رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 28
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الثامن والعشرون
أماهُ،لم يأتي يوماً بمخيلتي أنكِ سترحلين باكراً وتتركيني أشكي مُر فقدانكِ المؤلم،لكني غفلتً أنك جميلةً،ونسيت أن الأشياء الجميلة دائماً تستعجلُ الرحيل
خواطر أيسل المغربي
بقلمي روز آمين
في الثُلث الأخير المتبقي من الليل بذاك اليوم الحزين
وبالتحديد أمام المخزن الخاص بشركة طارق المغربي،تم تحميل أخر صندوق بعربة البضائع التي تم إرسالها من قِبل رجال لمار،كانوا يتحركون بأريحية تامة بعدما أبلغهم الحارس بأن الكاميرات الخاصة بالمخزن متوقفة عن العمل مُنذُ أكثر من خمسة أيام وأنه قد أبلغ رأيسهُ بهذا وقد أخبرهُ الرجل أنهُ أبلغ المهندس المسؤول ووعدهُ أنه سيرسل إليه أحد العمال لدخولها إلي الخدمة مرةً أخري في اسرع وقت،ولكن يبدوا أنه غفل عن الأمر
بعد مدة تحركت السيارة مُحملة بالبضائع التي وصلت اليوم عن طريق الميناء التُجاري بعدما وضعوا بضاعة بديلة لها داخل المخازن
تحركت العربة تحت المراقبة الشديدة من قِبل كارم بذاته لتفادي أية أخطاء قد تحدث وتُفشل عملية المراقبة،وصلت العربة إلي أحد الأماكن المتطرفة نوعاً ما والتي تبتعد عن زحام المدينة ببعض الكيلو مترات لعدم إثارة الشكوك بهم،خرج الرجال وبدأوا في تنزيل البضائع من العربة وإدخالها إلي المخزن،تم وضع الهدف تحت المُراقبة الشديدة لحين البَت في أمرهم
داخل المخزن،وقف الرجال المسؤلون عن الحماية والتأمين وشرعوا في فتح الصناديق وإخراج ما بداخلها تحت حبور أحدهم الذي تهلل وجههُ وتحدث وهو مُمسك بأجزاءٍ لأسلحة نارية وأخري مواد تساعد في تصنيع بعض أنواع القنابل شديدة الإنفجار:
-الناس دي لو كانت قعدت عُمرها كله تجمع أجزاء الأسلحة اللي قدامنا دي ما كانتش هتوصل للأعداد دي كلها
عقب علي حديثهُ أخر بموافقة:
-ده كلام مظبوط،البضاعة تكفي لخمسين عملية تفجيرية من اللي بيعملوهم الجماعات دي علي الأقل،ده غير مواد تصنيع القنابل
واستطرد وهو يُقلب أحد العبوات وينظر للكتابة المدونة عليها:
-دي مواد تفجيرية شديدة ونادرة وغالية جداً
ضحك الثالث وتحدث بنبرة ساخرة:
-والله إبن المغربي ده صعبان عليا،هيلاقيها منين ولا منين،مراته اللي إندبحت إمبارح ولا دخول أكبر صفقة سلاح ومواد تفجيرية عن طريق شركة أخوه
واستطرد ضاحكاً عندما تذكر تلك الشُحنة التي إستبدلوها بأخري معبأة بأكياس من بودرة الهيروين المُجْرم دولياً واخذوا شحنتهم المحملة بالذخيرة المهربة:
-واللي هينهي علي وجودهم خالص هي بودرة الهيروين اللي حطناها في الأجهزة اللي المفروض أخوه إستوردها النهاردة ومتسجل دخولها بإسمه في دفاتر المينا
ضحك الأخر وتحدث شامتاً:
-أدفع نص عُمري وأشوف وش ياسين المغربي لما البوليس يطب عليهم في المدافن وهو بيدفن مراته وياخد أخوه ويتفضحوا قدام الناس كلها
هتف آخر متعجباً حديثهُ الشامت:
-اللي يشوف كُرهك للراجل ده يفتكر إنه قاتل لك قتيل يا جدع
أجابه بضيق:
-ده لو قاتل لي قتيل كان يبقي أهون عندي من وقف الحال اللي إحنا فيه ده بسببه
واستطرد شارحاً بإيضاح:
-ده أنا ليا تلات سنين مادخلش جيبي قرشين علي بعض بسبب رجالته اللي مطوق بيهم إسكندرية كلها،والداخلية بقت مفتحه عنيها وحاكمة البلد في قبضتها بسبب تقاريره الزفت اللي بيوديها لها هو ورجالته
هز الرجُل رأسهُ ونطق بموافقة:
-عندك حق يا جدع،ده لولا جماعة داعش دول وصلوا لنا ومدونا بالفلوس والرجالة اللي بتخطط لهم كان زمانا مُتنا من الجوع
تحدث أحدهم بنبرة جادة متحاشياً حديثهم الساخر:
-أبو فراس هيوصل كمان ساعتين من العريش هو ورجالته وهيجي المخزن علشان ياخد معاه البضاعة،عندهم عملية كبيرة قُريب ولازم يستعدوا لها من الوقت
والبضاعة دي كُلها هينقلها إزاي للعريش؟ هكذا سألهُ أحدهم،فتحدث الرجل بردٍ قاطع:
-لحد هنا وما يخصناش يا رجالة،إحنا اللي إطلب مننا نفذناه واللي بعد كدة شغلهم هما بقي
هتف أحدهم متسائلاً باستفسار قلق:
-طب وباقي فلوسنا يا كريم،هنضمنها إزاي بعد ما الناس دي تاخد حاجتها؟
عقب علي حديثهُ متعجباً:
-هي أول مرة نشتغل معاهم ولا إيه يا عاطف؟
واسترسل مؤكداً:
-الناس دي محتاجة لقلبنا الجامد أكتر ما أحنا محتاجين لفلوسهم الكتير
واسترسل مُطماناً إياهم:
-يعني عُمرهم ما هيفكروا يغدروا بينا علشان من غيرنا مستحيل يقدروا يتحركوا في شبر واحد فيكي يا إسكندرية
وافقهُ الجميع الرأي واستمرا في تفقد الصناديق وفرزها
❈-❈-❈
دقت الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت ألمانيا،كان يغفو بجانب صغيرتهُ بعدما خارت قواه واستسلم واقعاً صريع النوم بجانبها بعدما أُجهد عقلهُ وأُنهك جسدهُ من شدة التفكير فيما حدث وجعل من كيانهُ مُتزلزلاً،إستمع إلي إهتزاز هاتفهُ الموضوع تحت وسادتهُ فمد يدهُ وسحبهُ ثم نظر بشاشتهِ وجدهُ أحد رجال جهاز المخابرات المتواجد بدولة ألمانيا،بسط ذراعهُ باتجاه الكومود وقام بوضع الهاتف فوقهُ ثم حول بصرهِ ونظر علي تلك الغافية فوق وسادتها،دقق النظر فوق ملامحها المتألمة وتألم لعدم سلامها النفسي الظاهر من إنقباض ملامحها وأثار دموعها الجافة التي جعلت من جلد وجنتيها مشدوداً،حيثُ قضت ليلتها بصراخاتها الموجعة التي تُطلقها بين الحين والآخر جراء كوابيسها التي باتت تهاجمها طيلة الليل
تكرر رنين هاتفهُ مرةً أُخري لنفس إسم رجُل المخابرات فاضطر مُجبراً علي الإجابة وبمجرد أن ضغط زِر المكالمة وتحدث بنعم حتي إنتفضت تلك الحزينة وقامت فزعة تتلفت حولها بنظرات عيناها المرتعبة،فتحدث سريعاً وهو يُمسك بكف يدها بمؤازرة وتحدث بعيناي حانية لتهدأة روعها:
-إهدي يا بابا،أنا جنبك
نظرت إليه وبلحظة تذكرت ما حدث،كَمّ تمنت أن تفيق من غفوتها وتتحرك إلي الأسفل لتجد والدتها تجلس فوق مقعدها المُفضل المُطل علي الحديقة ككُل يوم وهي تتناول قهوة الصباح وتنتظر نزول إبنتها من الأعلي لتتناولا إفطارهما معاً قبل أن تذهب الاخري إلي جامعتها،فقد غيرت ليالي من عادة غفوتها لوقت الظهيرة ويرجع ذلك إلي تعليمات ياسين الصارمة لها لحثها علي مباشرة إبنتها والإشراف بنفسها والتأكُد من خروجها الأمن من المنزل بصُحبة إيهاب ورِجاله
كَمّ تمنت أن تستيقظ فتجد جُل ما حدث بالأمس ما هو إلا مجرد كابوساً مهولاً وانتهي بمجرد صحوتها وتعود لحياتها الوردية من جديد،ولكن متي الدنيا أعطتنا ما تمنيناهُ بسهولة دون وجع
نظرت لأبيها وتكونت دموعها من جديد وبدون مقدمات إنهمرت فوق وجنتيها عندما تذكرت حقيقة وضعها المُر،سحبها ياسين وضمها لأحضانه واردف قائلاً باستسماح للرجل:
-أنا أسف جداً،كمل حضرتك أنا سامعك
تحدث الرجُل عبر الهاتف متفهماً الوضع بعدما إستمع لصرخات صغيرتهُ المفاجأة قبل قليل:
-ولا يهمك يا سيادة العميد
واسترسل ليُعلمهُ:
-كنت حابب أبلغ حضرتك إن تشريح جثة الهانم إنتهي ومسؤول السفارة خلص كُل الإجراءات اللازمة
واسترسل بإبانة:
-إحنا في طريقنا للمطار مع النَعش والسفارة خصصت لجنابك طيارة خاصة،هتقوم بعد ساعتين بالظبط
واسترسل بإيضاح تحت تألم ونزف قلب ياسين:
-لحد ما سيادتك تجهز إنتَ وبنت سعادتك وتحصلونا علي المطار،هنكون خلصنا كُل التجهيزات والإجراءات الخاصة بوضع الجثة في الطيارة
بنبرة إنهزامية عقب قائلاً بموافقة:
-مسافة السكة ونكون عندك
تحدث المسؤول بنبرة مُترددة:
-ياسين باشا،كُنت حابب أبلغ حضرتك حاجة مهمة بخصوص تشريح جثة الهانم
إبتلع لُعابهُ عندما شعر بتلبُك الرجُل وطلب من الله الستر فيما هو أتْ وهمس بنبرة مُرتقبة:
-أنا سامعك
تحدث الرجُل لعلمهِ أهمية ذاك الموضوع لأية رجُل في ظروف ياسين وملابسات مقتل زوجته:
-التقرير الأولي للتشريح أثبت إن مفيش مخلوق لمس مرات سعادتك
واسترسل بإيضاح:
-أنا سألت الدكتور علشان عارف أهمية الموضوع عند سعادتك،وباقي نتائج التقرير هتظهر خلال إسبوع بالكتير
نزلت كلمات ذاك المسؤول علي قلبهِ الحزينِ كسيلٍ جارفٍ إجتاح أرضاً أصابها التشقُق من شدةِ جفافِها فأشبعتها وأروت عطشها الشديد،تحدث شاكراً بنبرةٍ خافتة:
-متشكر يا عصام بيه،مُتشكر أوي
أغلق مع المسؤول وبقلبٍ يإنُ وجعاً علي فقيدتهُ برغم إرتياحهُ الشديد لما علم،لكن سيظلُ وجع رحيلها وبتلك الطريقةِ البشعة حاضراً بذهنهِ ولم يغب مهما مر من العُمر،نظر لصغيرته الباكية وتحدث بنبرة خافتة:
-يلا يا حبيبتي علشان نتحرك للمطار
أردفت بعيناي دامعة مُترجية:
-بابي،أنا عاوزة أشوف مامي
نزلت كلماتها ودموعها علي روحهِ فاحرقتها واوجعتها بقوة،بصعوبة تماسك وتحدث إليها شارحاً:
-مش هينفع يا سيلا،ماما إتكفنت والنعش بتاعها في طريقه للمطار،وإحنا لازم نتحرك حالاً علشان هنركب معاها نفس الطيارة
هتفت مترجية بكلمات تُبكي الجماد:
-علشان خاطري خليني أشوفها لأخر مرة،أنا عاوزة أبوسها واحضنها وبس
نظر لها متأثراً فخانتهُ دموعهُ وانهمرت لأجلها فاسترسلت الفتاة بعدما أمسكت كفاه بترجي:
-وحياتي توافق يا بابي،خليني اشوفها للمرة الأخيرة
أفلت كفاه من بين راحتيها وبسط ذراعيه مقترباً من وجنتيها وبدأ بتجفيف دموعها واردف بإبانة زائفة:
-مش هينفع يا قلبي،إجراءات المطار صعبة ومش هيسمحولنا نقرب من التابوت
واسترسل متهرباً وهو يجفف دموعهُ:
-وأساساً علي مانغير هدومنا ونتحرك علي المطار هيكون الصندوق إتشحن في الطيارة ومش هينفع نفتحه
بكت الفتاة بحرقة ويأس فأخذها بأحضانة وبات يُربت فوق ظهرها بحِنو،ثم أوقفها وحثها علي تغيير ملابسها،دخلت الحمام واغلقت بابهُ عليها فخرج هو إلي الشُرفة وطلب رقماً وانتظر الرد،تحدث بنبرة جادة وملامح وجه كاشرة:
-عابد،عاوزك تتصرف بأي طريقة وتجيب لي كاميرات الأوتيل اللي حصلت فيه الحادثه
واسترسل بنبرة جادة:
-عاوز تفريغ كامل للكاميرات الخارجية للأوتيل وكاميرات المدخل وكاميرات الأسانسير والممر اللي فيه ال Suite اللي الهانم دخلت فيه
بملامح قاسية استطرد بإبانة:
-عاوز أشوف ملامح كل شخص إتقابلت عليه الهانم،من أول سواق العربية اللي وصلها للأوتيل لحد أخر شخص خرج من ال Suite
ولو إنه صعب لأن الشرطة الألمانية مش هتسمح لنا بده،بس هحاول يا سيادة العميد...جُملة هادئة نطقها ذاك الضابط المخابراتي المقيم بألمانيا مما تسبب في إستشاطة ياسين الذي تحدث بنبرة صارمة:
-مش مشكلتي يا عابد،إتصرف،أنا مليش دعوة بحججك دي كُلها
واسترسل بنبرة شديدة الصرامة:
-يومين هغيبهم في مصر وهرجع لك تكون جهزت لي كل اللي طلبته
وبنبرة حادة هتف:
-مفهوم كلامي يا عابد؟
وافقهُ عابد مضطراً لعدم إغضاب ذاك الحانق أكثر من ذلك
أبدلت الفتاة ثيابها وتحرك ياسين بجانبها تاركين المنزل تحت دموعها وتركها للمكان الذي شهد علي أخر لقاء جمعها بالحبيبة أمها،استقلا السيارة بصُحبة إيهاب ورجاله وبعض الحراسة التابعة لجهاز المخابرات المصري
وبعد حوالي الساعتان كانت تتحرك بجانب والدها المحتضنها برعاية واحتواء في طريقهما إلي صعود سُلم الطائرة،صعدت بجانبهِ علي متن الطائرة وما أن رأت نعش والدتها موضوع في مقصورة الرُكاب حتي هرولت إليه وخرت راكعةً علي ركبتيها، ثم ألقت بحالها فوق النعش وبدأت بالبكاء الحار وتحدثت والندم يتأكل من قلبها:
-سامحيني يا مامي،أرجوكِ سامحيني،كان لازم أمنعك بأي طريقة
تحرك ياسين وجلس بجانبها وقام بإحتضانها وبدأ ينظر علي النعش وتحدث بألم:
-نامي وإرتاحي في قبرك يا ليالي
ونظر في اللاشئ بعيناي حادة مخيفة لمن ينظر بداخلهما،وبفحيحٍ كالأفعي تحدث وهو يضغط علي نواجذه بشدة:
-وقسماً باللي خلق الكون وسواه،لكل واحد شارك في دمك يتحاسب ومش أي حساب،ده أنا هخليهم يتمنوا الموت من اللي هيشفوه وبرضوا مش هيطولوه
إنتبهت الفتاة علي حديث والدها فنظرت إليه وأردفت من بين دموعها:
-بابي،فيه حاجة إنتَ لازم تعرفها
حول بصرهِ إليها بتدقيق منتظراً تكملة حديثها فاسترسلت بإبانة:
-اليوم اللي مامي وعدت فيه الست اللي إسمها خديجة الراوي إنها هتحضر معاهم السهرة،أنا وقتها إعترضت وقولت لمامي إن تفكيرها غلط وإنها لازم تسمع كلام حضرتك وتلتزم بالتعليمات،مامي زعلت قوي مني وطلعت أوضتها
واسترسلت شارحة:
-بعد شوية إتضايقت من نفسي وروحت لمامي أوضتها علشان أعتذر لها عن إسلوبي السخيف معاها
وقبل ما أفتح الباب سمعتها بتكلم طنط لمار وتقولها دي خطة هبلة قوي يا لمار،وإيهاب لو اكتشفها وياسين عِرف مش بعيد يطلقني
واستطردت بنبرة خجلة:
-ما أعرفش ليه وقفت وسمعت باقي الحديث،مع إني عمري ما كُنت فضولية ولا كان طبعي إني أتصنت علي حد
واسترسلت مفسرة:
-جايز عملت كدة لأني كُنت خايفة علي مامي
كملي يا سيلا،سمعتي إيه تاني...نطقها بعيناي متلهفة لمعرفة المزيد فاكملت الفتاة:
-بعدها لقيت مامي بتقول لها إنها مكسوفة تطلب من خديجة تساعدها في الخروج من البيت،وبعدها قالت لها إنها هتكنسل الموضوع وتعتذر لخديجة لأنها خايفة إن حضرتك تعرف وتزعل منها،بس لمار فضلت تقنعها وطبعاً مامي إقتنعت
واسترسلت بإيضاح:
-أنا طبعاً ما أعرفش لمار كانت بتقولها إيه،بس كُنت بستنتج الكلام من ردود مامي عليها
واستطردت بإبانة:
-قفلت معاها وشكرتها واللي فهمته من كلامها إن مامي معاها خط غير اللي متسجل بإسمها وكلنا نعرفه،وكمان لمار معاها خط،بعدها مامي اتصلت بخديجة وطلبت مساعدتها وهي اللي بعتت لها الراجل بتاع العربية
وتحدثت متذكرة:
-اللي قدرت استنتجه من مكالمة مامي مع لمار والست اللي إسمها خديجة،إن فيه طلب مشترك الاتنين أصروا علي طلبه من مامي،وهو إن لازم تاخدني معاها السهرة دي
كان يستمع إلي صغيرته وكل ذرة من جسده تنتفض غضباً،ود لو يجمع جميعهم ويسحق عظامهم علي ما أقترفوه بذنب تلك التي لا تُبصر الأمور بدهاء والتي إنخدعت بمنتهي السذاجة وجعلت من حالها كـ دُمية ساخرة تتحركُ بيُسرٍ بين أياديهم ويقومون بتوجيهها كما يُريدون بمنتهي اليُسر
وما أشعل النار بصدرهِ وجعلهُ ككُتلةِ جمراً مُلتهبةٍ هو تأكُد شكهُ الذي أصبح يقيناً بعدما إستمع لحديث صغيرتهُ وتأكد بأن هؤلاء الحُقراء كانوا يبيتون النية بأن يجعلوا إنتقامهم أشد قسوةً عن طريق فلذة كبده
"نعم"كان يتيقن من وجود علاقة بين لمار وهؤلاء الخوارج المغيبين لكنهُ لم يأتي بمخيلتهُ أن تصل دنائتها حد إرسال زوجتهُ إلي الذبح بيدها
كان مظهرهُ يدعوا للذعر بهيئته المُخيفة تلك،إبتلعت الفتاة لعابها وتساءلت بنبرة مُرتبكة:
-بابي،هو أنتَ زعلان مني؟
هز رأسهْ نافياً فاسترسلت بعيناي متوسلة وشهقات متعالية:
-طب ممكن علشان خاطري تسامح مامي؟
أومأ لها بنعم ثم أخذ نفساً عميقاً ليُخرج بهِ كم النار الشاعلة بداخلهُ
❈-❈-❈
داخل منزل عز المغربي
كانت نساء العائلة تجتمعن بالداخل ينتظرن بدموعهن وصول نعش تلك التي قُتلت غدراً ببلاد الغُربة،أما بحديقة المنزل يجلسُ عز المغربي حول طاولةٍ مستديرة ويجاورهُ عبدالرحمن وولدهُ وليد وحسن المغربي وطارق وشقيقاي ثريا علي وفريد
دلفت ثُريا من البوابة الحديدية تتقدم مُني وهدي عاملات منزلها وكلاً منهما تحمل صَنية فوق رأسها محملة بأنواعاً من طعام الإفطار،سارت حتي وصلت لمجلسهم وتحدثت وهي تُشير إلي كِلتاهما:
-نزلوا يا بنات الصواني هنا وروحوا هاتوا باقي الأكل ودخلوه جوة عند الستات
إستمعتا الفتاتان الحديث وانزلتا ما تحملاه ثم تحركتا بالفعل إلي الخارج،نظرت ثُريا إلي الجميع وتحدثت بصوتٍ خافت وملامح وجه مُتأثرة وأثاراً فوق وجنتيها لدموع جافة:
-يلا يا جماعة إفطروا علشان تجهزوا قبل ما تطلعوا المقابر
أشار عز بيده وتحدث إلي الجميع:
-كلوا إنتوا بالهنا والشفا
مش هينفع اللي بتعمله ده يا سيادة اللوا،لازم تاكل علشان تُصلب طولك وتقدر تقف مع ياسين في اللي هو فيه...جُملة نطقتها وهي تقوم بتجهيز شطيرة من الخبز والجُبن وتناولهُ إياها بعيناي متوسلة واسترسلت:
-كل السندوتش ده يسندك
أردف فريد وهو يحث إبن عمهُ علي تناول الشطيرة من شقيقته:
-خد من أم رائف السندوتش وكله علشان القهوة اللي عمال تشربها من الصبح دي غلط علي صحتك يا عز
تنهد بأسي وبسط ذراعه وتناول منها الشطيرة وبدأ بتناولها بفقدان شهية،فتحدثت هي إلي طارق الجالس بتأثر وألم يعتسر قلبهُ علي شقيقهُ وصغاره وعلي إبنة خاله الشابة التي فقدت حياتها غدراً:
-مد إيدك وكل أي حاجة يا طارق
مش قادر أحط أي حاجة في بُقي يا عمتي،حقيقي مش قادر...نطقها بنبرة باهتة فتحدثت من جديد:
-ما ينفعش يا طارق،إنتوا طالعين المدافن وبعدها هتقفوا في العزا اليوم بطوله ويومكم هيبقي طويل يا ابني
تحدث عبدالرحمن بنبرة رحيمة:
-إدخلي إنتِ إرتاحي جوة يا ثُريا وأنا هأكله هو وعز
أومأت له ودلفت فتحدث عز إلي طارق بإهتمام:
-إبن أخوك فين يا طارق؟
أجابهُ بهدوء:
-في أوضته فوق مع عمته شيرين ومليكة ومروان
تنهد بقلبٍ مُحملاً بثقل الهموم من ما هو آت
أما بحديقة منزل رائف
كانت تجلس مقابلة بمقعد حبيبها ودموعها تنهمر بشدة وعدم التصديق سيد موقفها،تحدث بنبرة متأثرة:
-بطلي عياط بقي يا سارة،عيونك ورمت من كُتر العياط يا قلبي
مش قادرة أصدق اللي حصل يا رؤوف،معقولة طنط ليالي ماتت وخلاص مش هنشوفها تاني؟نطقتها بعدم إستيعاب واسترسلت بنبرة متألمة:
-طب وسيلا وحمزة،إزاي هيقدروا يكملوا حياتهم من غيرها؟
واستطردت وهي تهز رأسها باستكار:
-اللي حصل لمامتهم صعب،صعب قوي يا رؤوف
تنهد بأسي ثم عقب علي حديثها شارحاً:
-أكيد اللي حصل صعب ومش هيقدروا يتخطوه بسهولة،الله يكون في عونهم
واستطرد بإشادة:
-لكن ما تنسيش إن عندهم أب ذكي وحنين واكيد هيقدر يحتوي حزنهم لحد ما يعدوا الفترة الصعبة دي
❈-❈-❈
عودة إلي منزل عز،في مشهد يقبض الأنفُس حيث جلوس النساء بثيابهن بلونها شديد السواد وبكائهن ونحيبهن الذي تقشعر لهُ الأبدان،تجلس منال فوق الأريكة وتلقي برأسها للخلف ودموعها الصادقة تنهمرُ بغزارة من عيناها وجفونها المنتفخة من شدة تأثرها بالبكاء،تجاورها ثُريا التي تحدثت بنبرة هادئة وهي تُربت علي كف يدها ودموعها عالقة بعيناها:
-هوني علي نفسك يا منال،إنتِ ما بطلتيش عياط من إمبارح وكدة غلط علي صحتك
واستطردت بيقين:
-إدعي لها بالرحمة،نحتسبها عند الله من الشهداء بإذن الله
بكت منال بقلبٍ يحترق علي إبنة شقيقها التي كانت تتخذها كأبنة لها،عقبت إبتسام علي حديث ثُريا بموافقة:
-أبلة ثُريا عندها حق،حاولي تهدي شوية علشان الصُداع اللي ماسكك من إمبارح
أما قسمت التي تحدثت بإعتراض ودموع ساخنة حزناً علي إبنتها لكنهُ الطبع الغلاب:
-يا ناس حرام عليكم،مستكترين علي السِت تحزن علي مرات إبنها اللي راحت غدر وفادت غيرها بعُمرها؟
كادت إبتسام أن تعقب علي حديثها فنظرت إليها ثُريا في إشارة بعيناها حثتها من خلالها علي الصمت وبالفعل لبت،دلفت من البوابة سلمي صديقة مليكة التي علمت بالخبر بعدما انتشر وأتت لتأدية واجب العزاء،قدمت العزاء إلي جميع الموجودات ثم جلست ووجهت سؤالها إلي سُهير مستفسرة:
-هي مليكة فين يا طنط؟
بنبرة حادة وملامح وجه كاشرة هتفت قسمة متهكمة:
-مليكة فوق يا حبيبتي،الهانم إحتلت البيت من ساعة ما عرفت بخير موت بنتي وطالعة نازلة فيه من إمبارح وكأنه خلاص بقي بيتها،مش قادرة تصبر لحد ما المسكينة تندفن في تُربتها
واسترسلت بنبرة ساخطة:
-مش فاضل غير إنها تروح تلم حاجتها وتيجي ترصها في جناح بنتي علشان تمحي ذكراها خالص من البيت
إلي هُنا ولم تستطع سُهير أن تتمالك حالها وتحدثت بدفاع شرس عن إبنتها:
-بنتي مش خبيثة علشان تفكر بالشر ده يا قسمة هانم،مليكة لا جاية تاخد مكان حد ولا عُمر ده كان تفكيرها،مليكة بنت أصول ومتربية صح والعيبة ما تطلعش منها،والأصول بتقول إن عيلة جوزها في أزمة ولازم تقف معاهم ومع الولد المسكين اللي مبطلش عياط من إمبارح
واسترسلت بنبرة حادة لتظهر لها كَمّ تقصيرها:
-حفيدك الي ماشفتيهوش ولا حتي سألتي عليه من ساعة اللي حصل لأمه
رمقتاها قسمة وداليدا فاستطردت بتوضيح:
-وبعدين جناح إيه يا حبيبتي اللي بنتي هتحط عينها عليه وتيجي تسكن فيه؟
بتأييد عقبت راقية بهتافِ مرتفع:
-قوليلها يا سُهير يا أختي،بالعقل كدة إيه اللي يخلي مليكة تسيب بيت ولادها اللي يرمح فيه الخيل وتيجي تعيش هنا في أوضة
واستطردت بصفاقة:
-طب بلاش دي،بقي فيه حد عاقل يسيب سِت كُمل زي ثُريا وييجي يعيش مع منال؟
ثم نظرت إلي منال واسترسلت أسفة:
-لامؤاخذة يا منال يا اختي،الحق ما يزعلش،آه
لم تستمع منال لمهاترتها تلك وذلك لحزنها العميق وتفكيرها بتلك التي ذُبحت وأيضاً لقلقها علي نجلها وصغيرتهُ،أردفت ثُريا لتحث الجميع علي الإلتزام بالصمت منعاً لخلق المشاكل وإثارتها:
-خلاص يا جماعة،ملوش لازمة الكلام ده
هتفت سُهير عالياً بإعتراض:
-وهو يعني كلام الست قسمة اللي عمالة تلقحه علي بنتي من إمبارح قدام كل ستات العيلة،هو اللي ليه لازمة يا أم رائف؟
صمتت ثُريا لصحة حديثها،وهتفت داليدا بدفاع عن والدتها بنبرة شرسة:
-حضرتك مستكترة علي ماما إنها تعبر عن وجعها علي بنتها بكلمتين؟
رفعت سُهير أحد حاجبيها وتحدثت باستنكار:
-وهي لما تهين بنتي في الطلعة والنازلة يبقي كدة بتعبر عن حزنها يا داليدا؟
لوت راقية فاهها يميناً ويساراً وهمست لزوجة فريد صلاح التي تجاورها الجلوس:
-شوفي يا اختي البت وامها،قال بتقول لك وجعها،دي الولية ما نزلتش دمعتين علي بعضيهم علي بنتها
واسترسلت بإبانة ساخرة لكرهها الشديد لشخصية قسمة وتعاليها:
-طبعاً،تلاقيها خايفة تتفضح قدامنا،بالك إنتِ قسمة دي لو عيطت،الدهانات اللي علي وشها دي كلها هتسيح والألوان هتدخل علي بعضها،وساعتها أراهنك لو عرفتي تفرقي بينها وبين عزت البواب
وضعت المرأة كفها فوق فاهها لتكظم ضحكتها التي حضرت عنوةً عنها بعد حديث تلك المرأة الساخرة التي لم تكتفي بهذا القدر وكادت أن تُكمل لولا يُسرا التي تحدثت قائلة بتعقل وهدوء:
-خلاص يا جماعة بالله عليكم تسكتوا،كفاية اللي إحنا فيه،كُلنا موجوعين من إمبارح علي ليالي ومش مستوعبين اللي حصل لها،فلو سمحتوا نلتزم الهدوء إكراماً لروحها الطيبة،ليالي ماتستحقش إننا نقلب العزا بتاعها لحرب ومناوشات ونفرج علينا الناس
لوت راقية فاهها وتحدثت بنبرة تنظيرية:
-الحمدلله إن اللي موجودين كلهم ستات العيلة ومحدش غريب وسطينا،كنا إتفضحنا قدامهم وبقينا لبانة في بُق اللي يسوي واللي ما يسواش
إلتزم الجميع الصمت وبعد قليل صعدت سُهير بجانب سلمي لرؤية مليكة وشيرين وتقديم واجب العزاء إلي حمزة المتألم لفراق والدته والذي لم يغادر غرفتهُ مُنذُ علمهِ بالخبر،كانت شيرين تحتضن الفتي وتربت علي ظهرهُ بحِنو في محاولة منها للتخفيف عنه من تأثير الصدمة،أردفت سلمي بنبرة خافتة إلي شيرين:
-البقاء لله يا مدام شيرين
أجابتها بنبرة حزينة باكية:
-لا إله إلاّ الله،الدوام لله وحده
إقتربت سُهير من الفتي ثم وضعت كفها ومسحت به علي شعر رأسه وسألته بنبرة حنون:
-عامل إيه يا حبيبي؟
الحمدلله يا تيتا...نطقها بصوتٍ مبحوح نتج عن كثرة بكائهُ الذي لم ينقطع مُنذُ الأمس حينما عَلم بالخبر المشؤوم
ربتت مليكة علي كف الفتي وتحدثت:
-قوم يا حبيبي خد شاور وغير هدومك علشان تجهز وتتحرك مع جدك واعمامك
واسترسلت بإبانة:
-هدومك جوة في الحمام
أومأ لها وبالفعل تحرك لداخل الحمام وتحدثت شيرين بعدم استيعاب:
-أنا لحد الوقت مش مصدقة الخبر،معقولة ليالي يحصل فيها كدة،طب ليه وعلشان إيه يأذوا بني أدمة بريئة بالشكل البشع ده
عقبت مليكة بدموعها الحارة وهي تتذكر مشهد ليالي من وصف ثُريا لها والذي اخبرها بهِ عز:
-حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم،دول لا يمكن يكونوا بشر أو بيعرفوا ربنا،إزاي جالهم قلب يعملوا فيها كدة
هي أتوفت إزاي يا مليكة؟هكذا تسائلت سلمي فأجابتها شيرين بنبرة حادة وملامح وجه غاضبة:
-دبحوها اللي ما يعرفوش ربنا
شهقة عالية خرجت من سلمي التي وضعت كفها فوق فمها واتسعت عيناها بذهول،وقفت شيرين وتحدثت إلي مليكة:
-خلي بالك من حمزة لما يخرج يا مليكة وما تسبيهوش لوحده
واستطردت وهي تستعد للمغادرة:
-وأنا هروح أجهز نفسي علشان المفروض نتحرك علي المقابر بعد نص ساعة
أومأت لها فتحدثت سُهير بعد إنسحاب شيرين للخارج:
-روحي بيتك إرتاحي وخلي بالك من ولادك كويس
لا طبعاً يا ماما،أنا لازم احضر الدفنة علشان ياسين والأولاد،وعلية ومني وسارة هيقعدوا مع الأولاد...جُملة نطقها بإصرار فتحدثت سُهير من جديد بريبة:
-يا بنتي إسمعي الكلام،إنتِ موقفك حساس قدام الناس،ما تنسيش إنك ضرتها والناس ما بترحمش،مش هتسلمي من كلامهم ونظراتهم اللي زي الرصاص؟
أردفت سلمي باستياء:
-طنط عندها حق يا مليكة،ده كفاية الست اللي إسمها قسمة وكلامها اللي زي السِم
ماينفعش يا سلمي،ياسين مصدوم من اللي حصل واكيد مش كويس،ده غير أيسل والرُعب اللي شافته وهي هناك لوحدها يا حبيبتي،وحمزة
واسترسلت بدموعها التي نزلت تجري علي وجنتيها تأثراً:
-ده غير إني موجوعة قوي من اللي حصل مع ليالي وعقلي مش قادر يستوعبه،ليالي عمرها ما تعمدت تأذيني وكانت كويسة وطيبة وعفوية،وأقل تقدير مني ليها إني أحضر دفنتها وأدعي لها بالرحمة والمغفرة
تنهدت سُهير وتحدثت باستسلام:
-خلاص يا حبيبتي روحي،بس هنقف بعيد أنا وإنتِ علشان ما تحتكيش بحد ولا تسمحي لحد يتكلم عنك
وافقتها الرأي وبعد قليل خرج الفتي وتحرك بجانب مليكة إلي الأسفل وتأهب الجميع وباتوا في وضع الإستعداد ترقباً للتحرُك قاصدين المقابر لإستقبال جُثمان فقيدتهم