حينما يخرج لشيء هام خارج البلدة، أكتافه العريضة، مع طوله الفارع، بوسامة رجولية خشنة تلفت إليه الإنتباه دائمًا، الشيء الذي جعل تهلل بالتكبير وترديد الأدعية الحافظة بمجرد رؤيته في الصالة اثناء جلوسها تتناول وجبة الإفطار مع زو جها على مائدة الطعام
-بسم الله، الله اكبر، عيني باردة عليك يا حبيبي، يحميك من العين ومن كل حد من شافك ولا صلاش ع النبي .
- اللهم صلي وسلم وبارك عليه .
رددها مع والده هو الاخر، ليقول ضاحكًا:
- إيه يا ام بلال؟ ناقص تجيبي البخور وتبخبرني؟
نهضت عن مقعدها سميحة بتحفز، قائلة بحماس وهي تخطو لتفعل بحق.
- هو انت بتقول فيها، والنعمة اروح اعملها صح.
قهقه يوقفها فور ان اقتربت منه ليقول ضاحكًا:
- جلبك ابيض يا ست الكل، انا كنت بهزر.
- وانا مش بهزر انا بقول جد.
قالتها وهي تحاول التحرك مرة أخرى ولكنها اوقفها بتقببل رأسها:
- خلاص يا ستي، دي مكانتش كلمة دي، صباح الفل.
- صباح الهنا على عيونك.
رددتها سميحة وزو جها ايضًا الذي خرج صوته برزانة:
- صباح النور يا ولدى، رايح فين ع الصبح كدة؟
اجاب عاصم متنهدًا وقد هدات ضحكاته:
- واريا بس شوية مشاوير كده عايزة اخلصها بس هاجى بدرى ان شاء الله.
قالها وهو يخطو حتى جلس مع والدته التي عادت لمقعدها هي الأخرى، فقال سالم بعد ان صمت قليلًا في وادعى انشغاله في تناول الطعام:
- لكن انت عديت على جدك زى ما جولتلك امبارح؟
تغير وجه عاصم لتعلوه الجدية وهو يرد :
- عديت يا بوى وسألنى عن جوازى!
سألته سميحة بلهفة:
- وانت بجى يا حبيبي جولتلوا إيه،
- جولتلوا اللى جولتوهلك سابج ياما.
قالها عاصم ليعقب والده على قوله بتحذير:
- لكن يا ولدى دا جواز، وكلمة هترتبط بيها وانت طول عمرك راجل ما بترجعش فى كلمتك، يبجى تفكر زين الأول وتاخد وجتك، الدنيا مطارتش.
صمت وتوقف الطعام بفمه لعدة لحظات، قبل ان يعود ليلوكه بصعوبة وقال:
- ما تخفش يا بوى ولا تشغل بالك، إنت جولتها بنفسك، انا ما برجعش فى كلمتى .
مع عدم تقبله للفكرة من الاساس، واحساسه بخطأ ما يفعله ابنه، سأله سالم ليؤكد عليه مرة أخرى:
- يا ولدى دى بت عمك، وانا أخاف انك تظلمها .
هتف عاصم بدفاعية:
وه يا بوى، وانا امتى بظلم حد عشان اظلم بت عمى؟ دا جواز مش لعبة وهتسلى بيها
بشبه ابتسامة رد سالم مقارعًا ابنه:
- الجلب وما يهوى يا ولدى .
سمع منه عاصم، ليقول بمرارة ملئت كيانه حتى فاضت:
- سيب اللى فى الجلب يا بوي فى الجلب، عشان كل حاجة نصيب، وانا عرفت نصيبي خلاص يا لا بقى.
صمت برهة ثم وجه حديثه نحو والدته يقول بحسم:
- روحى النهاردة ياما بيت عمي عبد الحميد، بس كلمى مرة عمى الأول تشوف البت ولو رضيت؛ ابويا يكلم عمى.
هتفت سميحة بفرحة، وعدم تصديق:
- حاضر يا ولدى من عنيا، بس النهاردة خابزه لو ملكت اروح العشية هروح ولو ما ملكتس هروح بكرة ع الصبح ان شاء الله مش هستني، دا يوم الهنا و.....
- إستنى يا مرة انتى، مستعجله على ايه؟
قالها سالم مقاطعًا لاحلام سميحة التي انخطف لون وحهها، وانتقلت عينيها برجاء نحو ابنها، مع توجسها برغبة زوجها في التأجيل او الألغاء، انتبه لها عاصم فقال مشفقًا يخاطب والده:
- خلاص يا بوى خليها تروح، مالوش لزوم التأجيل اكتر من كدة، احنا فى الحديت ده اساسًا بجالنا ايام .
- لكن يا ولدي.
قالها سالم بتردد حسمه عاصم للمرة الثانية بقوله:
- يا بوي مالوش لزوم الأخد والرد تاني، بعد ما رسينا على رأي، خلي امي تروح وتفرح بجى.
رد سالم بأنفعال وعدم رضا، لما يفعله ابنه في نفسه:
- تفرح ازاى بس وانت نفسك مش فرحان؟
صمت عاصم دون رد، فقال والده باستسلام:
- خلاص روحى بس خليها بكرة عشان خبيزك .
تنهدت سميحة بارتياح مع إحساسها بالوصول لمبتغاها اَخيرًا:
- الحمد لله، اخيرًا رضيت، يتمها على خير كمان يارب .
❈-❈-❈
في منزل راجح والذي كان يتناول وجبة إفطاره في هذه الوقت الباكر من الصباح، مع زو جته واولاده الصغار، قبل ذهابهم إلى مدارسهم، انتبه علي بدور التي نزلت من غرفتها بالطابق الثاني، ترتدي ملابس المدرسة هي الاخرى، وعلى ذراعها حقيبتها، تتحرك بخطواتها نحو المغادرة بصمت ودون صوت، لتجفل على صيحة والدها الذي قال بتهكم:
- صباحك وراكى ولا جدامك يا غندور؟
التفت إليه تجيبه بحرج اختلط بحزنها:
- صباح الخير يا بوى .
قالتها وهمت لتتابع سيرها ولكنه اوقفها مرة أخرى بقوله:
- ماشيه على طول ليه يا بت؟ مش تترزعى تفطرى الاول.
ردت بصوت ضعيف وحزين بالكاد يخرج قبل ان تتابع ذهابها:
- معلش يا بوي، بس ماليش نفس، عن اذنكم .
تابعت نعمات اثر ابنتها حتى اختفت وغادرت المنزل، ثم التفت إلي زو جها تخاطبه بعتب
- براحه شويه ع البت يا ابو ياسين، دي مهما كان برضوا صغيرة.
كز على أسنانه راجح، ليرد على قول زو جته بانفعال وعصبية:
- انا برضوا اللي براحة يا مجنونة انتي كمان زي بتك، دا انا ماسك نفسى عليها بالعافية، رغم اني اقد اكسر عضمها، جاية دلوك تجولى مش جابلة واد العمدة ومش عايزاه، كان فين رأيها ده لما اتجدمولها عيال عمها التلاتة ؟ اللى الوحد فيهم بس، بعشرة من عينة معتصم،
وهى معرفتش تختار حد منهم، وتريح نفسها وتريحنا من الحيرة اللي جبرتنا نوافج ع اللي اسمه معتصم ده.
ردت نعمات بمهادنة وإشفاق:
- أديك جولت بنفسك، التلاته رجالة عليهم الجول ومفيش حد فيهم يتعيب، وهي احتارت ما بينهم.
عقب راجح باستهجان:
- اه وجايه دلوكت يعني تختار بعد ما اتشبكنا مع الناس وجرينا فاتحة ولبسنا شبكة مش بس كلمة!
توقف ليهدر بها بحزم:
- اسمعى يا نعمات الكلام دا زين وفهميه لبتك، انا مبرجعش فى كلمه جولتها ومطرح ماتحط راسها تحط رجليها، وفهميها إني لحد دلوكت مش راضى امد يدى عليها، يعني تحط عجلها في راسها وترسى كدة.
انتفضت نعمات بارتياع لهذه الهيئة التي بدا عليها زو جها، فهي الأعلم به، دائمًا هاديء، ولكنه لا يصل إلى هذا الغضب إلا إذا كان الأمر جلل، وهي تعلم بذلك، فخرج صوتها بلين:
- وه يا راجح، دا انت عمرك ماعملتها مع واحده فيهم ولا حتى وهما صغيرين حتى، يبجى تعملها دلوكت وبتك عروسة؟
ضرب راجح بكف يده على سطح المائدة يحسم بتهديد:
- امال اسيبها توطى راسى مع الناس؟ معتصم بجى نصيبها، يعني بس تخلص سنتها الاَخيره وتكمل سنها وهجوزها على طول ومش هستنى،
ورفع سبابته يردف:
- ولو بتك زودتها يا نعمات وصممت ع اللي في راسها لكون مجوزها بالسُنة واللي يحصل يحصل.
بكف يدها ضربت على صدرها تردد بجزع:
- تجوزها بالسُنة يا راجح، طب ليه؟ هي طارت عليها يعني؟
نهض راجح عن مقعده بعنف يدفعه للخلف حتى اصدر صريرًا مزعجًا:
- مش احسن ما اسيبها تمشي اللي في مخها، العمدة وولده مستنين بس اشاره وهما مستعدين يكتبوا ورقة بمليون مش مية الف ضمان
❈-❈-❈
بداخل السيارة التي أصبحت تقلها ذهابًا وإيابًا من وإلى جامعتها، كانت جالسة شابكة كفيها الإثنين بأدب، تسندهم على حقيبتها التي تعلو حجرها، انظارها أمامها نحو الطريق مثبتة، لا تحيد يمينًا ولا يسارًا، بصمت كئيب، اتخذته نهجًا من وقت أن اصدر تحكماته الأخيرة نحوها، لا ينبت فمها إلا بالرد بكلمات مقتضبة إذا سألها، تتحلى بالصبر في انتظار أن يفرج عنها أو يمل او ينشغل بمسؤلياته، تشعر أن هذا اليوم قريبًا، لما تعلمه جيدًا، عن كثرة اشغاله الموزعة ما بين الجامعة والمشفى وعيادته.
- تحبى اشغل التكيف؟
قالها مستهبلًا، رغم علمه بطراوة الجو بالسيارة والذي يقترب من البرودة في هذا الوقت من الصباح، ولكنها حجة لفتح حديث معها، وقد ضاق وضج من هذه المعاملة الجافة منها.
-لا
قالتها مقتضة بكل هدوء لتثير سخطه، حتى اجبرته ليغمغم داخله:
- هي دي بس اللي قدرتي عليها؟ ماشي يا نهال.
تنهد بصوت مسموع يحاول معها مرة أخرى:
- تحبى اشغل لك اغنية تحبيها؟
التفت برأسها إليه تطالعه باستغراب صامتة، لتجيبه بكل برود، مرددى نفس الكلمة، قبل أن تلتف للأمام نحو الطريق مرة أخرى، ومع هذا تبسم داخله بابتهاج بعد أن اهدته نظرة جميلة منها، بلون عينيها السري والذي قد توهج بروعة، وانعكس مع نور الشمس الذي يشمل السيارة، ولكنه عاد لحالة الإحباط مرة أخرى، مع عودتها لحالة الجمود مرة أخرى، وزاد سخطه، مع اشتياقه بكل ذرة من كيانه إلى حيوتها وجنونها أيضًا.
وبحركة غير محسوبة وجد نفسه يزيد من سرعة السيارة، بقصد لفت انتباهاها، ولا يعلم أنه اثار الفزع بداخلها ولكنها بتمرد اعتادت عليه، حاولت الا تُظهر له رغم شعورها بقرب توقف دقات قلبها من الرعب، حتى ظلت صامتة، تعد على أصابع يدها، بغرض ان تلهي نفسها، واحد، أتنين، تلاتة، أربعة، خمس...
في الاخير لم تقدر على الأكمال، فخرج صوتها المرتعش بضعف في البداية مرددة:
- هدى السرعة... هدى السرعة شوية.
مع استمرار تغافله المقصود لهمساتها الراجية وهو يقود بتجاهل ويدعي التركيز في النظر أمامه، وتزايد الهلع بداخلها، لم تتحمل ألصمود أكثر من ذلك، فصرخت بصوت مرتعب:
- هادييييي .
على الفور خفف السرعة ملبيًا ندائها، والتف نحوها ليفاجأ باصفرار وجهها وتنفسها بصعوبة ولهاث، بأعين تترقرق فيها الدموع، شعر بالندم الحقيقي، وجموحه الذي أدى به إلى هذا التصرف الأحمق، فقال بلهجة حانية:
- اهدى خلاص، اهدى انا كنت بهزر بس عشان اشوف رد فعلك.
حدجته بغيظ تملك منها بشدة تهتف بسخط:
- بتهزر!.... كنت هتوجف جلبى واموت فيها من الرعب والخوف وتجولى بهزر.
اعتلى ثغره ابتسامة متسلية ليزيد من إستفزازها بقوله:
- اللي يشوفك وانتي بتعاندي وتتحدي، ميتوقعش منظرك ده وانتي نفسك منحاش ووشك مخطوف عشان بس زودت سرعة العربية، مكنتش فاكر ان جلبك خفيف كدة يا نهال .
سمعت منه لتحدجه بنظرة نارية، وبداخلها تتمنى ضربة على وجهه الجميل هذا، بأي شيء تناله يداها، فخرجت الكلمات من تحت أسنانها بتهكم ساخر، لا تقصد به المرح:
- ها ها ها وانا ماكنتش اعرف انك ظريف كده !
- هههههه .
صوت ضحكته المجلجلة والتي انطلقت في قلب المساحة الصغيرة في السيارة، أجفلتها لدرجة الإرتباك، حتى شعرت بقفزات هذا الخائن بصــ درها، بتسارع كاد أن يفضحها، اما هو فلم يكن بقادر على التوقف عن الضحك نهائيًا، بشكل جعله يستمر في القيادة بصعوبة، وعقبت نهال مستنكرة بخفة دمها المعروفة
- ما خلاص بجى هى نكتة؟
قالتها بنظرة تشتعل من الغيظ ليبادلها هو بنظرة غريبة لم تفهمها، ثم قال ببساطة:
- هى دى نهال !!
اربكها للمرة الثانية وزاد بداخلها التوتر، حتى التفت عنه تتحاشاه بالنظر نحو الطريق مباشرةً، ف انتبهت لقرب وصولها، لتتمتم براحة على الفور:
- الحمد لله وصلنا .
عقب مدحت بابتسامة ارتسمت على وجهه:
- ومالك بتجوليها بارتياح شديد كدة، لدرجادى انتى تعبتى منى ومن سواجتى .
خطفت نحوه نظرة عابرة بصمت عن الرد وهي تجهز نفسها لمغادرة السيارة، حتى إذا توقفت بها وهمت بالترجل، أوقفها بقوله:
- نهال ما تنسيش ترنى اول ما تخلصى على طول،
وحاولي تعرفي المواعيد من البداية عشان اظبط مواعيدي.
تنهدت تحاول التماسك والتحلي بالزوق في الرد إليه:
- على فكرة، كدة ماينفعش انك تعطل مصالحك كل يوم عشانى.
رد بابتسامة سمجة مزعجة:
- وانتى مالك ياستى انا عايز اعطل مصالحى، اسمعي الكلام بس ونفذي من غير كلام.
بدون ادنى رد قامت بفتح باب السيارة للترجل سريعًا منها، صافقة الباب بعنف مقصود من خلفها، حتى زادت من مرح الاخر، مع ابتسامة لم تغادر وجهها، مستمتعًا بمشاكستها.
❈-❈-❈
توك ما واصلة يا ست هانم . طبعاً تيجى براحتك وتصحى براحتك مدام فى عربية بتجيبك مخصوص مش احنا اللى نصحى من الفجرية عشان بهدلة المواصلات .
علقت بها نهى بمناكفة استفزت الأخرى لتهدر بها
- نهى اتعدلى بدل ما اعدلك .
سمعت منها لتزيد بمزاحها مستمعتة بهذا المزاج النزق من صديقتها.
- تعدلينى ليه بجى؟ ها؟ معوجة انا ولا كنت معوجة ها
ردت الأخرى بنفعال حقيقي هذه المرة:
- والنعمه انا على اخرى . لمى نفسك احسن واتجى شرى أحسن يا بنت الناس .
طأطأت نهى رأسها بتمثيل ودراما، وادعاء الخنوع التام في قولها:
- حاضر يا ست هانم اللى تؤمرى بيه .
تبسمت نهال مستجيبة لمزاح صديقتها تقول لها :
- ايوه كده، خليكى حلوة.
تابعت نهى بمزاحها تردد:
- حاضر يا ست هانم هبجى حلوة، اللي تجولي عليه ماشي.
ضحكت هذه المرة نهال بصوت واضح وقد استطاعت إلهاءها عما يحدث معها من مدحت وتعمده التضيق على حريتها، ورددت من بين ضحكاتها:
- هههه، يخرب مطنك ضحكتينى، وخليني افك شوية بعد ما كنت مضايقة.
- لا وهتنبسطى اكتر لما تعرفى ان المحاضرة اتلغت لأن الدكتور عنده ظرف صحى .
قالتها نهى بلهفة تفاجأها، وتوقفت نهال لتقارعها بوجه عابس:
- ودا بجى هيبسطنى ولا يفرحني يا ناصحة .
قطبت نهى بدهشة لتردد بعدم تركيز :
ايوه طبعاً، كدة نعتبره يوم أجازة أو راحة ونروح بجى نتفرج شوية على المحلات او نتمشى.
أيوه عشان مدحت واد عمى يعملى محاضرة
قالتها نهال وهي تزفر بنزق، ثم خطت حتى تصل إلى الاَربكة الخشبية الكبيرة أسفل شجيرة ضخمة، لتجد مكانًا لها بجوار مجموعة من الفتيات، ثم افسحت لنهى التي لحقت بها، لتقول بيأس:
- ليه يا نهال؟ هو لسه مشالكيش من مخه؟
كزت نهال على أسنانها تردف بغيظ وهي ترفع قبضة يدها أمام وجهها:
- كل يوم اجول النهاردة هينشغل عنى، النهاردة هينشغل عني بس مفيش فايده، دماغه زفت، مُصر يكبس على نفسي، وانا دمي بيغلي و....
قطعت حينما صدح هاتفها بورود مكالمة:
- استنى ارد عالتليفون اللى بيرن ده.
قالتها لتخرج الهاتف من الحقيبة وترى إسم المتصل، ليهلل وجهها مع روية الرقم، ف سألتها نهى:
- مين يا نهال؟
أشارت لها لتصمت قبل أن تجيب
- الو السلام عليكم .
جاءها الصوت المرح:
- ازيك يا بت.
ضحكت نهال مستجيبة للمزاح تردد:
- بت لما تبتك.
جاء الصوت هذه المرة عن قرب:
- يا بت عيب عليكى احترمينى انا واد عمك وكبير عليكى .
شهقت نهال ضاحكة وتقول بعدم تصديق فور أن رأته أمامها:
- إنت ايه اللى جابك هنا يا مجنون؟
تفكه رائف رافعها حاجبيه بمرح فور أن نزع النظارة الشمسية يقول:
- أنا محدش يتوقعني.
قهقهت نهال ضاحكة لافعال هذا المجنون ابن عمها، أما نهى والتي تفاجأت هي الأخرى، فقد حاولت إخفاء ضحكاتها، رغم ان غمازتيها فضحتها، حتى أنها لفتت انتباه الأخر، لخجلها في تجنبها النظر إليه، فتقدم نحوها يمد كفهِ نحوها كي يصافحها بأدب:
- اهلا يااا.
- إسمها نهى.
قالتها نهال وررد الاسم من خلفها:
- أهلا يا أنسة نهى .
غمغمت برد التحية بهمس وكسوف وهي تنزع كفها سريعًا:
- اهلاً بيك حضرتك .. طيب انا هاروح اشوف بثينة ولما تعوزينى رنى عليا يا نهال ماشى .
أومأت لها نهال موافقة، وتحركت هي مغادرة تحت انظار رائف التي رافقتها حتى اختفت، ثم اندمج مع ابنة عمه الشقية وأحاديثها الممتعة بعفوية اعتادت عليها معه، ولا يدريان بأعين تملأها الحقد والحسد تتابعهما وتراقب، في انتظار الفرصة!
❈-❈-❈
في البلدة
كانت عائدة بدور من دوامها الدراسي ومعها ابنة عمها نهال حينما تفاجأو بمن يتقدم نحوهن، بخطواته السريعة، انتبهت عليه نيرة لتلكز ابنة عمها من مرفقها، تقول:
- اللحجى المحروس خطيبك باينه استحلاها .
حدجته بدور بأعين تقدح شررًا تتابع خطواته المختالة بتبختر مستفز وابتسامة لزجة اثارت حنقها، حتى ودت ان تغلقه هذا الفم الكريه بكفها:
- إزكم يا بنات .
هتفت بها معتصم فور ان اقترب منهن، رددت نيرة وحدها التحية:
- اهلا يا معتصم، طب انا هستناكى يا بدور عند اخر السور.
قالت الأخيرة بإشارة نحو ابنة عمها التي ظلت صامتة حتى ابتعدت عنها نيرة، ثم ما لبثت ان تهتف عليه بغضب مكبوت:
- انت إيه جابك تاني هنا يا معتصم؟ ولا هى بجت شغلانه ؟
ذهب الإبتسام عن ملامح معتصم وحل العبوس والتجهم ليقول بغضب:
- ما انتى ما بترويش عليا نهائي لما بتصل بيكي، سايبانى ومش معبرانى خالص.
ناظرته بدور بتحدي لترد بكل ثقة:
- ولا هارود عليك يا معتصم، ولو مش عاجبك نفوضها سيره وارجعلك شبكتك !!
تطلع فيها معتصم لعدة لحظات بازبهلال وعدم تصديق، حتى ظن أنه سمع بالخطأ فسألها مرددًا:
- إيه بتجولى؟ ولا انا اللي سمعت غلط؟ كرري من تاني وخليني اتأكد من اللي سمعته.
نبرته الحادة وتغير لونه وجهه في وقت آخر كان سيشعرها بالخوف، لكنه في حالتها الاَن فقد بلغ منها الضيق منها مبلغه، لذلك كررت بالفعل وبكل قوة، مشددة على أحرف الكلمات
- بجولك نفوضها سيره وارجعلك شبكتك.
اشتعلت عينيه فجأة وتحولت ملامحه لشكل مخيف وهو يهدر بها:
- لكن انتى واعية للى بتجوليه ده؟ ولا دريانة بخطورته يا حلوة قبل ما تلهفطي بيه؟
بدت أمامه واحدة أخرى غير التي يعرفها على الإطلاق، حتى ظن أنها تفعل يه مقلب، وستعود لرشدها بعد قليل، وتخبره بانتهاء المزحة، ولكنها فاجأته مرة أخرى بقولها:
- ايوة يا سيدى دريانه وبكامل قواية العقلية كمان، بجولك خلينا نفك الشبكه الزفت دى .
هنا انفرط العقد وتخلى معتصم عن هدوئه، لتطبق كفه على مرفقها ويهزهزها بعنف مرددًا:
- انتى اتهبلتى ولا اتجنيتى؟ ولا جرى حاجه فى مخك إيه؟ نسيتى نفسك يا بت راجح؟ دا انا ابيعك واشتريكى انت وناسك كلهم .
صرخت به بدور وهي تحاول أن تنزع ذراعها من قبضته:
- سيب يدى يا بارد يا عديم الرجوله يا لطخ
زاد معتصم من جنونه ليصرخ بها غير مكترث لخطورة ما يفعله:
- انا مش راجل با بت ال..
قطع جملته مع دفعة قوية تلقاها من نيرة التي أتت تؤازر ابنة عمها، ضد هذا الجلف عديم الحياء، فصاحت به بشراسة:
- سيب يدها، انت اتهبلت ولا اتجنيت بجولك سيييب، إيه يا خوي، مش لاقي حد يلمك ولا يقفلك؟ ولا مفكرنا بنتة ضعاف وهنخاف منك؟
اضطر معتصم ان يتركها وعينيه تطلق شررًا من جحيم غضبه، دلكت بدور على ذراعها مردد بألم :
- جاتك ضربة في يــ دك.
رفع قبضته مرة أخرى مهددًا:
- لمي نفسك ومتخلنيش افش غليلي فيكي احسنلك، انا على الخري.
هدرت به نيرة وهي تزحزحه لتدفعه بعيدًا عنهن، تواجه بعصبية قائلة:
- تمد يدك على مين؟ هي سايبة ولا سايبة؟ ولا انت فاكرها ملهاش ناس ياك يردوك؟
تخصر معتصم يقول بعنجهية وغباء:
- نااس !! ناس ميين ياسنيورة؟ هو انتو كنتوا تحلموا تناسبونا أساسًا؟ دا انا ابويا هو اللى عملكم سعر لما فكر نناسبكم؟
همت بدور ان تفحمه برد قاسي، تعرف هذا التافه مقامه به، ولكن نيرة سبقت بردها الحاسم
- ماشى يا معتصم، بس خليك كد كلامك ده وكد الفضايح اللى عملتهالنا دلوك.
- فضايح !
قالها معتصم مجفلًا بعد ان شعر بجسامة الخطأ الذي ارتكبه، لانتباهه اَخيرًا على التجمع الكبير حولهم،من طلبة ومارة، وقفن يشاهدن ما يحدث، فتحركت قدميه ليغادر على الفور، يغمغم بالكلمات والسباب.
- ماشى، ماشى يا بدور، انا إن ما كنت اعلمك الأدب، انتي وعيلتك اللي فرحانة بيها دي، مبقاش انا.
فور ابتعاده واختفاءه من أمامهم اطلقت بدور لدماعاتها السراح، لتنهار من البكاء في حضن ابنة عمها، وزميلاتها في الدراسة التففن حولهن يؤأزرنها، نيرة والتي كانت تربت بكفها على ظهرها لتهدئتها، كانت تردد بانفعالها:
- خلاص ما تزعليش يا حبيبتى؟ اهو غار فى ستين داهيه ودينى ماهسكت ع اللي حصل وعمله معانا، إن مدفع تمن جلة حياه وغلطه ده جامد، مبجاش أنا.
❈-❈-❈
- شايف بتضحك وتهزر مع الواد الغريب دا ازى؟ وعند انا ما شوفش منها غير الوش الخشب!
قالها هذا الفتي الذي تصدر بجسده لنهال قبل ذلك في اول يوم دراسي لها، وهو الآن يراقب جلستها مع ابن عمها رائف، راصدًا كل لفتة او ضحكة منها، ويفسرها بحقد وضمير سيء، فقال صاحبه ليزيد عليه:
- ما يمكن كانت مستتجلة دمك يامحمود؟ اصل الدنيا جبول برضك، والواد اللي معاها باينه دمه خفيف، دا غير ان شكله حلو وجيمة.
كلمات صديق السوء السامة زادت من اشتعال الحريق في برأسه، فهتف بحمائية وأعين تعميها الغضب:
- انا مش جبلانى؟! ليه انشاء الله ناجص ولا معيوب؟ ولا يكونش صاحبنا اللي معاها دا نجم سيما من اللي بيجو في التليفزيون وانا معرفش.
تمتم صديقه بخبث:
- طب وانا مالى يا عم ؟ بتتعصب عليا ليه يعني؟ لهو كنت انا اللي جاعد بهزر وبضحك معاها دلوك ، ولا انت مقدرتش ع الحمار هتحط غلبك في البردعة
ضغط هذا المدعو محمود على شفته يتمتم بتحسر:
-هتجن يا اخى، اشمعنا هو يعني؟ وانا كل ما اكلمها تكشر فى وشى، بصراحة هموت عليها .
تبسم صديقه يقول ساخرًا:
- طب ما تحاول معاها تاني، يمكن ترضى المرة الجاية؟
غمغم محمود بتصميم:
- طبعًا هحاول و لازم يبجالى صرفه مش هاجعد اتفرج عليها، كدة وبس، ما هو يا فيها يا خفيها!
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية