رواية رومانسية جديدة قلوب حائرة (الجزء الثاني) لروز أمين - الفصل 28 - 2
رواية رومانسية من روايات وقصص الكاتبة روز أمين
رواية قلوب حائرة
الجزء الثاني
رواية جديدة
تنشر حصريًا
على مدونة رواية وحكاية
قبل أي منصة أخرى
الفصل الثامن والعشرون
الجزء الثاني
❈-❈-❈
صعد عُمر إلي غُرفته لأخذ مفتاح سيارتهُ وبعض متعلقاته إستعداداً للذهاب إلي المقابر،وجد لمار تجلس القرفصاء فوق تختها وتهز جسدها بتوتر شديد لاحظهُ عُمر الذي تحدث مستغرباً جلوسها هُنا:
-إنتِ إيه اللي مقعدك هنا وسايبة ماما والناس تحت؟
تنهدت بأسي مُفتعل وتحدثت بتأثُر أجادت رسمهُ فوق ملامحها:
-مش قادرة اتحمل منظر طنط وحُزنها يا موري
واسترسلت بدموعٍ زائفة بصعوبة إستدعتها:
-ده غير إني مصدومة ومش قادرة أستوعب بشاعة قتل ليالي
أخذ نفساً عميقاً ثم تحرك إليها وجذبها لتسكُن أحضانهُ وقام بوضع قُبلة رقيقة بجانب شِفتها وتحدث بمؤازرة:
-أنا عارف إنك رقيقة وإن اللي بيحصل ده فوق إحتمال روحك البريئة،بس لازم تقفي مع ماَماَ وتثبتي لباباَ إني إختارت صح
تنفست عالياً وهزت رأسها بموافقة فتحدث وهو يلامس وجنتها:
-طب يلا يا قلبي علشان هنتحرك علي المقابر
إرتبك داخلها ولعنت بسريرتها ذاك الغبي الذي سيُفسد خطتها في الهروب من براثن قبضة رجال عز المغربي،وذلك بعدما هاتفها شخصاً مُنذُ الصباح وتحدث بنبرة جادة غامضة وأخبرها أن ثوبها الأسود التي شرعت في شرائهُ عبر موقع دار الأزياء خاصتهم بات جاهزاً وفي طريقهُ إلي التسليم عبر عامل التوصيل،واخبرها أيضاً أنهُ من المحتمل أن يكون الثوب واسعاً وذلك لعدم دقتها في إرسال التفاصيل الكاملة،وطلب منها عند حدوث ذلك يمكنها زيارة موقعنا علي أرض الواقع وسيقوم المصمم بظبط المقاس جيداً،فهمت مغزي إيصال الرسالة وشعرت بافراجة
تحدثت بنبرة خافتة مع رسمها الحُزن فوق ملامحها المتأثرة:
-مش هينفع أروح معاكم المقابر يا عُمر،مش هقدر أشوف لي لي وهما بيحطوها في قبرها ويرموا عليها التُراب
وضعت كفاها وخبأت بهما وجهها وتحدثت وهي تهز رأسها باستنكار مفتعل:
-مش هقدر مش هقدر
سحبها وأدخلها من جديد لأحضانه وتحدث مُهدءاً إياها بحِنو:
-خلاص يا حبيبتي خليكِ براحتك
وتحرك إلي الأسفل تاركاً إياها تأخذ أنفاسها وتستعد للفرار
تحرك سرباً من السيارات الفخمة المملوكة لعائلة المغربي وخرجت من الحي متجهة إلي المقابر الخاصة بالعائلة،بعد قليل كان الجميع يقفون في خشوعٍ تام لقدسية المكان،الرجال ينتظرون بقلوبٍ أسفة ويتقدمهم بالصف الأول اللواء عز المغربي ويجاورهُ لفيفاً من قامات جهازي المخابرات والشرطة وعلي رأسهم رئيس الجهاز بذاته الذي حضر لمؤازرة ياسين في محنته،والنساء تُبكِين بقلوبٍ نازفة علي تلك الشابة التي لاقت حتفها غدراً،تأهب الجميع حين وجدوا سيارتان خاصتان تقترب من وقوفهم تتبعهم سيارة تكريم الإنسان وتوصيلهُ لمثواهُ الأخير
وما أن توقفت السيارة ترجل منها ياسين من الباب الخلفي تاركاً إبنتهُ التي تجاورهُ الجلوس والتي أسرع إليها جميع نساء العائلة لمؤازرتها في فاجعتها
تحرك ذاك المتألم بعجالة متغاضياً جميع الحضور حتي وصل إلي السيارة التي تنقل جُثمان زوجتهُ،فُتح الباب بواسطة العاملون وما أن شرع ليمد يدهُ إستعداداً لحملها حتي وجد عشرات الأيادي الممدودة لمعاونته في حمل النعش،نظر أمامهُ وجد صغيرهُ الباكي وهو ينظر إلي الصندق والمرارة تملؤء حَلقه،وضع كفهُ حول عُنقه بمؤازرة ونظر داخل عيناه ليمدهُ بالقوة وطالبهُ بعيناه بالتحلي بالصبر والصمود،فهم الفتي رسالة والدهُ وهمَ بحمل النعش بمساعدة والدهُ وعمومته وجدهُ أحمد العشري الذي يتألم بشدة علي مقتل إبنته الشابة وبتلك الوحشية،تحرك الجميع حاملين النعش وتوجهوا به إلي مكان القبر
وما أن تحرك الرجال بالنعش حتي إنهرن جميع النسوة وتعالت أصوات شهقاتهِن الصادرة رُغماً عنهُن جراء بكائهُن الصادق وذلك لقدسية الموت ورهبتهُ لدي الجميع وحُزناً علي تلك الشابة
كانت تقف بجوار والدتها،تُبكي بمرارة وينتفص جسدها أثر شهقاتها المرتفعة وهي تشاهد ذاك المشهد المُهيب،عقلها لم يستوعب بعد،هل حقاً تلك الجميلة أصبحت جثة هامدة ترقد داخل صندوقاً محمولة علي الأعناق وباتت لا حول ولاقوة لها،رددت داخلها بيقين...كُلنا راحلون وسبحان من له الدوام
إنتفض قلبها عندما رأت حبيبها يحمل نعش تلك التي غُدرت ويُقابلهُ نجلهُ المُحطم ودموعه الساخنة وهي تجري فوق وجنتيه قُهراً علي والدتهُ التي لم يحالفهُ الحظ لرؤياها قبل رحيلها،بعد قليل وضع الجثمان إلي مسواه الأخير وما أن رأت أيسل الرجال وهم يغلقون القبر علي والدتها حتي إنهارت وبدأت بإطلاق صرخاتها الموجعة التي أدمت قلوب الجميع،هرول إلي إبنته وجذبها من داخل أحضان شيرين وداليدا اللتان تحاولتا التخفيف عن الصغيرة لكنها بالنهاية إنهارت وضلت تصرخ منادية بإسم والدتها
بعد قليل هدأت الفتاة وتحرك عز إلي ولدهُ واحتضنهُ بشدة وبات يُربت علي ظهره بمؤازرة وتحدث بنبرة حزينة:
-شد حيلك يا ابني،الله يرحمها ويجعل مئواها الجنة
أومأ لأبيه وتحدث بنبرة خافتة تدل علي فقدانهِ لقدرته:
-يارب،يارب
تحرك بجانب والده ليُلقي التحية علي رؤسائه ويتقبل مواساتهم،وذلك بعدما أحتضن عز حفيدتهُ وقبل جبينها بألم
أما مليكة فتحركت بجانب والدتها إلي الفتاة وتحدثت بدموعٍ مُنهمرة لم تستطع توقيفها:
-البقاء لله يا أيسل،قلبي عندك يا حبيبتي
كانت تبكي بإنهيار وعدم استيعاب للموقف داخل أحضان داليدا،وما أن إستمعت إلي صوت مليكة حتي شعرت بناراً شاعلة تقتحمُ جسدها بالكامل وبسرعة البرق حولت بصرها إليها ورمقتها بمقتٍ واحتقار ثم حولت بصرها للجهة الأخري متجاهلة وقوفها تماماً،مما جعل جميع النسوة الحاضرون يتهامزون ويتلامزون فيما بينهم وهن ينظرن علي مليكة وهذا ما جعلها تشعر بالأسف والخجل وشعور بالمرارة ملأ جوفها
بكت بمرارة مما إستشاط داجل سُهير وجعلها تُسندها وتحدثت وهي تتأهب للإنسحاب إلي الخلف:
-البقاء لله يا بنتي،ربنا يصبر قلبك ويُربط عليه
نطقت سُهير كلماتها سريعاً وانسحبت بإبنتها وتحدثت بنبرة لائمة:
-أنا نبهتك وقُلت لك ما تجيش علشان ما تحطيش نفسك في موقف بايخ،بس إنتِ ما سمعتيش الكلام وعندتي معايا وأدي النتيجة
كانت دموعها الحارة أبلغ رد منها علي ملامة والدتها وأيضاً تأثُراً لما حدث
❈-❈-❈
بنفس التوقيت داخل المخزن الخاص بالرجال التابعين للمنظمة،وقف الرجل يتطلع هو ورجاله بانبهار إلي الكَم الهائل من الاسلحة والمواد التفجيرية وتحدث بحبُور ظهر بَيِنّ فوق ملامحهُ القاسية:
-سَلمت أيامينكم يا إخوان،والله لتنالون شأناً عظيماً عِند الله ولتحصلون علي أعلي الدرچاتِ بالچنة بمشاركتكم المباركة لرِفعة راية الإسلام
نظر لهُ أحدهم وتحدث بنبرة ساخرة ليقينهُ التام أن ما يفعلوهُ جميعاً الله ورسولهُ منهُ براء:
-الجنة دي بقي أترك أمرها لربنا وإدينا إحنا اللي يخصنا وينفعنا في الدُنيا يا شيخ
ضيق الرجل عيناه غير مستوعباً فاسترسل الرجل وهو يِشير بأصابعه:
-الفلوس يا مولانا،الفلووووس
أخي الكريم،أتُفضل المادةُ اللعينة علي دخول الچنة ومچاورة الصالحين؟...هكذا نطقها بخباثة فهتف الرجل مُكرراً ما تفوه به مُنذُ القليل:
-ما قولنا الجنة دي بتاعة ربنا وهو اللي ليه الحق يدخل مين ويخرج مين
واسترسل بنبرة صارمة وملامح جادة:
-إحنا عاوزين فلوسنا يا شيخ الله يكرمك
تنهد الرجُل وتحدث بنفاقٍ:
-هداك الله يا رچُل وارشدك للصواب
ثم استرسل وهو يتحدث بنبرة جادة إلي أحد رجاله:
-يا عاصم،إجلب الحقيبةِ السوداء من السيارة وسلمها للرچال
السمع والطاعة أيها الأمير...هكذا عقب ذاك التابع وتحرك إلي الخارج وأتي بالحقيبة وسلمها للرجل الذي شرع في فتحها ونظر بداخلها علي النقود وتحدث بعدم رضا:
-بس ده مش المبلغ اللي إتفقنا عليه يا شيخ
أجابهُ بنبرة هادئة:
-هذا ما استطعنا جمعهُ الأن يا رچُل،ستحصل علي كامل المبلغ المتفق عليه خلال يومان فقط
سألهُ أحدهم بنبرة تشكيكية:
-وإحنا إيه اللي يضمن لنا إنك مش هتاخد البضاعة وتخلع وتاكل علينا حق عرقنا في العملية
نطق أحد العناصر التكفيرية قائلاً بنبرة صارمة:
-تأدب في حديثك يا رچُل ولا تنسي أنكَ تُخاطب الأمير
أشار من يطلقون عليه إسم الأمير إلي رجلهُ ليحثهُ علي الصمت وتحدث بإبتسامة خفيفة لا تُعبر عن الغضب الذي سكنهُ من إتهام ذاك الشاب له والتشكيك بذمتهْ:
-أتركهُ يا أباَ إسحاق،من الواضح انهُ يجهل مع من يتعامل ويتحدث
واسترسل مطمئناً إياه:
-إطمأن اخي الكريم،نقودكم ستصلكم بالوقت الذي ذكرتهُ،ولا تنسي أن كِلانا شريكان ولا يمكن لطرفٍ منا أن يخلف وعدهُ للأخر كي يضل التعاون مستمراً بيننا
وافقهُ الجميع الرأي لمنطقية حديثهُ وانهم بالفعل دائرة شر لن تكتمل إلا بوجود كلاهما،وبدأ الرجال بإخراج الصناديق وتحميلها بالشاحنة العملاقة واستقل الرجل سيارتهُ الخاصة مع أحد رجالة فتحدث الشاب مودعاً إياه:
-توصل بالسلامة يا شيخ
شكرهُ فسألهُ الرجُل مستفهماً:
-إلا قولي يا شيخ،إنتَ إزاي ماشي بالبلاوي دي كلها ومش قلقان لتتمسك بيها
فال الله ولا فالك يا اخي...نطقها بملامح عابسة ثم استرسل بإبانة:
-كل ما كان يبثُ القلق بداخلي هو إستيقاظ ياسين المغربي ورجالهُ،وهذا الأمر قد حُل بإزهاق روح زوجتهُ المتبرچة وانشغال ذاك الذنديق في قضية ذبحُها وانشغال ايضاً رجال الداخلية في التجهيز وحماية جنازة تلك الزوجة
واسترسل بايضاح:
-جميعهم الأن مجتمعون بالمقابر ليشدوا من أزر شريكهم بالكُفر،رچال الداخلية ورجال المخابرات وهذا هو الوقت المناسب لإتمام تلك المهمات وإنجازها،نخرج من الأسكندرية بسلام ولنا أعواننا من ساكني الصحراء ودارسيها والذين سيساعدنا أن نعبُر الطُرقات حتي نصل إلي العريش منتصرينَ بإذن الله
رفع الرجل حاجبهُ وتحدث بإشادة:
-دي الخطة مرسومة بالملي،تخطيط شياطين مفيش كلام
وما دخل الشياطين في الجهاد في سبيل الله يا رچُل؟إتقي الله فيما يخرچ من فمك...هكذا نطقها بحِنقٍ قبل أن ينطلق بالسيارة متجهاً إلي العريش
أما الرجل فضحك ساخراً وتحدث متهكماً:
-سبيل الله ولا سبيل الشيطان يا أعوان الشيطان
❈-❈-❈
عودة إلي المقابر
إقترب حمزة علي شقيقتهُ الباكية وما أن رأتهُ حتي خرجت من أحضان ثُريا الحنون وألقت بحالها داخل أحضان شقيقها وتحدثت من ببن شهقاتها بانهيارٍ تام:
-مامي خلاص ماتت يا حمزة،مابقتش موجودة معانا خلاص،قتلوها المجرمين
ربت علي ظهر شقيقتهُ وشدد من ضمتهِ لها وبات يبكي بإنهيار
بعدما تلقي واجب العزاء من الجميع وبدأ البعض في الرحيل،وقف يتلفت بعيناه باحثاً عنها،وجدها تقف بجانب والدتها مبتعدتان عن الجمع،نظرت عليه بعيناها الباكية فتحرك في طريقهُ إليها بقلبٍ حزين مُتألم،وقف أمامها ونظر لداخل عيناها فتحدثت وهي تتلمس ذراعهُ بحنان:
-البقاء لله يا باسين
لا إله إلا الله...نطقها بانكسار فتحدثت سُهير بمؤازرة:
-شيد حيلك يا ابني
اومأ لها وشكرها فانسحبت سُهير تاركة لهما المجال للتحدث فاردف بنبرة حنون:
-إيه اللي جابك وإنتِ تعبانة كدة يا مليكة
جيت علشان أشوفك وأطمن عليك إنتَ وأيسل...هكذا أجابته واسترسلت متسائلة بعيناي متألمة:
-إنتَ كويس؟
هز رأسهُ وتحدث بنبرة إنهزامية:
-لا يا مليكة،أنا مش كويس
تنهدت بأسي لأجله فاسترسل بإعلام:
-أنا أسف علشان مكنتش برد علي تليفونك
واستطرد بإيضاح:
-سيلا كانت جنبي ومكنش ينفع أكلمك قدامها،وأصلاً مكنتش برد علي أي حد
اومأت بعيناها وتحدثت بتفهُم:
-ولا يهمك يا حبيبي،أنا مش زعلانة منك،أنا زعلانة وقلقانة عليك وعلي الأولاد
هتعدي،إن شاء الله هتعدي...هكذا تحدث ثم استرسل وهو يحثها علي الذهاب إلي المنزل:
-يلا علشان تروحي مع شريف
واستطرد وهو ينظر إلي ملامحها الذابلة:
-شكلك تعبان ولازم ترتاحي علشان صحتك وصحة البنت ماتتأثرش
اردفت بتساؤل:
-طب وإنتَ مش هتروح علشان تنام شوية؟
أجابها بإبانة:
-أنا هقعد شوية مع حمزة وسيلا علشان ندعي لليالي
أومأت بتفهُم،تمنت لو أن بإستطاعتها لضمتهُ لداخل أحضانها وربتت علي قلبه الحزين لتُزيل ولو القليل من ألام روحهُ المُبرحة،وأثناء حديثهما هتفت داليدا بنبرة حقودة وهي ترمقهما بنظرات إحتقارية ومقتٍ:
-مش قادر يمسك نفسه شوية وميجريش عليها زي المراهق،للدرجة دي مش فارق معاه مراته اللي إتقتلت بسببه وبسبب شغله الزفت
واستطردت بنبرة غاضبة إستمع لها حمزة وأيسل التي نظرت عليهما بمقت:
-طب حتي لو مكنش بيحبها ومش فارق معاه موتها علي الأقل يحترم شكلها قدام الناس،دي لسة مقفول عليها قبرها من دقايق،الناس يقولوا عليها إيه؟
هتفت قسمة بدموع حارقة:
-الله يرحمك يا حبيبتي،أديكي سبتي لهم الدنيا كُلها ومشيتي علشان يرتاحوا ويعيشوا براحتهم
واسترسلت بنبرة محترقة:
-بس أنا مش مسامحة أي حد جه عليكِ،ربنا ينتقم من كل حد أذاكي وكان السبب في موتك،إن شاء الله يبقي مصيرهم كلهم نفس مصيرك وأسوء
أما راقية التي إستمعت لحديثهما لجلوسها وحيدة بالقُرب منهما،حيث ذهبت ثُريا ونجلتيها وشيرين وباقي النساء لتقُمن بقراءة الفاتحة والدُعاء لغاليهم الفقيد ووالدهُ وجميع راحلون أل المغربي ولم يتبقي سوي تلك الراقية،حيثُ قررت الجلوس علي المقعد لتريح ساقيها المتعبتان
أما منال فقد إنهارت واخذها طارق وچيچي واجلساها بالسيارة وعاد طارق للوقوف بجوار شقيقهُ في حين ضلت چيچي بجانبها لتهدأتها
هتفت راقية بنبرة حادة:
-جري إيه يا ولية إنتِ،إنتِ قاعدة تدعي علي الراجل ومراته عيني عينك كدة قدامي ومن غير خشي؟
أما انتِ ولية قادرة وبجحة بصحيح
بتقولي إيه يا بيئة إنتِ...جُملة تهكمية نطقتها داليدا وهي تنظر بإشمئزاز إلي تلك الراقية التي هتفت رادحة باستنكار:
-بيئة،هي مين دي يا بِت يا ملزقة اللي بيئة؟
ومالك بتبصي لي بقرف كده ليه؟
لتكوني فاكرة نفسك سِت بجد؟
فعلاً فلاحة...نطقتها داليدا بإشمئزاز فهتفت راقية بنبرة حادة:
-أجدع ناس يا عنيا،عايشين في خيرنا وعزنا وعمرنا ما مدينا إيدنا لأي حد
تحدثت قسمة بنبرة حادة وهي ترمقها بسخط:
-جري إيه يا سِت إنتِ،هو حد كان جه جنبك ولا وجه لك كلام ؟
هتفت قائلة:
-هو انتِ عاوزة تدعي علي الراجل ومراته وأسكت لك ولا إيه يا عنيا؟
أشارت بسبابتها إليها وتحدثت:
-إنتِ كنتي سمعتيني ذكرت أسم حد بعينه علشان تتدخلي؟
أردفت راقية بذكاء:
-وهو انتِ شيفاني غبية علشان ما أفهمش إنتِ بتلقحي علي مين؟
شششش،أنا اللي غلطانة علشان واقفة أتناقش مع واحدة بيئة زيك...هكذا تحدثت قسمة وهي ترمق راقية باشمئزاز وتقليل من شأنها فهتفت راقية بنبرة حادة وحديث لا يرتقي:
-هش هش،بتهشي نموسة ولا إيه يا ولية،إوعي تكوني فاكرة نفسك زايدة عني،لا يا عنيا فوقي،ده انتِ لولا البلاوي اللي ملطخاها في خلقتك دي والشد والنفخ كان زمان اللي يشوفك جنبي يفتكرك أمي
إكفهرت ملامح داليدا وقسمة وزفر الصغيران من تصرفات الجميع السيئة،تحرك ياسين سريعاً إلي مصدر صوتهم الذي بدأ يعلو تاركاً مليكة لحالها وتحدث مستفهماً:
-فيه إيه؟
هتفت قسمة بنبرة حادة وهي ترمق راقية بغضب:
-تعالي إبعد الست الجاهلة دي عني،بلا قلة قيمة
كاد الموضوع أن يتوسع لولا حضور ثُريا ويُسرا وأبتسام اللواتي اغلقن الموضوع وأخذن راقية وتحركن عائدين جميعاً إلي المنزل للإستعداد لإستقبال المعزيين
أحتضن ياسين صغيراه وجلس يتوسطهما يشاطرهما حزنهما علي والدتهما وحزنهُ أيضاً
سأل الفتي والدهُ بدموعهُ الحارقة:
-كان نفسي أشوفها قوي يا بابا،هتوحشني
قالها بتألم فاحتضنهُ ياسين وتحدث وهو يربط فوق ظهرهُ بمؤازرة:
-إدعي لها يا حمزة،إدعي لماما يا حبيبي
وأمسك بكتاب الله وبدأ بتلاوة أياتهْ لاجل روحها الطاهرة
وضعت الفتاة كفها فوق قبر غاليتها وأمسكت بين يداها حفنة من التُراب وحدثت حالها وهي تبكي بمرارة:
-أمي،حبيبتي وفقيدة روحي،يا من برحيلكِ جعلتي القلبَ ينزفُ بلا توقُفِ،لقد هُدم الكيانُ برحيلكِ غاليتي،لما استعجلتي الرحيلُ جميلتي،لقد خلفتِ برحيلك الأحزان والألام
واسترسلت لائمة:
-ألم تتعهدي لي بأنكِ لن تتركيني وستظلي بجانبي،لما نقدتي بوعدكِ أماه،كيف رحلتي ومازال لدينا قصصاً لم تُكتمل بعد
واسترسلت بذهول:
-أحقاً لم يعد بإستطاعتي أن أراكِ مجدداً؟
وحُضنكِ،ألم يعد مسموحاً لي الإرتماء داخلهُ والتدلُل عليكِ،أااااهٍ غالية قلبي
لا أخفيكِ سراً حبيبتي،برغم عدم رعايتكُ الكاملة لي ولاخي،إلا أنني كُنت دوماً أراكِ بعيني أماً رائعة بين الأمهات،بل كُنتُ أراكِ أفضلهُن علي الإطلاق
أماهُ،لم يأتي يوماً بمخيلتي أنكِ سترحلين باكراً وتتركيني أشكي مُر فقدانكِ المؤلم،لكني غفلتً أنك جميلةً،ونسيت أن الأشياء الجميلة دائماً تستعجلُ الرحيل
واسترسلت بدموعها:
-وداعاً غاليتي وإلي أن نلتقي
❈-❈-❈
بنفس التوقيت داخل منزل اللواء عز المغربي
إستغلت لمار خلو المنزل من الجميع حتي من العاملات اللواتي نظفن المنزل سريعاً ودلفن لداخل المطبخ لتحضير اللازم من طعام وتنظيف الأواني التي كّن يُقدمن من خلالها القهوة للمعزيات وتجهيزها لتقديمها مرةً أخري
دخلت المكتب الخاص بعز المغربي وتسحبت بحذرٍ تام ثم قامت بتغطية الكاميرا الموجودة عن طريق تلك العصا الأبنوسية الخاصة بالحاج محمد والد عز والذي وضعها بالمكتب كتذكار غالي من والدهُ الحبيب،وضعت فوقها قطعة من القماش ورفعتها للأعلي وقامت بتغطيتها للتشويش دون ظهورها أمام الكاميرا حتي لا يُكشف أمرها،وبرغم قدرتها علي تهكير نظام الكاميرات وتعطيلها إلا أنها فعلت هذا كي لا ثُثير شكوك عز، متأملة مرور الموضوع علي عز وعدم مراجعتهُ للكاميرا نظراً للظروف الراهنة وبذلك يتم مرور الموضوع دون ملاحظته تغطية الكاميرا لمدة ثواني بدلاً من توقف النظام بالكامل
هرولت إلي سطح المكتب الخشبي وقامت بزرع جهاز التصنُت بأسفله ونزعت الغطاء عن الكاميرا من جديد واعادت كل شئ كما كان،وخرجت سريعاً من الحُجرة ومنها إلي الدرج التي صعدتهُ بارتياب وهرولة حتي وصلت إلي حُجرة ياسين وقامت ايضاً بزرع الجهاز أسفل الكومود وتحركت إلي الخارج
تفاجأت بوجود العاملة عفاف تتحرك داخل الممر فارتبكت عندما نظرت لها العاملة بتعجُب،بأسي تحدثت مبررة بعدما إستدعت حزنها:
-دخلت الأوضة أشوف ذكريات ليالي
واسترسلت باستياء وهي تهز رأسها:
-أنا بجد مصدومة ومش قادرة أستوعب اللي حصل لها
أومأت لها العاملة وتحدثت:
-ربنا يصبرك يا مدام
هزت رأسها بأسي ثم أنزلتها تتطلع إلي الأسفل بصدمة،رفعتها من جديد بعدما إستمعت لإحدي العاملات الفلبينيات تتحدث:
-مَدَام،عُزت بواب يقول إن فيه واحد راجل مستني حضرتك في جنينة
راجل مين ده؟نطقتها بتخابُث فأجابتها العاملة:
-أنا مش عارف مَدَام،تقدر تسأل عزت هو واقف تحت مستنيك
نزلت وجدت عزت الذي أخبرها بوجود عامل التوصيل الذي أتي بالثوب،فخرجت إليه بعدما منعوه الحرس من الدخول واخذوا منه الصندوق وقاموا بتفتيشهُ جيداً وتأكدوا من خلوهِ من أية مخالفات
تحدثت إليه أمام الحرس بعدما اخذت منهُ الصندوق إكمالاً لخطتهِم:
-خليك مكانك لحد ما أقيس الفستان علشان لو طلع المقاس مش مظبوط هرجعه
أومأ الرجل بموافقة،بعد مرور عشرة دقائق فقط خرجت إليه حاملة حقيبة يدها الخاصة وتليها العاملة تحمل الصندوق وتحدثت هي بنبرة حادة غاضبة:
-إيه المقاس ده يا بني آدم إنتَ،الفستان واسع جداً ومهبل عليا، تقدر تقولي ألبس إيه أنا في العزا؟
واسترسلت بمقتٍ شديد:
-مش كفاية إني ما رحتش الدفنة علشان حضراتكم إتأخرتوا
تحدث الرجل بتلبُك مصطنع:
-يا هانم أنا مليش ذنب في كل ده،أنا حتة عامل بسيط ووظيفتي أوصل البضاعة للذبون
أغمضت عيناها وزفرت بقوة ثم تحدثت:
-مفيش حل غير إني أروح معاك الاتيله بنفسي علشان المُصمم يظبطهولي كويس
أردف كبير الحرس باعتراض هادئ:
-مش هينفع تخرجي يا هانم،الحل إن حضرتك ترجعيه وتدي له المقاسات الصحيحة ويرجع تاني للترزي يعدلهولك ويجيبه لحضرتك
هتفت باعتراض حاد وهي تنظر إلي العامل بحِنق:
-وأنا لسة هستني لما سيادته يروح ويرجع لي تاني،وبعدين ما أنا اديت للدار المقاس مظبوط إمبارح وبردوا ما اتظبطش،ده غير إن الناس دي مش ملتزمين بمواعيد التسليم
واسترسلت وهي تتأهب للخروج:
-أحسن حل إني أروح لهم بنفسي ويظبط لي الفستان وأنا لبساه،وأفضل معاه لحد ما يخلصه وألبسه وأرجع بيه
واسترسلت وهي تُشير إلي ثوبها التي ترتديه:
-الناس قربوا يوصلوا والستات هتيجي تعزي ومش هينفع أقعد في وسطهم بلبس قديم بالشكل ده
بعد مجادلات ومحايلات بينها وبين رئيس الحرس تحركت بجانب العامل مستقلة سيارتها وقادتها إلي أن خرجت من السياج الخاص بحي المغربي،تنفست براحة ثم نظرت من خلال المرأة علي إنعكاس صورة ذاك الجالس بالمقعد الخلفي والذي تحدث مبتسماً بحبور:
-حمدالله علي سلامة خروك الأمن يا مدام لمار
إبتسمت له غير مصدقة وتحدثت بسعادة بالغة:
-الله يسلمك
واسترسلت متسائلة بتلهُف:
-أنا هرجع لندن أمتي؟
أجابها بهدوء:
-طيارتك هتقوم الساعة 9 بالليل قبل ما يكتشفوا غيابك، هتسافري بالباسبور الجديد اللي المنظمة طلعتهولك
واسترسل شارحاً وهو يحدثها عن والديها اللذان سبقوها بالأمس علي بريطانيا:
-الفلوس اللي إتفقنا عليها وصلت لوالدك ووالدتك والأمانة كمان وصلت عندهم من إمبارح بالليل
أخذت نفساً عميقاً وزفرته بارتياح وسعادة،وجدت سيارة تصطف علي جانب الطريق فتحدث الرجل:
-إركني علي جنب
أوقفت السيارة جانباً وترجل كلاهما وتحركت سريعاً حاملة الصندوق التي جمعت به كل مجوهراتها النفسية وأشيائها الثمينة التي أهداها لها ذاك المغفل المسمي بعُمر المغربي أثناء سنوات زواجهما الثلاث
حمل عنها الرجل الصندوق وقام بوضعهِ بالسيارة ونزل رجلاً من السيارة ليستقبلها بنفسه وتحدث بإبتسامة إنتصار:
-مش قُلت لك إننا عاملين حساب كل حاجه ومخططين لها كويس قوي
جحظت عيناها من شدة سعادتها وقفزت مهرولة لذاك الشخص وتحدثت بذهول وهي تُمسك كفاه:
-عزيز،إنتِ وصلت مصر إمتي؟
أجابها بابتسامة خافتة ويرجع ذلك لشخصيتهِ الجادة الغامضة:
-من يومين يا لمار،المنظمة بعتتني علشان أأمن خروجك بنفسي
وتحدث بمداعبة:
-علشان تعرفي حياتك مهمة قد إيه عندنا
بعيناي عاتبة تحدثت:
-يعني كُنت بتكلمني إمبارح وانتَ جنبي وما قولتليش برغم رُعبي؟
بجدية أجابها:
-الأوامر اللي عندي مكنتش تسمح بإني أقول لك
واسترسل بعجالة وهو يتحرك إلي باب السيارة:
-يلا إركبي بسرعة علشان نوصل القاهرة قبل الدنيا ما تليل
إستقلت السيارة مع الرجلان وتركت سيارتها وتحرك عزيز سريعاً ثم نظر إليها قائلاً:
-الجماعة اللي شغالين مع المنظمة صرفوا لك مكافأة حلوة قوي هدية منهم علي نجاحك الباهر في العملية
تهلل وجهها بسعادة ونظرت للأمام وابتسمت بحبور حين رأت مستقبلها الباهر الذي ينتظرها لتحقق به جميع ما تمنت وحلُمت
يُتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة روز أمين من رواية قلوب حائرة (الجزء الثاني) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية