-->

رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 24

 

 قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية وبها متيم أنا

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر



الفصل الرابع والعشرون



خجل!

يا إلهي، هذه كلمة قليلة للغاية لتعبر عما تشعر به الاَن، ام هو استغراب في غير محله؟ أن توضع في هذا الموقف، بدون ترتيب أو تمهيد مسبق.

أم هو فرح قد اتى مباغتًا لها؟ بعد أن هيئت نفسها للاستغناء عن متع الحياة في كل شيء، والمضي قدمًا في طريقها في عمل دئوب للحفاظ على إرث والدها، والحفاظ على شقيقاتها، من اطماع النفوس السيئة من الغرباء والأقرباء أيضًا،

متخذة هيئة الرجال في الملابس، وأفعالهم، حتى لا يظنها أحد أنها ضعيفة لاستغلالها، طامسة أنوثتها ورقتها القديمة خلف واجهة لقوة تدعيها وخشونة تحرص عليها، كحرصها على عائلتها وأسرتها، إذن أين ذهب كل ذلك؟


لماذا هذه الهشاشة التي تشعر بها أمامه، كعصفور مبتل، امام نظراته الثاقبة التي تخترقها، ضعف لذيذ ومراهقة تتفاعل مع كل همسة منه، لقد كانت منذ مدة قريبة تتشاجر معه، وتناطحه الرأي بالرأي، اما الاَن ورغم حنقها بما تورطت به على غير ارادتها، الا أنها لا تنكر هذه السعادة التي تجتاحها، دفء نظرته المحبة لها، أذابت بقلبها الجليد، لقد أعاد إليها أنوثتها.


بجلسة أسرية بامتياز، وحالة من المرح والمزاح الذي لا يتوقف، وكأن الجميع يعرفون بعضهم البعض منذ زمن طويل، مجيدة تتصرف بأريحية مع مسعود الذي فهم عليها من أول وهلة، فكان تعامله معها بتسامح وقد أعجبه فعلها، وزبيدة وابنتها كاسرة ثانية بعد أنيسة ولينا التي كانت كالبدر لتجبر هذا العنيد على اختطاف النظرة نحوها كل دقيقة.

- حج ابو ليلة، البنت بنتي والولد هو كمان ابني.

- يعني اطلع منها.

قالها بمشاكسة اثارت الضحكات لتهتف نحو زبيدة بعتاب معترضة:

- شوفي يا ختي الراجل عايز يمسك عليا كلام مقلتوش. 

ضحكت المرأة في الرد لها:

- بيناغشك يا ست مجيدة اصل شهد بنته هي كمان، ولا البشمهندس مجالكيش.

ردًا عليها تدخل حسن:

- لا طبعا قولتلها، دا عم ابو ليلة ده من قبل ما اشوفه وانا اسمع عنه، سمعته الممتازة في كار المعمار زي الطبل.

- ربنا يبارك فيك يا ولدي، وانتي كمان، لولا سيرتك الطيبة، انا ما كنت وافجت كدة طوالي ابدًا، والله لو كنت واد مين حتى، ما كنت هديك جواب، ولا أريحك غير بعد ما افصفص وادجج في تاريخك وتاريخ عيلتك من وراك كمان، ايوة امال ايه؟ دا أنا هديك جوهرتي الغالية، ولا يكون عندك اعتراض؟

- أنااا

صدرت منه وانتقلت عينيه نحو شهد، يجُهر بعشقه لها، بالفعل قبل القول:

- لو هي عندك جوهرة، ف أنا عندي الدنيا كلها، يعني حتى لو طلعت عيني،  كنت هتحمل عشان خاطرها.

- أيوة بقى يا بشمهندس، هندس ومزجنا معاك.

بشقاوة وجرأة هتفت بها لينا لتزيد من خجل العروس التي تخضب وجهها بالحمرة رغم وجود المساحيق عليه، ليرتفع كفها على أعلى عينيها، بفعل غريزي انساها شخص المقاول داخلها، فعقبت أنيسة بمكر،  ترافقًا مع ضحكات الجميع 

- كسفتي البنت يا مصيبة. 

تدخلت مجيدة بمغزى تقصده:

- معلش يا ست أنيسة، ما هي دورها جاي برضوا.

- يااااه، يدينا ويديكي طولة العمر يا طنت.

قالتها لينا بتفكه لتُثير التعليقات المستهجنة من المرأتين، وبعدم اكتراث منهما كانت تضحك وتناكف والدتها، غير عابئة بالنظرات المصوبة نحوها منه، وقد كان جالسًا بهيبته يتحدث بالطلب رغم فرحه بشقيقه، احترامًا لأهل المنزل الذي يدخله لأول مرة، قبل أن ينتبه فجأة مع الجميع على زغروطة غير متقنة على الإطلاق، أطلقتها رؤى بكوميدية.اثارت الضحك بصخب، فقد كانت خارجة من المطبخ تحمل فوق يديها صنية كبيرة من المشروبات الباردة لتضايف بها الحضور، وخلفها والدتها ابتسمت هي أيضًا تسايرهم، قبل أن تنضم بجوار ابنتها أمنية في جنب خاص، لا يعجبها ما يحدث وهذه الفرحة الطاغية، لأشخاص احتلوا مسكنها لينصبوا الفرح على حساب فرحتها هي.

- اعدلي وشك يا خيبة، متبقيش زي البومة كدة قدام الناس.

همست بها نرجس، وهي تلكزها بكوع ذراعها على خصرها المترهل، فكان ردها هو نظرة حارقة، لترد بالكز على أسنانها:

- أنا برضوا اللي بومة، ولا هي اللي ظالمة وقلبها اسود من الغيرة مني، اضحك ازاي ياما؟ وهي هتاخد كل حاجة حلوة بجوازة عنب، بشمهندس زي القمر وعيلة نضيفة طايرين بيها طير، وانا الغلبانة اللي رضيت بقليلي مع ابن خالتي، حتى مش هلاقي اللي يجهزني، بعد ما تغور وتسيبني. 

جزعت نرجس وانسحبت الدماء من وجهها، ف ابنتها الغبية على وشك فضحها، ابتلعت لتهمس بالضغط على شفتيها بغيظ اختلط برجاءها:

- امسكي نفسك يا بت الهبلة هتفضحينا، أجلي كل حاجة بعدين، وشي بقى في الأرض منك.

اعتدلت أمنية بجلستها لتردف بغليلها:

- ماشي ياما هسكت واعمل نفسي بضحك كمان.

صمتت برهة لتهمهم داخلها

- كدة كدة الليلة مش هتكمل اساسًا، ابراهيم وعدني. 


❈❈-❈


-  مدام رباب يا مدام رباب.

اجفلت على النداء من خلفها وقد كانت عائدة من الخارج بعد لقاء بأحد القنوات التي استضافتها لشهرتها،  بصفة بلوجر وكشخصية مؤثرة لفئة كبيرة من الشباب، التفت إلى صاحب الصوت باستغراب تسأله:

- ايوة يا حامد، بتندهلي ليه؟

تقدم الشاب الثلاثني بهيئته الرياضية كحارس تلقى افضل الدروس ليصبح فرد أمن مهم تستعين بها الشركات المختصة بتوظيف أمثاله، دنى برأسه نحوها يقول بصوت خفيض:

- انا أسف لو ازعجتك، بس اديكي شايفة اهو، رغم اني الحارس بتاعك، لكن مبقدرش اكلمك بحرف حتى، وعم كريم واقف زي اللقمة في الزور معانا  

- ايه!

تفوهت بها بعدم فهم، لتضيق عينيها بارتياب لأمره، فهم من نظرتها إليه توجسها منه، فقال يقطع عليها حبل افكارها المتهورة:

- انا عايزة اقولك على حاجة بخصوص مخاوفك إن  يكون في حد بيراقبك. 

ظهر على وجهها الاهتمام، ولكن ما زال احساس الشك يروادها، فجاء رده المباغت لها:

- انا شوفت واحد اظن انه هو اللي بيضايقك ويطاردك. 

- ايه؟ بتقول إيه؟

هتفت بها ولم تدري أن صوتها صدر عاليًا هذه المرة حتى لفت نظر اقرب حراس الفيلا، فرد هامسًا:

- وطي صوتك يا هانم، ولو انتي عايزة تفهمي القصة، ياريت بس حتة مختصرة شوية.

أومأت رأسها بتحفز، وتحركت أمامه ليتبعها حتى توقفا بجانب المنزل بالحديقة، لتبادره بالسؤال:

- ممكن بقى تفهمني، انت قصدك ايه؟.

مرر حامد بكفه الكبيرة على جانبي وجهه وعينيه تراقب في جميع الأنحاء حوله، ليرد بصوت حذر:

- شوفي يا هانم، عشان ابقى واضح معاكي، انا حاسس ان السواق بتاعك يعرف البني أدم ده. 

- عم كريم، ازاي يعني مش معقول؟

تفوهت بها بعد تصديق ليُضيف مؤكدًا لها:

- انا بقولك ع الشك اللي في قلبي، ودا مجاش من فراغ، انا عايز بس افكرك بمشوار الصبح لما روحنا نجيب المحروس الصغير، وانتي وقفتي فجأة وخلتيني انزل بسلاحي ادور.

- ورجعت قولت اني ملقتش حد.

ردت بحدة مع تذكرها لعودته دون نتيجة، ليزيد من احباطها، مع نظرات الامتعاض من السائق العجوز،  فجاء رده بدافعية:

- مظبوط يا هانم، انا قولت كدة وكدبت، رغم اني شوفت الولد بعيني، وهو بيجري قدامي ويختفى، عارفة ليه؟

طردت من صدرها زفير محملا بالغضب، بعد سماعها لهذه المعلومات الخطيرة من الرجل المفترض به حمايتها، لترد بنفاذ صبر:

- اخلص يا حامد، خلص وجيب من الاَخر،  أنا على اخري. 

اقترب برأسه منها مقربًا وجهه، قبل أن ينزل عينيه عنها ليردف بأسف زاد من دهشتها:

- أنا شوفت الولد ده كذا مرة قبل كدة مع عم كريم.

صعقت بذهول جعلها تتجمد محلها، أن تكتشف الخطر بهذا القرب منها، وتكون الخيانة من اقرب الأشخاص إليها، كان أكبر من قدرتها على التحمل، طاقة عنيفة هزتها، تماسكت بصعوبة حتى لا تترنح أمامه أو تقع، ولكن عقلها ما زال يعمل لتسأله بتدارك:

- وانا اتأكد ازاي من كلامك ده.

جاء رد الرجل بثقة واقناع:

- انا هحاول بكل جهدي عشان اكشفهولك، واكشف الولد ده كمان قدامك. 


❈❈-❈


بعد مشاورات ودية، تخلو من الشروط واللألتزامات وهذه الأشياء المعتاد التحدث عنها في هذه المناسبات الخاصة، وذلك لتساهل مسعود رغم حرصه على تعزيز العروس الغالية، وذلك بفضل مجيدة التي تقدم بمحبة خالصة كل ما في وسعها من اجل إنجاح الأمر، مبتعدة عن التعقيد والتزمت في المطلوب من العروس نحوهم، والتي أثبتت هي الأخرى حسن نيتها بموافقتها على السكن في منزل العائلة، رغم تخيرها في هذا الأمر، لتزيد من فرحهم، ويتم قراءة الفاتحة بينهم عن قناعة، حتى إذا أمم الجميع بانتهائها، اطلقت أنيسة زغروطة حقيقية معتبرة اهتزت لها اركان الشقة، لتصل الى سكان المبنى من الجيران، والمارة على الأرض في المنطقة. 

- لولولولولويييي.

هللت مجيدة بابتهاج غمر صدرها، لفعل المرأة التي اسعدتها بذلك:

- الله عليكي يا ست أنيسة يا قمر، أيوة كدة فرحي قلبي. 

أنيسة بزهو اختلط بفرحة كانت تنتظرها منذ زمن بعيد:

- هو انتي لسة شوفتي حاجة، دا كمان لما تيجي الفرحة الكبيرة، مش هتعرفي تلميني من الإزعاج اللي هعمله، وعد عليا، ما هوقف ابدًا دا انا نادراها.

- يا روح قلبي انتي، طب يالا بقى الله يرضى عنك يارب سمعيني وطربيني بواحدة تانية، دا انا حاسة قلبي بيهفهف معاها والله.

قالتها مجيدة لتنطلق الأخرى مصدرة واحدة اكبر من سابقتها. 

- لولولولولولولويييي.

تدخلت زبيدة بين المرأتين وقد استشعرت رغبة العريس في الانفراد بعروسه، وحرجه من البوح بذلك أمام زوجها:

- طب ويعني هو الفرح زغاريط وبس؟ اينعم هي حاجة ع الضيق، بس يعني مفيش مانع لما نشغل سماعة صغيرة حتى، دا احنا اهل بينا وبين وبعض، مش أغراب يعني عشان نستنى دبل ولا شبكة ولا ايه رأيك يا ست نرجس؟

باغتتها بالسؤال لتزبهل بعدم تركيز لبرهة من الوقت،  قبل أن تتدارك، لتنهض منتفضة، ملبية طلب المرأة :

- اه صحيح، دا احنا عندنا واحد في أؤضة أمنية، هروح اجيبه.

قالتها وركضت هاربة من اعين ابنتها التي كانت تطلق شررًا حارقًا، وقد اعتبرته عدونًا سافرًا على أشيائها، همت لتذهب من خلفها تمنعها، ولكن زبيدة اليقظة من خلفها انتبهت لتوقفها قبل أن تتمكن من الخروج من غرفتها، استني عندك يا أمنية، خدي يا حبيبتي الصنية وديها المطبخ.

لم تعطيها فرصة للاعتراض، وقد أعطتها ظهرها تهتف بالحضور، 

- يالا بينا يا جماعة، خلونا نهيص في الصالة ونسيب العرسان مع بعض شوية. 

سمعت مجيدة بحماس لتنهض ساحبه معه أنيسة والفتيات أيضًا، وتبعهم مسعود على مضض، ليجلس مع امين في ركن وحدهما في الصالة، وتلتف النساء والفتيات حول رؤى يصفقن لها بأيدهن بحرية، وهي ترقص بفرحها بينهن في الوسط، على الأغاني الشعبية السائدة


واختلت غرفة المعيشة على الخطيبين، ليكن اول فعل منه نحوها، هو تناول كف يدها ليقبل ظهرها، بعد أن جلس على الكرسي المقابل لها، قائلًا:

- شكرًا

تعقد ما بين حاجبيها باندهاش مرددة خلفه بتساؤل:

- شكرًا!

- أيوة شكرًا. 

قالها ليعاود مسك يدها مستطردًا:

- إنك قبلتي بيا، شكرا......  انك بقيتي خطيبتي، شكرًا........  إنك عطفتي على قلبي من جحيم الفكر ونار الشوق لرؤياكي، بعد ما بقيتي النفس اللي بتنفسه، الف شكر. 

رقة الكلمات باستشعار الصدق الذي تتحدث به الأعين،

يصل الروح بالروح،  القلب بالقلب، فيذيب الثلوج وينبت ازهار من الحب والعشق بين اثنين كانو غريبين، ليصبحو الاَن حبيبين.

لم تعرف بما تجيبه، لم يسعفها عقلها بجملة مفيدة، وقد 

أسرها بنظراته الصادقة وسحر ما يردف به، عاجزة عن الرد بما يستحقه، مشدوهة بهذا العشق الذي لطالما كذبت نفسها وادعت زورًا انه وهم في خيالها. 


- ساكتة ليه؟

سألها بتسلية لا تخلو من الرقة التي يغدق عليها بها، وكانت إجابتها مترافقة بهزة خفيفة بكتفيها، قائلة:

- مش عارفة، مش عارفة ارد، هو انت لدرجادي بتحبني يا حسن؟

تنهيدة طويلة بصوت مسموع خرجت من صدره بتأثر، ليستند بمرفقه على ذراع الكرسي المجاور له، ليميل برأسه على قبضة يده قائلًا لها:

- من غير ما احكي ولا ارغي يا شهد، انا عايزك بس تبصي في عيوني وانتي تعرفي اجابة سؤالك

هل هي في حلم؟ أم أن واقعها البائس قد تبدل من وقت ظهوره؟ هذا ما كانت تشعر به وبقوة معه، أسبلت اهدابها عنه بخفر، وافعاله تجبرها على الخجل بدلال تناسته منذ زمن، تحمحمت وأنظارها تتهرب منه، فخرج قولها الممازح باهتزاز:

- شغل عيوني بقى وتسبلي واسبلك، هو احنا فينا بقى من الكلام ده يا بشمهندس؟.

أطلق ضحكة مدوية اجفلتها، ورأسه يميل إلى الخلف لمدة من الوقت زادت من حرجها، وسعادتها أيضًا، وقد اطربت اسماعها لهذه الرنة الرجولية الخالصة بها، ليردف بابتهاجه:

- يعني مش عايزاني أسبلك يا شهد، طب اسبل لمين بس يا ربي؟ أسبل لمين؟

استطاع بخفة ظله أن يضحكها، لينزع عنها تشنجها رويدًا رويدًا، وقد بدأت الاَن تستوعب وضعها الجديد معه.


❈❈-❈


دفعت الباب الخشبي المتهالك، بعد أن فتحته بمفتاحها، لتلج داخل المنزل، عائدة من الحارج، حاملة بيدها العديد من الأكياس بالأشياء التي ابتاعتها، بعد أن اهدرت معظم الراتب الذي تحصلت عليه من عملها، ولم يتبقى سوى القليل، ليكفيها بالكاد كمصروف لها حتى اَخر الشهر، بلهاث امتزج بحماسها القت التحية على جدتها الجالسة على الاريكة الخشبية الوحيدة، ركبيتيها ملتصقة بصدرها، وقدميها على الخشب المثقل رغم قدمه، تشاهد باندماج مسلسلها المفصل في التلفاز الصغير على المنضدة الخشبية القريبة منها ومن الاَريكة:


- مساء الخير يا ستي عاملة ايه؟

لم تجيبها كالعادة وظلت على وضعها وهذا التركيز الشديد مع أبطال المسلسل وكأنها داخل عالمهم أو معهم على الأصح. 

بعدم اكتراث، أكملت مودة السير نحو غرفتها، فهذا الفعل من جدتها ليس بالجديد عليها، بل اليوم تستحسنه، حتى لا ترى ما جاءت به، ولكن وقبل أن تصل لغرفتها، حدث ما كانت تخشاه وانتبهت ال بالنداء عليها:

- ايه اللي معاكي دا يا مودة؟

إنتفاضة سريعة صدرت منها وجسدها يلتف اَليًا نحو جدتها، تمالكت لتجيب بصوت جعلته عادي:

- يعني هيكون ايه بس يا ستي؟ دا طقم جديد جيبته للشغل.

استقامت المرأة بجسدها النحيف كحفيدتها لتنزل بأقدامها على الأرض، تخطو نحوها وتقول بريبة، بنظرات الشك تظلل عينيها:

- الكياس دي كلها على طقم واحد؟ حاطة في الباقي ايه يا بت؟

كانت في الأخيرة قد وصلت إليها، لتمتد يدها نحو أحدهم تريد جذبه من مودة، والتي وعت لترتد سريعًا بما تحمله للخلف بعيدًا عن الأخرى، تجيبها بلجلجة:

- ااا ما انا جايبة معاهم جزمة كمان وكام طقم داخلي وعلبتين كريم عشان الحبوب. 

- كل ده جايباه؟

قالتها المرأة رافعه كفيها أمامها بتهويل وعدم تصديق، لتردف متابعة ببحة مفاجئة اصابت صوتها، وعينيها تتنقل على الأكياس بصدمة:

- يا بت الهبلة يا عبيطة، كل دي فلوس رمتيها في الأرض وعلى حاجات تافهة؟ طب جيبتي تمنهم منيين؟ اوعي تكوني سرقتيني يا مودة.

ابتلعت مودة ريقها وخطواتها ما زالت ترتد للخلف؟ لتجيب بدفاعية؟ وصوت يشوبه الارتباك:

- والله ما سرقتك يا ستي؟ دي فلوسي أنا اللي قبضتها من شغلي الجديد.....

توقفت فجأة وعينيها انتقلت على جسد المرأة لتقارعها باستدراك:

- وانا هسرقك ازاي صح يا ستي؟ وانتي لافة الفلوس حوالين على وسطك؟ بتنامي وتقعدي بيها، دا انتي بتستحمي بيها.

بحركة غريزية؟ نزلت المرأة بيدها على خصرها؟ تتحس لفة النقود من فوق قماش جلبابها المهترئ، وبعد أن اطمأنت بوجودهم، رفعت رأسها إليها، متجاهلة ذكرهم في الرد عليها:

- ويعني لما تقبضي يا بت الكلب؟ تصرفي فلوسك كلها ع اللبس والمسخرة؟ طب ومصاريف البيت والأكل والشرب، ولا انا هفضل طول عمري اضيع فلوسي عليكي.

باستنكار قارب السخرية رغم بؤس ما تردف به:

- هوني على نفسك يا ستي، وفري فلوسك اللي مغرقاني بيها دي، انا عاملة حسابي ومخلية اللي يكمل معانا الشهر، طب افرحك أكتر.

اضافت بصوت مقلدة طريقتها بالهمس خشية ان يسمعها احد الجيران كما تخبرها دائمًا:

- انا جايبة فرختيين بحالهم.

- فرختين!

- والله يا ستي فرختين وحطيتهم في فيرزير التلاجة كمان. 

كلماتها أتت بأثر السحر على المرأة؟ وقد تبدلت ملامح الغضب لأخرى بالشغف لأمر الفرختين، جرى ريقها، تشعر بقرص معدتها التي جاعت فجأة لتمرر بلسانها على شفتيها، تقول بتوبيخ يتعارض تمامًا مع هيئتها:

- يعني بخيابتك ضيعتي الفلوس على الهدوم والفرختين، دا بدل ما تحوشي ولا تحطيهم في جمعية عشان تجهزي نفسك.

بشبه ابتسامة لا تمت للبهجة بصلة، طالعت مودة بصمت هذه اللهفة الشديدة على وجه جدتها؛ لخبر الطعام الذي تحرم نفسها وتحرمها منه؟ ببخلها الشديدة وكنز القرش، ليوم لن يأتي ابدًا، ثم ما لبثت أن تفاجئها بقولها:

- طب انا جعانة اوي، وقاعدة مستنياكي من الصبح، اعملي أي حاجة ناكلها، ولااا، ولا حتى سوي حتة منهم دول نقسمها على بعض؟ على الأقل نستفاد بمرقتهم .

قالتها والتفت لتعود لمسلسلها وأريكتها، تتجنب النظر إليها بحرج، بإشفاق رغم كل ما تعانيه منها، أومأت مودة بهز رأسها مذعنة لها بطاعة:

- حاضر يا ستي، ادخل بس وادخل الحاجة اللي في إيدي ع الأوضة وراجعلك حالًا احضر عشا، عن اذنك. 


تابع قراءة الفصل