رواية جديدة وبها متيم أنا لأمل نصر - الفصل 31
قراءة رواية وبها متيم أنا كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية وبها متيم أنا
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الواحد والثلاثون
من وقت عودتها من زيارة الطبيبة وهي داخل غرفتها ولم تبارحها قط، تضم بذراعيها نفسها وكأنها تلمتس حنانًا تفتقده، محتجزة داخل ماضيها القبيح والذكريات المؤلمة تنعاد متوالية متكررة دون رحمة، كانت تظن نفسها نجت، حتى وهذه اللعنة لا تفارقها، على الأقل نجت بجسدها، رغم خسائرها الفادحة، يكفيها سنوات العذاب والمحاولات الحثيثة منها في التخلص من هذا الزواج البائس، يكفيها الأطفال التي ضحت بهم اجل الخلاص، وهي الآن تتمنى ظفر أحدهم، حتى وهي نجمة محاطة بمحبة الجمهور وقد من الله عليها بأعظم الرجال وتقريبًا أنجحهم.
بكاء عنيف لا تستطيع التوقف عنه، مع كل لمحة سوداء تمر بعقلها، من تعنيف وجرح في الكرامة وتلذذ بعذابها، ثم هذا الصراخ الذي يفتك بأسماعها:
- زي ما حرمتيني من ولادي، هتعيشي انتي كمان محرومة منهم، انا هخرج من الدنيا وحيد من غيرهم، وانتي كمان، هتفضلي كدة يا نورهان، مش انا بس، انتي كمان يا نورهان.
زاد صوت شهقاتها بنشيج حارق، حتى لم تعي بالغرفة التي انقشع ظلامها وهذا الذي دلف فجأة ليقتلعها من الهاوية التي كانت ماكثة بها، وقد ضمتها ذراعيه بعنف يشدد عليها تستفيق وتعود إليه:
- نور، نوور ، فوقي يا نور انا معاكي، فوقي يا حبيبتي، اسف اني كنت السبب في اللي انتي فيه دلوقتي، سامحيني يا حبيبتي سامحيني.
ظلت على بكائها، وهو يزيد بضمها لمدة ليست قليلة من الوقت، حتى توقف، وقد اكتنفها دفئه، غمرها عطر أنفاسه التي كانت تلفح وجهها في كل قبلة على جبهتها او بين بصيلات شعرها في الأعلى، وكلماته الرقيقة تطن في أذنها:
- بس يا قلبي انا معاكي، اهدي يا نور عيوني، مفيش حاجة تزعلك تاني طول ما انا موجود، انا جمبك يا روحي، انا جمبك.
تنهدت ببعض الراحة وذراعيها التفت حول خصره، ليخرج صوتها اَخيرًا:
- أنا بحبك اوي يا مصطفى، وعمري ما ازعل منك، انت نعمة ربنا عليا ورحمته رغم كل ذنوبي.
تنهيدة طويلة خرجت من العمق، سبقت رده على كلماتها:
- محدش فينا خالي من الذنوب يا نور، احنا مش ملايكة ماشية على الأرض.
صمتت قليلًا داخل احضانه، ثم قالت بدون أن ترفع عينيها إليه:
- الدكتورة قالتلك ع اللي الكلام اللي حكتهولها؟
ابعدها بيده ليواجها قائلًا:
- لأ يا نور مقالتش، الدكتورة ست محترمة مبطلعش اسرار المرضى بتوعها، حتى لأقرب ماليهم، الا اذا كان في تفاهم عن كدة.
- يعني انت ميهمكش تعرف؟
سألته والشك يدور برأسها، وكان رد قاطعًا:
- عمر ما هسأل ولا هبحث عن حاجة انتي مش عايزة تقولي عليها، كل كلامي مع الدكتورة بيتلخص في المطلوب، واللي انتي محتاجاه، كانت شكوتها دايما انك رافضة العلاج وبتعتبري الجلسات فرض مكروه عليكي .
بنظرة خاوية اعتدلت تعقب بلمحة من السخرية ومعالم الغضب تعتلي قسماتها:
- ودلوقتي بعد ما اتكلمت وجعلتني ارجع لذكريات....
انا مش طايقاها، رايها بقى اني كدة حلو.
ندمت على اندفاعها فور رؤيتها لتغيرًا سريعًا يطفو على تعبيراته، ليقول بعتاب:
- للمرة الألف بقولك لو مش عايزة تكملي مع الدكتورة انتي حرة، انا مش بغصبك على حاجة يا نور، تحبي اتصلك بالدكتور حالًا ابلغها قرارك؟
- لا يا حبيبي متعلمش.
توقفت برهة، ثم تابعت وكأنها تحدث نفسها:
- برغم كل الوجع اللي حسيته بعد ما اتكلمت بس انا...... بقى عندي شيء غريب جوايا دلوقتى بيدفعني اكمل، حتى والكلام بتعبني برضوا عايزة....... افضفض، على الرغم ان الكلمة دي مكنتش مقتنعة بيها نهائي قبل كدة.
❈-❈-❈
بخطوات متسارعة وكأنهن في سباق من تهبط الدرج اولا لتلحق بهذان المتناحران وصوت شجارهم يصل إلى خارج المنزل:
- احترم نفسك يا كارم ، وراعي اني مستقبلك في بيتي ومش عايز اغلط فيك.
هتف بها طارق يواجه خصمه الذي كان يقف متخصرًا، بشر يفوح من كل خلية بجسده، ورد بلهجة تفيض بالكره:
- وانا مش طالب استقبالك، ولا عايز ادخل بيتك من أساسه، انا عايز مراتي، اقولها كام مرة عشان تفهم.
وصلت كاميليا، فكان صوتها بقوة لم تغب عنها حتى بعد مرور هذا العدد من السنوات:
- مراتك تبقى اختي يا استاذ انت، يعني مهياش في بيت غريب ولا مع ناس غربا عشان تتعامل معانا بالشكل ده.
رد موجهًا كلماته لها بتهكم واستفزاز:
- كدة في يوم وليلة بقت اختك وصاحبة بيت كمان!
هذه المرة جاءه الرد منها نفسها:
- ايه لزوم الخناق يا كارم؟ اختي وجوزها محدش فيهم غلط فيك.
- إنتي كمان هتقولي اختك وجوزها؟
صاح بها بصوت عالي كالزئير، ليجفلها بهذه النظرة العدائية نحوها، وكأنه لا يصدق قولها، لا يطيق أن تصدر العبارة منها هي، بعد كل ما فعله من أجلها.
ارتدت بأقدامها للخلف خوفُا وهلعًا منه، حتى التفت كفي شقيقتها حول أكتفاها بحماية ترد على كلماته:
- أيوة اختها يا كارم، ومهما حصل وفرقتنا الأيام كان مسرينا برضوا هنرجع لبعض، رابطة الدم اقوي من أي شيء في الدنيا، مهمها انت انكرت وبالغت في تضخيم الفرقة ما بينا.
سمع منها وازداد تطرفه حتى اندفع فجأة يجذبها من كفها قائلًا بتملك:
- تعالي يا رباب نتفاهم في بيتنا وسيبك من الكلام الفارغ ده......
هتفت به كاميليا وبيديها أمسكت بشقيقتها توقفه:
- سيب البنت، دي مش طريقة تفاهم دي.
طارق هو الاَخر تصدر بجسده ليصير حاجزًا بينه وبين رباب قائلًا بخشونة:
- انا لحد دلوقتي ملتزم معاك ضبط النفس، ما تخلينش اعاملك باللي تستاهله.
- طب وريني هتعمل ايه؟
هدر بها يخرج سلاحه الناري المرخص من جيب بنطاله الخلفي يصوبه للأعلى مهددًا:
- ما تخلونيش اعمل مجزرة دلوقتي، وانتوا عارفيني مجنون ولا ها يهمني.
- مجنون على نفسك.
صرخت بها كاميليا وهم زوجها ان يرد بغشم يماثل فعل الاخر ولكن رباب كانت الأسبق بترويضه، رغم الرعب الذي زحف بقلبها:
- بلاش يا كارم العنف، مفيش حاجة تستدعي اساسًا.
رد بغضب وطاقة العنف بداخله تنشر ذبذباتها في الأجواء:
- خلاص يبقى تعقلي وتيجي معايا من غير كلام.
لهجته المتسلطة استفزت كاميليا حتى جعلتها على وشك الهجوم لتقتص منه غير مبالية بالتوابع ولكنها تفاجأت بفعل شقيقتها التي ردت برقة تقارب الرجاء:
- يا كارم انا اعصابي تعبانة، عايز اغير جو يمكن اعود لطبيعتي، ولا انتي ناسي اللي حصلي، ولا باللي كان هيجرالي؟
بلهجتها اللينة استطاعت التأثير، حتى ارتخت يده عن مسكها ورد بلهجة خفت حدتها عن السابق:
- وان شاء الله تغير الجو ده هياخد قد ايه؟ خلي بالك انا معنديش صبر.
خرج الرد من كاميليا التي كانت على وشك الأنفجار:.
- هي جارية اشترتها، افهم بقى بتقولك تعبانة، يعني تخلي عندك دم وتديها وقتها ع الأقل .
عاد لشراسته مرة أخرى، حتى هم أن يستعيد عنفه السابق ولكن زوجته منعت نشوب الحرب من أولها، وخاطبته بمهادنة:
- هحاول متأخرش يا كارم، بس انت كمان متضغطش عليا، وابقى شاكرة اوي لو تجيبلي الولد.
ردد خلفها بحدة متسائلًا:
- انتي كمان عايزاني اجيب الولد هنا يا رباب؟
ردت كاميليا تزيد من حنقه:
- وماله هنا بقى؟ هو داخل عند ناس اغراب؟ دا بيت خالته على فكرة.
اضاف على قولها طارق ببعض اللطف مرحبًا:
- وانت برضوا لو حبيت تزورها، البيت مفتوح لك في أي وقت يا كارم.
بقول الاَخير كانت نهاية النقاش، نفض كارم سترته بعنف بعد ان وزع انظاره على الثلاثة، ليذهب ساحبًا شياطين غضبه معه، وتبقت رباب برفقة طارق وشقيقتها التي خرج صوتها بغضب نحوها:
- ممكن افهم بقى، ايه الضعف اللي بتتكلمي بيه مع الراجل ده؟ هو اشتراكي؟ ما تفوقي يا بنتي وخليكي قوية قدامه.
صمتت قليلًا رباب قبل أن تفاجأها بردها:
- كارم مش وحش هياكلني، دا جوزي، وعلى فكرة بقى، هو مش سيء اوي لدرجادي يعني.
بللت شفتيها تراقب رد فعل كلماتها على وجه شقيقتها التي عصف بها الذهول حتى لجم لسانها عن الرد، وطارق الذي غلفت صفحة وجهه لتُصبح غير مقروءة على الإطلاق، وتابعت مخاطبة الاثنين رغبة في الذهاب:
- عن اذنكم بقى اروح اريح شوية في اوضتي.
ردد طارق من خلفها:
- ماشي يا رباب، روحي ارتاحي على ما يجي وقت العشا نندهلك بقى عشان تدوقي أكلنا.
اومأت له برأسها وغادرت بعد أن خطفت بنظرة نحو شقيقتها التي تسمرت محلها، ثم ظلت تراقبها وهي تصعد الدرج اللولبي المؤدي للطابق الثاني من المنزل حتى اختفت، لتوجه سؤالها نحو زوجها:
- دي لسة بتدافع عنه؟
رد بابتسامة تخلو من المرح وهو يستدير عنها نحو مقاعد البهو:
- بتقولك انه مش وحش ولا هياكلها، خلاص بقى يا كاميليا.
❈-❈-❈
- سامية! سامية مين؟
قالتها صبا مرددة الأسم بتساؤل، وعينيها تمشط الفتاة من حجاب رأسها في الأعلى الذي كان عائدًا لنصف شعرها الناعم، ثم زينة وجهها المتقنة بحرفية جعلتها تبدوا غاية في الجمال، ثم ملابسها العصرية بأناقة لا تخلو من ضيق على بعض المناطق من جسدها، لتظهرها بوضوح فج، حتى وصلت لحذاء قدمها في الأسفل، بتأمل مكشوف؛ جعل الفتاة تميل برأسها لتسألها بضيق:
- وانتي مالك؟ بتسألي ليه، انتي مين أصلًا؟
اندفعت الدماء برأس صبا، شاعرة بالإهانة فهذه الفتاة تعاملها بعجرفة وكأنها وارثة مع أهل المنزل،
همت ان تقارعها بعنف، لتريها من هي صبا، ولكن الاَخر كان قد أتى على الصوت، يحمل ابنة شقيقته فوف ذراعه، فقال مرحبًا بوجهه البشوش كعادته:
- صبا، واقفة ليه عندك؟ ما تدخلي.
انتهزتها فرصة لتصب سخطها نحو هذه الفتاة:
- الهانم اللي واقفة معوجة جدامك دي، هي اللي منعاني وبترد عليا من فوق مناخيرها.
شهقت الفتاة ضاربة بكفها على صدرها تخاطب شادي بدفاعية:
- والله ما عملت حاجة، دا هي اللي واقفة متنحة قدامي، وانا بسألها عن اسمها.
سمعت منها لتبرق عينيها بشراسة جعلت لسانها ينطق بلكنة الجنوب وبانفعال قلما يصدر منها:
- يخرب بيت ابوكي، مين يا بت اللي متنحة؟
- يا لهوي ياما، هو انتي هتاكليني ولا ايه؟
هتفت بها المدعوة سامية، أما عن شادي فقد اخفى بصعوبة ابتسامته ملحة، ليتصنع الجدية في قوله:
- مفيش داعي للنرفزة يا صبا، ادخلي الأول بدل وقفة الباب .
ردت بتحدي ادهشه:
- مش جبل ما اعرف مين دي؟
تخصرت الفتاة ترد بميوعة قاصدة كيدها؛
- لتاني مرة بقولك، انا سامية يا حبيبتي، انتي بقى اللي مين؟
تحول غضبها نحوه هو متسائلة ببعض من الحلم قبل أن تفتك بها:
- شايف الاستفزاز، يعني اخلص عليكي دلوك؟
هذه ألمرة لم يقوى على كبتها، فتبسم بعرض فمه، ليزيح بخفة سامية عن المدخل، قبل أن يجذب الأخرى من كفها حتى ادخلها واغلق الباب ، ثم رد يجيبها:
- دي تبقى سامية، بنت خالي وبنفس الوقت تبقى عمة ولاد اختي .
قالها قبل ان يصل صوت الأخرى:
- متقولش كدة يا شادي لتفتكرني كبيرة وانا أصلًا تلاقيني اصغر منها.
افتر فاه شادي لثانية وقد كان على وشك الرد ليُفحمها، فهو الأعلم بعمر كل واحد منهن، ولكنه عاد لعقله محدثًا صبا التي كانت على حافة الإنفجار:
- بقولك إيه يا صبا، انتي جاية تسألي على رحمة صح؟ ادخلي هتلاقيها في أوضتها.
خطفت نظره حانقة نحو الفتاة قبل ان تذعن لقوله مرددة:
- عشان خاطر رحمة بس، عن اذنكم.
❈-❈-❈
- الف سلامة عليكي يا رحوم، مالك بس؟
قالتها صبا ممسكة بيد الأخرى، والتي كانت مستلقية على ظهرها فوق الفراش، وردت ممازحة رغم تعبها:
- اتقلب حالي يا ختي، اهي دي جزاة الست اللي تقل عقلها وتحمل بعد ما تخلف عيلين.
بضحكة شقية من صبا ردت تناكفها:
- بجى على عيلين وفرهدتي، امال امي انا اللي مخلفة ستة قبلي تعمل ايه، ولا عمتي فوزية، اللي ابو جوزها مات النهاردة، دا دي لوحدها مخلفة تسعة ما شاء الله يسدوا عين الشمس .
- يا اختي اللهم بارك، بس ناس زمان كان عندها صحة، مش زي صاحبتك، اللي من عيلين بس فرهدت وسلمت نمر، بقى من الشهر الأول انام على ضهري، وانا لسة قدامي شهور.
قالت صبا بمشاكسة وابتسامة تداعب ثغرها:
- ولما انتي عارفة كدة مش كنتي تاخدي بالك، حرصي بجى ع العيل المتعب ده، وخلي بالك لا تعمليها تاني.
هتفت رحمة بصوت أضحكها:
- يا ختيييي اعمل فين تاني كمان؟ توبة من دي النوبة اسمع لكلام المنيل جوزي، كل اللي عليه، عايزين نخاوي العيال، ووقت الجد بشيل انا الهم وحدي.
ربتت صبا على كفها برقة تدعمها:
- معلش يا ستي ربنا يقدرك ويقومك بالسلامة، ما هي العيال رزق برضوا.
اومأت رحمة باقتناع ولكن قد خبأت ابتسامتها لتقول:
- مكدبش عليكي انا بهزر اه، بس ربنا بس هو اللي عالم بحالي، اصلي رقدتي دي زودت على اخويا، يعني مش كفاية مسؤلية امي عشان ازود عليه انا بهمي
- متقوليش كدة، بعد الشر عليكي من الهم.
قالتها صبا ثم عادت بإدراك مردفة:
- طب معلش يعني في السؤال، هي البت اللي اسمها سامية دي، لازمتها ايه هنا في البيت؟
رحمة وابتسامة عابثة لاحت على صفحة وجهها مع تفكير افقدها تركيزها في الرد:
- هي ملهاش لازمة.... قاصدي يعني...... خلتيني اتلخلبطت يا صبا، سامية بتيجي تطل عليا وعلى ولاد اخوها، اصلها بقت تقريبًا ساكنة مع جوزي في شقتنا، توضب الشقة تحت وتحضر حاجته، قبل ما تطلع هنا وتطل عليا، وو كتر خيرها يعني بتحاول تشوف اللي محتاجاه.
رددت صبا خلفها متسائلة بامتعاض:
- وايه بجى اللي انتي محتاجاه والهانم بتعملهولك؟
زاد اتساع ابتسامتها في الرد بمكر:
- يعني مثلًا في مشاوير الدكتور، ورعاية الولاد ولو عاملة اكلة حلوة تيجي تجيبها وتدوقني.
خرج صوت صبا بحدة على غير ارادتها:
- مشاوير الدكتور دي حاجة واجب عليها على فكرة، مش اخت جوزك، وحتى حكاية الولاد برضوا، رغم ان انا شايفة شادي دلوكت هو اللي شايل البت مش هي.
زادت رحمة بخبثها:
- لا ما هي مش فاضية دلوقتي، اصلها دخلت المطبخ تروق المواعين بعد العزومة، اصلها جابت صنية اكل عملاها كلها بنفسها.
- عزومة وصنية أكل كمان؟ ليه هي كانت عاملة ايه بالظبط؟
تسائلت بفضول وملامح وجهها تقلصت بغيظ، وردت رحمة بابتسامة مستترة:
- لا هي كانت عاملة كتير صراحة، رقاق باللحمة المفرومة وفرخة مشوية، دا غير المحاشي.
غمغمت صبا تردد داخلها الاصناف المذكورة، وشيء من الحقد يكتنفها، أن تجيد هذه الفتاة صنع ما تفشل فيه دائمًا، بالإضافة لهيئتها المبالغ فيها من الأهتمام بالنفس، وكأنها.......
- ساكتة ليه يا صبا؟
سألتها رحمة حين طال صمتها، وتحمحت هي تجلي حلقها، في محاولة للرد بزوق لتخفي هذا الشعور بداخلها:
- لا يعني....... اصلك لما جيبتي سيرة الأكل فتحتي نفسي إنا كمان، اجوم احصل ابويا زمانه وصل عشان اتغدى معاه انا وامي.
- يا ريتك قدمتي، كنتي اكلتي معانا.
قالتها رحمة بتسلية وقد اعجبها الوضع، وكان رد صبا أن أومأت لها بابتسامة صفراء زادت من مرح الأخرى، وقالت على مضص:
- معلش ما ليش نصيب ادوق انا الأكل الحلو ده، بألف هنا وشفا.
ضحكت رحمة مرددة قبل أن تلتفت على طرق باب الغرفة
- الله يهنيكي.
همت صبا أن تغادر ولكن اقدامها توقفت فور ولوجه الغرفة حاملًا الإبنة الصغرى لشقيقته، يردد بمزاج رائق:
- تعالي يا رحمة شوفي بنتك، بتقول انها هتعيش معايا دايمًا وخلاص استغنت عنكم .
استجابت رحمة تشهق متصنعة العبوس مرددة:
- اخص عليكي بت، بقى بتبيعي. امك وابوكي في اول ملف،
ضحكت الصغيرة تدفن رأسها في حضن خالها، حتى اقتربت منها صبا تداعبها بعفوية:
- اخص عليكي انتي يا ست رحمة، دي شوشو دي احلى فيها جلة الأصل، ولا ايه يا شموسة، تيجي معايا شوية نلعب مع بعض ع التليفون.
سمعت الطفلة لتومئ رأسها بحماس وارتمت بعفوية على صبا التي تلقفتها من ذراعي شادي الذي انتفض وكأنها ماس كهربائي صعقه فور أن تلامست كفيه بكفيها دون قصد، ومن هذه المسافة من القرب، ارتد على الفور عن الإثنان متحمحمًا حتى يجلي حلقه عائدَة للمزاح:
- يعني خلاص يا ست شمس، نسيتي خالك.
تطلعت إليه الصغيرة مبتسمة بدلال قبل أن تريح رأسها على كتف صبا التي ضحكت لعفوية الطفلة، فعقبت والدتها:
- شوفت اهي باعتك، عشان متشوفش نفسك عليا تاني.
تطلع شادي نحو الصغيرة ذات الثلاث سنوات، متجاهل النظر نحو من تحملها، ليمرر كفه الكبيرة على شعرها القصير بحنان قائلًا:
- معلش يا ستي انا راضي، حبيبة خالها بتلف تلف وترجعله.
قطبت صبا مندهشة العبارة، ثم التفتت للطفلة الصغيرة وشددت بضمتها قائلة بحب حقيقي لها:
- شموسة بتدلع عشان عارفة غلاوتها عندنا كلنا، واللي يلاقي الدلع ميدلعش ليه؟
- على رأيك والله.
قالتها رحمة قبل أن تفاجأ بشقيقة زوجها تقتحم الغرفة، بعد طرقها للباب على عجالة، لتلج حاملة بيدها صنية عليها عددَا من أطباق الحلوى قائلة:
- انا جيت ادوقوا بسبوستي، ما هو الأكل ميحلاش من غير الحلو ، ولا إيه يا شادي يا ابن خالي؟
قالتها وهي تقترب منه بالطبق الممتلئ، ف ارتد بجزعه يعترض بزوق:
- متشكرين يا سامية على زوقك، بس للأسف، أنا مليش في الحلو اوي، عن اذنك اشوف الشغل اللي ورايا.
قالها وخرج سريعًا، لتلتف هي نحو رحمة تقول بعتب:
- عاجبك كدة، طب حتى يجاملني بحتة صغيرة.
ردت رحمة بابتسامة ضعيفة:
- ما انتي عارفة أكله خفيف اساسًا، يعني مش هيتحمل تاني على الأكل التقيل.
اضافت صبا على قولها باستغلال للموقف:
- دا غير انه جالك ان ملهوش في الحلو، هيبلع بعافية يعني؟!