رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 25 - 2
قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية وبها متيم أنا
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الخامس العشرون
الجزء الثاني
بداخل الغرفة التي تعمل بها، وبقلق يتعاظم مع كل دقيقية وكل اتصال تجريه على هاتف الأخرى ولا يأتيها الرد غمغمت صبا بضيق:
- استغفر الله العظيم يارب، دي مالها دي؟
التفت شادي هذه المرة ليسألها بعد فترة من التريث مع انتباهه لهذا التغير الملحوظ بها:
- مالك يا صبا؟ ومين دي اللي طلعتك عن شعورك؟
وكأنها كانت في انتظار سؤاله، ومشاركة احد ما خوفها:
- قصدي ع البت مودة، أصلها غايبة عن الشغل النهاردة وبتصل بيها من الصبح لكن مفيش أي رد، دا حتى سواق الأتوبيس بتاع الشغل، لما سألته عنها قالي انه قعد فترة طويلة في انتظارها، وهي حتى مكلفتش نفسها تبلغه غيابها أو تاخيرها، انا مش فاهمة، البت دي اول مرو تعملها .
في غمرة استرسالها في هذا الأمر الهام لها، كان هو يركز مع كل كلمة توافق تعبيرات وجهها القلقلة بصورة ضايقته لحزنها، فقال بنبرة مهدئة:
- طيب براحة على نفسك طيب، ما يمكن التليفون فاصل شحن ولا حصل معاها ظرف طارئ، مش لازم تكون حاجة وحشة حصلت معاها يعني؟
بعدم اقتناع حركت رأسها، وازدادت ملامحها وجومًا، لتردف:
- مش مطمنة، الغياب المفاجئ ده وهروبها امبارح قبل ميعاد الأنصراف، دي غير انها متصلتش بيا تاني من وقت ما قالت انها عاملالي مفاجأة.
بابتسامة ودودة رد يطمئنها بكلماته:
- طب مش يمكن كل اللي بيحصل منها ده، من ضمن خطتها في المفاجأة اللي عملاها، اصبري شوية يا صبا، وتوقعي الخير، علٌه يكون كذلك.
تنهيدة مثقلة صدرت منها بامتثتال لقوله، لتردف وهي تفكر بصوت عالي معه:
- يمكن يكون صح زي ما بتقول، خصوصًا يعني ان انا نفسي كنت مشغولة عنها امبارح، في خطوبة شهد، رغم انها كانت ع الضيق، بس كانت ليلة جميلة اوي.
- شهد دي اللي تبقى بنت صاحب ابوكي زي ما قولتي امبارح؟
قالها بتذكر جعل ابتسامة ساحرة تزين ثغرها، لتعقب بمرح:
- إيه ده؟ ما شاء الله، دا انت عندك ذاكرة قوية في انك تفتكر حاجة زي دي، انا نفسي قولتها من غير تركيز .
- انا عمري ما اغفل عن أي تفصيلة تقوليها أو شيء يخصك.
ود أن يقولها بصوت واضح لها، ولكن الجزء اليقظ بداخله، جعله يتراجع، ليخرج بقول روتيني في هذه المواقف
- المهم انك فرحتي يا صبا، عقبالك انتي كمان.
خبئت ابتسامتها المبتهجة ليحل محلها واحدة أخرى، ليس لها معنى، مما جعلها ترتد عليه بضيق، يسألها بريبة:
- ليه يا صبا التغير ده؟ هو انا قولتلك حاجة وحشة؟
بدا على وجهها الحرج وهي تتهرب بعينيها نحو الملفات المرتصة على سطح المكتب أمامها، وجاء ردها بغمغمة:
- لا طبعا انت مقولتش حاجة وحشة، دي حاجة بتتمناها كل البنات، بس....
توقفت فجأة وتوقفت النبضات بقلبه في انتظار ردها الذي جاء متأخرًا، بعد أن ارتفعت انظارها إليه، فيُقابل بهذا الوميض الغريب بعينيها:
- بس للأسف ابويا مش سايبلي فرصة للحلم، حاصر خياراتي في البلد وولاد عمي، وحكاية اقنعه إن الدنيا براح وولاد الحلال في كل حتة، مش بس في البلد وولاد عمي، حاجة أشبه بالمستحيل.
غصة مؤلمة شقت حلقه ومرارة الحزن بصوتها شعر بها بداخل جوفه، مع شيء آخر بنظرتها لا يجد له تفسير، بصعوبة حاول تجاوز الألم بصدره، ليسألها بفضول:
- طب وانتي رافضة البلد والجواز من ولاد عمك ليه؟
أجابته بسهولة وجرأة المدافع عن حقه في الحياة:
- مش عيب في ولاد عمي ولا البلد، بس أنا مش عايزة ابجى نسخة من خواتي البنات، ولا حريم خواتي اللي هما برضوا بنات عمي، انا رافضة جواز الجرايب من الأساس، ورافضة العيشة في القرية، انا حبيت المدينة ودا حجي.
ردد من خلفها بتأيد ومؤازرة، بنبرة تبدوا عادية، ولكن صداها داخله كان يصدح بصراخ:
- طبعا حقك يا صبا، وحقك تختاري اللي انتي عايزاه كمان.
- طب ادعيلي.
قالتها بلهجة تقارب دلالها الفطري الذي بات معتادٌ عليه منها، وهي تنهض فجأة عن كرسيها، تجفله بقولها:
- انا رايحة قسم مودة، اشوفها جات ولا لسة، ولا اعرف حتى إيه الأخبار؟ لتكون وصلت أو بلغت غياب.
ظل صامتًا ولم يرد، حتى غادرت الغرفة ليتمتم من خلفها:
- يارب يحصل يا صبا، يارب
❈❈-❈
في المخزن الخلفي لدكان المعلم عابد الورداني، فتح العامل الباب على مصراعيه بغرض تناوله لبعض الأجولة المخزنة، وما أن دلف بخطوتين للداخل حتى تفاجأ بسبة وقحة أجفلته منتفضًا، ليدمدم بخوف غريزي، قبل أن ينتبه على صاحب الصوت:
- بسم الله الرحمن الرحيم، مين؟ معلم ابراهيم .
اعتدل الاَخير عن نومته فوق ألاَريكة الخشبية الوحيدة، ليجلس زافرًا بنعاس، عينيه لم يفتحها جيدًا بعد، بشعر اشعث ووجه متجهم، اثار القلق بقلب العامل ليردد له باعتذار لا يخلو من الريبة:
- انا اسف يا معلم ابراهيم لو كنت صحيتك، بس يعني.... هو انت من امتي نايم هنا؟
ازداد تجهم ابراهيم لينفر من انفه وفمه زفرة حانقة، وأصابعه تهرش في سمانة القدم الذي رفعها على الاَريكة بجواره، متمتمًا بفظاظة ليست بغريبة عنه:
- وانت مال أهلك؟ انام هنا ولا هناك، دا شيء يخصني.
أومأ العامل برأس مطرقة بحرج، ليتابع طريقه نحو الداخل يدمدم باعتذار اَخر:
- حقك يا معلم حقك.....
- استنى هنا ياض.
هتف بها إبراهيم مقاطعًا الفتي ليوقفه امرًا:
- استنى قبل ما تدخل جوا ولا تاخد حاجة، روح ع القهوة اللي في اخر الشارع، هاتلي كوباية شاي اتصبح بيها.
- بس انا مقدرتش اتأخر، المعلم عابد مستني الطلبية في الدكان عشان نظبط الحسابات والدنيا هناك.
قالها الفتى باعتراض على تخوف من نوبة غضب ابراهيم، والذي ثار على التوقع هادرًا بشراسة ووجه مقلوب:
- ما تولع الطلبية ولا تتنيل تستنى، اخلص ياض هات كوباية الشاي وبعدها اعمل اللي انت عايزه، انا أساسًا قايم مخنوق ونفسي افش خلقي في حد.
انتفض الفتى ليذعن صاغرًا على غير ارادته، وذهب لتنفيذ أمره مغمغمًا بكلمات حانقة وغير مفهومة.
تبع اثره حتى اختفى ليتناول من جيب بنطاله علبة السجائر والقداحة، ليضع واحدة بطرف فمه يشعلها، يسحب الانفاس منها بنهم، ثم ينفث الدخان الكثيف في الهواء، متذكرًا سبب نومه هنا.
لقد كانت ليلة بشعة بكل ما فيها، ليلة اعادت عليه ذكريات سوداء، كان يظن أنه تجاوزها وتناساها،
كلمة حريق، هي أقل وصف لهذا الذي شعر به وقت رؤيتها بصحبة المتحذلق خطيبها المزعوم، ملعونة وجميلة كسابق عهدها قديمًا، مدللة أبيها التي كان يفتخر بها، ويتسابق الجميع لنيل رضاءها، حينما كانت حلم شباب المنطقة!
وقد كان أبلهًا بولهه بها كالبقية، تحركه مشاعر غبية واحلام مراهقة، وقد ظن أنه على وشك الفوز بها،
قبل أن تصدمه بعنجهيتها عليه، وتقلب أيامه بجحيم رفضها......
وكانت القاسمة بعد رحيل والدها.....
- الشاي يا معلم ابراهيم.
هتف بها العامل يقطع عنه استرسال ذكرياته، ليقترب منه واضعًا الكوب الساخن ومعه قنينة، فاعتدل ينثر بطرف سبابته رماد التبغ المحترق من سيجارته ، وتناول الهاتف يفتحه اخيرًا ليرى كم الرسائل والاتصالات المهولة من خيبته الأخرى أمنية، بعدم اكتراث ضغط على الشخص الوحيد المهم إليه، ليصله الاستجابة السريعة منها:
- ايوة يا ابراهيم انت فين يا بني؟ ابوك قالب الدنيا عليك.
- الوو ياما، انا معاكي اهو بخير اطمني، ايه الأخبار بقى؟
❈❈-❈
بداخل غرفة بأحد المستشفيات الحكومية القريبة من القسم، تم تحويلها برفقة رجلين من الأمن، بعد أن فشلو في إفاقتها، وخشي الضابط ان يتحمل مسؤولية الإهمال عنها، ليأمر بنقلها حتى يتم فحصها من قبل الأطباء اللذين قيموا حالتها بالضعف الشديد، ويتم الأمر بحجزها حتى تستعيد عافيتها، مع الإعتناء بها جيدًا.
فكانت ميرنا أول الزائرين لها بعد الإفاقة، بحجة الإطمئنان عليها مع وصلة من التوبيخ بلوم متقن:
- كدة برضوا يا مودة؟ هي دي عملة تعمليها فيها؟ ولا دي جزاة تعبي معاكي؟ تخلي وشي في الأرض، ليه بس يا مودة حرام عليكي.
على سريرها الطبي الذي كانت جالسة عليه بنصف نومة، ونصف جلسة متكئة على الوسادة القطنية من خلفها، تضغط على عينيها ببكاء حارق ومستمر صامتة، لتهتف بها الأخرى بعدم اكتراث لحالها:
- ما تردي يا مودة، سيباني اتكلم واهاتي مع نفسي، ايه بقى، هي القطة أكلت لسانك؟
جاء رد الأخيرة، وهي تمسح بطرف كوم فستانها الجديد، لتلطخه بالدموع العالقة على وجنتيها، وما ينزل من أنفها وقد ذهبت زهوته وفرحتها به بما وصلت أليه الاَن بسببه:
- يعني عايزاني اقولك ايه بس يا ميرنا؟ والله ما كنت اقصد، ولا كنت عايزة اسرق من الأساس.
قاطعتها ميرنا لتقول متهكمة، بتصنع الانفعال في قولها:
- يا سلام... ولما هو كدة، مين بقى اللي جابتها الكاميرات وهي بتحط خاتم الست في جيبها؟ الماظ يا مودة، بتسرقي خاتم الماظ.
- يا ستي والله ما اعرف انه الماظ.
صرخت بها، لتتابع بحرقة:
- دا انا حتى حطيته في جيبي ونسيتوه، روحت البيت وقلعت الجاكت وسط الغسيل ونمت وما افتكرتش غير تاني يوم، وحتى ملحقتش ادور عليه والقاه، على الأقل كنت نجدت نفسي وخلصت.
بانتباه شديد ادعت ميرنا لهفتها في حديث الأخرى لتجد لها حلا سريعًا:
- طب ما احنا فيها اهو، ابعتي لستك تدور وتجيبوا وتنقذك
ابتسامة مريرة ارتسمت على ملامحها، ليخرج صوتها بأنين موجع:
- ستي مين اللي قولها؟ ستي مين بس؟ دي لو عرفت مش بعيد تاخده وتكتم عليه، انتي متعرفيهاش، دا حتى لو كلفت حد يروح ويدور هناك، مش بعيد تعمله فضيحة وتلم الشارع، مينفعش حد يدخل الأوضة غيري.
- اااه
أومأت بها ميرنا بهز رأسها، لتطرق برأسها تدعي تفكيرًا عميقًا في هذه المعضلة، قبل أن ترفع رأسها إليها قائلة:
- طب معنى كلامك كدة يا مودة، ان انتي لازم تخرجي، ودي متنفعش غير بتنازل الست ناهد، بس دي بقى هنعملها ازاي؟
علقت مودة بلهفة الغريق الذي يتعلق بقشاية:
- كلميها يا ميرنا، وقوليها ان مودة هتقلب الدنيا وتخرجه.
عوجت المذكورة ثغرها لتحدجها بنظرة لائمة تردد:
-أكلم مين يا مودة، هو انتي سبتيلي فرصة مع الست اللي طول عمرها بتحلف بأخلاقي وبأني زبونة مميزة عندها، دي بعد اللي حصل جات عندي وهزئتني إن جيبتلها واحدة حرامية، لدرجة انها كانت هتلبسني في المصيبة معاكي، ولا انتي فاكرة ان قضيتك ما لطتنيش، دا انا اتحقق معايا من قبل ما يجبوكي، ولولا الظابط شاف الفيديو وعرف اني بريئة، لكان زماني دلوقتي مشرفة معاكي.
بخيبة أمل ويأس شل تفكيرها، دمدمت مودة بسذاجة تتأسف لها:
- انا أسفة يا ميرنا اني عرضتك لكل المشاكل دي، سامحيني.
تنهيدة كبيرة طردتها ميرنا من صدرها، تدعي الأسى لحال الأخرى قبل أن تجفلها فجأة بقولها:
- على فكرة صح يا مودة ، مدام ناهد دي مجرد مستأجر للمحل، لكن المول نفسه بالهيلمان دا كله، ملك عدي باشا.
بعدم فهم ناظرتها مودة باستفهام:
- عدي باشا بتاعنا...... طب ايه يعني؟ هو ممكن يطردني لو عرف؟..... ولو انتي قصدك ايه بالظبط؟
تراقصت مقلتيها بحركات غير متزنة لتجيبها بمكر:
- بصراحة مش عارفة، انا بفكر معاكي اهو......
الا صحيح، هي صبا معرفتش بموضوعك؟
قالت الأخيرة بنبرة مختلفة عن الباقي لم تنتبه لها مودة التي اجابتها بعفوية وعدم تركيز:
- لا طبعًا، وهتعرف ازاي يعني؟ هو انا شوفت حد من الصبح غير الظباط والدكاترة.
❈❈-❈
في طريقها نحو الذهاب، بعد أن سألت عن مودة وعلمت بأن الوضع على ما هو عليه في حالة الغموض المحيطة بغيابها، كان القلق ينهش قلب صبا التي كانت لا تكف عن المحاولات البائسة في الاتصال بها، حتى كادت أن تصطدم بأحدهم، قبل أن تملك زمام امرها متراجعة في الوقت المناسب، لتردد بالإعتذار قبل حتى أن تنظر عينيها الرجل:
- أنا اسفة.
- مفيش داعي للاعتذار محصلش حاجة اصلًا.
بلكنته الراقية وهذه النبرة التي أصبحت تعلمها، رفعت رأسها إلى صاحب الصوت، لتلتقي عينيها الجميليتن بعينيه المتصيدة، خضراء لكن عميقة، على قدر صفاء اللون بها، على قدر الغموض في عمقها وجرأتها، يخاطبها وكأنه على صلة بها منذ سنوات عديدة:
- عاملة إيه يا صبا؟
تمتمت ترد باقتصاب بغرض اختصار الحديث كي تذهب:
- الحمد لله يا فندم عن......
- عامل ايه شادي معاكي؟ مستريحة في الشغل معاه؟
مقاطعتها المقصودة وسؤاله المباغت لها جعلها تجيب بتحفز غير مبالية:
- الحمد لله يا فندم، مستر شادي من احسن المديرين هنا، يارب بس اكون انا على قدر المسؤلية معاه.
بشبه ابتسامة جانبية رمقها بها، ولم تعرف تفسيرها لتشعر بعدم الارتياح، حتى تدخلت رئيسة القسم التي أتت فجأة، وبصوت ظهر فيه الإهتزاز، ذلك لدهشتها بحضور رجل الأعمال وصاحب الفندق بنفسه إليها:
- يا أهلا يا فندم، نورت القسم كله، اا تؤمر بأي شيء يا عدي باشا.
أومأ لها برأسه، وقبل أن يهم بالرد عليها سبقته صبا من أجل أن تنصرف:
- طب عن اذنكم .
- استني يا صبا.
اوقفها من قبل أن تتحرك، ليباغتها بقوله الغير متوقع:
- كنت عايز اهنيكي بثقة مستر شادي انه اعتمد عليكي اخيرًا في تجميع البيانات .
توسعت عينيها بإجفال، غير مصدقة تركيزه معها في هذا الأمر، وفي هذه النقطة بالذات، فكان رد رئيسة القسم هو الأسبق لها:
- لا يا باشا، شادي مغيرش النظام، دي صبا كانت جاية تسألني على واحدة صاحبتها .
- اممم صاحبتها.
قالها بلهجة ساخرة متهكمة لتثير بداخلها الحنق لفعله الغير مبرر.
فاض بها، فتحركت على الفور تكرر استئذانها للإثنان كي تغادر، تاركة في المكان اثر عطرها الرقيق، فتظل عينيه معلقة بطيفها حتى اختفت، غير منتبهًا لحديث المرأة التي كانت تموت في جلدها خوفًا من هذه الزيارة الغريبة.
❈❈-❈
انتهت اخيرًا من تجهيز نفسها بعد فترة طويلة من البحث بين اكوام ملابسها حتى اختارت شيئًا قديمًا من خزانتها، يناسب خروج اَنسة مع خطيبها، بنطال جينز مناسب وعليه سترة نسائية لم ترتديها منذ فترة طويلة، ولكنها كانت رقيقة لتظهر قدها الممشوق بنعومة كانت تدفنها اسفل ملابس الرجال، والتي لا يصح ارتدائها الاَن على الإطلاق، هي ليست بقليلة الذوق حتى لا تعرف التعامل في مثل هذه المواقف المستجدة معها، حتى تعتاد على الأمر، أو بالأصح تعود لعهدها القديم.
أطلقت شعرها لخلف ظهرها، متخلية عن الربطة الكئيبة، بشرة وجهها لم تفعل بها الكثير، سوى انها وضعت كريم الأساس الذي علمتها عليه صبا ليلة أمس، وخط الكحل الرقيق، ثم لون الشفايف وضعته بصعوبة، بالكاد يظهر عن اللون الطبيعي، كانت ترى نفسها مرضية إلى حد ما حتى فاجئتها رؤى التي اقتحمت الغرفة مهللة:
- ايه الحلاوة دي؟
على أثر الصوت المفاجئ انتفضت شهد مجفلة، لترد بتوبيخ:
- اخص عليكي، كدة برضوا تدخلي الاوضة هجم وتخضيتي، مش عوايدك دي يا رؤى؟
تبسمت الأخيرة لترد وهي تتقدم نحوها بابتهاج خالطه الانبهار والإعجاب:
- إنا اَسفة يا قمر لو كنت خضيتك، بس الباب كان مفتوح والله وانا دخلت عشان اندهلك، يعني داخلة على غرض، بس ايه الجمال ده؟ اقسم بالله انا كنت عارفة انك طلقة وصاروخ ارض جو كمان.
- ياااه.
تمتمت بها شهد بخجل تخفيه لتتابع بإنكار:
- مش لدرجادي يعني! قولي كويسة وخلاص.
- كويسة وخلاص!
قالتها رؤى بابتسامة خبيثة تتلاعب على محياها، لتلتف حولها تتأملها يمينًا ويسارًا، وتردد بمرح:
- يا باشا ما هي لو كانت كويسة وخلاص أو عادية، مكانتش طلعت من قلبي كدة، دا انتي هتقلبي الشارع برا لما تخرجي والناس تشوفك، لكن البلوزة دي متهيألي ما بتلبسيهاش خالص قبل كدة، كذا مرة اشوفها في الدولاب عندك وافتكرها ضيقة ولا مش عجباني وعشان كدة سايباها، دا غير البنطلون كمان...... ايه ده يا عم!
بارتباك ملحوظ ظهر في حركة يدها المضطربة ردت شهد وهي تمررها داخل خصلات شعرها المسترسل كالحرير معها:
- ااا هي فعلا كانت معايا من فترة طويلة، ويمكن أكثر من سنة كمان، كنت اشترتها في مرة كدة لكن مجاتش فرصة البسها، ما انتي عارفة، انا معظم مشاويري شغل...
لم ترد رؤى وظلت تتمعن بها بأعين تلمع بالفرح،سعيدة بهذا التغير المفاجئ لشقيقتها، والتي عبست بوجهها كي تسألها بجدية مصطنعة:
- مقولتش بقى، ايه اللي دخلك هجم كدة؟ وكنت جاية تندهيلي على إيه؟
استدركت فجأة لتضرب بكف يدها على جبهتها بتذكر قائلة:
- يا نهار ابيض، اَه صحيح دا انا نسيت اقولك، اصلي البشمهندس وصل برا ومستنكي في عربيته، وشاولي في البلكونة عشان اندهلك .
- وتوك اللي فاكرة يا رؤى؟
قالتها بلهجة موبخة، لتستل هاتفها وحقيبتها لتعلقها على كتف ذراعها تطالعها بغيظ لتردف لها وهي ذاهبة:
- دا انتي المرقعة والمياصة تنسيكي اسمك.
لحقت بها رؤى متمتمة من خلفها:
- وماله لما ابقى مايصة، دي حتى كلمة جميلة وفيها عبر.
كانت شهد قد وصلت لنصف المنزل حينما سمعت قول شقيقتها لتلتف إليها بتوعد ضاحكة:
- اخلص بس مشواري، وانا اخليكي تشوفي العبرة بحق للمياصة اللي عجباكي دي.
قالتها ثم التفت نحو زوجة ابيها التي تسمرت مزبهلة لرؤيتها كما فعلت امنية ايضًا، فقد كانت جالسة في الجهة الأخرى حينما تفاجأت بها:
- لو عوزتي أي حاجة اطلبيني ع التليفون، انا هحاول متأخرش ان شاء الله.
اومأت نرجس رأسها بتشنج، وعقبت رؤى بشقاوة:
- يا ستي ومتتأخري براحتك، فيها إيه يعني؟ دا انتي حتى طالعة مع خطتشيك اللاه.
للمرة الثانية التفت لها، غير قادرة على منع الضحك لكن بمزيد من الوعيد:
- هقتلك والنعمة هقتلك، اهدي بقى واتبطي خلينا اخرج بقيمتي قبل ما ارتكب جريمة معاكي.
اومأت رؤى مزعنة بطاعة وابتسامة لم تفارقها، حتى اذا خرجت شهد ركضت نحو الشرفة مدمدمة:
- هروح اشوفها وهي بتركب العربية مع خطيبها .
بصدمة وعدم تحمل التفت أمنية تحدج والدتها بنظرات حارقة لتضرب بكف يدها على فخذها ثم على صفحة وجهها، تغمغم بغليل وقهر:
- يعيني على بختك القليل يا أمنية.
يتبع..
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل نصر (بنت الجنوب) لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية