رواية جديدة بين دروب قسو ته لندا حسن - الفصل 12 - 2
قراءة رواية بين دروب قسو ته كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بين دروب قسو ته
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ندا حسن
الفصل الثاني عشر
الجزء الثاني
❈-❈-❈
أكمل حديثه مُجيبًا عليها وأشار برأسه مؤكدًا بقوة:
-آه بهددك ولو منفذتيش يبقى أنتي اللي جنيتي على نفسك
وقفت على قدميها وتمسكت بحقيبتها التي كانت موضوعة على جانب الطاولة بينهم، نظرت إليه باندهاش واضح وذهول تام لتحوله المفاجئ ثم قالت باستنكار:
-أنت إزاي بتكلمني كده.. طلعت زي ما قالوا!
رآها تتركه وتتحرك بعد جملتها فوقف هو الآخر مُمسكًا بيـ ـدها بعـ ـنف مُتسالًا:
-رايحه فين؟
نفضت يـ ـدها منه بقوة وعنـ ـف شديد وصرخت به أمام الجميع في المكان العام الذي يجلسون به:
-اوعا كده سيب ايـ ـدي.. مش عايزة أشوف وشك ده تاني أبدًا
نظر إليها بوجه جامد حاد كما أول مرة رأينا بها وجهه الحقيقي، وبنفس نظرة القاتل هذه أجابها بتأكيد وثقة:
-هتشوفيه يا سلمى لكن وقتها مش هيعجبك
نظرت إليه بنفور ثم استدارت ترحل فاستمعت إلى حديثه المهدد إياها مرة أخرى:
-أقرب رد على اللي حصل دلوقتي هيبقى بالليل استني المفاجأة مني واستحمليها
خرجت من المكان تسير بقدمين ترتعش وخطواتها غير مُتزنة بالمرة، صعدت إلى سيارتها وبقيت بها ولم تتحرك، لقد خدعت به!.. تعرفه منذ الكثير وكان يمثل عليها الحب كما قال عمها!، حديثه وانزعاجه الشديد وتهديده الواضح لها يقول أن هناك غرض آخر كان يريده منها غير أنه يحبها..
يا الله ماذا لو كانت تزو'جته.. ماذا لو لم يرفض عمها هو وابنه الزو'اج منه، كانت ستكون ضحية لغرض داخله لا تعرف عنه شيء، ستكون مسلوبة الإرادة متز'وجة من شخص لا تعرف عنه شيء حتى أنها لا تعرف ما الذي يريده منها..
كيف إلى اليوم وهي تعرفه ولم يظهر عليه أي مما رآه عمها وابنه؟ هل هي إلى هذه الدرجة مخدوعة بالبشر المحاوطين لها؟ أول شخص حبيبها "عامر" ومن خلفه كان شقيقها "ياسين" والآن "هشام"؟!..
من هناك غيرهم في حياتها يقوم بخداعها؟ من هناك غيرهم يراها غبية وحيدة لا تستطيع التصرف في الأمور والحكم على الأشخاص يقوم بالضحك عليها بسخرية ويراها ساذجة؟..
تحركت بالسيارة بعد أن قامت بتشغيلها وابتعدت عن المكان وعقلها داخله قنابل تفجر به الأفكار لتظل تزداد إلى أن تنفجر رأسها هي الأخرى من كثرة التشتت..
❈-❈-❈
"في المساء"
بعد أن تعرض إلى حرقة قلب وقهره لا نهائية من تلك الغبية التي كان من المفترض قتـ ـلها كما أمره والده توجه إلى منزل "إيناس" ابنة عمه لتساعده في الورطة التي وقع بها وليقوم بالانتـ ـقام منها ومن ذلك الحقير ابن عمها الذي تحداه بثقة وسلبها منه عنوة.. لن يتركهم أبدًا
دلفت "إيناس" بالصينية الموضوع عليها كوب كبير من عصير الليمون ليقوم بتهدئة أعصابه التالفة منذ أن أتى، وضعت الصينية على الطاولة وجلست مقابلة له ثم أردفت بخبث ومكر مدسوس في حديثها:
-اهدى بس يا هشام أكيد سلمى عامر اللي غصبها على كده وأنت أكيد مش هتسيبهم يتجـ ـوزو
-بنت الكلب ضحكت عليا.. بقى أنا ينضحك عليا من واحدة غبية زي دي؟
لقد كان قلب "إيناس" يحـ ـترق بالفعل وأكثر منه، لن تجعل "عامر" ينعم بالحب معها، لن تجعله يتزو'جها بهذه السهولة وتخرج هي من حياتهم الوحيدة الخاسرة، حتى ابن عمها لم يخسر شيء... إن تركتهم يتزو'جون ستخرب عليهم كل شيء، سيكون زو'اج مفعم بالانتقام:
-وأنت هتعمل ايه
أردف "هشام" بحرقة وقلبه يزداد في عـ ـذابه:
-بنت الكلب دي مستحيل توافق تتجـ ـوزني بعد تهديدي ليها ولو وافقت الكلاب اللي عندها مش هيوافقوا هي كده متقفلة بس أنا لازم اشفي غليلي النهاردة قبل بكرة والباقي هعمله على رواق
رفع نظرة عليها مرة واحدة ثم قال بجدية شديدة جعلتها تتفاجئ منه:
-وأنتي اللي هتساعديني أنا عارف إنك مش بطيقيها أصلًا بس كنت ساكت علشان مصلحتي
نظرت إليه باستغراب، كيف علم أنها لا تحبها وكل ما تفعله كذب؟ الغبية الأخرى لم ترى منها شيء سيء هو كيف علم؟:
-وعرفت منين بقى؟
تحدث بانزعاح وضيق شديد وهو يشعر بعدم الصبر والتعجل في الانتـ ـقام منهم الليلة:
-بقولك ايه انجزي معايا كده أنا عارف اللي فيها بس ايه السبب الله أعلم وهعرفه منك بس مش دلوقتي لازم الأول اتصرف معاهم
اعتدلت في جلستها ونظرت إليه بتعمق ثم أخرجت كل ما عندها ومحت دور الصديقة المخلصة وكشفت عن وجهها قناع البراءة:
-طب بما إنك بقى عارف إني لا بطيقها ولا بطيقه وهتعرف مني السبب يبقى أنا كمان أعرف أنت بتعمل كده ليه ما أنت كنت راسم عليها دور الحب قدامي وأنا معرفتش اهرش عمايلك
تحدث بنفاذ صبر:
-كل ده مش وقته دلوقتي
تفوهت بالكلمات المنجية إياه والذي يريد الاستماع إليها منذ أن أتى إلى هنا:
-ماشي وأنا عندي اللي يدمرهم سوا بس عندي شرط
مرة أخرى بقوة وانزعاج يردف:
-ايه اخلصي
ابتسمت بسخافة وقالت بجشع:
-خلي أبوك يزودلي مصروف الشهر
أومأ إليها برأسه واعتدل في جلسته مُتقدمًا للأمام منها بقوة مُنتظر حديثها الذي سيشفيه:
-موافق.. قولي بقى
أردفت بهدوء وهي تعيد ظهرها للخلف تستند إلى ظهر الأريكة:
-هتكلم عامر
أشار إليها بيـ ـده بحدة يلح عليها في الحديث بنفاذ صبر:
-هعمل بيه ايه انجزي
بمنتهى الخبث والحقد القابع داخل قلبها، وبمنتهى الكـ ـراهية والبغض المزروع في قلبها تجاه "سلمى" البريئة من كل شيء سوى البراءة نفسها تحدثت ببرود:
-اتقل.. هتكلم عامر وتقوله إن سلمى عملت معاك علاقة وإنك كنت رايح تخطبها علشان كده وأنها رافضة الجـ ـواز منه لنفس السبب
صاح بعـ ـنف وانزعاج لأجل الغباء الذي تتحدث به:
-وكده بقى هو هيصدق؟ أنتي يابت أنتي عبيطة
ابتسمت ببرود وسخرية، وظهر على ملامحها القسـ ـوة الشديدة الذي استشعرتها من "عامر القصاص" الذي جعلته مُدمرّا لحياتها لتلقيها على حبيبته بالنيران الملتهبة التي تريد أن تشوه بها جمالها، أكملت بنفس الكـ ـراهية والقسـ ـوة تجاهها:
-ما قولتلك اتقل.. أنا سبق وقولت لعامر الكلام ده وهو مصدقنيش لكن المرة دي أنت هتأكد كلامي وبالدليل كمان وهنا بقى هيصدق وقول عليهم هما الاتنين يا رحمان يا رحيم أصلك متعرفش عامر بيموت في التراب اللي بتمشي عليه وهو أصلًا واحد شهـ ـواني ونسـ ـوانجي بقاله سنين مستني تبقى مراته مش معقول بعد كل ده تتاخد منه كده وبرضاها كمان
ضيق عينيه بقوة عليها، كم بدت شريرة أمامه بعد الاستماع منها إلى ذلك المخطط القذر، كم من واحدة مثلها في حياة البشر؟، تسائل بصوت جاد بعد أن ألقى تلك الأفكار من رأسه الآن:
-وايه هو الدليل ده
رفعت قدم فوق الأخرى وجلست بأريحية وبدت واثقة من نفسها وهي تقول:
-قوله الحسنة البني اللي في نص ضهرها
عاد هو الآخر للخلف بعد أن ارتاح قلبه وأخذ داخله وسيلة الانتـ ـقام الصغرى منهم ليقول بعدم تصديق:
-يخربيت دماغك
أكدت حديثه بثقة عالية وهي تتابع:
-اومال.. لو كانت أمها تعرف مكان الحسنة فهي ماتت قبل حتى أنت ما تظهر في حياتها وأبوها وأخوها يعني مافيش حد يقولك عليها ولا حتى أنا دا أنا شوفتها بالصدفة كده يعني من الآخر أنت اكتشفتها بنفسك
ارتسمت الابتسامة على شفتـ ـيه واتسعت بقوة واستمعت إلى كلماته المريحة قائلًا:
-حلو أوي الكلام ده.. يبقى اتقل زي ما قولتي وأكلمه بالليل
كل ما اجرمت به أنها لم تستمع إلى حديث حبيب عمرها وسـ ـارق أحلامها، كل ما اخطأت به هو أنها تركت طيبة قلبها تتعامل مع البشر وكذبت إصراره على عدم الوثوق بهم.. الآن ستكون ضحية لتفكير شيطاني من أشخاص قدمت إليهم كل الحب والاحترام.. ستكون ضحية حبيب عمرها.. من حذرها من البشر أجمع إلا هو..
❈-❈-❈
بعد أن صف سيارته في كراج الفيلا خرج منه وتقدم يسير في الحديقة الخاصة بهم مُتقدمًا من بوابة الفيلا الداخلية ليصعد إلى غرفته لينعم ببعض الراحة قليلًا.. لقد أصبح العمل شاق جدًا بالنسبة إليه في هذه الفترة..
استمع إلى صوت هاتفه يصدر رنين عاليًا ينم عن وصول مكالمة إليه، أخرجه من جيبه ونظر إلى شاشته فوجده رقم غير معروف.. ابتسم بسخرية واستنتج أنها ستكون هي كالمعتاد فأجاب مع تحفظه لفعل نفس الشيء كالمرة السابقة ليضمن الدليل القاطع الذي سيكون سيف قطع رقبتها..
خابت توقعاته عندما استمع إلى صوت رجل آخر يهتف بنبرة ساخرة عبر الهاتف:
-ازيك يا أبو الرجـ ـولة.. أكيد مش عارفني أنا هشام
ابتسم "عامر" بسخرية وأردف بجدية وتساءل بلا مبالاة:
-أنت أخدت الوسيلة من بت عمك الوسخـ* ولا ايه
استمع إلى صوت "هشام" على الناحية الأخرى يقول:
-تقريبًا كده بس المرة دي أنا جاي أحذرك
عاد "عامر" إلى الحديقة مرة أخرى يبتعد عن باب الفيلا ثم نقل الهاتف إلى أذنه اليمنى ليردف بسخرية شامته وتهديد:
-تحذرني.. ايه اتحـ ـرقت لما قالتك هتجـ ـوز عامر، اخلع منها علشان أنت مش قدي أنا بس اللي بحب الصبر
ضحك "هشام" على الناحية الأخرى بل وتعالت ضحكاته كثيرًا ثم قال بشماته يردها إليه:
-إهدى بس على نفسك وأسمع البوقين دول.. أنا متحرقتش ولا حاجه.. اتحـ ـرق ليه على حاجه مجربها
صمت "عامر" عندما استمع إلى هذه الكلمات الساخرة منه والشامته به، ولم يُجيب عليه لأنه لم يستطع تحديد موقفه فاستمع إلى الآخر يُكمل:
-بتسأل مجرب ايه مش كده؟ ياعم مش هخلي فضولك يقـ ـتلك وهقولك.. أصل الحقيقة كده يعني زي ما جه في بالك أنا مجرب بنت عمك
أردف "عامر" ألفاظ دنيـ ـئة بذيـ ـئة بصوتٍ عالٍ صارخ وهو يثور في الحديقة بهمجية واهتـ ـياج والعـ ـنف احتل جـ ـسده:
-أخرس يا وسـ* يا كلب وديني هطلع ميتيـ**، هخليك مرا يا ابن الكلب
قابله الآخر بالبرود التام يؤلف حديث من عقله هو وابنة عمه ليجعل القصة كاملة ويصدقها المشاهد مُستمعًا بما يحدث للآخر أمامه:
-براحه على نفسك يا ابن القصاص.. أنا بس بفهمك اللي حصل بنت عمك كانت معايا وأظن بنفسك جبتها قبل كده من بيت إيناس مكنش بيتي الحقيقة بس كنا بنتقابل هناك وغلطت معايا ولما جيت أخطبها كان علشان أصلح الغلط يا نِور.. بفهمك بس علشان متلبسش
ضرب الطاولة بقدمة ومن خلفها المقعد ليقع على الأرضية وهو يُجيب عليه بعدم تصديق وداخله يعلم أن هذه لعبة قذرة منه:
-آه انتوا متفقين سوا بقى وعايزني أعمل الغلط
بمنتهى البرود واللـ ـذة الخالصة أكمل بشماته وكذب ولكنه أحكمها جيدًا ليشعر بالمـ ـتعة وليعود الأمر عليه بتحقيق الإنتصار:
-لا يا حبيبي أنا متفقتش مع حد بنت عمك عندك وتقدر تتأكد كمان بالحسنة اللي في ضهرها بني هي وفي نص ضهرها كمان أكيد أنت مشوفتهاش.. معلش مش هقدر أقول أي أمارة تانية دي أعراض ناس بردو وآه هي كانت هتتكلم مع عمها تاني علشان تستر على نفسها هي بس طاوعتكم علشان منظركم قدامي
لم يستمع إلى صوت الآخر فأكمل مرة أخرى بنبرة شامته:
-رفضتك علشان كده يا جامد خايفه تعرف اللي حصل بينا.. تشاو
أغلق الهاتف، أبعده "عامر" عن أذنه نظر إلى شاشته وعينيه لم تكن معه من الأساس، شامة في ظهرها لونها بني؟ هو رآها! يؤكد حديث ابنة عمه الحقـ ـيرة ويقول أنه أقام علاقة معها؟ حديث "إيناس" كان صحيح؟ لقد خدعته! خـ ـانته وسلمت شرف العائلة وشرفه إلى ذلك الحقـ ـير!؟..
خـ ـانته؟ طعنته بظهره بسـ ـكين تالمه؟ قتـ ـلت كل الحب الموجود بقلبه لها؟
إنه يشعر بالمـ ـوت الآن؟ يشعر وكأن هناك من يسلب منه روحه بالقوة.. إنه أسفل المياة ولا يستطيع التنفس بشكل جيد.. يغرق في أعماق البحر.. خـ ـانته؟
حرك عينه على شرفة غرفتها.. استعاد صورة عمه الذي كان والده أمامه ثم من بعدها بلحظة أخرى استنتج أنه لن يصدق هذا الحديث!.. لن يصدقه مستحيل لن يجعل قلبه يكـ ـرهها ويمـ ـوت الحب داخله.. لن يترك هذا الأبلة يفعل بهم هكذا..
إنه كاذب، يؤلف كل هذا فقط لأجل أن يفرق بينهم، حبيبته لا تفعل ذلك.. لا تخـ ـونه، لا ترمي جـ ـسدها في أحضان غيره، لا تخيب ظنه بها، إنها تحبه..
سيتأكد من كل ذلك، سيتأكد بنفسه ومن بعدها يقرر من الكاذب والمخادع هنا..
ضيق عينيه على شرفة الغرفة ثم تقدم إلى الفيلا بخطوات ثابتة حادة تسير بسرعة شديدة ليصل إليها، سيفعل ما يجب عليه فعله ليتأكد إن كان كاذب أو لا.. ليتأكد إن كانت كما هي ابنة عمه وحبيبته ومن هواها قلبه من بين كل الناس، سيفعل ما يجب عليه فعله ليتأكد إن كانت خـ ـائنه أو لا..
دلف إلى الفيلا وقد كانت هادئة للغاية، تذكر أن والديه وشقيقته ليس موجودين هنا يالا حظه السعيد، سيحلو له كل شيء الآن وما سيفعله سيكون في هدوء تام..
فتح باب الغرفة الخاصة بها على مصراعيه بيـ ـده اليمنى وتقدم بقدم واحدة إلى داخل الغرفة ينظر إليها..
كانت تقف أمام الفراش استدارت فجأة بفزع عندما وجدت الباب يُفتح هكذا وليس هناك أحد معها في الفيلا سوى العاملين بها ولا أحد يتجرأ على فعل شيء كهذا..
نظرت إليه بعينيها الزيتونية وقد رأت مظهره غريب عنها لا يبشرها بالخير، لم تتحدث وتثور عليه وتأخذ أي ردة فعل إلا عندما وجدته يدلف ويغلق الباب من خلفه بعينين صائد ماهر..
صاحت بجدية شديدة وضربات قلبها أصبحت تزداد عنـ ـفًا مرة واحدة لتجعلها تشعر بالرهبة:
-في ايه.. أنت داخل كده ليه
تقدم إلى أن وقف أمامها دون أي حديث، دون أي إشارة واحدة منه، نظر إلى عينيها مباشرة وكانت عينيه البُنية الحزينة تخاطبها بالخوف القابع داخل قلبه.. خوفه أن تكون فعلت ما هتف به ذلك الحيوان هو وابنة عمه.. يخاف أن تكون قد تخلت عن حبه لها ومحت حبه من قلبها..
رهبة تقـ ـتله وخوف يهزم كل خلية حية به أن تكون تخلت عنه وعن كل ما كان بينهم، حبه لها جنـ ـوني قـ ـاتل ينافس به أي شيء، يا ليتها تعلم ذلك..
استحضر لون عينيه الأسود القاتم في تلك اللحظات التي ستكون فارقة في حياة كلاهما، وأمر القسـ ـوة أن تتجسد به وبكل حركة تصدر عنه وقد كان ذلك..
جذبها من يـ ـدها الاثنين على حين غرة ثم جعلها تلتف عنوة عن نفسها وقام هو باحتضان جـ ـسدها بيـ ـد واحدة جاعلها تلتصق بجـ ـسده بقوة مانعًا حركتها مقيد جـ ـسدها بالكامل بيـ ـده اليسرى فقط..
صرخت بفزع عندما وجدته يفعل ذلك وهي لا تفهم أي شيء وحاولت أن تبتعد عنه وتبعد يـ ـده عنها وهي تتمتم بالكلمات المتسائلة عن ما الذي يفعله بها..
حاولت بكثرة أن تدفعه عنها ولكنه كان الأقوى وكان مُحكم لقبضته عليها وجعلها لأ تستطيع الحراك
مد يـ ـده إلى سحاب فستانها من الخلف وهي تتلوى أسفل يـ ـده بفزع ورهبة شديدة، ثم صرخت به بعـ ـنف واهتـ ـياج:
-أنت بتعمل ايه.. اوعا أبعد عني يا عامر
لم يستمع إلى أي من حديثها وبقيٰ كما هو يحاول السيطرة عليها إلى أن ينتهي مما يريد فعله، وأكمل في فتح سحاب فستانها تحت صرخاتها المستمرة عليه والخائفه منه وعقلها يقودها إلى كثير من الأشياء البشعة الذي يريد فعلها بها كما هددها قبل سابقًا..
وصل إلى ما كان يريد رؤيته، ظل يفتح السحاب على أمل أن ينتهي ولا يرى شيء مما يريده وينتظره ولكن خاب أمله كثيرًا وهو ينتهي بفتح السحاب إلى آخره وقد ظهر من خلفه الشامة!..
في تلك اللحظة يقسم أنه استمع إلى تكسير حاد في قلبه لم يستمع إليه من قبل.. احتل العـ ـنف جـ ـسده واهتـ ـاج أكثر وهو ينظر إلى ظهرها يحاول أن يتأكد.. يحاول أن يرى غيرها أو أن يمحيها.. يحاول فعل أي شيء يقول أن كل ذلك كذب وهي كما هي حبيبته وابنة عمه الشريفة..
لا يستطيع وصف ما يشعر به، يقسم أنه لا يستطيع أن يشرح أي شي أو يشعر بأي شيء سوى أن قلبه قد كُسر حقًا
رفع سحاب الفستان إلى آخره مرة أخرى بحدة وعنـ ـف يد ثم دفعها أمامه لتلتف هي في هذه اللحظة إليه صارخة بعـ ـنف واستنكار لما فعله:
-أنت حيوان وزبالة يا عامر أطلع بره وإلا قسمُا بالله مش هيحصل كويس بينا
أتدري أن عامر لا يشعر بأي شيء سوى قسـ ـوة ونيـ ـران حـ ـارقة في قلبه بعد أن كُسر؟ أتدري أن عامر قلبه تحطم وعقله لا يستطع استيعاب ما حدث؟ أتدري أن عامر لحظة آخرى لو بقيٰ بها على وضعه هذا يكمل في الصمت الذي حل عليه سيقع على الأرضية يلقى حتفه؟
استغربت نظراته عليها ولم تدري لما فعل ذلك وما الذي يريده منها ومرة أخرى صرخت عليه بقهر كان هذه المرة يأخذ مكان أكبر في نبرتها ولكنها لم تشعر بعدها بأي شيء سوى أنها أخذت لطمة على جانب وجهها جعلتها تقع على الفـ ـراش ناظرة للناحية الأخرى بعيده عنه..
لم يتحمل أكثر من هذا، لم يتحمل الاستماع إلى صوتها ورؤيتها هكذا دون أن يعبر عن رفضه لكل ما يحدث.. فلم يجد شيء يفعله سوى أنه صفعها بكل قوة لديه على وجنتها دون أي حديث منه..
انهمرت الدموع من عينيها بغزارة وهي تضع يـ ـدها على وجنتها وقد شعرت بسائل ينهمر على كف يدها من جانب شفتيـ ـها غير دموع عينيها المتألمة..
تقدم منها بخطوة واحدة وضع قدمه اليمنى على الفـ ـراش والأخرى على الأرضية وهي تجلس بالمنتصف على الفـ ـراش، جذب خصلات شعرها من الخلف وجعلها تنظر إليه بعينين مقهورة باكية متألمة يتعمق بعينيه على وجهها المطبوع على جانبه أصابع يده وشفتيـ ـها الذي يسيل منه خط دماء، يتعمق على عينيها الباكية المخادعة، ثم أردف بقهر وضعف شديد:
-خونـ ـتيني معاه؟ ليه تعملي كده؟ ليه؟ نمـ ـتي معاه لــيــه
نظرت إليه بذهول تام واستنكار لا نهائي لما يقوله، لقد تفهمت ما السبب خلف تصرفاته ولكن أيعقل أن يكون هذا؟. صاحت بعـ ـنف وعينيها متسعة عليه تنفي ما قاله:
-أنت مجنون ايه اللي بتقوله ده اوعا أبعد عني
شدد يـ ـده على خصلات شعرها القصير وجذبه أكثر لتتألم بقوة أمامه ولكنه صاح بجنون وقسـ ـوة العاشق داخله هي المسيطرة على الوضع بينهم:
-مش هسيبك يا سلمى.. مش هسيبك
انهمرت الدموع أكثر وأردفت بشفتـ ـين ترتعش بخوف وضعف شديد ونبرتها تنم عن القهر والذل التي تتعرض له الآن:
-أنا معملتش حاجه يا عامر ده كدب أنت إزاي مصدق اللي بتقوله
دفعها على الفـ ـراش للخلف بعـ ـنف فاصطدم ظهرها بالفـ ـراش بقوة وانحنى فوقها يهتف بنبرة حادة شرسة:
-خونـ ـتيني.. بيعتي نفسك وبيعتي حبي بالرخيص يا بنت القصاص
رأته يقدم يـ ـده منها وعيناه تنوي على فعل الشر بها فصاحت بصوت عالي وعيناها تترجاه بأن يبتعد:
-أبعد عني يا مجنون معملتش حاجه
وضع يـ ـده الاثنين حول عنقها وضغط عليه بقوة وعنـ ـف ولم يكن هو بحالة جيدة ليفهم ما الذي يفعله بل كانت حـ ـرقة قلبه وقسـ ـوة الحب الذي تعايش به معها الذي يتصرفان:
-مش بالساهل يا سلمى.. مش بالساهل، همـ ـوتك
رفعت يـ ـدها الاثنين هي الأخرى على يـ ـده تجذبهم بعيد عنها شاعرة بالألم الممزوج بالرهبة والخوف الذي يكاد يوقف قلبها عن النبض منتقلًا مع أهلها في عالم آخر:
-آه.. شيل ايدك همـ ـوت
ضغط بيـ ـده أكثر وأكثر واسودت عيناه أكثر من السابق وقلبه لا يوجد به شيء من الرحمة ولا الشفقة على مظهرها ورهبتها التي تتحدث من ملامح وجهها:
-همـ ـوتك يا سلمى... هموتك وأغسل عارك واشفي
غليلي
صمم على قتـ ـلها ولم يتراجع عن فعلها ورآها وهي لا تستطيع الحديث ووجها يحدث به الألوان السبعة، تفوه بالكلمات الحادة ولكن كانت عيناه غلفتها الدموع التي تنم عن قهرة رجل عشق حقًا:
-همـ ـوتك يا بنت عمي.. همـ ـوتك
في لحظة شعر أنها بعينيها تهتف بكم تحبه وتودعه وفي اللحظة التي كانت بعدها زاغت عيناها عنه وثقلت يـ ـداها الموضوعة فوق يـ ـده تبعده عنها واختنق وجهها وشفتيها باللون الأزرق الذي وقفت عليه اختلاف الدرجات.. في تلك اللحظة سقطت من عينه دمعة فقط تتحدث عن كم الألم الموجود بالدخل وهو لا يستطيع التعبير عنه، تتحدث عن ألمه القادم بعد فقدانها!!..
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن من رواية بين دروب قسو ته، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية