-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 21 - 2

  رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني

الكاتبة سماح نجيب


الفصل الواحد والعشرون

الجزء الثاني


العودة للصفحة السابقة

❈-❈-❈

عاد كرم للمنزل بعد إنتهاء دوامة بشركة السياحة ، وولج للداخل واضعاً الحقائب البلاستيكية التى يحملها على الطاولة الصغيرة بالصالة ، وجد البيت مرتباً ونظيفاً شأنه ككل يوم يعود فيه إليه ، فمنذ مجئ تلك المرأة التى أخبرته هند بأن والدتها أرسلتها إليها من أجل السهر على راحتها لعدم تمكنها من ترك والدها والإقامة معها حتى يحين موعد وضعها لجنينها ، وهو لم يعد يحمل هماً للتفكير فى أحوال زوجته أثناء ذهابه إلى العمل ، فالمرأة تقوم بواجبها على الوجه الأكمل والأفضل ، من حيث إعتناءها بهند وبالبيت من حيث الترتيب والتنظيف وإعداد الطعام وما عليه هو سوى أن يجلب الأغراض المنزلية من فاكهة وخضراوات وما شابه ، ولا ينكر أنه يريد شكر خالته بأنها أرسلت تلك المرأة لتخفف عنه عبء التفكير في أحوال زوجته وأزاحت عنه الهم ، بل كأن نشأت بين هند وتلك المرأة ألفة لكونها هى من تقدم لها السلوى والسلوان حتى يعود إليها هو بالمساء 


سمع صوت حركة بالمطبخ ، فعلم أنها ربما تعمل على إعداد طعام العشاء لعلمها بموعد عودته ، أتجه إلى غرفة النوم حيث مرقد زوجته الدائم ، ولكنه وجدها نائمة ، فأنحنى إليها وقبل جبينها قبلة متلهفة إليها ، وستقتصر العادة على ضمة أو عناق ولن يطمح بأكثر من ذلك 


فتحت هند عيناها الناعستين اللتين تغشاهما الحنين ما أن وقع بصرهما عليه وهو منحنى إليها يرمقها بصمت عاشق ، فقالت ببحة صوتها الناعسة :


– حمد الله على السلامة يا حبيبى 


لم يكن رده عليها سوى أشواق راح ينثر عطرها على صفحة وجهها ، حتى عاد وتذكر أن فرط أشواقه لن تجديه نفعاً ، إذ أنها لن تمنحه أكثر من عناق حار ، ثم تدركه التعاسة والتى لابد لها من أن تزوره بعد أن تبلغ عواطفه الثائرة ذروتها ومن ثم يجد أمنياته تتحطم على صخرة الحقيقة والواقع من أن زوجته لن تمنحه ما يخمد به ثورة إشتياقه 


إعتدل جالساً على طرف الفراش وأخذ راحتيها بين كفيه متبسماً :

– أكلتى وخدتى الأدوية بتاعتك


رفعت جزعها العلوى وإسندت ظهرها للوسائد تحرك رأسها بالسلب قائلة بإبتسامة :

– لاء قولت استناك ناكل سوا ، بقالى كام يوم بأكل لوحدى علشان أنت بتتأخر فى الشغل 


وضع يده على بطنها ممسداً عليها بلطف ، ورماديتيه متلألأتين ببريق الحب والفخر ، كونها تحمل بأحشاءها نبتة منه وثمرة عشقهما ، فلو كان منذ بضعة سنوات أخبره أحد بأن هند حب طفولته وغرام صباه وشبابه ستكون زوجته حاملة لطفله ، لم يكن سيصدقه وسيتهمه بالكذب والجنون ، فلم يكن يرى منها منذ أن وعت على كونه إبن خالتها ، سوى الإعراض والنفور ، وأنها لا تضع رابط الدم والقرابة بينهما أى موضع جدية لديها ، ولكن ها هى الآن زوجة مغرمة عاشقة تنظر إليه على أنها تنظر لأغلى كنز إمتلكته يوماً ، بل تحتضن طفلهما وتستميت بالحفاظ عليه ، فعصا الحب السحرية ما أن مست قلبها حتى أضحت فتاة أخرى حلوة طيبة وكأن هناك أنثى أخرى سكنت جسد تلك المتعجرفة التى كانت عليها سابقاً


– هخرج أجيب الأكل ونأكل مع بعض بس ثوانى أغير هدومى


هتف بها كرم وهو يترك مكانه وأقترب من خزانة الثياب الخشبية وأخرج ثيابه البيتية وبدأ يخلع عنه ثياب العمل ، ومن حيث لأخر يبتسم لزوجته التى تأملته بإبتسامة هادئة ، وما أن أنتهى خرج من الغرفة وقبل أن يصل للمطبخ ، حمحم بصوت مسموع لعل تلك المرأة تنتبه على وجوده ، كونها تنظر من نافذة المطبخ ، كأنها تبحث عن شئ بعينه


إرتبكت ولكن سرعان ما إلتفتت إليه بإبتسامتها المعتادة متسائلة بلكنة صوتها ، التى يستطيع أى أحد العلم منها أنها لم تكن مصرية المولد والمنشأ ، ولكنها تعلمت اللهجة المصرية واللغة العربية بمهارة من سنوات إقامتها بمصر :


– مساء الخير مستر كرم الأكل جاهز ، حضرتك هتاكل فى أوضة السفرة ؟


رد كرم بإبتسامة مهذبة :

– لاء أنا هاخد الأكل وأكل أنا والمدام مع بعض 


أماءت برأسها إيماءة خفيفة ومن ثم بدأت برص الأطباق على أحد الصوانى ، أنتظرها كرم حتى تنتهى وهو يفكر فى الراتب الذى تتقاضاه تلك المرأة ، فهو يفوق راتبه الشهري الذى يتقاضاه من عمله ، إلا أن إصرار زوجته على وجودها ورجاءها له بألا يرفض مجيئها جعله يتغاضى عن أن من يدفع لها أجرها وراتبها هو والد زوجها ، ورغم أن الأمر يشكل له الضيق ، إلا أن من أجل حصول زوجته على رعاية وإهتمام أفضل مما سيقدمه هو لها ، جعله يحاول تمرير الأمر ، ويسمح بقدومها للإقامة معهما وأن تقوم على خدمتهما 


إستدارت إليه ومدت يداها له بالصينية ، أخذها منها ولكن حركة عينيها أثارت به الإرتياب والشكوك ، وما أن مد يده ليأخذ منها الطعام ، أدارت رأسها وعادت تنظر من النافذة 


عقد كرم حاجبيه متسائلاً:

– هو فى إيه بتبصى من الشباك ليه كده ؟


سؤاله جعلها ترتبك وتهتز الأطباق محدثة صوتاً رن بأذنيها كأجراس الخطر ، إلا أنه لم ترفع وجهها لها ، بل ظلت تحدق فى محتوى الأطباق ، ولكن لم يبدو عليه التأثر بإرتباكها ، بل قالت بهدوء :


– أبداً مستر كرم ، مفيش حاجة 


– طيب 

نطق بها كرم وهو يهم بالذهاب لغرفة نومه ، ولكن سمعها تقول وهى تقترب منه واضعة طبق الفاكهة الطازجة على الصينية :

– مدام هند بتحب الفاكهة 


أنفاسها ساخنة متململة وعطرها سخى لعين متناثر على ثيابها ، التى تحرص على نظافتها دائماً ، شفتاها مكتنزتان ممتلئتان مدعاة للغواية ، شعرها مصفف بعناية ، فتلك هى الصورة التى كانت عليها منذ الوهلة الأولى التى حضرت بها للمنزل ، ولكن كرم لا يكلف نفسه عناء رفع رأسه ووجهه لها وهو يحدثها مكتفياً بأن يسمع صوتها فقط دون الحاجة إليه فى أن ينظر إليها 


حمل الطعام لزوجته ، ووضعه أمامها وبدأ يتناول طعامه ويطعمها بفمها ، ولم ينسى أمور دلاله لها بأن يمنحها إبتسامة أو قبلة أو كلمة حب أثناء تناولهما للطعام 


وضعت هند المحرمة القطنية من يدها بعدما مسحت فمها وقالت برضا :

– الحمد لله شبعت 


حمل كرم الصينية من على الفراش قائلاً بود :

– بألف هنا يا حبيبتى


وضعها على طاولة صغيرة موجودة بالغرفة ، وعاد وتمدد بجوارها وتجاذبا أطراف الحديث حول يومه فى العمل وقصت عليه إحدى نوادر الصغير سويلم ، الذى قام بزيارتها اليوم وهو يحمل لها هدية تمثلت بدمية صغيرة من أجل المولود ، وأخبرها بأن والده وعده بنزهة فى اليوم التالى، فبعدما قضيا بضعة ساعات يتحدثان ، غفت هند سريعاً بنومها ، ولكن لم يواتيه النوم ، ففكر بأخذ الصينية للمطبخ 


خرج من الغرفة ووجد السكون يلف المنزل ، فعلم أن تلك المرأة ربما خلدت للنوم ، وضع الصينية من يده وما أن إلتفت خلفه وجد شبح يتحرك فى ظلام ذلك الفناء الجامع بين منزل الحاج سويلم وبين ذلك المنزل المقيم به ،و إستطاع تمييزه على ضوء الإنارة الخافتة القادمة من أحد أعمدة الكهرباء القريبة من المنزل ، ثوانٍ وتحرك ذلك الشبح تجاه تلك الشرفة الأرضية والتى ربما تابعة لغرفة المعيشة فى منزل الحاج سويلم ، ولم يكن ذلك الشبح سوى تلك المرأة التى خرجت من غرفتها التى تسكنها بثوب نومها الذى يصل بالكاد لركبتيها 


جحظت عيناه ما أن رآها تقترب من ذلك الرجل والذى لم يكن سوى والد الصغير سويلم ، وكان يبدو عليه أنه يدخن سيجارة وهو جالساً فى الشرفة ، لتشديد زوجته على عدم تدخينه للسجائر ، ولكن بعض الأوقات يعمل على تدخينها ولكنه لا يفعل ذلك بشراهة 


على الفور خرج كرم من الباب الصغير الموجود فى المطبخ ، والذى سيمكنه من الوصول لمكان وجودهما دون أن ينتبه أحد منهما على وجوده 


وقف فى مكان قريب حتى إستطاع سماعها وهى تقول وصوتها يغلف الجو بتيار مشحون من التوتر :

– حضرتك قاعد هنا ليه كده فى وقت متأخر


أجابها والد سويلم متلعثماً مجاهداً على خروج الكلمات من فمه :

– عادى كنت قاعد بدخن سيجارة ، بس أنتى ايه اللى خرجك من البيت فى وقت زى ده وبلبس زى ده أصلاً هو كرم أو المدام بتاعته هم اللى بعتوكى عايزين حاجة 


جفت دماءه وتدفق عرقه غزيراً ما أن رآها طالقة العنان لخصيلاتها النحاسية ، فذلك الشبح الذى يراه الآن فى الظلام لا يشبه تلك المرأة المتكلفة التى رآها على ضوء النهار ، عندما قام بزيارة كرم وهند بعد عودته من سفره 


أجابته بصوتها الناعم كأحد الغوانى :

– لاء محدش بعتنى ، انا اللى شوفتك قاعد هنا قولت أجى أشوفك ، وأتعرف عليك خصوصاً إن كانت أول مرة اشوفك فيها لما زورت مستر كرم ومراته


جعد الرجل جبينه قائلاً بدهشة :

– وهو ده وقت حد يتعرف فيه على حد ، وأنتى اصلاً عايزة تعرفينى ليه ، أتفضلى أرجعى البيت ، الوقت اتأخر وميصحش حد يشوفك كده


تسمرت قدميه ، كونه غير معتاد أن يرى أنثى أخرى  تسير بهكذا ثياب غير زوجته ، بل أنها قطعت المسافة الفاصلة بينهما والتى تقدر بثلاث أو أربع خطوات ، حتى صار كل منهما يسمع صوت أنفاس الأخر ، وصار الجو خانقاً بالشرفة المظلمة رغم فساحة مساحتها ، إلا أنه شعر بأن جدرانها تكاد تطبق على أنفاسه حتى منعته من يتنفس براحة ،و كيف له من أن يستنشق هوءاً نقياً غير ملوثاً بعطرها ، أو أن يشعر بشئ سوى أنفاسها الدافئة ، فربما يجلس الشيطان الغاوى بأحد الزوايا مستلذاً بما يراه الآن ، وكيف يفوته مشهداً كهذا من إجتماع رجل وإمرأة ، صارت العواطف والمشاعر المحرمة هى ما تلوح بأفق ذلك الظلام الذى جمعهما سوياً ، فكم هو بارعاً فى جعل كل ماهو مدنس وباطل بتلك اللحظات عذباً رائقاً ومغرياً ، بل أن العقل أحياناً كثيرة يقف عاجزاً عن رد وساوسه أو دحرها ، شيطان رجيم يتمكن من نفس إبن أدم تمكن الدماء من مجراها  

❈-❈-❈

أبصرته فى تلك المرآة المواجهة للفراش وهو يقف يتلصص عليها بعيناه الحائرتان من شق الباب ، ولا تعلم سر إصراره على ترك تلك الحواجز بينهما وهو بأدنى فعل منه يستطع هدمها ويجدها طوع بنانه وتهبه كل ما يشتاق إليه ويعجز لسانه عن طلبه ، ولكنها تعلم أنه ليس بأقل منها شوقاً لأن يظفر بتلك الليالى التى لن تكون سوى نيران سيلقى بها حتفاً ، ولكنها ستكون برداً وهناءاً لها ، كتمت إبتسامة فى وسادتها وهى تراه مازال واقفاً مكانه كلص يعلم أن الغنيمة غنيمته ولكنه يخشى إفتضاح أمره ، لفظت عنها الغطاء الخفيف الذى كانت تتدثر به ، وتحركت كأنها لم تعد تشعر بالراحة فى نومها ، بل أنها لم تنسى أن تطلق تلك الصرخة الخفيفة والتى أوهمته أن مبعثها حلماً أو كابوساً راودها ، فإنتفضت جالسة بالفراش وهى تضم ذراعيها حولها كطفلة تخشى الظلام ، وفلحت حيلتها عندما وجدته يقتحم الغرفة قاطعاً المسافة بينهما بلهفة عاشق ، وجلس قريباً منها جاذباً إياها إليه ولف ذراعه السليمة حولها رابتاً على ظهرها بحنان لم ترى منه شيئاً منذ عودتها إليه ، أرادت إستغلال تلك الهنيهات قبل أن يعود لتصلبه وتعنته معها ، أو أن تراه يصد عنها صدوداً ، فذراعيها الملتفتان حوله ويداها المتشبثتان بقميصه ، جعلت عليه من المستحيل التفكير بأمر إبعادها عنه 


حمحم يجلى تلك الغصة التى كادت تقضى على أنفاسه وسألها :

– مالك بتصرخى ليه ؟ سمعت صوتك وأنا معدى من قدام الأوضة ، أنتى كنتى بتحلمى 


كتمت إبتسامتها فى كتفه على كذبته الواضحة ، ولكنها حاولت أن تجاريه بكذبته ، فقالت وصوتها يأن ويرتجف :

– كان حلم وحش أوى يا عبد الرحمن ، كابوس بمعنى أصح


مرت لحظات وتوقعت سيل جارف من سخريته ومن صده لها ولمشاعرها التى لا تخجل من البوح بها ، كونها ترى أن هذا حق مطلق لها طالما كان زوجها ويحل لها معه ما لا يحل لغيره ، وضعت رأسها على كتفه وشبكت يديها حوله ، لتضمن بقاءه وكلما إشتد ضغط ذراعيها تقافزت دقات قلبه حتى بدأت لمساته تحنو على خصيلاتها الناعمة التى راحت أنامله تجرى بين ثنايها ، فأضحت أنفاسها تتسابق بمضمار التوق 


تجرأت ورفعت رأسها عن كتفه ممعنة النظر فى وجهه ، ولكن قد هالها تلك العاطفة التى أثارتها بعينيه ، فصار يحكم لف ذراعه حولها كمن وجد ضالته المنشودة بعد طول بحث وعناء ، وراحت دقات قلبها تهدر صاخبة يكاد طنينها يصم أذنيها 


تهدج صوته قائلاً بنبرة مفعمة بالصدق والشوق :

– لسه زى ما أنتى يا بيرى جميلة ورقيقة زى الوردة اللى الواحد لازم يتعامل معاها بحرص ويعاملها معاملة خاصة علشان تفضل زى ماهى ومتدبلش 


أدنى بوجهه منها وأغمض عيناه مستنشقاً رائحتها ليملأ رئتيه منها ، وأنامله تعيد ترتيب أطراف شعرها على كتفها وقريباً من عنقها ، فاتنة بكل للكلمة من معنى ومدلول ، بل أن من يراها سيحسده على إمتلاكه فاتنة مثلها ، يكفى رقتها وعذوبتها ونعومتها بأن تجعل القلوب تخضع لعشقها دون إرادة ، فإن كان حتى الآن نجح فى إيهامها بأنها لم تعد تشكل له فارقاً ، إلا أن من دواخله ومن مكنون قلبه ربما صار صباً هائماً بعشقها أكثر من ذى قبل خاصة بعدما حملت إسمه وصارت له زوجة 


أحاطت وجهه بين كفيها الناعمين ووزعت عطاياها السخية على صفحة وجهه وهى تقول بجنون العاشقين :


– أنا بحبك بحبك أوى يا عبد الرحمن ، قول أنك أنت كمان لسه بتحبنى ، مش عايزة أفضل الباقى من عمرى وأنا مستنياك ترجعلى زى زمان يا حبيبى ، سيبك من اللى فات وخلينا نفكر فى اللى جاى


كأن بإتيانها على ذكر صفة الماضى ، جعلته يعود لما كان عليه ، فيده التى كانت لمساتها حانية رقيقة ، تخاصمت فيما بينهما وأعادها إلى جواره ، بل أنه ترك مكانه الدافئ لتجتاحه البرودة وتصب بأطرافها ، ولكن لم يكن لديها وقتاً كافياً لإبداء مبررات رفضها لإقدامه وإحجامه التى يتبعها معها ، إذ سمعا صوت جرس الباب وما أن خرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه ، سمعت صوت ذلك الرجل الذى يمتلك المتجر التجارى بأحد البنايات المجاورة والذى تربطه بزوجها صداقة قديمة مثلما علمت منذ أن رآته فى المرة الأولى التى جاء بها لهنا زائراً لهما ومهنئاً لهما بزواجهما 


أرتدت ثيابها وخرجت مرحبة بقدومه وقالت بإبتسامة عفوية :

– أهلاً وسهلاً بحضرتك نورتنا 


رد الرجل قائلاً بإبتسامة عريضة :

– دا نورك يا مدام بيرى ، أسف لو كنت جيت فى وقت مش مناسب 


ربت عبد الرحمن على ساق الرجل وهو يقول بود ظاهر :

– دا بيت أخوك تنور فى أى وقت 


لم تحاول بيرى التكلف أو أن تتصنع البهجة ، إذ لم يكن لديها ما يبهج النفس بتلك اللحظة خاصة أن مجيئه أفسد عليها فرصة كانت تتحينها منذ وقت طويل ، فأعتذرت بلباقة عن الجلسة وذهبت لغرفتها وفكرت فى أن تتحدث مع حياء عبر الهاتف ، فهاتفتها على أحد مواقع التواصل الإجتماعي ، ثوان ووجدت وجه حياء يطالعها على شاشة الهاتف ، وملامحها الضجرة لا تختلف كثيراً عن ملامحها المستاءة 


– مالك ضاربة بوزك شبرين ليه كده أنتى كمان 


قالتها بيرى بتساؤل وهى عاقدة حاجبيها ، لكونها ترى حياء جالسة أمام البحر بذلك الوقت المتأخر


أجابتها حياء بعدما أطلقت تنهيدة قوية :

– مفيش دا العادى يا أختى ، المهم قوليلى أخبارك إيه 


قالت بيرى بتبرم وإستياء :

– متختلفش كتير عن أخبارك واللى باينة على وشك من غير ما اسأل 


سواء شاءتا بذلك أم أبتا ، فكلتاهما بحاجة للإفضاء بمكنون قلبها للأخرى ، لعل كل منهما تقدم للأخرى عبارة أو جملة تسرى بها عنها ، حيلة متبعة بينهما منذ مقابلتهما فى المرة الأولى ، وبعد إكتفاؤهما من الحديث حول أزواجهما ، أغلقت حياء الهاتف ووضعته بجوارها وهى جالسة على الرمال أمام البحر بذلك الشاطئ الخاص خلف القصر ، فتلك الرقعة الجالسة بها هى بذاتها التى جلسا على رمالها بتلك الليلة التى قضاها سوياً هنا وجلب لها ثوب السباحة الذى مازال موجوداً بداخل المقصورة على الشاطئ 


سمعت صوتاً يناديها ولكن تلك المرة ، كانت إحدى الخادمات ، التى جاء لتخبرها بأن زوجها قد عاد للمنزل وهو الآن فى غرفة المعيشة ، نظرت إليها حياء قائلة بصوت خافت :

– روحى أنتى وأنا جاية وراكى 


ها هو قد عاد ، ولكن لم يأتى هو سعياً وراءها ليبحث عنها ، بل كلف إحدى الخادمات بإخبارها بأنه قد عاد 

خمسة أيام وهى لم ترى له وجه ولم تسمع له صوت سوى تلك المكالمة القصيرة والتى أخبرها فيها أنه سافر للقاهرة من أجل إجراء جراحة عاجلة لأحد رجال السياسة البارزين ، ظنت بوقتها أن إسراعها فى إنهاء المكالمة الهاتفية سيمنحها الراحة من ذلك الداء الذى برح بقلبها وجسدها وعز عليها الدواء ، فكم كانت تتوق للفرار من ذلك الأسر المسمى بالحب 


فهل هذا حباً الذى سلبها حريتها وأفقدها إرادتها ؟ هذا الداء المزمن الذى لا شفاء لها منه بل يتركها عاجزة كطفلة صغيرة تشتاق للعب بالنار من وقت لأخر رغم التحذيرات المتوالية عليها من عقلها ، تحس أنها مشدودة إليه بقوة خفية لا قبل لها على التخلص منها ، كأنها واقعة تحت تأثير منوم مغناطيسي ، يأتمر بأمره ويتحرك بإرادته ، تحبه حباً جنونياً ، ملك عليها نفسها ، واستولى على مشاعرها ، حبا عاتيا يجرف فى سبيله كل ذنب اقترفه بحقها ويغفر كل ذلة وسيئة ، إلا أنها بتلك اللحظة قررت إلقاء كل ما أعتراها جانباً ولن تفكر فى العودة إلى القصر لترحب بعودة زوجها الغائب ، بل ستظل جالسة بمكانها حتى يصيبها السأم وتعود هى بملأ إرادتها وليس كواجب مقدس عليها بالعودة ، لتجعل زوجها يشعر بالبهجة من أنه ترك زوجة كانت تستميت فى رؤية ظله وعودته وأن تجعل ليلته أكثر دفئاً وحميمية ، فإلى متى ستظل دميته الراقصة على أنغام ذلك الفلوت الموضوع بين أصابعه وطرفه بين شفتيه الأمرة إياه بإصدار الألحان التى تناسب أهواءه 


ضمت طرف وشاحها الخفيف حول كتفيها بعد أن هبت تلك النسمات الباردة القادمة مع الأمواج العاتية ، التى راح زبدها يضرب تلك الصخور ، ويغرقها حتى يظن الرائى أنها لن تعود صلبة بل سيفتتها الموج من كثرة لطماته لها ، ولكن إجتاحها دفء أخر تمثل بذراعين قويتين طوقتها بتملك ، فإرتعدت أوصالها وإستدارت برأسها وجدته جالساً خلفها 


قطبت جبينها كونها لم تسمع صوت خطواته ولم تشعر به إلا بعدما صار ملاصقاً لها ، فتساءلت بدهشة طفيفة:


– أنت جيت أمتى ؟ أنا محستش بيك 


دفن وجهه بعنقها مغمغماً:

– جيت دلوقتى ، ومعلش إن كنت أتأخرت عليكى كام يوم على ما رجعت ، بس جايز كنتى بتفكرى أو مشغولة بحاجة علشان كده محستيش بيا ، وأبقى سعيد الحظ لو كنتى بتفكرى فيا ، وحشتينى يا روحى 


لم يكن بحاجة لأن يكون سعيد الحظ ، فالحق يقال أنها لا تفكر فى أحد سواه ، ملك عليها لبها وخلبها عقلها وجعل أفكارها تدور بفلكه هو وحده ، وقبل أن تبدى إعتراضاً ، كان يقف مشدود القامة ومن ثم أنحنى إليها حاملاً إياها بين ذراعيه واتجه بها إلى تلك المقصورة التى شهدت إحدى لياليهما الزاخرة بالعشق ، ولكن ما كادت تمر ثلاث دقائق ، حتى حلت وثاقه عنها وتملكت منها حرارة الرفض له ولتلك المشاعر التى يثيرها بها ، وحاولت البحث عن أى موضوع أخر حتى وإن كان تافهاً لتغلق الباب أمام ذاك التوق والشوق المتبادل بينهما 


نفضت ذراعيه عنها بجفاء وأعتدلت جالسة بالفراش وتساءلت بإمتعاض :

– راسل أنت كنت حاطط إيه فى الشاى ، لأن اللى حصل بينا مش معقول أكون كنت فى وعيى علشان يحصل ، أكيد أنت كنت حاطط فيه حاجة ، أنا مستحيل أعمل كده بمزاجى 


أعتدل جالساً هو الأخر ومسح وجهه بكفيه ، لعله يفهم ويعلم مغزى ومدلول حديثها ، الذى يحمل طابع الإهانة له ، فرمقها بنظرة مطولة ومن ثم سألها :

– أنتى مكسوفة من اللى حصل بينا يا حياء ؟ مكسوفة أنك بينتى حقيقة مشاعرك ناحيتى وأنك لسه بتحبينى وبتشتاقيلى زى زمان 


– دا أى كلام أنا لو كنت فى وعيى مكنتش عملت كده


غمغمت بعبارتها محاولة إضفاء طابع التبرم والإستياء عليها ، حتى أنها أكملت بقسوة لم يوخزها عليها الندم :


– الراجل اللى يحاول يخلى مراته تخضعله بأى طريقة من دول وتبقى مجبرة أنها تتقبله ، يبقى معندوش الشجاعة أنه يواجهها وبيستخبى ورا تصرفات سخيفة ، بيحاول يثبت بيها أنه راجل 


جردته من كل ذرة صبر حاول بها قمع غضبه ، فهى الأدرى بمدى اعتزازه المميت فى الحفاظ على عدم المساس أو الإنتقاص من رجولته ، فليس هو من يهوى خضوع الطرف الأخر له دون إرادته ، ولا هو بحاجة لتلك الأمور لأن يأخذ منها حقوق الزوج ، فلو كان الأمر يتم بالإجبار ، لكان أخضعها له دون جهد يذكر ، ولكنه ليس ذلك الرجل الذى يستمتع بدموع أو قهر زوجته ، بل دائماً ما يحب أن يكون الوصال بينهما متكافئ دون الحاجة له بأن يجعلها خانعة ذلك الخنوع المنفر 


ثار كبرياءه ووخزته كرامته ، كأنه تقابل مع أحد بميدان القتال ، ولن يجد طريقه يرد بها الهجوم الواقع عليه سوى أن يحاول إثبات أنه حقاً سيئاً كمعتقدها به ، فقبض على ذراعيها وغرز أصابعه بلحمها قائلاً من بين أسنانه بعدما أظلمت عيناه :

– هو وصل بيكى الحال تفكرى فيا أنا بالشكل ده يا حياء ، طب أنا هوريكى إذا كنت أقدر أخليكى تعملى اللى أنا عايزه وأنتى فى وعيك أو لاء 


وصال بود مهين لم تحسن قطع أوصاله قبل أن تتغلغل يداه بين خصيلاتها يشد عليهم بكفيه الغاضبين ، وأنفاس كادت تحرق جلدها معلنة أن القادم أسوء ما يمكن أن تحصل عليه بعد أن أثارته بقولها ونعتها له بالوقاحة وإفتقاره لإخضاعها له باللين ولجوءه لحيل مشينة بأن يجعلها تفقد سيطرتها على أشواقها التى أنفلت عقالها     


ولكنه ما عاد قادراً على أن يكمل ما بدأه ، إذ علم أن محاولته تلك ستقضى على ذلك الخيط الدقيق الذى مازال يربطه بها ، فنزع نفسه عنها وحدقت فى وجهه بقسوة قائلة بدون أن تتروى بحديثها :


– هو ده أخرك يا راسل أنك تحاول تفرض نفسك عليا بالقوة ، فاكر أن كده ممكن أخضعلك علشان تعرف أنك أنانى مبتفكرش إلا فى نفسك بس وأنا ومشاعرى ملناش أى أهمية عندك ، وصلتى إن أنا بالرغم من أن مضايقة من وجود ساندرا أن أحسدها هى وابنها علشان أنت فضلت معاهم السنتين اللى فاتوا ومهتم بيهم ، خليتنى أقول ياريتنى كنت مكانها 


بلغ به الغضب منتهاه ، فصاح بها دون أن يعى ما يقوله :                

– وأنا متمناش أنك تكونى مكانها ولا تشوفى اللى شافته ، ساندرا اللى أنتى شايفاها دى ، جوزها اتقتل قدام عينيها ، وعايشة فى رعب وخوف إن إبنها يتاخد منها وتتحرم منه باقى عمرها  


كف عن الحديث ، ريثما يبتلع تلك الغصة الناتجة عن تجمع العبرات فى عينيه ، ولكن ما لبث أن أستطرد قائلاً بنبرة مغلفة بالحزن العميق ، كأنه يجد مشقة فى أن يتفوه بتلك الكلمات :


– أه أنا أنانى يا حياء ، بدليل أن جيت فى وقت من الأوقات فكرت إن أحرمك من حريتك وإن أطلقك علشان تقدرى تتجوزى حد تانى وتخلفى الأطفال اللى نفسك فيهم ، لأن أنا وأنتى للأسف مفيش بينا التوافق البيولوجى اللى مفروض يبقى موجود علشان نقدر نخلف ، واللى الدكاترة بيقولوا عليه " عدم توافق كيمياء الجسم " و على الرغم من إن إحنا الاتنين معندناش أى حاجة  تمنع الانجاب ، بس حظنا إن وجودنا مع بعض ميحصلش حمل ، يعنى مش هتقدرى تكونى أم ولا أنك تخلفى منى ، ولا إن يكون عندنا ساجد زى ما كنتى بتحلمى وبتتمنى 

 يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة