رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 19 - 2
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل التاسع عشر
الجزء الثاني
داخل منزل سالم عُثمان
إنسحبت مليكة إلي غُرفتها وأغلقت بابها عليها ثم تناولت هاتفها وطلبت رقم سارق النوم من عيناها وانتظرت حتي تأتيها الإجابة،كان يجلس بوسط الحديقة بصُحبة والدتهُ وليالي وعائلة خَاله بعدما أنسحب عز وصعد إلي غُرفته ليُريح عقلهُ المُنهك قبل جَـ.ـسدهِ،إستمع إلي رنين هاتفهُ فأخرجهُ من جيب بِنطاله ونظر به،شعر بالأمل يتسلل من جديد إلي روحهِ اليائسة،إبتسامة هادئة خرجت منهُ دون إدراك لاحظتها داليدا التي حولت بصرها إليه بترقُب فور إستماعها لرنين هاتفهُ،وقف وتحدث بلباقة:
-بعد إذنك يا خالي،جالي تليفون مُهم ولازم أرد عليه
خُد راحتك يا ياسين...هكذا رد عليه أحمد العشري بنبرة هادئة ثم تابع حديثهُ مع طارق وعُمر
نظرت داليدا إلي ليالي التي تُجاورها الجلوس ولا تُبالي،مالت عليها وهمـ.ـست قائلة:
-شوفتي،قام يجري علشان يُرد عليها قبل الفون ما يفصل ويتاخد مُخالفة،الهانم شكلها مْسيطرة وممشياه صح،مش هبلة زيك
ضيقت عيناها بتعجُب وسألتها بإستفسار:
-بتتكلمي عن مين؟
أجابتها وهي تتطلع علي الذي تحرك بعيداً كي يتحدث بأريحية مع متيمة قلبهْ:
-عن مليكة اللي عايشة في دور البريئة وهي مش أكتر من عقربة،قدرت تعمل من ياسين المغربي لعبة في إديـ.ـها تحركها في الإتجاه اللي هي عوزاه وقت ما تحب
حولت ليالي بصرها إلي زو جها التي تحولت ملامحهُ من مُبهمة إلي متأملة،تنفست بأسي في حين تحدث ياسين إلي مليكة بنبرة مُترقبة مُغلفة بالحنان:
-أهلاً يا مليكة
إبتلعت لُعابها جراء إستماعها لحروف إسمها بنبرة صوتهِ الهادئة،لكنها تجنبت ذاك الشعور وتحدثت بدون مُقدمات بنبرة حَذرة:
-ياسين،كُنت حابة أبلغك إن سيف وشريف عازميني علي سهرة برة البيت،أنا ما كُنتش حابة أخرج،بس لما ألحوا عليا قولت أكلمك وأخد رأيك
واستطردت بترقُب:
-بس لو هاتيجي تتعشي مع بابا وماما هاستناك ومش هاخرج
كانت تتحدث بتلبُك مُترقبة أية بادرة منهْ لتُلغي سهرتها وتنتظر مجيأهُ إليها ليأخذها ويعود بها إلي جناحهما معاً ليتناقشا وتُخرج لهُ جُل ما يضيقُ بهِ صَـ.ـدرها ويؤرق روحها،تحطـ.ـمت أمالها عِندما إستمعت إلي نبراتهُ الجادة:
-إخرجي مع أخواتك وانبسطي
واسترسل شارحاً:
-أنا أصلي مش هاينفع أجي علشان مُرهق وما نمتش من إمبارح
وكأن بكلماتهِ قد قطع أخر أمل لديها بخصوص هذا الأمر،تنهدت وتحدثت بنبرة مُحبطة:
-فهِمت،أنا هاقفل علشان معطلكش أكتر من كدة
أغمض عيناه بأسي عندما أغلقت الهاتف دون إنتظارهِ للرد
داخل غُرفتها شديدة الظلام جراء إسدال الستائر السوداء وغلق بابها من قِبل يُسرا بعدما أخبرتها تلك الثُريا بأن جَـ.ـسدها مُرهق وتُريد أن تُريحهُ بدخولها بغَفْوَة طويلة،لم تكُن تُريد السُبات كما إدعت،جُل ما كانت تحتاجهُ هو الهروب والإنعزال كي تنأي بحالها من نظرات يُسرا التي تُحاصرها وتُريدُ الإستعلام عن ما حدث بينها وبين تلك المنال وأدي إلي سقوطها بالأمس مغشياً عليها
كانت تسْتلقي علي جنبها الأيمن،واضعة كفها تحت رأسها ودموعها تنسابُ فوق وجنتيها بغزارة وبقلبٍ نازف تؤنب حالها وتُحملُها مسؤلية تشتُت وتفرُق عائلتها
بحديثٍ للنفسِ بدأت بعتابِ حالِها:
-كُل الذنبِ يقعُ علي عاتقِك أيتها الرعْنَاءُ،لما إنجرفتي وراء رغبةِ ذاك العاشق وسمحتي لهُ بالتمادي في التعبير عن مكنونِ مشاعِرهِ الفياضةِ تجاهكِ،بفضل غباؤُكِ صَار لديهِ أمل وبات مُتنمياً بل ويسعي للظَّفرِ بما هو أكثرُ .
نزلت دموعها بحُرقةٍ وشهقةٍ عاليةٍ خرجت منها شقَّت بها صـ.ـدرها وهي تُكمل حديثَ النفسِ:
-آهٍ ثُريا،أتحزنينَ علي حالَكِ وما أصابَكِ من إفتراءِ تلك الحقيرةِ وتدليسِها في الحديثِ عنْكِ وتلويثِ شرفكِ،أم تشعُرين بالإغتمامِ تجاهَ نجلَ عمَّكِ المُقرب لروحكِ وتستائين لأجل ما أصابهُ،نعم لم ولن يدخُل قلبي سوي عِشقُ حبيبِ الرُّوحِ الذي إستعجَل الرحيلَ وفارقني وتركني جُثماناً بلا حياةٍ .
"لكني" أُكِنُّ كُل التقديرِ والإمتنانِ لذاك الخلوقِ،وكيف لا أمْتَنُّ لهُ وهو الذي سندني وأمـ.ـسك كُفُوفَ صِغاري وأشعَرهُم بالأمانِ في ظِل فقدانهم لسندهِم ولطمتِهِم القوية من الحياة،ولم يترُك كفوفهم إلي الأن برغمِ بلوغِهِم بر الأمان،وحتي بعد رحيلِ فلذةِ كَبدي مازال مُمـ.ـسكاً بكفوفِ صغارِهِ،أشعُر بألامِ روحهِ المُبرحةِ ولكن قُضي الأمر،فقد إتخذتُ القرارَ الحقِّ الذي كان عليَّ إتخاذهُ مُنذُ البعيد كي لا أصِلُ لما وصلتُ إليهِ
جففت دموعها بكفٍ يرتجف بفضلِ حالتها الصحية وحدثت حالها:
-إنتهي الأمرَ وفات أوانُ الندمٓ والحَسرةِ ولا يسَعُنِي الآن سوي قول"قدَّرَ اللهُ وماشاءَ فعلْ"
إنهضي يا امرأةْ ولا تدعي قطارَ حياتَكِ يتوقفُ أمام محطةِ اليأسِ تأثُراً بالخَيْباتِ والخذلانِ،تابعي مواصلةَ قطارُكِ بتذكرةِ التَمَنِي،جَددي الأمل بداخل روحكِ القوية وعَزمُكِ،فلم تُخلق إبنةُ المَغربي للهوانِ والإنكِسارِ .
❈-❈-❈
غابت الشمس وحل الظلام علي المكان وتلألأت النجوم لتُضئ السماء وتُزينُها،مازالت عائلة أحمد العشري متواجدة داخل حديقة منزل عز المغربي،الجميع جالس عَدا عز الذي إستأذن بعد تناولهُ وجبة الغداء وصعد إلي جناحهُ ليغفو بعدما خار جَـ.ـسدهُ وأعلن عن إحتياجه للراحة بعد يومان عصِيبان،بجانب عقلهُ الذي كاد أن يذهب ويتركهُ،وايضاً عُمر ولمار اللذان صعدا لجناحيهما ليتجهزا لسهرتهما في أحد النوادي الليلية
إنتـ.ـصب ياسين بوقفته وتحدث قائلاً بإنسحاب:
-بعد إذنكم يا جماعة،أنا مُضطر أسيبكم وأطلع أبدل هدومي لأن عندي ميعاد مُهم جداً
شعر أحمد أنهُ أزادها هو وأسرته فتحدث وهو يقف ليستعد إلي الرحيل:
-خُد راحتك يا ياسين،إحنا ماشيين خلاص
نظر إليه وتحدث بإحترام:
-البيت بيتك يا خالي،وصدقني لولا إن الميعاد مُهم جداً وما ينفعش يتأجل أنا كُنت أجلته وكملت السهرة مع حضرتك
أشار أحمد إلي أفراد أسرته ليتأهبوا للرحيل وتحدث بنبرة هادئة وهو يعدل من رابطة عُنقة:
-يا حبيبي شوف شُغلك،إحنا أصلاً إتأخرنا ولازم نتحرك
وقف طارق وتحدث بنبرة حرجة:
-لسة بدري يا خالي،خليك نسهر مع بعض
أجابهُ بهدوء:
-مرة تانية يا طارق،وبالمرة يكون سيادة اللواء صحته ومزاجه أحسن علشان يقدر يُقعد معانا ونتأنس بيه
تحرك أحمد بعائلتهُ بعدما عبرت قسمة لإبنتها عن إستياءها الشديد جراء ما قام به ياسين من إساءة أدب علي حسب تفسيرها لما بَدر منه،دخل ياسين إلي المنزل وكاد أن يصعد الدرج كي يُبدل ثيابهُ ويستعد إلي الخروج،أوقفهُ صوت ليالي العالي حيثُ تحدثت بصياحٍ غاضب مُعترض بعد حديث والدتها الذي أثار إمتعاضها وجعلها تخرج عن صمتها دون ان تُراعي تواجدهما بين أفراد العائلة:
-تقدر تفسر لي إيه اللي عملته مع أهلي ده يا سيادة العميد؟!
إلتفت إليها ورفع حاجبيه بتعجُب وسألها بعدم إستيعاب:
-إنتِ بتكلميني أنا؟!
أجابتهُ بملامح وجه حادة متغاضية عن وجود طارق وچيچي ومنال الذين يتبعاها الدخول:
-أيوة بكلمك يا أبن الأصول
ضيق عيناه فأكملت هي موضحة بنبرة حادّة:
-إزاي قدرت تحرج بابا بالطريقة المُهينة دي؟
واسترسلت بنبرة مُستاءة:
-ده أنتَ زي ما تكون كُنت عاوز تقوله إنتَ إيه اللي مقعدك لحد الوقت
نظر لها بملامح وجه مُحتدة وأردف متهكماً:
-أنا مش مسؤول عن تفكيرك العقيم ولا مطلوب مني أوقف حياتي علشان ما أتفهمش غلط سواءاً كان منك أو من غيرك
واسترسل رامقاً إياها بنظرات حادة كالصقر:
-والمفروض يا محترمة إن الكلام ده يتقال في أوضتنا فوق مش في العَلن وقدام كل البيت بالشكل ده،مش هي دي تصرفات بنات الأصول اللي بيتربوا عليها بردوا؟
واسترسل متهكماً علي والدتها:
-ولا هي قسمة هانم مش شاطرة غير في التسخين وبس
كادت أن تتحدث قاطعتها بحدة منال حيثُ فاض بها الكيل وأكتفت من نظرات قسمة الشامتة التي أغرقتها بها طيلة الجلسة الغير مرغوب بها من ناحيتها:
-وإيه بقي المطلوب من ياسين يا مدام،يسيب شُغله ويهمله علشان خاطر الهانم مامتك ما تفهمش غلط؟
مش هي دي اللي إنتِ عاملة حسابها وخايفة ومرعوبة من توبيخها ليكِ؟
واسترسلت بإستنكار وهي تتخطي وقوفها وتسير في اتجاهها إلي الدرج:
-كان هايعمل إيه ياسين معاهم أكتر من اللي عمله،مش كفاية إنهم جايين من غير ميعاد؟
جحظت عيناي ليالي ونظرت إلي عمتها باندهاش ثم تفوهت بخيبة أمل:
-إنتِ بتقولي إيه يا عمتو،حضرتك بتلومي علي زيارة بابا ليكِ؟
هو ده جزائه إنه إعتبر بيت أخته زي بيته وحَب ييجي يقضي العيد معانا علشان يفَرح شيري وولادها؟!
جاورت ياسين ثم إلتفتت إليها وتحدثت باستياء:
-أنا لا لومت ولا أتكلمت من أصله،إنتِ اللي عملتي مُشكلة وأفتعلتيها من لاشئ وأنا رديت عليكي مش أكتر
ثم نظرت إلي ياسين وربتت علي كتفِهِ لتحثهُ علي التحرُكْ في طريقهُ للأعلي:
-إطلع يا أبني بدل هدومك وشوف مصالحك وسيبك من الكلام الفاضي ده
رمق ليالي ببُغضٍ ثم زفر بضيق ولف جَـ.ـسده ليصعد وجد عُمر يتأبط ذراع لمار وهما بكامل أناقتهما ويبدوا عليهما إستعدادهما للخروج،قطب جبينهُ وهو يتفحصهُما جيداً فتساءلت منال بنبرة حادة:
-وإنتوا متشيكين كدة ورايحين علي فين إن شاء الله؟!
أجابتها لمار بانتشاء وهي تُشدد من تأبطها لزو جها بطريقة إستفزت تلك السَاخطة:
-عُمر عازمني علشان نِسهر برة يا Auntie
إستشاط داخلها من ذاك الثُنائي اللذان يعيشا بعالم موازي ولا يهتما سوي بحاليهما وفقط،فتحدثت بضيق وهي تُشير إليها بيـ.ـدها:
-طب وسعي كدة خليني أطلع أرتاح
إستغرب عُمر حِدة والدتهُ وتغيُرها الكبير معهُ فسألها بنبرة قَلقة:
-مالك يا مَامَا،أنا أول مرة أشوفك عصبية كدة!
أجابته بإقتضاب:
-مافيش يا عُمر،إبعد علشان أعدي
بالفعل أفسح لها وتحركت إلي الأعلي تحت تعجُب عُمر الذي سأل ياسين بنبرة مستفسرة:
-مَامَا مالها يا سيادة العميد؟!
بنبرة هادئة تحدث إلي شقيقهُ:
-مافيش يا عُمر،هي بس أعصابها متوترة شوية تقريباً كدة علشان مش نايمة كويس،
واستطرد بنُصح:
-ما تشغلش بالك وحاول تنبسط بسهرتك إنتَ ومراتك
واسترسل وهو ينظر لتلك الطالحة بنظرات تحمل الكثير من المعاني التي صَعُب عليها تفسيرها:
-سهرة سعيدة يا مدام،حاولي تنبسطي لأن الأوقات الحلوة بتعدي بسرعة وجايز ما تتكررش
واسترسل بإبتسامة جانبية ذات مغزي:
-حاولي تعيشيها وتحفريها جوة ذاكرتك علشان تبقي تفتكريها بعدين
إرتبكت بوقفتها وارتعب داخلها من نظراتها العميقة وكلماته التي فسرتها علي أنها رسائل تحذيرية موجهة،بسُرعة البرق عادت إلي ضبط النفس وأردفت بثبات إنفعالي كانت قد تدربت عليه كثيراً:
-حاضر يا سيادة العميد،أوعدك إني هعيش اللحظة وهحفرها في ذاكرتي بس مش علشان أفتكرها بعدين أو زي ما حضرتك قُلت إن الاوقات الحلوة ما بتتكررش
واسترسلت وهي تنظر لذاك الهائم بها الذي يجاورها الوقوف:
-لأن ببساطة كُل يوم بنعيشه مع بعض أنا ومارو حتي لو كان بسيط،ده بالنسبة لي منتهي السعادة
ثم سألته بدلال قاصدة توجيه رسالة إلي ياسين:
-مش كدة يا مارو؟
كدة يا عيون مارو...هكذا نطقها بعيناي هائمة مما جعل ياسين يلعن تلك الخبيثة بسريرته علي ما أوصلت إليه شقيقها وجعلتهُ مُتعلقاً بها وعاشقاً لها حد النُخاع
تنهد ياسين وتحدث إلي شقيقهُ وهو يتأهب للصعود:
-خلي بالك من نفسك
واستطرد وهو ينظر إليها بغموض:
-ومن مراتك يا عُمر
أجابهُ وهو يضع كفهُ علي كتفه كنوعٍ من الطمأنينة:
-ما تقلقش يا ياسين،عُمر بتاع زمان اللي كان بيعمل لكم المشاكل إنتهي وأتخلق مكانه عُمر جديد مسؤول
أومأ لهُ ياسين وتابع صعودهُ للأعلي،أما ليالي التي كادت تُصيب بذبحة صَـ.ـدرية وهي تُشاهد دلال عُمر لإمرأته وقبل ذلك رد ياسين وبالأخص منال وحديثها الحاد الذي أصابها بالذهول،فقد عادت إلي الحديقة من جديد بجانب چيچي التي نصحتها بالهدوء والصمت وذلك لإصابة ياسين ومنال بحالة مزاجية سيئة ظاهرة للجميع،بدأت جيجي تُهدأ من ثورتها تلك وأبلغتها أن ياسين يعاني من ضغط شديد بين عمله ومشكلة منال وثُريا وعز التي يعلمُها الجميع ولا أحد يعلم تفاصيل ما دار بينهم
❈-❈-❈
داخل منزل ثُريا ليلاً،وبالتحديد ببهو منزلها يلتف حولها كلٍ من يُسرا وسليم ونرمين وسراج ويركض حولهم أطفالهم دون أطفال رائف المتواجدون بمنزل جدهم سالم
تحدث سليم إلي ثُريا بنبرة حمـ.ـيمية:
-حمدالله علي سلامتك يا ماما
واسترسل بملاطفة بكلماته الجابرة للقلوب:
-شُفتي الرسيبشن نور إزاي لما طلعتي قعدتي فيه
أجابته بإبتسامة زائفة جراء ما يحملهُ قلبها من هموم:
-تسلم وتعيش يا سليم
أتت عَلية وتحدثت بإحترام وملامح وجه حزينة علي ما حدث من تفرقة للعائلة المترابطة مُنذُ سنوات وبيومٍ مُبارك ومُهم كهذا:
-العشا جاهز علي السُفرة يا هانم
أومأت برأسها وتحدثت بنبرة باردة:
-تسلم أديكم يا عَلية
ثم نظرت إلي إبنتيها وزو جيهما واستطردت:
-يلا يا ولاد علشان تتعشوا
وقفت يُسرا وعاونت والداتها علي الوقوف وتحركوا جميعاً إلي السُفرة وألتفوا حولها
تلفت سراج حولهُ وتسائل مُستفسراً:
-هي مليكة فين؟
إبتسامة ساخرة خرجت من فم نرمين وأردفت مُتهكمة:
-راحت تقضي العيد مع أهلها لما لقيت إن الأجواء هِنا دمها تقِيل
واسترسلت بهجوم غير مُبرر:
-الهانم بنت الأصول سابت حماتها تعبانة وراحت تروَق علي نفسها في وسط أهلها
بنبرة تحذيرية نطقت يُسرا وهي تؤنب شقيقتها بنظراتها الثاقبة:
-نرمين،ما يصحش اللي بتقوليه ده
بإعتراض هتفت بنبرة حادة:
-خليكي إنتِ دايماً كدة تدافعي عنها لحد ما هتتمرع علينا وماحدش هايعرف يوقفها عند حدها بعد كدة
لو ما بطلتيش كلامك ده أنا هادخل أوضتي وأقفلها عليا،أنا واحدة تعبانة ومش حِمل مناهدة ووجع قلب...جُملة نطقتها ثُريا بتهديد صريح
سألتها بعدم إستيعاب:
-حتي في دي كمان هتنصريها عليا يا ماما؟
أجابتها مُفصحة بهدوء:
-أنا مع اللي يرضي ربنا يا نرمين،البِنت من حقها تزور أهلها وتعيد عليهم وخصوصاً إن أخوها قرب يسافر وما لحقتش تقعد معاه بسبب شهر رمضان وفطار العيلة اللي برغم حَملها وتعبها، إلا إنها ما قصرتش وكانت إيـ.ـدها بإيـ.ـدنا في المطبخ
نطق سليم مُصدقاً علي حديثها:
-حضرتك بنت أصول يا ماما،وفعلاً ده حق مليكة اللي ماحدش يقدر ينكره عليها
هزت يُسرا رأسها بإحباط في حين تحدث سراج وهو يتبادل النظر بين زو جته والطعام:
-ما تسيبك بقي من الكلام اللي ما منهوش لازمة ده وتخليكي في صَنية الرقاق اللي تفتح النِفس دي
ثم بعث لها بإشارة من عيناه ليحثها علي الصمت إحتراماً لحالة والدتها الصحية،أومأت برأسها وتابعت الطعام،نظر سليم إلي إناء حَـ.ـساء الخُضروات الموضوع أمام ثُريا وتحدث لائماً يُسرا:
-ما كانش ليه لزوم تعملي الأكل ده كُله يا يُسرا طالما ماما مش هتاكل منه معانا
أجابته بملامح وجه حزينة لأجل غاليتها:
-أنا ما كُنتش هعمل حاجه يا سليم،بس ماما هي اللي أصّرت وهي بنفسها اللي قالت علي الأصناف لعَلية
ابتسمت له ثريا وتحدثت بنفسٍ راضية:
-بألف هنا وشفا علي قلوبكم يا أبني،صدقني لما بشوفكم بتاكلوا ومبسوطين كأني أكلت معاكم بالظبط
سلامتك يا ست الكُل،ألف سلامة علي حضرتك...قالها سراج مُتأثراً
الله يسلمك يا أبني،يلا إبدأوا أكل وماتشغلوش نفسكم بيا،أنا أصلاً في العادي بحب شُربة الخُضار ومعدتي بترتاح عليها
بدأوا يتناولون طعامهم وبعد قليل سألت نرمين يُسرا مُستفسرة:
-هي ساره ما قالتلكيش إذا كانت مليكة خارجة تسهر معاهم ولا لا يا يسرا؟
رمقتها ثُريا بنظرة عاتبة فاسترسلت سريعاً لتُبرر إستفسارها:
-أنا بسأل علشان أطمن علي أولاد أخويا يا ماما
واستطردت بتوضيح:
-لو مليكة سهرانة معاهم فكدة الأولاد مش هيلاقوا حد يراعيهم
أردفت يُسرا بنبرة واثقة:
-أكيد مليكة مش هتسيب الأولاد وتروح تسهر معاهم، وخصوصاً إن ياسين مش معاها
سألتها بترقُب:
-وإنتِ مين قالك إن ياسين مش معاها؟
عقبت علي سؤال شقيقتها بتوضيح:
-لسة شايفاه من شوية من البلكونة وهو قاعد في الجنينة مع أهل ليالي
أردفت ثُريا بهدوء كي تُغلق باب المناقشة أمام إبنتها:
-طمني بالك وأرتاحي يا نرمين،وحتى لو مليكة خرجت مع إخواتها وده بالمناسبة لا عِيب ولا حرام
واسترسلت بحديث ذات مغزي:
-أكيد مامتها مش هتسيب الولاد وهتخلي بالها منهم أحسن مني كمان،كملي أكلك يا بنتي وخلي بالك إنتِ من جوزك واولادك
فهمت المغزي من وراء حديث والدتها فنظرت إلي صَحنَها وبدأت تِقلب بطعامها بدون إشتهاء مما جعل ثُريا تحزن عليها وايضاً سراج
❈-❈-❈
أمام مِرأة زينتهُ المتواجدة بداخل غُرفته المُشتركة مع ليالي،كان يتطلع علي حاله بكامل الرضا بعدما إرتدي حلّة سوداء أنيقة،أمـ.ـسك رابطة عُنقه وبدأ بعقدها لتُزيد من وسامته وتجعلهُ أنيقاً للغاية،دلفت من باب الغُرفة ونظرت علي إنعكاس صورته داخل المِرأة بملامح وجه مُستاءة جراء ما بَدر منه بحق والديها،أغلقت الباب ثم تحركت حتي وصلت إلي التخت وجلست علي حَافته دون توجيه أية حديث
أمـ.ـسك زُجاجة عِطرهِ المُميز وبدأ بنثر بعضاً منها علي عُنقه وذقنهْ وخلف أُذناه بإكتراث ثم أعادها إلي مكانها من جديد،تحرك إلي الكومود وفتح درجهُ وأخرج منه عُلبة وتحدث برسمية وهو يُقدمها إلي تلك الجالسة أمامه:
-كُل سنة وانتِ طيبة يا ليالي
بنبرة مُستفسرة تحدثت وهي تتطلع إلي تلك الساعة باهظة الثَمن ببلادةٍ ونظرات خالية حتي من الإعجاب البسيط لكونها فقط من إختيار غيرها،فهي لا تثق ولا تنبهر سوي بإختياراتها وفقط:
-والساعة دي بمناسبة إيه يا ياسين؟
أجابها وهو يتركها لها فوق الكومود بلامُبالاةٌ رداً علي إِسْتِخْفافُها لهديتهُ:
-بمناسبة العِيد يا ليالي
قالها وتحرك إلي المنضدة الجانبية وحمل أشياءه الخاصة وسار بإتجاه عُليقة الثياب ليقوم بوضعها داخل جيب المِعطف الشتوي المُعلق بإِكْتَرَاث،هتفت هي بنبرة ساخرة:
-أي عِيد ده اللي بتتكلم عنه يا سيادة العميد؟
واستطردت مُتهكمة:
-آه،قصدك علي ليلة العيد اللي روحت قضيتها في ڤيلا مليكة هانم بدل ما تقضيها مع مِراتك اللي مسافرة كمان كام يوم؟
بإستهانة هتف بحديث ذات مغزي أراد به إيصال رسالة:
-أكيد بنتك بلغتك إني سِهرت في الليلة دي معاها تحت هي وأخواتها وولاد العيلة،وأكيد كمان قالت لك إن مليكة نامت فوق لوحدها
واستطرد وهو يرمقها بنظرة ساخرة:
-ولا سيادتك كُنتِ عوزاني أسيب عمتي وهي تعبانة وأجي أقضي ليلة العيد في حُـ.ـضن جنابك؟
إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها فتحرك هو إلي الخارج دون إضافة أية حرف ليلحق بميعادهُ الهَامّ تحت إستشاطتها وشكوكها التي بدأت تُراودها وتحتل تفكيرها
تُري ما هو ذاك الميعاد الهَامّ ومع مَنْ؟
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية