-->

رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 22

 

 

 قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية وبها متيم أنا

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر



الفصل الثاني والعشرون



بوجه مشرق وهيئة تخطف النظر كعادتها، ظهرت اخيرًا، تدلف من مدخل الفندق مع هذه الفتاة صاحبتها، بالابتسامة الرزينة تبادلها الحديث في أمر ما كانت مندمجة فيه، حتى تفرقتا كل واحدة نحو قسمها، لتتخذ طريقها نحوه، في اتجاه الغرفة التي تعمل بها، هل هذا اشيتاق ام هو شيء أمر منه، لا يصدق انه يشعر بهذا الألم، لقد سافر واجبر نفسه على مصاحبة أجمل النساء في البلدة التي مكث فيها لعدة أيام، ومع ذلك لم تخرج من تفكيره ولو لدقيقة، حتى وجد نفسه يعود على الفور، ليقضي ليلة الأمس ساهرًا حتى الصباح وقد جفى النوم جفونه، ليجلس منذ السادسة هنا في انتظارها، ليُملي انظاره منها ومن جمالها الجاذب، بشخصية تختلف عن جميع النساء التي قابلها أو سمع عنها، عنيدة كالصخر، بشجاعة تنقص العديد من الرجال، لا يدري من أين ظهرت له؟ 


أما صبا والتي تفاجأت برؤيته، إكتنفها شعور غريب بالقلق فور أن وقعت عينيها عليه، وقد مرت ايام عديدة لغيابه منذ رفضها للعمل سكرتيرة في إحدى شركاته، فقد اختفى بعدها، ولم تراه، ولا تعلم ان كان سافر او التهى في باقي أعماله العديدة كما تسمع، ولكنها كانت تشعر بالراحة في غيابه، أما الاَن وقد عاد ليتخذ مقعده في نفس الركن القريب من طريقها، يحدق بها بهذا الشكل السافر، لا تتأمل خيرًا في القادم على الإطلاق، أبدًا.


❈-❈-❈


لقد وجدها، وجدها اَخيرًا، في غرفة طفله، بعد بحثه عنها في غرفتها والأماكن التي تتواجد بها، جالسة على فراش الصغير تصفف له شعر رأسه الكستنائي الجميل، والمربية تقف بالقرب تتابعهم، تحمحم ليلفت النظر إليه من الثلاثة، قبل أن يشير إلى المرأة لتخرج، وجلس هو بجوارهم ، داعب شعر الطفل يقبله اولا ثم وجه الحديث إليها:

- صحيت من النوم ملقتكيش يعني.

بشبه ابتسامة رمقته سريعا لتجيبه، وفرشاة الشعر ما زالت تمررها على راس الطفل:

- عادي يعني، صحيت بدري، قولت اجي البس عموري واعمله تسريحة تجنن عشان لما حد يسأله عنها في الحضانة، يقولهم مامي هي اللي عملتها، ولا ايه رايك يا قلب مامي؟

اومأ الطفل لها بابتسامة، لتميل عليه وتقبله من وجنتيه المكنتزين أمام زوجها الذي كان يطالعها رافعًا حاجبيه، وانتظر حتى انتهت وانصرف الولد ذاهبًا لحضانته، ليقول متهكمًا:

- عمار باينه انبسط قوي من التسريحة، أكيد النهاردة هيبقى يوم مميز في تاريخه. 

سمعت لتضيق عينيها بغيظ قائلة:

- مفيش داعي للتريقة على فكرة.

ضحك يزيد عليها ببروده قائلًا:

- أنا مبتريقش، انا بس مستغرب هرمونات الأمومة اللي هبت في يوم وليلة كدة.

هتفت بحمائية وانفعال، فقد بالغ في استفزازها بقوله:

- هرمونات! إنا مامة عمار حقيقي يا كارم، حتى لو مش لاقية الوقت الكافي اني اقضيه معاه، فدا برضوا ميدكيش الحق أنك تستهزأ.

اصدر صوت طقطقة ليداعبها بطرف سبابته يخاطبها بهدوء:

- ليه بس التنشنة والزعل، إهدي يا بيبي، دا انا بهزر معاكي.

لف ذراعيه حول خصرها من الخلف يقربها إليه متابعًا:

- يعني دا الحق عليا عشان قومت من نومي مشتاقلك، وفضلت ادور عليكي في الفيلا كلها واسأل الخدم لحد ما عرفت انك هنا.

مرر بشفتيه على جيدها المكشوف من فتحة بلوزتها الواسعة، وعلى رقبتها أيضًا يقبلها، حتى همس بجوار أذنها بإغواء:

- ايه يا قلبي؟ هو انا موحشتكيش؟ ولا انتي مش ملاحظة ان احنا بعاد عن بعضنا بقالنا ايام؟

حاولت فك تشنجها لتغتصب استجابة معه، وذهنها تدور به الأفكار بحيرة فتتسائل، كيف له أن يكون بهذه الحرارة معها، ويخونها مع امرأة أخرى؟ كيف لها أن تصدق كلمات العشق التي يلقيها على مسامعها، وذهنها مع المرأة التي خانها معها؟ ومن أين لها الإندهاش أو الحيرة؟ وهي لم تكن الاولى له، بل هو معتاد على ذلك من قبل حتى معرفته بها بزمن، تذكرت كلمات شقيقها ليتحفز عقلها في الاستفادة بأكبر قدر منه في الجانب الوحيد المتبقي لها، وهو المال

أنتزعت نفسها عنه فجأة ليناظرها باستغراب، فخرج صوتها بارتباك:

- اا بصراحة افتكرت دلوقتي ميعاد ميلادي اللي قرب، نفسي تبقى هديتك ليا اكبر من كل السنين اللي فاتت، انا عايزة مصر كلها تحسدني عليها.

ضيق عينيه باستفهام متسائلًا بعصبية:

- يعني عايزة ايه؟ جيبي م الاخر:

- عايزة يخت زي بتاع الممثلة اياها، ويتعمل فيديو وانتي بتقدمهولي وانزله على حسابي والمتابعين يشيروه في كل حتة.

تبسم يوزن بعقله طلبها الجنوني، وقد راقه العرض، يضحك عليها به وبنفس الوقت تكن دعاية هائلة له، حتى ينتشر اسمه كرجل أعمال ناشيء يقدم هكذا هدايا لزوجته، فيصبح الحديث عنه علكة في الأفواه، صغيرته الجشعة، من أين تأتي بهذه الأفكار؟

اومأ بضحكة متوسعة يجيبها:

- وهعزم في الحفلة اجمد رجال الأعمال في مصر كمان، ايه رأيك؟

هللت بمرح لتلف ذراعيها حول رقبته تبادله بلهفة مصطنعة جموح قبلاته البرية، لتشعل جنونه بها، فيزيد بضمها، ويده تزداد جرأة عليها، حتى إذا وصل إلى نقطة الا عودة، ابتعدت فجأة، ليطالعها لاهثًا بأعين توحشت بالرغبة، فقالت بدلال وقد قررت تعظيم استفادتها منه:

- حاجة تاني كمان، بس ياريت وحياتي عندك متكسفنيش.

لم يثنيها تجهم وجهه واشتعال عينيه، وقد بدأ أنه على حافة الأنقلاب للوجه الاَخر، فزادت على نعومتها بأن أراحت كفها على صدره، لتتمتم بالرجاء، وضعف الأنثى التي تصل إلى مبتغاها بحنكتها:

- عايزة ابني النهاردة يبقى معايا يا كارم، ارجوك يا قلبي ، تخلي مشوار مامتك ليوم تاني، انا زهقانة من كل حاجة، وعايزة العب مع الولد شوية، ممكن.


❈-❈-❈


بداخل غرفتها وهي تتناول شيئًا من خزانة الملابس  لترتديه من أجل المقابلة الثقيلة على قلبها، لكنها مضطرة لها،  واليد الأخرى تمسك بالهاتف على أذنها تتحدث به:

- يا ست مجيدة، الأمر دا كان واجب عليا أنا مش عليكي....... تشكري يا ستي، والله ما انا عارفة اودي جمايلك عليا انتي والست أنيسة فين؟........ حاضر حاضر مش هقول كدة.... عيوني هجيبها معايا، ماشي......

انهت المكالمة لتزرر أكمام القميص الذي ارتدته سريعًا ثم لمت  شعر رأسها كذيل حصان، لتسحب شهيقًا مطولًا، ثم أخرجته، قبل أن تتحرك مستعينة بالله، في ضبط أعصابها:

- يارب عيني وقويني،

خرجت منها قبل التحرك متجهة نحو الصالة؛ المنعقد بها الجلسة العائلية بقيادة عابد الورداني والذي ما أن رأها نهض عن كرسيه يتلقفها مهللًا:

- بسم الله ماشاء الله عليكي يا ست البنات، حمد الله على سلامتك يا بنتي.

اقتربت تصافحه بابتسامة مرحبة:

- الله يسلمك يا عمي، تشكر ع السؤال.

رد عابد وهو قابضًا على كفها، واليد الأخرى يتحدث بها بانفعال:

- سؤال ايه بس يا بنتي دلوقتي؟ انا كان نفسي اجيلك ع المكان اللي كنتي فيه واعمل الواجب بحق، واسألي اختك كام مرة انبه عليها وهي تقولي مينفعش الزيارة، ما كنتي قعدتي بين أهلك وناسك أحسن.

بابتسامة جانبية ساخرة خطفت نظرة بطرف عينيها نحو باقي الحاضرين، قبل أن تجيبه بمغزى:

- معلش يا عمي، ما هو لما الأرض تضيق علينا، لازم الواحد يدور ع المكان اللي يستريح فيه، حتى لو كان المكان ده مش بيته، مكدبش عليك، اصل اللي اتضحلي دلوقتي، هو ان الغريب أحن اوي من اللي بنفتكرهم قرايب وفي بيت واحد واكلين معاهم عيش وملح، منورين. 

قالت الأخيرة بقصد واضح وصل لأمنية ووالدتها التي بلعت ريقها باضطراب، وكأن دلوًا من الماء البارد سقط عليها، لا تصدق هذا القصف المباشر من شهد أمام زوج أختها، ووالد خطيب ابنتها، لتتبادل النظر بحرج مع شقيقتها سميرة والدة ابراهيم والذي كان جالسًا في جانب وحده يراقب بتجهم مضيقًا عينيه.

عابد والذي فهم عليها ليلقي بنظرة غاضبة نحوهن ونحو ولده ليقول بضيق:

- معلش يا بنتي، خلي أبيض وسامحي، دي مصارين البطن بتتخانق. 

- دي لما يكونو من بطن وحدة يا عم عابد، اقعد اقعد. 

قالتها لتجلس بثقة أمامهم، وقد وضح مقصدها جليًا ليزيد من توتر الأجواء، فخرج صوت سميرة بابتسامة زائفة تخفي احتقانها بالداخل:

- حمد الله ع السلامة يا شهد، الف بركة انك قومتي على رجليكي.

- الله يسلمك. 

قالتها شهد مقتضبة بابتسامة صفراء لتلتف برأسها نحو الرجل دون أن تعيرها أدني اهتمام:

- وانت عامل ايه بقى يا حج عابد؟ وايه أخبار صحتك.

- سيبك مني ومن أخبار صحتي، انا جايلك النهاردة وكلي عشم تقبلي وساطتي، ابراهيم جاي برجليه لحد عندك عشان تتصالحوا، دا احنا حبايب ونسايب، ولا إيه؟

سمعت منه لتنقل بنظرها نحو الاَخير تخاطبه:

- اهلا يا ابراهيم. 

- اهلا بيكي. 

قالها ليتابع بلهجة حادة:

- أنا جايلك النهاردة عشان دي الأصول، ابويا قالي تعالى معايا يا ابراهيم نصالح شهد، قولت وماله يابا، دا انا راجل ومن الواجب عليا اني اكون رؤوف مع اهل خطيبتي اللي بحبها، وكل اللي يجي من ناحيتها، خصوصًا بعد ما عرفت انك تعبتي، اتخانقنا مع بعض، مين الغلطان بقى خلاص مش مهم ، أنا راجل قلبي أبيض 

بشبه ابتسامة ساخرة، تطلعت شهد نحو شقيقتها التي افتر فاهاها ببلاهة لحديثه، ثم التفت إليه قائلة:

- كتر خيرك، ما انت بتفهم أوي في الأصول .

استشاط غضبًا لتقريعها الغير مباشر، لتشتد ملامح وجهه، وعينيه تطلق شررًا نحوها، فتدخل عابد يقول ملطفًا:

- ما انا قولتلك يا شهد، انا جايلك واسطة ما بينكم يا بنتي، دول شوية نكد، وبيحصل كتير ما بين القرايب. 

صدر صوت أمنية بغباء مدافعة:

- ابراهيم معملش حاجة، مش كفاية انه جاي بنفسه يصالحها........

- أسكتي أمنية.

هتف بها عابد مقاطعًا لها، ليحدجها بنظرة جعلت الخوف يشل أطرافها، التفت نحو إبراهيم تبتغي الدعم، ولكنه تجاهلها عن عمد، لتغلق فمها مضطرة بأعين دامعة شاعرة بالقهر، وتابع عابد بعدم اكتراث:

- ها يا شهد هتقبلي واسطتي؟

بابتسامة اعتلت ملامحها ردت بثقة تجامل الرجل لتزيد من غيظ الاَخرين:

- العفو يا عم عابد ، دا انا قابلة بالخطوبة نفسها عشان خاطرك، يبقى برضوا اكسفك في حاجة زي دي

هلل عابد بامتنان:

- حلاوتك وحلاوة لسانك اللي بينقط شهد يا شهد، انا بقول م الأول بت بميت راجل، الله يباركلك يا بنتي ويحرسك من كل شر، ويرحم ابوكي زين الرجال، يا خير ما خلف.


❈-❈-❈


أثناء عمله الميداني داخل الفندق، تصادف بها تسير بأحد الأروقة وقد عرفها من ظهرها، بخطواته السريعة وصل إليها على الفور يسألها:

- انتي جاية منين يا صبا؟

أجفلت لتكتم شهقتها قائلة بضحكة مكتومة:

- إنت كنت فين؟ وطلعت إمتى؟

تبسم باتساع لفعلها العفوي يقول:

- انا في كل حتى ممكن تلاقيني في الفندق، عملي متشعب ما انتي عارفة، المهم انتي كنتي فين؟

تحركت لتتابع سيرها وهو تحرك معاها، قبل أن تجيبه:

- أصلي كنت في المطبخ عند الشيف منصور.

- وروحتي المطبخ ليه بقى يا صبا عشان تقابلي الشيف منصور؟

سألها بحدة انتبهت إليها، ولكنها تغاضت لترد بلهجة هادئة، ولكن بحرج:

- بصراحة روحت اخد منه وصفة لأكلة نفسي اعملها، وخليته يجولي الطريجة، عشان كل مرة بتبوظ مني.

أثارت فضوله ليسألها باهتمام:

- أكلة ايه دي؟ مش انتي بتقولي ملكيش في المطبخ؟

بدلال فطري بطبيعتها الناعمة والخاصة في كل شيء، ردت تزيد من عذابه في القرب منها:

- ما انا بجيت ادخل دلوكت واحاول، بس بصراحة دايما بفشل، جولت لما اكلم الشيف يمكن يفيدني بشوية نصايح مع الوصفة اللي طلبتها منه.

- وفادك؟

سألها فردت:

- فادني طبعًا دا انا خدت ورجة وجلم، وفضلت اكتب كل كلمة من وراه وعبيت في النوتة كذا صفحة، وهو جالي تعالي كل يوم وانا هرد عليكي حتى لو شغال.

- متروحيش تاني 

قالها بحدة وبدون تفكير ، لتجادله معترضة:

- وليه بجى مروحش؟

فاجئته برفضها، وسؤالها المباغت له، فبماذا يرد؟ أيبرر بأسباب يخترعها من عقله؟ أم ايخبرها بالحقيقة، والنار التي تحرقه لمجرد ذكر إعجابها برجل غيره حتى لو كان بقامة وعمر الشيف منصور، فقال بمهادنة"

- يا صبا افهمي، الشيف منصور راجل جميل وزوق مع الناس كلها، وعمره ما يكسف حد، بس دا مش معناه اننا نستغل كرمه ونلهيه عن شغله، ثم تعالي هنا، هو المطبخ دا كان فاضي ولا كان مليان بمئات العمال والطباخين المساعدين. 

خرجت الأخيرة بانفعال لم يستطع السيطرة عليه، فتلعثمت هي ترد بخجل:

- هو فعلا كان مشغول جدا، بس عجبني اهتمامه رغم كدة، بس خلاص بقى مش مهم، هبجى اكلمه ع الوتس .

- انتي خدتي كمان نمرته؟

هتف بها بعصبية جعلت صوته يعلو في قلب الرواق المؤدي لغرفة عمله، وردت هي:

- أيوة طبعًا وفيها ايه؟ دا نمرته مشهورة ومعروفة اساسًا،  بس هو جالي، انا هرد على أي سؤال تبعتيه، ومش هتجاهل زي ما بعمل مع معظم المتابعين.

- ألشيف منصور قالك كدة؟

قالها وقد توقف فجأة عن السير، وتوقفت هي أيضًا لتجيبه ببرائة، غافلة عن النيران التي كانت تسري بجسده، كحمم سائلة تحرقه:

- ايوة طبعا وفيها ايه؟ دا راجل محترم وكويس جدًا.

قالتها لتطالع الجمود الذي تلبسه، وقد تسمر أمامها دون حراك، انفاس صدره تعلو وتهبط بتسارع مقلق، في محاولة قاسية لضبط النفس، يحجم نفسه حتى لا يحتد أو ينفعل عليها في الرواق وأمام المارة، وكيف له أن يفعل؟ وسحر عينيها يفقده صوابه واتزانه:

- مالك؟ ساكت ليه؟

سألته حينما طال انتظاره، ليعود إلى رشده يخاطبها بحزم:

- أمشي يا صبا أمشي، أمشي عشان وقفتنا هنا اساسًا متنفعش.

سمعت منه لتذعن لقوله بتفهم، كي تتحرك وتسبقه، فغمغم هو من خلفها:

- ماشي يا شيف منصور، حسابك عليا .


❈-❈-❈


في غرفة المعيشة وبعد انتهائهم من وجبة العشاء، على مائدة مجيدة التي كانت عامرة بكل ما لذ وطاب، ليأتي الدور الاَن على الحلو، بعدة اصناف صنعتها أنيسة مع طبق الفاكهة، وحديث بمودة صادقة لا يخلو من المزاح والعودة بالذكريات. 

- اهو انا بقى، مضحكتش كدة يا ست مجيدة بقالي زمن .

- يا حبيبتي ربنا ما يفرق جمعتنا عن بعض، انا وانتي يا أنيسة كان لازم نلتقي مع بعض من زمان، بصراحة بقى قلبي حبك من أول ما شوفتك .

- وانا كمان ربنا يديم المودة .

قالتها أنيسة لتتدخل لينا بسؤالها الفضولي:

طب انا من اول ما دخلت عندكم، وعيني وقعت ع بلكونة الصالة، وانا هتجنن واسألك، عن مشتل الزهور اللي ماليها، دا شكلهم يجنن.

ضحكت مجيدة بمرح لتنهض فجأة قائلة لها:

- تعالي معايا وانا اعرفك على جميع أنواعهم، دول ولادي اللي براعيهم بعنيا. 

تلقفت لينا الدعوة الكريمة بكل سرور لتنهض، فتدخلت رؤى بفعل طفولي:

- طب وانا، ما انا كمان عايز اشوف الورد وانقي واحدة منه.

جلجلت مجيدة ضاحكة، لتشير لها بيدها :

- تعالي انتي كمان معانا، واحلى وردة لأحلى رؤى 

ذهبت رؤى لتلحق بهن، فلم يتبقى سوى حسن وشهد وأنيسة التي أمسكت بجهاز التحكم لتُقلب على قنوات الشاشة الكبيرة حتى وجدت أحد الافلام وادعت المشاهدة بتركيز:

- ألله، الفيلم ده حلو اوي.

استغل حسن ليقترب بجلسته نحو شهد ليأخذ فرصته اخيرًا في الإنفراد بها:

- انا مبسوط اوي يا شهد انك قبلتي العزومة، لا يمكن تتصوري فرحتي بقعدتك كدة ع الكنبة جمبي وفي بيتنا دي تسوى عندي إيه.

ابتسمت بخجل وقد أجفلها بقوله، وصدق ما يردف يبدو جليًا على ملامح وجهه الوسيم، فحاولت الرد بلهجة عادية، لتتجنب الإنزلاق معه في حديث بدأ يتخذ منحنى اَخر:

- العفو يا بشمهندس، الكلام ده كان واجب عليا، لكن الست الوالدة بطيبة قلبها سبقت، بس ملحوقة، المرة الجاية عندي ان شاء الله 

وصله تجنبها الواضح لمقصده، فتبسم بضعف يتناول طبق الحلو يقول بإحباط بدأ ظاهرًا في نبرة الصوت:

- وأنا في أي وقت هلبي الدعوة يا شهد، حتى لو العزومة حصلت بعد الشغل ما بينا ينتهي.

- ربنا يبارك فيك. 

قالتها بحرج وابتسامة باهتة لتتناول طبقها هي الأخرى، تلهي نفسها بالتناول منه، قبل أن تنتبه على نداء مجيدة التي تركت الفتيات في الشرفة:

- ممكن يا شهد، تيجي معايا عشان عايزاكي في كلمتين.


تابع قراءة الفصل