رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 27-1
قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية وبها متيم أنا
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل السابع العشرون
الجزء الأول
الفصل السابع والعشرون
على مقعد له وحده جلس خلف السور الحديدي لشاطئ النيل، بعد أن تعب من سير طويل دون تحديد وجهة له، من وقت أن تركها وترك العمل بعدم تحمل وهو على هذه الحالة من الوجوم والشرود، يلوم نفسه، لا يلومها، فتصرفها كان طبيعيًا لتدخله في شأن خاص بها، بعصبية وانفعال جعل مخزون اللطف لديها نحوه ينفذ لتضع الحد الفاصل حتى يعود لصوابه، وقد بدا أنه نسي نفسه ونسي الفارق الذي يمنعه من التقرب، هو المتعوس المبتلى بالمسؤولية من وقت بلوغه، وهي الصغيرة الجميلة التي لم ترى من هموم الدنيا سوى شجار الرجال من ابناء عمومتها للفوز بها، وإصرار أبيها على العودة إلى القرية التي تكرهها وتكره أن تكون نسخة مكررة من أخواتها.
زفرة متعبة اخرج بها كتلة كثيفة من الهواء من صدره، وعينيه اتجهت نحو المياه الزرقاء الراكدة بهدوء، يتمنى أن يجد السكينة ليستريح، لقد تشعب هذا الوباء الخطير بقلبه حتى جعله لا يرى من النساء غيرها، رغم كل التحذيرات التي يتخذها على نفسه، لا هو بقادر على المضي قدمًا بحياته واختيار امرأة أخرى تشاركه رحلته، ولا هو يملك الجرأة لاقتحام حصونها، لو كان الأمر مرتكزًا على المواجهة مع أبيها فقط، لاستطاع التحدي بكل قوة للدفاع عن حقه بها، وحقها في الحياة باختيار الشريك المناسب لها، هذا لو كان مناسبًا، فهو الأعلم أنه أبعد ما يكون عن هذه الصفة، حتى وقلبه يحدثه أحيانًا بوجود مشاعر تطل من عينيها نحوه، فتجعله ينتشي بسعادة وقتية قبل أن يستعيد عقله، مذكرًا نفسه، أنها مجرد خيالات يرسمها من الا شيء، حتى لا يصدم بواقع يخشاه كالذي حدث صباح اليوم، نزل بعينيه نحو الهاتف الذي يمسكه بيده، وقد فتحه بعد غلقه، علّها تعاود الكرة والاتصال به، هذه المرة سوف يرد حتى وهو يعلم انها تتصل بدافع بعيدًا تمامًا عما يتمناه، ترى هي الاَن ماذا تفعل في غيابه؟ أتكون حزينة لحزنه ام أنها تتابع عمل رئيسها الذي اهمله برعونته؟
يا لهذا العذاب الذي لا ينتهي، ارتفعت عينيه للسماء برجاء مدمدمًا لرب الكون علّه يجد الخلاص:
- يارب، يااارب.
❈❈-❈
- إدخلي يا صبا.
قالها عدي بلهجة تبدوا طبيعية ولكنها تخفي من وراءها، سعادة ممتزجة ببهجة لا مثيل لها، لا يصدق أنه نجح هذه المرة لتأتي إليه بقدميها، رغم عدم استحسانه لهذا الأسلوب الرخيص في البداية، إلا أن النتيجة تستحق، هذه العنيدة المتمردة تدخل إليه الاَن، طالبة المساعدة وهو لن يتأخر معها، يتابعها بعينيه وهي تخطو بتردد، ويجاهد بكل قوة حتى لا تخونه تعابير وجهه، جميلة وبهية لدرجة تحبس الأنفاس بالصدر، فتجعل رؤياها قبلة للنظر.
توقفت فجأة وقبل أن تصل للمكتب على وسط السجادة التي تغطي الأرضية، لتجعله يجفل بخوف أن تغير رأيها وتعود أدراجها، فقال مشجعًا:
- نعم يا صبا، كنتي عايزاني في إيه بقى؟
همت لتتكلم، ولكنه سبق بقوله:
- طب اتفضلي اقعدي الأول وبعدها اتكلمي، انتي مش هتاخدي اوامرك مني وتمشي، دا انتي طالبة رؤيتي في طلب على حسب كلامك ولا إيه؟
اومأت برأسها صامتة وتقدمت تقطع الخطوتين لتجلس أمامه خلف المكتب، فعاد بجسده للخلف يبادرها بالحديث حتى يسهل عليها المهمة:
- اتفضلي يا ستي، انا سامعك كويس اهو
رفعت عينيها الجميلة إليه بتشتت في اختيار بداية مناسبة للحديث، وهو يتابعها بوله صامتًا، حتى همست قائلة:
- يا فندم انا طالبة حضرتك في أمر... يخص واحدة صاحبتي
- صاحبتك مين يا صبا؟ اتكلمي انا سامعك، ولا اقولك ثواني لحظة.
انتظرت لتجده يتصل بأحدهم قائلًا:
- ايوة يا بني، اتنين عصير لو سمحت، تحبي تشربي إيه يا صبا؟
قال الأخيرة بسؤال مباشر لها، وكان ردها باعتراض واضح:
- لا ما انا مش عايزة اشرب حاجة.
تجاهل حدتها وتابع لمحدثه في الهاتف:
- هات اتنين لمون.
- بس انا حضرتك قولت مش عايزة.
انهى المكالمة ليرد بحزم:
- وانا مطلبتش غدا، دا مجرد عصير يا صبا.
ادهشها هذا الهدوء المبالغ فيه، وهذه الأريحية في خطابها، قبل حتى أن يعرف السبب الحقيقي لقدومها، وكأنه شخص عادي ومتفرغ، لديه من الوقت ليستضيف موظفيه ويطلب العصائر لهم أيضًا.
- ها يا صبا، كنتي عايزاني في إيه بقى؟
سألها لتستفيق من شرودها متذكرة أمرها الجلل، فخرجت إجابتها هذه المرة بشكل مباشر ودون مماطلة، حتى تنهي هذه الزيارة:
- حضرتك انا كنت طلباك في أمر مودة.
رد مستهبلًا يدعي عدم المعرفة:
- مودة دي اللي البنت بتاعة النظافة صاحبتك، مالها بقى؟
اشاحت عينيها عنه بحرج، تلعن الأخيرة لتسببها في هذا الوضع المخزي الذي وضعتها به، فخرج صوتها بصعوبة تجيبه:
- بصراحة انا مش عارفة اقولهالك ازاي بس هو أصل......
توقفت تبحث عن كلمات فتابع يحفزها وعينيه تنهل عن قرب من جمالها، فلا يفصله عنها سوى مسافة المكتب:
- قولي يا صبا متتكسفيش، لو صاحبتك عايزة أجازة مرضية ولا سلفة انا على استعداد...
- لأ هي مش عايزة سلفة ولا أجازة مرضبة.....
قالتها سريعًا لتبتلع ريقها قبل أن تتابع وهي تنهج بانفعال:
- حضرتك مودة طالبة مساعدة مختلفة خالص، وانت ممكن ترفض عادي على فكرة، دا شيء انا متوقعاه، بس انا جيتلك بناءًا عن رغبتها.
تقلصت تعابير وجه ليبدوا أمامها مفكرًا بحيرة قبل أن يسألها:
- صبا جيبي م الاَخر، بجد أنا مش فاهم حاجة.
عاد بها لنفس النقطة التي تجعلها تكره مودة وتكره اليوم الذي عرفتها به، ظهر الإضطراب على قسماتها، ورأسها مطرق نحو الأرض بضيق وانزعاج، فقال ملطفًا ليخفف عنها:
- ليه التفكير الكتير ده يا صبا، قولي عن مشكلة صاحبتك وانا مستعد للمساعدة مهما كان الأمر، كفاية انها من جهتك.
قال الاَخيرة لترفع عينيها إليه غير مستسيغة الجملة، مما جعل الرد هذه المرة يكون بسؤال:
- صحيح هو انت ازاي حضرتك مش عارف بالمشكلة وهي تمت في المول بتاعك؟
ببراعة اخفى ارتباكه، ليرد بلهجة عادية قاربت الإقناع:
- المول دا مجرد رقم في أملاك العيلة يا صبا، وانا راجل بدير مية حاجة تانية معاه، يعني مش بتابعه يومي زي الفندق مثلا عشان اعرف كل اللي بيحصل فيه، المهم دلوقتي بقى، ايه المشكلة اللي عملتها صاحبتك في المول بتاعي؟
عبارته الاخيرة كانت مستفزة لتجعلها ترد على الفور:
- صاحبتي معملتش مشكلة في المول، دي هي اللي اتحطت فيها بغباءها، م الاَخر كدة هي كانت بتشتري فستان من محل هناك، وعلى حسب كلامها يعني، هي لقت خاتم مكنتش تعرف بقيمته، حطيته في جيبها ، وتاني يوم الست صاحبة المحل بلغت عنها.
- يعني هي سرقته يا صبا.
قالها بلهجة ماكرة منتبهًا لهذا التجهم الذي غطى معالم وجهها لترد بقوة:
- ممكن يكون هو كدة زي ما انت بتقول، بس المهم بقى في الموضوع، هو أنها عايزة ترجعه ومش عارفة لانها مسجونة طبعًا، ودا اللي هي قصداك فيه، انك لو تقبل يعني، تستخدم نفوذك أو علاقتك مع الست وتخليها تخرجها، عشان تروح بيتها وتدور على الخاتم بنفسها.
انشق ثغره فجأة بابتسامة أثارت توجسها، قبل أن يفصح لها قائلًا:
- صاحبتك دي جريئة اوي يا صبا، يعني تسرق وعايزاني أنا صاحب المول كمان اتدخل لها.
إلى هنا وقد فاض بها، نهضت تفاجئه برد فعلها قائلة:
- تمام يا عدي باشا، انا كدة عملت اللي عليا، وع العموم صاحبتي كان طلبها منك انساني مش جراءة ولا حاجة، لكن طبعًا انت معاك حق، عن إذنك.....
- استني هنا.....
هدر بالاَخيرة ليوقفها قبل أن تغادر نهائيًا، فهذه المجنونة كادت أن تضيع فرصته بفعلها، ونهض منفعلًا ليلتف حول المكتب فيقابلها بقوله:
- إنت ماشية كدة على طول، هو انا لسة اديت رأيي؟
وترها هذا القرب وهذه النظرات التي لا تريحها منه، ولكنها تغاضت لترد بعزة من شيم شخصيتها المعروفة:
- سعادتك انا عارفة من الأول ان الموضوع صعب، وأدخلت فيه مضطرة تحت إلحاح مودة وخوفي على مستقبلها، ولتاني مرة بقولك، أنت لك حرية الأختيار ، في أنك تقبل أو ترفض، المهم ان انا عملت إللي عليا.
أنهت جملتها ونزلت بعينيها على الأرض، متكتفة الزراعين في انتظار قراره، ولا تعلم أنه قد سرح في ملامحها، بعد أن تقلصت المسافة بينهم، لتزيده انبهارًا بها، مميزة وفريدة في كل شيء، ليته قابلها منذ زمن.
حينما طال شروده رفعت عينيها إليه بتساؤل جعله يتحمحم مستجمعًا نفسه ليرد برسمية لا تخلو من المماطلة:
- خلاص يا صبا، انا هبحث الموضوع ده بنفسي واشوف اتصرف فيه ازاي؟
اومأت برأسها لتخرج تنهيدة مثقلة، وكأنها أزاحت همًا من صدرها، لتستأذن خارجة، فتتركه يراقب سيرها حتى خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها، فاستطاع التحرك اخيرًا،
ليجلس على حافة مكتبه بانشداه ظل ملازمه لعدة لحظات، وهو يعيد برأسه اللقاء من أوله، ليردد بعد ذلك بذهول مع ابتسامة ارتسمت على ملامحه:
- دي حتى مدتنيش فرصة عشان اشد ولا ارخي، يا نهار أبيض، قال وانا اللي كنت راسم وحاطط خطط.
❈-❈-❈
توقفت بسيارتها في مكان قريب من المدافن، لتكمل الباقي سيرًا على أقدامها، حتى وصلت للجزء المخصص لمقابر العائلة، طربت أسماعها بالصوت الملائكي الذي كان يصدح بترتل أيات القرآن الكريم وكانت المفاجأة حينما علمت بهوية القارئ الذي كان جالسًا بالقرب من قبر أبيه يتلو اَخر ألأيات من سورة ألرحمن، فظلت واقفة محلها تتابعه بقلب يخفق بقوة تقارب القفزات في صدرها، لا تصدق أن شقيقها الصغير كبر وتغير في هذه السنوات القلائل التي غابتها عنه ليصبح بهذه الصورة الرائعة وهذه النضج الأخلاقي والديني ايضًا، لقد اضحى شخصًا اخر رغم سنوات عمره الصغيرة يسر العين ويسعد القلب.
يبدوا أنه قد شعر بها، وذلك لالتفاف رأسه نحوها فور انتهائه من القراءة، فكانت فرصتها لتهجم عليه بشوقها وفرحها، تعانقه بذراعيها وتقبله على وجنتيه مرددة:
- ميدو يا روح قلبي، بسم الله ما شاء الله عليك، ايه الجمال ده، ربنا يحفظك يا حبيبي، ربنا يحفظك
حينما انتبهت اخيرًا على جموده، وقد كان كالتمثال يطالعها متوسع العينين بجزع، فابتعدت بإجفال تسأله:
- إيه يا قلبي، هو انت هتعمل زي المرة اللي فاتت ولا إيه؟ مش معقول كمان تكون المرة دي معرفتنيش.
رده خرج بفظاظة لم يقصدها:
- لا يا رباب عرفتك، بس للأسف بعد ما اتخضيت في البداية من هيئة الست الغريبة اللي هجمت عليا تحضني وتبوسني
ابتلعت ريقها بحرج تستنكر قوله باستهجان:
- يااه ست غريبة كمان! مش لدرجادي يعني، انا اه اتغيرت، بس انت أكيد عارفني يا ميدو ، لو مش بشكلي ولا حتى صوتي، يبقى ع الأقل تعرفني بشهرتي، ولا انت هتنكر دي؟
نهض فجأة ليحدثها من مستوى طوله المقارب لطولها الاَن:
- لا يا رباب مش هنكر انك مشهورة حسب ما بسمع، بس بصراحة أنا مش متابع حساباتك، لأن المحتوى اللي فيها لا هو هادف عشان يعجبني، ولا حتى هينفعني في دراستي، يبقى اضطر اتابعه ليه؟
- هو صغير ولا يعلم بتأثير كلماته الحادة عليها.
هذا ما كانت تردده بداخلها لتعطيه المبرر لتسامحه، شقيقها الصغير الذي تربى على يديها، يقرعها بكلمات قاسية والاَن يزيد عليها بنظرات غير مريحة تشمل ملابسها حتى ما ترتديه في قدميها في الأسفل، ليفاجئها بقوله:
- ايه اللي انتي لابساه وجاية بيه دا يا رباب؟
بتعالي مقصود سألته:
- وماله بقى لبسي؟ ما هو دا استايلي اللي مشهورة بيه، ما انت لو متابع هتعرف.
- ومش عايز اعرف؟
قالها بحدة وأعين مشتعلة متابعَا:
- يا ست يا مشهورة، إستيالك ده ع الشاشة، مش ع الأرض، وفي حتة طاهرة زي دي، طب قدري حتى رهبة المكان، جيالي ببنطلون تحت الركبة، وبلوزة محددة معالم....... استغفر الله العظيم يارب.
- تمتم بالاَخيرة يتنحى بوجهه عنها ليزيد على حزنها، فردت بأعين دامعة:
- على فكرة انت اخويا الصغير، وانا اللي مربياك مش انت اللي مربيني.
تجعد وجهه بامتعاض وتهكم واضح لجملتها، فهتفت بدافعية:
- ويكون في علمك بقى، انا جيت على غفلة من غير تحضير، حسيت نفسي مخنوقة وسوقت عربيتي على هنا، يعني مكنش عندي وقت افكر في اللي لابساه.
عاد برأسه إليها وملامح وجهه ما زالت معقدة ليردف في حنق:
- انتي حرة يا رباب، يعني انا ما ليش حق احاسبك .
دنى ليتناول حقيبة مدرسته، فتح السحاب ليضع المصحف الشريف بداخلها، قبل أن يغلقها ويعلقها خلف ظهره قائلًا اَخيرًا:
- ارجو منك بس المرة الجاية تديني تنبيه وانتي جاية تسلمي، على ما اتعود ع الشكل الجديد يعني.
تحرك خطوتين ثم التف برأسهِ نحوها قائلًا:
- حاجة اَخيرة أحب افكرك بيها للمرة الثانية، انا أسمي محمد، معدتش ينفع معايا دلع ميدو، عن اذنك.
ختم بالاَخيرة ليغادر نهائيًا، وتسقط هي على عقبيها منهارة بالبكاء بجوار قبر والدتها، وحيدة، منبوزة، لا تجد أحد بجوارها يؤازرها بقلب المحب في محنتها، إلى من تلجأ؟ وقد ضيعت نفسها، بعد ان استبدلت دفأ الأسرة بمال وعشق مزيف، هانت عليها نفسها، فهانت في أعين الجميع .
❈-❈-❈
بوجه ناعس، خرج من غرفته يبحث عن والدته بعد أن
استيقظ قرب العصر، وقد قرص الجوع معدته، ويريد سد حاجته بأي لقيمة من الطعام، وصله صوتها من داخل غرفة المعيشة، ليحدد وجهته نحوها، تلتقط أسماعه ما تتفوه به:
- حلو اوي الطقم الفوشيا يا حسن، اشتريه يا حبيبي، مهيمكش من اعتراضها........ وهي عايز تجيب إيه؟........ لا لا يا حسن، بلاش الالوان الكاتمة والغامقة، متطاوعهاش على جنانها.
دلف إليها متعقد الحاجبين باندهاش، ليجلس بالقرب منها بوجه متسائل رغم أثر النوم عليه، يدلك بكفه على خلف عنقه، تجاهلته مجيدة عن عمد لتتابع مكالمتها باهتمام:
- أيوة يا روح قلبي، وهاتلها كمان فساتين، البت المجنونة دي، جسمها مظبوط وبيليق عليه....
- جسمها!
خرجت من أمين باندهاش، لتحدجه مجيدة بشراسة، تبرق عينيها نحوه بتحذير، بعد أن التقط هفوتها، ليعقب متهكمًا:
- وانا مالي يا ست، ما تنقي انتي كلامك الله.
زفرت بقنوط لتنهي المكالمة على عجالة حتى تفرغ له:
- تمام يا حسن، أي جديد بلغني وابعتلي الصور ع الوتساب، اعتبرني ماشية معاكم في السوق....... إيه الحاجات التانية دي ال......؟
قطعت لتطلق ضحكة رنانة أثارت اهتمام أمين ليتيقن من حدسه بعد قولها:
- مش دلوقتي يا منيل اصبر شوية، للبت تكش منك، دا احنا مصدقنا انها فكت شوية...
ختمت بضحكة قبل أن تلتفت نحو الاَخر، فوجدته يرمقها باستنكار رافعًا طرف شفته، غارزًا سبابته في وسط وجنته، كادت هيئته أن تضحكها، ولكنها تماسكت لتخاطبه بجدية:
- نعم يا حليوة، وشك مقلوب كدة ليه؟
بغيظ شديد كان يصدر مع كل حرف يتفوه به، رد يجيبها:
- على فكرة بقى، أنا صاحي أوي ووصلني الجزء الأخير من المكالمة، قولي لابنك السافل قليل الأدب يلم نفسه، دا احنا لسة ملبسناش دبل، أمال لما نكتب الكتاب هيحصل إيه؟ اللي كنا فاكرينه مؤدب وبيتكسف، طلع مية من تحت تبن.
كبحت طيف ابتسامة عابثة كادت أن تفضحها لتتخصر قائلة بمقارعة:
- اسم الله يا حبيبي واقوله ليه بقى يلم نفسه؟ ما هو قاري فاتحة، وكدة كدة هنلبس دبل الأسبوع اللي جاي، ووعد عليا يا حسن لاكون كاتبة كتابك في أسرع وقت، ثم كمان يعني الشقاوة مطلوبة بين كل اتنين مخطوبين، عشان ياخدوا على بعض وكدة.
ردد صائحًا خلفها باستهجان:
- ايه؟ ياخدوا على بعض من دلوقتي! في إيه يا ست الناظرة، دا انتي كنتي شديدة زمان، ليه بقى جايا ترخي دلوقتي وابنك في سن خطر والوضع ميسمحش.
هذه المرة لم تقوي على الكبت أكثر من ذلك، لتضحك ملء فمها مرددة له:
- لأ يا حبيبي يسمح، مش هيتجوز ويخلصني من مسؤليته، يبقى يعمل اللي هو عايزه، قال يسمح قال.
قالت الأخيرة لتنهض مكتفية بهذه الجرعة، وقد اعتلى الحنق قسماته، لتتمتم ببرائة تدعيها:
- ها عقبال يارب كل اتنين بيحبوا بعض.
تحركت خطوة لتلتف إليه سائلة:
- أحضرلك غدا يا أمين؟ اكيد يا حبيبي جعان، امال يعني قايم كدة بخلقتك المقلوبة دي ليه؟
اكتفى بالصمت مضيقًا عينيه، وزفير سخطه يخرج الدخان من إذنيه وفتحتي منخاريه.
ادعت التغافل لتكمل في الخروج مرددة:
- هروح احضر غدا، بس انت افرد وشك شوية.
وصلت لنصف المسافة لتعود إليه مرة أخرى قائلة:
- اه صحيح يا أمين، انا خارجة بعد شوية، لو مش فاضي توصلني معاك، اتصلي بتاكسي يجي ياخدني.
- ليه رايحة فين؟
سألها بخشونة يظهر انزاعجه، وردت تجيبه بتنهيدة أسى:
- مشوار مهم والنبي يا بني، حكم الست أنيسة لما اتصلت بيها من شوية، بلغتني ان ضغطها واطي وحاسة ان عضمها متكسر.
علق على الأمر وكأنه حدث جلل:
- يا نهار أبيض، ضغطها واطي وحاسة كمان ان عضمها متكسر... لا انا هروح معاكي اطمن ع الست، ميصحش برضوا.
أومأت بابتسامة جانبية وهي تستدير عنه مدمدمة:
- اه يا حبيبي ميصحش امال ايه، دا كفاية صنية الكيكة اللي هبشتها لوحدك