رواية جديدة ذنبي عشقك لميرا كريم - الفصل 26
قراءة رواية ذنبي عشقك كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ذنبي عشقك رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ميرا كريم
الفصل السادس والعشرون
من عجائب الحب المبدئية أنك لا تعرف لماذا أحببت، ثم يزيد حبك فتعرف لماذا زاد، ويظل السبب الرئيسي للوقوع في الحب سراً غامضاً لا يكشف عن ملامحه قط.
- أحمد بهجت
❈-❈-❈
استيقظت قبله وكانت حريصة كي لا تقلقه وها هي تجلس على المقعد أمام المرآة
تتـ لكأ أثناء تمشيط شعرها وعـ يناها لا تفارق إنعـ كاسه أثناء نو مه فكان مُستغرق وملا محه سَاكنة بطريقة جعلت قلبها يرفرف بين ضلوعها فمن يصدق أنها تخطت رهـ بتها منه و شاركته الفر اش، و لتكون صادقة؛ هنئت بنو مها فهي تثق انه لن يفرض شيء عليها ضد
اهـو ائها، فمجرد شعور أنه بذلك القـ رب منها وانفا سه تختلط مع الهواء الذي يحيطها كان كافي تمامًا لتتسربل الطمئنينة لقلبها، واثناء هيا مها في افكارها انزلقت الفرشاة من يـ دها لتحدث صوت جعله يتململ في الفراش لتشهق هي بخفوت وتطـ رق نظراتها تتصنع انشغالها بعمل جديلة لشعرها، بينما هو تأهبت حو اسه مع الصوت و فتح عيـ نه يتفقد
الفر اش ثم نطق وكأنه افتقدها:
-"شمس"
نطق اسمها بصوته العميق الذي يحمل أثر نعاسه بطريقة مثيرة زايدت وجيـ بها، لتبلع رمقها
تبـ لل حلقها قبل أن تجيبه بخفوت:
-نعم...
اعتدل بجـ سده يستـ ند على
جـ زع الفر اش متسائلًا وهو ينظر لظـ هرها:
-صاحية من امتى؟
أجابته وهي تلتفت له بوجـ هها:
-من شوية بس محبتش اقلقك
أومأ لها واخذت عيـ ناه تضيق عليها لتتمـ تع بحُسنها فكانت مشرقة اليوم وحتى عيونها تشبه غابات الزيتون في موسم
حصادها، فقد ابتسم قبل أن يعبر على غير عادته:
-انا اول مرة انام مرتاح كده
رفعت نظراتها على استـ حياء تطالع نظراته التي تشملها م تلعثمت والارتباك ظهر جلي على تقاسيمها:
-كويس يارب دايمًا تكون مرتاح
ابتسم لدعوتها ولم ينطق جهرًا بل همس بداخله: بالطبع سأكون؛ فيكفي قربك لتتحقق راحتي ومُستراحي.
-طيب تحب اعملك قهوتك عقبال ما تجهز للشغل
أتاه اقتراحها لينتشله قائلًا:
-مش رايح الشغل
تسائلت متعجبة وهي تعقد حاجبيها:
-ليه؟
اريد ان ابقى جوا رك أكبر فترة ممكنة فقلبي يهفو لقربك ويأمل أن يظل سَاكنًا داخل هالتك الآمنة. ذلك ما كان يود أن ينطق به ولكن ما بدر منه كان:
-ناسية إن زمايلي في الشغل شهدوا على عقد الجو از يعني زمان الادارة كلها عرفت إني
اتجـ وزت وشيء طبيعي مروحش و اخد اجازة
لا لم تتناسى بل تحاول جاهدة الاستيعاب ليس إلا، ودون استخدام كلمات أومأت بر أسها بتفهم، ليقرر وهو ينهض ويقترب من موضع جلستها:
-طيب ألبسي علشان هاخدك نفطر بره وبعدين نشتري شوية حاجات
رفعت عيـ ناها من جلستها له و بدأت الطبول تقرع بقلبها لتنهض مواجه له تزامنًا مع حديثها:
-بس ماما "ليلى"...
اجابها مطمئنًا وعينه تترقب جوابها:
-متقلقيش " صباح" و" بدور" معاها
لم تجد بُد من اعتراضها لذلك نطقت بطاعة وهي تتحاشى اسر عيناه:
- حاضر
ابتسم بسمة عابرة ثم توجه للخزانة يخرج منها ملابس يصحبها معه كي يرفع الحرج عنها:
-تمام هاخد شا ور الأول عقبال ما تجهزي
هزت رأسها بطاعة وهي تفـ رك اناملها ببعضها ليُسرع هو إلى الحمام تاركها تحاول جاهدة السيطرة على ثباتها.
❈-❈-❈
وقف مشدوه بارق العينين لا يصدق ما استمع له بالصدفة الباحتة،
فكان في طريقه و ينوي الاطمئنان عن شقيقه بعدما اشفق عليه بالأمس ولكن حين طرق باب شقته ولم يحصل على جواب منه تدلى ليُصدم بما تناهى إلى مسامعه فلم يقوى على النطق في حين هي فور أن رأته هرولت له باكية:
-"عماد"...اخوك سابني يا "عماد" وحياة اغلى حاجة عندك قوله يرجعني انا مقدرش اعيش من غيره
كانت تتحدث بهستيرية وكأنها فقدت عقلها، بينما هو كان كمن سُكب على دواخـ له لهيب
مُشـ تعل صهر قلبه وافحـ مه من شدة حُرقته ورغم معرفته السابقة أنها تميل لشقيقه لكن لم يتوقع قط أمر زوا جها
فقد خرج صوته مهزوز و مازال عقله يرفض الاستيعاب:
-طلقك! إزاي مش فاهم هو...
قاطعته بجنون من بين نحيبها:
-ايوة جو زي والله جـ وزي
أن قلبه من تصريحا ورغم ذلك جال محيطهم بعيـ ناه قبل أن يدفـ عها امامه ليدخلها شقتها منعًا للفضائح ثم اغلق الباب متسائلًا بصوت منفعل وبملامح ظهر الألم جلي بها:
-من امتى يا "بسمة" وطالما
متجـ وزك ليه مخبين ومحدش يعرف
لطـ مت وجـ هها وضربت سا قها مغمغمة من بين نحيبها:
-من قبل ما يتسجن يا "عماد" وهو اللي اصر اننا منجبش سيرة وحتى رفض يكتب عليا رسمي
تقلـ صت معالمه من جوابها وبادر بسؤالها:
-يعني ايه رفض يكتب عليكِ رسمي
اوضحت بأنـ فاس شبه منقطعة بسبب نحيبها:
-كتبنا ورقتين وفضلو معاه
برقت عـ يناه واند فع بحمئة
يقـ بض على ذرا عها يخاطب عقلها:
-انتِ ازاي تعملي كده؟
ليه تسلميله نفسك وتفرطي فيها علشان واحد ميستهلش
بررت بسذاجة وهي تظن اسبابها كافية:
-بحبه
كلمة من اربعة حروف مع فِعلها؛ كانت بمثابة سـ ياط جـ لدت قلبه
وسلـ خته من اي شعور لها، فقد
تر ك ذر اعها وبرر ببسمة ساخرة يسخر بها من قلبه الذي كانت يأمل في وِصالها:
-الحب مش بيـ ذل ولا يلغي الكرامة يا "بسمة" للأسف كنتِ غالية اوي في نظري بس خذلتي نفسك قبل ما تخذليني
صرخت بجنون تنعي بِحسرة حالها:
-انا مخذلتش حد انا اصلًا مش في حسابات حد وكلكم مهمشين وجودي و شايفني معيوبة.
شمل حالتها التي لا ترثى لها ومن وجهة نظره رأى أنها تستحقها ثم نطق بنبرة مريرة نابعة من مرارة ندمه لعشقها:
-ياريت كل الناس كانت شافتك بعيني وشافتك زي ما كُنت شايفك...يا خسارة يا "بسمة" رخصتي نفسك وحتى التمن انتِ اللي هتدفعيه لوحدك.
قالها قبل أن يفتح الباب ويغادر بخطوات غاضبة تكاد تشـ ق الأرض تحـ تها تاركها تغرق في نو بة جديدة اكثر حُرقة من بكائها.
❈-❈-❈
انتهى من حمامه بعد أن انعش جـ سده بالمياه ليهون عليه تلك الحرب الطاحنة من المقاومة التي بذلها في قربها، فكان يرتدي بنطال قطني وتيشرت بلا اكمام اظهر بشدة قوة بنـ يته ويجفف بمنشفة صغيره شـ عره أثناء دخوله للغرفة ليجدها تقف أمامه بكامل حُسنها ترتدي فُستان رقيق زيتوني يضاهي لون عيونها و فور ان رأته اشـ تعل وجـ هها وضا قت انفا سها فكانت
خـ صلات شعره متـ هدلة على جبـ ينه بشكل فوضاوي لم تعتاد عليه بسبب تنميقه و رسميته الدائمة فا بشكل ما راقها أن تنطر له تتأمل ذلك الجانب منه بنظرة جعلته يستغرب ما بها متسائلًا:
-بتبصيلي ليه كده؟
ارتبكت من سؤاله و استد ارت تتسـ تر على غبائها ثم بررت وهي بالكاد تلملم شتاتها لتخرج صوتها:
-انا حضرتلك هدوم
تناوب نظراته بين الملابس الغير رسمية المرتصة على الفر اش وبين ظـ هرها يستغرب ما انتقته له:
-البدل في الدولاب في الضالفة التانية
نفت برأسها وترددت كي تخبره سبب انتقائها ليزفر هو انفاسه ويهدر مُستاء من وضعها:
-"شمس" انا بكلمك
اعتصرت عيناها تستجمع شجاعتها والتفتت بنظرات زائغة تنظر لكل شيء عداه هو:
-انت قولت مفيش شغل يبقى مش لازم تكون رسمي
جعد حاجبيه الكثفين مستغربًا ولم يعقب لتتنهد وتتابع كي ترفع عنه الحرج:
-لو ذوقي مش عاجبك تقدر تلبس اللي يريحك ده مجرد اقتراح
حانت منه بسمة جانبية ماكرة وتعمد استفزازها ليعيدها لسابق عهدها:
-مش عاجبني! ليه القميص اسود ما في الوان كتير تانية عندك
اُحبط وجـ هها ورغم ذلك دافعت عن ذوقها:
-علشان اللون الاسود بيكون احلى عليك بكتير من الالوان التانية
دفا عها جعل شبح بسمة تنمو على ثغـ ره ولكنه وأدها وتابع:
-انا راجل عملي وبالنسبالي الامور دي مبتفرقش
رده المُتغطرس اغاظها، ولولا أنها عاهدت ذاتها أن لا تعارضه من قبل لكانت منحته جوابها لذلك قررت أن تنسحب بلا مجادلة فقد أومأت بر أسها ثم تحر كت لباب الغرفة وقبل أن تدير المقبض وتغادر انتفـ خت اوداجها و فلت زمام لسا نها تجابهه بِفطرتها دون تدخل عقلها:
-اللي يريحك انا مش بفرض رأي عليك أنت حر بس لعلمك بقى اللون الاسود لون قوي ومش بيليق على اي حد غير اللي شخصيته تقدر تطغي عليه
هل تمدحه الآن أم تذمه
حقًا لا يعرف كل ما يعرفه أن ذلك البصيص الذي يتسربل
لدو اخله يسطع أكثر ببوادر نيله لقلبها، فهو تعمد استفزازها لتعود لمجابهتها له وحديثها الذي يطغي عليه كبريائها ورغم انه يتفهم ما مرت به إلا أن وجهة نظره ان ذلك الجانب المنكسر لا يليق بها.
فقد حانت منه بسمة مستمتعة ثم دون تردد تناول القميص ينظر له نظرة راضية تنم عن استحسانه من الوهلة الاولى لذوقها.
❈-❈-❈
أما عن صاحبة الرماديتين فكانت تقف تقلب اكبر كوب بمطبخها بعد أن ملئته لآخره بمشروبه المفضل وعلى وجـ هها بقايا حُزنها فطوال الليل تجـ لد ذاتها بسبب عتابها...فكانت غارقة في افكارها حين شعرت بأقتراب خطواته ومن بعدها بيـ ده تحاوط خصـ رها، لتزيح وجوم وجـ هها وتهمس برقة تليق بها وهي تحا وط يـ ده و ترجع رأسها تضع قُـ بلة خاطفة على وجـ نته:
-صباح الخير
-صباح الجمال يا حبيبي
قالها بنبرة متسلية وبخفته المعهودة وهو باليـ د الآخرى
يرفـ ع الكوب التي اعدته من اجله ويرتشف منه مما جعلها تلتفت له بجـ سد ها وتتسائل مُستغربة:
-انت كويس!
انز ل الكوب و وضـ عه على الكنتور الرخامي خلفها قبل أن يجيبها:
-الحمد لله بومب شكلك مش مصدقة تحبي اثبتلك
قالها وهو يمـ يل يضع قُبـ لة خاطفة على ثغـ رها بعبـ ث جعلها تهز رأ سها بلافائدة وتهمس وهي تحاوط عنـ قه و تضـ مه لها:
-مجنون وكل ساعة بحال
غامت عينه بنظرة مو جعة وهو يتشـ بث بها و يـ د ثرها أكثر
بذ راعيه داخل صـ دره وكأنه يُطيب شق روحه بها، فالأمس لامـ ست بإحتوائها ذلك الجرح النازف الذي يتعمد أن يخفيه و يد ثره باعمق بؤرة به كي لا يشفق عليه أحد، ولكن معها
تعـ رت روحه كاملة وتركها بكل طاوعية ان تنـ بش بدو اخله، بعد أن قدر تمامًا محاولتها لتطيب ذلك الجرح الذي سيظل يدعوا الله دائمًا أن يندمل جبرًا.
ورغم ما يعـ تريه إلا انه
تمـ سك بثباته الانفعالي و دثر الأمر سريعًا عائدًا لعبـ ثيته التي تعشق تبعاتها:
-الحـ ضن ده تمهيد مش كده! و معناه انك محتاجة اثبات
فصـ لت عنا قها ببسمة ربيعها وقالت وتساير عبـ ثيته بالطريقة التي استمدتها منه:
-لأ أجل الاثباتات لبليل لما ترجع من الشغل علشان بحب التركيز
غمز بعينه تروقه الفكرة كاملة ثم قال دون ان يحـ ل وثا ق
خـ صرها:
-حلو اوي الكلام ده بس النهاردة مفيش عيادة وبلغتهم في المستشفى إني مش رايح عندي مشوار مهم انا وانتِ
تسائلت بحيرة:
-مشوار إيه؟
دون أن يمنحها جواب اخرج سلسلة المفاتيح الفضية من جيبه وسحـ ب كفـ ها يضعها به، لتعقد حاجبيها المنمقين متسائلة:
-مفاتيح ايه دي يا "نضال"
اوضح ببسمة هادئة:
-مفاتيح شركتك...هو المكان محتاج توضيب لسه بس موقعها ممتاز
انكمشت معالم وجـ هها وتسائلت بعدم استيعاب وهي تتمعن بها داخل كـ فها:
-شركتي إزاي يعني مش فاهمة؟!
فسر الأمر بكل شفافية وهو
يمـ رر يـ ده بين خـ صلاتها:
-امبارح لما قولتلك عندي مشوار كنت مع السمسار كنت موصيه من فترة وشوفت كذا حاجة معجبتنيش أصل بصراحة من يوم ما "سارة" كلمتك وهي متعصبة اضايقت...و مش عايز يكون لحد سُلطة عليكِ
عقبت وعقلها لا يستوعب الفكرة بعد:
-بس انا مرتاحة في الشغل معاها ومش عايزة اسيبها
قال بفخر ينم عن إيمانه بها:
-بس أنتِ تستحقي يكون ليكِ كيان خاص بيكِ
راقها حديثه ولكن تخوفت من تبعاته:
-بس يا "نضال" انا خايفة هبقى مسؤولة عن حاجات كتير دي مسؤولية كبيرة اوي انا مش أدها
نظر لها نظرة حانية للغاية ثم أكد بثقة يحفز دفـ عاتها:
-لأ أدها انا متأكد وكفاية اجتهادك في شغلك واسمك اللي شركات كبيرة بتتعاقد مع شركة "سارة" بسببه
حسنًا اقتنعت ولكن ماذا عن صديقتها التي كان لها الفضل بعد الله في عودتها لمجالها فقد تقهقرت خطوة بعيدة عنه وقالت مترددة وهي تمـ سح على
وجـ هها:
-بس "سارة "هتزعل
اخـ تصر المسافة التي صنعتها وقال مطمئنًا وهو يكـ وب
وجـ هها:
-لو صاحبتك بتحبك هتتمنالك الخير
وضعت كفـ وفها على يـ ده التي تكـ وب وجـ هها ثم ابتسمت بسمة ربيعها و هزت رأ سها دليل على إقتناعها، ليسـ حب يـ ده يرفـ عها مع نظراته لاعلى ويتنهد بشكل درامي مشاكسًا:
-أحمدك يارب...اخيرًا إقتنعتي ده انا هَرمت يا بشمهندسة علشان اشوف البسمة دي
اتسعت بسمتها لمشاكساته التي لا تنضب وهمست ورمادها يفيض بعشقه:
-انت إزاي كده!
غمـ ز بعينه وأشراب برأ سه متوجسًا:
-كده دي اللي هي حاجة حلوة ولا وحشة
هزت رأ سها واقتـ ربت تحا وط خـ صره تسـ ند رأ سها على
صـ دره وتمتن بصدق نيابة عن ما يعتمر به قلبها:
-حاجة عظيمة مش حلوة بس
انا بحبك اوي يا" نضال"
تنهد هو تنهيدة من اعماق قلبه المُو لع بها قبل أن يجيبها:
-انا بحبك اكتر يا عيون "نضال"
رافق قوله بضـ مها له، رافـ عها معه في عـ ناق حمـ يمي مُفـ عم بتلك اللفـ حات اللذ يذة المصاحبة لبسمات ربيعها.
❈-❈-❈
رشـ قته بنظرة جانبية وهي تجلس بجانبه داخل السيارة اثناء سيرها، وبسمة بسيطة راضية تنمو على ثغـ رها من اقتناعه بذوقها، بينما هو كان يلحظ ما بها ويعلم انها تستـ لذ بإنتصارها ولكنه لم يستاء فهو من تعمد ان يعزز ثقتها...فكان الصمت حليفهم طوال الطريق لحين توقف بالسيارة أمام مكان ليس بغريب عليها وحـ ثها:
-يلا انزلي يا "شمس" وصلنا
نظرت حولها ورغم استغربها احتفظت بتساؤلاتها وسُرعان ما فتحت باب السيارة وخرجت منها، ليفعل هو مثلها و يقترب من موضعها يؤشر لرجال حراسته الذين يرافقوه بسيارة خاصة بهم أن لا يتحركون خلفه، قبل أن يحـ ثها بيـ ده أن تسير أمامه وهو ينوي أن يُشبع فضوله نحوها فقد ساروا سويًا للداخل وجلسوا على ذات الطاولة المعتادة التي من حُسن حظه وجدها متاحة، وبعد دقائق من الصمت المُريب بينهم واثناء تناولهم للطعام تحمحمت هي تسأله والفضول يظهر جلي على تقاسيمها:
-اختيارك للمكان مقصود مش كده؟
رفـ ع قاتمتيه الضيقة لها ثم تسائل بمكر لسبب ما في رأسه:
-المكان مش عاجبك؟
نفت وقالت متهكمة:
-لأ بس مكنش عاجبك أنت قبل كده
شبه بسمة اعتلت ثغـ ره حين تأكد انها مازالت تذكر تفاصيل اول لقاء لهم، ولكنه تابع متهكمًا:
-مكنتش اعرف ان ذاكرتك قوية كده!
مطـ ت فـ مها واسترسلت لتفاجئه بتذكرها ادق التفاصيل لذلك الموقف الذي ظل لشهور يقرعه ضميره من اجله:
-اللي حصل ميتنسيش...يومها رفضت حتى تعتذر بعد ما وقعت الأكل من ايـ دي وكمان غلطت فيا وكنت عايز تخلي صاحب المكان يقـ طع عيشي.
ابتلع رمقه بخزي من عنجهيته السابقة ورغم ذلك برر اسبابه لكي تعود لسابق عهدها:
-انتِ استفزتيني يومها
شهقت بخفوت ورفـ عت شوكتها بعفوية امام وجـ هه قائلة بمجابهة افتقدها:
-على فكرة بقى انت اللي كنت مستفز اوي ومغرور كمان
اعتلى حاجبيه الكثيفين وبملامح جادة مُحذرة نظر لشوكتها التي تلوح بها هادرًا:
-مستفز و مغرور الاتنين مع بعض... متأكدة؟!
قطـ مت شفا هها تتدارك بإخفاض يـ دها، تضـ ع الشوكة داخل صحنها ثم دون تراجع عن حديثها نطقت متذكرة:
-اه متأكدة...انا لسه فاكرة طريقتك...لتصمت هنيهة تستحضر المشهد ثم تتابع بعدها:
-عيـ نك برقت وحواجبك اتعقدت و زعقت بطريقة مُر عبة(فين صاحب المخروبة دي)
قالت الجملة التي قالها سابقًا بصوت تعمدت أن يخرج غليظ كي تقلده مما جعله لم يستطيع التحكم في انفعالاته وانفجر ضاحكًا لتبتسم هي ايضًا وتعلق عيناها به تتأمل تلك الضحكة النادرة التي دومًا تستغرب كيف ل رجل مثله أن يملك مثلها، لتهدأ ضحكاته تدريجيًا أمام نظراتها التي فور أن عانـ قها
بعيـ ناه فرت منها وتلجلجت بعدها:
-شوفت بقى أن كان معايا حق
وهنا اعترف بصواب رأيها:
-بصراحة عندك حق انا كنت صعب اوي
هزت رأ سها تؤيده بكل ثقة وعقبت بتلقائية فاجئته:
-علشان تعذرني لما قولتلك كنت مُرعب وبخاف منك
غامت عيـ نه بشيء لم تتفهمه وظل صامت دون أن يعقب فقط أخرج سيجارة من علبة سجائره واشـ علها ينـ فث دخانها، وحين يأست من رده تابعت طعامها ولكن إن كادت تلوكه وتبتلعه سَد حَلقها بسبب تلك الكلمة التي نطق بها:
-اسف...
برقت عيناها وتأهبت حـ وا سها تستوعب ما نطق به قبل ان تتناول كوب الماء القريب وترتشف منه لتستطيع ابتلاع ما بِحلقها، وإن انتهت نظرت له نظرة متفاجئة جعلته يتابع بنبرة رزينة هادئة:
-متعودتش اقولها بس انا بعترف إني مدين ليكِ بيها
رمشت بأهدابها وتعالت انفا سها أمام نظراته ثم وجدت دون وعي البسمة تتسلل لفـ مها، ليتنهد ويُكمل وهو يسـ ند ظـ هره اكثر على مقعده:
-على فكرة بعد اللي حصل انا كنت باجي هنا كتير بس مكنتش بلقيكِ
حقًا كُنت تأتي خصيصًا لي! ترى لماذا، هل اصابك ذلك الشعور الغريب الذي انتابني نحوك حينها! أَم الشفقة وحدها هي من دفعتك باحثًا عني.
ذلك ما كانت تود قوله ولكنها تراجعت وغيرت مجرى جوابها:
-صاحب المطعم الله يسامحه طردني... أصل الجرسون اللي كنت بغطي عليه واسد غيابه اتبلى عليا وخاف افتن عليه...و قال يسبق لترجع ظـ هرها وتتابع وهي ترفع منكبيها:
-وبعدها سافرت...
مقطتفاتها لم تشبع فضوله فيود ان يعرف القصة من بادئتها، لذلك تسائل:
-وبعدين...
-وبعدين ايه؟
تنهد بعمق وهو يـ دهـ س سيجارته داخل المنفضة اعلى الطاولة ثم حـ ثها بعدها:
-كملي يا "شمس" عايز اعرف عنك اكتر ومش من ساعتها بس من قبل كده
زا غت نظراتها لثوانٍ لا تعلم من اين تبدأ، ليلفت نظرها:
-احكيلي كنتِ عايشة إزاي مع والدك و والدتك
وعلى ذكر والديها شقت البسمة وجـ هها وقالت بحنين شديد لأجمل ايامها:
-بابا اتوفى وانا صغيرة وماما كملت المسيرة من بعده و عملت المستحيل علشانا وربنا كرمها
بجـ وزها عم "فاروق " ابو "عزيز" كان راجل طيب وحنين وكان بيعاملنا زي ولاده بالظبط وكنا مبسوطين والحياة كانت مختلفة تمامًا كنا زي أي أسرة سوية...و رغم إن "صالح" هو الكبير بس ماما كانت عارفة أنه مستحيل يتحمل مسؤولية وكانت علطول تدعيله ربنا يهديه بس هو حتى دراسته رفض يكملها رغم اعتراضها وقتها.
-وانتِ؟
تسائل مترقب والفضول ظهر جلي على وجـ هه، لتبتسم هي بسمة باهتة وتتذكر طموحها وآمالها التي وأدت بمهدها:
-ماما كانت حاطة آمالها كلها عليا وكانت علطول تقولي نفسي اشوفك حاجة كبيرة بس للأسف راحت وسابتني لوحدي واخر حاجة قالتهالي اخواتك في رقبتك... أنتِ بعدي امهم مش اختهم.
غامت عيناها وارتعش فمها مع أخر جملة نطقت بها تجاهد كي لا تفر دموعها امامه ولكنه تفهم ما اصابها ورق قلبه مع حديثها وبشكل ما وجد عذر لهشاشة قلبها ليمـ د يـ ده ير بت على
يـ دها المُستندة على الطاولة يواسي حُزنها:
-ربنا يرحمها اكيد هي في مكان احسن
تركزت عيناها على يـ ده التي تستقر على خاصتها وكم شعرت بحنوها ودفئها لترفع نظراتها له وتبتسم بسمة بسيطة تنم عن رضاها بقضاء ربها، ورغم ان اقل القليل منه يبعثر شتاتها إلا أنها حاولت التماسك بثباتها، أما هو فكان يشعر بر جفة يـ دها تحت خاصته ويلحظ ارتباكها ليسحب يـ ده ويحـ ثها من جديد:
-كملي
تنهدت تتغاضى عن الدموع التي تلتمع بعينها وتابعت سردها:
-اعتمدت على نفسي وانا في سن صغير اوي و كنت بشتغل كذا شغلانة وانا بدرس، وكمان خدت كذا كورس لغات و عملت دبلومة تخاطب وكان طموحي كبير ملهوش حد، وكان كل اللي شاغلني إني احقق امنية امي، واحافظ على اخواتي اللي أمنتني عليهم...لتصمت هنيهة ويحتل الاحباط وجـ هها قبل أن تُكمل معاناتها:
-كان نفسي ألاقي شغل مناسب بس محصلش، ورست على اخصائية في مركز تأهيل الصبح وبليل طباخة
-والسفر!
-صاحبة المركز كانت بتثق فيا وكانت بتأسس مركز تاني في دبي وعرضت عليا اكون معاها...وقتها كان "سلطان" مش سايبني في حالي وكان علطول عامل مشاكل بسببي ومكنش حد بيسلم من أذاه، و رغم أن السفر كان الحل الوحيد بس
كنت خايفة ومترددة بسبب "عزيز" ومكنتش عايزة اسيبه
فور أن أتت سيرة ذلك اللعين وما عانته من بطـ شه ثا رت
الد ماء واندفعت بعر وقه فصبرًا سوف يذيقه ما اذاقها، لذلك لم يتطرق للأمر لكي لا ير هق اعصابه أكثر و تسأل بشأن "عزيز":
-وليه ما اخدتهوش معاكِ
-كان ثانوية عامة وكان فضله ايام وياخد الشهادة
بس هو خلاني غيرت رأي وطمني انه هيقعد عن اهل باباه وساعدني هو و"عماد"
-و"صالح"؟
ابتسمت بسمة ساخرة مختذلة واجابته:
-"صالح "كان كل اللي يهمه الفلوس اللي ببعتها
جز على نواجذه و بالكاد تحكم في انفعالاته، ثم كي يخفف
ثو رة اعصابه تحت وطأة حديثها تناول سيجارة آخرى واشـ علها ينفـ ث بها قبل ان يتسائل:
- وبعد ما عرفتي؟
-رجعت بس بعدها بكام شهر..."صالح" كان خايف يقولي ولما لقاني قربت اتجنن وانا هناك ومش عارفة اوصل ل "عزيز "ولا اطمن عليه وقررت انزل اضطر يحكيلي...بس انا عمري ما صدقت ان "عزيز" يعمل كده وكنت حاسه ان "سلطان" اللي دبر لكل ده واحساسي طلع في محله
قالت ما قالته بنبرة مُثقلة والحُزن يكسو معالم وجهها، ليحاول هو تخفيف حمولة قلبها وتسكين ألامها:
-اوعدك حق "عزيز" هيرجع و"سلطان" قريب اوي هيكون في مكانه الطبيعي؛ السجن
تنهدت براحة بعد وعده التي تثق كل الثقة أنه سيفي به ثم نطقت وبؤبؤ عيناها يلتمع بإنعكاس صورته:
-متأكدة انك هتعمل كده
ابتـ لع رمـ قه حين رأى تلك النظرة بعيناها وكم راقه ثقتها لتحين منه بسمة رزينة هادئة ويحـ ثها بعدها:
-طيب ممكن تكملي اكلك بقى
تنهدت تنهيدة عميقة وحـ ثته ايضًا وهي تنظر لتلك السجارة المُشـ تعلة بيـ ده:
-وانت كمان ممكن ترمي السيجارة وتاكل
انعقد حاجبيه الكثيفين وتسائل متوجسًا:
-مضايقاكِ ريحتها
نفت برأ سها وبحركة عفوية للغاية فاجئته؛ نزعتها من يـ ده والقتها في المنفضة مُبررة:
-لأ مضايقني أنك معندكش خلفية عن اضرار التدخين
تسللت شبه بسمة على ثـ غره من اهتمامها، ولكنه تحكم في إنفعالاته وتسائل ماكرًا:
-اعتبر انك خايفة على صحتي؟
نظرت له نظرة مُطولة متبوعة بصخب قلبها الذي أجبر لسانها وتجاهل عن عمد عقلها:
-اتعودت اخاف على الناس اللي بحبها وانت منهم..
تأهبت كل حـ وا سه بعد حديثها وقد غامت عينه بمشاعره التي يكنها وكاد يجاري سير الحديث ولكنها قطعت سُبله وكأنها تداركت ذلة لسا نها:
-ممكن تسيبني اكل بقى اظن اتكلمت كتير اوي النهاردة
ظلت عيناه متعلقة بإرتباكها وبصيص الأمل الذي كان يتسربل على استحياء لدواخله؛ أنار طريقه بعد تلميحها لتحين منه بسمة هادئة ويحـ ثها بعـ ينه أن تُكمل تناول طعامها وبداخله ينوي أن لا يكبت مشاعره أكثر ففي القريب العاجل سيُصرح لها.
❈-❈-❈
أما عن صاحب النوايا الفاحمة فكان الشيطان يحـ يك في
رأ سه الكثير وهو يجلس على المقهى الذي يعتاده شاردًا لحين جلس "جلال" بجـ واره متسائلًا:
-خير يا معلم الصبيان قالوا انك عايزني
هسهس بحـ قد والشيطان يغشي ستاره القاتم على عينه:
-انت غطسان فين وسايبني عايزك تد بر معايا مُصـ يبة تخلصنا من الظابط انا متخلقش اللي ياخد حاجة تخصني
اعتلى جانب فـ م "جلال" وقال بخبث:
-متقلقش هندبرله بس اهدى جرى ايه يا معلم هو انا اللي هقولك على الهادي يا زبادي
احتلت الحسرة تقاسيم وجـ هه ونطق بمرارة نابعة من فداحة خسارته:
- الزبادي راحت يا "جلال" ومش هرتاح غير لما ترجعلي انا اهون عليا اقـ تلها واتعدم ولا اسيبهاله
- وحياتك هترجع وبرضاها كمان هتـ ترمي تحـ ت رجـ لك بس انت خليك معايا دلوقتي علشان عايزك في حوار بخصوص الشغل
لوح بو جه ممتعض ومزاج عكر للغاية:
-مش فايق يا "جلال" أجل لبعدين او اتصرف انت زي العادة
-مينفعش نأجل الموضوع ميستناش ومش هينفع اتصرف من غيرك
زفر "سلطان" بضيق وقال متأفف:
- اتكلم وخلصنا
-فاكر المعلم "بطحة"
-ماله؟
-اتقبض عليه من كذا شهر وفي شُحنة جاية على اسمه ومدفعش غير نص فلوسها
-مش فاهم واحنا مالنا
-هقولك البضاعة اللي جاية اكسترا مش موجود منها في السوق وبعدين نعرف نخلطها براحتنا ونضاعفها...والمعلم "بطحة" بيدور على حد يكمل باقي الفلوس و يصرفها مكانه علشان معظم رجالته اتقبض عليهم والبقية العين عليهم
قولت ايه؟
مـ سد "سلطان" جبـ هته واجابه دون تركيز و بعقل مُنشغل:
-مش عارف يا "جلال"قولتلك دماغي مش رايقة
حاول" جلال" تهيئة الأمر ليُطمعه:
-دي فرصتنا يا" سلطان" وهتبقى ضربة العمر ولازم نربط في السريع قبل ما "الغجري" يشم خبر ويلهـ فها
وعلى ذكر" الغجري" احتدت
عيـ ناه واحتلها الجشع موافقًا:
-ماشي...بس احنا معانا سيولة كفاية؟
-المبلغ مش كامل بس هتتدبر و انت كمان طلع اللي تحت البلاطة
-انت واثق بس مش عايز عوق
-عيب عليك هو انا برضو ممكن اورطك دي المصلحة واحدة
-ماشي يا "جلال" اعمل الصح وبلغني بالجديد
-اعتبرها قُضيت يا معلم
قالها ببسمة مسـ مومة متـ خابثة تضاهي بسود اويتها نوايا "سلطان" التي سوف تنقلب عليه بعد أن ينـ ساق خلف أطماعه.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ميرا كريم من رواية ذنبي عشقك، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية