-->

رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 22 - 2

 

رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني



رواية جديدة 

تنشر حصريًا 

على مدونة رواية وحكاية 

قبل أي منصة أخرى


الفصل الثاني والعشرون

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈



مع مشهد غروب الشمس الرائع حيثُ تنعكسُ خيوطها الذهبيةُ علي المياة لتُعطي مظهراً خلاباً يُظهر عظمة الخالق،ثم تُلقي بنفسها داخل أحضان البحر لتذوبُ رويداً رويدا حتي تختفي داخل أمواجهِ الحنون 


كانت تتحركتان فوق الرمال كِلتا البائستان بعدما إتفقنا على أن يذهبا سوياً إلى البحر كي تتحدثا بحُرية وبدون أن يشعُر بهما أحداً،أو يتَسْمع عليهما  


تحدثت لمار بنبرة خَبيثة الغرضُ منها تَحْريِض تلك البلهاء ضد ياسين بعدما إستمعت لشكواها:

-سوري يا لي لي وياريت ما تزعليش من كلامي،بس إنتِ مُتأكدة إني بحبك وأكيد تهمني مصلحتك 


واستطردت بنبرة تحريضية لجعل تلك البلهاء تثور على أوضاعها:

-إنتِ لازم شخصيتك تبقي أقوي من كدة قدام ياسين 


واسترسلت ببالغ إندهاشها وهي تهز رأسها بتحيّر:

-أنا أصلاً مش فاهمة إنتِ ازاي راضية بالذُل والإهانة علي نفسك بالشكل المُهين دي؟ 

إزاي قادرة تتقبلي الموضوع وشيفاه عادي،إحنا كُلنا شايفين قد إيه ياسين بيحب مليكة وبيحترمها قدام الكُل،بيدلعها وبيخرجها 

واستطردت: 

-المفروض يحترم وجودك ويراعي مشاعرك أكتر من كدة ويصبر لحد ما تسافري 


واسترسلت متسائلة:

-هو مش المفروض إن الفسح والخروجات والنوم في الاوتيلات دول يكونوا من نصيبك انت،ده لانك يومين وراجعة لألمانيا تاني،علي الأقل مليكة موجودة معاه طول الوقت ويقدر يخرجها بعد ما تسافري، 


واكملت باتهام: 

-بصراحه إنتِ مستاهلة جداً في حقوقك وأقدر أقولك إن إنتِ السبب في اللي وصلتي له


عقبت علي حديثها شارحة بتملُل: 

-إنتِ بتتكلمي وكأنك ما تعرفيش ياسين يا يا لمار،ياسين شخص عصبي جداً وما بيعملش غير اللي في دماغه واللي هو عاوزه وبس 


وأكملت بلامبالاة: 

-وبيني وبينك أنا ما يهمنيش كُل ده،يخرج مع مليكة يبات معاها في الأوتيل ولا يفرق معايا،يشبعوا ببعض 


واسترسلت وهي تجز على أسنانها بغيظٍ شديد: 

-أنا كُل اللي مضايقني وحارق دمي هو قراره الجديد اللي بلغني بيه إمبارح،يعني مش كفاية إني عايشة متغربة أنا وبنتي، كمان عاوز يحبسنا ويخنقنا في البيت، تخيلي بيقول لي هو يوم واحد اللي هنخرج فيه في الإسبوع


نظرت لها تلك الخبيثه وتحدثت بنبرة لئيمة: 

-والله إنت طيبة قوي يا لي لي والناس اللي زيك خلصوا من زمان،يا بنتي إنتِ عايشة في ألمانيا،يعني بلد الحرية كلها، أخرجي وأنبسطى ومش لازم ياسين يعرف إنك خرجتي أصلاً


جحظت عيناي ليالي وهتفت بذهول:

-إنتِ أكيد بتهزري صح؟

إنتِ عاوزاني أخرج من ورا ياسين،ده لو طلقني وقتها يبقي رحمني،وحتي لو اتجننت وسمعت كلامك،هخرج إزاي وايهاب ورجالته قاعد لي في الجنينة أربعة وعشرين ساعة،دي حتى البوابة الخلفية للفيلا موقف عليها حارس ومركب عليها كاميرات علشان يأمن المكان


كل حاجة ليها حل يا لي لي،بس إنتِ شغلي مُخك شوية،وما تقلقيش انا هبقى معاكي خطوة بخطوة،ولو إحتاجتي أي حاجة في أي وقت إتصلي بيا 


عقبت ليالي علي حديثها برفضٍ قاطع لتلك الفكرة المتهورة:

-لا يا ستي مُتشكرة أوي،أنا مش عاوزة أخلق مشاكل مع ياسين،


واستطردت باستجواد:

-وبصراحة كدة ياسين مش مقصر معايا،أي حاجة بحتاج لها بتكون عندي في نفس اليوم  


يا بنتي بطلي جُبن بقي،حياتنا هنعشيها مرة واحدة،فينعيشها صح وعلي كيفنا يا بلاها...هكذا تحدثت بترغيب ثم استرسلت بفُكاهة وهي تغمز لها بعيناها:

-وتأكدي إن الحل لأي مشكلة تقابلك هتلاقيه دايماً عند لامي واللي هتكون في خدمتك من النهاردة


ومالت برأسها بأسف مُصطنع كي تستأثر قلبها وتستحوذ علي محبتها واردفت بحنوٍ زائف: 

-بس بلاش أشوفك حزينة كدة تاني لأنى بضايق جداً لما بشوف سِت مقهورة وبتتعرض لظُلم 


حبيبتي يا لامي،أنا مش عارفة أشكرك إزاي علي موقفك ودعمك ليا من وقت ما وصلت إسكندرية...هكذا شكرتها بامتنان تلك الحمْقَاء 


إبتسامة خبيثة إرتسمت فوق ثغرها وتحدثت: 

-طب يلا بينا نروح قبل ما ياسين يرجع البيت وياخد باله إنك خرجتي من غير ما يعرف 

وافقتها الرأي وتحركت بجانبها عائدتان إلي المنزل من جديد


❈-❈-❈


أسدل الليل ستائرهُ بألوانها السوداءُ فخيم الظلامُ وأرتمي القمرُ بداخل أحضان السماءِ ليحتمي بحنانها،عادت الطيورُ إلي أعشاشها لتأوي صغارها وتحتضنهم تحت أجنحتها بحنانِ، 


داخل غُرفتها شديدة الظُلمة إلا من شُعاعِ نورٍ شق الظلام ودخل مُتسللاً من فُتحة الشُرفة الصغيرة،كانت تغطُ في سباتٍ عميق فوق تختها بعد عناء يومٍ حافلًُ بالعمل،فتح الباب وخطي بساقاي تتحركُ ببُطئٍ شديد حرصاً علي عدم إزعاجها،يعلمُ أنها مُتعبة وبحاجة إلي راحة،لكنهُ لم يرها طيلة اليوم مُنذُ أن تقابل علي وليد وطارق ثم عاد إلي منزل والدهُ وجلس معه وأطفاله وشقيقتهِ الغالية


وقف يتطلع علي ملامحها الفاتنة وهي غافية فوق وسادتها كملاك،حقاً يشتاقها حد الجنون،إبتسم بحُبور حين تذكر دفاعها الشرس عنه بوجه تلك اللمار عندما تجرأت وتخطت حدودها بالحديث عنه



حركت أهدابها عدة مرات بعدما شعرت بحضوره،وكيف لها ألا تشعُر ورائحة عِطرهُ التي تسللت لأنفها أصبحت إدمانها،فتحت عيناها بهدوء تتطلع لوجه ذاك المُبتسم وحنانهُ الطاغي بعيناه،إبتسمت وتحدث هو:

-الدنيا كُلها بتقفل بيبانها في وشي لم بتغمضي عيونك وتسبيني يا مليكة


حبيبي...هكذا نطقت وهي تتمطي ثم أشارت له بالإقتراب وماكان منهْ إلا الإستجابة وتلبية أمرها،بالفعل جلس وربع ساقهُ فرفعت هي رأسها ووضعتها فوقها وباتت تتمسح ببنطاله كقطةًُ سيامي تعشق مُربيها،وضع كفهُ الحنون فوق شعرها وبدأ يمسد عليه بنعومة نالت إستحسانها واستأثرت قلبها،ثم تحدث بنبرة حنون: 

-عملتي إيه في الشركة النهاردة؟ 



بملامح وجه مُبتسمة تحدثت بصوتٍ مُتحشرج بعض الشئ: 

-كان يوم كويس،طارق عمل لي إستقبال مَلكي بالموظفين بتوعه،والسكرتيرة اللي خصصها لي طلعت كويسة أوي وذكية


ثم وبدون سابق إنذار تجهمت ملامحها واستطردت: 

-والسِت المُريبة اللي أخوك متجوزها جت لي المكتب وكانت بتحاول تكسب ثقتي 

واسترسلت ضاحكة بخِفة: 

-فكراني هبلة وجاية تتشطر عليا 


إبتسم بشدة بينت صفي أسنانه،تمطأت وأردفت بنُعاس:

-هبقي أحكي لك علي اللي قالته لي بكرة علشان سِيرتها أكيد هتطير النوم من عيني وأنا نعسانة وعاوزة أكمل نوم


كان يستمع إليها وهو يُمرر أصابع يده بين خصلات شعرها الحريري وتحدث بنبرة حنون: 

-نامي يا حبيبي 


رفعت رأسها وسألته مُتعجبة: 

-وإنتَ مش هتنام؟ 


مال بجانب رأسهِ وبعيناي أسفة تحدث باستسماح لكونهِ كان غافياً عند ليالي ليلة أمس: 

-أنا هبات عند ليالي النهاردة علشان كلها كام يوم وهتسافر 


شعرت بغصة مؤلمة وأنقباضة بقلبها فاسترسل هو بعيناي صادقة تفيضُ عِشقاً:

-أنا بس جيت أطمن عليك وأقول لك إني بحبك وإنك غالية،غالية أوي يا مليكة


إبتسامة خرجت من بين شفتاها جراء صدق نبراته ونظراته وما شعرت بحالِها إلا وهي تُخبرهُ: 

-وإنتَ كمان غالي قوي يا ياسين


ساد الصمت لبضع دقائق تحدثت خلالهم العيون وتغنت بلحن العاشقين،رفع رأسها لأعلي فاعتدلت وأمسك رأسها باحتواء وبات ينظُر بعيناها الحنون ويتعمق داخلهما، كاد أن يصرخ ويُخبرها كم يعشقُ كُلها


كان يود إخبارها بأنهُ إستمع دفاعها المُميت عنه،وكيف جعلته يفخر وينبهر بدهائها وهي تتلاعب بتلك اللعينة التي راحت تبثُ سمها لتُمرر عليها حياتها لكنها قلبت السحر عليها،مال علي كريزتيها ووضع بهما قُبلة حنون بث لها من خلالها عن عشقهِ الهائل لها، إندمجت معه وباتا يتذوقان شهد كليهما الأخر حتي ابتعدا مرغمين لأخذ أنفاسهما



وبعد مدة تحرك وذهب إلي جناحهُ المشترك مع ليالي،وجدها تجلس فوق مقعدها مُمسكة بمجلة عن الأزياء والموضة تتطلع بها باكْتراث 


نظر لها وجدها مُكفهرة الملامح جراء حضورهُ فتحدث بنبرة هادئة بما لم تتوقعهُ تلك التي أصابها الإندهاش: 

-أنا أسف إني إتنرفزت عليك في الحفلة 


رفعت رأسها سريعاً تتطلع إليه بجبيناُ مُقطب غير مستوعبة ما نطق به،أحقاً هذا الواقف أمامها هو ياسين! 


إبتسامة ساخرة خرجت من جانب فمها وتحدثت مُتهكمة:

-ياسين المغربي بجلالة قدره واقف قدامي وبيعتذر لي؟


تنهد باحباط ثم جلس بمقعداً مجاور لها وتحدث بنبرة هادئة:

-ممكن نتكلم جد شوية،كلها كام يوم وأجازة أيسل هتنتهي وترجعوا لألمانيا تاني

واسترسل بعيناي مُترقبة: 

-محتاجين نقعد ونتكلم مع بعض وتسمعيني بعقلك وتفهميني كويس


زفرت بضيق فكظم غيظهُ من إسلوبها المستفز فأشارت لهُ بكف يدها ليبدأ بالحديث بعدما وضعت ساقاً فوق الأخري واراحت ظهرها للخلف بطريقة مُتعالية


إستأنف حديثهُ من جديد قائلاً بتعقُل كي يستقطب وعيها: 

-إسمعيني كويس وركزي في اللي هقولهُ لك يا ليالي،أنا عندي مشاكل كتير الفترة دي،المشاكل دي مع جماعات عاوزة تأذيني بسبب شُغلي في المخابرات


استرسل شارحاً حين وجدها تقطب جبينها وتستمع إليه بتركيز: 

-أنا لما بلغت إيهاب إن خروجكم من البيت هيكون مرة واحدة في الإسبوع ما كُنتش بعمل كدة علشان أضايقك أو أحجُر علي حُريتك زي ما وصل لك


واسترسل بامتنان: 

-إنتِ عارفة كويس إني مقدر وجودك جنب سيلا في ألمانيا، وكون إنك سايبة أهلك وأصحابك وأنا عارف كويس قد إيه وجودهم مُهم في حياتك،فده شئ يُحسب لك عندي،ده غير إني عاوز أريح دماغي وضميري من ناحيتك لما أحس إنك عايشة مرتاحة ومبسوطة هناك


ثم إعتدل بجلسته وبسط يدهُ ليُمسك بها كفها وتحدث بنبرة خرجت صادقة: 

-أنا عارف إن من جواكِ مش حابة جو المشاكل اللي بقيتي معيشة نفسك فيه مؤخراً بسبب مليكة،وعارف إن كل التصرفات دي طارئة علي شخصيتك المُسالمة وإن للأسف فيه كتير بيحاولوا يحرضوكِ عليا،بس صدقيني دول مش عاوزين لك الخير أبداً 


رفعت حاجبيها باستغراب فاسترسل هو برجاء: 

--أنا خايف عليك وعلي بنتنا يا ليالي،أرجوكِ تساعديني في إني أحاول أحافظ عليكم

واستطرد يعيناي متوسلة:

-بلاش تخليهم يأذوني فيكم 


تنهدت بهدوء وأردفت بنبرة حادّة بعدما تفهمت الوضع بعض الشئ: 

-تمام يا ياسين،أنا هعمل اللي يريحك،بس ياريت مواضيعك دي ما تطولش لأني مش هقدر أصبر علي الجو الخنِيق ده كتير 


واستطردت مؤكدة باستغلال: 

-إنتَ أكيد طبعاً مش ناسي مِيعاد مامي مع مركز التجميل


كظم غيظهُ من استغلالها للموقف والمساومة علي طلبهْ، فاسترسلت هي من جديد بنبرة أمرة: 

-عوزاك تخلي إيهاب يعمل لنا برنامج للخروج كويس علشان مامي تنبسط،وبعد ما مامي ترجع مصر نبقي نمشي علي تعليماته 


واسترسلت موضحة باعتراض وهي ترفع حاجبها: 

-هي ما لهاش ذنب في ظروف شغلك ومش مضطرة تتحملها


رمقها بغرابة وهتف مُستاءاً: 

-وأنا ماطلبتش منها تتحمل ظروفي؟ 

واسترسل مُذكراً إياها وهو يُشير لوجهها: 

-إنتِ طلبتي مني أحجز لها مع الدكتور لأن علي حَسب ما بلغتيني إن شُغله عجبها،وأنا حجزت لها معاكم تذكرة ذهاب وعودة ده غير حجز المركز واللي كلفني كتير جداً 



واسترسل بنبرة صَارمة ونظرات حادّة كي تعود لوعيها وتلتزم حدودها ولا تتخطاها: 

-غير كدة أسف يا مدام،هي مش رايحة جولة سياحية علشان أخلي إيهاب يعمل لها برنامج ترفيهي،هي رايحة لمُهمة مُعينة وأظن أنا كدة عملت معاها الواجب وزيادة


واستطرد مؤكداً باستفزاز بعدما استدعت غضبه باسلوبها المُنفِّر: 

-وهي أه ملزمة تتحمل ظروفنا علي فكرة،طالما هتقعد في بيتي وتحت حماية رجالتي فواجب عليها تلتزم بالتعليمات لامانها أولاً وامانك إنتِ وأيسل 


واسترسل ساخراً: 

-ده طبعاً لو كان أمانكم في دماغها أصلاً


إرتبكت من حِدته وشعرت بالإرتياب عندما تغيرت ملامحهُ إلي ساخطة وتذكرت حينها نصائح والدتها عِندما أخبرتها بألا تُزعجهُ تلك الفترة كي لا يفتعل المشاكل ويتسبب لها في المضايقات وقد يؤثر هذا علي سفرها معهم،تراجعت وتحدثت بنبرة حنون رغم حِنقها منه الذي تراكم مؤخراً جراء أفعالهُ معها: 

-خلاص يا ياسين،اللي إنتَ عاوزة هعمله


تنهد براحة وتحدث مُمتناً رغم علمهِ غايتها: 

-متشكر يا ليالي،وأوعدك أول ما الظروف تتحسن هحجز لها هي وداليدا وأخليهم يقعدوا معاكي إسبوع،وإيهاب هيكون تحت أمركم وينفذ لكم كُل اللي إنتوا عاوزينه



إنفرجت أساريرها بسعادة وهتفت بتساؤل مُلح: 

-بتتكلم جد يا ياسين؟ 


بنبرة صادقة أردف بهدوء:

-بتكلم جد،وصدقيني هعمل لك كُل اللي يبسطك ويرضيكِ بس عاوزك تتحملي معايا الفترة اللي جاية وتخلي بالك كويس من سيلا


حاضر يا ياسين...نطقتها برضا، ثم تساءلت بدلال أنثوي: 

-هو أنتَ هتبات معايا النهاردة؟ 


أومأ برأسهِ بإبتسامة هادئة فنظرت له بدلال فهم منه أنها تحتاجهُ فابتسم لها وأمسك كفها مُربتاً عليه وتحرك معاً إلي فراشهما 


❈-❈-❈


عصر اليوم التالي

داخل حديقة منزل رائف

تجلس بجوار صغيرها تُمـ.ـارس هوايتها المُفضلة مُمـ.ـسكة بكف يـ.ـدها الرِمال الملونة المُمتزجة بالتُراب وتقوم برسم بعض الأشكال التي يُمليها عليها صغيرها تحت سعادته وتصفيقهُ الحار فرحاً بمهارة غاليته،هتف الصغير قائلاً برجاء من عيناه: 

-مامي،هو أنا ممكن أمـ.ـسك حبة رَمل أرسم بيهم معاكِ؟ 


أجابته بإبتسامة سعيدة: 

-أكيد طبعاً يا حبيبي 


أمـ.ـسكت بكفهِ الصغير بين راحتها ووضعت بداخلهِ الرِمال وبدأت تقوم بتمرينهُ علي الخطوات تحت إغْتِباط الصغير وتهلُل وجههُ،بعد قليل تحدث قائلاً بإستياء: 

-مامي،أنا جعان وعاوز أكُل 


تحدثت وهى تترك ما بيدها: 

-طب يلا يا حبيبي ندخل جوة علشان أجهز لك ساندوتش وعصير 


هز رأسهُ سريعاً وتحدث بإباحة: 

-خليني أنا أرسم وروحي هاتي لي الساندوتش هِنا 


لم تقوي علي رفض طلبهِ وخصوصاً بعدما توسلها بعيناه الساحرة نُسخة عيناي حبيبها المُكررة،إبتسمت له وهبت واقفة وتحركت إلي الداخل لتُجلب له طِعامهْ،إستغل ذاك المُشاكس الصغير ذهاب والدتهُ وهب واقفاً وهرول إلي المنضدة المتواجدة أمام حمام السباحة وجلب من فوقها زُجاجة المياه وعاد من جديد،فتحها وصب من داخلها علي الرِمال المُمتزج بالتُراب المُخصص للرسم وبات يمزجُها ببعضها بيـ.ـداه ويقوم بتشكيلها مما تسببَ في إتساخ كفاه ووقع البعض منها علي ثيابهُ البيضاء مما جعلهُ يضع كفهِ عليها ليقوم بتنظيفها فاتسخت أكثر وظهر كَمّ إتساخها،عمت الفوضي بوجهه أيضاً حينما حَك جلد وجنتهُ بكفهِ الصغير


بنفس التوقيت كانت تدخل من البوابة الحديدية تجاورها سارة بعدما طلبت منها أن تأتى بصُحبتها كي تأخذ شقيقها الصَغير إلي منزل جدها لتقوم بمداعـ.ـبته والجلوس معه بعيداً عن مليكة التي لم تعُد تطيقُ حتي رؤية وجهها،جذب إنتباهها جلوسهُ لحاله بحالة مُزرية،ثياباً مُتسخة ويـ.ـداي مُلطخة بمعجون الطِين مما جعلها تشعر بالإستياء وتُهرول إليه،جذبته وتحدثت بنبرة حادة من شدة خوفها عليه: 

-إيه اللي إنتَ عاملة في نفسك ده يا عزو؟


تحدثت وهى تسحبهُ من كفهِ الرقيق للداخل بعدما ضغطت عليه بقوة ألمته بدون وعياً منها نتيجة غضبها الحادّ،صرخ الصغير جراء ضَغطت قبضتها القوية وبات يدق الأرض بقدماه وهتف معترضاً وهو يسحب كفهُ منها:

-سبيني يا سيلا أنا برسم زي مامي


إحتدت ملامحها وتحولت إلي الغضب عندما ذَكر ذاك البريئ أسم والدته،هتفت بنبرة غاضبة خرجت علي أثرها مليكة ومروان ومُنى الذين أستمعوا لصياح الصغير: 

-وهى الهانم مالقتش حاجة أنضف من كدة تعلمها لك


تحدثت سارة بنبرة خافتة وهي تنظر علي إقتراب مليكة:

-ما يصحش كدة يا سيلا،مالكيش دعوة بمامته علشان ما تزعلش منك ويحصل بينكم مُشكلة 


هتفت بحِدة وهي تُشير إلي شقيقها بإستياء: 

-اللي يزعل يتفلق،بقي ده شكل إبن سيادة العميد ياسين المغربي؟   


هتف الصغير بصياح معترض محاولاً الفكاك من قبضتها المُؤلمة: 

-إنتِ وحشة يا سيلا،أنا مُش هحبك تاني علشان بتزعلي عزو وبتوجعيه


هرولت مليكة إلي صغيرها وهتفت متسائلة بعتاب: 

-فيه إيه يا سيلا؟

مالك ومال الولد؟


ثم استرسلت وهي تدنو منه بعدما جذبت كفهِ الرقيق من بين قبضتها الحادّة: 

-مين اللي بهدل لك هدومك كدة يا قلبي؟ 



هتفت بإستشاطة ونبرة حانقة:

-هو سيادتك حاسة بحاجة،ما أنتِ قاعدة جوة مأنتخة ورامية الولد لوحده في الجنينة ولا علي بالك،بُكرة يغرق في البول ومحدش يحِـ.ـس بيه


جحظت عيناي مروان وهتف بإحتدام:

-إنتِ إزاي تسمحي لنفسك تكلمي أمي بالطريقة دي؟  


هتفت غاضبة برعُونة:

-أنا أتكلم بالطريقة اللي تعجبني يا مروان،طالما الأمر يخُص أخويا اللي الهانم مامتك رمياة وسيباه يلعب في الطين زي أولاد الشوارع والمُتشردين


لو إتكلمتي كلمة زيادة عن أمي أنا اللي هقف لك يا سيلا...جُملة حادة نطق بها مروان برجولة


عقبت علي حديثهُ قائلة بحِدة: 

-وريني كدة هتقف لي إزاي يا سي مروان؟

واسترسلت بنبرة صارمة: 

-وبعدين إنتَ مالك أصلاً،بتدخل نفسك في موضوع ما يخصكش ليه؟

ثم أنا بتكلم عن أخويا ومن حقي أحاسب أي حد يقصر في حقه،والست مامتك أهملت فيه 


كاد أن يتحدث قاطعتهُ والدتهُ قائلة بنبرة صارمة: 

-إسكت من فضلك يا مروان،الدكتورة بتكلم السِت المُهملة واللي هي أنا طبعاً،وأظن كدة أنا أولي بالرد


ثم استطردت بإبانة وهي ترمقها بحِدة: 

-أولاً ما اسمعكيش تاني تقولي لمروان إنتَ مالك،لأن زي ما عز أخوكِ هو كمان أخوه وبيحبه وبيهتم بيه أكتر من أي حد فينا، ثانياً يا دكتورة لازم تسحبي كلمة مُهملة دي لأنك عارفة ومتأكدة من جواكِ إن الكلمة دي بعيدة كُل البُعد عني


واسترسلت ببسمة ساخرة خرجت من جانب فمها: 

-أنا لا عُمري سِيبت ولادي للناني ودُورت ألف في النوادي وأعيش حياتى،ولا فى مرة خرجت أشوف نفسي ورميتهم لحماتى تربيهم زي ناس 



إشتعلت روح سيلا لعِلمها أنها تقصُد والدتها بذاك الحديث المُقلل وكادت ان تتحدث لولا صوت والدها الذي صدح بحِدة من خلفهم حيثُ كان يصف سيارته بالجراچ وأستمع لصياح إبنته: 

-صوتكم عالي ليه؟


  


إتسعت عيناه عندما رأي صغيرهُ المُتمسك بكف يد والدتهُ بارتياب وهيأتهِ المُزرية وسألها بعيناي غير مستوعبة: 

-مين اللي عمل كده في الولد يا مليكة؟ 


تدارك الصغير صعوبة الأمر وتواري خلف والدتهُ كي يختبئ من نظرات والدهُ الحادة والمُرعبة له،ربعت أيسل ساعديها ووضعتهما فوق صَدرها وتحدثت شامتة باستغلال للوضع: 

-إتفضلي جاوبي علي بابي وقولي له مين اللي عمل كدة في إبن ياسين المغربي؟ 


ياريت تخرجي نفسك برة الموضوع وما تحاوليش تشعلليه...هكذا وجهت لها مليكة حديثها بلهجة صارمة


جحظت عيناها وهتفت موجهة حديثها بأسي إلي والدها: 

-شايف يا بابي،مش عاجبها كلامي علشان بقول لها إزاي تسيب الولد لوحدة في الجنينة وتسيب له الطِين اللي بترسم بيه يبهدل نفسه بالشكل اللي حضرتك شايفه ده


واسترسلت بتأثُر كي تستدعى غضب أبيها باتجاه مليكة: 

-تخيل يا بابي،دخلت أنا وسارة لقيت عزو لوحده في الجنينة وهي قاعدة جوة ولا علي بالها،ولما جيت أعاتبها بهدلتني،وفي الأخر مروان كلمني بإسلوب مُستفز،وبدل ما تقول له عيب قوته عليا أكتر 


واستطردت مُستنكرة بعيناي حزينة: 

-لا ومش بس كدة يا بابي،دي بتقول لي إن مروان بيحب أخويا أكتر مني، تخيل؟ 


إستـ.ـشاط داخل مروان من تعدي تلك المتعجرفة علي والدتهُ لكنه إلتزم الصمت طبقاً لتعليماتها،أما مليكة فكانت تستمع إليها بذهول وفاهٍ فاغرة وهتفت مُتعجبة: 

-إنتِ إزاي إتحولتي وبقيتي بالصورة البَشعة دي؟

ثم مين إداكي الحق علشان تقفي تحاسبيني وتتهميني بالتقصير في حق إبني؟ 


هتفت الأخري بنبرة حادة رافعة قامتها لأعلي بخيلاء: 

-لو مش واخدة بالك أحب أقول لك إن إبنك ده يبقي إبن سيادة العميد ياسين المغربي بجلالة قدره ويبقي أخويا،ولما ألاقيكِ سِت مُهملة ومقصرة في حقه ومش عارفة إنتِ بتربي إبن مين


واستطردت بتعالي وانتقاص من شأن مليكة وهي ترمقها باشمئزاز: 

-فطبيعي وقتها إني أتدخل يمكن تفوقي وتفهمي إنتِ متجوزة مين وتتصرفي برُقي يليق بمنصِبهْ ومكانتهْ في البَلد



إنتِ واحدة قليلة الأدب وعديمة الذوق...جُملة حادّة نطقت بها مليكة بإحتدام لملامح وجهها حيثُ لم تستطع السيطرة علي غضبها


إحتدت ملامح ذاك الحانق وهتف غاضباً بعدما طفح به الكيل: 

-كدة كتير،إنتِ تخطيتي حدودك وتعديتي الأصول في الكلام ولازم تعتذري حالاً 


جحظت عيناها وفَغَرَ فاهُها غير مستوعبة ما طلبهُ منها،أيُعقل هذا؟  

رمقها بنظرة غاضبة وأشار علي الآُخري مُحدثاً إياها: 

-إتفضلي إعتذري لها


تُري من يقصُد ياسين بوجوب الإعتذار لها؟

مليكة؟ أم أيسل


 يُتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة