-->

رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 22

 

رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الثاني والعشرون



بعد مرور يومان علي حفل الخُطبة

وصلت مليكة إلي مقر الشركة بصُحبة رِجال الحراسة الذي خصصهم ياسين لحمايتها،كانت تتحرك بساقاي مُرتجفتان،لا تعلم إلي أين ستوصلها تلك الخطوة الجريئة التي إتخذتها وقت الغضب وشعُورها بالخطر يُحاوط صغارها فقررت النزول وإدارة نصيبهما بذاتها


بحضور الموظفين وإستقبال لائق إحتفي بها طارق بكثير من التِرحاب والود الذي جعلها تخجل وتتراجع عن حِدتها في تعاملاتها معهْ حيثُ تحدث بحصَافة:

-نورتي شركتك أستاذة مليكة


حاولت التماسُك وقابلت تِرحابهِ بمهَابة وتوقير وتحرك هو بجانبها حتي أوصلها إلي مكتبها بعدما قَدمها لموظفي الشَركة علي أنها الشَريك الأكبر لمالكي الأسهُم،ثم تحدث وهو يُشير إلي المقعد المتواجد خلف مكتبها والذي خُصص لها: 

-ده هيكون مكتبك من النهاردة


واستطرد وهو ينظر إلي تلك الفتاة الواقفة بوجهٍ مُشرق وحماسي: 

-ودي إسراء،السكرتيرة الخاصة بمكتبك. 


أومأت إسراء برأسها وتحدثت بنبرة جادة عَملية:

-نورتي مكتبك يا أفندم،وأتمني أكون عند حُسن ظن حضرتك في الشُغل


بسبب عدم خوضها لأية تجارب عملية وعدم نزولها لمزاولة أية عمل من ذِي قَبل أردفت بنبرة مُرتبكة ظهرت بوضوح: 

-أهلاً يا إسراء


هتف طارق بنبرة حماسية كي يُخرجها من توترها هذا ويحثها علي الإندماج السريع داخل أجواء العمل: 

-إسراء شاطرة جداً في شُغلها وهترتاحي معاها،ولو إحتاجتي أي حاجة كلميني وأنا هاسيب كُل اللي ورايا وأجي لك فوراً 


شعرت بالأسي تجاه ذاك الشهم الصَدوق الذي طالما كان لها السَند والأخ التي لم تلدهُ أمها ولم تري منهْ أي مكروهٍ أو أذي،حَزن داخلها لأجل تشكيكها بأخلاقهْ ووصمها لهُ بأبشع التُهم،"ولكن" ماذا كان عَليها أن تفعل وكيف بهِ تُفكِر وكُل الشواهد تؤدي بالنهاية إلي أن طارق تسللَ إلي عقلهِ الجَشع وطَمعَ بالمكسب لحاله


بعُجالة أزاحت تلك الأفكار السوداوية عن مُخيلتها،إرتسمت إبتسامة هادئة فوق ثغرها وأردفت بتوقير له أمام موظفيه:

-متشكرة يا أستاذ طارق


واستطردت بما أثلج صدرهُ: 

-وأكيد لو حاجة وقفت قدامي في الشُغل هرجع لك فيها واستفيد من خِبرتك الكبيرة


إبتسم بشدة بينت صف أسنانه مما يدُل علي مّدي إغْتبَاطهْ وهز رأسهُ بإيجاب وعيناي يملؤها الحماس وتحدث بنبرة رحيمة: 

-وأنا تحت أمرك في كُل اللي تطلبيه


أومأت بهدوء وتحرك تَاركاً إياها بصُحبة إسراء كي تبدأ في مزاولة أعمالها،بعد مرور حوالي الساعتان،دلفت إليها تلك الحيةُ الرقطاء وتحدثت بإبتسامتها الخَبيثة التي ترسمُها فوق ثغرها:

-أنا ماصدقتش نفسي لما سمعت إنك هنا في الشِركة وجيت أشوف بعيوني،مبروك يا مليكة 


واستطردت بإشادة مُزيفة: 

-حقيقي برافوا عليكِ،أنا بحييكِ إنك قدرتي تُقفي في وش ياسين وتتحديه وتاخدي خطوة مُهمة زي دي،واللي أنا متأكدة إنها هتغير حياتك كُلها وتحولها للأفضل


قطبت مليكة جبينها بتعجُب وكررت ما نطقت بهِ تلك الغريبة:

-أقف في وش ياسين وأتحداه؟! 


ضحكة هادئة خرجت من فَم تلك اللمار التي تحدثت بإفصاح وهي تعدل من وضعية المقعد المُقابل لمليكة لتجلس عليه بهدوء:

-أنا عارفة إن ياسين كان رافض موضوع نزولك للشركة وكان مُصّر علي رأيه،وده اللي خلاه يبعد عنك الكام يوم اللي فاتوا كنوع من العِقاب علشان يجبرك تتنازلي عن قرارك 


دققت مليكة النظر داخل عيناها وأردفت بحديث ذات معني: 

-يظهر إنك مركزة أوي في حياتي مع ياسين يا لمار؟ 


بإبانة أردفت بذكاء للتَملُّص من حَصر مليكة لها بذاك السؤال الداهي:

-مش قصة مركزة،كل ما في الموضوع إن سيادة العميد بيحبك زيادة شويتين،وغصب عنه حبه ليكِ بيظهر من خلال إهتمامه بكُل تفاصيلك واللي يخُصك،علشان كدة أول ما بيزعل منك كُلنا بناخد بالنا 


واسترسلت بعلاماتٍ من الأسي التي ظهرت فوق ملامحها: 

-وده لأن سيادة العميد زعله صعب وأوڤر أوي،وللأسف بيبان عليه من خلال معاملته القاسية معاكِ قدامنا 


واستطردت بتوضيح ساخر:

-مع إنه ظابط في المخابرات وشُغلته بتعتمد علي عدم إظهار اللي جواه للعَلنْ


وأكملت بجدية وهي تنظر إليها بإعجاب:

-إلا إنه بييجي لحد مليكة عُثمان وبيكَسر كُل القواعد وموازينه كُلها بتتقلب،ده اللي بيسموه جنُون العِشق اللي بيخلق من الراجل شخصية جديدة عليه هو شخصياً بيكتشف نفسه مع الحبيب 


واسترسلت بتَعْظِيم كي تستقطب ثقتها:

-إنتِ محظوظة أوي يا عزيزتي لأنك الوحيدة اللي قدرتي تعملي كدة،إنتِ الوحيدة اللي قدرتي تُملكي زمام أمور ياسين المغربي وبكُل سهولة تحركيه زي قِطع الشطرنج


ثم نظرت لها وتحدثت بإشادة ومدح: 

-منتهي الذكاء إن الإنسان يعرف قُدراته الفريدة من نوعها وبالتالي يِحْسِن إستغلالها لخدمة مصالحه الشخصية


ضحكة ساخرة أطلقتها مليكة وأردفت بإبانة: 

-إنتِ خيالك طِلع واسع أوي يا لمار وشطح منك لبعيد جداً،وبعيداً عن إنك طلعتيني الساحرة الشريرة في روايتك الغريبة اللي خيالك صورها لك،إلا إني أحب أقول لك حاجة مهمة،وهي إن ياسين المغربي لسة ما أتخلقتش اللي تحركه زي الدُمية أو تحاول تستغله


أيوة بس هو بيحبك...جُملة واثقة نطقتها لمار بتأكيد

عقبت الأخري علي حديثها بقوة:

-ياسين المغربي عقله الكبير هو اللي بيُحكمه ويرشده،مش قلبه


أردفت كي تستولي علي فِكرها وتستدعي تلطُفها:

-هو أنا ليه لاحظت إنك زعلتي من كلامي مع إني بشيد بيه في ذكائك الجبار وبمدحك؟! 


رفعت حاجبيها بتعجُب ثم تحدثت بتوضيح: 

-أولاً ده مش مدح بالنسبة لي،إنتِ طلعتيني سِت خبيثة وبتاعت مصلحتها


واستطردت رافضة بقوة: 

-ثانياً المدح اللي يهين جوزي ويصوره علي إنه قطعة شطرنج أو ماريونيت في إيدي ده ما يبقاش مدح


واستكملت بصرامة وحديث ذات مغزي ومعني:

-ده يبقي حاجة تانية مش هينفع أقولها لأني عارفة إن المعني الحَرفي للكلام مش مقصود منك،وإنك حبيتي تجامليني بس المجاملة شطحت منك شوية


بذهول كانت تستمع إليها وعقلها غير قادر علي الإستيعاب،أتلك حقاً هي مليكة،تلك الأنثي الضعيفة معدومة الخِبرة هي من تتحدث أمامها بهكذا دهاء؟


بعُجالة عقبت علي حديثها مؤكدة بملامح ماكرة ودهاء: 

-برافوا عليكِ يا مليكة،هو ده فعلاً اللي كُنت أقصده من كلامي


بمجاملة تبسمت رغم تيقُنها من إخْتلاق تلك المرأةِ المُخادعة غريبة الأطوار والتي لم تتقبلها روحها الشفافةُ مُنذُ ذخولها كعروس لبيت عز المغربي في ظروف غامضة كَكُلِ حالها،حيثُ رأها عُمر لأول مرة داخل الشَركة التي يعمل بها فراقت لهُ وبدأ ينجذب إلي إسلوب حياتها وطريقتها التي تأثرت كثيراً ببلاد الغرب ويرجع ذلك لإقامتها الدائمة لمدة عشرون عاماً داخل دولة بريطانيا وبالتحديد العاصمة لندن،حيثُ هاجرت بصُحبة والديها لسبب ظروف عمل والدها،وبعد ان تخرجت عادت بصُحبة أبويها اللذان إستقرا داخل القاهرة وسافرت هي إلي الأسكندرية حيث تعينت بالشركة التي يعمل بها عُمر بأوامر موجهة لها من المُنظمة،وسكَنت بمفردها بشقة،تطورت علاقتها بذاك المعدوم الخبرة 


بوتيرة سريعة وبعد أقل من شهر جلبها لمنزل العائلة وقدمها علي أنها صديقة مُقربة وباتت تتقرب من الجميع بشكل ملحوظ،لم يرُق الحال لعز المغربي الذي لم يتقبلها في بادئ الأمر لكنها إستطاعت أن تستحوذ علي قلب تلك البلهاء المُسماة بمنال بعد أن خدعتها بتحضُرها وتحرُرَها وتربيتها الحديثة وارتدائها للملابس العصرية ذوات الماركات العالمية وتلك الأمور السطحية التي تروق وتنجذب لها منال وتعدُ من أولوياتها،


بعد مُدة قصيرة جاء عمر وأخبر أباه وشقيقاه أنهُ يُريدُ الزواج منها بعد أن سلبته لُبّهُ واسْتأثَرت علي كامل كيانهُ بعِشقها المُزيف والمُخطط لهُ مُسبقاً،رفض عز وياسين تلك الزيجة بقوة وبعد مُدة اضطرا مُرغمان علي الموافقة تحت إصّرار ذاك المُدلل ومساندة منال له وضغطها علي عز وياسين لحثهما علي الموافقة لنيل مُدلل والدتهُ مَن أصبحت لهُ مُهجة العينِ والفؤادُ،وتمت الزيجة رغم عدم راحة ياسين وأبيه 


رن هاتفها فنظرت عليه ثم تحدثت كي تحثها علي الرحيل: 

-ده ياسين اللي بيتصل 


أراحت ظـ.ـهرها للخلف لتستند به علي خلفية المقعد وتعدل من وضعيتها وبنبرة باردة أردفت بما إستفز تلك الجالسة:

-ردي عليه وأتكلمي براحتك،إعتبريني مش موجودة 


مالت رأسها بتعجُب من أمر تلك الغريبة وبالفعل تحدثت إلي زوجها الذي بادر بالحديث متسائلاً بنبرة حنون: 

-عاملة إيه يا حبيبي،طمنيني عليكِ؟ 


أنا بخير يا ياسين،إطمن...هكذا ردت بنبرة رحيمة،فتحدث إليها بتنبيه ووصاية: 

-ما تجهديش نفسك في الشُغل علشان ما تتعبيش،وأول ما تخلصي تتصلي بيا علشان أكلم الحَارس يستعد ويجهز لك العربية


أجابته بطاعة يعشقها منها: 

-حاضر يا حبيبي 

نطق بحِنو: 

-مليكة

أجابتهْ بصوتٍ أنثوي: 

-نعم 

أنا بحبك أوي،أوي...هكذا أجابها مما جعل الدماء تضُخُ بشدة إلي قلبها لينبُض بقوة كقرعِ طبولٍ لإعلان حربٍ،إبتسامة سعيدة إرتسمت فوق شـ.ـفتاها مع إشتعال وِجنتيها وتحَوُل لونهُما للأحمر الوردي وما شعرت بحالها إلا وهي تنطق بحروفٍ كالألحان متناسية تماماً تلك المُراقبة لها:

-وأنا كمان بحبك أوي يا ياسين


أغلقت معه بعدما وعَت علي حالها ورأت تلك التي إبتسمت لها بجانب فمها وتحدثت بفضول:

-بيحبك أوي سيادة العميد،


واستطردت بسؤالٍ خَبيث:

-شكله قلقان عليكِ،هو فيه حاجة قلقاه من وجودك برة البيت اليومين دول؟ 


قطبت مليكة جبينها فأردفت بُعجالة كي تُزيل شكها:

-أصلي بلاحظ إنك ما بتُخرجيش غير معاه وبس،حتي النادي وخروجاتك العادية،دايما بيرافقك فيها 


واسترسلت وهي ترفع منكبيها بلامبالاة: 

-فحبيت أطمن عليكِ مش أكتر


أردفت قاصدة: 

-إطمني،مافيش أي حاجة تقلق،ده الطبيعي بتاع ياسين من يوم ما دخلت بيت المغربي،وزايد شوية بسبب الحمل


هبت واقفة وتحدثت:

-أسيبك علشان تتابعي شُغلك،ولو إحتاجتي تفهمي أي حاجة أنا موجودة


واستطردت بتذكير:

-أظن الوقت تقدري تثقي فيا وتطمني لي،وخصوصاً بعد ما طارق وافق علي الإتفاقية اللي كنتي شاكة إني مُمكن أسبب الأذي لأولادك عن طريقها 


إبتسمت لها وتحدثت بدهاء أكتسبته من رجُلها وتحاول تطبيقهُ علي تلك الخَبيثة:

-علي فكرة،إنتِ فسرتي رفضي للعرض عدم ثقة وخوف منك ودي مُشكلتك مش مُشكلتي


عقبت بذكاء في محاولة منها لإستقطاب ثقتها: 

-هحاول أصدقك يا مليكة،وياريت من النهاردة تعتبريني صديقتك اللي ممكن تعتمدي عليها في أي حاجة تخص شُغلك هنا 


وبنبرة حماسية استطردت بتَرغيب وتزيين: 

-وصدقيني أنا ممكن أخلق منك business woman شاطرة جداً في وقت قُصير،خليكي واثقة فيا


أومأت لها وتحدثت لإنهاء المقابلة الغير مرغوب بها: 

-إن شاء الله،نورتي يا لمار 


خرجت وأغلقت الباب خلفها،وتطلعت الأخري إلي الأوراق الموضوعة أمامها بتملُلْ تحت نظرات ذاك الذي يضع جهاز اللاب توب مُراقباً مُتيمتهُ صوتاً وصورة من خلال الكاميرات التي قام رجالهُ بزرعِها داخل مكتبها كي يطمأن عليها دون عِلمُها لكي لا تُفزع وتشعُر بالإرتياب،قطب جبينهُ ثم أمـ.ـسك ذقنهُ بأصابع يـ.ـده وحَـ.ـكها وحدث حالهِ: 

-اظهري أيتها الداهيةُ الخَبيثة وانزعي عنكِ ذاكَ القناعَ اللعينَ كي أري مَدَي قُبحَ وجهُكِ وبشاعتهِ


يا لِحقَارَتِك،

أوصلَ بكِ الأمرُ أنْ تتجَرَّإي وتقْتربينَ من غاليتِي،

بل وتقومينَ بإشعالِ الفتنةِ بيننا هكذا عَيَاناً؟! 


أواعيةٌ أنتِ لما تفعلين أيَّتُها الرَعْنَاء!

أم أنكِ بذاتِ لَيْلةٍ سوداءٍ قد فقدتي بها عقلُكِ واختل اتزانُ وعيُكِ وما شَعُرتِي بحالكِ إلا وأنتِ داخلَ عرينَ الأسدِ تقِفِينَ في مواجهتِهِ بيداي خاويةٍ!


واسترسل متوعداً بسريرتهِ: 

-إذاً فليكن ما تُريدين وأهلاً بكِ داخلَ جَحِيمي الأسودِ،الويلُ كُلُّ الويلُ لكِ مني،فقط إنتظري وسأُرِيكِ ما لم يمُرُّ علي خاطركِ يوماً حتي بأبشعِ كوابيسِكِ،سأُذيقُكِ الويلاتُ علي يَدَيَّ وسأجعَلُكِ تتجرعينَ المُرَّ ألواناً رداً علي إقتحامِكِ لحدودِ ممْلَكَتِي وعبوركِ لأسوارِ قمريِ العَالي 


لقد بدأْتِي بالأذي والبادى أظلمُ،إذاً فلتتحمَّلِي عواقبَ فعلتُكِ الشَنعاءُ وسذاجةِ عقْلكِ الضئيلُ يا من تتَّدعينَ القُّوةَ والدهاءَ


نفساً عميقاً أخرجهُ وهو يدقق النظر بملامح وجه حبيبته التي إستندت بظهرها للخلف ويبدو عليها الإرهاق والقلق جراء تركها لأطفالها الصِغار لأول مَرة بحياتها،وبرغم تَهَلُّل قلبهُ وشدة حُبورهُ جراء حديثها المسؤول وانبهارهْ هو شخصياً بكَمّ إتزانها العقلي ووعيها المُشرف،ناهيكَ عن دفاعها الشرس عنه مما جعل قلبهُ يتراقصُ فرحاً،إلا أنهُ زفر بضيق لاَعناً عِنادَها وقلبهُ اللين الذي وافقها الرأي ورضخ لقرار خروجها للعمل 


❈-❈-❈


داخل مكتب المحاسبات الخاص بوليد المغربي

كان جالساً خلف مكتبهِ ينظر علي شاشة الحاسوب خاصته ليُتابع عملهِ الخاص بمكتب المحاسبات خاصتهْ بكل دقة،وأثناء إنغماسهِ بالعمل إستمع لرنين هاتفهُ الجوال الذي صدح بالمكان ليُخرجهُ من تركيزهُ،أمسكهُ ورفعهُ لمستوي بصره ليري من المُتصل، 


إبتسم بخَباثة عندما رأي نقش إسم تلك اللمار وتحدث بتسلي بصوتٍ مسموع:

-وأخيراً إفتكرتيني يا بنت الأبالسة،أما نشوف جايبة لي إيه في جِرابك المَرة دي يا جلابة المصايب


وسريعاً وقبل أن ينقطع الإتصال ضغط زر الإجابة وتحدث هاتفاً بنبرة مُتهكمة:

-طب والله كتر خيرك إنك لسة فاكرة نمرة تليفوني 


واستطرد بمعاتبة ساخرة: 

-أنا قُلت نسيتيني ونسيتي إتفاقنا اللي بسببه بقيتي جوة شركة طارق وبترمحي فيها 


بنبرة خَبيثة كالساحرات تحدثت كي تستقطب تعاونهُ وولائهُ لها:

-لمار الخضيري ما بتنساش الناس اللي بتساعدها يا وليد 


واستطردت بإبانة: 

-وعلشان أأكد لك كلامي وأثبت لك حُسن نيتي،جهز نفسك علشان تقبض أول دُفعة من المبلغ اللي إتفقنا عليه


إتسعت عيناه بلمعة جراء لهفتهُ وأنتظارهُ لذاك الخبر مُنذ مُدة وتسائل مُتلهفاً بتصنُع كي يوهمها بمَدى جشعهُ وعِشقهُ اللانهائي للمال حتي لا ينتابها الريبة: 

-بتتكلمي جد،طب أمتي هستلم الفلوس؟


إلتمعت عيناها بتفاخر لكونها أحسنت إختيار الشخص المُناسب وإبتسامة سعيدة إرتسمت فوق ثغرها بحُبور وأجابته: 

-الأول حضر نفسك كويس لأن أول شُحنة هتوصل بعد يومين بالظبط،وأنا وأنتَ اللي هنروح نستلمها في المِينا علي حَسب الدِيل اللي طارق وَقْع عليه مع الشركة 


واستطردت بإعلام: 

-وأول ما نستلمها وتوصل مخازن شركة طارق هحول لك فلوسك علي حسابك البنكي في نفس اللحظة 


واسترسلت بتنبية شديد: 

-مش عاوزة أفكرك إن سرية إتفاقنا شرط لضمان سريانه يا وليد،وخصوصاً هالة مراتك لأنها شخصية عفوية ومن الممكن جداً لو عرفت تروح تقول لطارق أو مليكة وتبوظ لنا شُغلنا


وعلي عُجاله استطردت كي لا تدع للشْك ثغرةٍ يتسلُل عبرها لقلب ذاك الطامع: 

-أنا طبعاً خايفة عليك إنتَ،لأن الموضوع بالنسبة لي عادي جداً وطبيعي،أنا واحدة شُغلي سليم وجايبة لهم صفقة ما كانوش يحلموا بالمكسب اللي هياخدوه من وراها 


واستطردت لريبته: 

-لكن إنتَ اللي شكلك هيكون مش لذيذ قدام عيلتك لو اكتشفوا إنك بتتفق من وراهم وبتاخد كوميشن من ورا شغلك معاهم 


ضيق عيناه وهز رأسهُ بتسلي وبات يسبها في سريرته ثم هتف بنبرة صوت مُرتبكة أجاد صُنعها ذاك الأفاق: 

-هالة مين دي اللي هاقول لها،دي سِت ما بتتبلش في بقها الفولة


واستطرد مؤكداً بزيف: 

-أكيد مش هعمل كدة وأفضح نفسي وأسمح لطارق وياسين إنهم يستغلوا الموضوع ويذلوني بيه قدام أبوهم،ده غير إني هصغر نفسي قدام أبويا وأخسر ثقته فيا


برافوا يا وليد،وتأكد طول ما أنتَ بتنفذ التعليمات صح هخليك تكسب فلوس عُمرك ما كُنت تتخيلها حتي في أحلامك...كلمات حماسية تفوهت بها تلك المُخادعة كي تجعل ذاك الأبله يطمع أكثر فأكثر وينجرف ورائها مَعْصُوب العيْنينِ 


وافقها الرأي وأغلق الهاتف ونظر أمامه في اللاشئ وبدون مقدمات هتف حانقاً:

-مِنك لله يا هالة يا بوز الفقر،بقي أنا مش راجل نحس اللي أمشي ورا كلام واحدة مُغفلة زيك وأعمل فيها شهم وأروح زي المُغفل أحكي لياسين وطارق علي كُل حاجة



ثم وضع أصابعه فوق ذقنه واستطرد بتذكُر وحيرة: 

-بس ياسين طلع مراقبها وعارف كُل حاجة وهارش الفولة كلها،يعني لو ما روحتش حكيت له مش بعيد كان يعتبرني شريكها ويكلبشني معاها بنفس الأساور،وبدل ما أقضي زهرة شبابي في النوادي والسهرات،أقضيها بالبدلة الزرقا في سجن بُرج العرب 


أغمض عيناه وهز رأسهُ طارداً مجرد طرح الفكرة ثم هاتف ياسين من الخط السري الذي أعطاه إياه وطلب منه إستعماله في مكالماتهم الخاصة تحسباً لتتبُع تلك الحية لرقمهِ وبدأ بسرد تفاصيل المكالمة عليه


❈-❈-❈



بعدما تخطت الساعة الثانيةُ ظُهراً 


عادت مليكة إلي منزلها بعد قضائها يوماً عصيبْ حيث يعد ذاك اليوم الأول التي تقضيه بعيداً عن كَنَفُ عائلتها المكونة من تلك المرأةِ الحنون رقيقةُ القلب والتي تغمرها بعطفها ورأفتها التي تشملُ بها الجميع،وزوجها الحنون وأطفالها،وشقيقتاي فقيداها الغالي


توقفت سيارة الحراسة داخل الحديقة وترجلت منها تحت أنظار أنس وعز المجاوران لجدتهما واللذان أسرعا يتسابقان للوصول إليها حيثُ إشتاقها كلاهُما لأكثرِ حدْ،نزلت علي ركبتيها تستقبل طفلاها وأحتضنتهما معاً وباتت تنثرُ قُبلاتها المُتلهفةُ علي وجهيهما وصُولا بأعناقهما وكفوف أياديهم الصغيرة،من يراها لا يظُنُ أنها لم تراهما مُنذُ فقط بضعة ساعات معدودات



تحدث عز وهو يمط شفتاه بامتعاض: 

-إنتِ كُنتي فين يا مامي،عزو صحي من النوم مش لقاكي وفضل يعيط،ونانا قالت إنك روحتي مشوار ومش هتتأخري،وقالت لي أروح مع مُنى عند جدو عز ألعب معاه حبة صُغيرين وإنتِ هتيجي علي طول،وأنا رُوحت ولعبت كتير 


واسترسل يهز رأسهُ بعيناي لائمة: 

-بس نانا طلعت بتكذب علي عزو وإنتِ إتأخرتي كتير 



شهقة عالية خرجت من فمها واتسعت عيناها وهتفت بتوجيه حادّ: 

-عيب تقول كدة علي نانا،لو سِمعتك هتزعل منك ومش هتاخدك في حُضنها وتحكي لك حواديت تاني 



شهق بطريقة تخطف القلوب وتحدث بعُجالة:

-خلاص مش تقولي لها علشان مش تزعل

واسترسل وهو يُكمِم فمه بكفهِ الصغير: 

-وعزو هيُسكت خالص


هتف أنس بنبرة حنون:

-وحشتيني أوي يا مامي


وضعت كف يدها على وجنتهِ الرقيقة وتحسستها بحنان وأردفت قائلة لطفلها الذي يحتلُ مكانة خاصة ومميزة داخل قلبها نظراً لما كان لهُ من غلاوة بقلب والدهُ الخلوق رحمة الله عليه: 

-وإنتَ كمان وحشتني قوي يا حبيبي


واسترسلت مُتسائلة: 

-إتغديت إنتَ واخواتك؟ 


أجابها: 

-آه يا مامي،نانا عملت لنا البيتزا اللي بنحبها وأكلنا معاها هي وسارة 


إبتسمت له واردفت: 

-بألف هنا وشفا يا حبيبي

وسألته من جديد: 

-مروان فين؟ 


هتف أنس وعز الذي تطوع أيضاً: 

-في أوضته بيعمل الهوم وُرك 


نصبت قامتها من جديد وتمسكت بكفاي طفلاها وتحركت في طريقها لتلك التي تنظر عليها وابتسامتها الحنون ترتسم فوق صغرها،وصلت لعِندها وألقت السلام باحترام: 

-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...هكذا ردت فتحدثت مليكة من جديد: 

-صحتك عاملة يا ماما


عقبت قائلة وهي تومي برأسها بهدوء: 

-الحمدلله يا بنتي 


واسترسلت باستفسار: 

-طمنيني عليكِ وقولي لي قضيتي يومك إزاي؟


أخذت نفساً عميقاً ثم بهدوء زفرته وبنبرة مُتعبة أردفت:

-هطلع أخد شاور الأول علشان فاصلة بجد،وبعدها هنزل لحضرتك وأحكي لك 


أجابتها بتفهُم:

-إطلعي وعلي ما تاخدي الشاور هتكون عَلية جهزت لك الغدا 


واستطردت بتساؤل: 

-هو ياسين مش هييجي يتغدا معاكِ؟ 


هزت رأسها وتحدثت: 

-ياسين عنده إجتماع مُهم وهيتغدي برة البيت 


أومأت لها وصعدت مليكة بعدما قبلت طفلاها وتركتهما بصُحبة جدتهما الحنون


❈-❈-❈



بأحد الأماكن المُخصصة بعمل حمامات الساونا للرجال،وتحديداً داخل أحد الحمامات المُغلقة والمُعبئةُ بالكثير من الأبخرةِ الساخنة جراء إرتفاع درجة الحرارة بشكل كبير مما جعل الرؤية ضبابية بعض الشئ


بإرتخاء لعضلات جسدهِ يجلس مُغمض العينان سانداً بظهرهُ علي خلفية تلك الأريكة الخشبية المُخصصة لعمل السَاونا،واضعاً منشفة كبيرة يلف بها خصره وفقط،قطراتًُ من الماءِ تنزلُ عبر خصلات شعرهِ المُنسدلةُ فوق جبينهِ بإنسيابية بفضل الأبخرة التي تُعبئ المكان 

بعقلٍ شارد يُفكر فيما يحدث من حوله مؤخراً ويؤرق عليهْ حياتهُ،فُتح الباب ودلف منه طارق ووليد بنفس كلتا المنشفتين الملفوفتين علي خصر كُلٍ منهُما وتحركا ليُجاورا ذاك المُنتظر مجيأهما بفارغ الصبر 


بنبرة حماسية هتف وليد بحُبور: 

-إيش إيش إيش،ده إيه الدلع والرضا ده كله يا سيادة العميد،أهي دي الأماكن اللي يتعمل فيها الإجتماعات ولا بلاش


أقعد وبطل رط الحريم ده يا وليد...جُملة نطقها ياسين ومازال مغمض العينين فتسائل طارق مُستفسراً باستغراب:

-إيه اللي خلاك تحدد لنا المقابلة هنا يا ياسين؟!


بإبانة أجاب شقيقهُ: 

-علشان المكان هنا عادي ومش مُلفت للنظر لو كان اللي ورا لمار بيراقبونا يا طارق،أولاً المكان في حي المغربي وإحنا التلاتة متعودين نيجي فيه من وقت للتاني،فهيبقي طبيعي لو اتجمعنا وخصوصاً إنها حصلت قبل كدة كتير جداً،ثانياً المكان هِنا متأمن كويس وسهل السيطرة عليه 

واستطرد بحِنق: 

-ثالثاً بطلوا رغي إنتوا الإتنين وخلينا نسمع اللي الهانم قالته لوليد 


جاوراه كليهما الجلوس وبدأ وليد يروي ما أبلغته به لمار بمنتهي الدقة،بعدما إنتهي من السرد تحدث طارق بصوتٍ أمل بعدما شعر بإنفراجة: 

-الحمدلله،كدة كلها يومين ونكشف مُخطط بنت الشياطين دي ونعرف إيه اللي مهرباه جوة الشُحنات 


هز ياسين رأسهُ وتحدث نافياً: 

-عمرهم ماهيبقوا بالغباء والسذاجة اللي تخليهم يكشفوا لنا نفسهم كدة من أول مرة،هما أكيد واخدين إحتياطاتهم وحاطين في إعتبارهم إننا ممكن نكون شاكين فيهم ومراقبينهم،وعلشان كدة أنا مُتأكد إن أول صفقة هتكون نضيفة


بعيناي يملؤها جشعاً قد ورثهُ عن تلك الراقية هتف مُتلهفاً: 

-طب بالنسبة للفلوس اللي لمار هتحولها لي علي حسابي يا ياسين،أكيد دول بتوعي 


هو أنتَ يَلاَ مش ناوي تنضف بقي...قالها وهو يرمقهُ بإشمئزاز واستطرد شارحاً:

-جهاز المخابرات معانا خطوة بخطوة والفلوس دي هتتصادر وتتحط مع الحِرز الخاص بالعملية يا ذكي،وإلا هتُعتبر شريك للمار


بخيبة أمل تنهد فتحدث ياسين كي يُزيل عنه إحباطه الذي تملكَ منه: 

-ما تقلقش أنا هعوضك من فلوسي الخاصة 

بتتكلم جد يا ياسين؟... نطقها بعيناي متلهفة،فعقب الأخر قائلاً بامتنان: 

-أنا كلمتي عقد وماليش في الهجص وإنتَ عارف كدة كويس،ويكفي إنك طلعت راجل وما قبلتش الأذي لعيلتك وجيت بلغتنا،أينعم أنا كُنت عارف الموضوع وبدور وراها



واسترسل باستحسان: 

-بس يكفي مبادرتك اللي معناها كبير قوي عندي يا وليد،الحركة دي كَبرتك في نظري وخلتني أشوفك بعين غير اللي كُنت بشوفك بيها الأول


أما طارق فقد وضع ذراعه محتوياً به كَتف إبن عمهْ وتحدث مؤكداً علي حديث شقيقهُ:

-بجد يا وليد الموضوع ده علاك قوي في نظري أنا كمان وأكد لي إنك مغربي أصيل وصاين العيش والملح اللي بينا 


للحظة تبدل وشعر بالخزي من حاله جراء إستماعه لمدح نجلاي عمه له ولموقفه اللذان رأه مُشرفاً،بتلك اللحظة تذكر هالة وشعر بالامتنان لها حيث أن تلك الخطوة كانت إقتراحها لكي يتضامن مع عائلته ويقف بصفها ضد تلك الحقودة التي تُريد الأذي للعائلة



إبتسم لأولاد عمه وتحدث بنبرة صادقة مُتراجعَاً عن ما تفوه به مُنذُ القليل: 

-وأنا مش عايز فلوس خلاص يا ياسين،كلامك إنت وطارق يساوي عندي كتير قوي،كلامكم ده هو المكسب الحقيقي بالنسبة لي من ورا الموضوع 


ربت علي كتفه بأخوية وتحدث بإبتسامة حنون: 

-راجل وطالع لابوك يا وليد،وأنا بردوا عند وعدي ليك وهديك مبلغ محترم هدية لأولادك من عمهم ياسين


إبتسم وتابع الحديث معهما بحماس ولكن تلك المرة لم تكن من أجل المال ولكن لشعورهُ بالإنتماء وبأهمية ما يصنع وأهميتهُ هو شخصياً ويرجع الفضل لحديث طارق وياسين له


تابع قراءة الفصل