رواية جديدة مواسم الفرح (ست الحسن) لأمل نصر الفصل 17
قراءة رواية مواسم الفرح (ست الحسن) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية مواسم الفرح
من روايات وقصص
الكاتبة أمل نصر
(ست الحسن)
الفصل السابع عشر
انتشر الخبر وعرفت البلدة كلها لتحكي وتتحاكى عن عاصم حفيد الحاج ياسين الذي وجدته مجموعة من الشباب اسفل شجرة مضرجًا بدمائه، فاقد الوعي ، ليرفعوه على الفور نحو اسعاف الوحدة الصحية، والتي قامت بدورها في نقله إلى مشفى المحافظة، ليلحق به أهله الذين علمو بالمصببة كالاغراب، فشباب القرية كانو من السرعة في التصرف لإنقاذه، لدرجة لم تجعلهم ينتظرون عائلته، والذين خرجو بسيارتهم بعد ذلك رجال ونساء، للإطمئنان على ولدهم.
وفي المشفى كان حجم الكارثة يبدوا جليًا على الجميع، والدته سميحة، لم تكن قادرة على رفع نفسها، لتقف جيدًا على قدمها، ونساء العائلة يحتضنها، ليخففن عنها بالكلمات المطمئنة عسى ان يأتي بأي فائدة مع امرأة تموت في الدقيقة الف مرة في انتظار خروج ابنها الذي دخل غرفة العمليات من قبل ان تراه، قد مرت الساعات منذ حضورها. .
- اهدى يا حبيبتى وخلي عندك إيمان، إن شاء الله هيجوم بالسلامة، طمنى جلبك انتى بس.
قالتها نعمات لتضيف راضية هي الأخرة:
- اصلبى طولك يا سميحة، ولدك شديد وعنيد، وانا متأكدة انه هيجوم منها، انا عارفة عاصم زين، دا ولدي اللي مربتهوش ولا خلفته.
قالت هدية ايضا بعصبية وأنفعال:
- اقوي يا سميحة وشدي حيلك، ولدك ان شاءالله ربنا هينجيه منها، وابن الحرام اللى عملها هنجيبه من تحت الارض وناخد حجنا منه تالت ومتلت، احنا مش هينين ولا جليلين في البلد عشان يحصل معانا كدة، احنا حريم ورجالة لحمنا مر.
خرج صوت سميحة بارتعاش وارتجاف قلب أم انفطر قلبها على وليدها:
- خلصتوا عليه ولا موتوه حتى، ساعتها هايفيدنى ايه بعد ما يروح ولدى منى...
انهت الاخيرة لتعود إلى بكائها الحارق، ونعمات تشدد من احتضانها، ودموعها هي الاخرى لا تستطيع وقفها، فقالت راضية:
- يا سميحة متعمليش كدة، وخليكي جوية، ولدك في العمليات ومعاه مدحت واد عمه دلوك وانتى عارفه ولدى شاطر مع الغريب اشحال مع عاصم حبيبه.
لم ترد سميحة، فقد كانت تبكي وفقط.
في الناحية الأخرى
كان الرجال بقيادة ياسين، بجوار غرفة العمليات وكأن على رؤوسهم الطير، لا يوجد وصف لحالتهم في الانتظار، يبدون في الظاهر قوة وبأس امام من ياتي من اهل البلدة ليُأزرهم، وفي الداخل قلوب تكاد ان تنلخع من أماكنها من الخوف على ابنهم، وتوجس من اللاتي لو الحدث اتخذ الطريق الاسوء، إذا لم يقم عاصم منها لا قدر الله، فسوف يفتح باب الجحيم بعدها، لضرورة الأخذ بالثأر، وتدور الدائرة التي تدهس بلا رحمة ويضيع بسببها شباب ورجال لا عدد لهم، وسنين من العذاب يكن الجميع خلالها خاسر
خرج صوت ياسين سائلًا اخيرًا:
- يعنى محدش فيكم شافوا واصل وعرف اللى بحالته ولا اللي جراله ؟
رد راجح :
- محدش فينا شافوا غير الشباب، اللى مستنوش يبعتولنا وخدوه بأسعاف البلد .
تدخل محسن بقوله:
- انا زعجت لهم عشان ما بعتولناش، كان لازم حد فينا يجي في الإسعاف معاهم.
رد عبد الحميد بتوبيخ:
- ملكش حج فيها دي يا محسن، انا ولدى فهمني، وجالي إن دى احسن حاجه عملوها، عشان يلحجوه .
نظر ياسين نحو والده سالم والد عاصم، والذي كان بحالة من الجمود، تجعله يبدوا وكأنه ليس من الأحياء، او أنه بعالم اخر، فقال يخاطبه حتى يسمع صوته على الأقل:
- اتكلم يا ولدى مينفعش سكاتك ده لا يجرالك حاجة، ودا اكتر وجت انت لازم تكون فيه جوي .
من اجل ابيه، ولمعرفته بما يدور برأسه، خرج صوته ليرد بكلمات تخرج وكأنه كالحجارة بثقلها على لسانه:
- معلش يا بوى .. سيبنى فى حالى . . انا مش حامل اى كلام، ولا حتى أي شيء.
اومأ له ياسين بتفهم وقلبه ينشطر نصفين على ما اصاب الحفيد والولد ايضًا:
- عندك حج يا ولدى، انا جلبي حاسس بيك، وعارف ان الكلام على لسانك، ربنا يطمنك ويطمنا .
وإلى ناحية الفتيات، فقد كانت بدور منهارة هي الاخرى في البكاء وشقيقتها تهون بحزم:
- امسكى نفسك شويه يا بدور احنا كلنا زعلانين، متخليش حد يركز معاكي.
ردت بدور من بين بكاءها،
- مش جادره يا نهال، مش جادرة، انا عارفه ومتأكدة ان كل الى حصله ده بسببى.
- بسببك ازاى يعني يا مجنونة؟
سألتها نهال غاضبة فتدخلت نيرة:
- مفيش غيرهم، العمده وولده يا نهال، واكيد كمان جدي وعمامي شاكين في كدة .
صمتت نهال تزن الكلمات برأسها، وهي وبداخلها تخمن صحة قول نيرة، فمن يملك الجرأة على تحدي عاصم، سوى جبان غادر، يأخذه من خلف ظهره بعد صلاة الفجر، في هذا الشارع الهاديء كما علمت سريعًا، من الاقوال المتواترة حولها، منذ أن وصلت إلى المشفى.
- انا هموت فيها لو جرتله حاجة، يارب اموت انا ولا يحصل إلى في بالي....
قالتها بدور تفيقها من شرودها، فهتف بها غاضبة:
- بس يا بت متقوليش كدة، لا انتي ولا هو ان شاء الله هيجرالكم حاجة، ربنا عالم بينا وبحالنا، أكيد خير
❈-❈-❈
دلف رائف بخطوات مسرعة كاركض داخل المشفى، بعد ان علم اخيرا من احد اصدقائه من البلدة، بالذي اصاب ابن عمه وهو الاَن حديث الساعة، وصل إلى القسم المذكور، ليتأكد مما قيل له، وتوقف امام عائلته قائلًا باعين تعميها نيران الغضب، يوزع انظاره على الجميع:
- واد عمى مالو يا بوى؟ مين اللى استجرى وعملها يا حربى؟ مين اللي عملها يا جدى؟
اجابه عبد الحميد بقلق من هيئته:
- لسه محدش عرف حاجة يا رالف، احنا نفسنا جينا على ملا وشنا، وقاعدين زي ما انت شايف مستنين فرج ربنا .
رد بانفعال يهدد بحريق محتمل:
- يعنى ايه محدش عارف؟ واد عمي بين الحيا والموت في اوضة العمليات، وانتو محدش فيكم عارف، انا بجي لازم اعرف وحالا كمان.
دبت عصا ياسين بقوة على الأرض الرخامية للمشفي، ليهمس بحزم :
- أجل كل اللي في دماغك دلوك يا رائف، نطمن على واد عمك الاول وبعدين نسأل .
تدخل حربي هو الاَخر بحمية تثور بداخله:
- واد عمى مش هيكفينا فيه البلد كلها ؟
غضب عبد الحميد ليهدر كازًا على أسنانه:
- مش وجته الكلام ده دلوك يا غبي انت وهو، احنا في ايه ولا في ايه؟
تابع رائف بعند :
- مش وجته كيف؟ دا هو دا وجته، ولازم التنفيذ يبجى على الفور.
اضاف حربي هو الاَخر:
- ايوه يا عمى، ضربة واد عمى لازم تترد ع الحامى متستناش.
تدخل محسن بعد ان فاض به منهما :
- يا زفت انت وهو، الكلام ده ما يبجاش هنا، لا دا وجته ولا دا مكان ينفع يتجال فيه.
قال ياسين بحسم موجهًا الحديث نحو الجميع:
- ولا هنا ولا هناك، اهم حاجة نشوف ولدنا الاول نطمن عليه وبعدها كل الكلام يتجال
بقوله انهى الجدال، لتصمت الافواه جميعها، يكبتون غيظهم، في انتظار خروج عاصم من غرفة العمليات.
❈-❈-❈
بعد عدة ساعات
خرج مدحت ومعه طقم الأطباء والممرضين من الغرفة التي ضمتهم لإنقاذ عاصم، خرج سالم من جموده ليصل الى انن شقيقه الطبيب ليسأله بلهفة:
- طمنى يا ولدى واد عمك عامل ايه دلوك؟
بنظرة تحمل في طياتها الكثير، حاول بكل جهده ألا يزيد عليهم بضعفه وحزنه العميق على ما جرا لابن عمه، وما واجهه في غرفة العمليات حتى كاد ان يسقط أمام الفريق الذي رافقه من الأطباء والذين كانوا عوناً له ولولاهم ما كان استطاع ان ينقذ عاصم، فقال يجيب بتماسك مزيف:
- الحمد لله يا عمى اطمن.
- طب وحالته يا ولدي، زينة كدة ولا صعبة يعني؟.
لم يكد محسن ان ينهي السؤال حتى اجفل على صرخة قوية، ليلتف للخلف فوجد عاصم يخرج على سريره النقال، بحالة جعلت والدته تقع ارضًا، ليلتف نحوها السيدات ويرفعنها مع صوت صرخاتهن بجزع مزدوج، نحو الام والأبن، صاح نحوهن مدحت بحزم:
- هاتوها بسرعة نشوفها.
بدور الوحيدة التي تسمرت مكانها ولم تتحرك، وقد انخلع قلبها من محله وقت ان رأته بهذه الحالة، حتى خرجت صرختها بإسمه بدون ارداتها، قبل ان تحيطها شقيقتها بذراعها تهون عنها رغم ارتياعها هي الأخرى.
اما ياسين وابناءه ف التفو حول الحامل الذي ينقله ليوقفوه، حتى يتسنى لهم الرؤية عن قرب، وخرج صوت سالم يردد بحرقة:
- مين اللى عمل فيك كده يا ولدى؟ مين اللي أذاك يا حبيبي بالشكل ده؟ رد عليا يا نور عيني.
- ياجماعة خلونا نعدي بالمريض مش كدة الله يخليكم.
قالها الرجل الذي يسير بالحامل، ليجبر الجميع على التنحي حتى يكمل طريقه، فقال ياسين سائلًا:
- هما واخدينوا ورايحين بيه فين ؟
- على غرفة العنايه المركزة، دا شيء لازم .
قالها مدحت قبل أن يسحبه ياسين إلى ركن ما وحدهم، حتى يستطيع السؤال بحرية:
- واد عمك حالته ايه بالظبط؟ متخبيش عني.
بتنهيدة مطولة خرجت من العمق، اجاب بقلقل:
- بصراحة كده عاصم يا جدي لو مافاقش خلال ٢٤ ساعة.... يبجى ربنا يستر .
-❈-❈-❈
- عاجبك كده يا غبى؟ استريحتى يا محروسة بعد الدنيا ما خربت؟ افرحوا عاد ... الواد هيروح فيها وتجلب ع الكل.
كان يندب بها هاشم، وكفه تضرب على الاخرى المستندة على رأس العصا الغليظة:
ردت انتصار بعدم اكتراث مستنكرة:
- وه، طب وانا مالى عاد، انت هتجيبها فيا ليه؟
قال هاشم بغيظ يفتك به:
- دلوك انا هجيبها فيكى يا اختي؟ مكنتيش انتي السبب يعني في الزن واللت؟ لازم ولدى ياخد حجه يا هاشم،. لازم يبجالوا هيبة وسط الناس، الواد لازم يتربى عشان يبقى عبرة لغيره، ساكت ليه يا غبى؟
خرج الأخيرة بصرخة نحو ابنه معتصم، والذي كان جالسًا، على الاَريكة بينهما، باستكانة ولا مبالاة، وكأنه لم يفعل شيء، فقال ردًا على والده:
- وه يا بوى وانا يعنى كنت اجصد اللي حصل؟ مش حكيتلك بجى وجولتلك ع اللي حصل.
هدر به هاشم بصوت عالى:
- يا زفت الطين انت حس بجى، انت اللي هتروح فيها، لو حد عرف بإنك اللى عملتها، عاصم دا مش هين، دا شباب البلد تجريبا كلهم راحوا المستشفى وراه
قالت انتصار:
وايه اللى هايعلمهم بس؟ دى كانت حته مجطوعة زى ولدك ما بيجول، والدنيا هس هس بعد الفجرية، يعني لا من شاف ولا من دري.
- والله ما اضمن ولدك دا غبى ، وما اصدجه فى اى شئ.
قالها هاشم بضيق اثار سخط الاَخر ليهتف باعتراض
- خبر ايه يا بوى .. كل اللي على لسانك غبي غبي،
- كدبت انا يعنى ولا اتبليت عليك؟
قالها هاشم فنهضت انتصار بغضبها لتغادر الغرفة، وتلوح كفها بضيق مرددة:
- اجعد انت كدة كسر فى مجاديفوا، وجول غبي على كيفك لما هتخيبوا صح!
هتف هاشم من خلفها بصوت عالي حتى يصل إليها:
- انا برضوا اللي هخيبه يا انتصار؟ ولا انتي اللي جلعك الماسخ
❈-❈-❈
على مقاعد الإنتظار وبعد ان اطمئن على الحالة المستقرة لعاصم حتى يستفيق، او لا قدر الله يحدث ما لا يحمد عقباه، وذلك ما كان يقلق ياسين، حتى انه منع التحدث مع ابناءه واحفاده حتى يستبين القادم ، ويعطي نفسه الفرصة للتفكير الجيد في هذا الأمر الجلل.
كان يُسبح على مسبحته العتيق شاردًا حينما اتي احد الأشخاص يحدثه:
- حج ياسين ، عامل ايه عاصم دلوك؟
رفع راسه للتحقق من وجه الشاب الذي بدا انه يقارب في السن حفيده الاكبر بلال شقيق عاصم المغترب، فخرج صوته بسؤال
- إنت مين يا ولدى؟
اقترب برأسه اليه وامتدت كفه بالمصافحة قائلًا:
- انا عبد الرحيم، يا عم ياسين، اول واحد شاف عاصم ساعة.....
- ااه
خرجت من ياسين بتذكر ليتابع نحو الشاب بامتنان وكفه الاثنان يطبقان على كف الاَخر:
- تشكر يا ولدى على معروفك، انا سمعت من الشباب ع اللي عملته، والله جميلك دا على راسنا.
قال عبد الرحيم بوجه عاتب وهو يتخذ مكانه بجوار ياسين على أحد المقاعد:
- تشكرني ليه بس يا عم ياسين؟ هو انا عملت حاجة اصلا، عاصم دا زينة شباب البلد ويستاهل كل خير والله، من غير مجاملة.
ربت ياسين بكفه على كتف الاَخر يردد بكلمات الثناء عليه وعلى رجولته ، فتابع عبد الرحيم سائلًا بحيرة:
- طيب هو عم سالم فين اسلم عليه؟ انا مش شايفه خالص.
تنهد ياسين يجيبه بأسى:
- سالم ده الله يكون فى عونه، ما هي مرته كمان بعد ما شافت ولدها وجعت من طولها ودلوك هو عندها ... اتشندل ولدى لا عارف يجعد جمب ولده ولا عارف يطمن على مرته.
وعاد يتنهد مطرقًا رأسه بألم، حتى وصله صوت حربي والذي جاء يرحب بالاًخر:
- ازيك يا عبد الرحيم عامل ايه؟
نهض الاخير يصافحه بمؤازرة:
- اهلا يا حربى، الله يكون فى عونكم، فى مصابكم .
اومأ له حربي براسه مرددًا بالشكر والإمتنان ليردف:
- انا بلغنى انك انت اللى شيلتوا على كتفك وجريت بيه ع الوحده ومستنيتش الإسعاف تاجى تاخده.
ردد بالتهليل ياسين ليساله بفضول:
- بسم الله ماشاء الله عليك يا ولدي، لكن انت واد مين في البلد؟ متأخذنيش بجى، انت عارف السن.
- لا ولا يهمك يا عم ياسين، انا واد سليمان تاجر الفاكهة، احنا ساكنين فى اَخر البلد.
قالها عبد الرحيم، قبل ان يجفله حربي بسؤاله:
- لكن انت ما شوفتش اى حد من ولاد الحرام دول اللى عملوها؟ او حتى أي حاجة تدل عليهم.
رد عبد الرحيم بحمائية وانفعال:
- وهو انا لو شوفت حد منهم كنت هسيبه يا حربي، والله دا انا كنت جسمتوا نصين، ولاد الحرام دول انا مش عارف ان كانوا حراميه ولا ايه بالظبط؟ بس فى حاجة انا مرضيتش اوريها للحكومة واحتفظت بيها
- ايه هى دى؟
قالها حربي وجده بلهفة سريعًا قبل ان يدخل عبد الرحيم كفه في جيب بنطاله ليخرج لهم شيئًا ما رفعه أمامهما قائلًا:
- الساعه دى انا لجيتها فى يــ د عاصم كان ماسكها، مش لا بسها، يعنى احتمال تكن يكون بتاعة حد فيهم.. .
خطفها حربي منه ليتأملها باعين برقت بشر ليردد بغليل:
- انا عارف الساعة دى بتاعة مين يا جد، انا عرفت مين غاريمنا .
سأله ياسين بتوجس وعدم فهم:
- بتاعة مين دى يا حربى؟
- دى بتاعة المجلع واد العمدة يا جد، انا مش هاخليه يبيت فيها انهاردة
قالها حربي وهم ان يتحرك ولكن الاخر اوقفه على الفور"
-استنى هنا بالهداوة يا عم انت، الحاجات دى مالهاش الغشم .
رائف والذي اصابته الريبة من هيئتهم وصل اليهم سريعًا ليسأل بتحفز وقد وصله الجملة الاَخيرة:
- ايه هى دي اللى مالهاش الغشم؟
اجابه حربي بعصبية أظلمت ملامح وجهه الأسمر:
- واد العمده هو اللى غدر بواد عمك يا رائف بأمارة الساعه دى اللى لجيها عبد الرحيم فى يــ د عاصم .
سمع رائف لتزفر أنفاسه الهادرة، بخشونة سائلًا:
- وبتوجفه ليه يا عبد الرحيم؟ انا نفسى هخلص عليه حالا...
- أوجف عندك يا واد .
هتف بها ياسين ليتابع بحسم:
- اسمع الكلام انت وهو، عبد الرحيم بيتكلم صح .
اعترض حربي بعصبية:
- يعنى ايه يا جد الكلام ده؟ هتخلى ضربة واد عمى تبيت؟
- لا مش هنخليها تبيت، بس واد عمك دلوك فى ايــ د ربنا واحنا عايزين تبجى العين بالعين والسن بالسن .
قالها ياسين ليسأله رائف بعدم فهم:
- يعنى ايه يا جدى فهمنى؟
رد ياسين بحنكة اكتسبها من سنوات عمره العديدة:
- افهمك يا رائف انت وحربي.
❈-❈-❈
في غرفته داخل المشفى، دلف داخلها ليجد نهال منزوية على نفسها تبكي بحرقة وحدها، وكأنها ابت ان تظهر ضعفها امام الجميع، لتنخذ غرفته مخبأ لتساقط دموعها، اقترب منها ليجلس على حرف الأريكة، وقلبه انفطر عليها، على الرغم ان الحزن بداخله اضعاف، ود ان يحتضنها ليهون عليها وعلى نفسه، لكن للأسف لا يصح، دنى منها يقبل رأسها فوق الحجاب قبل ان يبادر بفتح حديثه معها:
- خلاص يا نهال، كتر البكا دا غلط عليكي .
رفعت وجهها المغرق بالدموع لتقول بصوت مبحوح زاد من ألمه:
- مش جادره يا مدحت، جلبى وجعنى على واد عمى، خصوصا بعد ما شوفت حالته الواعرة، هو ازاي في ناس كدة معندهاش جلب، عشان تعمل في واحد زي عاصم كدة؟
ابتسامة مريرة اعتلت ثغره ليقول:
- يعني انتي من شوفته بس بتعملي كدة؟ امال انا اللي كان تحت يــ دي في اوضة العمليات اعمل ايه؟ انا ربنا وجف معايا النهارده وعطاني جوة عشان اجدر اكمل ومهربش من انقاذه...
توقف برهة ليردف:
- مهما جولتك باللي حسيته مش هعرف اوصلك اللي حوايا، عاصم رغم فرق الاربع سنين اللى بينى وبينه وفرج التعليم، لكنه كان جريب جوي مني، دايماً بيفهني، خصوصًا في الفترة الأخيرة.
خاطبته برجاء سائلة؛
- تفتكر هيجوم منها يا مدحت؟
اومأ لها يجيب بثقة:
- هايجوم يا جلب مدحت، عاصم جوى وعنده اراده، دا غير انى انا كمان عملت حركة كدة عندى احساس كبير انها هتخليه يفوج.
- ايه هى دى الحركة ؟!
❈-❈-❈
في غرفة العناية، كانت هي الوحيده التي سمح لها بمرافقته لوقت ما، نظرًا لخطورة الحالة، وحساسية الوضع في العناية المشددة، جلست على الكرسي المجاور له، تخاطبه ببكاء:
- جوم يا عاصم، جوم انا فهمت دلوك وحسيت، ماعدتش البت الهبلة اللى شايفة نظراتك وافعالك اللى كلها حب ومش فاهمة يا عاصم انا يوم ما جيتلى وجولتلى ليه ما اخترتنيش؟ دا كان اول يوم ابتدى افهم فيه، وبعد ما اتخطبت لمعتصم فهمت اكتر .. وبجيت اقارن كلامه وكلامك، افعاله وافعالك، فى كل مره كانت كفتك انت اللى بتفوز، جوم يا جلبى، انا النهارده بجولهالك بالفم المليان، انا بحبك يا عاصم. يا واد عمى.
- جوليها تانى!
رفعت رأسها فجأة وقد خيل إليها انها سمعت صوتًا ما، فرددت سائلة بعدم فهم، رغم ظهور المؤشرات الحيوية التي تظهر افاقته، ولكنها لا تعرف او لا تصدق بمعني اصح:
- عاصم هو انت كنت بتتكلم؟ ولا انا بيتهيألي؟ عاصم ، عاصم .
رددتها عدة مرات حتى يأست، قبل ان تفاجأ على تحرك اجفانه، فتحرك قلبها يقفز بلهفة أرنب يجري في حديقته، حتى اشرقت شمس عينيه امامها، والتقت النظرات بعناق طويل قبل ان يخرج هي صوتها بتلجلج:
- عاصم....عاصم .
ردد ساخرًا بابتسامة رغم ضعفه:
- إيه؟!
ضحكت تردد ببلاهة:
- انت فوجت يا عاصم؟ فوجت؟
زاد اتساع ابتسامته وهي تتابع:
- الف حمد الله على سلامتك يا واد عمي، الف حمد...
- جوليها تانى .
قالها مقاطعًا رغم تعبه، فسالته بعدم تركيز:
- إيه هى اللى اجولها تانى؟
تبسم يجيبها رغم ضعفه:
- جولى بحبك وانتى عينك فى عينى .
لطمت على خدها مخضوضة تقول:
- يا مرارى، هو انت صحيت من امتى؟
ظهرت اسنانه بضحكة ضعيفة اشرقت بوجهه:
- من اول ما كنتى هبلة.
❈-❈-❈
في البلدة
كان معتصم يتخذ طريقه نحو القهوة التي تتيح له الشرب ومزاج الرأس من المكيفات التي يهوهاها، مهندم المظهر، بجلبابه الفاخر، يسير بتخايل وإعجاب بنفسه، متبخترًا كعادته، وقد زاده اليوم انتعاشًا بان تخلص من غريمه، بعد الاخبار التي وصلته، وقد اكدت له والدته انه سوف يخرج منها ولن تتركه يتأذى، فلا داعي للتاثر بكلمات والده، وهذا الخوف المبالغ فيه من جانب عائلة ياسين.
اجفل فجأة على صوت رصاصة انطلقت بين قدميه، صرخة قوية خرجت من حلقه، وقد ظن في البداية انها اصابته، لتظل انظاره مثبتة عليها لعدة لحظات بجزع وارتياع، قبل ان يرفع رأسهِ ليصعق برؤية من يقف امامه، حربي ورائف يمسكان بسلاحين، مرتديان الجلباب القاتم اللون، بهيئة إجرامية وكأنهم رجال عصابات او مطاريد الجبل المعروفين
انسحبت الدماء منه حتى اصفر وجهه أمامهم وجحظت عينيه ليلوح بكفه يردد باستفهام:
- إيه؟ في إيه؟
لوح له حربي بسبابته حتى يعود، هو متخشب محله بعدم فهم وقد شل الخوف اطرافه، متسائلًا:
- ليييه ؟!
زفر رائف بضيق وقلب عينيه بسأم، يخطف نظرة سريعة نحو حربي وكأنها لغة بينهما، قبل ان يباغته بطلقة أخرى، ويتبعها عدد آخر ومعه حربي حول الاخر، الذي لم يصدق نفسه وهذا الوابل من الرصاص يحاوطه من كل جانب، ليرتد على الفور صارخًا بصوته العالي:
- اللحجنى يا بوى .. اللحجنى يا بوووووى .
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر من رواية مواسم الفرح (ست الحسن)، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية