-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 16 -2

 

  رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل السادس عشر

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈



خرج عمران من ذلك المختبر التابع للمشفى الخاص بإجراء جراحات الحقن المجهري وتأخر الإنجاب وما شابه ، يكاد لو يفتك بزوجته ، والتى أتخذت حذرها منه وجلست فى الخارج لحين إنتهاءه ، لعلمها بأن ما أن يملى عليه الطبيب تلك الخطوات ، التى سيتبعها لإجراء تلك الجراحة الخاصة بالإنجاب ، ستراه خارجاً إليها كمارد الجن ، خاصة وأن عمران ربما سيرى بأنها زادت قليلاً فى مطالبها وأن تجعله يخضع لأمر كهذا ، وهو بإمكانه تأدية تلك المهمة بسهولة ، إذا أعطته هى الفرصة المناسبة وعادت إليه ولمنزله وتعود حياتهما طبيعية و لما كانت عليه من أمور الحب والشوق بين الزوجين ، فأن يتم إجباره على أن يرى أول أطفالهما جاء نتيجة لجراحة بحتة باردة ، يتلقى بها الأوامر من الطبيب ، سيجعله ذلك عصبى المزاج وربما ستعود وتطفى طباعه الهمجية على سطح علاقتهما من جديد ، ولكن رغم أن عقلها لم ينفك عن التفكير فى رد فعل زوجها ، إلا أنها رآته يقترب منها بهدوء ولا يبدو على وجه ملامح الإنزعاج أو الإستياء ، بل إنه جلس بجانبها وأخذ كفها الرقيق بين يديه ، وظل صامتاً بضع لحظات 


وبعدما نجح فى إخفاء ضيقه مما حدث له منذ قليل ، إبتسم لها قائلاً بمرح :

- أدينى عملت اللى أنتى عيزاه أهو يا ميس يلا بينا بقى نروح ، الدكتور قالى هيتصل بيا لما نتيجة التحاليل تطلع ، وكويس أن معملناش كده فى مستشفى عمك راسل كانت فضحتى هتبقى بجلاجل 


عقدت ميس حاجبيها الأنيقين وردت قائلة بهدوء:

- فضيحة ليه بقى ، ما فى ناس كتير بتعمل عملية الحقن المجهري دى عادى 


نهض عمران عن مقعده وجذب يدها ليجعلها تترك مقعدها هى الأخرى فرد قائلاً بعصبية طفيفة :

- دا لما يكون الخلفة بالطريقة الطبيعية مستحيلة ، لكن أنا ولا أنتى كنا محتاجين نعمل كده ، أنا وافقت بس علشان خاطرك وعلشان تبقى مرتاحة 


حاولت جذب كفها من بين يده ، إلا أنه شد عليه بلطف ، خاصة بعد أن رآى بوادر إمتعاضها مما سمعته منه ، فوضع يدها تحت ذراعه ليجعلها تتأبطه ليخرجان من المشفى ، فنظر إليها قائلاً بإبتسامة :

- يلا بينا وبلاش تزعلى بسرعة كده ، أنا بفضفض بكلمتين معاكى ، ويلا نروح بيت جدك حابب أقابل إبن خالك عاصم لحد دلوقتى مشوفتوش ولا أتكلمت معاه


سارت ميس بجواره وهى صامتة ، حتى وصلا لسيارته ، فجلست بالمقعد المجاور لمقعده وهى مازالت تشعر بالتخبط والحيرة أكثر من ذى قبل ، كأنها عاجزة عن إتخاذ قرار صائب بحقها وحق زوجها ، ولم تنتبه أنها أخذت وقتاً طويلاً فى التفكير ، إلا بعدما رآت سيارة زوجها تعبر البوابة الكبيرة لمنزل عائلتها 


ترجلت من السيارة ووجدت أدم و عماد جالسان فى الحديقة ، فتقدمت منهما قائلة وهى تشير لزوجها :

- هاى ، ده عمران جوزى يا أدم 


ومن ثم أشارت لأدم مستطردة :

- وده يبقى أدم اللى حكيتلك عنه يا عمران وصاحبه عماظ


تصافح أدم وعمران ومن ثم صافح عماد وجلس برفقتهما بينما ذهبت ميس للداخل ، وظل ثلاثتهم يتجاذبون الأحاديث فيما بينهم ، حتى رآوا راسل عائداً من مشفاه مبكراً ، فأقترب منهم وربت على كتف عمران متسائلاً:


- هى فين مراتك زوغت من المستشفى ومحدش عارف هى راحت فين 


أجابه عمران بتفكه بعدما رفع وجهه له ليتسنى له أن ينظر له بتمعن :

- هى كانت معايا ، كنا فى مشوار مخطوبين بقى وبنزوغ من ورا أهلنا 


ضحك أدم على ما قاله عمران ورد قائلاً بإبتسامة:

- حلو جدااا أن الزوجين يحاولوا يغيروا من نمط حياتهم علشان الملل 


نظر إليه راسل من رآسه لأخمص قدميه ودون أن يكلف نفسه عناء قول كلمة أخرى ، كان ذاهباً للداخل ليرى هل زوجته عادت من الخارج أم لا ؟


صعد الدرج حتى وصل لغرفته ، ولكن فكر برؤية الصغير ، فطرق باب غرفة ساندرا وأخذه منها وذهب به لتلك الغرفة التى يقطنها ، ولكن لم يدم لهوه مع الصغير سوى دقائق حتى غط فى نوم عميق ، فوضعه على الفراش وخرج للشرفة ، ورآى أن تلك الجلسة التى أقتصرت على أدم وصديقه وعمران ، أجتمع بها أفراد أخرون كميس ووالدتها ووفاء وساندرا ، ولا يعلم سر ذلك الارتياح الذى إجتاح الجميع تجاه أدم 


لم يكن وجود ذلك الشاب فى القصر مرحباً به من جانبه هو فقط ، وكيف يأمن وجوده فى المنزل ، وهو يراه يذهب هنا وهناك ويجلس مع أفراد عائلته ، بل إستطاع أن يحوز على محبة الجميع عداه هو ، ولكن ربما ذلك عائد لخوفه الشديد من تلك الخواطر والهواجس ، التى بدأت تملأ رأسه ، من أن يحاول جذب زوجته إليه ، خاصة الآن والطرق بينهما صارت مسدودة وكأن ليس هناك سبيل للعودة ثانية 


خرج من دوامة أفكاره وشروده وتأمله ، على صوت الصغير ، الذى أوشك على إتمام عامه الأول بعد بضعة أيام ، ويبدو عليه أنه إستيقظ من نومه بعد غفوة دامت لمدة ساعتين 


فأقترب من الفراش حاملاً إياه مبتسماً وقال :

- صحيت يا حبيبى 


رفع الصغير يداه الصغيرتان والناعمتان الملمس وجذب تلك النظارة الطبية الأنيقة الموضوعة على وجهه ، فقهقه الصغير كأنه ألقى إحدى الدعابات ، فما كان منه سوى أن ضحك هو الأخر وقبل وجنتيه المكتنزتين


ولكن سمع "راسل" صوت طرقات على باب الغرفة ، ففتح الباب وأخبرته الخادمة بأن والده يريده بشأن أمر هام ، فصرف الخادمة مع وعده بالذهاب إليه 


فبعد خمس دقائق هبط الدرج وهو يحمل الصغير ، الذى لا ينفك عن العبث بنظارته وأزرار قميصه ،التى ربما وجدها طيبة المذاق بفمه ، الذى بدأت تتشكل به أسنانه البيضاء الصغيرة


وصل "راسل" لغرفة المعيشة وجد أبيه ورجل لم يعرف من يكون ، ولكن على أحد المقاعد كانت "حياء" جالسة بصمت تضم يديها كأنها بإنتظار قرار مصيرى ، فما أن وقع بصرها عليه ، حتى أرسلت إليه عيناها نظرات باردة ، تنم عن مشاعرها المتبلدة بتلك اللحظة خاصة وهى تراه يحمل الصغير 


فتبادل معها النظرات الباردة وهو يقول بصوت كالصقيع :

- خير كنت عايزنى فى إيه ، ومين الأستاذ ؟


لم تكن نظرات أبيه ودية ، إذ شمله بنظرة باردة هو الآخر رافعاً عصاه كأنه يشير إليه وقال بأمر لاجدل فيه :

- ده المأذون علشان تطلق "حياء" لأن مش هخليها على ذمتك دقيقة واحدة كمان وهى موافقة أنك تطلقها وكل واحد يروح لحاله ، وكمان علشان لما عدتها تخلص هجوزها واحد تانى 


أنقبضت ملامح وجه راسل على الفور ما أن سمع ما تفوه به أباه ، بل أنه لم يكلف نفسه عناء إخباره بأن سيقوم بإستدعاء المأذون من أجل طلاقه لزوجته ، وكأن عليه أن يقوم بتنفيذ أمر والده دون إبداء أى إعتراض 


فصاح منادياً بصوت جهورى لإحدى الخادمات ، التى جاءت إليه تحنى رآسها بأدب ، فإلتفت إليها قائلاً بأمر :


- خدى ساجد خرجيه لمامته برا 


حملت الخادمة الصغير وخرجت من غرفة المعيشة ، بينما أقترب راسل من مقعد زوجته وأنحنى إليها فجأة مما جعلها ترتعد بخفة ما أن سمعته يقول من بين أسنانه :

- وده إسمه إيه بقى يا مدام راسل بتحطينى قدام الأمر الواقع مثلاً ، مفكرانى هسمع الكلام وهطلقك ، دا أنتى بتحلمى 


عقدت ذراعيها ونظرت فى عمق عينيه قائلة بنبرة خافتة فاترة:

- أنت عايز إيه بالظبط يا راسل شوية تقولى هطلقك وشوية تقولى بحبك ومش هسيبك ، أنت شكلك أصلاً مش عارف أنت عايز إيه فقولت أسهل عليك الموضوع ونفترق بالمعروف علشان كده كلمت باباك يجيب المأذون ، جايز كل واحد فينا يلاقى سعادته مع حد تانى ، طالما إحنا الاتنين مبقناش شاطرين إلا فى أذية بعض ، وزى ما قولتلك قبل كده لو كنت أنت غير رأيك أنا مغيرتش رأيى ومش عيزاك ، خلاص حكايتنا خلصت لحد كده


إستقام بوقفته وأولاها ظهره ورمق المأذون قائلاً ببرود :

- معلش يا عم الشيخ هم حبوا يهزروا معايا بس أنا لا هطلق مراتى ولا فى حد هنا هيطلق حد أتفضل خد واجبك وأمشى


لم ينتظر الرجل سماع كلمة أخرى ، فهب واقفاً ولملم أوراقه وأغراضه وخرج من الغرفة ، فأشار رياض لأحد رجاله بأن يتبعه ليأمن وصوله لسيارته فى الخارج 


وبعدما أقتصرت الجلسة على ثلاثتهم ، رفع والده عصاه يشير بها أمام وجهه وهو يقول بنبرة تفيض تسلية رغبة منه فى إثارة المزيد من حنقه :

- أنت مشيت المأذون ليه ، مش أنت قولت قبل كده أنك هتطلقها ، لازمتها إيه بقى الممطالة ، يعنى لا بترحم ولا بتسيب رحمة ربنا تنزل ، أنت عايز إيه بالظبط 


صرخ راسل إحتجاجاً على تدخل والده فى شئونه :

- والله دى حياتى أنا ومراتى وإحنا اللى نقرر مش إنت ، ومش علشان أنت قولتلى طلقها يبقى هخاف منك يا رياض باشا وأقولك حاضر ، وبلاش إسلوب الإستفزاز ده أحسن ما أسيبلك البيت وأمشى 


- أنت بتهددنى يا راسل ، مش هتبطل وقاحة وقلة أدب 


هتف بها رياض وهو يوكزه بعصاه فى منتصف صدره ، فهو وصل لحافة صبره من أفعاله 


وضع راسل يديه فى جيبى بنطاله وأحنى رأسه قائلاً بتنهيدة عميقة :

- أنا لا بهددك ولا حاجة يا رياض باشا ، أنا مضغوط بما فيه الكفاية ، وصدقنى أنا ذات نفسى مش مستحمل النفس اللى بتنفسه ، فبلاش الأمور توصل بينا لأسوء من كده لأن أنت فى الأول والآخر والدى وسيبنى أحل مشاكلى مع مراتى بالطريقة اللى تريحنا 


أنتفضت حياء من مكانها وبدون أن تفه بحرف واحد ، خرجت من الغرفة ، فحتى محاولتها فى الفكاك منه لم تأتى بثمارها . صعدت إلى غرفتها وأرتمت على فراشها وحملقت فى سقف الغرفة ، الذى تمنت بلحظة مجنونة أن يسقط عليها وتنتهى حياتها خيراً من تلك الحيرة والتشتت اللذان حفلت بهما حياتها منذ زواجها منه ، فإلى متى سيظلان يدوران بتلك الحلقة المفرغة ؟ 


لم تشأ أن تنغمس بتلك المشاعر المتضاربة حول زوجها ، فتركت فراشها وخرجت للشرفة وفكرت فى الذهاب لحظيرة الخيول ، ولكن ما أن رآت أدم جالساً فى الحديقة عدلت عن فكرتها ، حتى لا يطاردها بكلامه المعسول والذى يخرج منه بعفوية ، فهى تشعر بالضيق لسماعها ذلك المديح منه ولا تسمعه من زوجها ، الذى لا يفعل شيئاً فى تلك الأونة إلا أن يجعل غضبها يتفاقم من بروده وأوامره التى بدأ يمليها عليها من حين لأخر والنابعة من شعوره الجارف والعاصف بالغيرة ، ولكنها لم تشأ إستغلال وجود أدم لإثارة غيرته أكثر ، رغم أنها لم تغفل عن التفكير فى ذلك ، ولكن ما أن أمعنت تفكيرها بذلك الأمر الذى رآته مشيناً بعض الشئ ، نحت أفكارها تلك جانباً ، تاركة لعفوية أدم القيام بتلك المهمة دون تدخل منها أو منحه موافقتها على أن يستمر فى إطراءها أمام زوجها 

❈-❈-❈


بعدما تلقى ذلك النبأ الذى يفيد بأن ياسمين فى ذلك الوقت متواجدة فى المركز الخاص بالمكفوفين ، وهو لم يتوانى ثانية واحدة وأخذ سيارته على الفور وذهب إليها ، فتكليفه أحد رجاله بمراقبة منزلها ليلاً نهاراً أتت بثمارها بعد عدة أيام من إنتظاره سماع أى خبر عنها ، وبدا أنها ستظل حبيسة المنزل لما تبقى من عمرها ، ولن يراها إلا إذا سطا على منزلها بغياهب الليل كأحد اللصوص ، ولكنه لن يكون لصاً عادياً ، إذ أنه لن يكون راغباً إلا بسرقة قلب تلك التى سلبته فؤاده ومنعته الراحة والهدوء ، منذ علم بأنها مازالت على قيد الحياة ، وكلما يتذكر رفض أباها له تزداد نيران غيظه ، لأنه يرى أنه الأحق والجدير بها ، حتى وإن كانت بحالتها تلك ولن تتمكن من أن تبصر النور بعينيها ، ولكن يكفيه أن تكون قريبة منه تأخذ وتعطى وتملأ قلبه بهجة وحبور بإمتلاكها ، فتخيله فقط أن ياسمين زوجته جعل إنتشاء عجيب يسير فى أوردته كأنه أحتسى قنينة كاملة من الخمر المُعتق 


- أيوة هو ده العنوان 


قال ديفيد وسرعان ما صف السيارة أمام ذلك المبنى المتألف من ثلاثة طوابق وحديقة صغيرة ، قد بناه أحد رجال الأعمال من أجل المكفوفين ، ليحصلوا على تعليم وعناية وأن يشرف على تعليمهم كيفية التصرف فى حياة الظلام البصرى التى يعشونها ، نخبة من أكفأ المعلمين والمعلمات 


ترجل من السيارة وبعدما تبادل حديث قصير مع حارس المبنى ، ولج للداخل بحجة أنه يريد مقابلة أحد المسئولين أو مالك ذلك المركز التعليمي ، ولم تواتيه رغبة مقابلة أحد منهم ، إلا من أجل أنه يريد شراء المركز حتى يصير هو المالك له بل ربما سيهبه لها ، وأن يكون لديه الحرية التامة لرؤيتها ، بل أنه سيترك كل أعماله ليضمن حصول معشوقته على أفضل خدمة ورعاية 


بعدما طرق باب غرفة مدير المركز ولج على الفور بعد سماع الإذن بالدخول ، فصافح المدير ولم يلبث إلا ثوانٍ معدودة حتى أفصح عن رغبته المُلحة :

- حضرتك أنا جاى أشترى المركز ده وعندى إستعداد أدفع أى مبلغ تطلبوه 


قطب الرجل الذى نال منه المشيب حاجبيه متسائلاً بدهشة:

- تشترى المركز ! بس ده يا إبنى مش للبيع ده زى وقف خيرى كان عامله رجل أعمال الله يرحمه ووهبه لخدمة المكفوفين يعنى مش للبيع ، بس ممكن تتبرع بمبلغ مالى يساعدهم 


أخرج ديفيد دفتر الشيكات من جيب سترته متسائلاً:

- حضرتك عايز فلوس تبرع كام ؟ مليون جنية كويس ولا عايز أكتر ؟


فغر الرجل فاه مما تفوه به ديفيد ، كونه لم يرى فى حياته من يهب كل هذا المال دفعة واحدة ، بل ولديه الإصرار على أن يفى بما يقوله ، حتى أنه حرر له الشيك وناوله له وهو مازال واقعاً تحت تأثير الدهشة من تصرف هذا الشاب 


وضع الرجل كفيه على سطح مكتبه متسائلاً بفضول :

- ممكن أعرف إيه السر أنك كنت عايز تشترى المركز أو أنك تتبرع بالمبلغ ده كله مرة واحدة 


نقر ديفيد بأطراف أصابعه على سطح المكتب ورد قائلاً بجدية :

- فى أنسة بتيجى هنا إسمها ياسمين والصراحة أنا يهمنى أمرها جدا وعايز أضمن أنها مرتاحة لما تيجى هنا 


هز الرجل رأسه ببطىء وقال بعدما علم عن من يتحدث :

- أه قصدك الباشمهندسة ياسمين مهندسة الديكور ، دا والدها الشيخ أنا اعرفه كويس ، بس أنت تقربلهم إيه أنا أول مرة أشوفك ؟


أزدرد ديفيد لعابه محاولاً العثور على إجابة شافية تمكنه من الخروج من ذلك المأزق ، فكون ذلك الرجل يعرف والد ياسمين ، حتماً سيخبره بشأن تلك المحادثة التى حدثت بينهما 


إلا أنه رد قائلاً بهدوء:

-هو كنت أعرفها قبل الحادثة لما كانت مهندسة ديكور ، واتأثرت جدا باللى حصلها وحبيت أساعدها هى دى كل الحكاية 


إبتسم الرجل على ما قاله ديفيد ، فأى تأثر هذا الذى يجعله راغباً فى شراء المركز من أجلها ؟ عاود هز رأسه قائلاً كأنه أقتنع بحجته الواهية :

- فيك الخير يا إبنى ، ربنا يكتر من أمثالك يا ...


رفع الرجل الشيك المصرفى ليعلم إسمه ، إلا أن عيناه تسمرت على قراءة إسمه كاملاً ، ولكن قبل أن يبدى دهشته أسرع ديفيد قائلاً بحذر :

- فى مشكلة عند حضرتك إن أنا مش مسلم مش كلنا بشر ولا إيه 


لم يشأ الرجل الخوض فى أمر الديانات والمعتقدات بذلك الوقت ، وربما علمه بهوية ديفيد جعله يطمئن أن الأمر لا يتعدى سوى مساعدة منه ولا يمكن أن يفسره بشكل أخر 


نهض ديفيد من على مقعده متسائلاً بأمل يشوبه الرجاء :

- هو ممكن أتفرج على المركز والأقسام بتاعته أخد فكرة جايز أعمل واحد زيه فى يوم من الأيام


أماء الرجل إيماءة خفيفة وترك مقعده ليصطحبه بجولة ، فكل غرفة يدخلها يتمنى لو أن يراها ، ولكن يصاب باليأس ما أن تتجول عيناه فى الحجرة ولا يجدها ، حتى أنه ظن أنها ربما عادت لمنزلها أثناء جلوسه مع المدير فى غرفة مكتبه 


ولكن علقت أنفاسه بصدره ، ما أن أبصرها جالسة بتلك الغرفة الخاصة بتعليم المكفوفين القراءة بطريقة بريل ورآى معاها فتاتان وشاب أخر ومعلمة ربما فى سن الأربعين ، تتولى تدريبهم على إستخدام الطريقة الصحيحة للقراءة 


تأمل أناملها الرقيقة والنحيلة ، وهى تمررها على الكتاب المفتوح أمامها ، فلو كانت أناملها تلك تمررها على وجهه لما كانت أصابته تلك القشعريرة ، وكأن أى فعل يصدر منها يجعل قلبه يكاد يقفز من صدره 


وما أن أعلنت المعلمة عن إنتهاء الوقت المحدد لهم ، تحسست ياسمين عصاها الرفيعة الموضوعة بجانبها ، وأخذت حقيبتها ونهضت من مكانها تتأهب للخروج ولتنتظر مجئ أباها ليعيدها للمنزل مثلما هى معتادة 


رفعت يدها قليلاً بالعصى تتلمس بطرفها الأرضية ، لتضمن خلو طريقها من أى عثرات أثناء خروجها ، وكل هذا وديفيد مازال واقفاً أمام الغرفة ، يصب كامل إهتمامه ونظراته عليها 


فقبل عبورها من باب الغرفة ، نظر ديفيد للمدير قائلاً بشكر تحدوه رغبته فى أن ينصرف قبل خروجها :

- شكراً لحضرتك أنا لازم أمشى دلوقتى 


إبتعد ديفيد عدة خطوات ورآى المدير يعود لغرفة مكتبه ، فأنتظر حتى مرت ياسمين من جواره وخرجت للحديقة وهو يتبعها ، وبعد أن جلست على إحدى الأرائك الخشبية ، لم يمنع نفسه من الإقتراب منها وإلقاء التحية لعله يطيل وقته فى الحديث معها وتشبع عيناه من رؤيتها المحببة لنفسه المشتاقة 


- إزيك يا أنسة ياسمين


هتف ديفيد بنبرة مختلجة شوقاً ، متأرجحاً بين رغبته فى أن يجثو على ركبتيه أمامها طالباً منها الصفح والغفران على ما تسبب به لها دون قصد منه ، وبين أن يتجاذب معها أطراف الحديث كإثنان إلتقيا صدفة 


أرتبكت ياسمين بعد سماع صوته ، وتلك هى حالتها دائماً ما أن تسمع صوت رجولى ولا تعلم من يكون صاحبه ، فردت قائلة بتلعثم :

- ممـ مين حـ ـضرتك


تجلى التوتر والإرتباك على صوتها وجلستها إذ راحت تتحسس مكان وجود عصاها وحقيبتها كأنها تبحث عن شئ مفقود ، فأشفق على ما أصابها ، ولم يكن هذا ما جعله يشعر بتمزق خفقات فؤاده ، إذ أنه رآى محاولاتها المتكررة فى فرك يديها وكأنها تريد عصرهما لشعورها التام بالعجز 


جلس ديفيد بأقصى طرف الأريكة الخشبية ورد قائلاً بحنان:

- أنتى مش فاكرة صوتى 


إبتلعت ياسمين لعابها وردت بعد جهد :

- أسفة مش واخدة بالى حضرتك عايز منى إيه ؟


طافت نظراته بعينيها الخاليتين من الإبصار ولكن بدتا كأنها تحدق به بتركيز ، فلم يستطع إلجام لسانه عن قول تلك الجملة التى حتما جعلت إرتباكها مضاعفاً :


- أنا بحبك يا ياسمين وعايز أتجوزك 


أرتجفت يداها وسقطت عصاها أرضاً ، فأسرع برفعها عن الأرض وقربها منها مستأنفاً حديثه :

- أنا أسف لو كنت ضايقتك بكلامى ، بس بجد هى دى الحقيقة وأنا أعرفك من زمان ومش عارف أنتى فكرانى ولا لاء ، بس أنا جتلك مكتب الديكور مرة وحتى أنتى ضربتينى بالقلم وأعتذرتلك بعد كده ، وأنا مش عارف أنساكى ولا أحب واحدة غيرك


قطبت ياسمين حاجبيها وتساءلت بدهشة:

- معقولة إنت ؟ بس حاسة إن الصوت ده سمعته من وقت قريب 


لم يجد حاجة بأن يومئ برأسه فهى لن تستطيع رؤيته ، ولكن لسانه حاضراً ليجيبها على ما سألته إياه ، فرد قائلاً وبدت اللهفة طاغية بنبرة صوته :

- أيوة أنا ، وأنا اللى عملت نفسى سواق عربية الأوبر يوم ما وصلتك أنتى ومامتك البيت لما كنتوا فى المستشفى


علقت أنفاسها بصدرها ما أن سمعت إجابته ، حتى وإن كانت لم تعد تمعن التركيز فى أصوات من حولها سوى أسرتها ، إلا أن صوته كان حاضراً بشكل أو أخر بغياهب عقلها ، فإزدراد لعابها لم يزدها سوى شعور بالإرتباك والتوتر ، أمجنون هو ليستميت هكذا للزواج منها وهى بتلك الحالة من فقدان بصرها ، فما لبثت أن تذكرت ذلك اليوم الذى علم به خطيبها أنها أصبحت فاقدة البصر ، فلم يكد يمر يومان أخران حتى أعرب عن أسفه عن إتمام زواجها ، وإبتسمت حينها بمرارة ، لعلمها أنه ربما يكون محقاً فمن سيكون راضياً أن يبتلى بزوجة عمياء ، ومنذ ذلك الحين أخذت قرارها بأن تغلق باب قلبها وعقلها ، ولم يعد يعنيها وجود أى رجل قريب منها سوى شقيقها ووالدها ، ولكنها لم تنكر تعجبها ودهشتها من ذلك الرجل الذى لم تستطع تذكر ملامحه جيداً ، وعندما أعتصرت ذاكرتها ، لم تتذكر سوى أن ملامح وجهه تميل للملامح الأوروبية من حيث الشعر الأشقر والأعين الزرقاء وغير ذلك لا تتذكر شيئا أخر


تعرقت يداها وهى تقبضها وتبسطها كأنها أصيبت بالتشنج ، فهمهمت بنبرة صوتها الخافتة :

- أنت غريب أوى على فكرة ، يعنى أنت مش شايف حالتى عاملة إزاى ورغم كده بتقول أنك بتحبنى وعايز تتجوزنى 


- أنا ميهمنيش أى حاجة من دى يا ياسمين وأنا مستعد أبقى عينيكى اللى تشوفى بيها الدنيا بس وافقى 


نطق ديفيد بحديثه محموماً ، كمن أعياه الشوق ولم يعد يملك صبراً للإنتظار ، ولم تأخذه الرحمة بها وهو يراها مرتبكة كطفلة صغيرة مما تسمعه منه وشعورها بالعجز أن تفر هاربة من ذلك العاشق المجنون ، فراح يكمل حديثه معقباً :

- أنا عينى مش شايفة حد غيرك مهما كانت ظروفك وقلبى بيدق علشانك أنتى بس ، أنا مش بس بعشقك أنا بعشق التراب اللى بتمشى عليه 


لم يعد بإمكانها الإستماع لغزله ، فأخذت عصاها وهبت واقفة لعلها تفلح فى الإنصراف قبل أن تسمع منه كلمة أخرى ، ولكن كادت أن تتعثر بمشيتها لولا وجدت ذراعين تمتدان لها ، فقبل أن تصرخ إحتجاجاً لظنها أنه ربما هو من ساعدها بإستعادة توازنها ، سمعت صوت والدها يقول بحنان :

- حبيبتى معلش أتأخرت عليكى شوية 


وجدت ملجأها بين ذراعىّ أبيها ، فترجته بصوتها الذى حمل غصة تمهيداً لبكاءها الوشيك:

- ولا يهمك يا حبيبى بس يلا بينا نروح البيت بسرعة 


أختفت إبتسامة أبيها ما أن أبصر ديفيد واقفاً على بعد عدة خطوات منها ، فهتف به متسائلاً:

- هو أنت ؟ أنت بتعمل إيه هنا ؟


عاد ببصره لوجه إبنته الممتقع ، فخشى أن يكون قال لها شيئاً أثار به إستياءها ، فتخلى عن بشاشته وعاد ينظر إليه قائلاً بغضب :

- أحسنلك إبعد عن بنتى يا أستاذ أنت وإلا صدقنى مش هيحصلك طيب 


طوق أبيها كتفيها بذراعه وأخذها مبتعداً ليعودان لمنزلهما ، فأطلق ديفيد سباب لاذع بصوت هامس ، وفكر فى العودة لمنزله ، وهو يكاد يموت قهراً وغيظاً من والد محبوبته ، فما أن وصل للبيت وجد شقيقته وإبنة عمه ومارجريت يجلسن فى الحديقة 


فأرتمى على المقعد المجاور لحياء قائلاً بدون مقدمات :

- أنا نويت أغير ديانتى وأبقى مسلم 


رغم إبتهاج حياء مما سمعته منه ، إلا أن ملامحها حملت الصدمة والدهشة مثلها مثل البقية ، إلا أن مارجريت حدقت به بنظرة مطولة قبل أن تكون بنبرة مبهمة:

- عايز تعمل زى أبوك وأمك ما عملوا يا ديفيد 


 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة