-->

رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 12 - 1

 

قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بين دروب قسو ته

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ندا حسن 



الفصل الحادي عشر

الجزء الأول

❈-❈-❈


استمع إلى نبرة صوتها الخافت الباكي يخرج بضعف وارتعاش مُصرحًا بكـ ـرهها له!..


قربها منه أكثر وبقيٰ بمحاذاة أذنها وقال بتأكد وثقة ونبرته قوية حادة:


-بلاش كدب بقى مش هينفعك بحاجه.. أنا عارف إنك بتحبيني وللنهاردة وبكرة ولبعد سنين بتحبيني 


حاولت جذب يـ ـدها الاثنين منه وأبتعدت برأسها للناحية الأخرى مُبتعدة عنه وصاحت بقوة والدموع تنهمر على وجنتيها بقهر وحزن شغر أنحاء قلبها:


-لو كنت بحبك فأنا بعد اللحظة دي بكـ ـرهك.. بكـ ـرهك أوي، مكنتش أتخيل إنك ممكن تعمل معايا كده في يوم من الأيام


ابتسم بسخرية والألم داخله يزداد لحظة بعد الأخرى وهتف بانكسار:


-ولا أنا كمان كنت متخيل إنك تعملي معايا كده 


صرخت به وهو يشدد على يـ ـدها لتبقى كما هي تحت رحمته:


-بلاش تعيش دور الضحية أنا معملتش فيك حاجه 


أسودت عيناه وابتغى قتـ ـلها هي وذلك الأبلة الحيوان الذي رافقته دون علمه وتحدث بقسـ ـوة وغضـ ـب:


-خونتيني!. ولا دي كمان بقت عادي 


جذبت يـ ـدها في لحظة ضعف منه شعرت بها أن قبضة يـ ـده تثقل على يـ ـدها، فجذبتهم منه بقوة وابتعدت للخلف خطوة تقف قبالته صارخة بعـ ـنف والبكاء لا يتوقف لديها:


-أنا مخونتكش أنت كداب.. أنت اللي خونتني أنت، أنت اللي بعدت عني وخطفت أهلي مني وبكل بجاحه حاولت تخليني أحس إني أنا السبب.. أنت اللي قسيت عليا بدل ما تحتويني 


نظر إليها بذهول وعينين مُتسعة عليها ثم تقدم الخطوة التي أبتعدتها وصاح مُشيرًا إلى نفسه باستنكار:


-أنا؟ أنا قسيت عليكي؟ أنا حاولت معاكي بدل المرة مليون وأنتي اللي كنتي رافضة أي حاجه من ناحيتي.. دا أنتي كنتي رافضة الكلام حتى جايه دلوقتي تقولي قسيت عليكي 


صرخت مرة أخرى بعـ ـنف أكبر من السابق وانهمرت الدموع أكثر تهتف ببكاء حاد ونبرة مُرتعشة:


-أيوة قسيت عليا ولسه قـ ـاسي والدليل أهو.. أنت اللي سـ ـرقت موبايل إيناس


أكملت وهي تعود للخلف مُبتعدة عنه متذكرة ما حدث منذ عامين قبل أن تنقلب حياتهم رأسًا على عقب:


-الصور دي كانت على موبايل إيناس لما كنت معاها في الرحلة إياها، اتصورتهم وأنا لابسه مايوه زيي زي أي حد وإحنا لوحدنا ووقتها الموبايل انسرق منها وأنت مكنتش تعرف أصلًا لكن جيت وقولتلي أبعدي عنها وأصريت إني أقطع معاها فترة


نظرت إليه بعمق وعينين ضائعة بين الحقائق الزائفة:


-دلوقتي بس فهمت كل حاجه.. أنت اللي سـ ـرقت الموبايل بتاعها ولحد النهاردة شايل الصور دي معاك علشان مستني الفرصة اللي تظهرها فيها.. يعني مكنتش بتحبني أنت بس عايز تمتلكني مش أكتر 


عاد هو الآخر للخلف مثلها بعد أن استمع لحديثها الساخر، أيعقل أن تكون تفضل صديقتها الحقـ ـيرة عنه إلى هذه الدرجة!.. حتى وإن كان خـ ـائن، وإن كان حيوان وذئب بشري وإن كان شيطان ألا تعرفه إلى هذه الدرجة؟ ألا تتذكر أنها كبرت معه في منزل واحد؟ ألا تتذكر أي شيء فعله لأجلها؟..


ابتسم بسخرية والذكريات تتهاتف على عقله لأجل ما تحدثت عنه، والحقيقة بهذه الذكريات تقول أن صديقتها هي من قامت بإرسال الصور له وقامت بتهديده أنها في أي لحظة تستطيع أن تقوم بعمل فضـ ـيحه لحبيبته وابنة عمه فما كان منه إلا أنه يسرق هاتفها ليستطيع حمايتها، وعندما لم يستطع أن يفتحه قام بتكسيره وإلقاءه في المياة وبقيت الصور التي أرسلتها إليه معه.. 


في ذلك الوقت حاول أن يشرح لها ما الذي حدث من قِبل صديقتها ولكنها لم تستمع إليه كالعادة وأظهرت عنادها فعاندها هو الآخر وبقيٰ ما حدث داخله وجعلها تبتعد عنها بالقوة ولكنها عادت إليها مرة أخرى رغمًا عنه..


ابتسم إليها ببرود ثم ألقى الكرة بالملعب الخاص بها لتحصل على الإجابة وحدها:


-ولما أنتي بتقولي إني مكنتش أعرف حاجه سـ ـرقت موبايلها بناءاً على ايه؟


حركت رأسها إليه وجذب انتباهها حديثه، تعمقت بعينيها على عينيه الساخرة منها وتسائلت:


-قصدك ايه؟


رفع حاجبيه للأعلى بلا مبالاة ولوى شفتـ ـيه قائلًا:


-شوفي أنتي بقى 


رفعت يـ ـدها الاثنين على وجهها ومسحت الدموع المنهمرة عليه بأصابعها، ثم للحظات فقط ركزت عقلها على التفكير فيما حدث في هذا الوقت، لما قد يسـ ـرق الهاتف وهو حقًا لا يعرف بما به؟.. لما في ذلك الوقت بالتحديد قد يجعلها تبتعد عنها بالقوة! لما يبغضها من الأساس ولما هي لا تحبه؟


أبصرته مُتسائلة باستغراب:


-أنت كنت عارف أن الموبايل فيه صور ليا؟


استهزأ بها وهو يُسير أمامها في الغرفة قائلًا بسخرية:


-شوفي إزاي! وياترى بقى أنا بشم على ضهر أيـ ـدي ولا في حد قالي ولا في حد وراني؟ 


وقف أمامها من بعيد وتعمق بالنظر في عينيها وما داخل حديثه كثير من المشاعر العميقة المتألمة منها ومما يحدث:


-عارفه المهم في الموضوع ده ايه؟ هو إني بطلع وحش في الآخر بس مش مهم أنا اتعودت على كده.. حتى منك


للحظة أخرى فكرت وهو يتحدث، كيف له أن يأخذ الهاتف دون سبب؟ لما لا يحب إيناس ويحذرها منها دائمًا، إن كانت هي من بعثت له بالصور ثم قام هو بأخذ الهاتف لحمايتها فهنا هو معه كامل الحق، تتذكر أنه في ذلك الوقت أراد أن يشرح لها شيء وكان غاية في الغـ ـضب وهو يعبث بهاتفه ليريها ولكنها منعته عن ذلك!:


-إيناس بعتتلك صوري؟ ولا قالتلك؟ 


لوى شفـ ـتيه ساخرًا ثم أكمل بحزن لم يظهره لها:


-هسيبك تفكري فيها شوية بلاش أقولك يمكن تخترعي حاجه جديدة تتهميني بيها 


غمزها بعينيه اليسرى وأشار إليها بيـ ـده يذكرها بما قاله عن العرس قبل قليل:


-ومتنسيش الفرح بعد شهر 


ناداته بإسمه بضعف، بحزن وضيق، والذل طغى على كل هذه المشاعر وأكملت بنبرة خافتة تنظر إليه كامرأة هواها الحب بجماله وتركها لألامه فقط:


-عامر.. أنا مش عايزة 


بادلها تلك النظرات الحزينة التي تهطل عليه من عينيها، بادلها الضعف، إنها تعلم أنه ضعيف وما خرج منه ما هو إلا تهديد وقـ ـح وقـ ـذر ليس لديه أي سبيل آخر إلا هو ليحصل عليها، أردف بجدية وقوة وادعى اللا مبالاة بما تريد:


-بس أنا عايز 


خرجت الدموع مرة أخرى بصمت من عينيها منهمرة على وجنتيها المُكتنزة وهي تطالعه بضعف قائلة بتأكيد تعرفه داخلها:


-أكيد مش هتعمل فيا كده.. ولا هتعمل حاجه بالصور دي أنا عارفه إنك بس بتهددني 


أشار إلى صـ ـدره بإصبع يـ ـده اليمنى ونظر إليها بعمق وقسـ ـوة والشراسة تهطل من حديثه بعـ ـنف:


-اللي عملتيه من ورايا يخليني أعمل أسوأ من كده 


أقتربت منه وهي تقول برجاء محاولة التوضيح له أنها لم تفعل شيء:


-بس أنا معملتش حاجه صدقني.. أنا حتى أول ما رفضت أنت وعمي أنا كمان رفضت 


أقترب بخطوات هوجاء وارتفع صوته وهو يوضح لها قليل مما فعلته هي وهو يعطي إليها الثقة الكاملة مُعتقدًا أنها مازالت حبيبته البريئة:


-بقالك سنة بتتسرمحي معاه وأنا مديكي الأمان والثقة، سنة بتخـ ـوني عامر اللي منع عن نفسه أي معرفة بأي سـ ـت تانية غيرك من وقت ما بعدتي


صرحت بما يعرفه الآخرون وما تقوله لا يمت بصلة إليها:


-أنا مخونتكش.. أنا وأنت مافيش بينا حاجه علشان اخونك لا أنا مراتك ولا خطيبتك


أبصرها بجدية شديدة وخرجت الكلمات من بين شفتـ ـيه كالسيف الحاد على علم بطريقه جيدًا:


-أنتي عارفه أنتي ايه كويس أوي يا بنت القصاص.. أنا مديكي مهلة شهر كده كويس أوي


تخشى الرفض بعناد كما كانت تفعل دائمًا فتغلبه غيرته وتهوره، وطبعه الغلاب على كل مشاعر داخله ويفعل ما قال عنه، تعلم بقرارة نفسها أنه من المستحيل أن يفعلها أو أن يعرض جـ ـسدها بهذه الطريقة الرخيصة ولكن لن تستطيع ألا تخاف، فقالت بنبرة خافتة:


-لا أنت هتعيش ولا أنا هعيش يا عامر 


أخذ هاتفه المُلقى على المقعد ووضعه في جيبه وهو يبتسم بسخرية واستهزاء من حديثها وأردف ببرود ولا مبالاة:


-أنا كده مش عايش وكده مش عايش يبقى وأنتي مراتي أحسن


تسائلت رافعة حاجبيها الاثنين بذهول منه:


-ورفضي ليك! مالوش أي أهمية


أردف بجدية وقال الصدق وما كان سيحدث حقًا، فهو من المستحيل أن يجعل إمرأة تتز'وجه وهي تبغضه ولكنه يعلم أنها تحبه إلى المنتهى ولن تتخلى عنه مهما حدث:


-لو كنتي رفضتي علشان مش بتحبيني مستحيل كنت اتجـ ـوزك.. لكن أنا عارف رفضك ليه ومادام بتحبيني وبحبك يبقى خير البر عاجله


استدار ليذهب من هنا تاركًا إياها ولكنه وقف عند باب غرفة المكتب واستدار إليها ناظرًا إلى عينيها مباشرة بقسـ ـوة وخرجت الكلمات منه بغـ ـضب وتهديد واضح:


-شهر يا سلمى وإلا وديني المرة دي هتشوفي وش وسـ* معداش عليكي قبل كده 


خرج من الغرفة وتركها بها، يعلم داخله أنه من المستحيل أن يقوم بفعل أي شيء يؤذيها به، من المستحيل أن يترك هذه الصور على هاتفه من الأساس، أنها تدلف طريق ليس مناسبًا لها مع الحقـ ـيرة "إيناس" ومهما فعل فهي تعانده وبقوة وهذه هي الطريقة الوحيدة التي بها يجعلها ترضخ إليه وتفعل ما يطلبه منها.. ومن هنا يستطيع أن يجعلها زو'جته ليحميها من شر عائلة "الصاوي"..


تراه الآن دنيء، حيوان؟ لا يحبها؟ تراه ما تريد هذا لا يهمه المهم إليه الآن أن يحميها من أي شخص يستطيع أن يؤذيها ولو بكلمة والأمر الأهم من المهم أن تكون زو'جته.. حلاله وله وحده وهذا ما سيفعله حتى لو طبقت الأرض فوق السماء...


تركها في الداخل، تقدمت وجلست على المقعد وانحنت على نفسها تبكي بقوة، خرجت الدموع من عينيها بغزارة نادمة على ما فعلته مع "هشام" نادمة على عدم استماعها لحديث "عامر"، تشعر أن الحياة تلتف عليها هي وحدها وتريد أن تسلب منها روحها وما بقيٰ منها..


تخاف منه ومن تهديده وبشدة ولكن هي على دراية أنه لن يفعل ما هددها به، ومع ذلك الخوف تربع داخل قلبها والرهبة ارتعشت بجـ ـسدها.. والتفكير لم يتركها لحظة واحدة، كيف له أن يفعل ذلك بها؟ كيف له أن يكون دنيء إلى هذه الدرجة! 


ولكن إن كان حقًا سـ ـرق الهاتف من "إيناس" بعد أن علم بما به فهنا سيكون شيء مازال مخفي وهي لا تعرفه، سيكون معه كامل الحق وهي الوحيدة الغبية التي لم تستطع أن ترى الأشخاص بحياتها جيدًا، إن كانت "إيناس" من فعلت ذلك لن تسامحها أبدًا.. 


"عامر" يحذرها من إيناس وعمها يحذرها من "هشام" وعائلته بالكامل، إن كان "عامر" مخطئ أو يريد إبعاد الناس عنها لتكون معه وحده فعمها لن يكون كذلك!..


هناك أمر لا تعلمه هي يخص عائلة "الصاوي" وإلى أن تعرفه عليها أن تقوم بتوخي الحذر من ناحيتهم..


في لحظة خاطفة ترك عقلها كل ما كانت تفكر به وطرح عليها سؤال واضح وصريح، هل ستتز'وج من "عامر"؟ 


❈-❈-❈


بعد أن تحدث معها والدها في أمر "تامر" مُحاولًا إقناعها بالموافقة بحديثه وأنه يريد الزو'اج منها وأخذ فرصة وحيدة لتكملة حياتها كما أي شخص ينعم بأقل حقوقه.. وبعد الحديث مع ابنة عمها وشقيقة زو'جها الراحل اكتشفت أنها هكذا تضيع ما بقيٰ من عمرها.. لو لم تكن تشعر بانجذاب ناحية "تامر" لم تكن لتفكر في الأمر من الأساس ولكنه يشغل تفكيرها في الآونة الأخيرة حقًا ويسلب الجزء المفكر داخل عقلها في الليل مستعيدة حديثه بالكامل عن "ياسين" وعنها..


حديثه صحيح! والجميع حديثه صحيح ولكن حبها لزو'جها كان يفوق كل الحدود.. لم تنعم معه بالسعادة التي أرادت الحصول عليها ولم تبني الكثير من الذكريات لتتذكرها.. لم تأخذ ما أرادته منه بل هو أخذ كل شيء معه ورحل..


وإلى الفترة الماضية كان هو من يشغل عقلها وقلبها إلى أن شعرت أن الجميع محق وبدأ "تامر" يتخلل ثنايا عقلها بحديثه اللبق ونظراته الصافية المحبة نحوها..


من هنا ستحاول أن تعطي له فرصة ولنفسها وبتلك العلاقة التي أخذت القرار فيها في سواد الليل بعد الاستماع إلى حديث الجميع وترك الذكريات الماضية في ركن بجانب الزاوية.. فرصة واحدة فقط لهذه العلاقة وإن لم تنجح فلتعود إلى ما كانت عليه..


أمام الموظفين جلست على الطاولة المستديرة في كافيتريا الشركة مع "تامر" الجالس مقابلًا لها مُبتسمّا بسعادة وحب وائتمان لأجل أنها وافقت على إعطاءه فرصة.. 


حرك شفتـ ـيه قائلًا بصوت هادئ وبنظرة مُبتسمة:


-أنا مبسوط أوي إنك وافقتي تديني الفرصة دي.. لو كنت أعرف أنك هتيجي من بعد الكلام مع والدك كنت عملتها من زمان


رفعت يـ ـدها أعلى الطاولة، نظرت إليه بجدية تامة ثم أردفت قائلة موضحة له ما خطر على بالها:


-مش الكلام مع بابا هو اللي خلاني اديك الفرصة دي بس زي ما تقول كده هو كان زقة.. زقة بسيطة خلتني أشوف الصح واللي المفروض يحصل.


ابتسم بوجهها وأظهر وجهه البشوش وهو يتحدث قائلًا:


-الحمدلله.. على كل حال أنا مش هخليكي تندمي أبدًا يا هدى


صمت للحظة ثم أكمل بيقين وهدوء وهو يحاول أن يجعلها تتقبل فكرة وجوده هو في حياتها عوضًا عن "ياسين":


-أنا عارف إن ياسين كان فارشلك الأرض ورد وكنتي بالنسبة ليه حاجه كبيرة أوي وعارف بردو إنه لسه مطلعش من حياتك بس اوعدك على قد ما أقدر هحاول أكون أحسن منه وهخليكي تنسيه 


نظرت إليه مُطولًا ثم تحركت شفتـ ـيها بالرفض وهي تقول بجدية وقوة:


-بس أنا مش عايزة أنساه


بادلها نفس النظرة ثم بجدية تامة عقب على حديثها موضحًا مقصده مما قال:


-لما ربنا يوفقنا وأكون جوزك لازم تنسيه.. ومتفكريش غير فيا 


رفعت حاجبها الأيمن ونظرت إليه بقوة تدقق في النظر إلى ملامح وجهه لتتفهم تعابيره ثم ألقت عليه سؤالها:


-أنت ايه اللي مخليك مصمم على الجواز من واحدة أرملة؟


أجابها قائلًا بنبرة جادة قوية:


-عايزك يا هدى.. حبيتك وشايفك المناسبة ليا ولا هو عيب؟


لوت شفتـ ـيها وضيقت عينيها عليه ومازالت تكرر نفس السؤال:


-مقولتش إنه عيب بس بقول إنك تقدر تتجوز أي واحدة تشاور عليها ليه واحدة زيي


تفوه بكلمات جادة حنونة في ذات الوقت من بين شفـ ـتاه ليجعلها تشعر بأنها ليست كما أحد.. بل أفضل منهم: 


-أنتي مش ناقصك حاجه علشان تقولي واحده زيي.. أنتي ست البنات اللي ملت عيني وخلتني مش شايف غيرها 


نظرت إليه بقوة وعينيها مُثبتة عليه ثم تدريجيًا بدأت شفتـ ـيها في الابتعاد عن بعضهم البعض راسمين ابتسامة واسعة خجلة قد حدثت على أثر استيعابها لما قال..


-الله الله.. قاعد تحبلي؟ علشان كده بقى رميت اللي بينا في أقرب سلة زبالة قابلتك 


استمعت معه إلى هذا الصوت النسائي الذي تردد على مسامعهم يهتف بهذه الكلمات الساخرة بطريقة مُتهكمة..


وقف على قدميه بعد أن علم هويتها التي ظهرت له من الاستماع إلى صوتها، استدار إليها بجـ ـسده وهو يقف أمامها ناظرًا إليها باستغراب جلي:


-أنتي هنا بتعملي ايه؟


صاحت بعـ ـنف وصوت عالي نسبيًا استمع إليه من حولهم:


-جايه أشوفك وأنت حبيب... هي دي اللي سبتني علشانها 


وقفت "هدى" على قدميها فور أن علمت أن الحديث يذهب إلى منحدر لا تريده ولن تحبه أبدًا، نظرت إليه مُتسائلة:


-مين دي؟


-أجابها وهو يبعد عينه من على الأخرى باشمئزاز واضح:


-منه.. اللي كانت خطيبتي.. أظن واضح قدامك سيبتها ليه أهو


أردفت الأخرى بصوتٍ عالي وطريقة سوقية لا تناسب المكان المتواجدة ولا تناسب الأفراد الذين أمامها أيضًا:


-هو ايه ده اللي واضح.. أنت سيبتني علشان مرات صاحبك اللي مات، هتستهبل ما أنا عارفه كل حاجه 


نظر إليها بغـ ـضب وعصبية شديدة ثم صرخ بها:


-اخرسي 


أردفت "هدى" باستغراب واستنكار لما تقوله وقد فهمت الآن لما قال لها "تامر" أنه لا يستطيع التكملة معاها فهي مختلفة عنه كامل الاختلاف:


-دي مجنونة 


أجابها وهو ينظر إلى الأخرى بعينين حادة قائلًا:


-مجنونة وستين مجنونة 


ارتفع صوتها الهائج وهي تقول ملوحة بيـ ـدها الاثنين إليهم:


-أنا مجنونة.. دا أنا هفضحك هنا، خطبتني وسيبتني من غير سبب ايه هي بنات الناس لعبة في ايـ ـدك


أكملت بسخرية وصوت عالي مُتهكمة عليه وأظهرت أن ما تريده منه ما هو إلا أشياء مادية: 


-ولا تكونش فاكر إني هبلة وهسكتلك بعد ما تدخل بيتنا وتخرج كده عادي.. لأ مش هطلع من المولد بلا حمص 


ظهر عليه الحنق الشديد فقال بطريقة مُهلكة ناظرًا إليها باشمئزاز:


-يا شيخه منه لله اللي كان السبب في إني أعرفك.. ده ايه القـ ـرف ده 


هتفت "هدى" وهي تبتعد عن الطاولة بجدية تامة:


-تامر.. الناس بدأت تتفرج أنا طالعة مكتبي ومشي البتاعه دي من هنا 


صرخت الأخرى بها وارتفع صوتها أكثر بعد أن تمسكت بيـ ـدها كي لا تجعلها تذهب:


-بتاعه.. بتاعة مين يا أم بتاعة تعالي هنا وأنا أعرفك البتاعه دي ايه 


نفضت "هدى" يـ ـدها منها بقوة ونظرتها نحوها لا تعبر عن أي شيء إلا التقزز وقد استوعب عقلها كل شيء حدث حقًا:


-سيبي يا مجنونة أنتي


جذب يـ ـدها التي أمـ ـسكت بها الأحرى ونظر إليها بقوة وعمق صائحًا بغـ ـضب:


-أنتي بتعملي ايه؟ فاكره نفسك في الشارع بتاعكم أمشي من هنا أمشي


عاندته بوضوح وقوة وهي تضع يـ ـدها الاثنين في وسط خصـ ـرها:


-مش همشي مش أنا اللي تاخدني لحم وترميني عضم..


نظر إلى "هدى" وترك الأخرى وهو يقول لها بجدية:


-روحي اطلعي وأنا هتصرف مع دي 


أومأت إليه برأسها ونظرت إليها باشمئزاز وتقزز ثم سارت مُبتعدة عنهم ففعل الآخر شيئًا لا يليق به، تمـ ـسك بها من معصم يـ ـدها ثم سار بها وهي خلفه شاعرًا بالحنق الشديد من وجودها بحياته وكأنها كـ اللاصق لا تخرج بسهولة...


وصل معها إلى مدخل الشركة ثم ألقاها في الخارج وهتف لأفراد الأمن بقوة:


-الست دي متدخلش الشركة تاني 


لم ينتظر حتى أن يستمع أو ينظر إلى ردة فعلها بل استدار وذهب إلى الداخل مرة أخرى لاعنًا الساعة التي تعرف عليها بها والتي كانت غاية في الهدوء والرقة.. بها من الأخلاق ما يكفي بنات العالم أجمع ولكن مرة بعد الأخرى كان يظهر كل شيء بوضوح إلى أن طفح الكيل منها ومن عائلتها فلم يستطع الإنتظار أكثر من هكذا معها..


حان دور الذي اختارها قلبه، ستكون العوض والعون، سيبادلها بالسند والظهر.. وستكون حياتهم معّا جنة الأرض.. 


❈-❈-❈


جلست على الطاولة أمامه بوجهٍ باهت حزين مُشتت ونظراتها عليه ضائعة مترقبة لأي حركة قد تصدر منه تؤكد حديث عمها و "عامر" عنه وعن عائلته، مُنتظرة أن يثبت أنه هو الآخر خـ ـائن كاذب ومخادع لا أمان له وهناك غرض آخر خلف معرفته بها 


أصبحت لا تثق بأي شخص في حياتها، لقد تعرضت للخـ ـيانة من الجميع حتى من كانت تظنه أقرب الأشخاص إليها ومهما ابتعدت عنه وفرقهم الزمن سيكون سندها والحامي الأول والأخير لها..


انقلبت الموازين وتحلى بوجهٍ آخر فوق وجهه ليصبح قناع دائم من القسـ ـوة الذي يخلفها كسرة قلب وقهرة لا نهاية لها.. 


بعينيها الباهتة نظرت إليه بضعف وقلة حيلة وقد خجلت كثيرًا مما تريد قوله إليه بعد المدة التي أعطته بها الأمل الأكبر بحياته، بشفـ ـتين ترتعش ونبرة غير متزنة قالت:


-هشام أنا.. أنا آسفة على كل حاجه بس إحنا، إحنا مش هينفع نتجوز 


أقترب إلى الأمام بعينين مُتسعة حادة عليها تحولت مئة وثمانون درجة:


-بتقولي ايه؟


فركت يـ ـدها الاثنين بتوتر أمامه محاولة شرح موقفها له بنبرة خافتة حزينة:


-اللي سمعته.. أنا آسفة أقسم بالله ما كان قصدي كده بس اللي حصل وأنا مقدرش أكسر كلام عمي 


أبعد من أمامه كوب القهوة الخاص به ونظر إليها بقوة وانزعاج تام صارخًا بعصبية:


-أنتي اتهبلتي ما تكسريه ولا تنيليه بنيلة 


ابتلعت ما وقف بحلقها وأبعدت عينيها ذات اللون الزيتوني عنه ثم عادت بخجل شديد قائلة: 


-أنا هتجوز أنا وعامر 


صرخ بعـ ـنف مرة واحدة وعينيه منصبه عليها بتركيز شديد وقد ثار البركان بداخله واشتعلت النيران الذي ستحرقه هو ووالده إن لم ينفذ ما قاله له وخطط إليه:


-لا دا أنتي اتجننتي بقى.. هتتجـ ـوزي عامر إزاي مش المفروض إنك بتحبيني ولا كنتي كدابه وخـ ـاينة زيه بالظبط وبترسمي عليا الحب 


ضيقت ما بين حاجبيها وضيقت عينيها هي الأخرى عليه قائلة بصدق وجدية:


-أنت عارف إني مش كده والله العظيم بس الظروف أقوى مني


عاد للخلف ضاغطًا على فكة بقوة وعنـ ـف شديد، ثبت عينيه الحادة على خاصتها وقال بجدية مُميتة:


-هنهرب أنا وأنتي ونتجـ ـوز وهنرجع وإحنا متجـ ـوزين وبكده تبقي قتـ ـلتي الظروف ونحطهم قدام الأمر الواقع 


نفت ما قاله سريعًا معترضة عليه بقوة وانزعاج:


-لأ طبعا مستحيل أعمل كده ايه اللي أنت بتقوله ده


أكمل بإصرار ليضعها في موضع الخـ ـائنة أمام نفسها وهو يعلم أن هذه عقدة تعاني منها: 


-يبقى أنتي لسه بتحبيه هو وموافقة على الجـ ـواز منه


عارضت ما قاله بشدة وبنبرة جادة: 


-أقسم بالله مش موافقة أنا مغصوبة بس لازم ده يحصل مضطرة 


صرخ مرة أخرى بعـ ـنف وعصبية وهو يرى ما خطط إليه يذهب إلى البعيد المطلق حريته:


-ليه مضطرة لــيــه 


ابتعدت عينيها عنه، مؤكد لن تقول أن ابن عمها يقوم بتهديدها بصورها الفاضـ ـحة، أردفت بخفوت وضيق احتل كيانها منذ أول لقائها بـ "عامر":


-مضطرة وخلاص يا هشام.. مضطرة أوافق 


أشار عليها بإصبع يـ ـده السبابة وأردف حديثه الحاد الجارح:


-كدابة وستين كدابة بتحبي عامر وعايزاه هو وأنا كنت لعبة في ايـ ـدك 


لقد كانت تعتقد أنه يفعل ذلك لأجل حبه لها فعارضت مبررة موقفها أمامه مدافعه عن نفسها:


-والله العظيم أبدًا


لم يصمت للحظة واحدة بل تابع حديثه الحاد وهذه المرة كان حاد غاضب مهددًا لها وبكل جدية ووضوح ناظرًا إليها بعينين صائد سُلبت منه فرسيته عنوة لحمايتها:


-أنتي مفكراني ايه؟ لأ أنا مش عيل صغير ينضحك عليه كده.. قسمًا برب العزة إن ما لغيتي فكرة الجـ ـواز من عامر لكون متصرف تصرف مش هيعجبك لا أنتي ولا أأهلك


اتسعت عينيها عليه واعتدلت نبرتها بجدية ووضوح مُتسائلة باستغراب واندهاش:


-أنت بتهددني؟

تابع قراءة الفصل